بيع الاستمارات والمعاملات
أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين
الاستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء
المقصود بالمعاملات
هنا هي الطلبات التي يتقدم بها الاشخاص الى الجهات المختصةالمختلفة مطالبين فيها
باشياء او منافع او حقوق قابلة للتصرف بها, ومن ذلك معاملات الحصول على اراضي
للانتفاع بها وتملكها وغير ذلك, حيث تنتشر ظاهرة بيع استمارات طلب عقود الانتفاع
باراضي الدولة في اليمن لاسيما في محافظات حضرموت والحديدة وعدن وشبوه وغيرها, وتثير هذه البيوع اشكاليات لا حصر لها,
ولذلك عزمنا على التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في
جلستها المنعقدة بتاريخ 4/1/2011م في الطعن المدني رقم (41537) لسنة 1432هـ وتتلخص
وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان شخصا كان قد شرع في معاملة لدى فرع الهيئة
العامة للأراضي للحصول على عقد انتفاع بقطعتين من اراضي الدولة حيث قام فرع الهيئة
بصرف استمارات لذلك الشخص وقبل ان تنتهي المعاملة بإبرام عقد الانتفاع فيما بين
ذلك الشخص وفرع هيئة الاراضي قام ذلك الشخص بتحريرعقد بيع الاستمارات المشار اليها لشخص اخر الا ان
البائع لم يسلم المشتري تلك الاستمارات, حيث تردد المشتري على البائع مرارا
لمطالبته وديا بتسليم الاستمارات فكان البائع يقول للمشتري : ان ابنه قد تصرف في
تلك الاستمارات للغير من غير علمه وانه لا يستطيع تنفيذ التزامه وانه مستعد لإعادة
السيارة والمبلغ المدفوع ثمنا للاستمارات الى المشتري, وبعدئذ قام المشتري برفع
دعوى امام المحكمة الابتدائية طلب فيها الزام البائع بتسليمه الاستمارات محل العقد
فرد البائع بانه يتعذر عليه تسليم الاستمارات لان ابنه قد تصرف فيها للغير بدون
علمه وقدم امام المحكمة شهودا للتدليل على
ذلك. وقد خلصت المحكمة الابتدائية الى الحكم بإلغاء العقد المبرم فيما بين البائع
والمشتري لاستحالة تنفيذه مع الزام المدعىعليه بتعويض المدعي بمبلغ مائتي الف ريال
مع اعادة مبلغ المائة الف ريال يمني المدفوعة في بداية العقد وان على المدعي ان
يأخذ سيارته الموجودة في الورشة التي كان المدعي قد سلمها للبائع مع مبلغ
اضافي ثمنا للاستمارات فأعادها المدعي
عليه الى الورشة لأنها كانت عاطلة واخطر المدعي بذلك في حينه كما قضى الحكم
الابتدائي بتحميل المدعى عليه مصاريف التقاضي لصالح المدعي مبلغ خمسين الف ريال
وقد جاء في اسباب الحكم الابتدائي وحيث ان المدعى عليه قدم ما يدل على عدم قدرته
على تسليم المبيع بحجة ان ولده قد قام بالتصرف بقطعتي الارض موضوع العقد وحيث ان المادة (193) مدني قد نصت
على انه اذا كان العقد صحيحا وتعذر تنفيذ الالتزام عينا جاز الحكم بالتعويض
العادل, وعليه ولثبوت ان هناك عقد بين الطرفين الا ان محل العقد غير مستوف لشروطه
فان المحكمة تحكم ببطلانه مع الزام المدعي عليه بالتعويض استنادا الى احكام المواد
(185و193و202) من القانون المدني, فقام المشتري باستئناف الحكم امام الشعبة
المدنية التي ايدت الحكم الابتدائي وقد جاء في اسباب الحكم الاستئنافي ان محكمة
الاستئناف لاحظت الجهالة في العقد
فالاستمارات محل هذا العقد هي مجرد طلبات كما انها غير رسمية والبيع
والشراء بالاستمارات فيه من الجهالة الشي الكثير وهذا امر مخالف للشرع والقانون
فالتعاقد على الاستمارات تعتريه الجهالة واستندت الشعبة الاستئنافية في حكمها الى
المواد (185و193و338و203) من القانون المدني, فقام المشتري بالطعن بالنقض في الحكم
الاستئنافي امام المحكمة العليا التي قررت نقض الحكم الاستئنافي لأنه كان يتوجب
عليه بحث الادلة على استحالة تنفيذ الالتزام حيث جاء في اسباب حكم المحكمة العليا
(ومن حيث الموضوع فان الدائرة بعد الرجوع الى الاوراق مشتملات الملف وجدت ان
ماينعي به الطاعن من ان محكمة الاستئناف قد قضت باستحالة التنفيذ دون اثبات على ذلك
من مدعي الاستحالة والدائرة تجد ان هذا
النعي في محله لان الطاعن قد طلب من محكمة
الاستئناف ذلك الا انها سهت عن ذلك مما يجعل قضاءها على غير دليل اساسي قانوني
وهذه مخالفة للقانون من حيث ان القضاء بالاستحالة غير قائم على دليل مما يجعل
الطعن مقبولا ويستوجب نقض الحكم المطعون فيه) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب
ما هو مبين في الاوجه الاتية :
الوجه الاول :
الوضعية القانونية للمعاملات او الطلبات للأشياء والحقوق :
المعاملات هي عبارة
عن طلبات يفصح فيها صاحب المعاملة بانه يطلب من الجهة المختصة قانونيا الحصول او تمكينه
من حق او منفعة, وقد يكون هذا الحق او تلك المنفعة قابلة للتصرف وقد لا تكون كذلك,
فاذا كان الحق شرعيا وقانونيا قابلا للتصرف أي ان الشرع والقانون يجيز لصاحب المعاملة التصرف في ذلك الحق وتلك المنفعة مثل التعويض
النقدي فعندئذ يجوز لصاحب المعاملةالتصرف في تلك المعاملة وعندئذ يكون هذا التصرف
بمثابة حوالة حق حيث ان صاحب المعاملة قد احال حقه الى المشتري للمعاملة
فيكون بموجب هذا الفهم صاحب المعاملات عندئذ بيعه او تصرفه في المعاملة قد
احال حقه الى المتصرف اليه اما اذا كان الحق المطلوب في المعاملة حق غير قابل
للتصرف ففي هذه الحالة لا يجوز لصاحب المعاملة بيع هذه المعاملة او التصرف فيها
فاذا تصرف فيها فيكون التصرف باطلا ويكون صاحب المعاملة عرضة للمسألة القانونية عن
تصرفه غير المشروع, وعند النظر في بيع استمارات المعاملة على اراضي الدولة
للانتفاع بها نجد ان عقود الانتفاع التي يتم ابرامها لاحقا تتضمن نصا بعدم جواز
التنازل عن عقد الانتفاع الي غير المنتفع الا بإذن هيئة الاراضي اضافة الى ان البسط ووضع اليد على
ارض الدولة عمل غير مشروع اصلا وبناء على
ذلك فان بيع الاستمارة غير مشروع ومثله بيع حق اليد اوالبسط اضافة الىان بيع
الاستمارات تصرف بشيء غير موجود حسبما ورد في الحكمين الابتدائي والاستئنافي علاوة
على ان الاستمارة لا تفيد التمليك حسبما ورد في اسباب الحكم الاستئنافي .
الوجه الثاني : بيع
المعاملات او الاستمارات وعلاقته ببيع المعدوم :
استند الحكم
الابتدائي في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا في ابطاله لعقد بيع
الاستمارات الى انه بمثابة بيع لشيء معدوم .وذلك لا يجوز في الشريعة والقانون حيث
اشترط الشرع والقانون في الشيء المبيع ان يكون موجود وان يكون مقدور على تسليمه او
القيام به عند ابرام العقد حسبما ورد في المادة
(185) مدني وبتطبيق هذا النص على بيع المعاملات او استمارات طلب الحصول على
اراض من اراضي الدولة للانتفاع بها نجد ان هذه الاستمارات حسبما ورد في اسباب الحكم
الاستئنافي وحسبما ورد في المادة (185) مدني السابق ذكرها عبارة عن بيع لشيء معدوم
غير موجود حيث ان تلك الاستمارات لا تثبت حقا لصاحب الاستمارة او المعاملة وان
تلك الاستمارة مجرد طلب من صاحبها قد
يتحقق وقد لا يتحقق ولذلك فان الحق غير موجود عند بيع الاستمارة, ولذلك فقد قضى
حكم محكمة الموضوع ببطلان بيع الاستمارات او المعاملات .
الوجه الثالث : بيع
المعاملات وعلاقته بالفساد :
اغلب المعاملات
التي تباع وتشترى في اليمن يقوم بها سماسرة عملهم هو القيام بالمعاملات حيث لا
يطلبون في تلك المعاملات الحقوق
اوالمنافع او الاشياء لأنفسهم اصلا وان
كانت المعاملات باسمهم حيث ان غرض هؤلاء المعاملين هو بيع المعاملات الى الغير
مقابل مبالغ مالية وهو بيع للمعدوم كما تقدم, وغالبا ما يشترك السماسرة المعاملون
مع الموظفين المختصين في الاثمان التي تباع بها تلك المعاملات, وبذلك فان بيع
المعاملات وسيلة من اخطر وسائل الفساد الوظيفي, ومن اهم المعاملات التي تباع
وتشترى في اليمن معاملات التراخيص للصيدليات ومحطات البنزين .....الخ, بالإضافة
الى عقود الوكالات للشركات الاجنبية باليمن التي تباع وتشترى بمئات الالاف من
الدولارات قبل ان يشرع البائع للوكالة باي عمل من اعمال الوكالة, والامثلة على بيع
المعاملات في اليمن كثيرة لا يتسع المجال للإشارة اليها في هذا التعليق الموجز .
الوجه الرابع :
وجوب استماع محكمة الاستئناف لشهادات الشهود ووقوفها على الادلة :
قضى حكم المحكمة
العليا محل تعليقنا بانه يتوجب على محكمة الاستئناف الاستماع الى شهادات الشهود
على استحالة تنفيذ الالتزام وذلك امام
محكمة اول درجة حسبما ورد في اسباب حكم المحكمة العليا, وحجة هذا الحكم ان
الاستئناف يعيد طرح النزاع بما في ذلك تقديم الادلة وطرحها امام محكمة الاستئناف
حيث قد يترتب على ذلك تغيير وجه الراي لديها في القضية اضافة الى ان الشعبة الاستئنافية هي محكمة موضوعينبغي عليها
الاستماع الى اقوال الشهود والادلة الاخرى التي قد يترتب على الوقوف فيها تغيير
وجه الرأي في القضية, كما ان وقوف محكمة الاستئناف على تلك الادلة السابق طرحها
امام محكمة اول درجة يبث الاطمئنان في نفوس الخصوم لان محكمة الاستئناف تتكون من
هيئة وليس قاضي فرد حيث تكون حسنة التقدير في دراستها للأدلة السابق طرحها . والله اعلم.
تعليقات
إرسال تعليق