اجراءات انتهاء الوصاية على القاصرين

 


                                                                     أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين

                                                     الاستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء

 

نظم قانون الاحوال الشخصية الوصاية على القاصرين والواجبات المقررة على الاوصياء وايضا حدد القانون حالات انتهاء الوصاية, وقد نظم القانون ذلك في نصوص عامة مجملة ومجردة . ولذلك يحدث الخلاف والنزاع بشأنها, ومن الاشكاليات والنزاعات التي تحدث في هذا الموضوع وجود قاصرين ضمن شركات عرفية او واقعية يفرضها الواقع بين الاخوة الورثة, وتزداد هذه الاشكاليات حدة والنزاعات ضراوة حينما تكون الشركة العرفية تجارية تنشأ حينما يموت المورث التاجر الذي يترك اعمالا وانشطة تجارية كبيرة وفي الوقت ذاته يترك بين الورثة قاصرين, علما بان اغلب النشاط التجاري السائد في اليمن هو عبارة عن  موسسات فردية عائلية  بين المورث والورثة المحتملين وهذا ما نشاهده في مسميات المؤسسات والمحلات التجارية (مؤسسة فلان ابن فلان واولاده) علاوة على ان غالبية الاعمال التجارية السائدة في اليمن هي عبارة عن مؤسسات فردية او شركات واقع لا تتخذ الشكل القانوني الذي حدده القانون للشركات (محدودة/مساهمة/تضامنية/....الخ) ولذلك عندما يموت المورث صاحب المؤسسة الفردية تنشأ بحكم الواقع شركة فعلية بين الورثة الذين يكون فيهم قاصرين والغالب ان يكون الوصي على القاصرين هو احد الورثة الشركاء في الشركة الفعلية وفي هذه الحالة يصير القاصر تاجرا مع انه في الاصل محظور التجارة بمال القاصر لان التجارة من التصرفات الدائرة بين الربح والخسارة, كما ان تسليم الوصي المال للموصي عليه بعد بلوغه لا يعني تصفية الشركة العرفية التي يكون الشركاء فيها الوصي والموصي عليه حيث يتوجب فقط ان يحتسب الوصي مال  الموصى عليه القاصر ويسلمه له  عند بلوغه ولا يحق عندئذ للقاصر الذي بلغ  ان يعترض على هذا الاحتساب الا اذا كانت هناك ادلة يقينية تكذب احتساب الوصي, وهذه الاشكاليات كلها اشار اليها الحكم محل تعليقنا وهو الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 29/12/2010م في الطعن المدني رقم (41467) لسنة 1432هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان تاجرا كبيرا كانت له مؤسسة تجارية فردية كبيرة مشهورة مسجلة باسمه لدى وزارة الصناعة والتجارة كمؤسسة فردية وليس شركة تجارية وقبل ان يموت اوصى الاثنين البالغين من اولاده بان يقوما بعد موته بالقيام بكافة شئون اخوانهم القاصرين بما في ذلك الاستمرار بمباشرة النشاط التجاري نيابة عن القاصرين ضمن بقية الورثة وان يستمر وافي مباشرة النشاط التجاري باسم المؤسسة التجارية الفردية المشهورة المسجلة باسمه وبعد وفاة هذا التاجر استمر جميع الورثة في مباشرة النشاط التجاري باسم المؤسسة التجارية المسجلة باسم والدهم طوال خمس عشرة سنة وكان يقوم بمباشرة النشاط التجاري وادارته وتنمية الولدان البالغان بصيفتهما الاصلية ونيابة عن اخوانهم القاصرين بحسب وصية والدهم وخلال الفترة التي ادار فيها الولدان البالغان التجارة في اثناء الشراكة العرفية او الفعلية او الواقعية التي نشأت بين الورثة الاوصياء والموصي عليهم استطاع الوصيان ان يحققا ارباحا كبيرة وبعد بلوغ القاصرين اراد الولدان الكبيران الوصيان ان يغيرا شكل المؤسسة الفردية المسجلة باسم ابيهم الى شركة ذات مسئولية محدودة دفعا للمضار والمخاطر المترتبة على الاستمرار في النشاط ضمن اطار الشركة الواقعية غير النظامية التي قرر قانون الشركات ان الشركاء فيها او المؤسسين لها مسئولون عنها مسئولية تضامنية في كافة اموالهم, حيث عرض الاخوان الكبيران الوصيان على اخوانهم القاصرين بعد ان بلغ القاصرون عرض الوصيان عليهم تحويل المؤسسة الفردية الى شركة محدودة يكون الورثة جميعهم شركاء فيها كلا بحسب حصته المحددة في المؤسسة الفردية القائمة فوافق اغلبية الورثة واعترض ثلاثة من الذين كانوا تحت الوصاية حيث طلبوا ان يتم   اول تصفية الشراكة الواقعية في الموسسة اولا عن طريق تعيين مصفين ومحاسبين لبيان الارباح والخسائر والمركز المالي وفي ضوء ذلك يتم انشاءالشركةالجديدة النظاميةومن لايرغب في الدخول في الشركة الجديدةيستلم قيمة حصته في الموسسة بحسب الحسابات المعتمدة التي وافق عليها غالبية الشركاء الورثة, وعندما لم تفلح مساعي الاخوين الكبيرين طلبا من المحكمة المدنية الابتدائية الزام الاخوة الرافضين لتحويل الموسسة الى شركة   باستلام قيمة حصصهم وارباحها المحددة من قبل الاخوين اللذين كانا وصيين والتي وافق عليها غالبية الورثة الشركاء وكذا طلبا من المحكمة الاذن لهما وللورثةالموافقين على تحويل الموسسة الى شركة نظامية الاذن لهم بالتصرف في اموالهم المتمثلة في قيمة حصصهم في المؤسسة او الشركة العرفية حتى يتمكنوا من انشاء شركة محدودة وحينئذ دفع الاخوة الرافضين الذين كانوا تحت الوصاية بعدم اختصاص المحكمة المدنية بنظر هذه القضية لأنها تجارية من حيثسببهاوموضوعها واطرافها فعقب الاخوة الذين كانوا اوصياء بان القضية شخصية في غالبها فهي تطبيق لاحكام الوصاية التي نظمها قانون الاحوال الشخصية خاصة حالات انتهاء الوصاية ووجوب تسليم الوصي لأموال الموصي عليه وان رفض ذلك يقوم بإيداعها في بنك اسلامي واضافوا بان القانون المدني قد تناول ايضا احكام القاصرين والوصاية عليهم وكذا نظم كيفية واجراءات ازالة الشيوع والاذن للأشخاص بالتصرف في اموالهم اذا كانت شائعة, وقد حكمت المحكمة الابتدائية بوجوبقيام الاخوين اللذين كانا  اوصياء بتسليم اموال اخوتهم الذين بلغوا والذين بتصفية الموسسة الفردية وان لم يستلموها فيجب ايداعها في بنك اسلامي وفقا لقانون الاحوال الشخصية كما حكمت بالإذن لبقية الورثة بالتصرف في اموالهم المحددة في كشوفات الحسابات المعتمدة منهم  والمقدمةالى المحكمة, وفي مواجهة هذا الحكم قام الاخوة المعترضون قاموا باستئناف الحكم الابتدائي امام محكمة  الاستئناف مصرين على ان القضية تجارية بحتة وان الاختصاص بنظرها منعقد للمحكمة التجارية الا ان الشعبة المدنية قضت بتأييد الحكم الابتدائي مستندة الى اسباب الحكم الابتدائي التي ناقشت كافة تفاصيل القضية ووجدت انها من قضايا الاحوال الشخصية التي نظمها هذا القانون الى  ان بع مسائل هذه القضية منظمة في القانون المدني, فلم يقنع بالحكم الاستئنافي  الاخوة الرافضون الذين كانوا تحت الوصاية فقاموا بالطعن في الحكم الاستئنافي امام المحكمة العليا التي اقرت الحكم الاستئنافي مسببة في حكمها بان (الطاعنين قد نعوا على الحكم الاستئنافي انه قد خالف القانون والواقع الذي يقرر ان القضية تجارية محضة من حيث موضوعها واطرافها وسببها وان الحكم الاستئنافي قد جاء خاليا من التسبيب, والدائرة المدنية تجد من خلال دراسة اوراق القضية بان الحكم الاستئنافي قد استند في اسبابه الى اسباب الحكم الابتدائي الذي كان قد تضمن اسباب كافية مسوغة منطقية وبناء على ذلك قضى برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة المدنية لان اغلبية الشركاء في الشركة العرفية قد طلبوا في دعواهم الامر او الاذن لهم بالتصرف بأموالهم الشائعة والمشتركة مع اموال الرافضين لذلك فهذه القضية تحكمها نصوص القانون المدني كما ان الوصيان قد قدما الحسابات التي تبين مقدار حصص الموصي عليهم وارباحها وذلك كما هو معلوم من مسائل الاحوال الشخصية التي ينظمها قانون الاحوال الشخصية وخصوصا ما يتعلق بالوصي وذلك في المواد من (261الى 298) ومن خلاله يتبين الارتباط بين الطلبات المدنية والشخصية وكلها من اختصاص المحاكم الابتدائية المدنية ذات الولاية العامة ولا     علاقة للمحاكم التجارية بذلك خصوصا مع عدم وجود أي نزاع بشأن مسائل تجارية, وفي الموضوع قضت محكمة اول درجة بثبوت رشد الطاعنين وانتهاء الوصاية عليهم ولزوم تسليم اموالهم التي لدى الوصيين بحسبما هو محدد من ف ي الكشوفات والمرفقة    مذكرتهما المقدمة للمحكمة المتضمنة حسابات تلك الاموال وان يتم تسليمها للموصي عليهم بدون تأخير وللوصيين ايداع تلك الاموال في مصرف اسلامي اذا رفض الموصي عليهم استلامها ولذلك فان الدائرة تجد ان الحكم الاستئنافي في نتيجته موافق للشرع والقانون) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب ما هو مبين في الاوجه الاتية :

الوجه الأول : لزوم الوصاية على القاصرين ونطاقها :

ذكر الامام ابو زهرة اتفاق الفقهاء على لزوم الوصاية على القاصرين لان حفظ القاصرين وحفظ اموالهم واجب وما لا يتم الواجب الا به فهو واجب, وغالبا ما يكون الوصي على القاصرين واموالهم واحد ولكن يجوز ان يكون هناك وصي على نفس القاصر وولي اخر على ماله, واحيانا قد يتعدد الاوصياء على القاصرين واموالهم كما هو حاصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا كما قد تكون الوصاية شاملة الوصاية على النفس والمال في وقت واحد كما هو حاصل في القضية التي تناولها الحكم حيث ان الاب عين ولديه البالغين اوصياء على انفس واموال ابنائه القاصرين, وبناء على ذلك قضى الحكم محل تعليقنا بلزوم الوصاية وقام بترتيب الاثار المترتبة عليها قانونا بما في ذلك اثبات انتهاء الوصاية وقبول قول الوصي في مقدار مال القاصر حين بلوغه وثبوت اختصاص القاضي الشخصي والمدني بنظر الموضوع .

الوجه الثاني : انتهاء الوصاية على القاصرين :

تنتهي الوصاية على القاصرين في حالات حددها قانون الاحوال الشخصية مثل موت الوصي او تخلف شرط من شروط الوصاية وما يعنينا منها هو انتهاء الوصاية ببلوغ الموصى عليه السن الشرعية للبلوغ حيث اشار الحكم محل تعليقنا الى انه قد ثبت امام محكمة الموضوع بلوغ الموصى عليهم سن البلوغ من خلال شهادات الهوية (البطاقات الشخصية) التي ابرزوها امام المحكمة وبموجب ذلك قضت محكمة الموضوع بانتهاء الوصاية على الاخوة القاصرين ووجوب المسارعة بتسليم المال من قبل الاوصياء الى الاخوة الذين بلغوا عملا بقوله تعالى (فان انستم منهم رشدا فادفعوا اليهم اموالهم) .

الوجه الثالث : مسارعة الاوصياء في دفع اموال الموصي عليهم بمجرد بلوغهم :

قضى حكم محكمة الموضوع بالزام الاوصياء بالمسارعة بدفع اموال الموصى عليهم طالما وقد ثبت لدى المحكمة بلوغ الموصى عليهم السن الشرعية للبلوغ, ووجوب اسراع الاوصياء بدفع اموال الموصى عليهم ثابت شرعا وقانونا وقد سبقت الاشارة الى قوله تعالى (فان انستم منهم رشدا فادفعوا اليهم اموالهم) فالأمر الوارد في الآية يفيد الوجوب ويفيد الفورية لان الفاء في قوله تعالى (فادفعوا اليهم) للتعقيب اي انه يجب دفع المال عقب البلوغ مباشرة وكذلك الحال في قانون الاحوال الشخصية الذي صرح بوجوب المسارعة في دفع اموال الموصى عليهم بعد بلوغهم مباشرة, وبناء على ذلك فان الحكم محل تعليقنا جاء موافقا       لأحكام الشرع والقانون .  

الوجه الرابع : وجوب انهاء الشراكة العرفية اذا رفض الشركاء القاصرون عند بلوغهم الاستمرار فيها:

اقر الحكم محل تعليقنا وجوب دفع قيمة حصص الموصى عليهم الرافضين والاذن للأوصياء بالتصرف في اموالهم الشائعة ضمن الشركة العرفية, وهذا يعني وجوب تصفية الشركة العرفية التي تتكون من            الاوصياء والموصى عليهم الذين بلغوا طالما وبعض الورثة في الشركة العرفية  يطالب بالتصفية للشراكة او يطالب بتحويل الشركة العرفية الى شركة نظامية لدفع المضار والمخاطر المترتبة على استمرار الشركة العرفية .

الوجه الخامس : الشركة العرفية التي تتكون من اوصياء وموصى عليهم لا تخضع لإجراءات التصفية القانونية :

صرح اثنان فقط من الموصى عليهم الذين بلغوا صرحا امام محكمة الموضوع بانهما يطلبا تصفية الشراكة العرفية تصفية قانونية بحسب اجراءات التصفية المحددة قانونا وهي تعيين لجنة تصفية او مصف واحد وحلوله محل مدراء الشركة العرفية وحصر موجودات الشركة واعداد قوائم التصفية التي تتضمن المركز المالي للشركة ومالها وما عليها وتكليف محاسبين قانونيين للقيام بهذه المهمة الا ان محكمة الموضوع رفضت ذلك وبدلا من ذلك قبلت المحكمة القوائم المالية المرفوعة من الاوصياء على اساس ان قواعد واحكام الشرع والقانون تقرر ان يد الوصي على مال القاصر يد امين وان القول بالنسبة لتحديد واحتساب مال القاصرين هو قول الامين عملا بالقاعدة الشرعية (القول قول الامين ) فعندئذ لا حاجة للقيام بإجراءات التصفية النظامية لان الوصي مصدق فيما يقوله

الوجه السادس : تأثير رفض الموصي عليهم استلام اموالهم بعد بلوغهم :

قد يحدث ان يرفض الموصى عليهم استلام اموالهم من الاوصياء كما حدث في القضية التي اشار اليها الحكم محل تعليقنا, ففي هذه الحالة قرر قانون الاحوال الشخصية كيفية التصرف في هذه الحالة حيث يتوجب على الوصي  ايداع اموال البالغين من الموصي عليهم بأسمائهم في حساب لدى البنك الاسلامي لا يتعامل بالربا حيث تنتهي عندئذ

 مسئولية الاوصياء بمجرد القيام بعملية الايداع .

الوجه السابع:تعطيل الشركات والموسسات التجارية بسبب تعنت وعناد احدالشركاء:

الشي بالشي يذكر ولذلك من المناسب الاشارة بايجاز الى ان كثيرا من الشركات والموسسات الكبيرة تتعثر اعمالها وتتعطل انشطتها بسبب الخلاف بين الشركاء حيث يتعمد احد الشركاء القضاء على الشركة وتصفيتها نكاية بالشركاء الاخرين فيرفض هذا الشريك المعاند بيع حصته الى الشركاء الاخرين وبدلا من ذلك يتقدم امام القضاء طالبا تصفية الشركة وتسليم قيمة حصته من ناتج التصفية ويصر بعناد على تصفية الشركة كاملة مع ان الغالبية العظمى من الشركاء لايريدون تصفية الشراكة والقضاء عليها وهذا يحدث كثيرا في الواقع العملي . ولذاك نوصي بان يتصدى القانون لمعالجة هذه الظاهرة الخطيرة لتاثيرها السلبي على الاقتصاد الوطني ؛ والله اعلم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اسباب الطعن بالنقض في القانون اليمني

ماهي الحالة التي يجوز فيها الحكم بإعادة القضية الى المحكمة الابتدائية؟

إنكار المحرر العرفي الصادر عن الغير