بيع الزوج لزوجته في مرض الموت

 


                                                                        أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين

                                                      الاستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء

 

التصرف في اثناء مرض الموت يثير اشكاليات عدة  في ماهية مرض الموت وتاثيره على التصرفات. لان القانون ذكر عناصر وانواع مرض الموت وتاثيره في نصين وحيدين مجملين مجردين وعامين , كما ان تصرف الزوج لزوجته بدوره يثير اشكاليات اخرى, ومن المفيد للغاية الاشارة الى موقف القضاء اليمني من هذه الاشكاليات ونظرته لها وتعامله معها, ومن هذا المنطلق جاءت فكرة التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 12/2/2011م في الطعن الشخصي رقم (41258) لسنة 1432هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان زوجا باع زوجته قطعة من الارض وبعد موته تقدمت زوجته بدعوى امام المحكمة الابتدائية طلبت فيها قسمة تركة زوجها للحصول على الفريضة الشرعية المقررة لها وهي ربع التركة لان زوجها مات وليس له ولد, فرد الورثة الاخرين بان القسمة للتركة قد تمت وابرزوا وثيقة القسمة ومن جهتها ابرزت الزوجة وثيقة بيع زوجها لتلك الارض لها وعندئذ رد الورثة الاخرين بان هذا البيع ليس صحيحا فظاهره الحيلة واضافوا ان ذلك البيع قد صدر من الزوج في اثناء مرض موته. وقد حكمت المحكمة الابتدائية بصحة وثيقة القسمة وانه ينبغي تمكين الزوجة من تلك الارض, وقد قام الورثة الاخرون بالطعن في الحكم الابتدائي امام الشعبة الشخصية بمحكمة الاستئناف التي ايدت الحكم الابتدائي مسببة حكمها بان وثيقة القسمة صحيحة وكذلك الحال بالنسبة للبيع الصادر من الزوج لزوجته لتوفر الاركان والشروط المعتبرة شرعا وقانونا في التصرفين المشار اليهما فقد ثبت انه ليس هناك ما يقدح في محرر القسمة كما ان القول بان البيع من الزوج لزوجته قد تم على سبيل الحيلة او انه تم في مرض الموت لم يكن صحيحا, فلم يقنع بقية الورثة بالحكم الاستئنافي حيث قاموا بالطعن في النقض بالحكم الاستئنافي امام الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا التي اقرت الحكم الاستئنافي مسببة حكمها (بانه كان التأمل في اوراق القضية فتبين للدائرة ان الطاعنين يصفون الحكم المطعون فيه بانه قد خالف القانون حينما ايد الحكم الابتدائي الذي قضى بصحة البيع من الزوج لزوجته الذي تم في مرض الموت مع ان هذا البيع قد كان حيلة على الورثة الاخرين, والدائرة تجد ان الحكم الابتدائي ومن بعده الحكم الاستئنافي قد ناقشا هذه المسألة تفصيلا وتوصل الى ان البيع قد وقع صحيحا وان القول بانه قد تم في مرض الموت دعوى بدون دليل) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب ما هو مبين في الاوجه الاتية :

الوجه الاول : ماهية بيع الزوج لزوجته :

قضى حكم محكمة الموضوع بصحة بيع الزوج لزوجته وهذا يقتضي الاشارة الموجزة الى بيع الزوج لزوجته, فهذا البيع عقد مثل غيره من العقود يكون صحيحا اذا توفرت اركانه وشروطه وفقا لأحكام الشرع والقانون. فان القاعدة مستقرة على ان (الاصل في العقود الصحة) حسبما ورد في القانون المدني . ومقتضى ذلك انه يتوجب على من يدعي خلاف هذا الاصل الاثبات, ولذلك فقد قرر الحكم محل تعليقنا صحة البيع الصادر من الزوج لزوجته, ولان المدعين بان البيع قد تم على وجه الحيلة قد عجزوا عن اثبات الحيلة ومظهرها وكيف تمت الحيلة, حيث كان مقصد المدعين بالحيلة ان البيع لم يتم اصلا لان الزوجة لم تدفع ثمن المبيع, الا انهم عجزوا عن اثبات ذلك كما ان قرائن الحال لا تدل على وجود حيلة حيث ان للزوجة مصدر للدخل دائم ومنتظم ومناسب للقيمة الفعلية للمبيع, اضافة الى ان شهود عقد البيع قد اكدوا ان الزوجة دفعت ثمن المبيع, وتلك القرائن دلت على عدم وجود تواطؤ بين الزوج و الزوجة في عملية البيع حيث ان الزوج كان محتاجا  للمال المدفوع له ثمنا للمبيع كما ان القرائن قد دلت ان الزوجة لم تستعيد الثمن من زوجها اضافة ان  ثمن المبيع المدفوع قد كان متناسبا مع سعر الزمان والمكان, فكل هذه الادلة والقرائن قد دلت على عدم انطواء العقد على حيلة ولذلك قضى الحكم بصحة بيع الزوج لزوجته طالما وقد عجز المدعون عن اثبات وجود حيلة البيع  .كماان  الادلة والقرائن الكثيرةقد دلت  على صحة هذا العقد حسبما سبق بيانه .

الوجه الثاني : ماهية مرض الموت و وبيان انواعه وعناصره :

ذريعة بقية الورثة الذين تمسكوا بها في مطالبتهم إبطال بيع الزوج لزوجته ان التصرف الصادر من الزوج قد وقع في اثناء مرض الموت, وذلك يقتضي منا الاشارة بإيجاز بالغ الى مرض الموت وتأثيره على عقد البيع, وقد حاولت المادة (470) مدني تعريف مرض الموت وبيان انواعه وعناصره حيث نصت هذه المادة على ان (مرض الموت هو المرض الذي يغلب فيه ظن الهلاك ويتصل بالوفاة وفي حكم مرض الموت من خرج لملاقاة العدو ومن اصيب في حادث مهلك) وعند استقراء هذا النص نجد انه قد حاول الجمع بين تعاريف الفقه الاسلامي لمرض الموت, ويظهر ذلك حينما نحلل شروط مرض الموت المذكورة في النص القانوني السابق ذكره كما يأتي :

1-    مرض الموت هو المرض الذي يغلب فيه ظن الهلاك : فالأمراض التي يغلب فيها ظن الهلاك أي المرض الذي يتسبب في الوفاة غالبا عند وقوعه في غالب الناس مثل السرطان والايدز والفشل الكلوي في طوره المتقدم وبعض امراض القلب والجلطات المميتة وغيرها من الامراض المستحكمة الميتة فأنها في الغالب مفضية الى الموت بحسب غالب الاشخاص وغالب حالات الاصابة بهذا المرض . ويشترط في هذه الامراض حتى تكون من مرض الموت  ان تكون  متصلة بالوفاة اي ان تكون هي سبب وفاة المريض بها.

2-    الخارج لملاقاة العدو : وهو الذي يخرج مجاهدا لمواجهة العدو  فهو خارج طالب للشهادة اي  الموت, وتبعا لذلك فان حكمه حكم مرض الموت .

3-    المصاب في حادث مهلك : وهو الذي يتعرض لإصابة بالغة في حادث مروري او قصف جوي او مدفعي وغير ذلك من الحوادث شريطة ان تكون الاصابة بالغة او بليغة يغلب الظن ان من اصيب بها سيهلك في الغالب, ومن خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد ان المدعين بوجود مرض الموت عجزوا عن اثبات اية حالة من حالاته السابق ذكرها .

الوجه الثالث : تأثير مرض الموت على عقد بيع الزوج لزوجته :

لا ريب ان مرض الموت له تأثيره البالغ على عقد بيع الزوج لزوجته ولكن تأثيره يختلف باختلاف المشتري من المريض بمرض الموت وقد بينت ذلك المادة (469) مدني التي نصت على ان (بيع المريض مرض الموت لوارثه موقوف على اجازة سائر الورثة وبيعه لغير وارثه بثمن المثل او بغبن يسير صحيح والغبن اليسير هو مالم يكن خارجا عما يقرره العدول اما بيعه لغير وارثه بغبن فاحش فيأخذ فيه ما نقص من ثمن المثل حكم الوصية مالم يظهر تواطؤ على حرمان الورثة) ومن خلال استقراء هذا النص نجد انه قد قرر ان بيع المريض مرض الموت لغير الورثة فانه يكون صحيحا الا اذا كان القصد التواطؤ لحرمان الورثة من انصبتهم الشرعية, والتواطؤ يكون في حالة نزاع المريض مع ورثته حيث يهددهم بانه سيبيع تركته او بعضها بغرض حرمانهم منها فقط فلا يكون له حاجة او مصلحة في البيع. والتواطؤ يفترض ان يكون هناك اتفاق فيما بين المريض مرض الموت وبين المشتري من غير الورثة سواء بإيعاز من بعض الورثة او بدون إيعاز على حرمان بعض الورثة او نقصان انصبتهم في الميراث الشرعي, وبناءعلى ماتقدم فقد قرر الحكم محل تعليقنا ان بيع الزوج لزوجته لم في مرض الموت  والا لاعتبره الحكم موقوفا ؛ والله اعلم .   

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اسباب الطعن بالنقض في القانون اليمني

ماهي الحالة التي يجوز فيها الحكم بإعادة القضية الى المحكمة الابتدائية؟

إنكار المحرر العرفي الصادر عن الغير