حدود الأراضي المتنازع عليها
أ.د.عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء
من الظواهر الشائعة
في اليمن النزاع بشأن الحدود التي تفصل بين الأراضي والعقارات حيث تحدث بسبب تطبيق
هذه الحدود إشكاليات وقضايا كثيرة ، ولا ريب ان غالب هذه الإشكاليات تحدث بسبب
تداخل الحدود وعدم الفهم الشرعي والقانوني للقواعد الشرعية والقانونية التي تحكم
وتضبط حدود الأراضي والعقارات على نحو دقيق ، ولأهمية هذا الموضوع فقد تناولته كتب
الفقه الإسلامي لاسيما كتب الفقه الزيدي والحنفي، وربما ان كتب الفقه الزيدي قد
تناولت هذا الموضوع لكثرة قضايا وإشكاليات حدود الأراضي في اليمن، وقد صدرت عن المحكمة العليا في اليمن أحكام
كثيرة أظهرت موقف القضاء من هذه المسألة ومن ذلك الحكم محل تعليقنا وهو الحكم
الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 8/4/2007م
في الطعن المدني رقم (27816) لسنة 1427ه وخلاصة أسباب هذا الحكم أنه ( وحيث أن
المعاينة التي أجرتها محكمة أول درجة قد تمت بمعرفة الطرفين وبحضور العدلين
المختارين من قبلهما وثبت من محضر
المعاينة ان مستندات المدعية ومستندات المدعى عليه حددت موضع( القيم ومجران الروحا) كحدود بين أرض
المدعي والمدعى عليه وبذلك فإن قضاء الحكم الإبتدائي الذي أيده الحكم الإستئنافي المطعون فيه بأن موضع القيم
والمجران حداً فاصلاً بين الطرفين لأن الحد لا يدخل في المحدود لذلك فإن هذا الحكم
قد جاء موافقاً للقانون وأن نعي الطاعنة على الحكم المطعون فيه لم يقم على أساس
صحيح من القانون مما يستوجب رفضه) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب الأوجه
الآتية:
الوجه
الأول: أصل قاعدة الحد لا يدخل في المحدود:
الأصل التاريخي لقاعدة(الحد لايدخل في المحدود)
هو علم المنطق وتحديداً موضوع التعريف للأشياء، والتعريف بالحد يجمع ذاتيات المعرف
مثل الإنسان حيوان ناطق حيث جمع هذا التعريف كل ذاتيات المعرف وهو الإنسان ، فالإنسان حيوان لأن الحياة ذاتية
تميز الإنسان عن الجمادات كما أن ذاتية النطق تميز الإنسان عن الحيوانات، فالحيوانات غير
ناطقة مع أن الحياة جامع مشترك بينهما، وبناءً على هذا التعريف فإن حدود الإنسان
هي الجمادات والحيوانات فهي لا تدخل في الإنسان الذي يتميز ويتحدد بالحياة والنطق،
ويذهب علماء المنطق بأن التعريف بالحد هو أفضل التعريفات التي تميز المعرف المحدود
وهو أفضل من التعريف بالرسم أو التعريف بالنوع، وعند تطبيق هذه القاعدة على
الأراضي محل النزاع على حدودها والمعالم التي تميزها عن بعضها ،فمثلاً هناك أرض
اسمها موضع (الصداقة) يحدها شرقاً السايلة وغرباً حيد سارية وشمالاً منزل الحاج
أحمد النقمي وجنوباً بستان نصر الروسي، فهذا يعني أولاً أن كل المساحة فيما بين
الحدود المشار إليها تدخل ضمن موضع الصداقة مهما بلغت المساحة حتى وإن كانت
مساحتها اكبر واكثر مما تحكيه وثائق الملكية وثانياً :أن موضع الصداقة كاملاً ضمن
حدوده المشار إليها هو ملك لمن بيده الوثائق التي تدل على ذلك، ثالثاً: أن موضع
الصداقة لا يمتد إلى مابعد الحدود الأربعة المشار إليها فمثلاً لا يجوز لمالك موضع
الصداقة الإدعاء بملكية أي جزء من البستان
أو السايلة أو المنزل..الخ) وفي الوقت ذاته لا يجوز لمالك البستان الإدعاء بملكية
أي جزء من موضع الصداقة وهكذا في بقية الحدود الأربعة تطبيقاً لقاعدة (الحد لا
يدخل في المحدود) وقد وجدنا الحكم محل
تعليقنا قد ذكر أن موضعا(القيم والمجران) فاصلان بين أرض المدعية وأرض المدعى عليه
فلا يجوز للمدعية الإدعاء أو المطالبة بأي اجزاء من تلك الحدود (القيم والمجران)
تطبيقاً لقاعدة (الحد لا يدخل في المحدود).
الوجه الثاني:
مسميات الأراضي في اليمن وأهمية ذلك في تطبيق قاعدة (الحد لا يدخل ضمن المحدود):
كل أراضي اليمن لها
مسميات مثل مسميات الأشخاص والغرض والغاية من هذه المسميات التعريف بهذه الأراضي
ومعرفة حدودها حتى يمكن تطبيق قاعدة (الحد لا يدخل في المحدود)، وهناك اشكاليات
عملية بالنسبة للأراضي الواقعة داخل المدن
أو في ضواحيها حيث كانت تلك الأراضي لها مسميات تدل عليها وتعرف بها حيث كانت
أراضي زراعية لها معالم واضحة تبين حدودها إلا أنه نظراً لتحول هذه الأراضي إلى
عرصات للبناء حدثت النزاعات والخلافات بشأن حدودها ولذلك يتم اللجوء إلى أهل
الخبرة والدراية للتعريف بها وهم كبار السن من الملاك المجاورين لتلك الأراضي أو
الملاك السابقين أو الأجراء الذين قاموا بزراعة تلك الأراضي أو العمل فيها.
الوجه
الثالث: التأصيل الفقهي لقاعدة (الحد لا يدخل في المحدود):
وردت تطبيقات هذه القاعدة في كتاب شرح الأزهار لإبن مفتاح
الذي ذكر خلافات علماء الزيدية في تطبيق هذه القاعدة فقال: إذا قال البائع بعتك
أرضي هذه إلى حيث الشجرة أو الحجرة فهل تدخل الشجرة أو الحجرة في المبيع؟ ذهب جماعة من الفقهاء أنها تدخل وذهب آخرون إلى أنها
لا تدخل لأن الحد لا يدخل في المحدود وهو الصحيح، ومثل هذا الكلام عند الحنفية
حسبما هو مثبت في حاشية ابن عابدين.
الوجه
الرابع: اجتهاد القضاء في اليمن في تطبيق هذه القاعدة:
تعليقات
إرسال تعليق