قرار وقف الدعوى لا يجوز استئنافه
أ.د عبد المؤمن شجاع الدين
الاستاذ بكلية الشريعة والقانون بجامعه صنعاء
قد يرتكب
العامل جريمة من الجرائم المعاقب عليها طبقاً للقانون فيقوم صاحب العمل بفصل
العامل واحالته الى النيابة العامة للتحقيق معه وقد تنتهي النيابة العامة في
تحقيقها الى إقامة الدعوى الجزائية ضد العامل ورفعها امام القضاء الجنائي
وبالمقابل فقد يقوم العامل برفع دعواه العمالية امام اللجنة التحكيمية العمالية
مطالباً برواتبه وتعويضه فتقوم اللجنة العمالية باصدار قرار بوقف الخصومة العمالية
حتى يتم الفصل في الدعوى الجزائية.
هذه
المسائل المهمة تناولها الحكم محل تعليقنا وهو الحكم الصادر عن الدائرة المدنية
بالمحكمة العليا باليمن في جلستها المنعقدة بتاريخ 21/10/2018م في الطعن المدني
رقم (60341) لعام 1429هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم: أن أحد
العمال اتهمه رب العمل بأنه قد قام بتزوير محررات رسمية وغير رسمية وقام باختلاس
مبالغ مالية حيث قامت لجنة التحقيق التابعة لرب العمل بالتحقيق مع العامل المشار
اليه حيث اقر العامل بالتهم المنسوبة وبناءً على ذلك قام العامل بتحرير التزام خطي
لصاحب العمل التزم بموجبه بإعادة المبالغ المختلسة وبناءً على ذلك قام صاحب العمل
بفصل العامل وتحرير شكوى بالجرائم التي ارتكبها العامل وتم إيصال الشكوى الى سلطة
الضبط القضائي المختصة التي قامت بجمع الاستدلالات واحالة القضية الى النيابة
العامة التي قامت بالتحقيق بالوقائع الجنائية المنسوبة للعامل ، وقد استغرقت هذه
الاجراءات وقتاً طويلاً ، وامام النيابة العامة طالب العامل بصرف رواتبه لانه لم
يتم اشعاره بفصله من العمل فلم تستجب النيابة لطلبه ، ومن خلال التحقيق مع العامل المشار
اليه توصلت النيابة الى ادانة العامل حيث اصدرت قرار اتهام المذكور ورفعت ملف
القضية الى المحكمة المختصة ، فقام العامل برفع دعوى عمالية امام اللجنة التحكيمية
المختصة مطالباً برواتبه عن الفترة السابقة لعدم إشعاره بانهاء خدماته إضافة الى
راتب فترة الاشعار وتعويضه عن قيام رب العمل بفصله تعسفياً ، فقام رب العمل بتقديم
دفعين الأول : بسبق ما يكذب الدعوى محضاً لأن العامل قد أقر بالتهم المنسوبة له
وانه تم فصله بناءً على ذلك ، والدفع الثاني : بأن قانون العمل قد صرح بعدم لزوم
إشعار العامل بالفصل اذا كان سبب الفصل من الاسباب المبينة في المادة (35) وان سبب
فصل العامل هو من ضمن تلك الاسباب ، إلا أن اللجنة التحكيمية العمالية لم تفصل في
الدفعين وبدلاً من ذلك قررت بتاريخ 2/6/2016م وقف الفصل في الدعوى العمالية الى
حين البت في الدعوى الجزائية ، فقام العامل بالطعن بالاستئناف امام الشعبة المختصة
التي قبلت الطعن شكلاً وموضوعاً وقامت بالفصل في الدعوى العمالية التي كانت منظورة
امام اللجنة التحكيمية وتضمن حكم محكمة الاستئناف الحكم للعامل بكامل رواتبه عن
الفترة السابقة لعلمه بقرار الفصل بالاضافة
الى راتب فترة الاشعار وكذا الزام صاحب العمل بدفع رواتب ستة اشهر معتبراً الفصل
تعسفياً ، بالاضافة الى تعويض العامل بمبلغ خمسمائة الف ريالاً وكذا خمسمائة الف
ريال مصاريف واتعاب تقاضي ، فما كان من صاحب العمل إلا أن قام بالطعن بالنقض
بالحكم الاستئنافي مستنداً الى ان الحكم الاستئنافي قد خالف القانون الذي صرح بأنه
لا يلزم إشعار العامل بقرار الفصل اذا كان سبب الفصل من ضمن الاسباب المنصوص عليها
في المادة (35) عمل وعلى ذلك فليس هناك موجب قانوني للحكم براتب شهر الانذار
ورواتب التعويض عن الفصل التعسفي وغيرها من المبالغ التي حكم بها للعامل الحكم
الاستئنافي ، كما ذكر الطاعن بالنقض ضمن اسباب
طعنه انه كان يتوجب على محكمة الاس.تئناف عدم قبول الاستئناف شكلاً حيث ان
قرار اللجنة التحكيمية بوقف الخصومة ليس منه للخصومة إضافة الى أن محكمة الاستئناف
لم تفصل في الدفعين المثارين امام اللجنة التحكيمية مع انهما من النظام العام حيث
كان يتوجب على محكمة الاستئناف الفصل فيهما من تلقاء ذاتها ، وقد جاء في حيثيات
ومنطوق حكم المحكمة العليا المشار اليه ما نصه (لما كان الطعن بالنقض قد استوفى
شروط قبوله شكلاً وفقاً لقرار دائرة فحص الطعون الصادر برقم (222) بجلستها
المنعقدة في 13/12/2017م مما اقتضى الفصل في الطعن من حيث الموضوع فإن الدائرة بعد
الرجوع إلى أوراق القضية تجد ان ما ينعي به الطاعن في الاسباب الاول والثاني
والثالث في محله وان المطعون ضده قد قام بالتوقيع على محرر التزم بموجبه بتسديد
المبلغ ، ولما كان القرار الصادر عن اللجنة التحكيمية قراراً وقتياً بتأجيل الفصل
في الدعوى العمالية حتى الفصل في الجانب الجنائي المنظور أمام محكمة الاموال
العامة حيث يلزم أن يصدر في النزاع الموضوعي حكماً ابتدائياً واستئنافياً ولعل
الشعبة لم تنتبه الى ذلك ، ولهذا لزم إرجاع ملف القضية الى محكمة الاستئناف ومنها
الى اللجنة العمالية للفصل في الموضوع بعد زوال سبب التأجيل ، وإستناداً الى احكام
المواد (87 و 222 و 236 و 292 و 300) مرافعات وبعد المداولة فإن الدائرة حكمت بما
هو آت:
1-
نقض الحكم المطعون فيه بجميع فقراته.
2-
اعادة الكفالة للطاعن.
3-
لاشيء في( الاغرام )وسيكون تعليقنا على هذا الحكم
بحسب الاوجه الآتية:
الوجه الأول : ماهية وقف الخصومة:
وقف
الخصومة : هو عدم السير في الخصومة فترة من الزمن لسبب اجنبي عن المركز القانوني
للخصوم ، ومع ان وقف الخصومة يتم باتفاق اطرافها حسبما ورد في المادة (204)
مرافعات الا أنه يجوز أن يتم وقف الخصومة بحكم قضائي كما حصل في قرار اللجنة
التحكيمية العمالية الذي أشار اليه الحكم محل تعليقنا ، وقد يكون قرار القضاء بوقف
الخصومة جزائي أي يتم تقريره جزاءً على المدعي الذي يتسبب بإهماله وإمتناعه في
تعطيل إجراءات الخصومة ، وتكون مدة هذا الوقف ثلاثة أشهر ، كما قد يكون وقف
الخصومة من قبل المحكمة تعليقيا حيث يجوز للمحكمة أن تقرر وقف الخصومة إذا ظهرت
أمامها مسألة أولية أي مسألة يتوقف الحكم في موضوع الخصومة على الحكم في هذه
المسألة ويسمى الوقف في هذه الحالة بالوقف التعليقي ، لأن المحكمة ترى تعليق الحكم
في الخصومة عن الحكم في المسألة الأولية، ويشترط لهذا الوقف شرطان أولهما: أن تظهر
أمام المحكمة مسألة أولية ينبغي حسمها أولاً قبل الفصل في الخصومة الموقوفة فلا
محل لوقف الخصومة إذا كان يمكن للمحكمة الفصل في القضية بغير انتظار الفصل في
المسألة الأولية ، والشرط الثاني: أن يكون الفصل في المسألة الأولية من اختصاص
محكمة أخرى فإذا كانت المسألة الأولية تدخل ضمن اختصاص المحكمة ذاتها التي تنظر
القضية فإنها يجب عليها عدم وقف الخصومة ولكن ينبغي عليها أن تنظر هذه المسألة
اثناء نظر القضية ، وهناك حالات يتم فيها وقف الخصومة بقوة القانون دون حاجة الى
التفاق الخصوم او صدور حكم من القضاء ومن امثلة الوقف بقوة القانون وقف الخصومة في
حالة رد القاضي وكذا في حالة رفع الدعوى الجزائية كما حصل في القضية التي اشار
اليها الحكم محل تعليقنا.
والقرار
القضائي بوقف الخصومة لا يترتب عليه زوال الخصومة او انتهائها ولكن تظل الخصومة
الموقوفة قائمة ومنتجة لإثارها ، وهذا ما عبر عنه الحكم محل تعليقنا بالقول : بأن
قرار وقف الخصومة وقتي ، كما تظل الاعمال الاجرائية التي تمت فيها الخصومة قبل
وقفها ، ولكن مع بقاء الخصومة الموقوفة فانها تكون في حالة ركود، فلا يجوز اثناء
وقف الخصومة اتخاذ أي اجراء فيها ، ولأن قرار وقف الخصومة على هذا النحو فلا يجوز
الطعن فيه بالاستئناف حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا.
الوجه الثاني : وقف الخصومة حتى يتم الفصل في الدعوى الجزائية:
ذكرنا فيما
سبق ان الدعوى الجزائية المرفوعة من النيابة العامة على العامل المفصول كان قد تم
رفعها امام المحكمة المختصة حيث أصدرت النيابة العامة قرار إتهام ضد العامل
المفصول يتضمن اتهام العامل بارتكاب افعال التزوير والاختلاس ، وذكرنا أيضاً أن
العامل قام برفع دعوى عمالية امام اللجنة التحكيمية العمالية طالب فيها بصرف
رواتبه منذ انهاء عمله حتى رفع دعواه امام اللجنة على اساس انه لم يتم اشعاره
بانهاء عقد العمل وطلب العامل ايضاً راتب شهر الانذار بالاضافة الى تعويضه عن فصله
تعسفياً ، وقد قررت اللجنة التحكيمية وقف الخصومة حتى يتم الفصل في الدعوى
الجزائية ، وهذا الاجراء يوافق القانون ، لان الافعال الجنائية التي كانت سبباً في
فصل العامل منظورة امام القضاء المختص نوعياً ويتوقف على نتيجة الفصل في الدعوى
الجزائية الفصل في الدعوى العمالية ، فإذا اصدر القاضي الجزائي حكماً ببراءة
العامل من الافعال المنسوبة له فعندئذ سيكون الفصل للعامل تعسفياً وان كان الحكم
بالادانة فان ذلك سيكون بمثابة تاكيد على صحة وسلامة فصل العامل.
الوجه الثالث : اذا كان سبب الفصل حالة من الحالات المنصوص عليها في
المادة(35) من قانون فلا يلزم اشعار العامل بفصله:
وتنص
المادة (35) من قانون العمل على أنه (يجوز لصاحب العمل أن ينهي العقد من جانبه
بدون اشعار كتابي او تحمل الاجر المقرر عن فترة الانذار في الحالات الآتية) واغلب
هذه الحالات هي عبارة عن جرائم جنائية مثل الاختلاس والتزوير وانتحال الصفة او شرب
الخمر في اثناء العمل ، وقد اشرنا سابقاً ان سبب انهاء عقد العمل مع العامل في
القضية التي اشار اليها الحكم محل تعليقنا قيام العامل بارتكاب جريمة الاختلاس
والتزوير ، وقد كان سبب نقض الحكم محل تعليقنا للحكم الاستئنافي ان الحكم
الاستئنافي كان قد قضى بالزام صاحب العمل بتسليم رواتب العامل المفصول منذ فصله
حتى تاريخ علمه بقرار الفصل او انهاء الخدمة .. الخ على خلاف ما ورد في المادة
(35) عمل ، والله اعلم.
تعليقات
إرسال تعليق