ماهية الاعتداء المفضي للموت
أ.د عبد المؤمن شجاع الدين
الاستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة
صنعاء
الضرب المفضي الى الموت أو شبه العمد من أكثر أنواع القتل في اليمن
حيث يستخدم الجناة وسائل عدة في القتل منها العصي والحجارة واللكمات بالايدي
والركلات بالارجل وغيرها وكثيراً ما تصعب
التفرقة بين هذا القتل وغيره من أنواع القتل الاخرى، وقد صدرت عن المحكمة العليا
في اليمن أحكام كثيرةً تبين الفرق بين
الضرب المفضي للموت وغيره ومنها الحكم محل تعليقنا الذي ابان الفرق فيما بين القتل
الخطأ والضرب المفضي إلى الموت وهو الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة
العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 5/5/2011م في الطعن الجزائي رقم 8379م لسنة
1432هـ وخلاصة أسباب هذا الحكم ( وحيث أن الحكم الاستئنافي المطعون فيه لم يتبين
وجه التفريق بين القتل الخطأ والضرب المفضي الى الموت ففي جريمة الضرب المفضي الى
الموت تحدث الوفاة من فعل اعتداء مقصود موجه الى المجني عليه يتجه قصد الجاني الى
المساس بسلامة جسم المجني عليه عن طريق الضرب اما في جريمة القتل الخطأ فإن الجاني
لا تتجه ارادته الى المساس بحياة المجني عليه ولا المساس بسلامته الجسدية فلا
تتوفر لدى الجاني نية القتل ونية الايذاء وانما تحدث الوفاة بسبب فعل خطأ صادر من
الجاني) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب الأوجه الآتية:
الوجه الأول : الفرق بين القتل العمد والاعتداء المفضي الى الموت في
قانون الجرائم والعقوبات :
اشار قانون الجرائم والعقوبات الى الاعتداء المفضي الى الموت في
المادة (241) التي نصت على انه ( يعاقب بالدية المغلظة والحبس مدة لاتزيد على خمس
سنوات من اعتدى على سلامة جسم غيره بأية وسيلة ولم يقصد من ذلك قتلاً ولكن
الاعتداء أفضى الى الموت ومن خلال استقراء هذا النص نجد أنه لم يطلق على الفعل
مسمى القتل وانما الاعتداء أي ان الفاعل لم يقصد بفعله القتل وانما اتجه قصده الى
مجرد الاعتداء بالضرب على المجني عليه حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا وقد صرح هذا
النص بان الجاني في الاعتداء المفضي الى الموت لا يقصد القتل وانما يقع القتل
نتيجة لإعتدائه، ومن خلال ذلك يظهر أن
الاعتداء المفضي الى الموت يشابه القتل العمد من حيث نية العدوان حيث ان المعتدي
يقصد الاعتداء على سلامة الجسم والقاتل المتعمد يقصد الاعتداء على حياة المجني
عليه ولكن الاعتداء المفضي الى الموت يختلف عن القتل العمد في ان القاتل المتعمد
يقصد ازهاق حياة المجني عليه في حين ان المعتدى على سلامة الجسد لايقصد من اعتدائه
ازهاق حياة المجني عليه وانما مجرد الاعتداء عليه بالضرب، ولان الاعتداء المفضي
الى الموت يشابه القتل العمد على النحو السابق بيانه فقد قرر النص القانوني السابق
ذكره عقوبة هذا الفعل الدية المغلظة وليس دية القتل الخطأ.
الوجه الثاني: التداخل بين قتل الخطأ والاعتداء المفضي الى الموت:
من خلال استقراء نص المادة (241) عقوبات السابق ذكرها في الوجه الأول
ذكرنا ان الفاعل في جريمة الاعتداء المفضي
الى الموت يقصد الاعتداء على سلامة جسم المجني عليه ولكنه لايقصد ازهاق روح المجني
عليه اما قتل الخطأ فقد اطلق عليه قانون الجرائم والعقوبات (القتل غير العمد) حيث
نصت المادة (238) على ان (يعاقب بالدية من تسبب بخطأه في موت شخص ويجوز فوق ذلك
تعزيز الجاني بالحبس مدة لاتزيد على ثلاثة سنوات او بالغرامة) وقد بينت المادة
(10) عقوبات الخطأ بأنه يكون في حالة (اذا لم يتوقع الجاني عند ارتكابه الفعل
النتيجة) وعلى هذا فان القتل الخطأ يكون عندما لايريد الجاني الفعل ولايريد النتيجة مثل ان
يريد تنظيف المسدس فننطلق رصاصة فتقتل اخر كما ان فلجاني قد يريد الفعل ولكنه لايريد النتيجة مثل من
يطلق النار على غرض (نصع) فتزل الطلقة وتقتل آدمياً ، ومثل ان يطلق النار على نمر
مفترس في البرية يتعقبه فتزل الطلقة فتقتل آدمياً ، ومن خلال العرض الموجز يظهر
الفرق بين قتل الخطأ والإعتداء المفضي الى الموت حيث يتشابه القتل الخطأ مع
الاعتداء المفضي الى الموت من حيث ان الجاني
فيهما لايريد تحقيق نتيجة فعله وهي القتل كما ان الجاني في بعض صور القتل الخطأ
يريد الفعل ولايريد النتيجة مثله في ذلك مثل الجاني في الاعتداء المفضي الى الموت
الذي يريد الفعل ولايريد النتيجة الا ان الفرق الجوهري بينهما يظهر في نية العدوان لدى الفاعل في جريمة
الاعتداء فقصده ونيته هو مجرد الاعتداء
على المجني عليه وان لم يرد قتله اما في القتل الخطأ فإن الجاني لايريد ولايقصد
العدوان وانما قصده إثبات فعل مباح او مشروع.
الوجه الثالث: الفرق بين الاعتداء المفضي الى الموت والقتل العمد
والخطأ:
ذكرنا فيما سبق ان الفرق بين الاعتداء المفضي الى الموت والقتل العمد
والخطأ يكون في القصد أو نية الفعل ، فالفاعل في القتل العمد يريد الفعل ويريد
النتيجة والفاعل في الاعتداء المفضي الى الموت يريد الفعل ولا يريد النتيجة كما ان
الفاعل في القتل الخطأ لايريد الفعل ولايريد النتيجة غالباً واحياناً يريد الفعل
ولكنه النتيجة ، ومن خلال ذلك يظهر أنه ما زال هناك نوع من التداخل فيما بين القتل
الخطأ والاعتداء المفضي الى الموت ولذلك لابد من الاشارة الى الفروق الاخرى التي
تميز قتل الخطأ عن الاعتداء المفضي الى الموت ، ومن هذه الفروق ان الفاعل في
الاعتداء المفضي الى الموت لايستعمل
سلاحاً قاتلاً في الغالب وهو المحدد والمثقل مثل الاسلحة النارية والبيضاء
والحجارة التي تكون ملء الكف واكثر وانما يستعمل ادوات غير قاتلة كالعصى الرقيقة
والحصى او يستعمل يده في لكم المجني عليه او ركله بالرجل وهذا هو الفارق الجوهري
فيما بين الاعتداء المفضي الى الموت والقتل العمد والقتل الخطأ حيث يستعمل الجاني
في القتل العمد او القتل الخطأ آلة قاتلة غالباً.
الوجه الرابع : أوصاف الآلة المستعملة في الاعتداء المفضي الى الموت:
ذكرنا فيما سبق أن الآلة المستعملة في القتل العمد والخطأ هي آلات
قاتلة في الغالب أي أنه يترتب على استعمالها في الجريمة قتل المجني عليه خطأً أو
عمداً بحسب نية الجاني وذكرنا أيضاً أن الآلات القاتلة غالباً هي الأسلحة النارية
والبيضاء مثل الجنابي والسكاكين والخناجر وغيرها ، بالاضافة الى العصي الغليظة مثل
الصميل في اليمن وكذا الحجارة ملء الكف او اكبر، وذكرنا أن الآلات المستعملة في
الاعتداء المفضي الى الموت هي عبارة عن ادوات لا تؤدي الى القتل غالباً مثل العصي
الرقيقة والحصى والسوط واستعمال الايدي والارجل في الاعتداء وذلك يقتضي الاشارة
بايجاز بالغ الى اوصاف الادوات المستعملة في الاعتداء المفضي الى الموت كما يأتي:
1- وصف العصي: كي يتم
تكييف القتل بأنه اعتداء افضى الى موت ينبغي ان تكون العصا المستعملة في القتل
رقيقة ، وهي العصي التي لايستطيع كف الانسان الاستجماع عليها كالعصا التي يستعملها
الاب او الاستاذ في تأديب الاولاد اما اذا كانت
العصا غليظة اولها طرف مدبب مثل الصميل في اليمن فان القتل يكون عمداً لأن
هذه الآلة قاتلة في الغالب أي تقتل غالب الاشخاص، وكذا يشترط ان يقوم الجاني بضرب
المجني عليه ضربات متفرقة في انحاء جسمه بالعصى الرقيقة حتى يكون الفعل اعتداء
افضى الى موت اما اذا قام الجاني بضرب المجني عليه بعصا رقيقة في موضع واحد حتى
قتله فيكون القتل عمداً وليس اعتداء افضى الى موت إضافة الى ذلك يشترط ان لا يتعمد
الجاني ضرب المجني عليه بالعصا الرقيقة في موضع قاتل مثل خلف الاذن او خلف الرأس
فان فعل ذلك كان القتل عمداً ولو كانت العصى رقيقة.
2- وصف الحصاة المستعملة
في الاعتداء المفضي الى الموت: لكي تكون الجريمة اعتداء افضى الى موت ينبغي ان
تكون الحصاة المستعملة في الجريمة أقل في حجمها مما يستطيع الكف استجماعها مثل
الكري المعروف في اليمن الذي يستعمل ضمن مواد البناء شريطة ان لايتعمد الجاني قذف
المجني عليه بالحصاة في موضع قاتل او القيام بقذفه بالحصوات في موضع واحد حتى يموت
فان ذلك يكون قتلاً عمداً وليس اعتداء افضى الى موت.
3- وصف اللكمات والركلات
المستعملة في جريمة الاعتداء المفضي الى الموت: يشترط فيها ان لاتكون في موضع قاتل
مثل خلف الرأس او خلف الأذن أو في الخصية أو غيره ، كما يشترط ان لاتكون في موضع
واحد من جسم المجني عليه ، فاذا لم تكن كذلك فان القتل يكون عمداً وليس اعتداء
افضى الى موت.
4- يشترط في العصي
الرقيقة والحصاة والركلات واللكمات ان لايتم استعمالها على اشخاص يترتب على
استعمالها معهم قتلهم ، مثل الطفل الرضيع او الشيخ العجوز او المرأة او المريض
فاستعمال هذه الالات وماهو اقل منهامع
هؤلاء الاشخاص يترتب على ذلك قتلهم حتماً فمثلاً الرضيع او المريض يكفي ان يضع
الجاني يده على فمه فيموت وهكذا ، ففي هذه الحالات يكون الفعل قتلاً عمداً وليس
اعتداء افضى الى موت.مهما كانت الالة المستعملة في القتل لان اى الة تقتل هولاء غالبا .
الوجه الخامس: الفرق بين القتل العمد والقتل الخطأ والاعتداء المفضي
الى موت من حيث العقوبة:
عقوبة القتل العمد الاعدام قصاصاً او الدية وفقاً للمادة (224) عقوبات
التي حددت مقدار دية العمد وشبه العمد (الايذاء المفضي الى الموت) ودية الخطأ حيث
نصت هذه المادة على أن (دية العمد وشبه العمد خمسة ملايين وخمسمائة ألف ريال ودية
الخطأ مليون وستمائة ألف ريال) والله أعلم.
تعليقات
إرسال تعليق