ماهي الحالة التي يجوز فيها الحكم بإعادة القضية الى المحكمة الابتدائية؟
أ.د عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء
الحكم محل تعليقنا هو
الحكم الصادر بتاريخ 2/4/2007م عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في الطعن
المدني رقم (27479) 1427ه وخلاصة هذا الحكم انه (بعد مطالعة الدائرة لأوراق القضية
فقد وجدت الطاعن ينعي على محكمة الاستئناف انها اخطأت حينما قضت بإعادة ملف القضية
الى محكمة اول درجة للفصل في القضية من جديد, وقد وجدت الدائرة ان هذا النعي في
محله حسبما ورد في المادة(288)مرافعات, لان محكمة اول درجة قد استنفدت قضاءها فيه و
ناقشت في حكمها كل جوانب ومسائل الدعوى وفصلت فيها وذلك يعني ان محكمة اول درجة قد
رفضت طلبات المدعي, ولما كان الامر كذلك فان ما قررته محكمة الاستئناف من ارجاع
ملف القضية الى محكمة اول درجة يخالف المادة (288) مرافعات وذلك يعد سبباً من
الأسباب القانونية للطعن بالنقض المنصوص عليها في المادة (292)مرافعات, وعليه وبعد
المداولة فان الدائرة تحكم بنقض الحكم الاستئنافي وإعادة الكفالة للطاعن وإعادة
ملف القضية الى محكمة الاستئناف للفصل في القضية بحكم فاصل وفقاً للقانون وبحسب ما
يثبت لديها)وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب الأوجه الاتية :
الوجه الأول:
الأساس القانوني للحكم محل تعليقنا:
استند
الحكم محل تعليقنا في قضائه الى المادة :288 مرافعات التي نصت في الفقرة (و) على
ان (تحكم المحكمة الاستئنافية اما بتأييد الحكم المستأنف او الغائه او تعديله واما
بإعادة القضية الى محكمة اول درجة للفصل فيما لم يتم الفصل فيه)فالثابت ان محكمة اول درجة قامت بالفصل في الدعوى الابتدائية ووفقاً للنص القانوني السابق ذكره
فانه يتوجب في هذه الحالة تطبيق قاعدة (الاستئناف يعيد طرح النزاع)حيث ينبغي على
محكمة الاستئناف ان تتعرض لكل المسائل التي سبق لمحكمة اول درجة ان فصلت فيها ,وفي
هذا الشأن نصت المادة (288) مرافعات على ان يطرح الاستئناف القضية المحكوم فيها
امام محكمة الاستئناف للفصل فيها من جديد في الواقع والقانون ويجب على محكمة الاستنئاف
الا تنطر الا في الوجوه والحالات التي رفع عنها الاستئناف فقط وفي حدود ما فصلت
فيه محكمة الدرجة الأولى من تلك الوجوه )ولذلك فان الحكم محل تعليقنا يوافق
القانون.
الوجه
الثاني: مبررات عدم جواز إعادة القضية الى محكمة اول درجة في هذه الحالة:
أشار الحكم محل
تعليقنا الى ان سبب ذلك هو ان محكمة اول درجة قد استنفذ ولايتها، ولكن هناك مبررات
أخرى من المناسب الإشارة اليها وعلى النحو الاتي:
المبرر
الاول: استنفاذ محكمة اول درجة لولايتها:
حيث ان محكمة اول
درجة قد فصلت في تلك المسائل بحكم منه للخصومة وبذلك تكون قد استنفذت ولايتها
القضائية في نظر تلك المسائل، فإعادة تلك المسائل مرة أخرى الى محكمة اول درجة
يخالف مبدا استنفاذ الولاية القضائية.
المبرر الثاني:
سبق لمحكمة اول درجة ان افصحت عن حكمها في تلك المسائل:
فإعادة ملف القضية الى
محكمة اول درجة يتجاهل حقيقة ان هذه المحكمة قد سبق لها ان افصحت عن حكمها في
المسائل التي سبق لها ان فصلت فيها، فصار حكمها ظاهرا ومعروفا فلا يستبعد ان تحكم
في تلك المسائل على نحو ما سبق لها ان حكمت به.
المبرر
الثالث: الإعادة في هذه الحالة تعطل مبدا ان الاستئناف يعيد طرح النزاع:
فالمقصود بهذا المبدأ
ان استئناف الحكم الابتدائي امام محكمة الاستئناف يجعل المسائل التي فصل فيها
الحكم الابتدائي مثارة امام محكمة الاستئناف لتدقيقها وتمحيصها لمعرفة الحقيقة،
والحكم في ضوء ذلك اما بتأييد الحكم الابتدائي او تعديله او الغائه ويحق حينئذ
للمحكوم عليه ان يطعن بالنقض في هذا الحكم امام المحكمة العليا، فلو جاز اعادة
للقضية الى المحكمة الابتدائية في هذه الحالة لما كان لمبدأ الاستئناف يعيد طرح
النزاع اية فائدة.
المبرر
الرابع: محكمة الاستئناف محكمة موضوع:
ولذلك يحق لها ان تعيد
البحث والتحقيق في المسائل التي سبق لمحكمة اول درجة ان فصلت فيها وان تناقش ذلك
وان تفصل في القضية بعدئذ بحكم جازم، فلا حاجة عندئذ لإعادة ملف القضية الى محكمة
اول درجة للفصل فيها من جديد.
المبرر
الخامس: مبدا التقاضي على درجتين وعلاقته بعدم جواز إعادة القضية الى محكمة اول
درجة:
فمقتضى هذا المبدأ ان
التقاضي الموضوعي ينبغي ان يتم على درجتين الدرجة الأولى المحكمة الابتدائية والدرجة
الثانية المحكمة الاستئنافية حيث يستطيع أطراف الخصومة إعادة طرح النزاع امام
محكمة ثانٍ درجة لمناقشته والتحقيق من سلامة الحكم الابتدائي واستدراك وتصويب
أخطاء هذا الحكم، وفي ضوء ذلك تصدر محكمة ثان درجة حكمها حيث تستنفذ بذلك ولايتها،
على ان حكمها يكون قابلا للطعن بالنقض امام المحكمة العليا , ولكن لا مجال في هذه
الحالة لإعادة القضية الى محكمة اول درجة.
المبرر
السادس: الاجتهاد الجماعي لمحكمة الاستئناف والاجتهاد الفردي لمحكمة اول درجة:
التنظيم القضائي في
اليمن يعتمد على ان القضاء الابتدائي في الغالب يتكون من قاض فرد يجتهد في تطبيق
النصوص القانونية على الوقائع والمسائل الموضوعية المنظورة امامه حيث يقوم بإصدار
حكمه الذي يكون قابلا للطعن بالاستئناف امام شعبة مشكلة من ثلاثة قضاة اكبر منه سناً
واكثر خبرة ودراية حيث يعاد طرح النزاع امامهم فيجتهدون بدورهم في إعمال النصوص
القانونية على الوقائع والمسائل الموضوعية ,المعاد طرحها امامهم ,وهم في اجتهادهم
الجماعي اكثر جدارة واقدر على الفصل في الموضوع اما بتأييد الحكم الابتدائي او تعديله
او الغائه, ويكون هذا الحكم قابلا للطعن امام النقض ولكن في كل الأحوال لا يحق
للحكم الاستئنافي ان يعيد ملف القضية الى محكمة اول درجة.
المبرر
السابع: السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع:
فالمحكمة الابتدائية
باعتبارها محكمة موضوع تملك السلطة التقديرية بشان المسائل الموضوعية المثارة
امامها طالما وهي لم تخالف القانون، وحتى يكون الحكم القضائي عادلا وعنوانا
للحقيقة قرر القانون إعادة طرح تلك المسائل الموضوعية امام محكمة الاستئناف التي
تتكون من عدد اكثر من القضاة لإعادة مناقشة تلك المسائل الموضوعية والوقوف على
الحقيقة وإصدار الحكم الاستئنافي في ضوء ذلك ,ويكون هذا الحكم قابلا للطعن بالنقض للرقابة على قانونية التقدير
ومطابقتها للقانون, فلا مجال حينئذ لإعادة ملف القضية الى محكمة اول درجة التي سبق
لها ان باشرت سلطتها التقديرية .
المبرر الثامن:
الاقتصاد في إجراءات التقاضي وعدم الهدر الاجرائي:
من مبادى الحكم
العدال والمحاكم العدالة الاقتصاد في اجراءات التقاضي، حتى يتم الوصل الى العدالة
بقصر وأيسر السبل، فلو جاز إعادة القضية الى محكمة اول درجة لتعطل هذا المبدأ والله
علم.
تعليقات
إرسال تعليق