إنكار المحرر العرفي الصادر عن الغير
أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين
الاستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء
انشاء العقود والتصرفات في اليمن تشوبه العشوائية فيحتاج الى اعادة
تنظيم ووضع معالجات لتجاوز هذه العشوائية التي تكون اكثر ظهورا وحضورا في المحررات
العرفية التي تشكل اكثر من نسبة 93%من العقود والتصرفات, ولذلك فإن الاشكاليات
تلازم المحررات العرفية من حيث حجيتها وانكارها ومناقشتها وغير ذلك, ولأن المحررات
العرفية على هذا النحو من التوسع والتشعب فإننا في هذا التعليق الموجز سوف نقتصر
على الاشارة الى انكار المحرر العرفي الصادر عن الكاتب او الامين غير المختص علاوة
على مناقشة هذا المحرر والاثار المترتبة على المناقشة, ولذلك نجد انه من المناسب
في هذا الموضوع التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في
جلستها المنعقدة في تاريخ 19/1/2011م في الطعن المدني رقم (41904) لسنة 1432هـ
وتتلخص وقائع هذه القضية ان رجلا باع لأبنة بنته قطعة ارض في اثناء حياته؛ وبعد
وفاة الجد البائع قام اولاده الورثة بتجريف الارض التي باعها مورثهم لابنة بنته
وعندها قامت بنت البنت المشترية برفع دعوى امام المحكمة الابتدائية طلبت فيها
الزام اخوالها المدعى عليهم بعدم التعرض
لملكها في تلك الارض المباعة لها من جدها لامها؛ وقد حكمت المحكمة الابتدائية بعدم
صحة دعوى المدعية وبثبوت ملكية الارض المدعى بها لأخوالها المدعى عليهم فقامت المدعية باستئناف الحكم الابتدائي
امام محكمة الاستئناف التي قضت بقبول الاستئناف للحكم الابتدائي وثبوت ملكية الارض
محل النزاع للمستأنفة والزام اخوالها المستأنف ضدهم بعدم معارضتها في ملكيتها وقد
جاء في اسباب الحكم الاستئنافي انه من الثابت في الاوراق ان بصيرة شراء المستأنفة
وما تحرر فيها ان الارض محل النزاع قد اتصلت اليها بالشراء الصحيح من جدها لامها
مورث المستأنف ضدهم وفقا لبصيرة الشراء والمؤيدة صحتها بشهادة الشاهدين المذكورين
في البصيرة اللذين افادا بان البيع تم امامهما وذلك في منزل كاتب البصيرة وان
البائع استلم ثمن الارض امامهم ولذلك فان هذه البصيرة محرر عرفي له حجيته استنادا
لأحكام المادتين (103و104) من قانون الاثبات, ولا يجدي المستأنف ضدهم نفعا التشكيك
في البصيرة المشار اليها بعد ان قاموا بمناقشة مضمون البصيرة في ردهم الكتابي عملا
بأحكام المادة (105) اثبات التي تنص على ان من احتج عليه بمحرر عرفي وناقش محتواه فلا
يقبل منه انكار الخط او الامضاء او الختم او بصمة الاصبع, فلم يقنع المستأنف ضدهم
بالحكم الاستئنافي فقاموا بالطعن بالنقض في ذلك الحكم امام الدائرة المدنية
بالمحكمة العليا التي اقرت الحكم الاستئنافي مسببة حكمها بان (الدائرة بعد الرجوع
الى الاوراق مشتملات الملف وجدت ان ما ينعي به الطاعنون من ان البصيرة التي تتمسك
بها المطعون ضدها مفتعلة وحيلة على الورثة الشرعيين وان مورثهم مات باسطا قابضا
للأرض محل النزاع ولا يعلمون انه باعها وقد وجدت الدائرة ان هذا النعي في غير محله وليس له سند من الواقع والقانون حيث ثبت لمحكمة
الاستئناف صحة بصيرة الشراء بعد ان ناقشت
تفصيلا اسباب الحكم الابتدائي اضافة الى انه ثبت لديها قيام الطاعنين
بمناقشة البصيرة محل النزاع ولذلك فان
قضاء الشعبة المدنية الاستئنافية قد استند الى اسباب سائغة ومقبولة قانونا مما
يستوجب رفض الطعن) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب ما هو مبين في الاوجه الاتية
:
الوجه الاول : ماهية المحرر العرفي :
قرر الحكم محل تعليقنا ان وثيقة ملكية الارض (البصيرة) هي محرر عرفي
بموجب قانون الاثبات الذي عرف المحررات
العرفية في المادة( 99) التي نصت
على ان (المحررات العرفية هي التي تصدر من الاشخاص العاديين فيما بينهم ويجوز لهم
تعميدها لدى الجهة المختصة في حضورهم وبعد التأكد من اشخاصهم وموافقتهم على ما جاء
فيها فتأخذ حكم المحررات الرسمية) وبموجب هذا النص نجد ان المحرر العرفي هو الذي
يقوم بصياغته او تحريره شخص غير مختص قانونا بتحرير المحرر, لأن الشخص المختص
بتحرير البصيرة او وثائق ملكية الارض محل
في القضية التي اشار اليها الحكم محل تعليقنا هو الامين الشرعي او الموثق وفقا لقانون
التوثيق , فاذا لم يقم غير الامين اوالموثق بهذه المهمة فان المحرر يكون عرفيا
الااذا تم تقديمه بعد تحريره الى قلم التوثيق لتوثقيه وهو المقصود بتعميده
المذكورة في النص السابق , ومن خلال
مطالعة وقائع الحكم محل تعليقنا نجد ان
الشخص الذي قام بتحرير العقد ليس الامين الشرعي المختص كما انه لم يتم توثيق
اوتعميد ذلك المحرر ؛ ولذلك قرر الحكم محل تعليقنا ان المحرر عرفي لان الذي تولى
صياغته او تحرير شخصا عاديا وليس الامين الشرعي المرخص له من قبل وزارة العدل الذي
يكون المحرر الذي يقوم بتحريره رسميا, اما المادة (103) اثبات فقد حددت انواع
المحررات العرفية حيث نصت هذه المادة على ان (المحررات العرفية اقسام ثلاثة أ-
محررات مكتوبة بخط الخصم وموقع عليها منه ب- محررات مكتوبة بخط الغير وموقع عليها
من الخصم ج- محررات مكتوبة بخط الغير وليس عليها توقيع للخصم ويكون التوقيع على
المحرر اما بالخط او بالختم او بصمة الاصبع) ومن خلال استقراء هذا النص ومن خلال
مطالعة وقائع الحكم محل تعليقنا نجد الذي
قام بتحرير البصيرة او المحرر محل النزاع
او كتابتها بخطه هو الغير اي غير الشخص ااذي صدر منه التصرف وغير الامين
الشرعي المختص كما نجد ان هذا الغير هو
الذي قام بالتوقيع على تلك البصيرة بما
يفيد ان هذا الغير هو الذي قام بكتابتها وصياغتها وليس عليها توقيع البائع, وهذا
الغير كما ذكرنا هو غير البائع وغير الامين الشرعي المختص.
الوجه الثاني : حجية المحرر العرفي الصادر من الغير :
للمحرر العرفي حجية معتبرة في الشريعة والقانون بما في ذلك المحرر
الذي يقوم الغير بكتابته والمقصود بالغير
غير الشخص الذي صدر منه التصرف
وغير الامين الشرعي المختص مثلما حصل في القضية التي اشارت اليها
وقائع الحكم محل تعلقينا, وفي هذا الشأن نصت المادة (106) اثبات على انه
(اذا كان المحرر العرفي مكتوبا بخط الغير وغير موقع من الخصم فيجب الاشهاد عليه
للأخذ بما جاء فيه غير انه اذا كان كاتب
المحرر معروفا بالعدالة والامانة وحسن السيرة وكان خطه معروفا للقاضي لشهرته او
كان قد اقر امامه انه كاتب المحرر وشهد بصحة ما جاء فيه فأنه يجوز الاخذ بما جاء
في المحرر مالم يثبت الخصم غير ذلك ببينكة قانونية) وبتطبيق هذا النص القانوني على
القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا نجد ان الكاتب الذي قام بتحرير البصيرة ليس
امينا شرعيا حتى يكون المحرر الذي يقوم بكتابته رسميا, ولذلك كان المحرر عرفيا
ولذلك قامت محكمة الموضوع (الاستئناف) بإحضاره وبحضوره حضر شاهد العقد حيث تأكدت
محكمة الموضوع واطمأنت لصحة المحرر وحجيته, وعجز المستائف ضدهم عن اثبات خلاف
ماورد في ذلك المحرر, ولذلك فان المحرر العرفي في هذه الحالة يكون حجة على
المستأنف ضدهم مع انه لم يصدر منهم كما ان
ذلك المحرر لم يصدر من مورثهم وانما صدر من الغير على النحو السابق بيانه؛ علما
بانه من المقرر في قانون الاثبات ان
المحرر الذي يكون حجة على المورث يكون في الوقت ذاته حجة على ورثته .
الوجه الثالث : انكار المحرر العرفي الصادر من الغير :
من خلال مطالعة وقائع الحكم
محل تعليقنا نجد ان اخوال المشترية من جدها لامها قد انكروا وثيقة البيع الصادرة
من ابيهم, وقد ذكروا في المذكرات المقدمة منهم ان هذا البيع لم يصدر من ابيهم
وذكروا ايضا انه حيلة على الورثة وانه مفتعل أي غير صحيح, فإنكار المحرر العرفي
الصادر من الغير الذي ليس فيه توقيع او بصمة الخصم يكون صريحا كأن ينكر الشخص صدور
التصرف منه او من مورثه ؛ اما اذا كان المحرر صادرا من الغير وعليه توقيع توقيع
الخصم او بصمته اوكان المحرر صادرا من الخصم نفسه بخطه وعليه توقيع الخصم وبصمته
ففي هاتين الحالتين يتجه الانكار الى انكار ان يكون الخط خطه او التوقيع توقيعه او
البصمة بصمته ؛ وفي هذا الشأن نصت المادة (105) اثبات على انه ( من احتج عليه
بمحرر عرفي وناقش محتواه فلا يقبل منه انكار الخط او الامضاء او الختم او بصمة
الاصبع) ومع ان هذه المادة من ظاهرها توحي ان الحكم المقرر لايكون الابالنسبة
للمحرر الذي يتضمن توقيع وبصمة الخصم الا ان الواقع والتطبيق القضائي يدل على ان
الحكم المقرر في هذه المادة يشمل كافة اقسام
وحالات المحرر العرفي بما في ذلك حالة المحرر العرفي الصادر من الغير الذي
ليس فيه خط او توقيع او بصمة الخصم مثلما ورد في الحكم محل تعليقنا ؛ وبهذه
المناسبة فاننا نوصي بتعديل المادة السابق حتي تستوعب حالات انكار المحررات العرفية باقسامها
الثلاثة.
الوجه الرابع : مناقشة المحرر
المسقطة لإنكار المحررالعرفي الصازر من الغير :
قررت المادة (105) اثبات ان مناقشة الخصم للمحرر العرفي تسقط حقه في
انكار المحرر حيث نصت هذه المادة على انه ( من احتج عليه بمحرر عرفي وناقش محتواه
فلا يقبل منه انكار الخط او الامضاء او الختم او بصمة الاصبع) وقد سبق لنا في
الوجه السابق القول بان النص يشمل حالة صدور المحرر من الغير ؛ واستنادا الى هذا
النص فقد قضى الحكم محل تعليقنا بانه من
غير المقبول انكار الورثة للمحرر العرفي الذي يحكي بيع مورثهم طالما وهم قد ناقشوا
هذا المحرر وخاضوا في مضمونه, والمناقشة قد تكون كتابة يدونها الخصم في مذكرته ردا
على من يحتج بالمحرر العرفي مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا
كما قد تكون المناقشة شفوية تتم في اثناء المرافعة امام المحكمة ويتم اثباتها في
محضر الجلسة فاذا كانت المناقشة قد تمت
خارج نطاق المحاكمة فلايترتب على ذلك عدم قبول انكار المناقش للمحرر الذي ناقش
مضمونه خارج نطاق المحاكمة حتي تم اثبات ذلك وهذا ما قضت به محكمة النقض
المصرية , فمناقشة الخصم للمحرر العرفي في
اثناء المحاكمة بمثابة تسليم من الخصم بصحة نسبة الخط او الامضاء او الختم او
البصمة حسبما استقر عليه قضاء محكمة النقض المصرية .
الوجه الخامس : دور القاضي عند انكار الخصم للمحرر العرفي الصادر من
الغير :
اذا انكر الخصم المحرر العرفي الصادر من الغير كان للقاضي الحرية
التامة في تحديد اهمية هذا المحرر في الدعوى فاذا وجد القاضي ان المحرر المقدم في
الدعوى ليس له اهمية في تحديد مركز الخصوم استبعد المحرر اما اذا تبين للقاضي ان
المحرر له اهمية في اثبات واقعة منتجة في الدعوى او يتوقف عليها مصير الدعوى
ايجابا او سلبا فيقوم القاضي بإحالة المحرر الى النيابة لإجراء التحقيق اللازم ؛
والله اعلم .
تعليقات
إرسال تعليق