يمين الخبير ليست واجبة

 


أ.د.عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء

 

الحكم محل تعليقنا هو الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا باليمن في جلستها المنعقدة بتاريخ 9/10/2012م في الطعن التجاري رقم (49591) لسنة 1433ه وخلاصة أسباب هذا الحكم أنه (بعد إطلاع الدائرة على الأوراق مشتملات الملف تجد الدائرة أن الطاعن قد نعى على الحكم المطعون فيه عدم تحليف المحاسب القانوني المكلف من قبل الشعبة اليمين القانونية المنصوص عليها في المادة (169) إثبات والذي يعد إجراء جوهرياً للأخذ بتقرير المحاسب ولذلك فأنه لا يكون لتقريره حجية في الإثبات، ويعتبر ما ورد فيه مجرد ادعاء  حسبما ذكر الطاعن في عريضة طعنه، والدائرة تجد أن ما أورده الطاعن في هذا السبب في غير محله حيث جاء في المادة (169) إثبات أنه (بمجرد دفع الأمانة تستدعي المحكمة الخبير وتعرض عليه المهمة فأن قبلها تحلفه اليمين إن رآت ذلك) مما يعني أن تحليف المحكمة للخبير أمر جوازي وليس وجوبياً مما يعني رفض هذا السبب لعدم وجاهته) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب الأوجه الآتية:

الوجه الأول: السند القانوني للحكم محل تعليقنا:

سند الحكم هو المادة (169) إثبات التي نصت على أنه (بمجرد دفع الأمانة تستدعي المحكمة الخبير وتعرض عليه المهمة فأن قبلها تحلفه اليمين إن رآت ذلك بأن يؤديها بالذمة والأمانة.....الخ) وقد تم إضافة عبارة (إن رآت ذلك) إلى النص السابق بموجب التعديلات التي جرت على قانون الإثبات بموجب القانون رقم (20) لسنة 1996م حيث كان النص القديم قبل تعديله هو (بمجرد دفع الأمانة تستدعي المحكمة الخبير وتعرض عليه المهمة فأن قد لها تحلفه اليمين بأن يؤديها بالذمة والأمانة والصدق.......الخ) ومن خلال المقارنة بين النصين القانونيين قبل التعديل وبعد التعديل نجد أن النص قبل التعديل كان حلف اليمين واجباً على الخبير في حين أن حلف اليمين على الخبير بعد التعديل صار جوازياً وهو ما أستند إليه الحكم محل تعليقنا، ومن وجهة نظرنا أن تعديل قانون الإثبات لجعل أداء اليمين من قبل الخبير جوازياً لم يكن موفقاً حيث أن هذا التعديل قد أزال ضمانة من أهم ضمانات أداء الخبير لمهمته بصدق وأمانة وفقاً لأصول وقواعد المهنة المرعية، ولا يغير من وجهة نظرنا المبررات التي ساقتها الجهات التي سعت لتعديل النص بقولها: أن عمل الخبير والنتائج التي يتوصل إليها ظنية ونسبية وتختلف من شخص إلى آخر ومن مهنة إلى أخرى وذلك لا يستدعي أن تكون اليمين واجبة، حيث أننا نرى أن الأمانة واجبة على جميع الخبراء وفي كل الأحوال والمهن وأهم ضمانة لها هي اليمين.

الوجه الثاني: الحكمة من حلف الخبير اليمين:

تظهر هذه الحكمة في مظاهر عدة أهمها خطورة النتائج التي يتوصل إليها الخبير وإستناد الحكم القضائي إليها لاسيما وأن ندب الخبير لا يكون إلا في المسائل الفنية البحتة التي لا يستطيع القاضي فهمها وإدراكها ولذلك فأن القاضي يعتمد على النتائج التي يتوصل إليها الخبير وأن كانت للقاضي السلطة التقديرية الكاملة في الأخذ بما يتوصل إليه الخبير أو عدم الأخذ به لكن الغالب في الواقع العملي أن القضاة يأخذون بما يتوصل إليها المحاسب ولذلك يحبذ من القاضي أن يكلف الخبير أن يقدم إليه خيارات عدة في النتائج التي يتوصل إليها المحاسب حتى يكون القاضي على بينة وعلم في الاختيار من بين أكثر من خيار، كما تظهر الحكمة من يمين الخبير أن كثيراً من قواعد وأصول المهنة عامة ونسبية وغير مضطردة وقد يستغل ذلك الخبير في تسخير النتائج التي يتوصل إليها لصالح طرف بعينه، كما أن عمل الخبير يتم خارج نطاق المحكمة وبعيداً عن رقابة القضاء أو غيره ولا رقيب على الخبير في هذه الحالة إلا الله، وهذا الوضع يستدعي أن يستحضر الخبير رقابة الله والأمانة والصدق حيث لا رقيب عليه فناسب ذلك أن يحلف الخبير اليمين، إضافة إلى أن الخصوم في الغالب لا يعلموا بالنتائج التي توصل إليها الخبير إلا عندما يقوم بتقديم تقريره إلى المحكمة وعندئذ لا سبيل لديهم إلا الاعتراض على النتائج التي توصل إليها الخبير، والواقع العملي يدل على أن الاعتراضات غير مجدية في الواقع العملي لأن القاضي يقوم بإحالة تلك الاعتراضات إلى الخبير نفسه الذي تكون لديه قناعات وتوجهات مسبقة تجعله لا يأخذ بتلك الاعتراضات، فضلاً عن أن الخبراء أثناء قيامهم بمهامهم يتعرضون لضغوط ومؤثرات وإغراءات ليست خافية على أحد، فكل هذه الاعتبارات مجتمعة تستدعي أن يحلف الخبير اليمين على سبيل الوجوب، والله اعلم.

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اسباب الطعن بالنقض في القانون اليمني

ماهي الحالة التي يجوز فيها الحكم بإعادة القضية الى المحكمة الابتدائية؟

إنكار المحرر العرفي الصادر عن الغير