حجية نظام الدفع الإلكتروني
أ.د.عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون
الدفع الإلكتروني من
المسائل الحديثة التي نظمتها القوانين تنظيماً مرناً يتناسب مع القواعد الدولية
للتجارة ويتم الدفع الإلكتروني بوسائل ووسائط سريعة تثير إشكاليات عدة فيما يتعلق
بإثباتها وكذا تتعدد الاطراف في التجارة الإلكترونية وتتداخل فهناك بائع ومشتري
ووسيط وبنك محلي وبنك مراسل خارجي.......الخ، وقد صدرت من المحكمة العليا باليمن أحكام
عدة تناولت هذا الموضوع المهم، ومن ذلك الحكم الصادر عن الدائرة التجارية في
جلستها المنعقدة بتاريخ 10/10/2010م في الطعن التجاري رقم (41063) لسنة 1431ه
وتتلخص وقائع هذا الحكم أن أحدى الشركات اليمنية تعاقدت مع شركة أجنبية لشراء
بضاعة يتم شحنها إلى اليمن على دفعات على أن يتم تحويل ثمن كل دفعة إلى الشركة
خارج البلاد، ولهذا الغرض قامت الشركة اليمنية بإبرام عقود اعتماد مرابحة مع بنك
إسلامي يمني يتولى تحويل قيمة كل دفعة إلى الشركة الأجنبية خارج اليمن، فحصل نزاع
فيما بين البنك الإسلامي المحلي والشركة المحلية بشأن مقدار المديونية التي بذمة
الشركة المحلية للبنك الإسلامي حيث نازعت الشركة المحلية بأن هناك عمليتين أو
اعتمادين مرابحة لم يقم البنك الإسلامي المحلي بدفع قيمتهما للشركة الأجنبية وأن
الشركة المحلية لم تستلم البضاعة المشتراه بموجب ذلك الاعتمادين وأمام المحكمة
التجارية أدعى البنك بأنه قام بتحويل قيمة الاعتمادين إلى الشركة عن طريق نظام
السويفت بحسب طلب الشركة المحلية فحكمت المحكمة الابتدائية بأن التحويل صحيح لأنه
تم عن طريق نظام السويفت وهو نظام دولي معتمد في البنوك كافة وعند استئناف الحكم الابتدائي
حكمت محكمة الاستئناف ببطلان الحكم الابتدائي لأن البنك الإسلامي المحلي قد عجز عن
إثبات صحة ما يدعيه بشأن العمليتين بعد أن أنكر ممثل الشركة المحلية استلام أي شيء
من هاتين العمليتين، وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي من قبل المصرف
الإسلامي المحلي قضت الدائرة التجارية بالمحكمة العليا بأنه (بعد الاطلاع على
الأوراق مشتملات الملف تبين أن الطعن بالنقض من بنك(............) الإسلامي قد
تضمن أن الشعبة التجارية في حكمها قد خالفت القانون حيث ألغت المديونية في
العمليتين برقمي (5290و5053) البالغة قيمتها (19054) دولاراً حيث عللت الشعبة أنها
لا توافق محكمة أول درجة فيما قضت به باعتبار العمليتين صحيحتين على أساس أن البنك
تعامل بنظام السويفت وأن الشعبة غير مقتنعة بما ذهبت إليه محكمة أول درجة مع أن
ذلك النظام معمول به عالمياً فتكون الشعبة بذلك قد خالفت المادتين (8و9) من قانون
أنظمة الدفع المصرفية حيث تنص المادة (9) على أنه (يجوز الإثبات في القضايا
المصرفية بجميع طرق الإثبات بما في ذلك البيانات الإلكترونية.....الخ) حيث كان
يتوجب على الشعبة إن ساورتها الشكوك أن تكلف خبيراً لتوضيح حجية نظام السويفت لأن
ذلك من المسائل الفنية، وبرجوع الدائرة إلى محتويات الملف يتبين أن العمليتين
المشار إليهما ضمن عدة عمليات مرابحة لصالح الشركة وقد استدل البنك بفواتير
ومستندات أشار المحاسب القانوني الذي ذكر أنه لم يتضح له ما يفيد استلام بضائع أو
عقد مرابحة للعمليتين مع أن محكمة أول درجة أوضحت أن البنك تعامل بنظام السويفت
الخاص بالتحويل ولم تعترض الشركة ولم تنكر المحرر المرفق بطلب التمويل الذي قامت
بالتوقيع عليه وأن الشركة الأجنبية البائعة قد أكدت صحة العملية وانتهت محكمة أول
درجة إلى الحكم بأن استبعاد المحاسب القانوني للعمليتين يعد مخالفة صريحة لمفهوم التعاملات
الحديثة في المعاملات البنكية وأن الشركة المطعون ضدها قد شرحت في مذكراتها
المقدمة لمحكمة أول درجة في بداية القضية وذكرت فيها العمليتين ولم تعترض عليها،
ولم تعترض عليها إلا بعد أن قام البنك بتقديم دعواه الفرعية مطالباً بالمبلغ
المستحق له بموجب العمليتين، في حين عللت الشعبة الاستئنافية حكمها بإلغاء الحكم الابتدائي
بأن البنك استند في المطالبة بمبلغ العمليتين على طلب حوالة مصرفية من الشركة وعلى
وثيقة وعد بالشراء وعلى ضمان البراءة من العيوب حيث انتهت الشعبة في حكمها إلى
أنها لا توافق محكمة اول درجة فيما قضت به ولا تطمئن إلى ذلك الاستدلال، ولاشك أن
قول الشعبة في تسبيبها أنها لا تطمئن إلى ما يحتج به البنك دون إحاطة شاملة بمدلول
تلك المستندات غير كاف بل أنه معيب، ومن ثم يتبين مما سلف أن ما نعاه الطاعن
بنك.....في محله وأن ما انتهت إليه الشعبة في قضائها غير سديد لافتقار النزاع إلى
مزيداً من الاستيفاء والتثبت مما يتعين نقض حكم الشعبة التجارية ولزوم إعادة ملف
القضية إليها لمعاودة نظر النزاع والفصل فيه) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم على
النحو الآتي:
الوجه
الأول: ماهية نظام السويفت المصرفي:
كانت البنوك تقوم بتحويل
الأموال فيما بينها وبين البنوك الأخرى خارج الدولة عن طريق التلكس إلا أن هذه
الطريقة بطيئة إضافة إلى أن هذا النظام كان يفتقر إلى الأمان الضروري لحماية
الأموال التي يتم تحويلها، ولذلك قامت البنوك بإتباع نظام السويفت، ويعمل نظام
السويفت المالي بشكل أساسي بتحويل الأموال عن طريق إرسال طلبات الدفع بين حسابات
البنوك باستخدام رموز (سويفت) وهي أرقام أو رموز قياسية موحدة تسمى (iBAN) وهي أرقام الحسابات المصرفية الدولية و(BiC) وهي رموز معرفات البنوك مما يعني أنه يتم
تحديد البنك بسرعة وإرسال البيانات بشكل آمن، حيث يقوم نظام السويفت المالي بتعيين
رموز فريدة لكل مؤسسة مالية أما من ثمانية أحرف أو (11) حرفاً، فعندما ينتمي البنك
إلى نظام سويفت المالي يمكن استخدام الشبكة لإيصال أمر دفع بأمان وتحويل الأموال
من مكان إلى آخر بسهولة، وخلاصة الموضوع أن نظام السويفت هو نظام دفع الكتروني
ينطبق عليه قانون الدفع الإلكتروني اليمني بالنسبة للمعاملات المصرفية التي
تباشرها البنوك والمصارف اليمنية حسبما أشار الحكم محل تعليقنا.
الوجه
الثاني: موقف القانون اليمني من نظام السويفت:
ذكرنا فيما سبق أن
نظام السويفت التي تستخدمه البنوك والمؤسسات المالية هو نظام دفع إلكتروني ولذلك
تسري أحكام القانون رقم (10) لسنة 2006م بشأن أنظمة الدفع الإلكتروني والعمليات
المالية والمصرفية الإلكترونية فتسري أحكام هذا القانون على التحويلات التي
تباشرها البنوك والمصارف اليمنية عن طريق نظام السويفت، حيث أشار الحكم محل
تعليقنا إلى هذا القانون فقد عرفت المادة (2) من هذا القانون أنظمة الدفع بأنها
(مجموعة من الإجراءات والطرق والوسائل غير
التقليدية المنظمة لعمليات الدفع التي تتم عن طريق الوسائل الإلكترونية كاستخدام
الصراف الآلي ونقاط البيع وبطاقات الإيفاء أو الدفع والتحويلات الإلكترونية
وعمليات المقاصة والتسويات العائدة لمختلف الوسائل والأدوات المالية) ومن خلال
استقراء هذا النص نجد ان نظام السويفت يندرج ضمن وسائل التحويلات الالكترونية، كما
تعرف المادة (2) من القانون ذاته السند الإلكتروني بأنه (أي بيان أو رسالة أو قيد
أو عملية أو معلومة أو عقد أو توقيع أو برنامج أو سجل أو إجراء أو شهادة أو رمز أو
توثيق أو أية أوراق مالية أو تجارية يتم الحصول عليها بوسيلة الكترونية) ومن خلال
استقراء هذا النص نجد أن المراسلات الإلكترونية والرموز الخاصة بنظام السويفت
تندرج ضمن هذا التعريف، كما أن المادة (4) من القانون ذاته قد نصت صراحة على أن قانون
أنظمة الدفع اليمني يسرى على أنظمة الدفع الإلكتروني بما فيها نظام السويفت حيث
نصت على أن هذا القانون يسرى على أنظمة الدفع الإلكتروني وعلى سائر العمليات
المالية والمصرفية التي تنفذ بوسائل الكترونية، كما نصت المادة (9) من القانون
السابق ذكره على أنه (يجوز الإثبات في القضايا المصرفية بجميع طرق الإثبات بما في
ذلك البيانات الإلكترونية أو البيانات الصادرة عن أجهزة الحاسب الآلي أو مراسلات
أجهزة التلكس أو الفاكس أو غير ذلك من الأجهزة المشابهة) وهذا النص يصبغ الحجية
القانونية الثبوتية للوثائق والمستندات الإلكترونية المتصلة بعمليات التحويل عن
طريق نظام السويفت.
الوجه
الثالث: الغاية من الحكم بالاستيفاء حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا:
قضى الحكم محل
تعليقنا بإعادة ملف القضية إلى الشعبة الاستئنافية للاستيفاء وذلك بغرض دراسة
الوثائق ذات الصلة بالتحويل عن طريق السويفت بالنسبة للعمليتين محل الخلاف حتى يتم
بحث ودراسة تلك الوثائق الإلكترونية للتأكد من مطابقتها لنظام السويفت وهذا يعني
ندب خبير مصرفي للقيام بهذه المهمة وليس محاسب قانوني، والله أعلم.
تعليقات
إرسال تعليق