مواجهة الخصوم بكافة المستندات التي يعتمدها الخبير

 


أ.د.عبد المؤمن شجاع الدين

الاستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء

 

يقوم الخبير المكلف من قبل المحكمة في أثناء قيامه بمهمته بالاطلاع والحصول على بيانات ومعلومات ومستندات كثيرة أكثر بكثير من تلك التي يقدمها الخصوم إلى المحكمة، وفي ضوء ذلك يقوم الخبير بإعداد تقريره إلى المحكمة دون أن يطلع الخصوم أو بعضهم على تلك المستندات والبيانات، ومن وجهة نظرنا أن ذلك إخلال بمبدأ المواجهة، مع أن هناك من يفهم أن مبدأ المواجهة قاصر على المستندات التي يتم تقديمها إلى المحكمة دون تلك التي يطلع عليها الخبير، أو أن مبدأ المواجهة يتحقق عن طريق تمكين الخصوم من الاطلاع على تقرير الخبير والاعتراض عليه، وقد تصدى الحكم محل تعليقنا لهذه المسألة وهو الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا باليمن في جلستها المنعقدة بتاريخ 25/5/2013م في الطعن التجاري رقم (52456) لسنة 1434ه وخلاصة أسباب هذا الحكم أنه (كان الواجب على الشعبة الاستئنافية أن تحقق فيما أورده الطاعن الفرعي ضمن السبب الرابع الذي عاب فيه على حكم محكمة أول درجة استناده إلى تقرير المحاسب القانوني الذي استند إلى المستندات المقدمة من فرع البنك دون أن يعرضها على الطاعن الفرعي مما يعد إخلالاً بمبدأ المواجهة بين الخصوم، فكان ينبغي على المحكمة أن تلزم المحاسب القانوني بإرفاق المستندات الثبوتية المؤيدة لتقريره في الملف وتسليم صورة منها للمستأنف الطاعن فرعياً حالياً لممارسة حقه في الدفاع عن نفسه وفقاً لأحكام المادتين (170و171) إثبات والمادة (19) مرافعات تصحيحاً لمسار القضية واستكمالاً للنقص في الإجراءات وتجسيداً لمبدأ المواجهة بين الخصوم حتى تصل الشعبة إلى نتيجة في قضائها بدلاً من رفض تقرير الخبير المحاسبي) وسيكون تعليقنا بحسب الأوجه الآتية:

الوجه الأول: السند القانوني للحكم محل تعليقنا:

استند هذا الحكم حسبما ورد في أسبابه إلى المواد (170و171) إثبات والمادة (19) مرافعات حيث تنص المادة (170) إثبات على أن (يكون أداء الخبير للمهمة بحضور الخصوم كلما أمكن ذلك وأن يحرر محضراً بالإجراءات التي تمت يوقع عليه مع الخصوم الحاضرين ويثبت غياب من غاب منهم واستدعائه له) فهذه المادة تدل على وجوب قيام الخبير بإداء مهمته بشفافية بالنسبة للخصوم وأن يطلعهم على المراحل التي قطعها في مهمته والإجراءات التي قام بها وأن يناقش الخصوم ويستفصلهم بشأن المسائل التي تندرج ضمن مهمته وأن يواجه بين الخصوم فيما يتعلق بالمسائل الفنية محل الخلاف وأن يثبت ذلك في محاضر تثبت ذلك، وفي السياق ذاته استند الحكم محل تعليقنا إلى المادة (171) إثبات التي تنص على أنه (للخبير أن يستمع إلى أقوال الخصوم وأقوال شهودهم وأن يجري المعاينات والأبحاث اللازمة والمفيدة في إداء مهمته) فهذه المادة إيضاً صريحة في وجوب استماع الخبير إلى وجهات نظر الخصوم وأدلتهم والمواجهة بينهم فيما يتعلق بالمسائل الفنية التي قامت المحكمة بتكليفه ببحثها ورفع النتائج إليها، وكذا استند الحكم محل تعليقنا إلى المادة (19) مرافعات التي نصت على أنه (يجب على القاضي المحافظة على مبدأ المواجهة بين الخصوم أثناء التقاضي ويضمن احترامه بين الخصوم) وهذا النص صريح إيضاً في وجوب إعمال مبدأ المواجهة عند مباشرة الخبير لمهمته لأن هذه المهمة تتم في أثناء إجراءات التقاضي فهي جزء لا يتجزأ من إجراءات التقاضي فليست إجراءات التقاضي قاصرة على جلسات المحاكمة، والنصوص القانونية السابق ذكرها مجتمعة تدل على وجوب قيام الخبير بتطبيق مبدأ المواجهة فيما بين الخصوم في كل الإجراءات التي يقوم بها في أثناء قيامه بمهمته وأن يطلعهم على كافة الوثائق والبيانات التي يحصل عليها في أثناء قيامه بمهمته وأن يسمح لهم بالإدلاء بوجهات نظرهم بشأنها وأن يقدموا الأدلة المناهضة لها، والنصوص القانونية السابقة تدحض التوجهات السائدة لدى بعض الخبراء الذين تقوم المحاكم بتكليفهم بمهام فيحجبوا عن الخصوم الإجراءات والأعمال التي يقومون بها والمستندات التي يحصلون عليها بذريعة أن هذه المسائل سرية وأنه لا يجوز للخصوم الاطلاع عليها إلا عندما يقدم الخبير تقريره النهائي إلى المحكمة التي كلفته.

الوجه الثاني: هل ملاحظات الخصوم على تقارير الخبراء تحقق مبدأ المواجهة على أكمل وجه؟

سبق أن عرضنا أحكام المادتين (170و171) إثبات اللتين تقررا أنه على الخبير أن يقوم بالإجراءات في مواجهة الخصوم بالطبع قبل تقديم تقريره إلى المحكمة، وهذا الأمر يستدعي الإشارة إلى بيان ما إذا كان تسليم الخصوم تقارير خبراء وتقديم الخصوم لملاحظاتهم على تقارير الخبراء بعد تقديم التقارير إلى المحكمة تغني عن مواجهة الخصوم قبل تقديم التقارير على النحو السابق بيانه في الوجه الأول – من وجهة نظرنا أن تسليم الخصوم نسخ من تقارير الخبراء والسماح للخصوم بتقديم الملاحظات على تقارير الخبراء بعد تقديمها إلى المحكمة لا يحقق مبدأ المواجهة على النحو المناسب لأن المحكمة تحيل الملاحظات إلى الخبير نفسه الذي يكون في الغالب قد حدد موقفه وصارت لديه قناعات مسبقة تولدت لديه في أثناء قيامه بالمهمة، وحتى يتحقق مبدأ المواجهة في حده الأدنى عن طريق ملاحظات الخصوم على تقارير الخبراء  فيجب على الخبير أن يرفق بتقريره كافة المستندات والبيانات والإجراءات وغيرها التي أعتمدها في إعداد تقريره وأن تسمح المحكمة للخصوم بطلب تعيين خبراء مرجحين للتأكد من صحة الملاحظات وسلامتها وموافقتها لأصول وقواعد الخبرة، والله أعلم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اسباب الطعن بالنقض في القانون اليمني

ماهي الحالة التي يجوز فيها الحكم بإعادة القضية الى المحكمة الابتدائية؟

إنكار المحرر العرفي الصادر عن الغير