تحديد موعد النطق بالحكم من النظام العام
أ.د.عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء
من الظواهر السلبية
السائدة في اليمن عدم تحديد موعد النطق بالحكم وكذا عدم موالاة الخصوم لإجراءات
التقاضي وقد قرر قانون المرافعات الجزاءات الإجرائية لذلك، كما عملت المحكمة
العليا على مواجهة هذه الظاهرة ومعالجتها وترشيد الإجراءات التي تباشرها محكمة الموضوع في هذا المجال،
وسقوط الخصومة من الجزاءات الإجرائية المقررة على عدم موالاة الخصوم لإجراءات
التقاضي إلا أنه في بعض الأحيان تقوم بعض المحاكم بالتقرير بسقوط الخصومة دون
الإلتزام بالإجراءات القانونية اللازمة لذلك، وفي سبيل ترشيد إجراءات سقوط الخصومة
فقد أصدرت المحكمة العليا أحكاماً كثيرة ومنها الحكم محل تعليقنا وهو الحكم الصادر
عن الدائرة المدنية في جلستها المنعقدة بتاريخ 28/11/2016م في الطعن المدني
رقم(26146)لسنة 1436ه وخلاصة أسباب هذا الحكم أنه (أما من حيث الموضوع فإنه
بالعودة إلى محاضر جلسات المحاكمة في الشعبة الإستئنافية نجد ان هيئة الشعبة
السابقة عقدت ثلاث جلسات بحضور طرفي الخصومة وفي الجلسة الأخيرة قررت الشعبة حجز
القضية للحكم بناءً على طلب الخصوم دون أن تحدد تاريخاً معيناً للنطق حسبما توجبه
المادة(220) مرافعات التي نصت على أنه (يجب على المحكمة عند حجز القضية للحكم أن
تحدد موعداً للنطق به) وهذا التحديد متعلق بالنظام العام ومن ثم فإن عدم تحديد
موعد النطق بالحكم يجعل قرار الحجز للقضية باطلاً كأن لم يكن ولا أثر له لجهالته
وحينئذ كان يتوجب على الشعبة تصحيح الأمر عن طريق إعلان طرفي الخصومة للحضور
أمامها لتحديد ميعاد النطق بالحكم إلا أن الشعبة لم تفعل ذلك، ولما كان الأمر كذلك
حيث وأنه من الثابت من أوراق ملف القضية أن المستأنف قد مات بعد ستة أشهر من قرار
حجز القضية الباطل حسبما سبق بيانه، ومن ثم فإن
ما قضى به الحكم المطعون فيه بسقوط الخصومة مستنداً في ذلك إلى نص المادتين
(215)و(216) مرافعات هو استناد في غير محله إذ أن مدة السقوط المحددة في المادتين
المشار إليهما لاتسري إلا من تاريخ قيام
المدعى عليه أو المستأنف ضده بتقديم طلب إلى المحكمة بالحكم له بسقوط
الخصومة بعد إثبات قيامه بإعلان ورثة المتوفي المستأنف بوجود الخصومة ولا يبدأ
احتساب سريان مدة السنة أو الثلاث سنوات إلا من التاريخ الذي يتم فيه إعلانهم بذلك
وهو مالم يحدث، وحيث لم يتم اعلان الورثة بوجود الخصومة فإن مدة السقوط هي السنة
المحددة في المادة 215 مرافعات موقوفة ولا يمكن اكمال الجزاء المترتب عليها فمن
باب أولى لا يجوز تطبيق المادة 216 مرافعات الخاصة بمضي مدة الثلاث السنوات لأن
السبب في توقف القضية بعد وفاة المستأنف لا يرجع إلى الورثة وإنما يرجع إلى الشعبة
الإستئنافية التي لم تحدد موعداً للنطق بالحكم ولكن المستأنف ضده الذي لم يقم في
حينه بإعلان ورثة المستأنف بالحضور إلى المحكمة ومواجهتهم بطلبه بسقوط الخصومة لأن
المدة المذكورة لا تبدأ بالنسبة للورثة إلا من تاريخ إعلانه لهم حتى لا تسقط
الخصومة في غفلة منهم لإفتراض جهلهم بقيامها هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن محكمة
الإستئناف لا تملك التقرير بسقوط الخصومة من تلقاء نفسها لأنه ليس متعلق بالنظام
العام حيث يشترط للحكم به أن يتمسك به الخصم الذي شرع السقوط لمصلحته، ولذلك فإن
الأمر يستدعي نقض الحكم) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب الأوجه الآتية:
الوجه الأول: تحديد ميعاد جلسة النطق بالحكم من النظام
العام:
قضى الحكم محل تعليقنا بأن تحديد موعد النطق بالحكم حين حجز القضية من
النظام العام الذي يترتب على مخالفته بطلان الإجراء(قرار الحجز) والإجراءات
المبنية عليه وسند الحكم في ذلك المادة(220) مرافعات التي نصت على أنه ( يجب على
المحكمة عند حجز القضية للحكم أن تحدد موعداً للنطق به) ومن خلال صياغة هذا النص
نلاحظ أنه قد ورد بصيغة الوجوب أي أن النص آمر لا يجوز العمل على خلافه وهذا يدل
على أن تحديد موعد النطق بالحكم من النظام العام ولا تجوز مخالفته وأن الإجراء
المخالف باطل ويترتب عليه بطلان الحجز والإجراءات المترتبة عليه لأن ما بني على
باطل فهو باطل، وهنا تكمن خطورة هذه المسألة التي يتساهل فيها البعض، وجوب تحديد موعد النطق بالحكم عند قرار حجز
القضية مستقر في أغلب قوانين المرافعات ويرجع
ذلك لإعتبارات كثيرة لا يتسع المجال لذكرها في هذا التعليق ولعل من أهم هذه
الإعتبارات ان تكون القضية حاضرة في ذهن القاضي والخصوم فعدم تحديد الميعاد يفضي
إلى الجهالة بأهم مرحلة من مراحل التقاضي وهي النطق بالحكم والإعلان عن الحق كما
أن عدم تحديد الموعد يفضي إلى تحكم القاضي
وهواه ويجعل النطق رهن مشيئة القاضي إضافةً إلى أن تحديد ميعاد النطق يسهل من
الرقابة على مدى التزام القاضي بالإجراءات المحددة بمواعيد معينة وغير ذلك كثير،
ومن ضمن اسباب بطء إجراءات التقاضي في اليمن
كثرة التأجيلات للنطق بالحكم ، ولذلك نوصي بأن يتم إضافة العبارة (لا يجوز
تأجيل النطق بالحكم لأكثر من مرة )لنص المادة(20) مرافعات حسبما هو موجود في كثير من القوانين .
الوجه الثاني: سقوط الخصومة ليس من النظام العام:
قضى الحكم محل تعليقنا بأن سقوط الخصومة ليس من النظام العام حتى يقوم
القاضي بالحكم فيه من تلقاء نفسه وإنما يجب أن يكون ذلك بناءً على طلب من الخصوم وسند
الحكم في ذلك المادة(215)التي نصت على أن(اذا
توقف السير في الخصومة بفعل المدعي او امتناعه وانقضت سنه من تاريخ آخر اجراء صحيح
فيها سقطت الخصومة، ولا تسري مدة السقوط في حالات الانقطاع المتعلقة بالمدعي الا
من تاريخ اعلان من قام مقامه بوجود الخصومة المترددة بين الطرفين، وفي حالة الوقف
الجزائي تبداء مدة السقوط من تاريخ انتهاء مدة الوقف ويتقرر السقوط بحكم بناء على
طلب من الخصم موجه لجميع المدعين او المستانفين بالطريقة المعتادة لرفع الدعوى او
في مواجهتهم في الجلسة عند استئناف السير في الدعوى بعد انقضاء ميعاد سقوط الخصومة
فيها). في حين
نصت المــادة(216):( اذا توقف سير الخصومة لمدة ثلاث سنوات من تاريخ اخر إجراء
صحيح تم فيها بدون سبب شرعي موجب لذلك دل على رغبة المدعي عن الخصومة فتسقط
الخصومة بقوة القانون ويتحمل نفقات المحاكمة، واي تعويض عن أضرار تكون قد لحقت
بالمدعى عليه اذا طلبها واذا اراد المدعي تجديد الخصومة فلا يتم قبولها الا بإجراءات
جديدة (.، والله
أعلم.
تعليقات
إرسال تعليق