جزاء الاختلاف في منطوق الحكم
أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون والمعهد العالي للقضاء
الحكم محل تعليقنا هو
الحكم الصادر بتاريخ 12/12/2005م عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في الطعن
المدني رقم (23368) وخلاصة هذا الحكم انه (من خلال دراسة الدائرة لملف القضية فقد
وجدت الحكم المطعون فيه متناقض مع نفسه من جهة إضافة الى تناقض نسخة الحكم مع
مسودته من جهة أخرى، فالواضح ان الشعبة الاستئنافية قامت بالنطق في الحكم في جلسة
26/7/2004م وذلك بتأييد حكم محكمة (....) الابتدائية بكافة فقراته حسبما ورد في
محضر جلسة النطق بالحكم وكذا حسبما ورد في مسودة ذلك الحكم بينما تضمنت نسخة الحكم
تعديل حكم محكمة (.....) الابتدائية بكافة فقراته عدا الفقرة الأولى ثم تعديل
مسودة الحكم بقلم مغاير مما يدل على ان التعديل جرى بعد النطق بالحكم، وحيث ان
محكمة الاستئناف لم تقم بتحرير الحكم وفقاً لما تنص عليه المادة (227) مرافعات،
وحيث ان قانون المرافعات الزم المحكمة بأن تقوم بتحرير نسخة الحكم الاصلية
والتوقيع عليها من قبل كاتبها وهيئة الحكم بعد المراجعة على المسودة وذلك خلال
المدة القانونية، وحيث ان هنالك تناقض بين محضر النطق بالحكم ونسخته الاصلية، وحيث
ان الثابت من الأوراق بأن التعديل الذي جرى على منطوق الحكم كان من قبل رئيس
الشعبة فقط، وحيث ان القانون لا يجيز اجراء أي تعديل في منطوق الحكم بعد النطق به
لان ولاية القاضي تنقضي بمجرد النطق
بالحكم في القضية، وحيث ان الشعبة الاستئنافية قد قامت بتعديل منطوق الحكم خلافاً
لما تم النطق به فأنها تكون قد خالفت احكام القانون، ولهذه الأسباب قررت الدائرة
الغاء الحكم الاستئنافي وإعادة القضية الى الشعبة الاستئنافية للنظر فيها مجدداً
وارجاء الفصل في موضوع المصاريف والاتعاب والكفالة لحين صدور الحكم البات) وسيكون
تعليقنا على هذا الحكم بحسب الأوجه
الاتية:
الوجه
الأول: وجوب تطابق منطوق الحكم واسبابه في نسخة الحكم ومسودته ومحضر النطق بالحكم:
الحكم هو المنطوق
والأسباب، والحكم القضائي الحاسم للنزاع هو حكم واحد، ومبدأ وحدة الحكم القضائي تقتضي
أن تكون أسباب الحكم ومنطوقه متطابقة أينما وردت سواء في مسودة الحكم او في محضر
جلسة النطق بالحكم أو في نسخة الحكم، ومبدأ وحدة الحكم القضائي من أهم مبادئ الحكم
القضائي العادل، ولذلك يجب على المحكمة إعداد مسودة الحكم التي تشتمل على الأسباب
التي بني عليها الحكم ثم المنطوق وان يتم تحريره بخط أحد القضاة وإلا كان الحكم
باطلاً حسبما ورد في المادتين 222و225 مرافعات، ومن المعلوم أنه يجب النطق بالحكم
علانية، حيث نصت المادة (227) مرافعات على أنه ينطق رئيس المحكمة بالحكم علناً
بتلاوة منطوق الحكم مع أسبابه، ومن المعلوم أن النطق بالحكم يكون في جلسة ويتم
إثبات النطق في محضر الجلسة وتتم التلاوة من واقع مسودة الحكم او نسخة الحكم
الاصلية، وكل ذلك يقتضي ان يكون منطوق الحكم واسبابه بصيغة واحدة متفقة ومنسجمة سواء في مسودة الحكم او
نسخته او محضر الجلسة، وان أي اختلاف في ذلك يولد الريبة والشك بوجود تلاعب في
منطوق الحكم واسبابه، وقد كان الاختلاف في منطوق الحكم سبب لتقرير الحكم محل
تعليقنا بطلان الحكم الاستئنافي.
الوجه
الثاني: من آثار النطق بالحكم انقضاء ولاية المحكمة:
تترتب على النطق
بالحكم آثار عدة هي انقضاء ولاية المحكمة التي نطقت بالحكم وصدور الحكم ونشوء حق
الطعن بالحكم وحجية الحكم، وما يعنينا بصدد التعليق على الحكم هو صدور الحكم
وانقضاء ولاية المحكمة التي نطقت بالحكم، وصدور الحكم، كأثر من آثار النطق بالحكم
يعني أن تقوم المحكمة بإعداد وتحرير وكتابة حكمها الذي سبق لها أن نطقت به خلال
المدة المحددة قانوناً لتحرير الحكم وهي ثلاثون يوماً يتم احتسابها من تاريخ النطق
بالحكم حسبما ورد في المادة (228) مرافعات ويتم تحرير نسخة الحكم الأصلية في ضوء
مسودة الحكم وعندئذ يجب أن تكون أسباب الحكم ومنطوقه متطابقة فيما بين المسودة
والنسخة فإذا حدث خلاف بينهما فربما أفضى ذلك إلى بطلان الحكم، كما حدث بالنسبة
للحكم محل تعليقنا الذي قضى ببطلان الحكم الإستئنافي لإختلاف منطوق الحكم واسبابه
على النحو السابق بيانه إلا إذا كان الإختلاف لفظياً وإن كنا نحبذ أن يكون التطابق بينهما تطابقاً تاماً سداً للذريعة،
كما يترتب على النطق بالحكم إنقضاء ولاية المحكمة التي نطقت بالحكم وذلك يعني أنه
لا يجوز لها بعد النطق بالحكم أن تعيد المداولة أو تقوم بتعديل منطوق الحكم أو
أسبابه الواردة في مسودة الحكم أو محضر جلسة النطق أو في نسخة الحكم الأصلية،
وهناك من يذهب إلى أنه يجوز للقاضي بعد النطق بالحكم أن يضيف الى أسباب الحكم أو
يحذف منها ونحن لا نوافق من يذهب إلى ذلك، لأن أسباب الحكم ينبغي أن تكون سابقة
على منطوق الحكم حتى في ذهن القاضي فضلاً عن مسودة القاضي، فالأسباب مقدمات
والمنطوق نتيجة فلا يجوز أن تتقدم النتيجة الأسباب كما أنه من المعيب للقاضي أن
ينطق بالحكم ثم يعود إلى تلمس أسباب أخرى للحكم أو حذف بعضها، فلو جاز ذلك لما
كانت فائدة أو جدوى لإشتراط القانون تضمين المسودة أسباب الحكم ومنطوقه وكذا تلاوة
أسباب الحكم ومنطوقة عند النطق بالحكم، ومن خلال مطالعتنا للحكم محل تعليقنا نجد
أنه قد قضى بإبطال الحكم الإستئنافي الذي تم تعديل منطوقه بعد النطق بالحكم ولذلك
فإن وجهة الحكم محل تعليقنا سديدة، والله أعلم.
تعليقات
إرسال تعليق