بلوغ القاضي سن التقاعد لا ينهي ولايته
أ.د.عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء
مفهوم إنعدام الاحكام حديث في قانون المرافعات اليمني , ولذلك تحدث في
الواقع العملي تصورات واجتهادات كثيرة بشان تطبيق الانعدام ,حيث يتصور بعض الأشخاص
ان مجرد بلوغ القاضي سن التعاقد المحددة في قانون السلطة القضائية يعني انتهاء
ولاية القاضي وإنعدام الاحكام التي يصدرها بعد بلوغه هذا السن ,وقد صدر عن الدائرة
المدنية بالمحكمة العليا باليمن حكماً قرر ان (مجرد بلوغ القاضي سن التقاعد لا يعني
انتهاء ولايته القضائية )وهذا الحكم هو الحكم الصادر عن الدائرة المدنية في جلستها
المنعقدة بتاريخ 8/6/2013م في دعوى
الانعدام المقيدة برقم (52547)لعام 1434ه وتتلخص وقائع دعوى الانعدام التي فصل
فيها الحكم محل تعليقنا في ان الدائرة التجارية بالمحكمة العليا أصدرت حكمها في
طعن تجاري وكان حكمها في غير صالح احدى المؤسسات التجارية الخاصة التي قامت برفع
دعوى انعدام حكم المحكمة العليا على أساس ان احد أعضاء الدائرة التي اصدرت الحكم
المدعى بانعدامه قد بلغ سن التقاعد المنصوص عليها في قانون السلطة القضائية, وبناء
على ذلك فان الحكم المدعى بانعدامه قد صدر بعد انتهاء ولاية القاضي بالتقاعد مما
يجعله منعدما طبقا لقانون المرافعات حسبما ورد في دعوى الانعدام المرفوعة امام
المحكمة العليا, وبعد ان قامت الدائرة المدنية بدراسة دعوى الانعدام المشار اليها
قضت بانه(بعد دراسة الأوراق والتأمل فيما تضمنته الدعوى وكذا الرد عليها تبين تحقق
صفات طرفي الدعوى كونهما طرفي خصومة الطعن بالنقض التي قضى فيها الحكم المدعي بانعدامه وعملا بأحكام المواد (104و103و76و75و74و72و71) من قانون المرافعات فان الدعوى بالانعدام
تكون مقبولة شكلا , ومن حيث الموضوع ظهر للدائرة ان مدعٍ الانعدام قد اقام دعواه تأسيسا
عل إنتفاء ركن ولاية الدائرة مصدرة الحكم والمنصوص عليه في المادة (217) مرافعات تبعاً
لانتهاء الولاية القضائية لأحد أعضاء الدائرة وهو العضو المذكور في الدعوى نظراً
لبلوغه سن الخامسة والستين عملاً بنص المادة (75)من قانون السلطة القضائية التي
تنص على انه (تنتهي خدمة القاضي ببلوغه سن خمس وستين سنة)وقد دلل مدعي الانعدام
على دعواه بالصورة التي ارفقها بالدعوى من السيرة الذاتية لعضو الدائرة المدعى بلوغه
سن الخامسة والستين عاماً والتي تضمنت تاريخ ميلاد عضو الدائرة ,واستند المدعي
بالانعدام في دعواه الى احكام المواد(58و57و56و55و15و13و9و8و7)مرافعات وطلب قبول
دعواه موضوعاً والحكم بانعدام حكم الدائرة التجارية , وعند دراسة الدائرة لدعوى
الانعدام والرد عليها وعند التأمل في نص المادة (75)من قانون السلطة القضائية تجد
الدائرة ان المدعي بالانعدام قد اعتقد ان اللجوء الى نظام دعوى الانعدام طريق
سهل ويسير وهو اعتقاد غير سديد فالاقدام
على رفع الدعوى بحالتها المشار اليها جرأة على الحكم المدعي بانعدامه وعلى الدائرة
التي أصدرت الحكم ,لان المادة (75)المشار اليها التي استند المدعي بالانعدام عليها
وردت في الفصل الثالث من الباب الرابع من القانون بعنوان حقوق وواجبات القاضي ومن
ثم فان العمل بحكمها يمثل حقاً للقاضي الذي يخضع لنصها مع توفر الشروط التي تطلبها
القانون لتطبيق حكم هذه المادة والذي تتحدد اثاره في الانتقال من حال قانوني الى
حال قانوني اخر لما لذلك من تأثير على استقرار
القاضي بمعني انه لا يجوز تطبيق حكم المادة (75)اذا كان من شان ذلك المساس بحالة
القاضي واستقراره في حياته كون الإحالة الى التقاعد لا يجوز ان تكون بمثابة عقوبة
او جزاء يكون فيه الاساءة الى القاضي ,ولذلك لا ينظر الى حكم هذه المادة على انه يجب
تطبيقه على سبيل الوجوب والحتم وانه يلزم ان تنتهي خدمة القاضي بمجرد بلوغه سن
الخامسة والستين ,لان ذلك متوقف على موافقة مجلس القضاء وهذه الموافقة يلزم ان
تصدر بحسن النظر وسلامة التقدير لمصلحة الامة قبل مصلحة القاضي وفي ضوء ذلك تصدر
الموافقة اويتم التريث, وعليه فان بلوغ القاضي سن الخامسة والستين عاماً واستمراره
في العمل يعني تمديد ولايته وصلاحيته في العمل وعدم التفريط بقدراته مراعاة لمصلحة
الامة والدليل على ذلك ان قانون السلطة القضائية قد جعل انتهاء خدمة القاضي في المادة
السابقة بخمسة وستين عاما ًزيادة على سن التقاعد في الوظائف الأخرى كما ان قانون
السلطة القضائية قد اجاز للقاضي ان يطلب إحالته الى التقاعد براتب كامل اذا امضى
في العمل القضائي مدة عشرين عاما ,كما انه يلزم اثبات انتهاء ولاية القاضي بقرار
من مجلس القضاء الأعلى ,وعليه واستناداً الى احكام المواد (55و57و58و222)مرافعات
حكمت الدائرة بما هو ات :
1- عدم قبول دعوى
الانعدام موضوعاً لعدم صحتها.
2- إعادة الأوراق الى الشعبة
التجارية للسير في الإجراءات وفقاً لما ورد في هذا الحكم.
3- إلزام مدعي الانعدام
بدفع مبلغ مائي ألف ريال للمدعى عليه أغرام ومخاسير دعوى الانعدام) وسيكون تعليقنا
على هذا الحكم بحسب الأوجه الاتية:
الوجه الأول: المظهر
القانوني لبداية ولاية القاضي وانتهائها:
يحدد قانون السلطة القضائية كيفية وإجراءات
تعيين القضاة ونقلهم وندبهم وترقياتهم ,فتعيين القاضي في محكمة او شعبة او دائرة
او ندبه للعمل فيها او نقله او ترقيته اليها يتم بقرارات رسمية تفصح فيها الجهة
المختصة قانوناً عن ارادتها الصريحة والعلنية بتعين القاضي في وظيفة معينة او نقله
او ندبه للعمل فيها او ترقيته اليها ويتم نشر هذه القرارات في وسائل النشر الرسمية
لإعلان الكافة بولاية القاضي لما لذلك من أهمية ولما يترتب على ذلك من اثار
,وبالمقابل يحدد قانون السلطة القضائية إجراءات وكيفية انتهاء ولاية القاضي بالتقاعد
او العزل او الندب الى وظائف أخرى او الوفاة او غيرها من طرق انتهاء ولاية القاضي
وتنتهي هذه الإجراءات بقرارات علنية تصدرها الجهة المختصة قانونا تفصح فيها عن
ارادتها بإنهاء او انتهاء ولاية القاضي ويتم نشر هذه القرارات وإعلانها لترتيب
الاثار القانونية عليها, وبناء على ذلك لا تعد مشاريع الحركة القضائية التي تتضمن
اقتراحات الجهة المختصة في القضاء في تعيين القضاة بل لابد من قرار تعين او ندب او
نقل يحدد ولاية القاضي ونطاقها ونوعها, وبالمقابل لا تنهي ولاية القاضي تلقائيا
بمجرد بلوغه السن القانونية او تحقق سبب من أسباب انتهاء ولاية القاضي حتى لو شرعت
الجهات المختصة بالإجراءات التمهيدية لأنهاء او انتهاء ولاية القاضي فلا بد من
قرار يصدر من الجهة المختصة يحدد تاريخ انتهاء او انهاء ولاية القاضي بالضبط .
الوجه الثاني: خصوصية
سن التقاعد بالنسبة للقضاة:
أشار الحكم محل تعليقنا الى ان من خصوصية
سن التقاعد بالنسبة للقضاة انها خمس وستون سنة وليست ستين سنة ,ومثل هذه الخصوصية
تكون بالنسبة لأعضاء هيئة التدريس في الجامعات الذي ينص القانون على ان سن التقاعد
بالنسبة لهم تكون خمس وستين سنة وليس ستتين سنة كما هو الحال بالنسبة لموظفي
الدولة والقطاعين العام والمختلط ورجال الجيش والامن , والحكمة من ذلك ان عمل
القاضي او الأستاذ الجامعي ليس بدنياً يعتمد على الجهد البدني الذي يدركه الضعف
والوهن ببلوغ الانسان سن الستين ,فعمل القاضي والأستاذ الجامعي يكون في سن الستين
عاماً اكثر دقة ومعرفة وخبرة ,فهذه السن تكون محطة عمرية هامة يكثر فيها عطاء
القاضي او الأستاذ الجامعي ويكون اكثر جودة بحكم خبراته المتراكمة خلال الفترات
السابقة التي امضاها في عمله النوعي, ولذلك فان الإبقاء على القاضي او الاستاذ
الجامعي بعد سن التقاعد في العمل يكون مفيداً للامة وليس له حسبما أشار الحكم محل
تعليقنا.
الوجه الثالث: العمل
المناسب للقاضي والأستاذ الجامعي بعد بلوغه سن التقاعد:
اذا استمر القاضي والأستاذ الجامعي في عمله
بعد بلوغه سن التقاعد فينبغي تخفيض ساعات عمله, فمثلا الاستاذ في الجامعة يتم تخفيض
نصابه التدريسي من المحاضرات بحسب قانون الجامعات ولائحته حيث ينبغي عليه ان يقوم
خلال هذه الفترة بالتأليف ,فهذه السن هي المثلي في العمل البحثي, وبالنسبة للقاضي
ينبغي تخفيض ساعات دوامه او عدد القضايا التي تسند اليه ,وينبغي الاستفادة من ذوي
الكفاءات والخبرات من هؤلاء القضاة في تكليفهم بالقيام بالوظائف القضائية البحثية
والتخطيطية مثل المكتب الفني للمحكمة العليا او عضوية مجلس القضاء الأعلى ,كما
ينبغي تشجيع القضاة في هذه السن على اعمال التأليف حتى يتمكنوا من افراغ خبراتهم
وتجاربهم في مؤلفات تستفيد منها الأجيال التي تليهم من القضاة او غيرهم ,وحتى
تتواصل الجهود وحتى يتم توثيق وحفظ خبرات هؤلاء القضاة ونشرها للاستفادة منها, والله
اعلم.
تعليقات
إرسال تعليق