وقف القراءة القديم لازم
ا.د.عبد المومن شجاع
الدين
الاستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء
من الاشكاليات
الواقعية وقف القراءة او اادرس في اليمن, ولذلك منعه القانون اليمني منذ 1976م الا
ان وقف القراءة القديم السابق على ذلك التاريخ لازم وفقا لأحكام الشرع والقانون
اضافة الى ان احكام القضاء قد استقرت على لزوم وقف القراءةالسابق لعام76 19 ومنع وقف القراءة التالي لعام 1976م وهو العام الذي صدر فيه اول
قانون للوقف الذي قرر حظر وقف القراءة اعتبارا من تاريخ صدوره, وتصل نسبة وقف
القراءة في اليمن الى نسبة 35% من الاراضي الزراعية الخصبة, وهناك اشكاليات كثيرة
متعلقة بوقف القراءة ولذلك فان هذا الموضوع يحتاج الى تسليط الضوء عليه, ومن هذا
المنطلق جاءت فكرة التعليق على الحكم
الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 6/2/ 2011م
في الطعن الشخصي رقم (40904) لسنة 1432هـ وتتلخص وقائع القضية التي قضى فيها الحكم
محل تعلقينا ان احد الواقفين قد اوقف اراضي زراعية على ذريته وحدد الناظر على الوقف
وصرح في الوقفية بانه ليس لذريته الا غلات
الارض الموقوفة مقابل ان يقوم ذريته
بقراءة ما تيسر لهم من القران الى روح الواقف. فكان الناظر على الوقف وهو من افراد
ذرية الواقف كان يقوم بتوزيع الغلات على الذرية بحسب شرط الواقف حتى قام احد افراد
ذرية الواقف بمنازعة الناظر على الوقف والمطالبة بتقسيم الوقف الذري لان مصرف
الوقف قد انقطع حسبما ورد في الدعوى المرفوعة من احد افراد ذرية الواقف امام
المحكمة الابتدائية وقد حكمت المحكمةالابتدائية بان الوقف المتنازع على نظارته
يعتبر منقطع المصرف واحالة نظارته الى وزارة الاوقاف باعتباره وقفا منقطع المصرف
وان على وزارة الاوقاف ان تصرف غلاته في مبرة اقرب لتلك التي حددها الواقف حسبما ورد في منطوق الحكم
الابتدائي, فلم يقنع ناظر الوقف الذري بالحكم الابتدائي حيث قام بالطعن فيه امام
محكمة الاستئناف التي الغت الحكم الابتدائي وقضت بوجوب التوقف على ما ورد في وقفية
الواقف الذي حدد الناظر على الوقف الذري والذي حدد مصارف غلاته وبقاء النظارة على
الوقف الذري في الناظر الحالي لتوفر
الشروط فيه وان المستأنف ضده يستحق ربع
الغلة حسبما هو جاري ومعمول به منذ مدة طويلة وقد سببت الشعبة الاستئنافية حكمها
بان الحكم الابتدائي حينما قضى بانقطاع مصرف الوقف يكون قد خالف الثابت في الاوراق
ووقائع النزاع وان تولية مكتب الاوقاف على الوقف الذري يخالف ايضا الثابت في وقائع
النزاع اضافة الى مخالفة القانون حسبما ورد في اسباب الحكم الاستئنافي, فلم يقنع
المستأنف ضده بالحكم الابتدائي حيث قام بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي امام
الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا التي اقرت الحكم الاستئنافي مسببة حكمها (بان
الطاعن ينعي على الحكم الاستئنافي المطعون فيه انه قد اخطأ في تسبيبه حينما قال ان
الحكم الابتدائي قد خالف القانون والواقع حينما الغى الحكم الابتدائي مقررا ان
الوقف الذري لم ينقطع مصرفه ولزوم بقاؤه, والدائرة الشخصية تجد ان الحكم المطعون
فيه قد جاء موافقا للشرع والقانون في النتيجة التي توصل اليها) وسيكون تعليقنا على
هذا الحكم بحسب ما هو مبين في الاوجه الاتية :
الوجه الأول :
ماهية وقف القراءة ( الدرس ) :
وقف القراءة
(الدرس) هو ان يحبس الواقف بعض ماله لله تعالى لا يباع ولا يشتري وانما يتم صرف
غلاله او عائداته على من يقوم بقراءة القران, وقد يحدد الواقف السور والآيات
اوالاجزاء التي ينبغي قراءتها وقد يكتفي بالقول في الوقفية : ما تيسر من القران
الكريم, كما ان الواقف قد يحدد نية الذي يقرأ القران فيقول في الوقفية : تكون
القراءة ثوابا الى روح الواقف او الى النبي واله وقد يقول : الى روح فلان وقد يقول
قربة لله تعالى, وقد يحدد الواقف مكان القراءة
كأن يقول : يقرأ بها على قبري او في المسجد, كما قد يحدد الواقف شروط القراءة كآن
يقول الواقف؛: على ان يكون من يقرأ القران
مجودا فقهيا عالما ورعا وقد لايشترط الواقف ذلك
في وقفيته, كما قد يحدد الواقف الشخص او الاشخاص الذين يقومون بالقراءة
وغالبا ما يكون هؤلاء من ذرية الواقف مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل
تعليقنا, واقوال الواقف وعباراته الواردة في الوقفية لازمة شرعا عملا بقاعدة
(عبارة الواقف كشرع الشارع) .
الوجه الثاني :
النظرة الشرعية لوقف القراءة :
قراءة القران من
افضل القرب الى الله تعالى فقد ذكرها الله سبحانه وتعالى متقدمة على الصلاة وغيرها
من الفرائض الشرعية عملا بقوله تعالى (فاقرءوا ما تيسر منه واقيموا الصلاة واتوا
الزكاة) فمنشأ وقف القراءة اصلا هو الحث على قراءة القران الكريم. لان القران سماه
الله تعالى بهذا الاسم (القران) لكثرة قراءته, وبناء على ذلك فان الوقف على قراءة
القران من افضل القرب اذا كان بالفعل خالصا لله تعالى وخاليا من أية حيلة, ويكون
وقف القراءة قربة خالصة اذا كان مطلقا لمن يقرأ القران.
الوجه الثالث :
اهداء ثواب قراءة القران الى الغير :
وقف القراءة اذا
ورد مطلقا دون ان يشترط الواقف شروطا كأن يقول : اوقفت وحبست وسبلت مالي هذا
لقراءة القران فهو قربة من افضل القرب, اما اذا اشترط الواقف اهداء ثواب القراءة
الى روحه او غيره فان ذلك محل خلاف بين الفقهاء فقد ذهب بعض الفقهاء الى عدم جواز ذلك لان ذلك من قبيل الاستئجار على القرب وذلك لا يجوز
اضافة الى ان قراءة القران واهداء ثواب القراءة الى الغير يخالف قوله تعالى (وان
ليس للإنسان الا ما سعى) فكل انسان لا يحصل الا على ثواب العمل الذي قام به وليس
ثواب عمل غيره, في حين يذهب فقهاء اخرون
الى ان ثواب القراءة لا يصل الا اذا كان القارئ هو ابن الواقف وان نزل لان
الابن من سعي ابيه, والقول الثالث يذهب الى جواز اهداء ثواب قراءة القران الى
الواقف لان القران الكريم يصرح بجواز
اهداء ثواب العمل الصالح الى الغير وهو القول المختار وهو القول الذي يستند اليه
الواقفون الذين يوقفون اموالهم لقراءة القران واهداء ثواب القراءة الى ارواحهم او
ارواح اسلافهم او غيرهم .
الوجه الرابع : وقف
القراءة وعلاقته بالوقف الذري :
في الغالب يكون وقف
القراءة هو واجهة الوقف الذري لان الواقف يتوسل بوقف القراءة (الدرس) للوقف على
ذريته حيث ترد في كثير من وقفيات الوقف الذري
عبارة (قد اوقفت وحبست وسبلت موضع كذا وقفاخالصا لله تعالى لا يباع ولا
يشترى حتى يرث الله الارض ومن عليها وذلك بنظر الولد فلان وذريته من بعده شريطة ان يكون صالحا للقيام بالنظارة وعلى الناظر ان يصرف
غلات الموضع المشار اليه بين الذكور الضعفاء من الذرية او من يقوم بقراءة القران
والناظر قليد الله في ذلك) هذه العبارة مستفادة من الوقفية في القضية التي تناولها
الحكم محل تعليقنا وان كانت هذه الوقفية قد حددت ان الغلات تصرف لذرية الواقف
شريطة قراءة القران واهداء ثواب القراءة الى روح الواقف, وبناء على ذلك فان
الوقفيات القديمة في قراءة القران اوالدرس كانت خالية من الحيلة الى حدما حيث ان
هدف الواقف منها حسبما هو ظاهر في نصوص
الوقفيات كان الهدف هو حث وحض الذرية على قراءة القران والمحافظة على ذلك. والدليل
على ذلك انهم يشترطون شروطا في القارئ للقران كالفقه والتجويد والتقوى وبناء على
ذلك فانهم كانوا يهدفون من وراء ذلك التقرب الى الله وصلاح الذرية ومحافظتها على
قراءة القران وارتباطهم به ومواظبتهم عليه كما انهم كانوا يحددوا القدر المطلوب
قراءته كجزء او جزئيين او اكثر من القران, وهذا ما ينطبق على القضية التي تناولها
الحكم محل تعليقنا .
الوجه الخامس :
لزوم وقف القراءة القديم :
قضى حكم محكمة
الموضوع الذي اقره الحكم محل تعليقنا بلزوم وقف القراءة القديم أي السابق على
قانون الوقف السابق (1976م) حيث قرر ذلك القانون (1976م) منع الوقف الذري ومنه وقف
القراءة. والقانون يعمل به من تاريخ صدوره أي عام (1976م) وبناء على ذلك فلا ينطبق
هذا المنع على الفترة التالية لصدور ذلك القانون, وقد قرر القانون النافذ منع
الوقف على الذرية الا اذاكان الموقوف عليه معوقااوعاجزا فاذا مات انقطع مصرف الوقف
حسبما ورد في المادة 33 من قانون الوقف النافذ كما صرح القانون النافذ بان الاوقاف الاهلية والذرية القديمة السابقة
لصدور القانون النافذ باربعين عاما صحيحة حسبما ورد في المادة 46 .
اضافة الى ان القانون النافذ قد صرح في المادة36 بان الوقف في درس او للقراءة للمورث غير صحيح .
والابقاء على الاوقاف الاهلية والذرية القديمة والتقرير بلزوم الاوقاف الاهلية
والذرية واوقاف الدرس القديمة يستند الى اعتبارات عدة شرعية وقانونية وواقعية من
اهمها ان الواقفين المتقدمين قد توفاهم الله على نياتهم في الوقف فلا نستطيع
الوقوف ومعرفة نوايا اولئك الواقفين فالواجب احترام نوايا واعتبارات اولئك طالما
وانه قد توفاهم الله والقاعدة تقضي بان (عبارة الواقف كنص الشارع) كما ان نقض
وابطال الوقف الاهلي القديم ستترتب عليه اثار سلبية غاية في الخطورة حيث ستيفضي
ذلك حتما الى الفوضى والفتن كما ان الابطال لتلك الاوقاف سيترتب عليه الاخلال
باستقرار المراكز الشرعية والقانونية ولذلك لاحظنا ان الحكم محل تعليقنا قد قضى
بلزوم الوقف الاهلي القديم واستمرار مصارف غلاته على ما هو عليه دون أي تغيير .
الوجه السادس : حكم
انقطاع وقف القراءة :
قضى الحكم
الابتدائي بان وقف القراءة قد انقطع في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا لان
ذرية الواقف الذين اختلفوا على الوقف لم
تتوفر فيهم شروط القراءة التي اشترطها الواقف (التجويد والفقه والعلم الشرعي) حيث
قرر الحكم الابتدائي إسناد القراءة الى مكتب الاوقاف العامة حيث تتوفر في العلماء
والوعاظ التابعين له هذه الشروط ولذلك من وجهة نظر الحكم الابتدائي فان وقف
القراءة قد انقطع وتنتقل مصارف الوقف في هذه الحالة الى المبرة الاقرب وهي الاوقاف
العامة بنظر مكتب الاوقاف المختص, وقد قضى الحكم الاستئنافي بإلغاء الحكم
الابتدائي لان الوقف الاهلي وقف القراءة ليس منقطعا ولا تنطبق عليه احكام انقطاع
مصرف الوقف لان ذرية الواقف الحاليين اذا لم
تتوفر فيهم شروط الواقف الا انه قد تتوفر في ذرياتهم المتناسلة منهم لاحقا.
لان الوقفية ليست لهذا العصر فهي سارية الى ان يرث الله الارض ومن عليها والاهم ان
قراءة القران ذكر مستمرا لا ينقطع في الذرية, اما انقطاع المصرف فهوا يعني ان
المصرف الذي حدده الواقف لم يعد له وجود حسبما ورد في المادة 30 من قانون الوقف حيث ينتقل في هذه الحالة الى الاقرب اليها من
حيث الاشخاص المستهدفين ومن حيث نوع المصرف.
الوجه السابع :
النظارة على الوقف الاهلي :
من خلال المطالعة
للحكم محل تعليقنا نجد انه قد اقر عدم جواز نقل النظارة على الوقف الاهلي من
الناظر الذي حدده الواقف بالاسم او بالشروط لان عبارة الواقف كنص الشارع فطالما ان
الواقف قد حدد الناظر على الوقف الصادر منه فينبغي الالتزام والاحترام لإرادة
الواقف, وان كان من المقرر عدم جواز نقل النظارة على الوقف الاهلي الى ناظر الوقف
العام الا انه من الجائز شرعا وقانونا نقل النظارة الوقف الاهلي بين نسل او ذرية الواقف بحسب صلاحيتهم للقيام
بأمر الوقف الاهلي فيجوز نقلها من الفاسق الى الصالح ومن السفيه الى الحكيم ومن
اللئيم الى الكريم وهكذا بحسب الصلاحية
والقدرة والامانة والعدالة .
الوجه الثامن : الحيلة
في وقف القراءة في الوقت الحاضر :
يتعمد بعض الواقفين
في الوقت الحاضر اخفاء حيلهم على بعض الورثة عن طريق وقف القراءة او الوقف على
الذرية نظرا لشيوع قلة الدين وعدم الثقة با لله حيث يخشى هؤلاء الواقفون على
ذرياتهم من الفقر فيوقفوا عليهم بذريعة وقف الدرس ويظهر ذلك من عبارات الواقفين في
الوقفيات المعاصرة حيث يذكر هؤلاء في وقفياتهم (انه وقف كذا على ابنه او ذريته من
الذكور مقابل قيام هؤلاء بقراءة ما تيسر من القران الى روح الواقف او قراءة
البسملة مع الاخلاص), ولان الوقف الاهلي في العصر الحاضر يخفي الحيلة لذلك فقد
منعه القانون النافذ
الوجه التاسع؛: وقف
القراءة والنساء والوقف الذري:
وقف القراءة هو
اكثر الصور التي يتخذها الوقف الذري اي الوقف على الذرية حيث يوقف الواقف بعض ماله
على ذريته حيث تكون الملكية لله ويستحق الذرية غلال وعائدات الوقف مقابل قراءة
القران واهداء ثواب القراءة الى روح الواقف .وينص الواقف في الوقفية على ناظر
الوقف ويحدده ويكون المال الموقوف بحيازة الذكور من الذرية .وفي هذه الحالة لاترث
النساء من الوقف الذري لانهن لايدخلن ضمن
مفهوم الذرية؛:بنونا بنو ابنائنا:وبناتنا بنوهن ابناء الرجال الاباعد. وقد كان
هذا الامر من الدوافع التي دفعت القانون
النافذ الى منع الوقف الذري بعد صدور القانون والابقاء على الوقف الذري القديم
السابق على صدور القانون النافذ. والله اعلم .
تعليقات
إرسال تعليق