بيع الوارث لنصيبه الشائع في العقار


                                                                     أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين

                                                   الاستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء

 

من المعلوم ان اموال التركة تكون شائعة مشتركة بين الورثة قبل قسمتها بينهم وفرزها وتعيين نصيب كل وارث على حدة, وقبل القسمة قد يحتاج الورثة الى التصرف في العقار المشترك حيث يتفق الورثة جميعهم على التصرف في العقار ولا مشكلة في ذلك, ولكن الاشكاليات تحدث عندما يقوم  غالبية الورثة بالتصرف بالعقار المشترك ويعارض ذلك احد الورثة او عندما يقوم احد الورثة بالتصرف بالعقار فيقوم الورثة الاخرون بإجازة هذا التصرف صراحة او ضمنا في حين يرفض احدهم اجازة هذا التصرف. فعندئذ يتعطل التصرف ويتعطل العقار وتحدث الاشكاليات فيما بين الورثة انفسهم وفيما بين الورثة وبين المتصرف له بالعقار, وهناك قضايا عدة من هذه الشاكلة منظورة امام القضاء, ومن هذه القضايا القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا وهو الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية  بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 5/2/2011م في الطعن الشخصي رقم (40888) لسنة 1432هـ وتتلخص وقائع القضية التي قضى فيها الحكم محل تعليقنا ان رجلا مات وترك تركة منها منزل وبعد حين قامت ارملةالميت مالك البيت قامت ببيع البيت كاملا فقام بعض الورثة الاخرين بالإجازة الصريحة او الضمنية لتصرف والدتهم باستثناء احدى الوارثات وهي الساكنة في البيت المشار اليه  حيث رفضت اجازة تصرف والدتها وقامت برفع دعوى امام المحكمة المختصة طالبة ابطال التصرف الصادر من امها لأنها لاتملك قانونا الحق في التصرف في العقار المشترك. وقد حكمت المحكمة الابتدائية بثبوت تصرف الام وثبوت الاجازة الصريحة لتصرف الام من قبل اثنين من الورثة الذكور وثبوت الاجازة الضمنية من اثنين اخرين  من الورثة الذكور وعدم ثبوت الاجازة من البنت الوارثة وهي المدعية وهي اخت الاربعة الذكور الذين اجازوا صراحة وضمنا تصرف والدتهم, وبالإضافة الى ذلك فقد قضى الحكم الابتدائي بلزوم اخراج نصيب البنت المدعية من المنزل المباع, فقامت الام وابناؤها الاربعة بالطعن في الحكم الابتدائي امام محكمة الاستئناف التي ايدت الحكم الاستئنافي مسببة حكمها بان من شروط البيع ان يكون البائع مالكا لما يبيع ولذلك فان بيع الام نافذ فيما يتعلق بنصيبها ويلحق بذلك من اجاز البيع صراحة وضمنا فان اجازتهم ملزمة لهم اما المستأنف ضدها فلم يثبت قيامها بالبيع او اجازتها للبيع الصادر من امها كما انه لم يثبت اجازتها للبيع صراحة او ضمنا ولذلك فانه من اللازم اخراج نصيبها من العقار عن طريق تثمين العقار بسعر الزمان والمكان واخراج نصيبها من الثمن, الا انها لم تقنع بالحكم الاستئنافي فقامت بالطعن بالنقض امام المحكمة العليا التي اقرت الحكم الاستئنافي مسببة حكمها بانه (وتجد الدائرة بعد الاطلاع على الاوراق مشتملات الملف ان مانعاه الطاعنون على الحكم الاستئنافي انه مخالف للشرع والقانون, الا ان الدائرة من  خلال دراستها لملف القضية قد وجدت ان الحكم المطعون فيه موافق من حيث النتيجة للشرع والقانون للأسباب التي استند اليها في تأييده للحكم الابتدائي) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب الاوجه الاتية : 

الوجه الأول : بيع الوارث لنصيبه  الشائع في العقار:

نصيب الوراث الشائع في العقار هو مجموع ما للوارث في العقار من سلطات على الشيء الشائع في حدود حصته,  فالوارث في العقار علي الشيوع يملك نصيبه  ملكا تاما ولذلك يكون له باعتباره مالكا التصرف في نصيبه  بكافة انواع التصرفات القانونية, وقد صرح القانون المدني بجواز بيع الوارث لنصيبه  الشائع في العقار وذلك في المادة (494) التي نصت على انه (يصح بيع  حصة شائعة معلومة في عقار للشريك او لغيره) واستنادا الى ذلك فقد قضى الحكم محل تعليقنا بصحة بيع الام لنصيبها من المنزل, على ان بيع الوارث لنصيبه الشائع في العقار يقرر حق الورثة الاخرين في الشغعة بحسب الشروط المقررة لذلك .

الوجه الثاني : اجازة الورثة الصريحة للتصرف في العقار الشائع كاملا :

من خلال المطالعة للحكم محل تعليقنا نجد ان حكم محكمة الموضوع قد قضى بثبوت صحة الاجازة الصريحة الصادرة من اثنين من الورثة للبيع الصادر من امهم للعقار الشائع كاملا, وذلك يعني ان الاجازة تجعل التصرف ليس نافذا فقط بالنسبة لنصيب الام  في العقار المبيع  بل في نصيب ابنيها اللذين اجازا تصرفها صراحة على اساس ان بيع الام بالنسبة لما يزيد عن حصتها في العقار يكون موقوفا باعتباره على اجازة الورثة الاخرين حسبما ورد في المادة (522) مدني التي نصت على انه (اذا انعقد البيع موقوفا غير نافذ كبيع الفضولي وبيع الصبي المميز غير المأذون فلا يفيد ملك المشتري للمبيع ولا ملك البائع للثمن الا اذا اجاز البيع من له الحق في اجازته ووقعت الاجازة مستوفية شروطها) وبناء على ذلك فقد قضى حكم محكمة الموضوع الذي اقره الحكم محل تعليقنا بثبوت الاجازة وذلك يعني ان بيع الام قد صار نافذا بالنسبة لنصيب الوارث الذي اجاز التصرف ولا يكون التصرف نافذا الا في حدود نصيب الوارث الذي اجاز البيع .وبموجب النص القانوني السابق ذكره فان تصرف الام بالنسبة لولديها كان موقوفا على اجازتهما  وبعد اجازتهما اصبح التصرف نافذا بالنسبة لنصيبهما .

الوجه الثالث : الاجازة الضمنية للتصرف في العقار الشائع بين الورثة :

من خلال المطالعة للحكم محل تعليقنا نجد ان محكمة الموضوع قد حكمت بثبوت وصحة الاجازة الضمنية الصادرة من اثنين من الورثة وذلك لبيع العقار الشائع كاملا من قبل امهم البائعة, حيث لم يصرح الاثنان من الورثة بإجازتهما للبيع الصادر من امهما ولكن الاجازة الضمنية مستفادة من رفضهما للدعوى المرفوعة من اختهما الساكنة في العقار الشائع التي ادعت عدم صحة البيع الصادر من امها حيث وقف الاخوة جميعهم  في جانب الام امام المحكمة في مواجهة الدعوى المرفوعة من اختهم المدعية حيث دافعوا على تصرف امهم في العقار كاملا فهذا الدفاع بمثابة اجازة ضمنية لتصرف الام وقد استمر الاخوة الذكور في موقف الدفاع عن تصرف امهم في كل مراحل التقاضي حيث وقف الاخوة ضد دعوى اختهم التي ادعت بطلان تصرف امهم لانها لا تملك التصرف الا في حدود نصيبها –     فهذ الموقف من الاخوين يدل على انهما قد اجازا ضمنا البيع الصادر من امهم حسبما قضى الحكم الموضوعي الذي ايده الحكم محل تعليقنا .

وسند الحكم محل تعليقنا في تقرير اجازة الاخوة الذكور الصريحة والضمنية للبيع الصادر من امهم ما ورد في المادة (523) مدني التي نصت على ان (الاجازة هي اقرار العقد الموقوف عليها ممن يملك ذلك  بالغا رشيدا مدركا مختارا غير مكره ولا هازل وتكون صريحة او ضمنية بالقول او بالفعل وتنعطف  الاجازة على العقد منذ وقوعه) .

الوجه الرابع : اخراج نصيب الوارث الرافض للتصرف في العقار الشائع :

قضى حكم محكمة الموضوع الذي ايده الحكم محل تعليقنا بلزوم اخراج نصيب البنت التي لم توافق على البيع الصادر من امها للعقار الشائع كاملا , والتي طلبت من محكمة الموضوع ابطال ذلك  التصرف, فاخراج نصيب الوارثة الرافضة للبيع لا يتم عينا طالما وحصتها شائعة وليست مفرزة وطالما والعقار الشائع غير قابل للقسمة عينا ففي هذه الحالة يتم الاخراج عن طريق تثمين العقار بحسب سعر الزمان والمكان ثم يتم  بيع واخراج ما يخص الوارثة الرافضة من الثمن, اما اذا كان العقار قابلا للقسمة العينية فعندئذ يتم تثمين العقار الشائع ويتم فرز وتعيين نصيب الوارثة الرافضة على قدر نصيبها من اجمالي ثمن العقار الشائع, ومعني لزوم اخراج نصيب الوارثة الواردة في منطوق حكم محكمة الموضوع المقر من قبل الحكم الصادر من المحكمة العليا تعني ان ذلك يتم جبرا اذا لم يتم القيام به رضاء فعندئذ يتم اللجوء الى القضاء لتنفيذ الحكم, فلا يفهم من ذلك ان الاخراج يتم بقسمة جديدة تخضع للدعاوى الموضوعية, والله اعلم .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اسباب الطعن بالنقض في القانون اليمني

ماهي الحالة التي يجوز فيها الحكم بإعادة القضية الى المحكمة الابتدائية؟

إنكار المحرر العرفي الصادر عن الغير