إعادة تقديم الدفع امام الاستئناف
أ.د. عبد المؤمن
شجاع الدين
الاستاذ بكلية
الشريعة والقانون جامعة صنعاء
هناك مفاهيم
قانونية اجرائية تتشابه, ويترتب على ذلك ان يكون فهمها دقيقا حتى انها تلتبس في
اذهان بعض القضاة والباحثين, ومن ذلك مدى جواز ان يقوم الخصم امام محكمة الاستئناف
باعادة تقديم الدفع الذي سبق لمحكمة اول درجة ان قامت بالفصل فيه على اساس ان
الدفع متعلق بالنظام العام فتجوز اثارته في اية
مرحلة من مراحل التقاضي حيث يثير اعادة
تقديم هذا الدفع امام محكمة الاستئناف اشكاليات عدة تتداخل مع هذا الموضوع, ومنها
مبدأ ان الاستئناف يعيد طرح النزاع برمته
امام محكمة الاستئناف وان الطعن في الحكم الابتداهي للخصومة يعد طعنا في القرارات
التي سبق لمحكمة اول درجة ان اصدرتها في الخصومة, قد اشار الى هذه المسألة الحكم
محل تعليقنا وهو الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها
العلنية بتاريخ 11/1/2011م في الطعن المدني رقم (41749) لسنة 1432هـ وتتلخص وقائع
القضية التي تناولها هذا الحكم ان شخصا تقدم بدعواه امام المحكمة الابتدائية مدعيا
بانه قد قام بتأجير بركة تتجمع فيها المياه للمدعى عليه مقابل ان يقوم المدعي عليه
بسقي بعض الحقول المملوكة للمدعي الا ان المدعى
عليه لم يقم بالوفاء بالتزامه حيث لم يسق الحقول المتفق على سقيها ولذلك
طلب المدعي الحكم بفسخ عقد الايجار ؛ وفي مواجهة هذه الدعوى تقدم المدعى عليه بدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل
فيها بحكم قضائي صادر من المحكمة ذاتها وبالفعل قدم المدعى عليه الحكم الذي سبق ان صدر في القضية حسبما
ذكر المدعى عليه فرد المدعي بان الدعوى المنظورة حاليا امام المحكمة تختلف في
موضوعها عن القضية التي فصل فيها الحكم الذي ابرزه المدعى عليه وطلب المدعي من
المحكمة المقارنة فيما بين القضية الحالية والسابقة والفصل في الدفع في ضوء ذلك ؛ واصر المدعى عليه على وجوب الفصل
في الدفع بداية باعتبار هذا الدفع من
الدفوع المتعلقة بالنظام العام, وبالفعل قامت المحكمة الابتدائية بالفصل في الدفع
حيث قررت عدم قبول الدفع لثبوت اختلاف القضيتين من حيث الموضوع وان اتحدتا من حيث
اطرافهما وسببهما ولم يقم المدعى عليه باستئناف ذلك ؛ ثم سارت المحكمة الابتدائية في نظر الدعوى
الاصلية فقام المدعى عليه بالرد على الدعوى وقدم المدعي ادلة دعواه حتى خلصت
المحكمة الى اصدار حكمها المنهي للخصومة
الذي تضمن في منطوقه الحكم برفض الدفع المقدم من المدعى عليه بعدم جواز نظر الدعوى المرفوعة من المدعي وقبول الدعوى شكلا
وفي الموضوع فسخ العقد المبرم فيما بين المدعي والمدعى عليه والزام المدعى عليه
برفع يده عن البركة المؤجرة له من المدعي لإخلال المدعى عليه بالعقد حسبما هو مبين
في حيثيات الحكم, فلم يقنع المدعى عليه
حيث قام بالطعن في الاستئناف بالحكم الابتدائي امام محكمة الاستئناف التي قضت بإلغاء الحكم الابتدائي ورفض دعوى المدعي لسبق
الفصل فيها بالحكم الصادر عن المحكمة المختصة وان المحكمة الابتدائية ماكان لها ان
تناقش الحكم السابق الصادر في القضية
لانها ليست محكمة طعن ولذلك فان
ماورد في اسباب الحكم الابتدائي بان الدعويين
مختلفتان تعليل سقيم حسبما ورد في اسباب الحكم الاستئنافي ؛ فلم يقبل
المدعي بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن بالنقض في ذلك الحكم فقامت المحكمة العليا بنقض الحكم الاستئنافي ؛
وقد جاء في اسباب حكم المحكمة العليا محل تعليقنا ان (الدائرة بعد الاطلاع على
الاوراق وجدت ان الطعن في محله لأن الشعبة الاستئنافية لم تكن موفقة في حكمها
حينما قبلت الدفع وقضت بالغاء الحكم الابتدائي ؛ لأن المطعون ضده المدعى عليه كان
قد سبق له ان قام بالرد على الدعوى وخاض
الخصوم والمحكمة في الموضوع واصدرت
المحكمة حكمها في هذا الدفع وماكان ينبغي للمدعى عليه ان يثير هذا الدفع امام
الشعبة الاستئنافية وما كان ينبغي للشعبة
ان تخوض في هذا الدفع على هذا النحو هذا من جهة ومن جهة ثانية فان الدعوى في الحكم
الاول قد اختلفت فيها المراكز القانونية للخصوم والموضوع والسبب وبذلك تكون الشعبة
قد خالفت المادة (77) مرافعات بحيث وصم حكمها بالبطلان كما انه ليس صحيحا ما ذهبت
اليه الشعبة من ان المحكمة الابتدائية قد تعاملت مع قضية صدر فيها حكم من المحكمة
ذاتها وليس من حقها ذلك وانما من حق محكمة الاستئناف؛ لان ما ذهبت اليه المحكمة
الابتدائية كان صوابا لوجود اختلاف بين الحكمين في مراكز الاطراف القانونية وفي
الموضوع ؛فمن حق المحكمة الابتدائية تحقيق مستند الدفع, ولذلك فان تسبيب الشعبة
عليل لا يستند الى نص صريح ولا الى واقعة صحيحة من وقائع الموضوع الثابت في مدونة
الحكمين ؛ الامر الذي يقتضي معه والحال كذلك قبول الطعن موضوعا ونقض الحكم المطعون
فيه) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب
ما هو مبين في الاوجه الاتية :
الوجه الأول : مدى
امكانية اعادة تقديم دفع امام محكمة الاستئناف قد سبق الفصل فيه من قبل المحكمة
الابتدائية :
عند الدراسة
العميقة لأسباب الحكم محل تعليقنا نجد انه قد انكر على محكمة الاستئناف التعامل مع
الدفع الذي قام المدعى عليه باعادة تقديمه
امام محكمة اول درجة وفصلت فيه بحكم مسبب فقد انكر الحكم محل تعليقنا على
محكمة الاستئناف ان تتعامل مع هذا الدفع كما لو انه دفع جديد يقدمه الدافع لأول
مرة, لان هذا يخالف واقع الحال حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا حيث ان هذا الدفع
قد تم تقديمه امام محكمة اول درجة التي قامت بالفصل فيه بعد ان تداعى امامها
الدافع والمدفوع ضده حتى انتهت محكمة اول درجة الى الحكم في ذلك الدافع, فما كان
ينبغي للشعبة الاستئنافية ان تتجاهل هذه الوقائع التي وقعت بالفعل الحكم الابتدائي
الذي فصل في الدفع فما كان لمحكمة الاستئناف
ان تتعامل مع الدفع كما لو انه قد تم تقديمه اول مرة .
الوجه الثاني :
الاستئناف يعيد طرح النزاع وعلاقته باعادة تقديم الدفع الذي سبق للمحكمة
الابتدائية الفصل فيه :
مبدأ الاستئناف
يعيد طرح النزاع مبدأ قانوني اصيل مقرر في قوانين المرافعات كافة ومنها قانون المرافعات اليمني حسبما ورد في
المادة (288) مرافعات التي نصت على ان (يطرح الاستئناف القضية المحكوم فيها امام
محكمة الاستئناف من جديد في الواقع والقانون) ومقتضى ذلك ان استئناف الحكم
الابتدائي يجيز لمحكمة الاستئناف ان تناقش كافة الدعاوي والدفوع
والادلة التي تم اثارتها امام محكمة اول درجة
فيحق لمحكمة الاستئناف ان تناقش تبعا لذلك القرارات والاجراءات التي
اتخذتها محكمة اول درجة في تلك الوقائع والدفوع على اساس ما سبق تقديم امام محكمة
اول درجة وفي حدود ذلك , وبحسب ما ورد في الحكم محل تعليقنا فانه لا يجوز للخصم في
خصومة الاستئناف ان يعيد تقديم دفع جديد
امام محكمة الاستئناف قدسبق له ان قام
بتقديمه امام محكمة اول درجة وفصلت فيه بحكمها وانما يحق للدافع امام محكمة
اول درجة ان يطعن في الحكم الصادر عن محكمة اول درجة في الدفع الذي سبق له تقديمه
امام محكمة اول درجة فيحق لمحكمة الاستئناف حينئذ ان تلغي او تبطل الحكم الابتدائي
الصادر في الدفع السابق تقديمه امام محكمة اول درجة بمقتضى الصلاحيات المقررة
لمحكمة الاستئناف وفقا لمبدأ الاستئناف يعيد طرح النزاع ولكن محكمة الاستئناف لا
تملك قبول دفع جديد سبق الفصل فيه من قبل محكمة اول درجة حسبما قرر الحكم محل
تعليقنا .
الوجه الثالث :
الدفع بعدم جواز نظر الدعوى ومدى جواز اعادة رفعه امام محكمة الاستئناف :
صرح قانون
المرافعات في المادة (186) بان الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها تعتبر
من الدفوع المتعلقة بالنظام العام في حين
قررت المادة (185) مرافعات بانه (اذا كان الدفع متعلقا بالنظام العام جاز ابداؤه
في اية مرحلة من مراحل الخصومة ولو امام المحكمة العليا وعلى المحكمة ان تقضي به
من تلقاء نفسها بحكم مستقل وقبل الفصل في الموضوع) وبموجب هذا النص القانوني
الصريح يحق لأي من اطراف الخصومة الاستئناف ان يقدم امام محكمة الاستئناف الدفع
بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها ولكن ذلك مشروط بعدم سبق تقديم هذا الدفع
امام محكمة اول درجة وحكمها فيه, لان القانون قد اوجد الوسيلة المناسبة لمواجهة
الحكم وهي الطعن فيه وليس من بين هذه
الوسائل اعادة تقديم الدفع الذي سبق الفصل فيه بحكم لا سيما ان قانون المرافعات
اليمني يعرف الدفع بانه دعوى ؛ فلا مجال
لقبول الدعوى من جديد بعد صدور حكم فيها وانما ينبغي في هذه الحالة الطعن في الحكم
الصادر في الدفع .
الوجه الرابع :
جواز مناقشة محكمة اول درجة للحكم السابق صدوره في القضية للتأكد من صحة الدفع
بسبق الفصل في الموضوع :
قرر الحكم محل
تعليقنا انه يجوز للمحكمة الابتدائية وان لم تكن محكمة طعن ان تقوم بدراسة ومناقشة
الحكم السابق صدوره في القضية للتأكد من صحة الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق
الفصل فيها, فالغرض من هذه المناقشة هو التأكد من اتحاد الاطراف والموضوع والسبب
في الدعويين السابقة التي فصل فيها الحكم السابق والدعوى الاخيرة المنظورة
والمدفوعة بسبق الفصل فيها بالحكم فذلك يقتضي مناقشة التفاصيل الواردة في الحكم
السابق لا سيما موضوع الدعويين مثلما عمل
الحكم الابتدائي في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا, والمناقشة التي تجريها
محكمة اول درجة تختلف جذريا عن مناقشة محكمة الطعن للحكم المطعون فيه من حيث غرضها
وهدفها؛ فهي تبتغي التأكد من مدى تطابق الدعويين المحكوم فيها والتي لا زالت
منظورة وتهدف الى قبول الدفع او رفضه بناء على نتائج المناقشة بخلاف مناقشة محكمة
الطعن للحكم التي تبتغي الوقوف على موافقة الحكم او مخالفته لأحكام القانون وانها
تهدف الى الغاء الحكم وابطاله او تأييده واقراره ؛ والله اعلم .
تعليقات
إرسال تعليق