إمكانية الطعن في قرار الإنابة
أ.د.عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء
الطعون غير الرشيدة
في الأحكام والقرارات والإجراءات القضائية من أهم أسباب إطالة إجراءات التقاضي
وتعقيدها ، كما أن هذه الطعون مظهر من أهم مظاهر التقاضي الكيدي ، كما انها في
الوقت ذاته وسيلة لتعطيل الحقوق وتأخير حصول اصحابها عليها، ولا ريب أن من جملة
أسباب الطعون غير الرشيدة وجود بعض الأخطاء في القرارات ، ولذلك فإنه ينبغي على من يريد تطوير القضاء وإصلاحه ان يتجه إلى
ظاهرة الطعون غير الرشيدة وأسبابها التي ترجع إلى الطاعن وإلى القرار،كما ان الاسراف في
استعمال الطعون قد توسع حتى وصل الى الطعن في القرارات والاوامر الولائية. ولبيان
هذا الموضوع على الواقع نعرض في هذا التعليق الموجز كيف تعامل القضاء مع الطعن في
قرار انابة أصدرته محكمة الإستئناف قضى بإنابة المحكمة الإبتدائية المختصة بتنفيذ
حكم التحكيم على العقار الذي يقع ضمن الإختصاص المكاني للمحكمة الإبتدائية وقد
تضمن قرار الانابة عبارة بان يكون التنفيذ بما يتطابق مع مستندات الطرفين ولذلك
قام المطلوب التنفيذ ضده بالطعن بالنقض في قرار الإنابة، لأن قرار الإنابة قد تضمن
تكليف المحكمة الإبتدائية بأن يكون التنفيذ( بما يتطابق مع مستندات الطرفين) ومعنى
هذا ان تقوم المحكمة الإبتدائية محكمة التنفيذ بدراسة مستندات الطرفين وتطبيقها
على أرض الواقع، ولا شك أن هذه الإضافة إلى قرار الإنابة بالتنفيذ كانت الثغرة
التي استغلها الطاعن فاستطاع نقض القرارمن قبل المحكمة العليا ، والحكم محل تعليقنا هو الحكم الصادر عن
الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 3/4/2011م في الطعن
المدني رقم (41497) لسنة 1431ه وتتلخص وقائع القضية التي تناولها الحكم أن أحد
الأشخاص طلب من محكمة الإستئناف تنفيذ حكم التحكيم الذي صار نهائياً فقامت محكمة
الإستئناف بتحرير قرار إنابة إلى المحكمة
الإبتدائية التي يقع العقار المطلوب التنفيذ عليه ضمن اختصاصها المكاني، وقد ادرجت
محكمة الإستئناف في قرار الإنابة عبارة (بأن يكون التنفيذ بما يتطابق مع مستندات
الطرفين) فقام المطلوب التنفيذ ضده بالطعن النقض في القرار امام المحكمة العليا
فقام طالب التنفيذ بتقديم دفع بعدم قبول الطعن بالنقض لان القرار المطعون فيه
غيرمنهي للخصومة ، وقد قضت المحكمة العليا بقبول الطعن موضوعاً والغاء العبارة المشار إليها، وقد سببت
الدائرة المدنية حكمها ( أنه بالتأمل فيما
تضمنه الدفع والرد عليه تبين ان ما ذكره الدافع بأن قرار الإنابة من القرارات التي
لا يجوز الطعن فيها لدى المحكمة الأعلى درجة لأنه من القرارات غير المنهية للخصومة
لانه يخضع لاحكام المادة (274) مرافعات ، والدائرة تجد ان ما ذكره الطاعنون صحيح
في القول (بحكمه) بأنه مما لا يجوز الطعن فيه وغير صحيح في سنده وعلته لأن قانون
التحكيم قد جعل الإختصاص بتنفيذ احكام التحكيم لمحكمة الإستئناف بموجب المادة (85)
التي نصت على أن ( تختص محكمة الإستئناف أو من تنيبه بتنفيذ أحكام التحكيم)
والترخيص لمحكمة الإستئناف فيما يتعلق بتنفيذ
أحكام التحكيم لا تخضع لحكم المادة (274) مرافعات التي تنص على أنه ( لا
يجوز الطعن فيما تصدره المحكمة من أحكام غير منهية للخصومة أثناء سيرها إلا بعد
صدور الحكم المنهي لها كلها) واستعمال محكمة الإستئناف لتلك الرخصة يكون بقرار ولائي
وليس بحكم تمهيدي اوتحضيري غير منه للخصومة، فقرار الإنابة قرار ولائي وليس حكم،
فلمحكمة الإستئناف أن تنيب عنها في التنفيذ المحكمة الإبتدائية التي يقع العقار في
نطاقها وليس لمحكمة الإستئناف في هذه الحالة سوى إصدار قرار الإنابة فحسب بعد
التأكد من الوثائق اللازمة له ، فلا يجوز لها قانوناً التزيد فيه بشيء يكون من
شأنه تقييد سلطة محكمة التنفيذ أو الزامها بأمر آخر خلافا لما كان عليه حكم
التحكيم ومن ثم فإن ما ذكرته محكمة الإستئناف في نهاية البند (ثالثاً) في العبارة
( بما يتطابق مع مستندات الطرفين) تزيد غير جائز قانوناً، لما قد يكون فيه من
تقييد لمحكمة التنفيذ المنابة أو غير ذلك وهو ما يستلزم رفعه عنها وما قامت به
الشعبة من الإجراءات بطلب المستندات واختيار العدول وعقد الجلسات المتتابعة في ذلك
غير لا زم وغير ذي جدوى لقبول طلب التنفيذ ثم تقرير الإنابة. ولذلك فإن الدائرة
تقرر قبول الطعن موضوعاً وإلغاء العبارة الواردة في قرار الإنابة السابق ذكرها )
وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب الأوجه الآتية:
الوجه الأول: الطبيعة القانونية لقرار الإنابة بالتنفيذ
لأحكام المحكمين:
قرر الحكم محل تعليقنا أن قرار الإنابة
بتنفيذ أحكام التحكيم الذي يصدر عن محاكم الإستئناف يصدر بموجب قانون
التحكيم وليس قانون المرافعات ، كما قرر الحكم محل تعليقنا بأن قرار الإنابة من
الأوامر والقرارات الولائية وليس القضائية، ومن خلال ذلك يظهر ان تكييف قرار
الإنابة هو أنه قرار ولائي وليس قضائي، ومن المعلوم أن القرار الولائي هو الذي
تصدره المحكمة المختصة بناءً على طلب في الأحوال المنصوص عليها في القانون ولا يمس
هذا القرار أصل الحق ، فالأمر الولائي يصدر بموجب سلطة القاضي الولائية وهي أقرب
إلى الأعمال الإدارية، والقرار الولائي لا تستنفذ بصدوره المحكمة ولايتها حيث يجوز
للمحكمة التي أصدرته العدول عنه أو تعديله.
الوجه الثاني: إمكانية الطعن في قرار الإنابة بالتنفيذ:
سبق القول في الوجه الأول أن قرار الإنابة بمثابة قرار أو امر إداري تصدره
المحكمة المختصة بمقتضى سلطتها الولائية
وليس بموجب ولايتها القضائية ، وبناءً على ذلك فلا يجوز الطعن في قرار
الإنابة استقلالاً وإنما يقوم من صدر القرار أو الأمر ضده بالتظلم من القرار لدى
القاضي الذي أصدره فإذا رفض التظلم فعندئذ يجوز الطعن في القرار برفض التظلم، ومع أن الحكم محل تعليقنا قد أشار
في اسبابه إلى هذه المسألة على النحو السابق بيانه إلا أن الدائرة قبلت الطعن في
قرار الإنابة لمعالجة الخلل الظاهر
والواضح الذي شاب قرار الإنابة الذي تضمن تلك العبارة المقيدة لسلطة محكمة التنفيذ
إضافة إلى أن تلك العبارة ( بمايطابق أصول
ووثائق الطرفين) تمس أصل الحق وسند التنفيذ وتفتح المجال واسعاً للخلاف بين
الطرفين حيث أن هيئة التحكيم قد تولت ذلك وبينت موضع التنفيذ بياناً نافياً
للجهالة، ولذلك أشار الحكم محل تعليقنا إلى ذلك حسبما ورد في أسبابه، وعلى هذا
الأساس فقد كانت العبارة التي تضمنها قرار الإنابة بمثابة القشة التي قصمت ظهر
القرار.
الوجه الثالث: حدود الإنابة في التنفيذ ونطاقها:
تقدم القول بأن الإنابة عمل ولائي وليس قضائي، ولذلك فإن قرار الإنابة من
اسمه هو مجرد تفويض صادر من محكمة الإستئناف إلى المحكمة المختصة التي يقع العقار
ضمن نطاقها وذلك بتنفيذ الحكم سند التنفيذ
كما ورد في منطوقه ، ومع أن الإنابة تفويض إلا أن محكمة الإستئناف لا تملك أن تحدد
في قرار الإنابة ما ينبغي على محكمة التنفيذ عمله عند تنفيذ الحكم لأن القانون قد حدد الإجراءات السابقة
والمصاحبة واللاحقة للتنفيذ حيث أفرد لها قانون المرافعات قسماً كاملاً من قانون
المرافعات ، ولذلك صرح الحكم محل تعليقنا
بأن محكمة الإستئناف لا تملك توصية محكمة
التنفيذ بما يجب عليها عمله لأن مقدمات
التنفيذ وإجراءاته يحددها القانون ولا
يحددها قرار الإنابة ، لأن إجراءات التنفيذ غاية
في الخطورة كونها تتسم في غالبيتها بالجبرية واستعمال القوة إذا استدعى
الأمر ذلك، ومن هذا المنطلق فقد قام قانون
المرافعات بتنظيمها بما يكفل تنفيذ الأحكام وتحقيق الحقوق وفي الوقت ذاته ضمان عدم
التجاوز والإنحراف في إجراءات التنفيذ، كما ان محكمة التنفيذ تقوم بالفصل في
منازعات التنفيذ طبقاً لقانون المرافعات وتكون هذه المحكمة مسئولة عن سلامة تطبيقها لأحكام
القانون عند تنفيذ الأحكام ولذلك ينبغي ان تملك محكمة التنفيذ الصلاحيات الموازية
للمسؤلية فليس من المقبول قانوناً أن تكون الصلاحيات لمحكمة والمسئوليات تقع على
عاتق محكمة أخرى، علاوة على أن صدور توجيهات من محكمة الإستئناف إلى محكمة التنفيذ
تملي عليها ما يجب عليها عمله فإن ذلك
سيكون إفصاح للوجهة التي ستتجه إليها محكمة الطعن عند الطعن بالإستئناف في منازعات
تنفيذ الحكم علاوة على أن ورود تلك العبارة في قرار الإنابة بمثابة تلقين لطرف من
اطراف الخصومة بما يقوله أمام محكمة التنفيذ ، ولذلك كله فقد تعامل الحكم محل
تعليقنا مع هذه المسألة على انها من النظام العام الذي تسهر المحكمة العليا على
رعايته بحكم أنها محكمة قانون.
الوجه الرابع: إصدار قرار الإنابة لا يحتاج إلى جلسات
ومرافعات بين الخصوم:
أشار الحكم محل تعليقنا في أسبابه إلى أن محكمة الإستئناف قبل أن تصدر قرار
الإنابة للمحكمة الإبتدائية كانت قد عقدت جلسات متتالية ترافع فيها الخصوم حيث صرح
الحكم محل تعليقنا بأن قرار الإنابة لا يحتاج إلى ذلك بإعتباره عملاً ولائياً فهو
مجرد إرسالية تتضمن تفويض المحكمة بالتنفيذ ولذلك يكفي أن يقتصر عمل محكمة الإستئناف
على التحقق من وجود حكم التحكيم وتوفر اركانه وإيداعه وصيرورته نهائياً أو باتا.ً
وهذه المسائل لا تحتاج إلى جلسات لأنها إجراءات إدارية، لأن منازعة التنفيذ لا
تنعقد أمام محكمة الإستئناف إذا ما أرادت إنابة المحكمة الإبتدائية المختصة حيث
تنعقد خصومة التنفيذ أمام المحكمة الإبتدائية المنابةوليس الشعبة الإستئنافية،
والله أعلم.
تعليقات
إرسال تعليق