أثر تعديل القانون على الدية

 


أ.د.عبد المؤمن شجاع الدين

كلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء

 

الحكم محل تعليقنا هو الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا باليمن في جلستها المنعقدة بتاريخ 16/12/2018م في الطعن الجزائي رقم (60687) لسنة 1440ه وخلاصة أسباب هذا الحكم أن (الحكم الاستئنافي المطعون فيه قد قضى بالدية وذلك مبلغ سبعمائة ألف ريال بناءً على القانون القديم الذي تم تعديله دون الحكم بفارق القوة الشرائية للعملة وذلك لا يوافق الشرع ولا العدل ولا المنطق إضافة ً إلى أنه قد استمع الشهود في غياب المشهود عليه) حسبما ورد في أسباب الحكم محل تعليقنا، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب الأوجه الآتية:

الوجه الأول: مقدار الدية في القانون النافذ:

أشار الحكم محل تعليقنا بأن الحكم الاستئنافي المطعون فيه قد أعتمد في تقرير الدية على القانون القديم الذي كان يحدد الدية بمبلغ سبعمائة ألف ريال يمني، وهذا يقتضي الإشارة إلى مقدار الدية في القانون الجديد النافذ وهو القانون رقم (32) لسنة 2006م بتعديل المادة (40) من القرار الجمهوري بالقانون رقم (12) لسنة 1994م بشأن الجرائم والعقوبات حيث نصت المادة (1) من القانون رقم (32) على أن (تُعدل المادة (40) من القرار الجمهوري بالقانون رقم (12) لسنة 1994م بشأن الجرائم والعقوبات على النحو التالي: مادة (40) دية العمد وشبه العمد خمسة ملايين وخمسمائة ألف ريال والأرش نسبة من الدية طبقاً لما هو منصوص عليه في القانون ودية الخطأ مليون وستمائة ألف ريال والأرش نسبة معينة من الدية بحسب الجناية وإذا ثبت أن الخطأ مشترك بين الجاني والمجني عليه تحمل الجاني من الدية بمقدار خطئه وتحمل العاقلة ما يلزمها بموجب القانون) وقد كانت دية العمد سبعمائة ألف ريال بموجب القرار بالقانون رقم (16) لسنة 1995م بتعديل المادة (40) من قانون الجرائم والعقوبات حيث صارت تنص المادة (40) على  أن (الدية كاملة هي سبعمائة ألف ريال يمني والأرش نسبة معينة من الدية تقدر تبعاً للجريمة طبقاً لما هو منصوص في المادة التالية وتخفض الدية في الخطأ بمقدار الخمس) في حين أن المادة الأصلية (40) في القرار الجمهوري بالقانون رقم (12) لسنة 1994م كانت تنص على أن (الدية كاملة ألف مثقال من الذهب الخالص تعادل خمسمائة جنيه من الذهب أبو ولد أو ما يعادل ذلك من العملة الورقية بالسعر القائم وقت التنفيذ والأرش نسبة معينة تقدر تبعاً للجريمة طبقاً لما هو منصوص عليه في المادة (41) وتخفض الدية في الخطأ بمقدار الخمس)، والخلاصة أن الدية كانت عند صدور القرار بالقانون عام 1994م خمسمائة جنيه ذهب ثم تم تعديلها إلى سبعمائة ألف ريال بموجب القرار بالقانون رقم (16) لسنة 1995م ثم تم تعديلها إلى خمسة مليون وخمسمائة ألف ريال بموجب القانون رقم (32) لسنة 2006م، وقد تم تقدير هذه المبالغ على أساس سعر (100) من الأبل حسبما ورد في نقاشات مجلس النواب أثناء تعديل المادة المشار إليها.

الوجه الثاني: القانون الواجب التطبيق على واقعة القتل التي أشار الحكم محل تعليقنا إلى الدية فيها:

بحسب البيانات المثبتة في الحكم محل تعليقنا نجد أن واقعة القتل قد حدثت بتاريخ 29/1/2003م وعلى ذلك فأن القانون الواجب التطبيق هو القرار بالقانون رقم (16) لسنة 1995م الذي حدد الدية بمبلغ سبعمائة ألف ريال يمني عملاً بالمادة (4) عقوبات التي نصت على أنه (يطبق القانون النافذ وقت ارتكاب الجريمة على أنه إذا صدر قانون أو أكثر بعد وقوع الجريمة وقبل الفصل فيها بحكم بات يطبق أصلحها للمتهم) علماً بأن الدية عقوبة في القانون اليمني وليست تعويض وفقاً للمادة (38) عقوبات وكذا المادة (70) عقوبات التي نصت على أن (الدية والأرش عقوبة بدلية).

الوجه الثالث: فارق القوة الشرائية الذي أشار إليه الحكم محل تعليقنا:

أشار الحكم محل تعليقنا إلى أنه كان يتوجب على الحكم الاستئنافي المطعون فيه أن يقضي بفارق القوة الشرائية لمبلغ سبعمائة ألف ريال المحكوم به دية عمد للمقتول بتاريخ 29/1/2003م ومن وجهة نظرنا أنما قضى به الحكم محل تعليقنا في هذه المسألة سديد بالنظر إلى الفارق الزمني الهائل فيما بين تاريخ واقعة القتل وتاريخ صدور الحكم محل تعليقنا 16/12/2018م التي تزيد على ستة عشر عاماً بالإضافة إلى التغيرات الهائلة التي طرأت على العملة الوطنية خلال هذه الفترة الطويلة إضافة إلى أن الحكم محل تعليقنا قد قضى بنقض الحكم الاستئنافي وإعادة القضية إلى الشعبة الجزائية الاستئنافية للفصل فيه من جديد وهذا يعني زيادة في فترة التقاضي تضاف إلى الستة عشر عاماً، كما أن تكريم دم الآدمي وتعظيمه يقتضي الحكم بالفارق فلا يعقل أن تكون دية قتل الآدمي عمداً أقل من قيمة الثور في هذه الأيام.

الوجه الرابع: البطلان جزاء الاستماع إلى الشهود في غياب المشهود عليه:

أشار الحكم محل تعليقنا أنه لا يجوز الاستماع إلى أقوال الشهود في غياب المشهود عليه، وهذا التسبيب سديد يوافق المادة (41) إثبات التي اشترطت في الفقرة (1) أن تكون الشهادة في مجلس القضاء في حضور المشهود عليه أو وكيله أو المنصوب عنه، والعلة من ذلك حتى يتمكن المشهود عليه من مباشرة حقه في الدفاع ومناقشة الشاهد وسؤاله وحتى يتحقق مبدأ المواجهة، والله اعلم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اسباب الطعن بالنقض في القانون اليمني

ماهي الحالة التي يجوز فيها الحكم بإعادة القضية الى المحكمة الابتدائية؟

إنكار المحرر العرفي الصادر عن الغير