تقدير اتعاب المعاملة

 


أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين

الاستاذ بكلية الشرعية والقانون جامعة صنعاء

 

من المسائل المثيرة للجدل من حيث شرعيتها تحديد نسبة معينة من الحق مقابل العمل الذي يقوم به الشخص المكلف بالعمل اضافة الى ان القانون اليمني قد تحرج في هذه المسالة حيث لم يحدد اتعاب السماسرة والوسطاء واحال تقدير هذه  الاتعاب الى العرف, والاهم من هذا وذاك ان القانون لم ينظم اعمال الوسطاء والسماسرة ؛ ولذلك فان للقضاء اجتهادات قيمة في تقدير اتعاب الوسطاء؛ ومن ذلك اتعاب المعاملة نيابة عن صاحب المعاملة, ومن احكام القضاء التي تضمنت الاجتهاد في هذه المسألة الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها العلنية المنعقدة بتاريخ 9/1/2011م في الطعن المدني رقم (41721) لسنة1432هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان الدولة قامت باستملاك قطعة ارض للمنفعة العامة طبقا للقانون مقابل التعويض العادل لمالكها وقد ادعى شخص اخر بان مالك الارض المستملكة والمستحق للتعويض قد طلب منه ان يتولى متابعة معاملةالتعويض لدى الجهات المختصة لأن صاحب التعويض منشغل بأعمال كثيرة لا يستطيع متابعة المعاملة ؛ وادعى هذا الشخص بانه قد اتفق مع صاحب التعويض  على ان تكون اتعاب هذاالوسيط الذي سيتولى متابعة المعاملة نسبة 10% من التعويض ؛ وعند استلام مالك الارض للتعويض لم يقم بدفع النسبة المتفق عليها ؛ وبدلا من ذلك قام بدفع مبلغ يساوي 15% من قيمة التعويض للموظفين !!! الذين سهلوا له المعاملة حسبما ورد في الدعوى المرفوعة امام المحكمة الابتدائية حيث طلب فيها المدعي من المحكمة الحكم له على مالك الارض الذي استلم مبلغ التعويض بالنسبة المتفق عليها (10% من مبلغ التعويض) فانكر المدعى عليه انه اتفق  مع المدعي على متابعة المعاملة وان الذين قاموا المعاملة هم الموظفين في الجهة التي منحته التعويض وفي سياق رد المدعى عليه على الدعوى طلب من المدعي تقديم التوكيل الصادر منه المتضمن توكيله للقيام بمتابعة معاملة التعويض فأفاد المدعي بعدم وجود توكيل مكتوب وانما لديه شهود على ان المدعى عليه قام بتوكيله شفاهة؛ وبالفعل احظر المدعي الشهود الذين اتفقوا  في شهاداتهم على ان المدعى عليه قد طلب من المدعي ان يقوم بمتابعة معاملة التعويض الا ان الشهود اختلفوا بشأن مقابل متابعة المدعي للتعويض ومن ذلك شهادة احد الشهود الذي ذكر  ان المدعى عليه قد عرض على المدعي اربعمائة الف ريال الا ان المدعي رفض ذلك, وبحسب ما ورد في اسباب ومنطوق الحكم الابتدائي فقد حكمت المحكمة الابتدائية بان المدعي يستحق نسبة 8% من قيمة التعويض, ومع ذلك فقد قام المدعي المحكوم له باستئناف الحكم الابتدائي مطالبا بنسبة 10% وقد ذكر في طعنه بان الموظفين في الجهة التي دفعت التعويض قد حصلوا على نسبة 15% من قيمة التعويض اتعابا, كما قام بالطعن بالاستئناف المحكوم عليه الذي استلم التعويض حيث انكر في عريضة استئنافه وجود أي اتفاق مع المدعي وان المدعي كان عدلا عنه في لجنة التعويضات المشكلة من قبل محكمة الاستئناف لتقدير التعويض, وقد قبلت محكمة الاستئناف الطعن المقدم من الشخص الذي استلم التعويض حيث قضت المحكمة بإلغاء الحكم الابتدائي ؛ واستند الحكم           الاستئنافي في تسبيبه  الى عدم ثبوت الاتفاق فيما بين المدعي والمدعى عليه على تكليف المدعي بمتابعة المعاملة وان شهادات الشهود التي استند اليها الحكم الابتدائي متناقضة  حسبما ورد في اسباب الحكم الاستئنافي ؛ فلم يقنع المدعي بالحكم الاستئنافي حيث قام بالطعن فيه بالنقض امام المحكمة العليا التي نقضت الحكم الاستئنافي  وقد ورد في اسباب حكم المحكمة العليا (انه من الثابت من الاوراق ان المدعي قد قام بجهد في متابعة التعويض نيابة عن المدعى عليه حيث اثبتت الشهادات ان المدعي الطاعن قد قام بذلك الجهد في متابعة التعويض وان المدعى عليه قد وعده بأجرة المتابعة بغض النظر عن القدر الوارد في الشهادات وقد اخطأت الشعبة بإهدارها تلك الشهادات) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب ما هو مبين في الاوجه الاتية : 

الوجه الأول : ماهية المعاملة والاعمال التي يقوم الشخص المكلف بالمعاملة :

المعاملة المشار اليها في الحكم محل تعليقنا هي حضور ومثول الشخص الى الجهات ذات العلاقة بموضوع المعاملة كالجهة الحكومية المستملكة للعقار ومحكمة الاستئناف وذلك يقتضي الاتصال و التواصل مع الموظفين والادارات المختصة بالاضافة الى تصوير المستندات  اللازمة وحث الموظفين المختصين على سرعة انجاز المعاملة واداء واجباتهم الوظيفية فيما يتعلق بالمعاملة, ويضاف الى ذلك الجهد الذي يبذله الشخص الذي يقوم بالمعاملة كما ان ااذي يتولى المعاملة يتكبد نفقات المواصلات والاتصالات ومصاريف التصوير ورشوة صفار الموظفين .

الوجه الثاني : نظرة شرعية وقانونية لمتابعة المعاملة :

عند التأمل في النصوص الشرعية والقانونية التي توجب على كل موظف القيام بعمله على النحو المحدد له في القوانين واللوائح النافذة نجد ان متابعة المعاملات  السائدة في اليمن هي من الموروثات السيئة فوفقا لأحكام الشريعة والقانون يجب على الموظفين المعنيين انجاز معاملات المواطنين من غير حاجة الى متابعة ومعاملة من المواطنين وانما تكون المتابعة للموظفين من قبل  رؤسائهم في الوظيفة التي يتولون متابعتهم وحثهم على انجاز معاملات المواطنين من غير حاجة الى حضور المواطنين او الوسطاء, اضافة الى ان حضور المواطنين او وكلائهم الى المصالح الحكومية له مفاسد عظيمة على الموظفين والوظيفة العامة, ولذلك تمنع دول العالم قاطبة قيام المواطن نفسه او من ينوب عنه  بالمعاملة لان مفهوم المعاملة من الناحية الشرعية والقانونية يعد من واجبات الموظفين وواجبات رؤسائهم ولذلك نوصي الدولة باتخاذالتدابير والاجراءات والمعالجات المناسبة والكافية في مواجهة قيام الاشخاص لمتابعة الجهات الحكومية لانجاز المعاملات ودراسة وتقييم اعمال صالات خدمة الجمهور وتطوير اعمالها واستعمال الوسائط والوسائل اللاكترونية في معرفة المواطنين مصير معاملاتهم ووضع النظم الصارمة التي تمكن المدراء من متابعة موظفيهم اولا باول لانجاز معاملات المواطنيين دون حاجة لحضورهم الى مقار الجهات الحكومية.

الوجه الثالث : التكييف القانوني للمعاملة :

كان المدعى عليه في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا قد ذكر في رده على الدعوى بانه لم يوكل او يطلب من المدعي متابعة المعاملة وعلى هذا فان المعاملة يمكن تكييفها اذا قام بها غير المستفيد او صاحبها فأنها تكون في هذه الحالة من قبيل الوكالة التي يتم اثباتها عن طريق الكتابة او غيرها من الادلة فقد استطاع المدعي اثباتها عن طريق شهادات الشهود حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا .

الوجه الرابع : اتعاب الوكيل و اجوره :

قد يتم الاتفاق بين صاحب المعاملة والوسيط الذي يتولى متابعة المعاملة على الاجور والاتعاب التي يتقاضاها الوسيط وقد لا يتم الاتفاق على ذلك فاذا تم الاتفاق على ذلك فيلتزم صاحب المعاملة بدفع الاجور المتفق عليها واذا لم يتم الاتفاق على ذلك او لم يثبت الاتفاق فان القاضي يتولى تحديد الاجور على اساس الجهد والوقت والمال الذي بذله الوسيط وعلى اساس العائد الذي تحقق لصاحب المعاملة  من انجازها .

الوجه الخامس : تحديد اتعاب الوسيط على اساس نسبة من المال او الحق :

ذكرنا في الوجه السابق ان قواعد الشريعة الاسلامية ومبادئ العدالة تقتضي ان يتم تحديد اجور الوسيط الذي يتولى المعاملة نيابةعن صاحب المعاملة على اساس الوقت والجهد والمال الذي بذله الوسيط وعلى اساس العائد الذي تحقق لصاحب المعاملة وهذا هو الصحيح, الا ان تحديد هذه الاتعاب قد يتم على اساس نسبة معينة من الحق او المال محل المعاملة, وهذا هو محل الخلاف حيث يرفض غالبية الفقه الاسلامي و جانب من الفقه القانوني يرفضوا تحديد الاجور على اساس نسبة معينة من المال او الحق لان في ذلك عشوائية او مجازفة في تقدير الاتعاب, لان النسبة قد تزيد او تقل عن الجهد الذي بذله الوسيط, ولذلك لاحظنا ان الحكم محل تعليقنا قد نقض الحكم الاستئنافي ومن ثم الحكم الابتدائي لان الحكم الابتدائي قرر نسبة معينة من المال في حين اهدر الحكم الاستئنافي حق الوسيط الذي قام بالمعاملة متجاهلا الجهد والوقت والمال والعائد المتحقق من عمل الوسيط .

الوجه السادس : وجوب الاخذ بالقدر المتفق عليه في الشهادات المتناقضة :

قضى الحكم محل تعليقنا بانه اذا تناقضت الشهادات جزئيا فانه ينبغي العمل بالقدر الذي اتفق عليه الشهود وعدم العمل بالأقوال التي تناقض فيها الشهود ؛ لان تناقض اقوال الشهود في بعض المسائل لا يعني اهدار الاقوال التي اتفقوا عليها, لان التناقض المسقط للشهادات هو التناقض في الشهادة كلية, فقد اشار الحكم محل تعليقنا بان الشهود قد اتفقوا بشأن وجود اتفاق بين المدعي والمدعي عليه على قيام المدعي بمتابعة المعاملة ووجود اختلاف او تناقض في اقوال الشهود بشأن مقدار اجور المدعي, ولذلك ينبغي اعتماد الاقوال التي اتفق بشأنها الشهود وهو وجود اتفاق على انجاز المعاملة وعدم اتفاق الشهادات على تحديد اتعاب المدعي؛ولذلك قرر الحكم محل تعليقنا على ان يتم تحديد اتعاب المدعي على اساس الجهد والوقت والمال والعائد الذي تحقق من انجاز المعاملة, والله اعلم .     

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اسباب الطعن بالنقض في القانون اليمني

ماهي الحالة التي يجوز فيها الحكم بإعادة القضية الى المحكمة الابتدائية؟

إنكار المحرر العرفي الصادر عن الغير