مساهمة الورثة في بناء منزل مورثهم

 


                                                             أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين

                                             الاستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء

 

 

من الاشكاليات العملية التي تقع كثيرا ان بعض الورثة كالأبناء والزوجة يساهمون في بناء المنزل او المشروع الذي يكون باسم مورثهم, حيث لا يحرص غالبية الورثةفي اثناء حياة مورثهم  على اثبات او تدوين المبالغ التي ساهموا فيها ببناء المنزل او المشروع او تمويله نظرا للعلاقة الاسرية الوثيقة التي تربطهم بمورثهم .الا انه بعد وفاة المورث يتمسك بعض الورثة بالوضع الظاهري للأموال المسجلة باسم المورث باعتبارها تركة يجب قسمتها كلها بين جميع الورثة بحسب الفرائض الشرعية في حين ينازعهم الورثة المساهمون  بانهم قد ساهموا في بناء المنزل او غيره او ساهموا في تمويل انشطة تجارية مسجلة باسم المورث ويطالبوا بان ينزع لهم من راس التركة مقابل مساهماتهم قبل قسمة التركة, وهذا الامر شائع ومنتشر في اليمن اكثر من غيرها, ولكثرة هذه الاشكاليات فقد نظر القضاء اليمني وفصل في هذه القضايا وقرر المعالجات المناسبة لهذه الاشكاليات حسبما يظهر في الحكم محل تعليقنا وهو الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 8/2/2011م في الطعن الشخصي رقم (41024) لسنة 1432هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان رجلا مات وترك منزلا مكونا من دورين وبعد موته حصل الخلاف بين اولاده فتقدم اثنان من اولاده بدعوى امام المحكمة الابتدائية المختصة طالبا فيها بقسمة المنزل المشار اليه بحسب الفرائض الشرعية فرد عليهم اخوانهم الاكبر منهم سنا بدعوى مقابلة ذكروا فيهم ان والدهم كان لا تتوفر لديه الامكانيات والموارد المالية اللازمة لشراء الارض او بناء البيت عليها لان ظروف والدهم المالية كانت صعبة وكانت معلومة لجميع من عرفه وانهم أي الاولاد الاكبر سنا هم من قام بدفع قيمة الارض ودفع تكاليف بناء المنزل القائم على الارض وان المدعين لم يدفعوا اية مبالغ سواء عند شراء الارض او بناء المنزل, واثناء سير اجراءات التقاضي قام الاولاد الكبار بتقديم الادلة الكافية بانهم قد ساهموا في بناء المنزل وفي اثناء ذلك قدموا بصيرة الارض القائم عليها المنزل الى المحكمة التي اطلعت عليها فوجدت انها تحكي شراء والدهم الميت ووالدتهم الميتةلتلك الارض, وبناء على ذلك حكمت المحكمة الابتدائية  بان نصف الارض ونصف المنزل ملك لوالدهم الميت وانه تركة تقسم بين الورثة بحسب الفرائض الشرعية  وكذاجكمت المحكمة  بأحقية الولدين الكبيرين  في النصف الاخر من الارض والمنزل المقام عليها حسبما ورد في منطوق الحكم الابتدائي وقد جاء في تسبيب هذا الحكم ان البصيرة تحكي ان ظروف الوالد لم تكن صعبة من الناحية المالية الى الدرجة  التي لاتوهله لشراء الارض او بناء المنزل حسبما ورد في الدعوى المقابلة والدليل على ذلك ان اسم الوالد قد ورد في البصيرة بانه قام بالشراء للارض من ماله ومال زوجته حسبما ورد في البصيرة وثبت ايضا للمحكمة ان الولدين الكبيربن  قد قاما بالمساهمة في شراءالارض وبناء المنزل القائم عليها بحسب الادلة المقدمة امام محكمة اول درجة فلم يقنع الولدان الكبيران بالحكم الابتدائي حيث قاما  بالطعن في الحكم امام محكمة الاستئناف التي قضت بتأييد الحكم الابتدائي وادخلت على منطوقه تعديلا  طفيفا ومناسبا وهو الحكم بان الدور الاول ونصف الارض القائم عليها تركة الوالد الميت والدور الثاني ونصف الارض ملك للولدين الكبيرين مقابل مساهمتهما  في شراء الارض وبناء المنزل .والغرض من هذا التعديل في الحكم  حتى لا يكون المنزل والارض شائعةالى درجة يتعذر معها الانتفاع بها, فسارع الولدان الكبيران  بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي امام الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا التي رفضت الطعن واقرت الحكم الاستئنافي وقد جاء في اسباب حكم المحكمة العليا محل تعليقنا انه (وتجد الدائرة بعد الاطلاع على اوراق القضية ان الطاعنين ينعون على الحكم الاستئنافي انه خالف الشرع والقانون حسبما ورد في عريضة الطعن, ومن خلال دراسة الدائرة لعريضة الطعن والحكم الاستئنافي المطعون فيه فقد تأكد للدائرة ان الحكم الاستئنافي موافق للشرع والقانون حيث قضى بتعديل الحكم           الابتدائي وباختصاص الولدين الكبيرين في ملكية الدور الثاني من البيت مع نصف الارض القائم عليها البيت  لثبوت مساهمة والدهم المورث في دفع ثمن الارض وتكاليف البناء للبيتكما انه قد لمحكمة الموضوع ان الولدين الكبيرين قد ساهما في ثمن وثالارض وتكاليف بناء البيت  وقد تمت مساهمتهما عن طريق الاموال التي قام الولدان المغتربان في السعودية بإرسالهما لوالدهما الذي قام بشراء الارض  وبناء المنزل القائم عليها. وقد اعتمدت محكمتا الموضوع على الادلة الكافية مما يجعل النتيجة التي توصل اليها الحكم الاستئنافي موافقة للشرع والقانون) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب الاوجه الاتية :

الوجه الاول : معايير تقدير مساهمة الورثة في اعمال مورثهم اثناء حياته :

 الاشارة الى معايير تقدير مساهمات الورثة يقتضي تحديد غرض الوارث المساهم والمحل الذي وضع فيه المورث اثناء حياته مساهمة الوارث وتحديد الاثر الذي ترتب على المساهمة المقدمة من الوارث, وسوف نشير الى هذه المسائل وغيرها كما يأتي :

1-    غرض الوارث من تقديم المال او المساهمة لمورثه في اثناء حياته : فالحكم محل تعليقنا قضى باستحقاق الولدين الولدين الكبيرين لنصف الارض بالاضافة الى  الدور الثاني  لأنه كان من الثابت ان المبالغ التي كانا    يرسلناها لأبيهما في اثناء حياته كان الغرض منها تمكين ابيهما من استكمال ثمن الارض وسداد جزء  من تكاليف بناء المنزل , أي ان المبالغ التي كان الولدان يرسلانها كانت مخصصة لبناء المنزل الذي يؤويهم عند عودتهم الى اليمن وبالفعل فقد عادوا الى ذلك المنزل الذي  اقاموا فيه واستمرت اقامتهم فيه حتى بعد وفاة المورث, فالولدان عند ارسالهما للمال كان قصدهما تحقيق مصلحة لهما انية ومستقبلية, ولذلك ينبغي النظر الى غرض الوارث من دفع المال الى مورثه, فيكون ذلك معيارا من ضمن المعايير التي يتم الاعتماد عليها في تقرير احقية الوارث في الاختصاص ببعض اموال مورثه بعد وفاته.فاذا كان غرض الارث من دفع المال الى ابيه الهبة او التبرع للمورث فينبغي ان يوخذ هذا بعين الاعتبار عند تقدير مساهمة الوارث في مال المورث في اثناء حياته.

2-    المحل الذي وضع فيه المورث مساهمة الوارث : من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا وجدنا ان الحكم ناقش مساهمة الولدين في  شراء الارض وبناء المنزل عن طريق المبالغ التي كانا يرسلانها من الدولة التي كانا يعملا  فيها.وذلك يعني انه ينبغي ان يوخذ بعين الاعتبار المحل الذي تم توظيف المال الذي ساهم فيه الوارث, لان هذا المحل سيكون ايضا محلا لدعوى الاختصاص حيث ستتجه مطالبة الوارث المساهم اليه, وبناء على هذا المعيار لا يمكن للوارث المطالبة بالأموال التي لا محل لها, فمن يدفع مالا لوالده للزواج لا يستطيع تقديم دعوى اختصاص بمال معين من اموال المورث لان المال المدفوع منه لزواج ابيهم لم يتعلق بمال اومحل قابل للتقدير والقياس, اضافة الى انه في هذه في هذه الحالة لايتحقق المعيار الاول وهو الغرض لأن الوارث قد دفع المال للمورث على سبيل التبرع وليس لتحقيق مصلحة خاصة ومحضة به .

3-    العائد المتحقق من مساهمة الوارث : فلا يكفي تحقق المعيارين السابقين لتقرير احقية الوارث في الاختصاص ببعض اموال مورثه الا بالنظر ايضا الى العائد المتحقق من مساهمته في الاموال التي تركها مورثه, فلا يستطيع الوارث المطالبة باختصاصه بأموال مورثه التي ليست من عائدات مساهمته .

4-    نسبة مساهمة الوارث في مال المورث : فمن خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد انه حينما قدر الجزء الخاص بالولدين المساهمين في بناء البيت قد نظر الى نسبة المساهمة في شراء الارض بناء المنزل .

الوجه الثاني : التكييف القانوني لمساهمة الوارث في مال مورثه اثناء حياته :

من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا وما سبق ذكره في الوجه الاول نستطيع القول بان مساهمة الوارث في مال مورثه تنطبق عليها في اغلب حالاتها وصف الشراكة الفعلية حيث لا يوجد اتفاق مكتوب  فيما بين الوارث ومورثه, فالعلاقة الاسرية القائمة فيما بين الوارث ومورثه هي التي تحكم هذه الشراكة او تحتم وجودها, حيث ان الزوجة شريكة حياة زوجها فهي تساهم معه في بعض امواله مثل البيت غالبا مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا فالزوجة مساهمة في شراء ارض المنزل مع زوجها وقد تمت  كتابة ذلك في بصيرة شراء الارض في حين ان غالبية النساء تبيع ذهبها وتدفعه لزوجها لشراء ارض او منزل لها ولزوجها ولأولادهما وكذلك الحال بالنسبة للأولاد الشركاء الفعليين في المنزل والذين يساعدون والدهم حيث تتطور هذه المساعدة الى شقيةوسعي في تنمية مال المورث حيث  يتم تحديدها على اساس العائد الذي حصل في المال من شقية الولد او سعيه مع ابيه .

الوجه الثالث : البناء القائم على الارض تابع في ملكيته للأرض ذاتها:

يقرر القانون المدني ان البناء القائم على الارض تابع في ملكيته للأرض فاذا كانت الارض للزوج فقط فالبناء القائم عليها ملك للزوج تبعا للأرض, وقد لاحظنا ان الارض في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا ملك للزوج والزوجة ولذلك فان تطبيق هذه القاعدة يقتضي الحكم بان البناء القائم عليها وهو المنزل المكون من دورين ملك للزوجين, الا ان الحكم محل تعليقنا قد ذهب الى خلاف هذه القاعدة لان الزوجة ام الاولاد الورثة كانت قد توفت سابقا ولانه قد ثبت لدى محكمة الموضوع ان بعض اولاد المورث قد ساهموا في بناء المنزل ولذلك حدد لهم نصف الارض والطابق الثاني من المنزل وذلك على قدر مساهمتهم, والله اعلم .    

    

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اسباب الطعن بالنقض في القانون اليمني

ماهي الحالة التي يجوز فيها الحكم بإعادة القضية الى المحكمة الابتدائية؟

إنكار المحرر العرفي الصادر عن الغير