دية المرأة وفقاً لأحكام الشريعة الاسلامية والقانون اليمني

 

المقدمة

الحمد لله إله الأولين والآخرين قيوم السموات والأرضيين ومالك يوم الدين . الذي لا فوز إلا في طاعته ولا عز إلا في التذلل لعظمته ولا غنى إلا في الافتقار إلى رحمته ولا حياة إلا في رضاه ولا نعيم إلا في قربه ولا صلاح ولا فلاح للقلب إلا في الإخلاص له. وأصلي وأسلم على سيدنا محمد r تسليماً كثير إمام الأولين والآخرين بلغ الرسالة ، وأدى الأمانة ونصح الأمة فأخرج الناس من الظلمات إلى النور وبين لهم الطريق السوي المستقيم. أما بعد:

فقد أصبحت المرأة مذهباً ومبدأ يكافح عنه أناسُ وينافحون، فيعقدون لها المؤتمرات والندوات، ويمتطون من أجلها صهوات المنظمات والهيئات من حقوق الإنسان وغيرها، فأخرجها هؤلاء عن فطرتها وأنوثتها وحملوها على ضعفها مالا طاقة لها به، وأغرقوا الإنسانية في الرذيلة والضياع وقضوا على الفضيلة . وحكموا على الإنسان أن يعيش لا يدري لماذا خلق وإلى أين المصير؟.

إن الإسلام دين منزل من عند الله الخالق الذي يعلم ما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم الدين، قال تعالى : } أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ { ([1]).

فما من صغيرة ولا كبيرة إلا ولله فيها حكم بما يحقق للخلق كل مصلحة ويدرأ عنهم كل مفسدة، ويسعدهم في الدنيا والآخرة.

ولكون الإسلام ديناً من عند الله، فهو دين معصوم من الخطأ والزلل، والتناقض والاختلاف، فهو الدين الحق المنزه عن الهوى والظلم، ولذلك فيجب التسليم التام بأحكامه، وعدم الاعتراض عليها فالشريعة الإسلامية تنظم مختلف شؤون الحياة، وتحكم جميع تصرفات الإنسان فالإسلام رسالة الزمن كله، ورسالة العالم كله قال تعالى : } وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ { ([2]).

فليس بعد الإسلام شريعة، ولا بعد القرآن كتاب، ولا بعد محمد r  نبي، ورسالته هي رسالة الخلود التي قدر الله بقاءها إلى يوم الدين.

فمن تحرى الحكم الشرعي ووافقه فقد وصل إلى الحق وأدركه لا محالة، ومصلحة المرأة في مسألة الدية، لا في مساواتها بدية الرجل أو تنصيفها عليها ابتداءً، لكن موافقة الحكم الشرعي، فمتى كانت المساواة هي حكم الشرع كان ذلك هو العدل، والخير، والرحمة، والمصلحة، ومتى كان التنصيف هو حكم الشرع فإن الخير، والمصلحة، والرحمة في ذلك لايتعداه، لأنه حكم الله. قال تعالى: } وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ{([3]).

وبدلاً من رد دلالات النصوص، كان ينبغي لهؤلاء أن يبحثوا عن حكمة الشرع في التنصيف وسيجدونها جلية وواضحة.

أهمية الموضوع :

تظهر أهميته، من تعلقه بحكم شرعي، له صلة وثيقة بحياة الإنسان مباشرة، من جهة حفظ النفوس وسلامتها، وله علاقة بالتشريعات الجنائية الشرعية، ولأن الدية عوض مقدر شرعاً لا باجتهاد سواء ما كان منها بدلاً من النفس، أو عن الجراحة، أو عن عضو من الأعضاء، أو عن منفعة من المنافع، فإن الحيدة عن التقدير الشرعي ، فيه ظلم لكل أحد من البشر.

ودية المرأة هي مسألة يثار حولها النقاش، وليس فيها غير قول واحد، ولا مجال فيها للاجتهاد، والأصل فيها وجوب الإنكار على المخالف، ونسبة القول فيها إلى قائله على سبيل المخالفة والشذوذ والزلة التي لا يجوز أن يتابع عليها، ويقال للمخالف: على رسلك ،فإن الذي شرع هذه الشرائع هو رب العالمين، وليس للعلماء منها إلا البلاغ.

وإن دية المرأة من المسائل المجمع عليها الذي لا يجوز فيها الاجتهاد، وأن يعلم القارئ أنه حيث يكون النص الصحيح الصريح الذي لا معارض له، أو الإجماع الصحيح فثمة المصلحة، وثم الشرع المحكم الذي لا يحل لأحد أن يخرج عليه ولا أن يجادل فيه، ولا يملك المسلم معه إلا التسليم والإذعان .

سبب اختيار الموضوع:

نظراً لتفشي الجهل في أوساط شريحة كبيرة من المسلمين فقد اتخذ بعض أعداء الدين قضايا المرأة متكأ للطعن في الإسلام وصوروا للناس أن في أحكام الإسلام هضماً لمكانة المرأة وانتقاصاً لحقوقها، فوضحت في هذا البحث الحكم الشرعي، ووجه العدل والمساواة والرحمة فيه.

منهج البحث:

اعتمدت على أسلوب المقارنة بين حكم الشريعة ورأي القانون اليمني في ذلك .

 

المعوقات والصعوبات:

قد تكون أهم الصعوبات التي واجهتني في كتابتي لهذا البحث هو ضيق الوقت وصعوبة الرجوع إلى أمهات الكتب.

خطة البحث :

هذا وسوف تجري دراستي لدية المرأة وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية والقانون اليمني على أساس تقسيم هذا البحث إلى ثلاثة مباحث.

أخص المبحث الأول: لبيان أحكام الدية.

 بينما أخص المبحث الثاني: لبيان حالات وجوب الدية.

 وأخيراً أرصد المبحث الثالث: لبيان دية المرأة.

ولهذا سوف ابدأ كتابتي لهذا البحث مستعينةً بالله واثقة من معونته راجية إليه سبحانه أن يأخذ بيدي لما يعم نفعه وسهل فهمه ويتم تطبيقه ويجري تنفيذه طبقاً لقواعد الحق والعدل. هذا فإن أحسنت فهو توفيق من الله عز وجل وفضل ومنه وإن اساءت فمن نفسي والشيطان.


المبحث الأول

أحاكم الدية

 

وفيه أربعة مطالب

تمهيد وتقسيم:

يقتضي منهج البحث في أحكام الدية أن أبين:

أولاً: تعريف الدية لغةً واصطلاحاً، ثم أتكلم عن أحكامها من حيث:

1-                أصل مشروعيتها، والحكمة من ذلك.

2-                الأصل في الدية ومقدارها.

3-                شروط وجوب الدية.

وسأفرد لكل منها مطلباً خاصاً.

 

 

 


المطلب الأول

تعريف الدية وأصل مشروعيتها

وينقسم إلى فرعين نتكلم في الأول: عن تعريف الدية لغة، وفي الثاني: عن تعريف الدية اصطلاحاً.

الفرع الأول

تعرف الدية لغة

 

الدية مصدر ودي القاتل القتيل، يديه ديةً، إذا أعطى وليه المال الذي هو بدل النفس، ثم سمي ذلك المال دية تسمية للمفعول بالمصدر، فيقال: ودَيْتُ القَتِيلَ أَدِيةَ ديةً إِذا أَعطيت دَيَتَه واتَّدَيْتُ أَي أَخذتُ دِيَتَه.

وفي حديث القسامة:  » فوَداه من إِبل الصدقة«([4]) . أَي أَعطى رسول الله r دية القتيل ، وهي: مفاعله  من الدية يقال : ودى فلان فلانا، إذا أدى ديته إلى وليه([5]).

قال في القاموس: الدية حق القتيل، جمعها ديات، ووداه أعطى ديته. وقيل سميت الأموال ديه لأنها تؤدى عادى لانها قلما تجري فيها العفو لعظم حرمة الآدمي وتسمى الدية »عقلاً« لأنهم كانوا قد اعتادوا ذلك من الإبل، فكانوا يأتون بالإبل ليلاً إلى فناء أولياء المقتول. فيعقلونها، فيصبح أولياء القتل والإبل معقولة بفنائهم ولهذا سموه عقلاً([6]).

وجاء في مختار الصحاح: الدية لغة: واحدة الديات، وَدَيْتُ القتيل أدِيَة دِيَةً أَعطيت دِيَته و اتَّدَيْتُ أخذت دِيته أيضاً، وإذا أمرت منه قلت دِ فلانا وللاثنين دِيا فلانا وللجماعة دُوا فلانا([7]).

 

 


الفرع الثاني

تعريف الدية اصطلاحاً

تعريف الدية وفقاً للمذاهب الأربعة:

أولاً: تعريف الدية في المذهب الحنفي:

الدية: اسم للمال الذي هو بدل النفس، مقدر شرعاً، والأرش: اسم للواجب بالجناية على ما دون النفس([8]).

ثانياً : تعريف الدية في المذهب المالكي:

الدية : مال يجب بقتل آدمي، حر عن دمه، أو بجرحه، مقدراً شرعاً لا باجتهاد([9]).

ثانيا: تعريف الدية في المذهب الشافعي:

الدية: هي للمال الواجب بجناية على الحر في نفس أو فيما دونها([10]).

رابعاً: تعريف الدية في المذهب الحنبلي:

هو المال المؤدى إلى مجني عليه، أو وليه، بسبب جناية([11]).

فيلاحظ على التعاريف السابقة، أنها متفقة في أطلاق الدية على المال الواجب بالجناية على الحر في النفس.

ويلاحظ أيضاً. أن فقهاء الحنفية يفرقون بين حرية النفس، ودية ما دون النفس حيث يطلقون على المال الواجب في مقابلة النفس الدية ، ويطلقون على المال الواجب في مقابلة ما دون النفس أرش.

وأما بقية المذاهب فإنهم لا يفرقون بين دية النفس ودية ما دونها ، فيطلقون اسم الدية على المال المقابل للنفس ومادونها([12]).

فالتعريف المختار هو : المال الواجب بالجناية في النفس أو فيما دونها.


المطلب الثاني

أصل مشروعية الدية والحكمة من ذلك 

وينقسم هذا المطلب إلى فرعين : تحدث في الأول: عن مشروعية الدية، ثم الحكمة من مشروعيتها في فرع ثان.

الفرع الأول

مشروعية الدية

الدية مشروعه بالكتاب والسنة والإجماع.

أما الكتاب ففيه :

1-  قوله تعالى : } وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً    { ([13]).

2-    وقوله عز وجل : } فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ {([14]) .

أما السنة فقد جاء فيها:

1-   عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قضى رسول الله r إن من قتل خطأ فديته من الإبل مائة([15]).

2-  فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: »اقتتلت امراتان من هذيل، فرمت إحداهما الأخرى بحجر، فقتلتها وما في بطنها ، فأختصموا إلى النبي r فقضى أن دية جنينها غرة عبد أو أمة، و قضى أن دية المرأة على عاقتلها«([16]).

3-  وروي أن النبي r كتب لعمرو بن حزم كتاباً إلى أهل اليمن، فيه الفرائض والسنن والديات، وقال فيه بشأن الدية ( وإن في النفس مائة من الإبل) ([17]).

أما دليل الإجماع:

فقد أجمع أهل العلم على مشروعية الدية: فقد اجمعت الأمة منذ عهد الرسول r إلى وقتنا هذا على وجوب الدية، واصبحت بذلك أمراً معلوماً من الدين بالضرورة.

قال صاحب المغي » أجمع أهل العلم على وجوب الدية في الجملة «([18]).


الفرع الثاني

الحكمة من مشروعيتها

شرع الإسلام الدية ترضية للمجني عليه وذويه، حيث أنها تشفي ما في نفوسهم من الألم والغيظ كما أنها تعويض للآلام النفسية التي تصيب المجني عليه. والشارع الحكيم جعلها مقادير معينة من المال حتى لا يترك تقديرها للحكام، الامر الذي يؤدي إلى التفاوت في تقديرها. والإسلام بذلك قد سوى بين دماء الناس مهما اختلف منازلهم واجناسهم. وهو الثابت عن النبي r أنه قال : } المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم{ .

ومن هنا لا فرق في تقدير الدية بين القوي والضعيف ولا بين الشريف والوضيع ولا بين الصغير والكبير ولا بين الأبيض والأسود، فالجميع سواء كلهم لآدم وآدم من تراب.

إن الإسلام حين تولى بنفسه تقدير الديات إنما يمنع الشطط وتجاوز الحد في التقدير بالنسبة لبعض الأشخاص، والإجحاف بالنسبة للبعض الآخر من الفقراء والضعفاء.

ويرى جانب من الفقهاء أن الدية كذلك عقوبة جنائية لا يتوقف الحكم بها على طلب الأفراد وفيها معنى التعويض الذي يستفيد منه المجني عليه أو أولياؤه مباشرة([19]).

ولما كان إيجاب العفو عن المخطئ استثناء لأنه معذور ومرفوع عنه الخطأ وذلك من وجهة آخر لما كانت النفس الآدمية محترمه فلا وجه إلى إهدارها([20]).


المطلب الثالث

الأصل في الدية ومقدارها

أولاً: أصل الدية:

اختلف العلماء في أصل الدية إلى خمسة أقوال:

القول الأول :

 الأصل في الدية هي الإبل فقط. وهذا هو قول الشافعي والمعتمد عند الحنفية وإحدى الروايتين عن أحمد، وقال به طاووس وابن المنذر.

ودليلهم في ذلك  عمر بن حزم :   » أن في النفس مائة من الإبل«.

وكذلك ما أخرجه أبو دود بإسناد عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده أن رسول الله r  » قضى أن من قتل خطأ فديته مائة من الإبل«([21]).

وعلى هذا فالأصل في الدية هي الإبل دون غيرها من الأموال، إلا إذا أعوزت الإبل بأنها حينئذ تقوم بالدنانير أو الدراهم.

قال الإمام الشافعي في هذا الصدد : لا يكلف أحد من العاقلة غير إبله ولا يقبل منه دونها. فإن لم يكن لبلده إبل كلف إلى أقرب البلدان إليه، فإن كانت إبل العاقلة مختلفة أدى كل رجل منهم من إبله، فإن أعوزت الإبل، فقيمتها دنانير أو دراهم، كما قومها عمر بن الخطاب رضي الله عنه([22]).

القول الثاني:

إن أصول الدية ثلاثة، هي: الإبل والذهب والفضة([23]).، وهو قول الإمامين العظيمين أبي حنيفه ومالك ومعهما آخرون من أهل العلم، فقد اتفق هؤلاء على أن موجب القتل الخطأ الدية، وهي ألف دينار على أهل الذهب، وإثناء عشر ألف درهم على أهل الورق عند الإمام مالك خلافاً لأبي حنيفة، فهي عنده عشرة آلاف ومائة من الإبل على أهلها.

أما التقدير بالإبل، فهو معروف بالأخبار والآثار المشهورة. ثم ما روى عن عمر رضي الله عنه أن النبي r »قضى بالدية في قتيل بعشرة آلاف درهم«([24]).

القول الثالث:

يرى أن ثمة أصولٍ خمسة للدية هي : الإبل والذهب والفضة والبقر والغنم وهو ما ذهب إليه أحمد في الرواية الثانية عنه وهو قول عمر وعطاء طاووس وفقهاء المدينة وبه قال الثوري وابن أبي السيلي.

وحجتهم في ذلك ما وراه عمرو بن حزم في كتابه أن رسول الله r كتب إلى أهل اليمن:  » إن في النفس مائة من الإبل وعلى أهل الذهب ألف دينار«([25]).

وكذلك ما أخرجه أبو داود وعن أبن عباس: » أن رجلاً من بني عدي قُتِيلَ، فجعل النبي r ديته اثني عشر ألفاً«([26]).

وأخرج  أبو داود أيضاً عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن عمر قام خطيباً فقال: ألا أن الإبل قد غلت، فقوم على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق اثني عشر ألفاً، وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل الشاه الفي شاه، وعلى أهل الحلل مائتين حلة([27]).

القول الرابع:

ويرى أن أصول الدية ستة أنواع وهي: الإبل والذهب والورق والبقر والغنم والحلل  وهو ما ذهب إليه الصاحبان أبو يوسف ومحمد بن الحسن.  أن أصول الدية عندهما من الإبل مائة، ومن الذهب ألف دينار، ومن الفضة عشرة آلاف درهم، ومن البقرة مائتا بقره، ومن الغنم ألف شاه، ومن الحلل مائتا حلة، واستدلوا بأن عمر رضي الله عنه هكذا جعل على أهل كل ماله منها([28]).

القول الخامس :

يرى أن الدية تثبت في نوع واحد فقط. مائة من الإبل إن وجدت وإلا فقيمتها بالغة ما بلغت بشرط

 إلا تقل عن ألف دينار، فإن كانت قيمتها أقل من الألف وجبت الألف.

وهذا القول ذهب إليه بعض الفقهاء المعاصرين وفي مقدمتهم المرحوم الشيخ أبو زهرة وحجتهم فيما استخلصوه من مصادر الشريعة وأقوال النبي r أن هي مائة من الإبل لا تقل قيمتها عن ألف دينار فإن قلت وجب الف دينار وإن زادت وجبت الزيادة في قيمتها وعلى ذلك تكون الدية ألف دينار، أو تزيد([29]).

الخلاصة([30]):

والذي يظهر رجحانه اعتبار الإبل والذهب أصلاً وأن أحدهما يصح أن يكون أصلاً في الدية في ذاته وإن كنا نرى أن يقوم الأصل في الإبل بالذهب لمعرفة قيمتها الآن بالعملة الحالية وعلى أساسها يمكن الانتقال إلى بدلها من الذهب أو غيره ولا مانع من اعتبار بقية الأجناس الأخرى أصلاً إذا كانت شائعة في بلادها وتعتبر أموالاً رئيسية يقوم عليها اقتصادهم وحياتهم كما هو الحال في البلاد الصناعية التي تقوم حياتهم على صناعة الملابس الجاهزة أو شبه جاهزة، مثلاً وهذا يتفق وأحكام الشريعة الإسلامية في أنها بنت كل أحكامها على التيسير وما خُير رسول الله r بين أمرين إلا اختار أيسرهما مالم يكن فيه إثم. ولآن الشريعة الإسلامية جاءت صالحة لكل زمان فأهل البادية تناسبهم الإبل لأنها غالب أموالهم وأهل الرعي تناسبهم البقر والشياه لأنها غالب أموالهم. وأهل الزراعة والتجارة والصناعة والحرف يباسبهم النقود لأنها غالب أموالهم وعليها تقوم حياتهم.

فتقوم الدية بها وترد إلى أصلها وهي الذهب ألف دينار أو الفضة اثنيى عشر ألف درهم ويراعي في ذلك الغالب في نقد البلد، وما كان أصله الذهب يقوم به وما كان أصله الفضة يقوم به.

ثانياً: مقدار الدية:

اهتم الإسلام بالإنسان اهتماماً كبيراً لأنه خليفة الله في الأرض وتبعاً لذلك فإن فقهاء المذاهب الإسلامية قد وجهوا عنايتهم نحو بحث الوسائل الخاصة بحمايته في نفسه وماله وعرضه كما جاء في سنة رسول الله r وقد تمكنوا من توضيح المقابل المالي لكل جزء من أجزاء جسم الإنسان بدقه تامة.

ولهذا لا خلاف بين العلماء في أن الدية من الإبل مقدره بمائة، وذلك للأدلة المتضافرة من السنة. ومن جملة ذلك ما أخرجه النسائي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله r قال : ((من قتل خطأ فديته مائة من الإبل)) ([31]).

ولا خلاف كذلك في أن الدية من الذهب مقدرة بألف دينار، لما رواه أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : كانت قيمة الدية على عهد رسول الله r ثمانمائة دينار أو ثمانية آلاف درهم: وهذا ما ذهب إليه عامة أهل العلم باستثناء الشافعي في الجديد، فإن الدية عنده متعينه في الإبل خاصة، فإن أعوزت دفعتا قيمتها من الذهب بالغة ما بلغت، مع أنه في القديم متفق مع أهل العلم على أنها محددة بألف من الدنانير أو اثنى عشر ألفاً من الدراهم([32]).

أما مقدار الدية من الفضة، فهو موضع خلاف. ففيه قولان:

القول الأول:

إن الدية من الفضة مقدرة بعشرة آلاف درهم وهذ هو الحنفية استدلالا بما روي عن عمر رضي الله عنه أنه : » قضى في الدية من الدراهم بعشرة الآف، ومن الدنانير بألف، ومن الإبل بمائة، ومن البقر بمائتين، ومن الشياه بألفين، ومن الحلل بمائتين«([33]).

القول الثاني:

إن الدية من الفضة مقدرة باثني عشر ألفاً من الدراهم. وهو قول الماليكة والحنبلية والشافعلي في القديم([34]). واحتجوا لذلك بما أخرجه النسائي باسناده عن ابن عباس قال: » قتل رجل رجلاً على عهد رسول الله r، فجعل النبي r  ديته اثنى عشر ألفاً«([35]).


المطلب الرابع

شروط وجوب الدية

ويقتضي الحديث عن شروط الدية أن نتكلم عن الشروط التي يلزم توافرها في المعتدي والشروط التي يلزم توافرها في المعتدى عليه، والشروط التي يلزم توافرها في الجناية، وسوف أضع لكل نوع من هذه الشروط فرعاً خاصاً.

الفرع الأول

شروط يلزم توافرها في المعتدي

في الجرائم العمدية يلزم لكي يعاقب مرتكبها إن يكون القاتل مكلفاً أي عاقلاً، بالغاً مخاطباً، فغير المكلف ليس أهلاً للعقوبات.

ولما كانت الدية جزاء يدور بين العقوبة والضمان فلا يشترط أن يكو المعتدي بالغاً عاقلاً وذلك لما حدث عن مالك عن يحيى بن سعيد أن مروان بن الحكم كتب إلى معاوية بن ابي سفيان أنه أتى بمجنون قتل رجلاً فكتب إليه معاوية أن أعقلة  ولا تقد منه فإنه ليس على مجنون قود([36]).

فلا خلاف في مسئولية الصغير أو المجنون عن الدية، وإنما الخلاف فيما إذا كانت تجب في مال كل منهما خاصة أو تجب على عاقلته. وكذلك السكران يسأل عن الدية إن وجبت عليه، ولأن الدية هي الضمان والسكران أهل لذلك فيسوى بالصاحي.

قال القاضي أبو الوليد السباجي:

أما النائم فما أصاب في نومه من جرح يبلغ الثلث »ثلث الدية« فعلى عاقلته.

وذهب الإمام الشافعي  إلى أن عمد الصبي تجب الدية في ماله لأن العمد هو القصد وهو ضد الخطأ ممت يتحقق منه الخطأ يتحقق منه العمد ولهذا يؤدي ويعزر.

والتعزير يكون على فعل يقع عمداً لا خطأ وكان ينبغي وجوب القصاص، إلا أنه سقط للشبهة لأنهم ليسوا من أهل العقوبة فيجب عليهم موجبة الآخر وهو المال لآنهم أهل لوجوبة عليهم مضار نضير السرقة فإنهم إذا سرقوا لا تقطع أيديهم ويجب عليهم ضمان المال للمسروق منه([37]).

أما عند الحنفية فتجب الدية عندهم على عاقلة الصبيان والمجانين إذا كان الواجب قدر نصف العشر أو أكثر بخلاف ما دونه فلا يسلك به مسلك الموال كما في البالغ العاقل ويؤيد الحنفية رأيهم ببعض الحجج منها([38]):

1-   إن مجنوناً صال بسيفه رجل فضربه فرفع ذلك إلى علي رضي الله عنه فجعل عقله على عاقلته بمحضر الصحابة. وقال : عمده وخطئه سواء.

2-      لأن الصبي مظنة المرحمة. قال عليه الصلاة والسلام : » من لم يرحم صغيرنا ولم يوقر كبيرنا فليس منا«.

3-       فالعاقل المخطئ كما استحق التخفيف حتى وجبت الدية على عاقلته فالصبيان والمجانين وهم أغرار أولى بهذا التخفيف.

4-       لا نسلم تحقق العمد منهم لأنه عبارة عن القصد وهو يترتب على العلم والعلم بالعقل وهم عديمو العقل أو قاصروه، فكيف يتحقق منهم القصد، وصاروا كالنائم ولا يلزم بعد ذلك أن يكون المعتدي مسلماً أو ذمياً أو كافراً رجلاً أو امراة فالكل يجب عليه الدية أو جزؤها إذا ارتكب ما يستوجب أداءها.

 


الفرع الثاني

شروط يلزم توافرها في المعتدى عليه

 الشرط الأول : عصمة المقتول:

وهو أن يكون المقتول معصوماً، أي مصون الدم لا يحل قتله، فلا دية في قتل الحربي، ولا المرتد ، ولا الباغي لفقد العصمة. سواء عصم الإنسان دمه بإسلامه، أو بعقد أمان، وإن كان أماناً مؤقتاً. وبهذا تجب الدية بقتل الذمي، لأنه عصم دمه بعقد الذمة، بخلاف الحربي، وكذا تجب الدية بقتل المستأمن - وهو من دخل دار الإسلام بأمان مؤقت فيمل دون السنة – لأنه استفاد العصمة بعقد الأمان([39]).

الشروط الثاني: التقوم عن الحنفية([40]):

ومعنى التقوم: أن يكون المقتول متقوماً، فالمتقوم عند الحنفية يكون بوجود المسلم بدار الإسلام، خلافاً للجمهور القائلين بأن التقوم يحصل بالإسلام لا يوجود المسلم بدار الإسلام.

وبناءً على ذلك فإن الجمهور يوجبون الديه على من قتل مسلماً خطاً في دار الحرب واحتجوا لذلك بقول تعالى : }  وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ{ ([41]).

فاحتجوا بالعموم، وقالوا: هذا مؤمن قتل خطأ فتجب في قتله الدية.

وقال الحنفية : لا تجب الدية بقتل الحربي إذا أسلم في دار الحرب، ولم يهاجر الينا إذا قتله مسلم أو ذمي خطأ.

واحتجوا بقوله تعالى:} فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ{([42]).

والاستدلال بهذه الآية من وجهين :

أحدهما: أنه جعل التحرير جزاء القتل ، والجزاء  يقتضي الكفاية، فلو وجبت الدية معه لا تقع الكفاية بالتحرير وهذا خلاف النص.

الثاني : أنه سبحانه وتعالى جعل التحرير كل الواجب بقتله لأنه كل المذكور، فلو أوجبنا معه الدية، لصار بعض الواجب وهذا تغيير حكم النص.

وأما صدر الآية الكريمة، فلا يتناول هذا المؤمن لوجهين:

أحدهما: أنه سبحانه وتعالى ذكر المؤمن مطلقاً، فيتناول المؤمن من كل وجه، وهو المستأمن ديناًً وداراً، وهذا مستأمن دينًاً لا دار، لأنه مكثر سواد الكفر.

والثاني: أنه أفرد هذا المؤمن بالذكر والحكم، ولو تناوله صدر الآية الشريفة لعرف حكمه به فكان الثاني تكراراً.

ولو حمل على المؤمن المطلق لم يكن تكراراً فكان الحمل عليه أولى ، أو يحتمل ما ذكرنا فيحمل عليه توفيقاً بين الدليلين عملاً بهما جميعاً([43]).

 


الفرع الثالث

شروط يلزم توافرها في الجناية

 

يلزم في الجناية التي تستحق عنها الدية شروط:

أولاً: إن كانت الجنائية عمداً عدواناً وسقط القصاص ووجبت الدية فيلزم أن يتوافر فيها أركان جريمة القتل العمد وهي:

1-                وجود إنسان على قيد الحياة أزهقت روحه.

2-                وقوع فعل عمدي من الجاني من شأنه إحداث الموت.

3-                أن يكون الجاني قد قصد إحداث هذه النتيجة.

ثانياً: إن كانت الجناية خطأ ووجبت الدية:

فيلزم أن يتوافر فيها أركان جريمة القتل الخطأ ويكون ذلك الخطأ:

إما في القصد كرميه مسلماً ولو عبداً يظنه صيداً أو حربياً فإنه لم يخطئ في الفعل حيث أصاب ما قصد رميه وإنما أخطأ في القصد أي في الظن حيث ظن الآدمي صيدا ًوالمسلم حربياً.

وإما في الفعل كرميه عرضاً فأصاب آدمياً فإنه أخطأ في الفعل لا القصد فيكون معذوراً لاختلاف المحل بخلاف ما إذا تعمد ضرب موضع من جسده فأصاب موضعاً آخر منه فمات فيجب القصاص إذ جميع البدن محل واحد فيما يرجع إلى مقصوده فلا يعذر.

ومن رمى رجلاً عمداً منفذ السهم منه إلى آخر فمات فيقتص للأول لأنه عمد واللثاني الدية على العاقلة لأنه خطأ([44]).

ومن قتل نفسه خطأ وجبت الكفارة في ماله وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة لا تجب لأن ضمان نفسه لا يجب فلم تجب الكفارة كقتل نساء أهل الحرب وصبيانهم.

وإنما صار الخطأ في النوعين لأن الإنسان يتصرف بفعل القلب والجوارح فيتحمل في كل منهما الخطأ على الانفراد كما ذكر أو الاجتماع بأن يرمي آدمياً يطنه جسداً فأصاب غيره من الناس([45]).

ثالثا: وإن كانت الجناية شبه عمد أي فيه معنى العمد باعتبار قصد الفاعل إلى الضرب فهو قتل مع القصد بآله لا تقتل عادة كالعصا والسوط والحجر الصغير عند من يقول به تكون فيه دية مغلظة لو توافرت أركان الجناية شبه العمد([46]).

 


المبحث الثاني

حالات وجوب الدية

وفي هذا المبحث سأتكلم فيه عن حالات وجوب الدية على أساس تقسيمها إلى أربعة مطالب:

المطلب الأول: وجوب الدية في القتل العمد.

المطلب الثاني: وجوب الدية في القتل شبه العمد.

المطلب الثالث: وجوب الدية في القتل الخطأ.

المطلب الرابع: وجوب الدية في القتل الذي يجري مجرى الخطأ.


المطلب الأول

وجوب الدية في القتل العمد

قال تعالى : }  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ   {([47]).

قال ابن العربي : في قوله تعالى : }  فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ {

هذا قول مشكل تبلدت فيه ألباب العلماء، واختلفوا في مقتضاه([48]).

فموجب العمد القصاص خاصة فإذا سقط القصاص بعفو ولي القتيل أو بموت الجاني طبقت عقوبة أخرى وهي الدية التي بدل حتمي عند الحنابلة، أو إذ عفى عنها عند الشافعية وبرضا الجاني وعند المالكية.

وأما ثبوت بدليتها عند الفقهاء فعلى قولين هما:

القول الأول: مذهب الحنفية ومشهور مذهب المالكية([49]):

يحب القصاص عيناً ولا تجب الدية بدلاً عن القصاص إلا بالتراضي أي بتراضي أولياء المقتول مع القاتل.

ويترتب على هذا القول أنه لايحق لولي المقتول أخذ الدية من القاتل عوضاً عن القصاص إلا برضاه.

وإذا مات القاتل أو عفا ولي القتيل عن القصاص سقط الواجب في القتل وهو القصاص ولا تجب الدية في مال القاتل([50]).

ودليلهم ما يلي:-

أولاً: قوله تعالى : }  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ  {([51]) .

وهذا يفيد تعيين القصاص موجباً للقتل العمد، فلا إبهام فيما هو واجب، لأن الآية الكريمة صريحة في كون القصاص هو الواجب لا غير، لأنه لو كان على القاتل أحد حقين: القصاص أو الدية، لايصدق القول على أحدهما بأنه هو الواجب فيتعين القول بأن الواجب في القتل هو القصاص، فيبطل القول بحق ولي المقتول اختيار الدية بدون رضا القاتل.

ثانياً: قول النبي r  »العمد القود«([52]).

أفاد الحديث أن الواجب في القتل العمد هو القود، أي القصاص لا غيره ولا شيء معه.

ثالثاً: القول بأن في دفع الدية صيانة لنفس القاتل من الهلاك، وإنه واجب ، وإلا صار آثماً فالجواب أنه لا يصير آثماً بالامتناع عن دفع الدية إذا رضى ولي المقتول، لأن لولي المتقول أخذ الدية من غير رضاه وكلامنا هو في هذا كمن أصابته مخمصة وعند صاحبه طعام يبيعه بثمن مثله، فيجب على المضطر أن يشتريه دفعاً للهلاك عن نفسه، فإن امتنع عن الشراء ليس لصاحب الطعام أن يدفع إليه الطعام ويأخذ الثمن من غير رضاه([53]).

القول الثاني :

مذهب الشافعية والقول الراجح عند الحنابلة([54])، وهو قول الزيدية والظاهرية ورواية الإمام مالك([55])، الواجب في القتل  العمد أحد شيئين: القصاص أو الدية، والخيار في تعيين أحدهما إلى ولي المقتول.

ويترتب على هذا القول أنه إذا عفا ولي القتيل عن القصاص مطلقاً أو عفا على الدية، وجبت الحالتين، لأن الواجب غير معين، فإذا ترك أحدهما وجب الآخر، وإن اختار الدية سقط القصاص، وإن اختار القصاص تعين.

وإذا مات القاتل تعين المال- أي الدية – واجباً في تركه القاتل، فإذا عفا ولي القتيل عن الدية بعد وجوبها في مال القاتل الذي مات، فإنها تسقط([56]).

ودليل هذا القول :

أولاً: ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال : »من قتل له قتيل فهو بخير النظرين: أما إن يفدئ وإما أن يقيد«([57]).

فدل الحديث على أن القصاص والديه واجبان على التخيير، فلولي الدم أن يأخذ الدية أو يقتص.

ثانياً: قوله تعالى : }  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ  {([58]) . فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : » كان في بني إسرائيل القصاص ولم يكن فيهم الدية« فقال تعالى : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ   {.

قال ابن عباس رضي الله عنهما : فالعفو أن يقبل في العمد الدية، والاتباع بالمعروف يتبع الطالب بمعروف، ويؤدي المطلوب بإحسان » ذلك تخفيف من ربكم ورحمة«. فيما كتب على من كان قبلكم.

والتخفيف المذكور في الآية هو بالتخيير بين القصاص والدية لهذه الأمة، بعد أن كان الواجب على بني إسرائيل هو القصاص فقطـ، ولم يكن فيهم الدية([59]).


المطلب الثاني

وجوب الدية في القتل شبه العمد

 

قال تعالى : }  وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَاً  {([60]) } وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً{([61]) .

فانحصر القتل في خطأ وعمد عند أكثر العلماء.

ومنهم من زاد ثالثاً، وهو شبه العمد، وجعلوه عمداً خطأ، كأنهم يريدون به أنه عمد من وجهه، وخطأ من وجه. وروي شبه العمد عند الصحابة والفقهاء كأبي حنيفة والشافعي([62]).

قال الإمام ابن رشد:

أجمعوا على أن القتل صنفان: عمد وخطأ واختلفوا في هل بينهما وسط أم لا؟ وهو الذين يسمونه شبه عمد، فقال به جمهور فقهاء الأمصار، والمشهور عن مالك نفيه إلا في الابن مع أبيه وقد قيل: إنه يتخرج عنه في ذلك رواية أخرى.

وبإثباته فقال عمر بن الخطاب وعلي وعثمان وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري، والمغيرة بن شعيب، ولا مخالف لهم من الصحابة([63]).

والراجح فذهب الجمهور القائلين بشبه العمد، لما جاء في حديث عبد الله بن عمود أن رسول الله r قال : }  إلا إن قتيل الخطأ شبه العمد قتيل السوط أو العصا فيه مائة من الإبل{([64]).

ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: » اقتلت امرأتان من هذيل، فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها ومافي بطنها، فقضى النبي r أن دية جنينها عبداً أو وليدة  وقضى بدية المرأة على عاقلتها«([65]).

قال ابن قدمه بعد أن ذكر الحديث: » فأوجب r ديتها على العاقلة – أي عصبتها- والعاقلة لا تحمل دية القتل العمد«([66]).

فالقتل شبه العمد هو القتل مع القصد بآلة لا تقتل عادة كالعصا والسوط والحجر الصغير وهو يساوي الضرب المفضي إلى الموت في الفقه العربي.

والقتل شبه العمد عند من يقول به ثلاثة أنواع([67]):

1- نوع متفق عليه: وهو أن يقصد القتل بعصا صغيرة أو بحجر صغير أو لطمه ونحو ذلك مما لا يكون الغالب فيه الهلاك كالسوط ونحوه إذا ضرب ضربه أو ضربتين ولم يوال الضرابات .

2- نوع مختلف فيه وهو أن يضرب بالسوط الصغير ويوالي الضربات إلى أن يموت وهو شبه عمد  عند الحنفية بلا خلاف، وعند الشافعي هو عمد.

3- ونوع مختلف فيه أيضاً: وهو أن يقصد قتله بما يغلب فيه الهلاك مما ليس بجارح ولا طاعن كمقدمة القصارين والحجر الكبر والعصا الكبير، ونحوهما فهو شبه عمد عند أبي حنيفة وعند الصاحبين والشافعي هو عمد.

ودية شبه العمد مثل دية العمد في نوعها ومقدارها، وتغليظها، ولكنها تختلف عنها في الملزم بها وفي وقت أدائها، فدية العمد تجب على الجاني من ماله معجلة.

ودية شبه العمد تجب على العاقله مؤجله في مدى ثلاث سنين([68]).

لكن الإمام مالك يرى : أن شبه العمد كالعمد، في وجوب الدية في مالي الجاني، إلا في حالة قتل الأب لأبنه فيما إذا حذفه بسيف أو عصا، فقتله ، ففيه دية شبه عمد مغلطة، مثلثه ، مؤجله كدية الخطأ([69]).

 


المطلب الثالث

القتل الخطأ

قال تعالى : }  وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ {([70]) .

فأوجب الله تعالى الدية في قتل الخطأ جبراً، كما أوجب القصاص في قتل العمد زجراً وجعل الدية على العاقلة رفقاً.

وهذا يدل على أن قاتل الخطأ لم يكتسب إثماً ولا محرماً.

والكفارة وجبت زجراً عن التقصير والحذر في جميع الأمور([71]).

فلا قصاص في الخطأ باتفاق الفقهاء، وإنما له عقوبتان فقط.

أصلية : وهي الدية والكفارة.

وتبعية : وهي الحرمان من الميرات والوصية.

واتفق الفقهاء على أن دية الخطأ على العاقلة مؤجله ثلاث سنين، عملاً بقضاء النبي r بدية الخطأ على العاقلة.

والتأجيل عند الحنفية يشمل ما تحمله العاقلة والجاني معاً، وأما عند الجمهور فيجب حالاً كل مالاً تحمله العاقلة، لأنه بدل متلف ، فلزم حالاً كقيم المتلفات([72]).

أما الذي تحمله العاقلة فيجب مواساة، فلزم التأجيل تخفيفاً على متحملة غير الأصلي، والسبب في إلزام العاقلة الدية: هو أن جنايات الخطأ تكثر، ودية الآدمي كثيرة، فاقتضت الحكمة إيجابها على العاقلة على سبيل المواساة للقاتل والإعانة له تخفيفاً عنه، إذ كان معذوراً في فعله بسبب عدم قصده، وينفرد هو بالكفارة.

ولا تتغلظ دية الخطأ عند الحنفية والمالكية، وتتغلظ عند الشافعية والحنابلة في ثلاث حالات([73]).

1-      إذا قتل في الحرم.

2-      إذا قتل في الأشهر الحرم.

3-      إذا قتل ذا رحم محرم([74]).


المطلب الرابع

القتل الذي يجري مجرى الخطأ

 

قال الدكتور عبد الكريم زيدان : » هذا القتل موجب للدية وهو نوعان«([75]):

الأول:

هو في معنى القتل الخطأ من كل وجه، وهو أن يكون عن طريق المباشرة، كأن ينقلب النائم على إنسان فيقتله يثقله، وكما لو سقط إنسان من سطح على قاعد فقتله.

الثاني:

وهو أن يكون في معنى القتل الخطأ من وجه دون وجه، ويكون هذا عن طريق التسبب، كما لو حفر إنسان حفرة في طريق عام للمسلمين فسقط فيها إنسان فمات بسبب هذا السقوط. فالدية تجب على الحافر لكونه متسبباً بهذا القتل على وجه التعدي لأنه ليس من حقه إحداث هذه الحفرة في طريق عام للعامة، ولكن لو اجتمع مع التسبب مباشرة فالضمان »الدية« على المباشر لا على المتسبب، كما لو حفر إنسان في طريقة عام للناس حفرة، ثم جاء آخر فدفع إنساناً فأسقطه في الحفرة فمات بسبب هذا الإسقاط فالضمان على الدافع لأنه مباشر لا على الحافر، لأنه متسبب ويلاحظ هنا أن المتسبب إنما يتحمل دية المقتول إذا كان متعدياً في تسببه كالحافر حفرة في طريق عام فيسقط فيها إنسان فيموت بسبب سقوطه أما إذا لم يكن متعدياً في تسببه فلا ضمان عليه([76]).

 

 


المبحث الثالث

دية المرأة في النفس

 

وقد قمت بتقسيم هذا المبحث إلى مطلبين:

المطلب الأول: دية المرأة في النفس وآراء العلماء في ذلك.

أما المطلب الثاني : دية المرأة فيما دون النفس ورأي القانون اليمني في ذلك.

 


المطلب الأول

أراء العلماء في دية النفس

وينقسم إلى ثلاثة فروع:

أخصص الأول: للقائلين بالتنصيف.

والثاني: القائلين بالمساواة.

والثالث: القول الصحيح.

الفرع الأول

القائلون بالتنصيف

إن حصر العلماء الذين يقولون بأن دية المرأة على النصف من دية الرجل أمر متعذر بمقابل من شذ بالقول بالمساواة تجوزاً إذا كان المحصي سيذكر العلماء الذين هم أجل قدراً وأكثر علماً من ابن عليه والأصم.

وأما ذكرهم على سبيل الإجمال فهم:

أولاً: صحابة رسول الله r .

ثانياً: التابعون.

ثالثاً: فقهاء جميع المذاهب من الحنفية والمالكية، والشافعية، والحنابلة والزيدية، والظاهرية، وأهل الحديث والجعفرية وإلاباظية.

يقول الدكتور القرضاوي:

» اشتهر في تراثنا الفقهي : حكم شرعي بين المسلمين، وهو أن دية المرأة نصف دية الرجل، وقد أخذت به مذاهبهم المتبوعة كلها: المذاهب الأربعة الشهيرة، والمذهب الظاهري، والمذهب الزيدي، والمذهب الجعفري، والمذهب الإباضي«.

واستقر هذا الحكم طيلة القرون الماضية حتى ظنه الكثيرون : أن هذا من الأحكام القطعية التي لايجوز الاجتهاد فيها، وقد نقل بعض الأئمة : أنه مجمع عليه([77]).

وهناك عدة أحاديث من السنة ومن آثار الصحابة تدل على أن دية المرأة نصف دية الرجل.

أولاً: أدلة السنة:

الحديث الأول:

حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله r : } دية المرأة على النصف من دية الرجل { ([78]).

الحديث الثاني:

حديث عمر بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله r : } عقل المرأة مثل عقل الرجل، حتى يبلغ الثلث من ديتها{([79]).

الحديث الثالث:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: » اقتتلت امرأتان من هذيل، فرمت إحداهما الأخرى بحجر، فقتلتها وما في بطنها، فاختصموا إلى رسول الله r، فقضى رسول الله أن دية جنينها غرة: عبد أو وليده، وقضى بدية المرأة على عاقلتها، وورثها ولدها ومن معهم«([80]).

ففي هذا الحديث فيه دليل على أن دية المرأة كانت معلومة في عهد رسول الله r كما يدل على أن دية المرأة نصف دية الرجل، ووجه ذلك أن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعوا على أن دية المرأ نصف دية الرحل، فدل ذلك على أنهم نقلوا ما قضى به رسول الله r في دية المرأة.

أما القول بأن دية المرأة مثل دية الرجل فجهل، لأن ذلك معناه أن الصحابة نقلوا خلاف ما قضى به رسول الله r وسلم، وهذا من المحال أن يجمع الصحابة على خلاف حكم رسول الله r الذي قضى به([81]).

ثانياً: آثار الصحابة:

وردت مجموعة من الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم في تنصيف دية المرأة على دية الرجل بيانها كالآتي:

1-  روى الشافعي والبيهقي عن ابن شهاب وعن مكحول وعطاء قالوا : » أدركنا الناس على أن دية المسلم الحر على عهد النبي r مائة من الإبل فقوم عمر بن الخطاب رضي الله عنه تلك الدية على أهل القرى ألف دينار أو اثنى عشر ألف درهم، دية الحرة المسلمة إذا كانت من أهل القرى خمسمائة دينار أو ستة آلاف درهم، فإذا كان الذي أصابها من الأعراب فديتها خمسون من الإبل ودية الأعرابية – إذا أصابها من الإعرابي – خمسون من الإبل لا يكلف الإعرابي الذهب ولا الورقة«([82]).

2-  عن أبي نجيح عن أبيه : » أن رجلاً أوطأ امرأة بمكه فقضى فيها عثمان بن عفان رضي الله عنه بثمانية آلاف درهم دية وثلث«([83]).

قوله : »دية وثلث« أي ستة آلاف درهم التي هي دية المرأة، وهي على النصف من دية الرجل التي تكون أثنا عشر ألف درهم من الفضة، وأما قوله" » وثلث« أي وثلث ديتها، وثلث الستة آلاف آلفا درهم فمجموع ما قضى به أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه ثمانية آلاف درهم دية لأجل الخطأ وثلث الدية تغليظاً لأجل الحرم.

3-  عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي r قال: } عقل المرأة على النصف من عقل الرجل في النفس وفيما دونها{([84]).

4-    عن الشعبي أن علياً رضي الله عنه كان يقول: } جراحات النساء على النصف من دية الرجل فيما قل أو أكثر{([85]).

وهذان الأثران عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه اسنادهما صحيح كما ذكر ذلك الشيخ الألباني في أرواء الغليل([86]).

5-  عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال: » جراحات الرجال والنساء سواء إلى الثلث، ما زاد فعلى النصف، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: إلا السن والموضحة فأنها سواء وما زاد فعلى النصف« ([87]).

6-  عن ربيعه بن ابي عبد الرحمن أنه قال: » سألت سعيد بن المسيب: كم في إصبع المرأة؟ فقال عشر من الإبل، فقلت: كم في إصبعين؟ فقال: عشرون من الإبل. فقلت كم في ثلاث؟ فقال ثلاثون من الإبل. فقلت: كم في أربع؟ قال عشرون من الإبل، فقلت حين عظم جرحها واشتدت مصيبتها نقص عقلها!! فقال سعيد: أعرابي أنت؟ فقلت : بل عالم متثبت، أو جاهل متعلم. فقال: هي السنة يا ابن أخي«([88])، قلت : وهذا من سعيد بن المسيب بناء على أن دية المرأة كدية الرجل حتى تبلغ الثلث من ديته فما زاد فعلى النصف.

ثالثاً: دليل الإجماع:

إن دية المرأة نصف دية الرجل إجماعاً، وقد نقل الإجماع جمع من الأئمة والفقهاء نذكر بعضهم كما يلي:

1- الإمام الشافعي:

قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى : » لم أعلم مخالفاً من أهل العلم قديماً ولا حديثاً في أن دية المرأة نصف دية الرجل، وذلك خمسون من الإبل فإذا قضى في المرأة بدية، فهي خمسون من الإبل، وإذا قتلت عمداً فاختار أهلها ديتها فديتها خمسون من الإبل أسنانها أسنان دية عمد وسواء قتلها رجل أو نفر أو امرأة، ولا يزاد في ديتها على خمسين من الإبل وجراح المرأة في ديتها كجراح الرجل في ديته لا تختلف، ففي موضحتها نصف ما في موضحة الرجل، وفي جميع جراحها بهذا الحساب، فإن قال قائل : فهل في دية المرأة سوى ما وصفت من الإجماع أمر متقدم؟

فنعم أخبرنا مسلم بن خالد عن عبدالله بن عمر عن أيوب بن موسى عن ابن شهاب وعن مكحول وعطاء قالوا: » أدركنا الناس على أن دية الحر المسلم على عهد رسول الله r مائة من الإبل، فقومَّ عمر بن الخطاب تلك الدية على أقل القرى ألف دينار أو اثنى عشر ألف درهم، ودية الحرة المسلمة إذا كانت من أهل القرى خمسمائة دينار أو ستة آلاف درهم، فإذا كان الذي أصابها من الأعراب فديتها خمسون من الأبل ودية الإعرابية إذا أصابها من الأعراب خمسون من الإبل([89]).

وأخبرنا سفيان عن أبي نجيح عن أبيه أن رجلاً أوطأ امرأة بمكة فقضى فيها عثمان رضي الله عنه بثمانية آلاف درهم، دية وثلث([90])،([91]).

2- الإمام الكاساني :

وقال الكاساني: »وإن كان أنثى فدية المرأة على النصف من دية الرجل لإجماع الصحابة رضي الله عنهم، فإنه روي عن سيدنا عمر، وسيدنا علي، وابن مسعود، وزيد بن ثابت رضي الله عنهم أنهم قالوا في دية المرأة: إنها على النصف من دية الرجل، ولم ينقل أنه أنكر عليهم أحد فيكون إجماعاً، ولأن المرأة في ميراثها، وشهادتها على النصف من الرجل فكذلك في ديتها([92]).

 

 

3- الإمام ابن قدامه المقدسي:

وقال ابن قدامه: »ودية الحرة المسلمة نصف دية الحر المسلم«.

قال ابن المنذر وابن عبد البر: أجمع أهل العلم على أن دية المرأة نصف دية الرجل، وحكى غيرهما عن ابن عُليَّة والأصم، أنهما قالا: ديتها كدية الرجل، لقوله r : } في النفس المؤمنة مائة من الإبل{، وهذا قول شاذ يخالف إجماع الصحابة وسنة النبي r فإن في كتاب عمر بن حزم: } دية المرأة على النصف من دية الرجل{ وهو أخص مما ذكروه، وهما في كتاب واحد، فيكون ما ذكرنا  مفسراً لما ذكروه، ومخصصاً له، ودية النساء كل أهل دين على النصف من دية رجالهم، على ما قدمناه في موضعه([93]).

4- الإمام القرطبي :

وقال الإمام القرطبي : »وأجمع العلماء على أن دية المرأة نصف دية الرجل، قال أبو عمر بن ابن عبد البر: إنما صارت ديتها – والله أعلم – على النصف من دية الرجل من أجل أن لها نصف ميراث الرجل وشهادة امرأتين بشهادة رجل وهذا إنما هو دية الخطأ وأما العمد ففيه القصاص بين الرجال والنساء لقول عز وجل : }  أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ  { ([94])،([95]).

5- ابن حزم :

وقال الإمام ابن حزم: » وقد صح الإجماع على أن في أربعة أصابع من المرأة فصاعداً النصف ما في ذلك من الرجل بلا خلاف«.

وقال في موضع آخر: » واتفقوا على أن الدية على أهل البادية مائة من الإبل في نفس الحر المسلم المقتول خطأ، لا أكثر ولا أقل وأن في نفس الحرة المسلمة المقتولة منهم خمسين  من الإبل«([96]).

وأما فقه ابن تيمية في نقد مراتب الإجماع:

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : » لو شهدت خديجة وفاطمة وعائشة ونحوهن ممن يعلم أنهن من أهل الجنة لكانت شهادة إحداهن نصف ميراث رجل وديتها نصف دية رجل وهذا كله باتفاق المسلمين«([97]).

6- ابن رشد الحفيد:

وقال بن رشد الحفيد: » وأما دية المرأة فإنهم اتفقوا على أنها على النصف من دية الرجل في النفس فقط، واختلفوا فيما دون النفس من الشجاج والأعضاء«([98]).

7- الإمام ابن حجر العسقلاني:

وقال الإمام ابن حجر العسقلاني: » اشتهر عن عمر وعثمان وعلي والعبادلة: ابن مسعود وابن عمر، وابن عباس: أن دية المرأة على النصف من دية الرجل، ولم يخالفوا، فصار إجماعاً«([99]).

8- الإمام الشوكاني:

قال الإمام الشوكاني: » أما المرأة فقد وقع الإجماع إلا عمن لا يعتد به أنها نصف دية الرجل«([100]).

فهؤلاء هم أئمة الإسلام، الذين يرجع إليهم في نقل الإجماع قد اتفقت أقوالهم على الإجماع في كون دية المرأة على النصف من دية الرجل.

فهل يوجد من الأئمة المعتبرين أو ممن يرجع إليهم في الفتوى أو ممن تلقت الأدلة فتاواهم بالقبول هل فيهم من يقول : بأن المسألة ليس فيها إجماع، أو شكك في نقل الإجماع في هذه المسألة؟

وهل يمكن لهؤلاء الأئمة الأعلام أن ينقلوا الإجماع بدون بحث، ولا تحرِّ وهم من هم جلالة وعلماً .

وأهل العلم ذهبوا على أن الإجماع حجه شرعية يجب إتباعها والمصير إليها وقد دل الشرع على حجية الإجماع، فمن الأدلة على ذلك :

أولاً: من الكتاب:

قال تعالى : }  وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً  { ([101]).

فوجه الدلالة في هذه الآية هو الوعيد الشديد لمن يتبع غير سبيل المؤمنين دليل على التحريم، فيكون إتباع سبيل المؤمنين واجباً تحرم مخالفته.

ثانياً: من السنة :

1-                قوله r : } إن أمتي لا تجتمع على ظلاله{([102]).

2-                قوله r : } فمن أراد بحبوبة الجنة فليلزم الجماعة{([103]).

قال الشافعي مستدلاً بهذا الحديث: » إذا كانت جماعتهم متفرقة في البلدان، فلا يقدر أحد أن يلزم جماعة أبدال أن قوم متفرقين، وقد وجدت الأبدان تكون مجتمعه من المسلمين والكافرين، والأتقياء، والفجار، فلم يكن في لزوم الأبدان معنى، لأنه لا يمكن، ولأن اجتماع الأبدان لا يصنع شيئاً فلم يكن للزوم جماعتهم معنى إلا ما عليه جماعتهم من التحليل والتحريم والطاعة فيهما، ومن قال بما تقول به جماعة المسلمين فقد لزم جماعتهم، ومن خالف ما تقول به جماعة المسلمين فقد خالف جماعتهم التي أمر بلزومها ، وإنما تكون الغفلة في الفرقة، فأما الجماعة فلا تكون فيها كافة غفلة عن معنى كتاب ولا سنة ولا قياس إن شاء الله«([104]).

والملاحظ أن هذه النصوص المتقدمة من الكتاب والسنة تدل على أصليين عظيمين هما:

الأصل الأول: وجوب إتباع الجماع ولزومها، وتحريم مفارقتها ومخالفتها.

الأصل الثاني: عصمة هذه الأمة عن الخطأ والضلالة.

وهذا الأصلان متلازمان: فإن قول الأمة مجتمعة لا يكون إلا حقاً، وكذلك فإن العصمة إنما تكون لقول الكل دون البعض([105]).

وإذا صح الإجماع ترتبت عليه جملة من الأحكام، وأهمها ما يلي:

1- وجوب إتباعه وحرمة مخالفته:

وهذا معنى كونه حجه، قال شيخ الإسلام ابن تيميه : » وإذا ثبت إجماع الأمة على حكم من الأحكام لم يكن لأحد أن يخرج عن إجماعهم، ويترتب على هذا الحكم أنه لا يجوز للمجمعين مخالفة ما أجمعوا عليه، وأنه لا يجوز لمن بعدهم أن يخالفهم«([106]).

2- أن هذا الإجماع حق وصواب، ولا يكون خطأ:

ويترتب على هذا الحكم أنه لا يمكن أن يقع إجماع على خلاف نص أبداً لأن مخالفة النص ضلالة والأمة لا تجتمع على ضلالة، وأنه لا يمكن أن يقع إجماع على خلاف إجماع سابق، فمن أدعى ذلك فلابد أن يكون أحد الاجماعين باطلاً، لأن ذلك يستلزم تعارض دليلين قطعيين وهو ممتنع.

وكما يترتب على ثبوته حرمة الاجتهاد : فمتى ثبت الإجماع وحب إتباعه، لأنه لابد أن يستند إلى نص ووجوده مسقط للاجتهاد، فإذا أنضم إلى النص الإجماع سقط الاجتهاد من باب أولى([107]).

3- حرمة الاجتهاد:

إذ يجب إتباع الإجماع، فإن الإجماع لا يكون إلا على نص، ووجود النص كما هو معلوم مسقط  للاجتهاد.

4- سقوط نقل دليل الإجماع:

يستغنى بنقل الإجماع عن نقل دليله، ويسقط أيضاً: البحث عن الدليل اكتفاء بالإجماع([108]).

رابعاً: القياس :

قياس الدية على الميراث والجامع في الميراث حاجة الرجل إلا الانفاق في الزواج وعلى أهله دون المرأة.

وفي الدية أن الأسرة بموت الرجل تفقد العائل بخلاف المرأة متى كانت الدية للورثة فإن كانت الدية فيما دون النفس فهي للمجني عليه قلنا كذلك إن حاجة الرجل إلى المال أشد من حاجة المرأة إليه لمكان إلزامه بالنفقه قضاءً وديانة على من يعول ولأجل دفع الصداق إلى زوجته في النكاح ولتحمل من دية الخطأ مع العاقلة دون النساء مع ملاحظة أن الدية ليست قيمة للإنسان فالإنسان بناء الله وابن آدم لايملك نفسه ولذلك جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي r قال : } قال الله ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره{ ([109])،([110]).

وفي حالة الدية فهناك فرق بين الرجل وبين المرأة، لأن أهل القتيل قد خسروا بفقيدهم رجلاً عائلاً لهم، فاحتاج الأمر إلى التعويض عنه تعويضاً كاملاً جبراً لأهل البيت عمن فقدوه كان عائلاً لهم، منفقاً على أبيه وأمه وزوجته وأولاده.

أما بالنسبة للمرأة فالأمر جد مختلف، حيث إن أهلها قد فقدوا بقتلها إنساناً غير عائل لهم، لأنها غير مكلفة بالإنفاق على أحد ولو كانت غنية.

والإسلام في هذه التفرقة يراعي تلك الأعباء المالية التي يلتزم بها الرجل وتعفى منها المرأة كما هو الحال في الميراث([111]).


الفرع الثاني

القائلون بالمساواة

لم ينسب هذا القول إلى أحد من سبق، غير اثنين هما إبراهيم بن إسماعيل بن عليه وعبد الرحمن الأصم وكنيته أبو بكر.

وقولهما شاذ يخالف الإجماع.

قال ابن قدامه : » قال ابن المنذر وابن عبد البر: أجمع أهل العلم على أن دية المراة نصف دية الرجل، ثم قال: وحكى غيرهما – أي ابن المنذر، وابن عبد البر – عن ابن عليه والأصم أنهما قالا: ديتها كدية الرجل لقوله r : } في النفس مائة من الإبل{، وهذا قول شاذ يخالف إجماع الصحابة وسنة النبي r«([112]).

وهكذا فالمستعصي لن يجد أحداً ممن سبقهما قال بقولهما ، كما أنه لن يجد أحداً قال بقولهما أو وافقهما ممن أت بعدهما ولمن يريد أن ينتصر لهذا القول، أن ينسبه إلى أحد غيرهما، إذا ينقض الإجماع بنسبته إلى واحد من صحابة النبي r وأتى له ذلك، وفي ذلك دليل على انعقاد الإجماع قبل شذوذهما وبعده، وأحد الاجماعين كاف.

غير أنه وجد من العلماء المتأخرين من أصحاب القرن الماضي ومن المعاصرين من جدد الشذوذ في هذه المسألة حيث قالوا : بقول الأصم وابن عُليَّه وهم:

الشيخ محمد أبو زهرة، والشيخ محمد رشيد رضا، والشيخ محمود شلتوت، والشيخ محمد الغزالي، والدكتور يوسف القرضاوي([113]).

أولاً: أدلة القائلون بالمساواة

أولاً: استدلالهم بالكتاب:

أما دليلهم من الكتاب فقوله تعالى : } وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً   { ([114]).

قالوا إن الآية التي أثبتت مشروعية الدية، شملت بإجماع الفقهاء والمفسرين الرجل والمرأة على حد سواء، ولم تفرق بينهما بشيء، ولم تميز في الحكم بين رجل وامرأة في وجوب الدية والكفارة، فدلت بمطلقها على مساواة المرأة بالرجل في الدية([115]).

ثانياً: استدلالهم بالسنة:

ذكر العلماء السابقون في معرض حديثهم عن مخالفة الأصم وابن عُليَّه للإجماع أنهما احتجا لشذوذهما بحديث عمرو بن حزم في العقول ، والذي جاء فيه: وفي النفس مائة من الإبل.

وهناك جملة أحاديث يحتج بها لرأي ابن عليه والأصم وهي كما يلي:

الحديث الأول:

عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله r : } من قتل عمداً دُفع إلى أولياء القتيل، فإن شاؤوا قتلوا، وإن شاؤوا أخذوا الدية، وذلك ثلاثون حقه أو ثلاثون جذعة وأربعون خلفه، وذلك عقل العمد، ما صالحوا عليه فهو لهم، وذلك تشديد العقل{([116]).

الحديث الثاني:

وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أيضاً : إن رسول الله r خطب يوم الفتح بمكة، فكبر ثلاثاً، ثم قال : إلا إن دية الخطأ شبه العمد، ما كان بالسوط والعصا، مئة من الإبل، منها أربعون في بطونها أولادها([117]).

الحديث الثالث:

وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أيضاً، أن رسول الله r :قضى أن من قتل خطأ، فديته مئة من الإبل، ثلاثون بنت مخاض، وثلاثون بنت لبون، وثلاثون حقه، وعشرة بني لبون ذكر([118]).

الحديث الرابع:

وفي حديث عمرو بن حزم في العقول: (وفي النفس مئة من الإبل، وفي العين خمسون وفي اليد خمسون، وفي الرجل خمسون) ([119]).

الحديث الخامس:

وعن ابن عباس – رضي الله عنهما- عن النبي r : } أنه قضى في السن خمساً من الإبل{([120]).

فهذه هي أحادية الدية في السنة المطهرة، منها ما يحدد دية القتل العمد، ومنها ما يحدد دية القتل شبه العمد، ومنها ما يحدد دية القتل الخطأ، ومنها ما يحدد دية الأصابع، ومنها ما يحدد دية الأسنان، ومنها ما يحدد دية اليد، ودية الرجل، وليس في واحد منها تفريق بين الرجل والمرأة البتة، ولو كان هناك فرق بين ديتهما، لبينه r لأمته ، فدل ذلك على دية المرأة والرجل – في النفس وما دونها من الجراحات سواء([121]).


ثانياً: مناقشة دعاوي المخالف

1- الاعتراض الأول:

أما قولهم : بأن الآية التي أثبتت مشروعية الدية في القرآن الكريم، شملت بإجماع الفقهاء والمفسرين الرجل والمرأة على حد سواء ولم تفرق بينهما بشيء([122]).

فالجواب من وجوه:

الوجه الأول:

وإن هذا الاستدلال استدلال بالعموم الظن، وهو عموم مخصوص بالدليل القطعي وهو الإجماع.

وغاية ما يقال في الآية : أن فيها دليلاً على مشروعية الدية في القتل الخطأ بالجملة فكما أن الآية لم تميز في الحكم بين رجل وامرأة في وجوب الدية، فكذلك لم تميز بين حر وعبد، وإنما ذكرت وجوب الدية على سبيل العموم، وهذا عموم مخصوص بالإجماع على أن دية المرأة نصف دية الرجل، ولا تعارض بين عام وخاص والعمل بهما معاً ممكن والإجماع من المخصصات المنفصلة، ولا خلاف في جواز تخصيص العموم([123]).

قال ابن قدامه: » لا نعلم اختلافاً في جواز تخصيص العموم«([124]).

الوجه الثاني:

ذهب عامة المفسرين على أن دية المرأة نصف دية الرجل فلماذا لم يفهموا ما فهمتم.

2- الاعتراض الثاني:

أما قولهم : لم يثبت في السنة المطهرة حديث واحد صحيح صريح، يدل على تنصيف دية المرأة وكذلك الآثار المروية عن الصحابة ليس فيها أثر صحيح([125]).

فجوابه من وجوه:

الوجه الأول:

هذه دعاوي لا يسلم بها، فإن الشيخ الألباني قد صحح ثلاثة آثار عن الصحابة رضي الله عنهم في كون دية المرأة نصف دية الرجل([126]).

الوجه الثاني:

أنه متى ثبت الإجماع وجب قبوله، ولو خالف نصاً صحيحاً.

والشرط في انعقاد الإجماع وحجيته، أن يكون له مستند ودليل، وهو مذهب أكثر أهل العلم وهو الحق ولا يلزم العمل بمستند الإجماع، فيسقط نقل دليل الإجماع والاستغناء بنقل الإجماع عن نقل دليله، ويسقط أيضاً البحث عن الدليل اكتفاء بالإجماع([127]).

الوجه الثالث:

إن البعض إذا قيل له : أجمع العلماء على كذا قال: ما هو الدليل من الكتاب والسنة؟

ولا يعلم هؤلاء إن الإجماع يقدم على نص الكتاب ومتواتر السنة عند التعارض فقد ذكر بعض الأصوليين في ترتيب الأدلة: تقديم الإجماع على النص المتواتر وذلك لكون الإجماع قاطعاً معصوماً من الخطأ، وكونه آمناً من النسخ والتأويل بخلال باقي الأدلة([128]).

قال الإمام بدر الدين الزركشي – رحمه الله تعالى - : » مسألة: إذا اجمعوا على خلاف الخبر إذا ذكرو أحد من المجمعين خبراً عن النبي r ، يشهد بضد الحكم الذي انعقد عليه الإجماع، قال ابن برهان في الوجيز : يجب عليه ترك العمل بالحديث، والإصرار على الإجماع.

وقال قوم من الأصوليين: بل يحب عليه الرجوع إلى موجب الحديث.

وقال قوم: إن ذلك يستحيل ، وهو الأصح من المذاهب.

فإن الله تعالى عصم الأمة عن نسيان حديث في الحادثة، ولولا ذلك خرج الإجماع عن أن يكون قطعياً، والجمهور على الأول، لأنه يتطرق إلى الحديث احتمالات من النسخ والتخصيص مالا يتطرق إلى الإجماع، بل لو قطعنا بالإجماع في صورة ثم وجدنا على خلافه نصاً قاطعاً من كتاب أو سنة متواترة، لكان الإجماع أول، لأنه لا يقبل النسخ بخلاف النص فإنه يقبله.

وفي مثل هذه الصورة يستدل بالإجماع على ناسخ بلغهم، أو موجب لتركه ولهذا قدم الشافعي الإجماع على النص لما رتب الأدلة([129]).

وممن ذهب على أن دية المرأة نصف دية الرجل، الأئمة الأربعة والهادوية والزيدية وإتباعهم بلا نزاع والظاهرين والجعفرية والإباظية.

وعليه إجماع الصحابة، وإجماع علماء الأمة([130]).

وممن نقل الإجماع:

الشافعي في الأم، والكاساني في بدائم الصنائع، وابن المنذر في كتابه الإجماع، وابن قدامه في المغني، وابن حزم في المحلي وفي مراتب الإجماع، وابن جريج الطبري في تفسيره، وأبو بكر الجصاص في الفصول في الأصول، وابن عبد البر في التمهيد، والقرطبي في جامع أحكام القرآن، وابن رشد في بداية المجتهد ونهاية المقتصد، وابن تيمية في نقد مراتب الإجماع، وعلاء الدين السرقندي في تحفة الفقهاء، وابن مفلح في المبدع، وتقي الدين الحصني في كفاية الاخيار، وابن حجر العسقلاني في التلخيص الجبر ، وشمس الدين الرملي في نهاية المحتاج، وابن الأمير الصنعاني في سبل السلام، والشوكاني في السيل الجرار، والمطيعي في شرح المهذب .... وغيرهم كثير.

فهؤلاء هم أئمة الإسلام الذي يرجع إليهم في نقل الإجماع، قد اتفقت أقوالهم على الإجماع في كون دية المرأة على النصف من دية الرجل.

أما بالنسبة للمخالفين للإجماع:

فقد خالف الإجماع في دية المرأة رجلان عرفا بالمخالفة والشذوذ، وهما : الأصم، وابن عُليَّه.

قال ابن قدامه: » وحكي غيرهما – أي ابن المنذر، وابن عبد البر- عن أبن عليه والأصم، أنهما قالا: ديتها كدية الرجل لقوله r : } في النفس مائة من الإبل{([131]). وهذا قول شاذ، يخالف إجماع الصحابة، وسنة النبي r«([132]).

نبذه عن ابن عُليَّة:

ابن علية المذكور في مسألتنا هذه ليس هو الأب، إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم ابن عليه، الإمام المشهور بابن عليه، هو ابنه إبراهيم بن إسماعيل بن عليه ت218هـ.

قال الحافظ ابن حجر: » قال النووي: شذ بعض أهل الظاهر فقال: إذا طلق الحائض لم يقع الطلاق، لأنه غير مأذون فيه، فأشبه طلاق الأجنبية، والخطابي عن الخوارج، والروافض، وقال ابن عبد البر لايخالف في ذلك إلا أهل البدع والضلال يعني الآن : قال : وروى مثله عن بعض التابعين وهو شذوذ وحكاه ابن العربي وغيره، عن ابن عليه يعني إبراهيم بن إسماعيل بن عليه الذي قال الشافعي في حقه: إبراهيم ضال جلس في باب الضوال يضل الناس، وكان بمصر وله مسائل ينفرد بها، وكان من فقهاء المعتزلة، وقد غلط فيه من ظن أن المنقول عنه المسائل الشاذة أبوه ، وحاشاه فإنه من كبار أهل السنة«([133]).

ووصفه الذهبي في السير بأنه: » جهنمي شيطان، نقل عن أبي الحسن العجلي أنه قال إبراهيم بن عليه جهنمي خبيث ملعون«([134]).

وقال عنه ابن حجر : » جهمي هالك، كان يناظر ويقول بخلق القرآن« وقال عنه ابن عبد البر: » له شذوذ كثيرة ومذاهبه عند أهل السنة مهجورة وليس في قوله عندهم مما يعد خلافاً«([135]).

ومما يؤكد أن المقصود هنا إبراهيم بن عليه الابن، أنه كان تلميذا للأصم، فلا غر وأن يوافق شيخه في هذه المسألة، لاسيما وقد ذكرا معاً.

ومن القرائن  على عدم إرادة إسماعيل بن عليه – الأب – أن هذا كان شيخاً للشافعي وأحمد وهما يقولان: بالتنصيف، بل ذكر الشافعي أنه لا يعلم مخالفاً من أهل العلم قديماً ولا حديثاً في أن دية المرأة نصف دية الرجل.

فكيف ينفي المخالف إذا كا شيخه على خلافه؟

ثانياً: الأصم:

هو عبد الرحمن الأصم وكنيته، أبو بكر »استاذ ابن عليه«.

قال النووي : » ابن كيسان الذي ذكره في أول كتاب الإجارة من الوسيط عنه أنه أبطل الإجاره، أسمه عبد الرحمن الأصم ذكره الرافعي، وكنيته أبو بكر وقوله في الوسيط: لا مبالاة بالقاشاني وابن كيسان – أي الأصم – معناه لا يعتد بهما في الإجماع، ولا يجرحه خلافهما«.

وهذا موافق لقول ابن الباقلاني، وإمام الحرمين، فأنهما قالا: لايعتد بالأصم في الإجماع والخلاف([136]).

وقال عنه الذهبي: » الأصم شيخ المعتزلة، أبو بكر الأصم كان ثمامة بن أشرس يتغالي فيه، ويطنب في وصفه، وكان ديناً وقوراً، صبوراً على الفقر، منقبضاً عن الدولة ، إلا أنه كان فيه ميل عن الإمام علي مات سنة 201هـ«([137]).

وقال ابن حزم: » وصفة الإجماع: هو ما يتيقن أنه لاخلاف فيه بين أحد من علماء الإسلام، وإنما نعني بقولنا: »العلماء« من حفظ عنه الفتيا من الصحابة والتابعين وتابعيهم، وعلماء الأمصار، وأئمة أهل الحديث، ومن تبعهم رضي الله عنهم ولسنا نعني أبا الهنديل، ولا ابن الأسم ولا بشر بن المعتمر، ولا إبراهيم بن سيار، ولا جعفر بن مبشر، ولا ثمامة، ولا ابو عفاف، ولا الرقاشي، ولا الأزارقة والصغرية، ولا جهال الأباضية ولا أهل الرفض.

فإن هؤلاء لم يعتنوا من تثقيف الآثار ومعرفة صحيحها من سقيمها، ولا البحث عن أحكام القرآن لتمييز حق الفتيا  من باطلها، بطرف محمود، بل اشتغلوا عن ذلك بالجدال في أصول الاعتقادات ولكل قوم علمهم «([138]).

ونص الشوكاني في السيل على : » أن الأصم وابن عٌليَّه من نفاة الأذكار..، وأنهما خالفا قطعيات الشريعة الثابتة، بالأدلة التي هي الجبال الرواسي«([139]).

ليس للأصم وابن عليه سلف ولا خلف.

إذا كانت هذه هي ترجمة الأصم وابن عليه، فأعلم أنهما قالا قولاً ليس لهما فيه سلف.

كما لم ينقل عن أحد ممن جاء بعدهما أنه قال بقولهما، وفي ذلك دليل على انعقاد الإجماع قبل شذوذهما وبعده.


الفرع الثالث

القول الصحيح

 

إن أئمة الهدى والدين الذين اتخذهم الناس حجه بينهم وبين الله، بما أبانوه من حكم الشرع – على مر العصور – يذكرون أن دية المرأة نصف دية الرجل وفاقاً ولذلك لم يعتمدوا بخلاف الأصم وابن عليه، وحكموا عليه بالمخالفة والشذوذ لأنه قول بمقابل الإجماع.

وبناء عليه فليس هذه المسألة من المسائل الاجتهادية، الدائرة بين الراجح والمرجوح، كما أنه ليس للخلاف فيها مسوغ، والخلاف فيها يعتبر شذوذاً وزلة تنسب إلى قائلها على سبيل الزلة.

ولأن القول: بمساواة دية المرأة بدية الرجل يخالف الإجماع، وجب إنكاره اتفاقاً، وما كان من هذا النوع من الخلاف فإنه يدور بين الصحيح والخطأ أو الحق والباطل.

فالمسائل الاجتهادية كل أمر لم يرد فيه دليل صحيح صريح لا معارض له أو إجماع صحيح.

وأما المسائل الخلافية فهي أعم من ذلك، فهي تشمل كل ما وقع فيه الخلاف، وإن كان الخلاف ضعيفاً أو شاذاً أو مما اعتبر من زلات العلماء، ولهذا فإن كل ما كان من مسائل الاجتهاد فهي مسائل الخلاف وليس العكس.

وفي ذلك يقول شيخ الإسلام بن تيمية([140]):  » وقولهم: ومسائل الخلاف لا إنكار فيه، ليس بصحيح، فإن الإنكار إما أن يتوجه إلى القول بالحكم أو بالعمل.

أما الأول : فإن كان القول يخالف سنة أو إجماعاً قديماً،  وجب إنكاره وفاقاً، وإن لم يكن كذلك، فإنه ينكر – أي ببيان ضعفه – عند من يقول المصيب واحد، وهم عامة السلف والفقهاء.

وأما العمل: إذا كان على خلاف سنة أو إجماع، وجب إنكاره أيضاً بحسب درجات الإنكار، ثم قال: وأما إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع، ولا اجتهاد فيها مساغ فلا ينكر على من عمل به مجتهداً أو مقلداً.

ثم قال مشيراً إلى الاختلاف واللبس الواقع في هذه المسألة ما نصه:

 وإنما دخل اللبس من جهة أن القائل يعتقد أن مسائل الخلاف هي مسائل الاجتهاد، كما اعتقد ذلك طوائف من الناس.

والصواب الذي عليه الأئمة: إن مسائل الاجتهاد – مالم يكن فيها دليل يجب العمل به وجوباً ظاهراً: مثل حديث صحيح لا معارض له من جنسه – فيسوغ إذا عدم ذلك الاجتهاد فيها لتعارض الأدلة المقاربة، أو لخفاء الأدلة فيها.

»فالقول الصحيح في هذه المسألة هو: دية المرأة نصف دية الرجل إجماعاً« ومع ذلك فإن الدية لست قيمة للمقتول فالإنسان أكرم مخلوقات الله، وخليفته في أرضه، وزوال الدنيا جميعاً أهون عند الله من سفك دم الإنسان بغير حق.

بل جعل الله سبحانه قتل نفس بغير حق كقتل الناس جميعاً قال تعالى : } مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً  {([141]) .

فالنفس البشرية ليس لها ثمن، والإنسان لايملك نفسه، فهو بناء الله خلقه بيده واسجد له ملائكته فليست مائة من الإبل هي قيمة الرجل، وليست خمسون من الإبل هي قيمة الأنثى.

إن الدية ليست تقديراً لقيمة الإنسانية في القتل، وإنما هي تقدير لقيمة نوع من الخسارة المادية التي لحقت أسرته بفقده، وهذا هو الأساس الذي لا يمارى فيه أحد.

إن اعتبار الدية قيمة وثمن للمقتول فيه قياس للإنسان بالأموال ووصفه موضع الماديات، وفيه إهدار لآدميته، وهذا غير جائر في التشريع الإسلامي باعتبار أن الإنسان خليفه الله في الأرض.

فالدية تعويض مقدر شرعاً باجتهاد، بمقابل الخسارة التي لحقت ورثة المجني عليه بفقده. ولأن الدية ليست قيمة للإنسان، فيستوي فيها داخل كل جنس الكبير والصغير، والشريف والوضيع والحاكم والمحكوم، والعالم والجاهل، والغني والفقير، وهكذا.

وبناء على ذلك فلا وجه لمن يتشدق بأن القول: بأن دية المرأة نصف دية الرجل، يعني أن دم المرأة أرخص من دم الرجل، وحقها أهون. وإلا لاستقام أن نقول دم العالم أرخص من دم الجاهل عند المساواة بينهما في الدية، ودم الرئيس أرخص من دم المرؤوس كذل، وهكذا ولا قائل بذلك.

وكما أن الدية ليست عقوبة جنائية للجاني وذلك لأن من المعلوم أن الدية إنما شرعت ابتداءً في القتل الخطأ للنفوس، وسداً لذريعة الاعتداء على الإنسان.

وإمعاناً من الشرع في طلب الحيطة والحذر وشد الانتباه واليقظة في كل فعل من شأنه أن يلحق ضرراً – أي ضرر بالإنسان.

وفي ذلك دلالة ناصعة على تكريم الإسلام للإنسان وعنايته به وحفظ دمه ومن المعلوم أن الخطأ هو : ما ليس للإنسان فيه قصد، ما انتفاء قصد الشيء من فاعله موجب لوصفه بكونه مخطئاً، وهذا النوع من الموجبات – أي الخطأ – لا يترتب عليه تأثيم فاعله لقوله تعالى : } وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ  {([142]). ومن ثم فالخطأ لا تتعلق به مسئولية الآخرة، فلا يلحقه الإثم، لكن يلزم المخطئ بضمان ما نشأ عن خطئه.

والمخطئ معذور، وخطؤه يمنع وجوب العقوبة عليه، لكن أوجب الشرع الدية صيانة للنفس عن الإهدار، وابعد من ذلك وجبت الدية على العاقلة تخفيضاً على الجاني وإبعاداً لشبهة العقوبة فيها.

وبإيجاب الدية في القتل الخطأ دون القتل العمد الذي فيه القصاص علمنا أن الجاني لم يكن له قصد التعدي على النفس البشرية، فكانت الدية جبراً للمصاب وتعويضاً للإصابة.

فينتفي بذلك كل شبهة بأنها عقوبة للجاني، ولا وجه لمن يقول: كيف نعاقب على قتل المرأة بعقوبة دون العقوبة على قتل الرجل؟ لأن الدية لا تعلق لها بالعقوبة.

ولذلك إذا رجعنا إلى كتب الفقه، وأقوال العلماء في دية المرأة تلاحظ ما يلي:

أولاً: كان العلماء إذا ذكروا دية المرأة اكتفوا بالقول:ودية المرأة نصف دية الرجل دون التعرض لذكر الأدلة، ومناقشتها، وذكر أوجه الاستدلال.

مما يدل على أن هذه المسألة كانت عندهم من المسلمات، لعدم وجود المخالف الذي يعتد بخلافه، وحيث لا خلاف فلا معنى للنقاش، وليسوا بحاجة لأن ينتصروا أو يعللوا لقولهم فوجدناهم قد استغنوا بنقل الإجماع عن نقل دليله.

ثانياً: كان العلماء الذي يتعرضون لذكر المخالف في المسألة ينبهون على شذوذ قول المخالف وأنه لايعتد به في الخلاف.

ثالثا: كما وجدنا الأصم وابن عليه اللذان خالفا الإجماع في هذه المسألة، لم يذكر أن أحداً ممن سبقهما قال بقولهما، فشذوذهما محدث ليس لهما فيه سلف.

ولم يذكر أحد من المعاصرين المنتصرين لشذوذهم الأصم وابن عليه نسبة هذا القول إلى أحد قيل ابن الأصم وابن عليه([143]).

ولذلك فالقول الصحيح في هذه المسألة هو : أن دية المرأة نصف دية الرجل إجماعاً.


المطلب الثاني

آراء العلماء في دية مادون النفس

الفرع الأول

دية جرح المرأة

اختلف الفقهاء في تقدير ديات جراح المرأة على قولين:

1- قال الحنفية والشافعية :

الجناية على ما دون النفس تقدر بحسب ديتها، وبما أن دية المرأة نصف دية الرجل، فتكون جراحتها وشبجاجها نصف جراح الرجل وشجاجة إلحاقا لجرحها بنفسها([144]).

2- قال المالكية والحنابلة :

دية جراح المرأة وشجاجها كدية جراح الرجل، وشجاجة فيما دون ثلث الدية الكاملة، فإن بلغت الثلث أو زادت عليها رجعت إلى نصف دية الرجل وعلى هذا لو قطع إصبح المراة ففيه عشر من الإبل، وإن قطعت ثلاث ففيها ثلاثون من الأبل فإن قطعت أربع ففيها عشرون من الإبل([145]). واستدلوا لقولهم بما رواه النسائي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله r : (3 عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى يبلغ الثلث ديتها{ ([146]).

وروى سعيد بن منصور عن ربيعه » الرأي« قال: قلت لسعيد بن المسيب: كم في أصبح المراة؟ قال:عشر قلت ففي أصبعين: قال عشرون، قلت ففي ثلاث أصابع؟ قال: ثلاثون، قلت: ففي أربع؟ قال: عشرون. قال ربيعه: لما عظمت مصيبتها قل عقلها؟ قال سعيد:هكذا السنة.

 

 


الفرع الثاني

موقف القانون اليمني من دية وأرش المرأة

عرف القانون اليمني الدية في المادة (70) من قانون الجرائم والعقوبات : » الدية والأرش عقوبة بدليه عن القصاص في أحوال سقوطه على النحو المبين في الفصل السابق، وعقوبة أصلية في الأحوال التي ينص عليها القانون الشرعي فيما عدا ذلك«.

فالدية تعد في قانون الجرائم والعقوبات اليمني عقوبة ليست تعويضاً مدنياً ودليل ذلك أن المحكوم عليه باداء الدية يظل في السجن حتى يفئ بها إلى المجني عليه، إذا كانت فيما دون النفس أو إلى أولياء الدم المستحقين لها شرعاً وقانوناً لتفادي الانتقام من الجاني حتى وإن كان فعله خطأ كما أنه يحكم بها في كافة الأحوال لو ثبت استغراق خطأ المجني عليه خطأ الجاني بحجة عدم جواز إهدار دم المسلم([147]).

والدية عقوبة ماليه إذ هي قدر معين من المال يتم أداؤه إلى أولياء الدم. الورثة الشرعيين([148]).

وعرفها آخر : » هي المبالغ المالية التي تدفع إلى أولياء الدم في حالة القتل أو إلى المجني عليه في حالة الإصابة الجسدية«([149]).

فالقانون اليمني ذكر الدية في نصوص متفرقة وأفرد لها فصل كامل وهو الفصل الثاني من الباب الثالث.

وقد جاء ذكر الديه في قانون الجرائم والعقوبات اليمني كعقوبة أصلية في المادة (38) ف(7) ولقد أشار نص المادة (40) إلى مقدارها فأشار إلى أن الدية الكاملة هي سبعمائة ألف ريال يمني، والأرش نسبة معينة من الدية تقدر تبعاً للجريمة طبقاً لما هو منصوص عليه في المادة التالية. وتخفض الدية في الخطأ بمقدار الخمس.

وهذه المادة قد تم تعديلها بالقرار الجمهوري بالقانون رقم (12) لسنة 1991م بشأن الجرائم والعقوبات على النحو التالي: 

نصت المادة (40)  » دية العمد وشبه العمد خمسة ملايين وخمسمائة ألف ريال والأرش نسبة من الدية طبقاً لما هو منصوص عليه في القانون ودية الخطأ مليون وستمائة ألف ريال والأرش نسبة معينة من الدية بحسب الجناية، وإذا ثبت أن الخطأ مشترك بين الجاني والمجني عليه تحمل الجاني من الدية بمقدار خطئه، وتحمل العاقلة ما يلزمها بموجب القانون«.

ولقد نصت المادة (41) على حالات الدية فذكرت أحكام الدية كعقوبة أصلية مقررة لحالات ذكرت على سبيل الحصر ومنها حالة ذهاب النفس وهذه تتخذ صوراً عديدة منها جنائية، تنحصر في ثلاث القتل العمد والقتل شبه العمد والقتل الخطأ،فهي إذا عقوبة أصلية للقتل شبه العمد، والقتل الخطأ غير أنها تعتبر عقوبة بديلة عن القصاص في جريمة القتل العمد، لأن عقوبتها هي القصاص([150]).

وقد أشار نص المادة (42) : » إن دية المرأة نصف دية الرجل وأرشها مثل أرش الرجل إلى قدر ثلث دية الرجل وينصف ما زاد« ، فأشارت المادة إلى أن دية المرأة على النصف من دية الرجل وأرشها على النصف من أرشه إلا إذا كان الأرش في حدود ثلث الدية أو اقل فإنه يكون مساوياً لارش الرجل([151]).

وهذا يعني أن القانون اليمني أخذ برأي الجمهور في أن المرأة لا تساوي الرجل في الدية بل تكون ديتها على النصف من ديته، وكذلك لا تساويه في الأرش إذا كان قد بلغ في الحناية  الواحدة فوق ثلث الدية.

فالقانون أخذ برأي الجمهوري ولم يعتد بخلاف الأصم وابن عليه فقد يكون حكم عليهما بالمخالفة والشذوذ لأنه قول بمقابل الإجماع.

قد يطرح السؤال نفسه لماذا ارش المرأة تساوي أرش الرجل أما ديتها فهي نصف دية الرجل.

والإجابة على هذا السؤال كما أجاب التابعي سعيد بن المسيب هكذا السنة يا ابن أخي.

 

 


الخاتمة

 

الحمد لله رب العالمين الذي وفقني وأعانني في كتابة هذا البحث والذي حاولت أن أجمع فيه كل ما يتعلق بالموضوع بشكل موجز.

أما بعد:

فهذه خلاصة لأهم النتائج والتوصيات:-

أولاً: النتائج :

1-   فإني وضحت في بداية البحث مفهوم الدية وأن أصل مشروعية الدية الكتاب والسنة والإجماع.

2-  ثم بينت أن الأصل في الدية واحد من سته أصناف من المال هي : الإبل، والبقر ، والغنم، والذهب، والفضة ، والحلل، مع بيان مقدارها من كل صنف.

3-  ثم تحدثت عن شروط وجوب الدية فهناك شروط يلزم توافرها في المعتدي وشروط في المعتدى عليه وشروط يلزم توافرها في الجناية.

4-  ثم بينت أن الدية تجب كعقوبة بدلية عن القصاص في القتل العمد، وكعقوبة أصلية في القتل شبه العمد – عند القائلين به – وفي القتل الخطأ.

5-  ثم بعد ذلك وضحت أن القول بأن دية المرأة نصف دية الرجل وهو قول عامة أهل العلم، وقد انعقد الإجماع على ذلك، كما ذكرت الأحاديث والآثار التي وردت في المسألة.

6-  ثم تحدثت في فرع مستقبل عن شبه القائلين بالمساواة، وبينت أنه لم يشذ في هذه المسألة سوى الأصم وتلميذه إبراهيم بن عليه.

7-  ثم ذكرت أن القول الصحيح في هذه المسألة أن التنصيف مسألة قطعية لا يسوغ فيها الخلاف، وأن القول فيها بخلاف الإجماع شذوذ.

8-  ثم وضحت في مطلب مستقل عن دية المرأة فيما دون النفس ثم ذكرت موقف القانون من دية المرأة فالقانون أخذ برأي الجمهور على أن دية المرأة نصف دية الرجل، وأن أرشها مثل أرض الرجل إلى قدر ثلث دية الرجل وينصف ما زاد.

ثانياً: التوصيات :

1-    يجب على كل مسلم ومسلمه أن يستسلم لحكم الله، وأن يتيقن أنه حيثما كان حكم الله فثمة المصلحة.

2-  على العلماء أن يقوموا بواجبهم في البلاغ وتبيين الحق، لأنه لا يسعهم السكوت في مثل هذه القضايا، ولا تأخير البيان عن وقت الحاجة.


المـــراجع والمصادر

 

أولاً : القرآن الكريم.

ثانياً: الحديث :

1-  صحيح البخاري، للإمام أحمد بن إسحاق بن الحصين البخاري، دار ابن كثير، اليمامة ، بيروت ، 1407هـ.

2-  سنن ابن ماجه، لمحمد بن يزيد، دار الفكر، بيروت.

3-  سنن أبي داود، لسليمان بن الأشعث، دار الفكر.

4-  سنن النسائي، لأحمد بن شعيب النسائي، مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، 1406هـ.

5-  مسند الإمام أحمد، للإمام أحمد بن حنبل، مؤسسة قرطبة، القاهرة.

ثالثا: اللغة :

1-         لسان العرب، لابن منظور، دار صادر، بيروت ، الطبعة الأولى.

2-       مختار الصحاح، للرازي، مكتب لبنان، بيروت، 1415هـ

رابعاً: الفقه:

1- الاختيار لتعليل المختار،  لعبد الله بن محمود بن  محمود  الموصلي، المكتبة العصرية، صيدا ، بيروت، الطبعة الأولى، 1423هـ.

2-  الأم، لمحمد بن أدريس الشافعي، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثانية، 1393هـ.

3- أرواء الغليل، لمحمد ناصر الدين الألباني ، كتاب الديات، المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية ، 1405هـ.

4- أعلام الموقعين لابن القيم ، دار الجبل ، بيروت، 1973م.

5- التلخيص الخبير، لابن حجر العسقلاني، نشر المدينة المنورة، 1384هـ.

6- الروض المربع شرح زاد المستنقع، لمنصور بن يونسى البهوتي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى 1422هـ..

7- السيل الجرار المتدفق على حدائق الإزهار ، للشوكاني ، دار الكتب العلمية ، بيروت، الطبعة الأولى، 1405هـ.

8- المحلى بالآثار ، للإمام ابن حزم الأندلس، دار الكتب العلمية، بيروت.

9- المغني، لموقف الدين بن قدامه المقدسي، دار الحديث، القاهرة، الطبعة الأولى، 1416هـ.

10- بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، لعلاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني، بيروت، الطبعة الثانية 1421هـ.

11- بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد الحفيد، مكتبة ابن تيمية القاهرة، الطبعة الأولى، 1415هـ - 1995م.

12- تحفة الفقهاء، لعلاء الدين السمرقندي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1405هـ.

13- جامع لأحكام القرآن، للإمام القرطبي، دار الشعب، القاهرة، الطبعة الثانية، 1372هـ.

14- روضة المناظر وجنة المناظر، لموفق الدين بن قداه، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الثانية، 1410هـ.

15- شرح الكوكب المنير، لمحمد بن أحمد الفتوحي الحنبلي، المعروف بابن البخاري، مكتبة العبيكان، الرياض، 1418هـ.

16-  فتح الباري لشرح صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني، دار المعرفة، بيروت، 1379هـ.

17- مجموع الفتاوى الكبرى لابن تيميه ، دار المعرفة ، بيروت، الطبعة الأولى 1386هـ.

18- مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، لشمس الدين محمد الخطيب الشربيني، دار الفكر ، بيروت، الطبعة الأولى، 1415هـ.

19- منهاج السنة النبوية، لابن تيمية، مكتب بن تيمية، القاهرة، الطبعة الثانية، 1409هـ.

20- موطأ الإمام مالك، للإمام مالك بن أنس، دار إحياء التراث العربي، مصر، الطبعة الأولى.

خامساً: المراجع الحديثة:

1-  حامد محمود إسماعيل ، الجنايات وعقوبتها في التشريع الإسلامي، مطبعة السنة المحمدية ، القاهرة ، الطبعة الأولى.

2-    محمد فتحي بهنسي، الدية في الشريعة الإسلامية،  دار الشروق،  الطبعة الثانية 1402هـ- 1982م.

3-    أمير عبد العزيز، الفقه الجنائي في الإسلام، دار السلام، الطبعة الأولى1417هـ.

4-    الدكتور عبد الكريم زيدان، القصاص والديات في الشريعة الإسلامية، مؤسسة الرسالة الطبعة الأولى1423هـ.

5-      مصطفى عيد الصياصنة،  دية المرأة في ضوء الكتاب والسنة دار ابن حزم، الطبعة الأولى، 1415هـ - 1995م.

6-    حسن مجلي، شرح قانون الجرائم والعقوبات اليمني، مركز الصادق، صنعاء، الطبعة الثانية، 2003م.

7-    عبد الرحمن سلمان عبيد، شرح قانون الجرائم والعقوبات اليمني، الطبعة الأولى، 2001م.

8-    علي حسن الشرفي، شرح قانون الجرائم والعقوبات اليمني، دار المنار ، الطبعة الثانية، 1996م.

9-    علي حسن الشرفي، علم الإجرام والعقاب ، الطبعة الأولى، 2000م.

10- نصر فريد وأحصل ، فقه الجنايات والعقوبات في الشريعة الإسلامية ، مكتبة الصفاء ، ميدان الأزهر، القاهرة ، الطبعة الأولى 1420هـ - 1996م.

11- ابن حزم ، مراتب الإجماع في العبادات والمعاملات والمعتقدات، دار الآفاق الجديدة، بيروت، الطبعة الثانية، 1400هـ.

سادسا: الرسائل العلمية :

عارف أحمد علي الصبري ، دية المرأة بين حكم الشريعة الإسلامية وشبه القائلين بمساواتها بدية الرجل ،  بحث تكميلي لنيل درجة المشيخة الماجستير »جامعة الإيمان«.

سابعاًُ: القانون :

قانون الجرائم والعقوبات اليمني رقم (12) لعام 1994م، الطبعة الثانية، مطابع دار التوجيه المعنوي، صادر من وزارة الشؤون القانونية ، 2005م.

 


الفهرس



[1] - سورة الملك : 14.

[2] - سورة الأنبياء : 107.

[3] - سورة المائدة : 50.

[4] -  صحيح البخاري، كتاب الديات، باب القسامه ، 6/252.

[5] -   لسان العرب، لابن منظور ، دار صادر، بيروت ، الطبعة الولى 15/383.

[6] -  حامد محمود إسماعيل ، الجنايات وعقوبتها في التشريع الإسلامي، مطبعة السنة المحمدية ، القاهرة ، الطبعة الأولى، ص72.

[7] -  مختار الصحاح للرازي ، مكتبة لبنان، بيروت 1415هـ، 1/740.

[8] -  الاختيار لتعليل المختار ،  لعبد الله بن محمود بن  محمود  الموصلي، المكتبة العصرية، صيدا ، بيروت، الطبعة الأولى، 1423هـ

[9] -  شرح حدود ابن عرفه لمحمد بن قاسم الرصاص، ص480..

[10] -  معني المحتاج إلى معرفة معاني الألفاظ المنهاج، لشمس الدين محمد بن الخطيب الشربي، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى، 1419هـ.

[11] -  انظر الروض المربع شرح زاد المستنقع، لمنصور بن يونسى البهوتي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى 1422هـ.

[12] -   عارف أحمد علي الصبري، دية المرأة وشبه القائلين بمساواتها، ص 52

[13] -  سورة النساء : 92.

[14] -  سورة البقرة : 178.

[15] -  سنن النسائي، كتاب القسامة، 8/43.

[16] -  صحيح الخاري ، كتبا الديات، باب جنين المراة 6/2532.

[17] -  سنن الترمذي، كتاب القسامة،ج8، 57، قال الشيخ الألباني: ضعيف.

[18] -  المغني ، لموفق الدين بن قدامه المقدسي، دار الحديث ، القاهرة ، الطبعة الأولى 1416هـ، 11/531.

[19] -  عبد القادر عودة، التشريع الجنائي الإسلامي، دار الكتاب العربي، بيروت، ج1، ص668.

[20] -  محمد فتحي بهنسي ، الدية في الشريعة الإسلامية ، الطبعة الثانية 1402هـ- 1982م دار الشروق ص15.

[21] - سنن أبي داود ج4، ص184.

[22] -   أعلام الموقعين لابن القيم ، دار الجبل ، بيروت، 1973م، ج4، 363.

[23] -  بداية المجتهد ونهاية المقتصد، لابن رشد الحفيد، مكتبة ابن تيمية القاهرة ، الطبعة الأولى 1415هـ الجزء الثاني، ص403.

[24] - الفقه الجنائي في الإسلام، لأمير عبد العزيز، دار السلام، الطبعة الأولى1417هـ ، ص379.

[25] -  سنن النسائي، ج2 ص58.

[26] -  سنن أبي داود ، ج4، ص185.

[27] -  سنن أبي داود، ج4، ص184.

[28] -  تحفة الفقهاء، لعلاء الدين السمرقندي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1405هـ ج3، ص155.

[29] -  حامد محمود إسماعيل، الجنايات وعقوبتها في التشريع الإسلامي ، ص81-83، مرجع سابق.

[30] - نصر فريد وأحصل،  فقه الجنايات والعقوبات في الشريعة الإسلامية - مكتبة الصفاء ، ميدان الأزهر، القاهرة ، الطبعة الأولى 1420هـ - 1996م، ص50.

[31] -  سنن النسائي، كتاب القسامة ج4، ص43.

[32] -   الفقه الجنائي في الإسلام، لأمير عبد العزيز ص180-181، مرجع سابق.

[33] -   انظر تحفة الفقهاء للسمرقندي، ج3، ص156.، وبداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد الحفيد، ج2، ص376 مرجع سابق.

[34] -  المغني لابن قدامه ج7، ص760، بداية المجتتهد ونهاية المقتصد لابن رشد الحفيد، ج2، ص376، مرجع سابق.

[35] - سنن النسائي، كتاب القسامة، ج8، ص404.

[36] -  أحمد فتحي بهنسي، الدية في الشريعة الإسلامية، دار الشروق الطبعة الثانية،1402هـ - 1982م ، ص23.

[37] -   انظر : المهذب 2، 196، منقول من أحمد فتحي بهنسي،  الدية في الشريعة الإسلامية ص25

[38] -  انظر : الزيلعي ج6، ص139 منقول من أحمد فتحي بهنسي، الدية في الشريعة الإسلامية ، ص26.

[39] -  الدكتور عبد الكريم زيدان ، القصاص والديات في الشريعة الإسلامية، مؤسسة الرسالة الطبعة الأولى1423هـ.

[40] -  انظر بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، لعلاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني، بيروت، الطبعة الثانية 1421هـ ج6، ص103.

[41] -  سورة النساء : 92.

[42] -  سورة النساء : 92.

[43] -  عارف احمد علي الصبري، في دية المرأة بين حكم الشريعة وشبه القائلين بمساوتها بدية الرجل، ص70، مرجع سابق.

[44] -  أحمد فتحي بهنسي، الدية في الشريعة الإسلامية ، ص38، مرجع سابق.

[45] - أحمد فتحي بهنسي،  الجرائم في الفقه الإسلامي ، دار الشروق الطبعة الأولى 1401هـ، ص212.

[46] -  أحمد فتحي بهنسي، الدية في الشريعة الإسلامية، ص38، مرجع سابق.

[47] -  سورة البقرة: 178.

[48] -  أحمد فتحي بهنسي، الدية في الشريعة الإسلامية، ص42، مرجع سابق.

[49] -  انظر بدائع الصنائع ج6، ص384، مرجع سابق.

[50] -  انظر : القصاص والديات في الشريعة الإسلامية، ص86، مرجع سابق.

[51] -  سورة البقرة : 178.

[52] -  سنن النسائي، كتاب القسامة، باب من قتل بحجر أو سوط ج8، ص40، قال الشيخ الألباني صحيح.

[53] -  انظر: بدائع الصنائع للكاساني، ج6، ص384.

[54] -  انظر: مغني المحتاج، ج6، ص60، مرجع سابق.

[55] -  المحلى بالآثار ، للإمام ابن حزم الأندلس، دار الكتب العلمية، بيروت، ج10، ص239.

[56] -  انظر :الدكتور/ عبد الكريم زيدان،  القصاص والديات في الشريعة الإسلامية، ص86، مرجع سابق.

[57] -  صحيح البخاري، ج2، ص807.

[58] -  سورة البقرة : 178.

[59] -  عارف أحمد علي الصبري ، دية المرأة المسلمة وشبة القائلين بمساواتها بدية الرجل، ص62، مرجع سابق.

[60] -  سورة النساء: 92.

[61] -  سورة النساء: 93.

[62] -  منقول من أحمد فتحي بهنسي، الدية في الشريعة الإسلامية ، ص45، مرجع سابق.

[63] -  بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد الحفيد، مكتبة ابن تيمية القاهرة، الطبعة الأولى، 1415هـ - 1995م، ج4، ص296.

[64] -  سنن النسائي في كتاب القسامة، ج2، ص41، قال الشيخ الألباني صحيح.

[65] -  سبق تخريجه

[66] -  المغني لابن قدامه ج11، ص347، مرجع سابق.

[67] - أحمد فتحي بهنسي، الدية في الشريعة الإسلامية، ص46، مرجع سابق.

[68] -  المغني لموفق الدين بن قدامه المقدسي، ج11، ص545.

[69] -  بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد الحفيد ج4، ص323، مرجع سابق.

[70] -  سورة النساء: 92.

[71] -  أحمد فتحي بهنسي، الدية في الشريعة الإسلامية ، ص50، مرجع سابق.

[72] -  الاختيار لتعليل المختار، ص420، مرجع سابق

[73] -  بداية المجتهد ج4، ص338. والمغني لابن بدامه، ج11، ص556، ومغني المحتاج ، ج4، ص67.

[74] -  المغني لموفق الدين بن قدامه المقدسي، ج11، ص553.

[75] -  عارف أحمد علي الصبري، دية المرأة بين حكم الشريعة الإسلامية وشبه القائلين بمساواتها بدية الرجل ، ص69.

[76] -  الدكتور / عبد الكريم زيدان، القصاص والديات في الشريعة الإسلامية، ص194.

[77] -  دية المرأة في الشريعة الإسلامية، نظرات في ضوء النصوص والمقاصد للقرضاوي، بحث مقدم إلى المجلس الأعلى للأسرة.

[78] -  سنن البيهقي، باب ما جاء في دية المرأة، ج8، ص95، قال البيهقي: وروي ذلك من وجه آخر عن عبادة بن نسي وفيه صعفاً.

[79] -  سنن النسائي، كتاب القسامة » عقل المرأة« ، ج8، ص44، قال الشيخ الألباني ضعيف.

[80] -  صحيح البخاري، كتاب الديات، باب جنين المرأة وأن العقل على الوالد وعصبة الوالد لا على الولد، ج6، ص2532.

[81] -  عارف أحمد علي الصبري، دية المرأة بين حكم الشريعة الإسلامية وشبه القائلين بمساوتها بدية الرجل، ص110.

[82] - سنن البيهقي، باب ماجاء في دية المرأة ، ج8، ص95 .

[83] - سنن البيهقي ، باب ماجاء في تغليظ الدية في قتل الدية الخطأ في الشهر الحرام والبلد الحرام وقتل ذي الرحم، ج8، ص71.

[84] -  سنن البيهقي، باب ماجاء في جراح المرأة ، ج8، ص96.

[85] -  سنن البيهقي، باب ماجاء في جراح المرأة، ج8، ص95.

[86] -  سنن البيهقي، باب ماجاء في جراح المرأة، ج8، ص96.

[87] -  أرواء الغليل، لمحمد ناصر الدين الألباني ، كتاب الديات، المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية ، 1405هـ، ج7، ص307.

[88] -  موطأ الإمام مالك، كتاب العقول، باب ما جاء في عقل الأصابع، ج2، ص860.، سنن البيهقي، باب ما جاء في جرح المرأة ج8، ص96.

[89] -  سنن البيهقي، باب ما جاء في دية المراة، ج8، ص95.

[90] -  سنن البيهقي، باب ماجاء في تغليظ الدية في قتل الخطأ في الشهر الحرام وقتل ذي الرحم، ج8، ص71.

[91] -   الأم، لمحمد بن أدريس الشافعي، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثانية، 1393هـ ج6، 106.

[92] - الإمام الكاساني ، بدائع الصنائع في ترتيب الشرئاع ، ج6، ص305.

[93] -  المغني لابن قدامه المقدسي، ج7، ص797، مرجع سابق.

[94] -  سورة المائدة : 45.

[95] -  جامع أحكام القرآن للقرطبي ، ج5، ص325.

[96] -  المحلى لابن حزم، ج11، ص64، مرجع سابق.

[97] -  منهاج السنة النبوية  لابن تيمية، مكتبة بن تيمية ، القاهرة، الطبعة الثانية، 1409هـ ج4، ص238.

[98] -  بداية المجتهد ونهاية المقتصد، لابن رشد الحفيد، ج4، ص331 مرجع سابق.

[99] -  التلخيص الخبير ، لابن حجر العسقلاني، نشر  المنورة، 1384هـ،  ج4، ص34.

[100] -  السيل الجرار المتدفق على حدائق الإزهار ، للشوكاني ، دار الكتب العلمية ، بيروت، الطبعة الأولى، 1405هـ ج4، ص439.

[101] -  سورة النساء : 115.

[102] - سنن أبن ماجه، كتاب الفتن باب السواد الأعظم، ج2، ص1303، قال الشيخ الألباني، ضعيف جداً دون الجملة الأولى وقد روى هذا الحدث من جمع مع الصحابة بألفاظ متعددة حتى عدة بعض أهل العلم من قبيل المتواتر المعنوي.

[103] -  مستند الإمام أحمد، مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه ج1، ص26، قال شعيب الأرنووط: صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين.

[104] - الرسالة، للإمام الشافعي، المكتبة العلمية، بيروت.

[105] -  عارف أحمد علي الصبري في دية المرأة بين حكم الشريعة وشبه القائلين بمساوتها بدية الرجل، ص124.

[106] -  مجموع الفتاوى الكبرى لابن تيميه ، دار المعرفة ، بيروت، الطبعة الأولى 1386هـ  20/10.

[107] -  عارف أحمد علي الصبري، مرجع سابق، ص126.

[108] - شرح الكوكب المنير المسمى بـ (مختصر التحرير) لمحمد بن أحمد الفتوحي الحنبلي المعروف بابن البخاري، مكتبة العبيكان ، الرياض، 1418هـ، ج2، ص260.

[109] -  صحيح البخاري، باب أثم من باع حراً، ج2، ص776.

[110] -  عارف أحمد علي الصبري، مرجع سابق، ص 129.

[111] -  حامد محمود إسماعيل ، الجنايات وعقوبتها في التشريعات الإسلامية، مرجع سابق، ص92.

[112] -  المغني لابن قدامه المقدسي، مرجع سابق، ج11، ص559.

[113] -  عارف أحمد علي الصبري، مرجع سابق، ص131.

[114] -  سورة النساء : 92.

[115] -  مصطفى عيد الصياصنة ، دية المرأة في ضوء الكتاب والسنة ، دار ابن حزم، الطبعة الأولى، 1415هـ - 1995م ، ص145.

[116] -  سنن ابن ماجه ، كتاب الديات، باب من قتل عمد فرضوا بالدية، ج2 ص877، قال الشيخ الألباني: حسن.

[117] -  سنن النسائي، في كتاب القسامة، ج8، ص41، قال الشيخ الألباني صحيح.

[118] -  سنن النسائي، باب من قتل بحجر أو  سوط، ج8، ص48، قال الشيخ الألباني حسن.

[119] -  سنن النسائي، كتابة القسامة ، ج8، ص60، قال الشيخ الألباني ضعيف.

[120] -  سنن ابن ماجة، كتاب الديات، باب دية الأسنان، ج2، ص885، قال الشيخ الألباني صحيح.

[121] - مصطفى عيد الصياصنة ، دية المرأة في ضوء الكتاب والسنة ، ص159-161.

[122] -  القرضاوي، دية المرأة في الشريعة الإسلامية ، ص   مرجع سابق.

[123] -  عارف أحمد علي الصبري، دية المرأة وشبه القائلين بمساواتها بدية الرجل،ص 158، مرجع سابق.

[124] -  روضة الناظر ، ج2، ص146.

[125] - مصطفى عيد الصياصنة ، دية المرأة في ضوء الكتاب والسنة، ص146، مرجع سابق.

[126] -  أرواء الغليل، كتاب الديات، فصل في مقادير ديات النفس، ج7، ص307. مرجع سابق.

[127] -  عارف أحمد الصبري، مرجع سابق، ص159.

[128] -  شرح الكوكب المنير، مرجع سابق، ج2، ص244.

[129] -  عارف أحمد الصبري، مرجع سابق، ص160.

[130] -  المغني لابن قدامه ، ج11، ص599.

[131] -   سبق تخريجه.

[132] -  المغني لابن قدامه، ج11، ص599.

[133] -   فتح الباري، شرح صحيح البخاري ، لابن حجر العسقلاني، دار المعرفة، بيروت 1379هـ ، ج5، ص353.

[134] - سير أعلام النبلاء، ج9، ص113، منقول من: عارف أحمد الصبري ، مرجع سابق، ص155.

[135] -  لسان الميزان، ج1، ص34.  منقول من: عارف أحمد الصبري، مرجع سابق، ص156.

[136] -  تهذيب الأسماء واللغات ج2، ص572، منقول من :عارف أحمد الصبري، مرجع سابق، ص156.

[137] -  سيرة أعلام النبلاء، ج9، ص402، منقول من : عارف أحمد الصبري، مرجع سابق، ص156.

[138] -  مراتب الإجماع ، ص16-17.

[139] -  السيل الجرار ، ج1، ص227.

[140] -  انظر مجموع الفتاوى لابن تيمية، 30/80.

[141] -  سورة المائدة : 32.

[142] -  سورة الأحزاب: 5.

[143] -  عارف  أحمد الصبري، مرجع سابق، ص190-194.

[144] -  مغني المحتاج، ج4، ص57، مرجع سابق.

[145] -  المغني لابن قدامه، ج7، ص797-798.

[146] -  سنن النسائي، ج2، ص248.

[147] -   د. حسن مجلي، شرح قانون الجرائم والعقوبات، الطبعة الثانية، مركز الصادق، صنعاء، 2003م ، ص158.

[148] -  د. عبد الرحمن سلمان عبيد، شرح قانون الجرائم والعقوبات اليمني، الطبعة الأولى، 2001م، ص160.

[149] -  د. علي حسن الشرفي، علم الإجرام والعقاب ، ص267.

[150] - د. عبد الرحمن سلمان،  شرح قانون الجرائم والعقوبات اليمني ، ص160، مرجع سابق.

[151] - د. علي حسن الشرفي، شرح قانون الجرائم والعقوبات اليمني القسم الخاص جرائم الاعتداء على الأشخاص، دار المنار ، الطبعة الثانية ، 1996م، ص221.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اسباب الطعن بالنقض في القانون اليمني

ماهي الحالة التي يجوز فيها الحكم بإعادة القضية الى المحكمة الابتدائية؟

إنكار المحرر العرفي الصادر عن الغير