فسخ عقد الزواج دراسة مقارنة
الحمد
لله الذي حدّ الحدود وشرع الأحكام والصلاة والسلام على سيدنا eوآله
وصحبه الكرام..أما بعد، ، ،
فهذا الكتاب يشتمل على فصلين الفصل الأول: وهو معقود لبيان
ماهية فسخ عقد الزواج كتعريف الفسخ في اللغة وعند الفقهاء وفي القوانين، والأحكام
العامة لفسخ الزواج في القانون اليمني، والفروق التي تميز فسخ الزواج عن غيره، الأساس
الشرعي والقانوني لفسخ الزواج، أما الفصل الثاني: فيتضمن أسباب فسخ الزواج المتفق
عليها والمختلف فيها وهو بيت القصيد من هذه الدراسة، وقد نهجنا في تأليف هذا
الكتاب النهج المتبع في الدراسات المقارنة، حيث قمنا في بداية كل مسألة أو مفردة
من مفردات هذا الكتاب ببيان هذه المسألة ثم استعراض أقوال الفقهاء فيها والأدلة
التي أستدل بها هؤلاء الفقهاء، وذلك مما يحتاج له القاضي والمشتغل بالقانون لأن
المادة (349) من قانون الأحوال الشخصية اليمني قد نصت على أن ( كل ما لم يرد به نص
في هذا القانون يعمل فيه بأقوى الأدلة في الشريعة الإسلامية) كما نصت المادة (18)
من القانون المدني على أن (المرجع في تفسير نصوص القوانين وتطبيقها هو الفقه
الإسلامي والمذكرات الشارحة الصادرة من الهيئة التشريعية المختصة) وعلى هذا الأساس
فمن اللازم على القاضي أو المشتغل بالقانون معرفة أقوال الفقهاء وأدلتهم لتفسير
وتطبيق نصوص القانون والعمل بموجب ما ورد في هذه الأقوال عند عدم وجود النص لاسيما
وأن نصوص قانون الأحوال الشخصية اليمني مجملة ومغرقة في العمومية والتجريد في حين
أن قوانين الأحوال الشخصية في بقية الدول العربية مفصلة كما سنرى لاحقاً بإذن الله
تعالى، وبعد ذكر أقوال الفقهاء وأدلتهم سوف نذكر نصوص قانون الأحوال الشخصية
اليمني في هذه المسائل على حِده ونبين الوجهة التي اتجه إليها القانون اليمني أو
المصدر الفقهي الذي أخذ به القانون اليمني، وبعدئذ نستعرض نصوص قوانين الأحوال
الشخصية في الدول العربية بشأن هذه المسائل والتعليق على هذه النصوص، مع الإشارة
إلى أحكام القضاء إن وجدت. ولا أزعم تكامل هذه الدراسة فالكمال لله وحده، وأسال
الله أن يكون هذا العمل خالصاً لوجه الكريم وأن ينفع به إنه سميع مجيب.
|
|
د. عبد المؤمن شجاع
الدين |
|
|
صنعاء رمضان 1428هـ - أكتوبر
2007م |
الفصل الأول
ماهية
فسخ الزواج
يشتمل
هذا الفصل على أربعة مباحث..
-
المبحث
الأول: تعريف فسخ عقد الزواج.
-
المبحث
الثاني: الفروق بين فسخ الزواج وغيره.
-
المبحث الثالث: أثر فسخ الزواج وما إذا كان فورياً أم رجعياً.
-
المبحث الرابع: الأساس الفقهي والقانوني لفسخ الزواج.
المبحث الأول
تعريف فسخ عقد الزواج
ونبين فيه معنى الفسخ في اللغة وعند الفقهاء
وفي نصوص القانون كما سنشير إلى الأحكام العامة لفسخ الزواج في القانون اليمني والملاحظات
العامة على ذلك، وذلك على الوجه الآتي:
المطلب الأول
معنى الفسخ في اللغة وفي الفقه
أولاً:
معنى الفسخ في اللغة:
الفسخ في اللغة
النقض، فيقال: فسخ البيع أي نقضه وأزاله، وتفسخت الفأرة في الماء تقطعت، وفسخت
العود فسخاً أزلته عن موضعه بيدك فانفسخ، وفسخت الثوب ألقيته، وفسخت العقد فسخاً
أي رفعته وتفاسخ القوم العقد توافقوا على فسخه وفسخت الشيء فرقته، وفسخت المفصل عن
موضعه أزلته، ([1])
وبذلك يتضح لنا أن الفسخ يطلق في اللغة
على معان عدة متقاربة وهي: النقض، والتقطع، والإزالة، والإلقاء، والرفع، والتفّرق،
والفساد، وهذه المعاني بينها قاسم مشترك وهو التغيير والتحويل، فهو قائم فيها كلها،
فإن نقض الشيء يحول الأمر عما كان عليه سابقاً، كنقض البناء، وكذلك نقض العقد، فإنه
مزيل لما يترتب عليه من الأحكام في الحال ([2]).
ثانياً:
الفسخ في اصطلاح الفقهاء:
الفسخ في اصطلاح الفقهاء لا يخرج عن
نطاق معناه اللغوي فهو عندهم حل رابطة العقد المبرم سابقاً، وهدم لكل الآثار التي
كانت قد ترتبت عليه بحيث لم يعد له وجود اعتباري، وذلك من وجهة نظر الشارع فقط، لأن
الفسخ لا يمكن أن يعدم العقد من الناحية المادية، فإنه قد وجد بالفعل والموجود لا
يمكن أن يعتبر معدوماً من ناحية الحس، ولكنه يعتبر معدوماً من حيث إنتاجه لآثاره
التي رتبها عليه الشارع، فالانعدام هنا مجازي وليس حقيقياً، وإذا إنعدم العقد
وأعتبر كأنه لم يكن، انهدمت كل ما ترتب عليه من أثار والتزامات وتحلل كل من
المتعاقدين فيه من التزاماته فلا يستطيع أحدهما أن يلزم الآخر بشيء استنادا إلى
العقد المفسوخ.
المطلب
الثاني
معنى فسخ الزواج في القانون والأحكام العامة لفسخ الزواج
في القانون اليمني
الفرع الأول
معنى فسخ الزواج في
القانون
هناك
اختلاف في القانون بشأن اصطلاح فسخ الزواج، فهناك قوانين تسمى ذلك تطليقاً
كالقانون المصري والمقصود بالتطليق في هذه القوانين هو التفريق في الزوجين بنظر
القاضي لآن التطليق الذي يوقعه القاضي إنما يوقعه نيابة عن الزواج الذي يمسك زوجته
بغير معروف، ولذلك يقال (طلق عنه القاضي)([3]).
في حين تستعمل بعض القوانين اصطلاح التفريق مع اصطلاح الفسخ
كالقانون السوري والقانون الأردني، في حين تستعمل بعض القوانين اصطلاح الفسخ مع اصطلاح
التطليق كالقانون اليمني، وتستعمل بعض القوانين الاصطلاحات الثلاثة
(الفسخ-التطليق-التفريق ) عند تناولها لأسباب فسخ عقد الزواج كالقانونين الكويتي
والقطري.
لم
يتعرض القانون اليمني لتعريف فسخ الزواج في حين قام بتعريف الطلاق في المادة (58)
واكتفي القانون اليمني بالنص في المادة (43) من قانون الأحوال الشخصية على أن (ينتهي الزواج بالفسخ أو بالطلاق أو الموت) ولعل
تقديم الفسخ في النص لأهمية هذا الموضوع في الحياة الاجتماعية السائدة في اليمن
لاسيما بعد أن تخلخلت العلاقات الاجتماعية نتيجة عوامل كثيرة لا داعي لذكرها هنا، كما
أن القانون اليمني لم ينص على شروط الفسخ واكتفي في المادة (44) أحوال شخصية على النص
بأنة (يشترط في الفسخ لفظه أو ما يدل عليه).
وقد
سلكت مسلك القانون اليمني قوانين الأحوال الشخصية في الدول العربية باستثناء
القانون الكويتي حيث أحجمت هذه القوانين عن تعريف فسخ الزواج، وهذا ليس عيباً أو
مأخذاً لأن التعريف ليس من وظائف القانون وإنما من وظائف شراح القانون، ولعل
قوانين الأحوال الشخصية أحجمت عن تعريف الفسخ لكثرة وتنوع أسباب فسخ عقد الزواج
فمن المتعذر ضبطها جميعاً في تعريف جامع مانع، أما قانون الأحوال الشخصية الكويتي
فقد عرّف فسخ الزواج في المادة (99) التي نصت على أن (فسخ الزواج هو نقض عقده عند
عدم لزومه أو حيث يمتنع بقاؤه شرعاً وهو لا ينقص عدد الطلقات) وهذا التعريف جامع
إلى حد ما حيث يتناول أسباب الفسخ السابقة والمصاحبة للعقد والطارئة عليه.
الفرع الثاني
ملاحظات عامة على أحكام
فسخ الزواج في القانون اليمني
عنى القانون اليمني عناية بالغة بأحكام
فسخ عقد الزواج، إذ تناول قانون الأحوال الشخصية رقم (20) لسنة 1992م أحكام الفسخ
في المواد (16، 22، 30، 31، 45، 46، 47، 48، 49، 50، 51، 52، 53، 54، 55، 57، 134)
وقد كانت أحكام الفسخ محلاً للتعديل في كل مرة كان يتم فيها تعديل قانون الأحوال
الشخصية، حيث تم تعديل المواد (45، 46، 49، 51، 52، 53) بموجب القرار الجمهوري
بالقانون رقم (27) لسنة 1998م، وبموجب هذا القرار أيضاً تم إلغاء المادة (56) التي
كانت تنص على أن (الفسخ للأسباب المتقدمة والمبينة في هذا الباب يعتبر بائناً
بينونة صغرى ولا يهدم عدد الطلقات ولا يعد طلقة)، في حين تم تعديل المادة (47)
بموجب القانون رقم (34) لسنة 2003م.
وتناول
القانون اليمني لأحكام فسخ عقد الزواج على هذا النحو، وكذا التعديلات التي جرت على
أحكام الفسخ في قانون الأحوال الشخصية دليل على اهتمام القانون اليمني بموضوع
الفسخ، ومبادرة المقنن لتعديل القانون لمعالجة أوجه القصور في النصوص القانونية
التي تناولت أحكام الفسخ في ضوء النتائج التي أسفر عنها تطبيق هذه النصوص خلال
الفترة ما بين 1992م وحتى 2003م، وعلى التفصيل الذي سوف نبينه في موضعه.
أما
في هذه العجالة فسوف نكتفي بذكر الملاحظات العامة على أحكام فسخ عقد الزواج في
القانون اليمني كي يكون الدارس على بينة من الأمر بداية، وحتى يكون ذلك منطلقاً
لدراسة موضوع فسخ الزواج في القانون اليمني، وخلاصة هذه الملاحظات العامة على
النحو الآتي:
(1) استعمل القانون اليمني بصفة عامة اصطلاح
(الفسخ) ولم يستعمل اصطلاح (الانفساخ) إلا عند الفسخ للردة أو الامتناع عن الإسلام
أو عندما يوجد بين الزوجين سبب من أسباب التحريم كالمصاهرة أو الرضاع، واستعمال
القانون اليمني لاصطلاح (الانفساخ) في تلك المواضع مناسب كما سنرى تفصيلاً في تلك
المواضع، كذلك لم يستعمل القانون اليمني اصطلاح (التفريق) إلا في اللعان والخلع
وهذا الاستعمال مناسب أيضاً في ذلك الموضع كما سنرى تفصيلاً، كما أن القانون
اليمني استعمل اصطلاح (التطليق) في الإيلاء والظهار وهذا الاستعمال مناسب كما سنرى
تفصيلاً في موضعه.
(2)
أحكام
الفسخ ليست منتظمة في باب واحد كما أراد القانون اليمني، حيث خصص قانون الأحوال
الشخصية الباب الأول من الكتاب الثاني لبيان أحكام فسخ الزواج وبالفعل تم استعراض
الغالبية العظمى من أحكام الفسخ في ذلك الباب، إلا أن بعض أحكام الفسخ قد وردت
خارج نطاق ذلك الباب، ومن هذه الأحكام الفسخ لبطلان العقد والفسخ لخياري البلوغ
والإفاقة التي وردت في الباب الثالث في الكتاب الأول، علماً بأن قانون الأسرة
القديم كان ينص على الفسخ لخيار البلوغ ضمن الباب المخصص لأسباب الفسخ وذلك في
المادة (54) التي كانت تنص على أنه (إذا طلبت المرأة الحكم بالفسخ عند البلوغ حكم
لها ووجب عليها رد المهر ما لم يكن قد دخل بها)، وكذا تعريف الغائب الذي ورد في
(113) في الفصل الرابع من الباب الرابع في حين تناول القانون الفسخ لغياب الزوج في
المادة (52) من الباب الأول من الكتاب الثاني، كما أن الفسخ لفقدان الزوج قد ورد
في الفصل الرابع من الباب الرابع من القانون.
(3) أحكام فسخ الزواج في القانون اليمني وردت
في نصوص مجملة خالية من التفصيلات، والعمومية والتجريد وإن كانا من سمات القاعدة
القانونية وخصائصها إلا أن الإغراق في العمومية والتجريد يجعل القاضي والباحث
والمتابع في حيرة من أمره عند تطبيق هذه النصوص المجملة، كما أن ذلك يؤدي إلى
تفاوت واختلاف أحكام القضاء في المسألة الواحدة، فضلاً عن أن ذلك يفضي إلى عدم
استقرار القواعد القضائية، والمقارنة بين نصوص القانون اليمني ونظيراتها في
القوانين الأخرى تغني عن الإسهاب في هذا الموضوع.
ولا
سبيل أمام القاضي إزاء هذا الإجمال إلا معرفة المصدر الفقهي الذي استفاد القانون
منه النص المجمل والرجوع إلى كتب الفقه عملاً بالمادة (18) من القانون المدني التي
نصت على أن (المرجع في تفسير نصوص القوانين وتطبيقها هو الفقه الإسلامي والمذكرات
الإيضاحية والكتب الشارحة الصادرة من الهيئة التشريعية المختصة) ومعلوم أن
المذكرات الإيضاحية والكتب الشارحة لقانون الأحوال الشخصية الصادرة عن البرلمان لا
وجود لها بخلاف قانون الأسرة الصادر عام 76م فقد صدرت مذكرة إيضاحية له وإن كانت
عبارة عن تكرار لصياغة نصوص القانون ذاتها، ولذلك لم يبق من سبيل أمام القاضي أو
المشتغل بهذا القانون إلا الرجوع إلى كتب الفقه التي استفاد منها القانون اليمني
النص وكذا الرجوع إلى نصوص القوانين الأخرى التي توافق القانون اليمني لمعرفة بعض
هذه التفصيلات كما هو الحال بالنسبة إلى طريقة وإجراءات عمل المحكمين في الفسخ
للضرر كما سنرى، أما في حالة عدم النص في القانون اليمني على مسألة من المسائل
فسنبين الحكم في ذلك في الفقرة ما بعد التالية.
(4)
أسباب فسخ الزواج في القانون اليمني محصورة في الفسخ لخياري
البلوغ والإفاقة والفسخ لبطلان العقد والفسخ للعيب والفسخ لانعدام الكفاءة والفسخ
للامتناع عن الإسلام أو الردة والفسخ لعدم الإنفاق والفسخ لغيبة الزوج أو فقدانه
أو حبسه والفسخ للكراهية والفسخ لإدمان الخمر أو المخدرات، ويلحق بالفسخ التطليق
للإيلاء والظهار والفرقة باللعان، ويلاحظ على أسباب الفسخ المنصوص عليها في
القانون اليمني أنها لم تتناول الفسخ للتدليس وكذا الفسخ للزنا أو للإعسار في
المهر أو لنقصان المهر أو للتزوج بأخرى وليس هذا عيباً في القانون اليمني، أما
الفسخ للضرر فهناك خلاف على أشده فيما يتعلق بمدى أخذ القانون اليمني بهذا السبب من
أسباب الفسخ وسوف نبين ذلك تفصيلاً في موضعه بإذن الله تعالى.
أما بالنسبة للفسخ لتخلف الشرط أو الوصف فلم ينص عليه القانون
اليمني ضمن أسباب الفسخ وإن كان هذا القانون قد أجاز للمرأة الاشتراط حين العقد
البقاء في دارها أو أن يكون لها مسكناً مستقلاً يجمعها مع زوجها فقط حسبما ورد في
المادتين (40، 42).
وقد انفرد القانون اليمني بالنص على فسخ الزواج بسبب إدمان
الزوج للخمر والمخدرات، في حين لم تنص قوانين الدول العربية على مثل هذا السبب كما
سنرى.
(5) نصت المادة (349) من قانون الأحوال
الشخصية اليمني على أن (كل ما لم يرد به نص في هذا القانون يعمل فيه بأقوى الأدلة
في الشريعة الإسلامية) وإعمال أقوى الأدلة على النحو الذي ورد في هذا النص ليس
يسيراً فضلاً عن أن صياغة هذا النص معيبة وتحديداً عندما ذكر بأنه يعمل بأقوى
الأدلة فالعمل يتم بالقول الفقهي الذي يستند إلى أقوى الأدلة، إذا كان مراد
القانون اليمني ذلك، كما أن الرجوع إلى أقوى الأدلة أو أقوى المذاهب أو أرجحها
مهمة يعجز عنها كبار الفقهاء والقضاة في العصر الراهن، وقد ذكر ذلك فضيلة الأستاذ
الدكتور/ محمد سليم العوا- أمين عام رابطة علماء العالم الإسلامي حينما عرض عليه
مشروع تعديل المادة الثالثة من قانون الأحوال الشخصية المصري بحيث تنص على أن
(يعمل فيما لم يرد بشأنه نص في القانون إلى أرجح الأقوال في المذاهب الأربعة)
بدلاً من النص الحالي الذي يقضي بأن (يعمل فيما لم يرد بشأنه نص في القانون بالقول
الراجح في مذهب الإمام أبي حنيفة)، فقد قال الأستاذ الدكتور/ العواما نصه (تنص
المادة الثالثة من مواد إصدار مشروع القانون على أن يعمل فيما لم يرد بشأنه نص في
تلك القوانين "قوانين الأحوال الشخصية والوقف" بأرجح الأقوال في مذهب
الإمام أبي حنيفة، وذلك عدا قواعد الإثبات فيعمل في شأنها بأرجح الأقوال في المذاهب
الفقهية الأربعة.
والإحالة
إلى أرجح الأقوال في مذهب الإمام أبي حنيفة إحالة إلى قول معروف محدّد في المذهب، يعرفه
قضاة الأحوال الشخصية في مصر ويعرفون مصادره وموارده، ويتعاملون معه مائة سنة
(لائحة القضاء الشرعي سنة 1897)، ويعرفه طلاب العلم الشرعي والقانوني فيما يدرسونه
من مادتي تاريخ الفقه وتاريخ المذاهب في كليات الشريعة والقانون وفيما يتداولونه
من مؤلفات أعلام العلماء الذين كتبوا في مادة (المدخل لدراسة الفقه الإسلامي) منذ
أنشئت مدرسة الحقوق الخديوية في هذا القرن حتى اليوم. أما الإحالة إلى أرجح
الأقوال في المذاهب الأربعة الفقهية فهو تكليف بما يشبه المستحيل، لأن لكل مذهب
أصوله وقواعده التي يتم في ضوئها اختيار أرجح الأقوال فيه.
والمقرر
شرعاً وفقهاً أنه لا يحكم بمذهب على مذهب، أي أنه لا يجوز أن يقال: إن هذا أحق من
ذلك، لأن مذهباً أخذ بالأول ومذهباً آخر أخذ بالثاني. بل يكون الترجيح بالدليل
وقوته وسلامة وضعه في موضع الاستدلال (ما يسميه الفقهاء مأخذ الدليل).
ولذلك
لا يرجح حتى بالكثرة، كأن نقول: إن ثلاثة مذاهب إذا اتفقت على قول فهو أرجح من
القول الذي أخذ به مذهب واحد، وتكليف القاضي بأن يختار أرجح المذاهب الأربعة، بل
أرجح الأقوال فيها معناه تكليفه ببحث كتب هذه المذاهب كافة.. وهي آلاف الكتب
المطبوعة سوى المخطوطات التي لا يعلم عددها إلا الله، ثم دراسة أدلة الأقوال في كل
مذهب، علماً بأن في بعض المذاهب عشرة أقوال في المسألة الواحدة، واختيار أرجح
الأقوال ليقضي به. ولا يختلف اثنان عالمان بالفقه على أن هذه المهمة في حكم
المستحيل. ولو بقي هذا النص على حاله فسيفتح أبواباً لا تنتهي للطعن في الأحكام
المبنية عليه، كما أنه ستتضارب أحكام القضاء تضارباً يهدر الثقة بها، وذلك يقتضي
بأن تسد ألذرائع إليهما، ويحال بين التشريع وبين أن يوقع القضاء فيهما أو في
أيهما. ولذلك أرى أن الاقتصار على الإحالة في المسائل التي ليس فيها نص في
القوانين إلى أرجح الأقوال في مذهب الإمام أبي حنيفة يحقق استقرار أحكام القضاء
واتساقها ويحقق استقرار التشريع ذاته بعد أن ألف الناس جميعاً تطبيق هذا المذهب
لأكثر من قرن من الزمان في محاكم الأحوال الشخصية في مصر. وقد أخذ بهذا التوجه
مجلس الشورى عند مناقشته لمشروع القانون، وحري بمجلس الشعب أن يذهب المذهب ذاته.
وأضاف مجلس الشورى الإحالة إلى الإثبات الذي أغفل المشروع ذكره، وهي إضافة صحيحة
جيدة) ([4]).
المبحث الثاني
الفروق بين فسخ الزواج وغيره
ويشتمل هذا المبحث
على ثلاثة مطالب، الأول نبين فيه الفرق بين فسخ عقد الزواج وإبطاله وانفساخه، وفي
المطلب الثاني: نذكر فيه الفرق بين فسخ الزواج والطلاق، أما المطلب الثالث: فسوف
نذكر فيه مناط التفرقة بين ما يُعد طلاقاً وما يُعد فسخاً.
المطلب الأول
الفرق بين الفسخ والإبطال
البطلان في اللغة: هو
سقوط الشيء لفساده، فيقال: بطل دم القتيل إذا ذهب هدراً بلا ثأر ولا دية، ومنه قيل
للشجاع: بطل لأنه يعرض دمه أو دم غيره للبطلان، والباطل ما لا ثبات له عند التثبت
منه، ومنه قيل لخلاف الحق (باطل) ([5]).
والبطلان
عند الفقهاء: عدم
صحة العمل ذي الأثر الشرعي في نظر الشارع، بحيث يعد وجوده كعدمه لمخالفته ناحية
يوجب الشارع مراعاتها فيه، فلا يترتب عليه أثره الشرعي الخاص من نشوء حق أو سقوط
تكليف ( [6]).
ويجري
ذلك في العبادات الدينية والأعمال والمعاملات المدنية على السواء فبطلان الصلاة
والصيام مثلاً هو عدم اعتبارهما شرعاً، فلا يبرئان ذمة المكلف بهما من الواجب، بل
يبقى مكلفاً بإعادتهما، وبطلان التصرف الشرعي من بيع وشراء وزواج وطلاق وإقرار
وإبراء وأخذ وعطاء وسائر المعاملات هو عدم حصول الآثار المقررة لها شرعاً بين
الناس، من امتلاك وانتفاع واستباحة واستمتاع وسائر الحقوق والثمرات والمصالح التي
جعل ذلك التصرف سبيلاً إليها وسبباً منشئاً لها.
وهذا هو البطلان المطلق ذاته عند القانونيين وعلى ذلك يمكن
تعريف البطلان في الاصطلاح الفقهي بأنه (تجرد التصرف الشرعي عن اعتباره وآثاره في
نظر الشارع)([7]).
أما
الإبطال فهو عد الشيء باطلاً، وكما أن العقد ينقض بالفسخ فإنه ينقض بالإبطال، ولكن
الإبطال غير الفسخ، فالإبطال معناه اعتبار العقد باطلاً من أساسه، والعقد الباطل هو
العقد (الذي ليس مشروعاً بأصله ) أي له وجود حسي فقط دون أن يكتسب وجوداً اعتبارياً
ما في نظر الشارع([8]).
فالعقد
في حالة البطلان غير منعقد أصلاً كمولود يولد ميتاً. وأما الفسخ فهو حل لعقد كان
قد انعقد وأعتبر منتجاً لآثاره في نظر الشارع ولو بالجملة وعلى هذا الأساس فلا
يكون فسخ العقد إلا بعد سبق الانعقاد، على خلاف الإبطال، فإنه لا يرد إلا تقريراً
لانعدام عقد ظن الناس انه منتج لآثاره.
فالفسخ
هو الحالة التي نواجه فيها عقداً منعقداً منتجاً لآثاره بين طرفيه ولكن رافقه أو
طرأ عليه طارئ ما سبب العمل على حله فهو كشخص حي تطرأ عليه الوفاة. أما الإبطال
فهو الحالة التي نواجه فيها عقد منعدماً في نظر الشارع فهو كشخص ميت منذ ولادته ([9]).
والفسخ
إما أن يكون إرادياً كما في الفسخ بسبب العيب القديم في أحد الزوجين فإن للزوج
السليم أن يفسخ وأن لا يفسخ كما سيأتي، وإما أن يكون غير إرادي كما في حالة ردة
أحد الزوجين حيث أن الفسخ هنا يقع بحكم الشرع ولا خيار للزوجين أو أحدهما في المضي
في هذا الزواج أو عدم المضي فيه، فإن كان الفسخ إرادياً سمي فسخاً، وأن كان غير
إرادي سمي إنفساخاً ([10]).
هذا
وقد يعبر بعض الفقهاء عن الإنفساخ بالبطلان نظراً لتشابههما من حيث الأثر، لكن
الواقع الأمر يدل على أن بين البطلان والإنفساخ فرقاً بيناً، وذلك من الوجوه
الآتية:
"أ" فبطلان العقد يكون عن مخالفة لنظامه التشريعي في
أركان العقد، فالعقد يكون في أصله باطلاً أي معدوماً اعتباراً، أما الإنفساخ فإنما
يكون بعد تمام الانعقاد لسبب طارئ يمتنع معه بقاء العقد بعد وجوده، كردة أحد
الزوجين.
"ب" ويفترق أيضاً بطلان العقد عن إنفساخه من ناحية
أخرى، هي أن البطلان يكون العقد معه معدوماً من أصله أبداً، أما الإنفساخ فقد يرفع
العقد من أصله فيكون رجعياً، كما لو كان بين الزوجين سبباً من أسباب التحريم عند
عقد الزواج، وقد يكون أثره فورياً فيزول به العقد اعتباراً من وقت الإنفساخ فقط، كالفسخ
لغيبة الزوج([11]).
هذا
هو الفرق بين الإنفساخ والإبطال في نظر فقهاء المسلمين.ولعلماء القانون تفصيل آخر
يخالف ما عليه فقهاء المسلمين، ذلك أنهم يميزون في تسمية زوال العقد بين حالتين:
"أ" حالة أحد عيوب الرضا عند تكوين العقد، وهنا
يسمون إزالة العقد بإرادة من عيب رضاه (إبطالاً نسبياً ) ويصفون العقد في هذه
الحالة بأنه (قابل للإبطال)
"ب" حالة وجود سبب طارئ يتعلق بتنفيذ العقد لا
بتكوينه، وهنا يسمون الإزالة (فسخاً) أو (إنفساخاً) بحسب الأحوال. ويعرفون الفسخ
بأنه (انتهاء العقد بأثر رجعي نتيجة سبب غير البطلان المقارن لانعقاده)([12]).
وبذلك
يتضح أن فقهاء المسلمين يفرقون بين الإبطال والفسخ على أساس أن الإبطال تقرير
لانعدام العقد مُنذ نشوئه انعداماً تاماً، وكأنه لم يكن في نظر الشارع، وأن الفسخ
حل لعقد كان قد وجد ثم اقتضت نقضه وإزالته أمور كثيرة سواءً كانت مرافقة له أو
طارئة عليه. فالفسخ عندهم إزالة والإبطال تقرير لزوال وكذلك فإن العقد الذي طرأ
عليه القضاء بالإبطال لا يمكن أن يعتبر له أي أثر بخلاف الفسخ إذ قد تبقى له بعض
الآثار كما سنرى لاحقاً.
أما
علماء القانون فيفرقون بين الفسخ والإبطال على أساس أن الإبطال لا يرد إلا على عقد
كان معتلاً في أساسه ومستوجباً للنقض أو قابلاً له منذ نشوئه، وان الفسخ نقض لعقد
كان قد تم مستوفياً لجميع شرائطه وأركانه، ثم تعذر أو تعسر تنفيذه فاستحق الفسخ أو
الحل.
فالفسخ
عند فقهاء المسلمين يرد على العقد الصحيح وعلى العقد الفاسد، أما علماء القانون
فالفسخ عندهم لا يرد إلا على العقد الصحيح فقط، أما العقد الفاسد فلا يرد عليه
عندهم إلا الإبطال، لأن الفسخ قاصر عندهم على حالة التعذّّر أو الامتناع عن تنفيذ
العقد الصحيح([13]).
ولا يخفي ما في نظرة فقهاء الإسلام من دقة متناهية، إذ أن
العقد الفاسد هو عقد قائم من الناحية المادية وقائم من وجهة نظر الشارع بالجملة، وذلك
لاستكماله جميع أركانه وشروط انعقاده، وأن كان وجوده غير تام لانعدام أحد شروط
الصحة فيه، أو اقترانه بشرط غير صحيح أو ما شابه ذلك، وبذلك يصح إيراد الفسخ عليه
دون الإبطال، فهو عقد قائم بالجملة رغم اعتلاله، والإبطال لا يرد إلا على عقد
منعدم تماماً في نظر الشارع وهو الباطل، أما الفاسد فليس كذلك([14]).
المطلب
الثاني
الفرق بين فسخ الزواج والطلاق
عند
المقارنة بين الفسخ والطلاق في شتى النواحي تتجلى لنا أوجه الاتفاق والاختلاف
بينهما، وبيان ذلك على النحو الآتي:
أولاً: الطلاق
والفسخ في اللغة لفظان يدلان على معنيين متقاربين. فالطلاق في اللغة هو الحل
والانحلال، والفسخ هو نقض ورفع، ومعناهما هو حل الشيء، إلا أن الفسخ يفيد حل الشيء
حلاً نهائياً بمعنى إعدامه تماماً، أما الطلاق فإنه يشعر بحل الشيء حلاً جزئياً
بمعنى إيقاف مفعوله و هذا الفرق في اللغة بين لفظي الطلاق والفسخ وإن كان ضعيفاً
وبسيطاً إلا أن له أهمية كبرى لا ينبغي تجاهلها، ويظهر ذلك جلياً في الآثار
الناتجة عن الفسخ والطلاق لدى الفقهاء على النحو الذي سنبينه لاحقاً.
ثانياً:الطلاق
إنهاء للرابطة العقدية وإيقاف لامتداد آثار العقد، أما الفسخ فهو حل ونقض للرابطة
العقدية وشتان بين الإنهاء والحل، فالإنهاء إيقاف لمفعول العقد مع الإقرار ضمناً
بصحة نشوئه، أما الحل فهو إعدام للعقد من أصله، واعتباره كان لم يكن وقد ذكر ذلك
الفقيه الحنفي أبن نجيم في تعريفه للفسخ قائلاً (أن الفسخ يجعل العقد كأن لم يكن)([15])
فالطلاق إيقاف لاستمرار العقد والفسخ إعدام للعقد من أساسه([16]).
ثالثاً:الفسخ لا يكون إلا
لسبب داع إليه سواءً كان هذا السبب مرافقاً للعقد كما في العقد الفاسد أو خيار
البلوغ، أو طارئاً عليه كما في ردة أحد الزوجين وخلافه فعند تحقق السبب يفسخ
النكاح تلقائياً أو يرفع أمره للقاضي فيحكم بفسخه كما سيأتي، أما الطلاق فهو إنهاء
للعقد وإيقاف لاستمرار آثاره دون حاجة لأي سبب من تلك الأسباب المتقدمة، بل سببه
الوحيد هو صدور اللفظ الموقع له.
رابعاً: الفسخ
قد يقع بمجرد قيام سببه كما في حالات الإنفساخ بالرده أو بالإباء عن الإسلام، وقد
يقع بحكم القاضي بأي لفظ كان، كما في حالات الفسخ القضائي بسبب العيب وغيره، أما
الطلاق فلا يقع إلا بألفاظ مخصوصة صريحة كانت طالق، أو كناية كقول الزوج لزوجته:
أذهبي، أو لا حاجة لي بك، وغير ذلك، مع نية الطلاق. علماً بأن القانون اليمني قد
اشترط أن يكون الفسخ بلفظه أو ما يدل عليه تأكيداً للفرق بين الفسخ والطلاق في هذا
الشأن.
خامساً: الطلاق
أثر من آثار العقد، بحيث إذا كان العقد غير صحيح لم ينجم عنه هذا الأثر. أما الفسخ
فليس كذلك، بل هو نقض للعقد وهدم لآثاره. وفرق كبير بين ما هو أثر للشيء وما هو
ناقض له([17]).
سادساً:
ليس للزوج على زوجته في الطلاق إلا ثلاث طلقات فقط تصبح بعدها أجنبية عنه من كل
وجه، ولا تحل له ثانية حتى تنكح زوجاً غيره، عملاً بقوله تعالى:("الطلاق
مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان")([18])
ولذلك إذا طلق الرجل زوجته مرةً واحدة، نقص ذلك من حقه، وأصبح يملك على زوجته
طلقتين فقط، فإذا كررها نزل حقه إلى واحدة، فإذا وقعت الثالثة حرمت عليه ولم تعد
تحل له إلا بعد أن تنكح زوجاً غيره.
أما
الفسخ فليس إنهاءً للعقد بل هو هدم للعقد فإنه يعود عليه بالنقض، ولذلك لا ينقص من
عدد الطلقات التي يملكها الزوج على زوجته. فلو تزوج إنساناً إمرأهً بعقد صحيح ثم
فسخ هذا الزواج بسبب من أسباب الفسخ كما في خيار البلوغ، أو لعدم الإنفاق ثم عاد
إلى زوجته ثانية بعقد صحيح، كان له عليها ثلاث طلقات لا ينقص الفسخ منها شيئاً
وهذا باتفاق الفقهاء، إذ أن الفسخ غير الطلاق فلا يقاس عليه([19]).
سابعاً:الطلاق
والفسخ متساويان في وجوب العدة بهما على الزوجة ولم يخالف في ذلك غير الظاهرية، إذ
العدة عندهم لا تجب إلا بالموت والطلاق بائناً كان أو رجعياً فقط، أما الفسخ فلا تجب العدة به إلا
في حالة الفسخ بسبب خيار العتق، ويعللون ذلك بأن الرسول أمر بريره بالاعتداد ولم
يأمر غيرها فلا تكون العدة واجبة إلا في هذه الحالة التي ورد بها نص، فقد روي عن
أبن عباس: (أن النبي خير بريره بعدما عتقت، فاختارت نفسها، وأمرها أن تعتد عدة
الحرة) رواه أحمد والدار قطني. كما روي عن الأسود عن عائشة قالت: (أمرت بريره أن
تعتد بثلاث حيضات) رواه أبن ماجة([20]).
لكن
جمهور الفقهاء يردون ما أستدل به الظاهرية من اختصاص المخيرة للعتق دون غيرها
بوجوب العدة عليها وعدم جواز قياس غيرها عليها، بأن القياس هنا صحيح، ذلك أن
المخيرة للعتق والمطلقة تتساويان في الحاجة إلى وجوب العدة ، ذلك أن المعنى في
وجوب العدة على المطلقة والمخيرة للعتق إنما هو إستبراء الرحم، وذلك موجود في
المفسوخ نكاحها بعد الدخول مطلقاً، فكان القياس صحيحاً لذلك ولا يضر اختلاف الطلاق
عن الفسخ في بعض الوجوه ما دام الاتفاق بينهما قائماً في علة وجوب العدة وهي
الدخول بالزوجة([21]).
ثامناً: العدة
في الطلاق الرجعي والطلاق البائن بينونة صغرى: يقع فيها الطلاق على الزوجة لأن
أثار الزوجية لا زالت باقية بالجملة بين الزوجين، فالزوج هو الإنسان الوحيد الذي
يستطيع أن يستعيد زوجته إلى عصمته في هذه العدة، سواء بعقد جديد كما في البينونة
الصغرى أو بدون عقد كما في الرجعي، إذ أن الفرقة التامة من كل وجه لا تقع في
الطلاق إلا بعد انتهاء العدة سواءً أكانت من بينونة صغرى أو من رجعي.
ويستثني الحنفية من ذلك حالة الطلاق البائن، فإن
الطلاق يقع في عدة الرجعي دون البائن، هذا إذا كان البائن الأول منجزاً، فإن كان
معلقاً على شرط لم يحصل بعد، وورد عليه البائن منجزاً أو معلقاً فإنه يلحقه، لأن
البينونة لم تقع بالأول لتعلقه على شرط لم يتحصل بعد، فيلحقه الطلاق الثاني بائناً
كان أو رجعياً([22]).
أما
عدة الطلاق البائن بينونة كبرى فتنفصم فيها عرى الزوجية من كل وجه، ويعتبر فيها
الزوج أجنبياً كغيره من الأجانب الآخرين بالنسبة لزوجته، ولذلك لا يقع فيها طلاق
على الزوجة مطلقاً.
أما
في عدة الفسخ، فلا يلحق فيها الطلاق المعتدة عند جمهور الفقهاء وأستثنى الحنفية من
ذلك صورتين فقط يلحق فيها الطلاق المعتدة من الفسخ وهما.
-الردة
عن الإسلام من قبل أحد الزوجين إذا لم يصاحبها لحاق بدار الحرب، فإذا صاحبها لحاق
بدار الحرب لم يقع الطلاق فيها.
فلو ارتدت الزوجة المسلمة – والعياذ بالله تعالى
– ثم لحقت بدار الحرب فطلقها زوجها قبل انقضاء عدتها، لم يقع عليها الطلاق، بحيث
لو عادت إلى الإسلام ورجعت إلى زوجها، لم يحسب ذلك الطلاق عليه، ولم ينقص من حقه
أما إذا ارتدت ولم تلحق بدار الحرب وطلقها الزوج في عدتها وقع ذلك الطلاق عليها.
1. إباء الزوجة غير الكتابية الدخول في
الإسلام، أو في أي دين سماوي أخر بعد إسلام زوجها، فلو أسلم الزوج غير المسلم
وكانت زوجته مشركة غير كتابية، كأن تكون مجوسية مثلاً وعرض عليها الإسلام فرفضت
ذلك ووقعت الفرقة لهذا السبب بين الزوجين، ثم طلقها قبل أن تنقضي عدتها، فإن
الطلاق يقع عليها في هذه الحالة([23]).
وفي
غير هاتين الصورتين من صور الفسخ لا يقع الطلاق على الزوجة في عدتها بأي حال من
الأحوال لأن عرى الزوجية في الفسخ تنفصم تماماً ولا يبقى لها أي أثر حيث أن الفسخ
نقض النكاح من أصله. وبما أن وشائج الزوجية في العدة أثر من أثار النكاح فتعتبر
منقوضه تماماً بفسخه، وتزول جميع آثار الزوجية، فإذا ورد الطلاق على المعتدة المفسوخ نكاحها لم يجد محله وهو الزوجية، فلا
يقع وذلك على خلاف عدة الطلاق فإن وشائج الزوجية فيها تضل قائمة بالجملة([24]).
وأما استثناء
الحالتين السابقتين من عدة الفسخ والحكم بإيقاع الطلاق فيهما عند الحنفية فذلك
لأنه بالنسبة للمرتدة والمرتد اللذين لم يلحقا بدار الحرب، فإن الطلاق يقع في
العدة في ذلك على الزوجة، لأن وشائج الزوجية لم تنقطع تماماً بين الزوجين، وذلك
لاحتمال رجوع المرتد منهما إلى الإسلام، بل أن هذا الاحتمال راجح، فإن معالم
الإسلام في دار الإسلام واضحة، وبقليل من النظر ستتبين للمرتد ويرجع إلى رشده
ودينه، وبذلك يزول السبب الذي من أجله فسخ النكاح فيعود النكاح إلى ما كان عليه من
الصحة، هذا إذا لم يلحق المرتد بدار الحرب، فإذا لحق بدار الحرب تأكد فسخ نكاحه وانقطع
احتمال عودته إلى الإسلام.
وأما
امتناع الزوجة غير الكتابية عن اعتناق الإسلام أو أي دين سماوي أخر بعد إسلام
زوجها، فإن الطلاق يقع عليها في عدتها، لأن احتمال إسلامها أو اعتناقها ديناً
سماوياً لم يزل أمراً قريباً ومرتقباً منها لوضوح الدليل، كما أن وشائج الزوجية
لازالت قائمة حكماً فيقع عليها الطلاق في هذه العدة.
وتلخيصاً لما تقدم،
فإن حق الزوج في إيقاع الطلاق أثر من آثار الزوجية الصحية، فحيثما وجدت ولو
بالجملة فقد لاقي الطلاق محله فيصح، وحيثما إنعدمت وقع الطلاق في غير محله فلا يصح،
وبما أن عدة الطلاق رجعياً كان أم بائناً بينونة صغرى لا تنعدم معها الزوجية من كل
وجه بل تبقى قائمة من بعض الوجوه، يقع الطلاق فيها صحيحاً لاحقاً بالمرأة وإن كان
الطلاق بائناً بينونة كبرى تنعدم معه الزوجية تماماً ومن كل وجه فلم يلاقٍ الطلاق
محله فلا يصح.
وعدة الفسخ كعدة الطلاق البائن بينونة كبرى، تزول
فيها كل آثار الزوجية، حيث أن العقد الذي تنبثق هي عنه قد أنتقض من أصله، ولذلك لا
يقع فيها الطلاق على الزوجة لعدم قيام محله([25]).
تاسعاً: يتفق
الفسخ والطلاق في نوع العدة، فالعدة بالنسبة للحامل هي وضع الحمل، سواءً أكانت
الفرقة طلاقاً أم فسخاً أو موت الزوج، وذلك لقوله تعالى ]وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن[ ([26])
دون تفريق بين فرقة
وفرقة، بإجماع الفقهاء، والعدة بالنسبة لذات الحيض الحائل تكون بانقضاء ثلاثة قروء
إذا كانت الفرقة بغير الموت، سواءً كانت بطلاق أو بفسخ وذلك لقوله تعالى]المطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء[ ([27]) فهذه الآية نص في الطلاق ويلحق الفسخ به قياساً عليه بجامع
أن المعنى في الطلاق هو أستبراء الرحم وهو موجود في الفسخ ومحتاج إليه فيه([28]).
فإذا لم تكن المرأة من ذوات الحيض كالآيسة والصغيرة التي لم
تحض بعد فإن عدتها تربص ثلاثة أشهر استدلالاً بقوله تعالى]
واللائي يئسن من المحيض من نسائكم [ ([29])
وذلك عند جمهور
الفقهاء، في حين ذهب المالكية إلى القول بأنه إذا كانت المرأة صغيرة لا تطيق الوطء
فلا عدة عليها مطلقاً، لأن مباشرتها ليس دخولاً في الحقيقة فيتناولها قوله تعالى] يأيها الذين أمنوا إذا نكحتم
المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) .([30]).
في
هذا كله يتساوى فيه كون الفرقة تمت بطلاق أو بفسخ، هذا عند جمهور الفقهاء أما ابن
عباس فقد ذهب في رواية عنه إلى أن: عدة الملاعنة تسعة أشهر، كما خالف في ذلك
الظاهرية أيضاً وقد تقدم ذكر خلافهم([31]).
فإذا كانت الفرقة بالموت فإن المرأة تعتد
بأربعة أشهر وعشرا إن كانت حائلاً وبوضع الحمل إن كانت حاملاً هذا إذا كان العقد
صحيحاً فإن كان فاسداً اعتدت بالأشهر أو بالحيض حسب الحال، كما في الفرقة بطلاق أو
بفسخ إذا كانت حائلاً، ولا تعتد بعدة الوفاة عند الجمهور لأن المعنى في عدة الوفاة
هو الإحداد على الزوجية، ولا زوجية صحيحة هنا، فلا حداد عليها فلم يبق إلا
الإستبراء للتعرف على فراغ الرحم، وهو المعنى الغالب في عدة الطلاق فتجب عدة
الطلاق وهي على ما تقدم ([32]).
أما المالكية فلهم في ذلك تفصيل يقولون: إن
الحرة المطيقة للوطء إذا وطئت في نكاح فاسد فإن لم يترتب على الوطء فيه حد وجب على
الزوجة بالمتاركة فيه إستبراء مساوٍ لعدتها، فإن كانت من ذوات الإقراء استبرئت
بثلاثة قروء، وأن كانت حاملاً إستبرئت بوضع حملها، وإلا إستبرئت بثلاثة أشهر أما
أن ترتب على الوطء فيه حد، أستبرأت بحيضه واحدة أن كانت حائلاً، وبوضع الحمل أن
كانت حاملاً وبشهر إن كانت من غير ذوات الإقراء، والموت عندهم كالمتاركة في النكاح
الفاسد. وهذا رواية عن أحمد والرواية الأخرى توافق ما عليه الجمهور([33])
عاشراً: الفرق بين الطلاق والفسخ من حيث ثبوت النفقة في العدة للزوجة
على زوجها وعدمه:
العدة إما أن تكون
من طلاق أو من فسخ فإن كانت من طلاق فهي على قسمين:
1) من طلاق رجعي، وهذه تثبت للزوجة فيها
النفقة على زوجها بجميع أنواعها بإجماع الفقهاء.وذلك لقيام الزوجية حكما المستوجبة
للنفقة ولأن الزوجة فيها مشغولة بحق الزوج.
2) من طلاق بائن، فكذلك عند الحنفية تجب
لها النفقة بجميع أنواعها سواءً أكانت البينونة كبرى أم صغرى لأن الزوجة مشغولة
بحق الزوج. ([34]).
وذهب
الحنابلة إلى أنها لا نفقة لها مطلقاً ولا سكنى إذا لم تكن حاملاً، لأن السكنى
والنفقة إنما تجب لامرأة لزوجها عليها الرجعة وهذه ليست كذلك، واستدلوا بحديث
فاطمة بنت قيس حينما قال لها رسول الله j ( إنما السكنى والنفقة للمرأة إذا كان لزوجها عليها الرجعة ) رواه
النسائي.فإن كانت حاملاً كان لها النفقة دون المسكن، وفي رواية لها المسكن أيضاً.
([35])
أما
الشافعية فقد ذهبوا إلى أن لها السكنى فقط دون النفقة لعموم قوله تعالى ]أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم[ ([36])وذلك
إن كانت حائلاً، فإن كانت حاملاً كان لها النفقة بجميع أنواعها لعموم قوله تعالى ] وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن
حملهن[ ([37]).
أما
الجعفرية فقد ذهبوا إلى لا نفقة للمعتدة من الطلاق بائن أو خلع إن كانت غير حامل
فإن كانت حاملا كان لها النفقة كاملة كما عند الشافعية والحنفية. أما إذا كانت
العدة من فسخ فالفسخ على قسمين:
1. أن يكون من قبل الزوج أومن قبل الزوجة
بسبب ليس بمعصية وفي هذه الحالة تجب للزوجة المفسوخ نكاحها النفقة بكل أنواعها
لأنها مشغولة بحق الزوج ولم يحصل منها ما يسقط ذلك.
2. وأن كان الفسخ من
الزوجة وهو بمعصية، كما إذا ارتدت، لم يكن لها في العدة نفقه الطعام والكسوة أما السكنى فهو لها، وعله ذلك: أن الطعام
والكسوة خالص حقها، فيسقطان بمعصيتها أما السكنى ففيها مع حق الزوجة حق الله تعالى
وما كان فيه حق الله تعالى لا يسقط بفعل العبد، ولهذا المعنى لو خالعت امرأة زوجها على
أن لا نفقة لها ولا سكنى سقطت نفقتها ولا يسقط سكناها([38]).
وهذا كله عند الحنفية، وذهب الجعفرية إلى أن فرقة الفسخ
والإنفساخ الموجب للبينونة في الحال توجب سقوط النفقة إن كانت الزوجة غير حامل، سواءً
أكان سبب الفرقة هو الزوج أو الزوجة وذلك لانقطاع الزوجية الموجبة.
أما
الحنابلة فلا يوجبون النفقة في عدة المبتوتة غير الحامل، فأولى بهم أن لا يوجبوها
في عدة الفسخ إذا كانت غير حامل فإن كانت حاملاً كان لها نفقة الطعام واللباس، و
المسكن.
وذهب الشافعية إلى أن الفسخ إن كان لسبب مرافق للعقد كالعيب
القديم، فلا نفقة لها ولا سكنى، لأن الفسخ به يرفع العقد من أساسه وإن كان لسبب
طارئ على العقد كالردة وجبت لها النفقة كاملة لأن الفسخ هنا يقطع النكاح كالطلاق
فيعطي حكمه هذا أن كانت حاملاً فإن كانت حائلاً لم يجب لها شيء كما في البينونة
عندهم سوى السكنى([39]).
وذهب
المالكية إلى أن السكنى واجبة للمرأة بكل حال أثناء العدة سواءً أكانت من طلاق
رجعي أم بائن أم فسخ، وحتى المستبرأة يجب لها السكنى أثناء مدة استبرائها كالمزني
بها أما المتوفي عنها زوجها فإنها تجب لها السكنى عندهم بشرطين هما:
1.
أن
يكون زوجها قد دخل بها.
2.
أن
يكون المسكن ملكاً للزوج أوقد دفع ايجاره.
أما نفقة الطعام والكساء، فإنها تجب للمطلقة
رجعياً دون البائن والمفسوخ نكاحها والميت عنها زوجها، إذ لا تجب لها نفقة إذا
كانت حائلاً، فإن كانت حاملاً وجب لها بسبب الحمل، هذا إذا كان الحمل ثابت النسب
من الزوج، فإن كان غير ثابت كالمفسوخ نكاحها بلعانها، فلا نفقة لها إلا إذا أعترف
به الزوج.
وهذا
التقسيم كله إذا كان الفسخ وارداً على عقد صحيح فإن كان العقد فاسداً، لم يكن لها
نفقة بحال، لأن نفقة العدة إنما كانت بسبب قيام آثار الزوجية الآيلة للإنحلال ولا
زوجية معتبرة هنا فلا نفقة، سواءً أكانت الزوجة حاملاً أم حائلاً([40]).
أحد عشر: الفرق
بين الفسخ والطلاق من حيث وجوب الإحداد على المطلقة أو المفسوخ نكاحها إذا ما توفي
مطلقها أو من فسخت نكاحها منه، وفي هذا الشأن ينص الحنفية على أن الإحداد واجب على
المبتوتة وهي المطلقة بائناً بينونة صغرى أو كبرى أو المفسوخ نكاحها وكذا المتوفي
عنها زوجها في نكاح صحيح. وبذلك لا يجب الإحداد على من كان نكاحها فاسداً، سواءً
أكانت الفرقة بالموت أو بالمتاركة، لأن الإحداد معناه الحزن على نعمة الزوجية، والزوجية
في النكاح الفاسد منعدمة([41]).
وذهب
الشافعية والمالكية إلى أن الإحداد واجب على المتوفي عنها زوجها فقط، أما المطلقة
بائناً والمفسوخ نكاحها فلا حداد عليهما مطلقاً، لكن يسن الإحداد في حق المطلقة
بائناً([42]).
وبذلك
يظهر أن لافرق في الإحداد بين عدة المطلقة وعدة المفسوخ نكاحها عند الفقهاء جميعاً،
سواءً منهم القائلون بالأحداد لغير المتوفي عنها زوجها وغير القائلين به، إذا كان
النكاح صحيحاً، فإن كان فاسداً لم يكن عليها إحداد بالإجماع ([43]).
أثنا عشر: الفرق
بين الفسخ والطلاق من حيث حاجة كل إلى القضاء وعدمها:
الطلاق
سلطة شرعية سلمها الشارع للرجل، يستطيع بها أن ينهي آثار الزوجية، ولكن الزوج قد
يتعسف أحياناً في استعمال هذا الحق أو هذه السلطة التي سلمها الشارع إليه، فيترتب
على ذلك الإضرار بالزوجة، حيث يمتنع عن طلاقها في وقت تستحق فيه الطلاق، كما إذا
أمتنع عن الإنفاق عليها مثلاً – على مذهب من يرى أن للزوجة المطالبة بالطلاق عند
امتناع زوجها عن الإنفاق عليها.
لذلك
فهناك من يرى أن المشرع في مثل هذه الحال يمنح تلك السلطة للقاضي ويقيمه نائباً عن
الزوج حكماً، حفظاَ للحقوق وضماناً لسير العدالة فيطلق القاضي الزوجة بصفته نائباً
عن الزوج بإنابة الشرع له، لا بصفته صاحب حق الطلاق بالأصالة ([44]).
وقد
ينيب الزوج غيره في الطلاق، كما في الوكالة بالطلاق بل قد ينيب الزوجة نفسها
بتطليق نفسها كما في التفويض والتخيير.
وأما
الفسخ، فهو نقض للعقد وإلغاء لآثاره سواءً بأثر رجعي من تاريخ العقد، أو بأثرفوري
مقتصر على المستقبل فقط، وذلك لقيام سبب أستوجب هذا النقض وأسباب الفسخ "كما
سيأتي"كثيرة منها ما هو جلي واضح لا يلتبس على أحد ، ومنها ما فيه خفاء يظهر
لبعض الناس ويخفي على آخرين، كما أن أسباب الفسخ منها ما هو محدد المعالم غير خاضع
للتقدير والنظر، ومنها ما هو غير محدد المعالم تختلف أنظار الناس في تقديرها، كما
أن من الأسباب ما يتفق الفقهاء على صلاحيته للفسخ، ومنها ما يختلفون في صلاحيته
له.
ولما
كانت أسباب فسخ الزواج غير المحددة أو الخفية أو المختلف فيها تختلف فيها أنظار
الناس وتقديراتهم، وينشأ عن ذلك خصام ونزاع، كأن لابد من تدخل القضاء لإصدار حكمه
في ذلك وقطع النزاع.
أما
الأسباب المحددة والواضحة والمتفق عليها، فلا حاجة فيها إلى حكم القضاء ، حيث يقع
الفسخ بمجرد قيامها بحكم الشرع، إلا إذا حدث نزاع بسببها بين الزوجين،
فيلتجآن إلى القضاء، فيقضي بالفسخ، غير أن القضاء بالفسخ إنما هو تقرير لفسخ سابق
لا إنشاء لفسخ جديد.
وبذلك
يتضح لنا أن الطلاق سلطة شرعية سلمها الشرع إلى الزوج ولا تنقل عنه إلا بإذنه، وقد
تنقل إلى القاضي بحكم الشرع في حالة تعسف الزوج في استعمال هذا الحق.
أما الفسخ فليس كذلك، بل هو سلطة شرعية سلمها الشارع لمن كان
الفسخ لمصلحته ومن أجله، سواءً أكان أحد الزوجين أو الزوجين معاً أم غيرهما، هذا
إذا كان سبب الفسخ واضحاً ومحدداً، فإن كان غير واضح أو غير محدد، أو مختلف فيه، فيرفع
أمره إلى القاضي، ليقضي فيه بتقديره واجتهاده، بناءً على طلب صاحب الحق في الفسخ، فإن
كان صاحب الحق في الفسخ هو الشرع فسخ القاضي النكاح من نفسه ودون طلب أحد.
في
حين أن الطلاق لا يكون إلا من الزوج حقيقة أو تقديراً، أما الفسخ فكما يكون من
الزوج، يكون أيضاَ من الزوجة، ويكون من غيرهما، كما قد يكون من القاضي، وفرق بين
حق القاضي هنا في الفسخ وحقه هناك في الطلاق. فإنه في الفسخ أصيل عن نفسه، ولكنه
في الطلاق وكيل عن الزوج حكماً([45]).
ثم إن الأصل في الطلاق أن لا يكون بقضاء القاضي، لأنه من سلطة
الزوج، ولا يلجأ إلى القضاء فيه إلا عند تعسف الزوج. أما الفسخ ففي الكثير الغالب
لا يكون إلا بقضاء القاضي، لاتصاله غالباً بأمور خلافية اجتهادية.
ويترتب
على معرفة ما إذا كانت فرقة ما تحتاج إلى قضاء القاضي أو لا تحتاج إليه أمر هام
للغاية، هو معرفة وقت وقوع الفرقة، وتحريم أو تحليل الاتصال بين الزوجين، فإن كل
فرقة تحتاج إلى قضاء لا تنقضي بها آثار العقد إلا من تاريخ القضاء بها، أما الفرق
التي لا تحتاج إلى قضاء، فإن آثار العقد فيها تنقضي بمجرد قيام سببها، فإن من ارتكبت
مع ابن زوجها الفاحشة تصير محرمة على زوجه وقبل أن يرفعا الأمر إلى القضاء، ولا ترث
زوجها بخلاف الزوجة المعيبة مثلاً، فإن الحرمة بينها وبين زوجها لا تقع إلا بقضاء
القاضي، فإذا مات زوجها قبل القضاء بالفسخ فإنها ترثه([46]).
المطلب
الثالث
مناط التفرقة بين ما يعد طلاقاً وما يعد فسخاً
اختلف الفقهاء في وضع مناط تفرق بين ما
يُعّد فسخاً وما يُعّد طلاقاً، ومن الفقهاء من لم يبحث في ذلك ولم يحاول إيجاد
قاعدة يفرق بها بين النوعين، وأكتفي بذكر ما يُعّد طلاقاً وما يُعّد فسخاً من
الفرق في نظره، وفي نطاق كل مذهب هناك خلاف في ذلك بين فقهاء هذا المذهب مما يتعذر
معه التوفيق بين هذه المناطات كلها والخروج منها بمناط واحد، ويمكن الوصول إلى تلك
المناط بدراسة ما ذكره الفقهاء في كل مذهب على حدة وعلى الوجه الآتي:
الفرع الأول
مناط التفرقة بين الطلاق والفسخ عند الحنفية
أن
الحنفية غير متفقين على مناط واحد فيما بينهم:
(1) فقد أورد صاحب الدر المختار مناطاً
مضمونها: (إن كانت الفرقة من قبل الزوجة ففسخ وإن كانت من قبل الزوج فطلاق)([47]) وانتقد هذا أبن
عابدين بأنه منخرق بالسبي والإسلام وخيار البلوغ والردة والملك فإنها قد تكون من
قبل الرجل، وأن كانت كذلك فهي طلاق على هذه القاعدة مع الاتفاق على أنها فسخ سواء
صدرت من جانب الزوج أو الزوجة.
(2) ويستدرك أبن عابدين على صاحب الدر ويزيد
ما مضمونه: إن كانت الفرقة من الزوجة وليست بسبب من الزوج ففسخ. وإن كانت من الزوج
ولا يمكن أن تكون من الزوجة فطلاق. ثم يستدرك هو على نفسه فيقول ما معناه: يشذ عن
ذلك إباء الرجال عن الإسلام، فإنه متصور منها مع أنه طلاق عند الحنفية، إلا أن يعتبر
ذلك على قول أبي يوسف إذ يرآه فسخاً، ويشذ أيضاً الفرقة باللعان، فإنها طلاق عند
الحنفية مع أنها تكون منها ويجيب عن ذلك بأن اللعان لما كان ابتداؤه من الزوج
أعتبر من قبله وحده([48]).
(3) وذكر صاحب البحر
الرائق ما معناه: كل فرقة جاءت من قبل المرأة لا بسبب من قبل الزوج فهي فرقة بفسخ
وكل فرقة جاءت من قبل الزوج فهي طلاق([49]).
ولكن
الحنفية يرون الفرقة بسبب خيار البلوغ من الزوج فسخاً لا طلاقاً مع أنها من قبله، وبذلك
يغدو هذا الضابط منخرقاً وغير شامل لجميع الحالات .
وعلى
هذا الأساس يرى الدكتور/أحمد الحجي الكردي أن الحنفية لم يستطيعوا أن يصلوا إلى
مناط محدد المعالم، جامع مانع، يفرقون به بين ما يعد فسخاً وما يعد طلاقاً، وإن
كان بالإمكان عن طريق الاستقصاء والاستقراء ذكر ما يعتبره الحنفية طلاقاً وما
يعتبرونه فسخاً من الفرق بالعد لا بالحد([50]).
الفرع الثاني
مناط التفرقة بين
الفسخ والطلاق عند المالكية
المالكية لا يوردون الفسخ على نكاح صحيح.
فالفرقة عندهم من النكاح الصحيح لا تكون إلا بطلاق، والنكاح الصحيح هنا ما كان
صحيحاً عندهم هم، أو عند غيرهم ولو كان فاسداً عندهم، هذا إذا كانت الفرقة لم توجب
حرمة مؤبدة بين الزوجين فإن كانت الحرمة مؤبدة كانت الفرقة فسخاً، وليس معنى
التأبيد هنا أن تكون الحرمة غير قابلة للزوال بحال، بل معناه أن الزوجين لا
يستطيعان المقام معها، من ذلك ردة الزوج مثلاً، فإنها فسخ لأنه لا يصح الإقامة
معها، مع أن الحرمة سوف تزول إذا عاد الزوج إلى الإسلام.
وبذلك
يكون من الطلاق عند المالكية الفرق الآتية:
(1) التفريق بسبب فساد العقد إذا كان هذا
الفساد مختلفاً فيه لدى الفقهاء كنكاح الشغار ونكاح السر.
(2) التفريق بالعيب والإيلاء وبسبب الإعسار
عن الصداق أو الإعسار عن النفقة.
(3) التفريق بسبب الردة عن الإسلام من قبل
أحد الزوجين، ويرى ابن الماجشون أنها فسخ، وإلى ذلك مال المخزومي.
(4) الخلع.
(5) الطلاق صريحاً كان أو كناية.
(6) التفريق بسبب عدم الكفاءة.
(7) التفريق بسبب غيبة الزوج.
(8) التفريق بسبب المضارة بين الزوجين([51]).
ويكون
فسخاً عند المالكية الفرق الآتية:
(1)
التفريق بسبب فساد العقد إذا كان هذا الفساد مجمعاً عليه لدى
الفقهاء، كنكاح المتعة.
(2) الفرقة بسبب حرمة الرضاع.
(3) الفرقة بسبب اللعان بين الزوجين.
(4) الفرقة بسبب السبي.
(5) الفرقة بسبب إسلام أحد الزوجين الكافرين
وإباء الآخر عن الإسلام.
الفرع الثالث
مناط التفريق بين الطلاق والفسخ عند الشافعية والحنابلة
أتفق الشافعية والحنابلة على مناط واحد
يفرقون فيه بين ما يُعّد طلاقاً وما يُعّد فسخاً، وهو: كل فرقة بين الزوجين تعد
طلاقاً إذا أوقعها الزوج أو نائبه بالألفاظ الدالة عليه، وفيما عدا ذلك تكون
فسخاً.
وبذلك
يكون طلاقاً عند الشافعية والحنابلة ما يأتي:
(1) طلاق الزوج زوجته بائناً أو رجعياً.
(2) الخلع على مال وفي
رواية عند الشافعية أنه فسخ ويرى الحنابلة أنه فسخ إذا كان بلفظ الفسخ وطلاق إذا
كان بلفظ الطلاق، وسيأتي تفصيل ذلك في موضعه.
(3) تطليق القاضي علي الزوج في الإيلاء إذا
أمتنع الزوج عن الطلاق بعد مضي المدة، ويعتبر بذلك نائباً عن الزوج حكماً هذا إذا
رأي القاضي أن يطلق، فإذا رأي أن يفسخ فسخ ويكون فسخاً لا طلاقاً، ذلك لأن
المالكية والحنابلة والشافعية ذهبوا إلى أنه يوقف المولي بعد انقضاء مدة الإيلاء، ويكلف
بالفيء أو الطلاق إذا طلبت الزوجة ذلك، فإن فاء أو طلق فبها، وإن أبى ذلك طلق
القاضي عليه، وهو مذهب أبي ثور وداود والليث، وهو المروي عن علي وأبن عمر رضي الله
عنهم وقد
ذهب الحنفية والثوري إلى أن الطلاق يقع بحكم الشرع بمجرد انقضاء مدة الإيلاء من
غير فيء أو طلاق، وهو مذهب أبن مسعود وجماعة من التابعين([52]).
وعلى
هذا الأساس فيكون من فرق الفسخ عند الشافعية والحنابلة:
(1) الفرقة بسبب اللعان بين الزوجين.
(2) الفرقة بسبب عيب في أحد الزوجين من
العيوب التي تستوجب الفسخ بطلب السليم منهما.
(3) الفرقة بسبب الإعسار عن أداء المهر
المعجل.
(4) الفرقة بسبب الإعسار عن أداء النفقة
سواء أكان الزوج غائباً أم حاضراً.
(5) الفرقة بسبب تخلف الشرط أو الوصف
المذكور في العقد وذلك عند الحنابلة فقط في حين أن الشافعية لا يرون الفرقة بسبب
ذلك كما سنرى.
(6) الفرقة بسبب إباء أحد الزوجين الإسلام
بعد إسلام الآخر.
(7) الفرقة بسبب ردة أحد الزوجين.
(8) الفرقة بسبب عدم الكفاءة في الزوج.
(9) الفرقة بسبب فساد النكاح.
(10)
الفرقة
بسبب قيام حرمة مانعة من استمرار الحياة الزوجية.
الفرع الرابع
مناط التفرقة بين
الطلاق والفسخ عند الظاهرية
يذهب
الظاهرية إلى أن كل فرقة تمت بين الزوجين هي فرقة بطلاق باستثناء الفرقة بسبب
اللعان والفرقة بسبب اختلاف الدين والفرقة بسبب الرضاع المحرم بين الزوجين فأنها
فسخ([53]).
الفــــرع الخـــامس
مناط التفرقة بين
الطلاق والفسخ في قانون الأحوال الشخصية اليمني
بصدد
التفرقة بين الطلاق والفسخ نصت المادة (58) من هذا القانون على أن (الطلاق قول
مخصوص به يفك الارتباط بين الزوجين وهو أما صريح لا يحتمل غيره أو كناية تفتقر إلى
النية) في حين نصت المادة (44) من القانون ذاته على أنه (يشترط في الفسخ لفظه أو
ما يدل عليه). وفي هذا الصدد قررت المحكمة العليا باليمن في جلسة 16/5/2002م في
الطعن الشخصي رقم (182) لسنة 1422هـ بأنه (عند الحكم بالفسخ يلزم التصريح بلفظه
المعتبر وبما أن محكمة أول درجة قررت العجز عن الوطء من الزوج إضافة إلى أنه لا
تناكر حول ذلك كما أن الشعبة الشخصية باستئناف الحديدة توصلت إلى نفس النتيجة وحكمت
بفسخ عقد نكاح المدعية من زوجها المدعى عليه وذلك الذي يمكن أن يقال إلا أن ما
حكمت به محكمة الاستئناف شابه قصور من حيث أن مدعية الفسخ لم تتلفظ به في مجلس
القضاء بلفظ الفسخ المعتبر ثم تحكم المحكمة بصحة فسخها هكذا وذلك إعمالاً للقواعد المستقره
والمادة (44) من قانون الأحوال الشخصية)، وفي ضوء ما تقدم يظهر أن القانون اليمني
يذهب إلى أن الطلاق يكون بلفظه والفسخ بلفظه، وأن القانون اليمني قد اقترب كثيراً
من قول الحنابلة والشافعية والزيدية في هذه المسألة([54]).
المبحث الثالث
الأثر الفوري والرجعي لفسخ
الزواج
المبدأ العام في الشريعة الإسلامية في
نتائج إنحلال عقود المعاوضات بالفسخ أو الإنفساخ يقضي بوجوب إعادة العاقدين إلى
سابق وضعهما قبل التعاقد، وهذا المعنى هو المتبادر من معنى الفسخ وتعريفه بأنه نقض
للعقد، وفي هذا الشأن يقول ابن نجيم الحنفي في "الأشباه والنظائر" (إن
الفسخ يجعل العقد كأن لم يكن) فإذا كان العقد من عقود المعاوضة المالية، كبيع أو
صلح أو قسمة مثلاً، وتم تنفيذه ثم أنحل العقد، وجب التراد، فعلى البائع رد الثمن
إلى المشتري، وعلى المشتري رد المبيع إلى البائع وهكذا في كل الالتزامات التي تم
تنفيذها من قبل المتعاقدين.
هذا إذا كان نقض التنفيذ ممكناً، فإذا لم يكن ممكناً مطلقاً
لا كلياً ولا جزئياً فيما تم تنفيذه من أثار العقد أمتنع الفسخ، وذلك كما إذا
استهلك المبيع المشتري أو هلك في يده، وإن أمكن النقض والتراد عيناً في جزء من محل
العقد دون الآخر، جاز الفسخ فيما يمكن فيه النقض والتراد دون ما لا يمكن، كما إذا
استهلك بعض المبيع دون البعض الآخر.
وعلى هذا الأساس تتفرع حالات امتناع الفسخ وجوازه والرجعية
والفورية فيه طبقاً لما يلي:
أ-
ففي العقود الفورية كالبيع يشترط الفقهاء قيام محل العقد إذا
كان عيناً ليمكن إقالته، فإن كان بعضه هو القائم فقط جازت الإقالة في القائم وحده
دون الهالك.
ب-وفي
العقود الزمنية المستمرة كالإجارة إذا تم تنفيذها تماماً، فلا يمكن فسخها. فإن لم
يتم بعد تنفيذها كلها، بأن مضت من مدتها فترة وبقت فترة أخرى، فإنها تقبل الفسخ
بالنسبة للباقي من المدة دون ما مضى([55]).
وبذلك يتضح أن الفسخ تارة يكون ذا أثر رجعي منسحب على الماضي،
فيوجب التراجع فيما نفذ من التزامات العقد قبل الفسخ. وتارة يكون ذا أثر فوري ليس
له أثر رجعي، وإنما يسري حكمه على المستقبل فقط من تاريخ وقوع الفسخ أو الإنفساخ.
وهنا
يرى فضيلة الشيخ/مصطفي الزرقاء أن من المستحسن التمييز في تسمية انحلال العقد بين
حالتي الفورية والرجعية، فيسمى الحل والانحلال في حالة الرجعية فسخاً أو إنفساخاً،
وفي حالة الفورية إنهاء أو انتهاء. وهو اصطلاح جيد ودقيق مستمد من معين اللغة
العربية، هذا التفصيل يتعلق بفسخ العقود عامة، وهو الأساس الفقهي في ذلك.
أما بالنسبة لعقد الزواج فله طبيعة خاصة تميزه عن سائر عقود
المعاوضات الأخرى، فهو ليس معاوضة محضة، بل فيه معنى العبادة أيضاً حيث تعتريه
الأحكام الخمسة، فيكون واجباً أحياناً كما يكون حراماً أحياناً أخرى وهكذا، وإن
لطبيعته المزدوجة هذه "وهي تأرجحه بين العبادة والمعاوضة" أثراً في
تأثير الفسخ عليه. فالعبادات لا تقبل الفسخ في الشريعة الإسلامية، بل الفسخ في
الشريعة مقصور على المعاوضات.
فمن قال بتغليب ناحية العبادة على ناحية المعاوضة في عقد
الزواج رأى أنه عقد إذا ما استوفي أركانه وشرائط انعقاده وصحته لا يقبل الفسخ بعد
ذلك إلا في بعض حالات مستثناه بنصوص خاصة وفي حدود ضيقة. ومن غلب ناحية المعاوضة
على ناحية العبادة في عقد الزواج قال بصحة فسخه بعد تمام انعقاده وهم جمهور
الفقهاء([56]).
ومع التسليم بقابلية عقد النكاح للفسخ على رأي الجمهور هل
يكون لفسخه أثر رجعي يعود إلى تاريخ العقد، أم يكون مقتصراً على تاريخ الفسخ
وبالنسبة للمستقبل فقط ؟
للإجابة
الوافية على هذا السؤال لا بد من التعرف أولاً على الأسباب المنشئة للفسخ لأن أثر
الفسخ متعلق بها.
وأسباب
الفسخ على نوعين:
أ- أسباب ترافق العقد منذ نشوئه فتولد معه،
كما في العقود الفاسدة أو العقود غير اللازمة، كنكاح القاصر إذا كان الولي غير
الأب والجد.
ب-
أسباب طارئه على العقد بحيث يكون العقد قبلها صحيحاً نافذاً
لازماً، من ذلك ردة أحد الزوجين، أو المخالعة الرضائية ( على مذهب من يراها فسخاً
لا طلاقاً).
وأسباب
الفسخ الطارئة على العقد على ضربين أيضاً:
أ-
منها ما هو واضح جلي ينفسخ العقد به بمجرد قيامه، كردة الزوج
المسلم مثلاً.
ب- ومنها ما هو خفي أو غير محدد يحتاج إلى
تقدير، أو مختلف فيه لدى الفقهاء فلا
ينفسخ العقد به إلا بحكم القاضي، حيث به يرتفع الخفاء وتزول الجهالة كما في الفسخ
بسبب العيب([57]).
وبما
أن الفسخ يستند دائماً إلى سببه الذي نشأ عنه، فهو إن كان مرافقاً لنشوء العقد، كان
الفسخ به ذا أثر رجعي يرجع إلى تاريخ نشوء العقد، فيكون العقد معه كأنه لم يكن، ويتراد
المتعاقدان ما قاما بتنفيذه من التزامات قبل بعضهما بناءً على العقد، ما دام ذلك
ممكناً، هذا إذا لم يتبع العقد من الآثار المادية ما يعد بذاته سبباً لنشوء التزام
جديد، فإن حصل ذلك فإن الالتزامات الناشئة عن هذا الأثر ستبقى مع زوال العقد، لأنها
مترتبة على واقعة مادية لا يمكن أن تزول بالفسخ، كما في الدخول بالزوجة مثلاً فإنه
أثر من آثار العقد، وهو في الوقت ذاته سبب لالتزامات كثيرة، منها تأكد المهر، وثبوت
النسب، والعدة، فإذا ما زال العقد ولو بأثر رجعي فإن هذه الآثار ستبقى لأنها ليست
ناشئة عن العقد، بل عن واقعة الدخول، والدخول أمر مادي غير قابل للفسخ.
وإن كان سبب الفسخ طارئاً على العقد، كان الفسخ فيه فورياً
يبدأ من تاريخ الفسخ دون الرجوع إلى وقت نشوء العقد، ثم إن كان الفسخ به يحتاج إلى
حكم القاضي كان الحكم هو السبب المباشر للفسخ، وكان الفسخ فورياً من تاريخ الحكم، وإن
كان غير محتاج إلى حكم القاضي اعتبر الفسخ قائماً من تاريخ نشوء السبب.
وبذلك
يبدو لنا أن أثر الفسخ إنما يستند إلى تاريخ نشوء سببه فإن كان مرافقاً للعقد ألغي
العقد به من أساسه، وإن كان طارئاً عليه كان الفسخ من تاريخ نشوء السبب المباشر، سواءً
بحكم القاضي أو بغيره([58]).
أثر
فسخ الزواج في قانون الأحوال الشخصية اليمني:
يصرح
القانون اليمني بموقفه من ذلك، ويظهر هذا الموقف في الحكمين اللذين قررهما القانون
في المواد (31) معدلة و (32 ) و(45 )معدلة في قانون الأحوال الشخصية، حيث نصت
المادة (31) على ( أن الزواج الذي لم يستوف أركانه وشرائطه المبينة في الباب
السابق باطل ولا تترتب عليه قبل الدخول أية آثار ويجب التفريق بين الطرفين قضاءً
إن لم يكن قد تم برضاهما ما لم يكن الشرط المفقود في العقد جائزاً في مذهبيهما أو
دخلاً فيه جاهلين ولم يخرق الإجماع المعتبر في الحالين ) وفي هذا السياق تنص
المادة (32) من القانون ذاته على أنه (تترتب على الزواج الباطل إذا أعقبه دخول
الآثار الآتية: (1) وجوب مهر المثل أو المهر المسمى أيهما أقل.(2) ثبوت النسب على
الوجه المبين في هذا القانون.(3) وجوب العدة عقب المفارقة رضاءً أو قضاءً وعقب
الموت.
(4)
حرمة المصاهرة.(5) سقوط الحد عمن دخل جاهلاً)، أما المادة (45) من القانون ذاته
فقد نصت على أنه (لا يفسخ الزواج بفسخ أحد الزوجين للأخر لعيب من العيوب ونحوها من
الأسباب المختلف في ثبوت الفسخ بها إلا بحكم المحكمة ولا يترتب على الفسخ شيء قبل
الحكم به فإذا حكم بالفسخ وكان بعد الدخول وجبت العدة أو الإستبراء من حين الحكم
به) وفي هذا الشأن أيضاً تنص المادة (46) على أنه (إذا تبين بين الزوجين سبب من
الأسباب القاطعة بالتحريم أنفسخ النكاح بينهما بحكم الشرع دون حاجة إلى الحكم
بالفسخ على أن تدون القضية بنظر المحكمة، إما إذا أنكر أحدهما وجود السبب المحرم
فلا بد من إثباته بحكم من المحكمة ) ومن استقراء النصوص السالف ذكرها نجد أن
القانون اليمني قد اتجه إلى الوجهة ذاتها التي اتجه إليها الفقه الإسلامي على
النحو الذي بيناه فيما سبق، ففسخ عقد الزواج يكون أثره رجعياً أو فورياً بحسب وقت
تحقق سبب الفسخ، ومن هذا المنطلق فأن الفسخ يكون أثره رجعياً في حالات فسخ العقد
الباطل والفاسد ويكون أثر الفسخ فورياً في غير ذلك من الأحوال التي يجوز فيها
الفسخ في القانون اليمني كالفسخ للعيب المنفر والفسخ لانعدام الكفاءة أو لعدم
الإنفاق أو لعدم القدرة عليه أو العجز عنه أو غيبة الزواج أو سجنه لمدة لا تقل على
ثلاث سنوات أو الكراهية أو إدمان الخمر أو المخدرات ففي هذه الأحوال لا تترتب أثار
الفسخ إلا بعد الحكم بالفسخ وسوف نبين أثار الفسخ في القانون اليمني تفصيلاً عند
استعراض أسباب فسخ الزواج بالتفصيل بإذن الله تعالى.
المبحث
الرابع
الأساس الفقهي لفسخ الزواج
اختلف
الفقهاء في ذلك اختلافاً واسعاً ومتشعباً على النحو المبين في كتب الفقه الإسلامي
وقد أشار إلى ذلك باستفاضة الأستاذ الدكتور/حسن علي ذنون في رسالته القيمة
"نظرية الفسخ العامة في الفقه الإسلامي" والذي بحث ذلك بحثاً كافياً، وقد
اختلف الفقهاء في الأساس الفقهي لفسخ الزواج على أقوال عدة منها:
القول الأول: فسخ الزواج يتأسس على فكرة هلاك المعقود عليه أو عدم صلاحيته
وأساس هذه الفكرة هي قوله I"لو بعت من أخيك ثمراً فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه
شيئاً لم تأخذ مال أخيك بغير حق)([59]).فإذا هلك المعقود عليه في الزواج أو تعيب أو لم يعد صالحاً
فإنه يجوز عندئذ فسخ الزواج([60]).
القول الثاني:
يذهب إلى أن الأساس
الفقهي لفسخ الزواج يقوم على إرادة الطرفين المتعاقدين في حالة اتفاق المتعاقدين
على شروط والتزامات عند العقد فإذا لم يتم الوفاء بتلك الشروط أو الالتزامات فيحق
حينئذ فسخ العقد وحجة أصحاب هذا القول قول النبي I "المسلمون عند شروطهم"([61]).
القول
الثالث: يذهب إلى أن الأساس
الفقهي لفسخ الزواج هو قاعدة (لا ضرر ولا ضرار) المستفادة من قول النبي I " لا ضرر ولا ضرار"، ويرى الفقيه الحنفي أبن نجيم أن
كثيراً من أبواب الفقه ومن ذلك الرد بالعيب وجميع أنواع الخيارات وكثيراً من أسباب
الفسخ ترجع إلى قاعدة (لا ضرر ولا ضرار)([62]).
ولا شك أن هذه القاعدة من القواعد المحكمة والمصادر الأساسية في التشريع، وقد ذكر
الفقهاء أن قوله I "لا ضرر ولا ضرار" من جوامع الكلم
ومن معجزات بلاغته I وعلى أساس هذه القاعدة المتين قال الفقهاء:
أن كل حكم في الشرع وضعي أو تكليفي يوجب ضرراً فهو مرفوع، وهكذا، فإذا كان لزوم
البيع مع وجود العيب في الثمن يستلزم ضرراً، فلزومه مرفوع، ويجوز لذلك فسخ العقد([63]).
فإذا
لحق بأي من الزوجين ضرر مما يتعذر معه استمرار الحياة الزوجية جاز للمتضرر أن يطلب
رفع الضرر عنه وإن اقتضى ذلك فسخ الزواج.
القول الرابع:
يذهب فريق من
الفقهاء إلى أن الأساس الفقهي لفسخ الزواج يرجع إلى فكرة المقصود من العقد فقد ذكر
ابن تيميه في صدد عقد الإجارة:(أنه إذا بقي من المنفعة ما ليس هو المقصود بالعقد
بطل العقد) أي "فسخ العقد" وهو قول أكثر العلماء، لأن هذه المنفعة لما لم
تكن مقصودة كان وجودها أو عدمها سواءً. وكذلك سائر العقود التي يتعذر فيها حصول
المقصود من العقد ([64]).
ويرى صاحب البدائع أن الإجارة تفسخ لوقوع اليأس من استيفاء المعقود عليه بعد هلاكه
وكذلك الحال إذا هلك المبيع قبل التسليم سقط عن المشتري الالتزام بدفع الثمن لآن
الثمن لم يعد له مقابل لفوات المقصود الذي رمى إليه المشتري بإبرام العقد، لذلك
فللبائع الحق في الامتناع عن تسليم المبيع ما دام المشتري لم يدفع الثمن([65])،
والظاهر أن قانون الأحوال الشخصية اليمني يأخذ بهذا القول حيث نصت المادة(6) من
هذا القانون على أن ( الزواج هو ارتباط بين زوجين بعقد شرعي تحل به المرأة للرجل
شرعاً وغايته تحصين الفروج وإنشاء أسرة قوامها حسن العشرة).
القول الخامس:
يرى الدكتور أحمد
الحجي الكردي ( أن أساس الفسخ هو[ركن الرضا] حيث أن أساس العقد عند الفقهاء(الرضا
والمحل) وأنهم قالوا بوجوب قيام رابطة بين هذين الأساسين. فذكروا في تعريف العقد
أنه عبارة عن اتحاد القبول بالإيجاب اتحاداً يظهر أثره في المحل "المعقود
عليه" فلا بد في ركن الرضا من أن
يرتبط بركن العقد الثاني وهو المحل، وينصب عليه طيلة حياة الالتزام، أي منذ نشوئه
إلى حين تنفيذه، فإذا ما إنعدم الرضا ابتداء بأن لم يتفق الإيجاب والقبول، أو لم
يظهر أثره على المعقود عليه بأن كان هالكاً، كان
العقد باطلاً وإذا ما توفر ركن الرضا عند نشوء الالتزام ولكنه لم يحدث أثره، بأن
أنعدمت الصلة التي كانت تربطه بالمحل، أو ظهر أن هذه الصلة كانت معيبة، كان العقد
مفسوخاً وقابلاً للفسخ على حسب الأحوال)([66]).
ونحن
نذهب إلى اختيار القول بأن قاعدة "لا ضرر ولا ضرار" هي الأساس المتين
والراسخ والشامل الذي يتسع ليشمل أسباب فسخ الزواج كافة بخلاف الأسس الأخرى الضيقة
التي لا تنطبق إلا على بعض أسباب فسخ الزواج فقط والله اعلم.
الفصل الثاني
أسباب فسخ
الزواج
تتنوع
أسباب فسخ الزواج إلى عدة أنواع، ويمكن تصنيفها بحسب صاحب الحق في الفسخ
واستعراضها في المباحث الآتية:
المبحث الأول: فسخ الزواج لحق الشارع كالفسخ للردة ولحرمة المصاهرة والفسخ
لإباء أحد الزوجين الإسلام والفسخ لبطلان العقد أو فساده والفسخ باللعان.
المبحث
الثاني: الفسخ لحق أحد الزوجين أو غيرهما، كالفسخ للعيب
أو لتخلف الشرط أو لانعدام الكفاءة أو الفسخ بسبب خياري البلوغ والإفاقة .
المبحث
الثالث: الفسخ لحق الزوجة، كالفسخ لغيبة الزوج أو حبسه
أو عدم إنفاقه، أو إعساره عن دفع النفقة أو المهر المعجل أو لإدمان الزوج للخمر
والمخدرات والتطليق في الإيلاء والظهار.
المبحث
الرابع: أسباب فسخ الزواج الأخرى المنصوص عليها في بعض
قوانين الدول العربية ولا وجود لها في القانون اليمني.
المبحث الأول
فسخ الزواج لحق الشارع
فسخ
الزواج يتم في حالات معينة حقا للشارع تبارك وتعالى لآن الشارع يحرم الاتصال بين
الزوجين أو استمراره في تلك الحالات، ويشتمل هذا المبحث على فسخ الزواج بسبب فساد
العقد والفسخ بسبب امتناع الزوج عن الإسلام والفسخ بسبب ردة الزوجين أو أحدهما والفسخ
باللعان، وسنبين ذلك تفصيلاً في المطالب الآتية:
المطلب
الأول
الفسخ بسبب فساد العقد وبطلانه
وسنبين
في هذا المطلب الفرق بين فساد العقد وبطلانه ثم نبين حكم عقد الزواج من حيث الصحة
والبطلان واستحقاق النكاح غير الصحيح للفسخ وبعدئذ نذكر نوع الفرقة بسبب بطلان عقد
الزواج وطريقها وآثارها ثم نذكر حالات الفسخ بسبب فساد العقد أو بطلانه في القانون
اليمني والقوانين العربية وبعد ذاك سنعرض أحكام القضاء الصادرة في هذا الشأن.
الفرع الأول
خلاف الفقهاء في التفرقة بين فساد العقد وبطلانه
أختلف
الفقهاء في التفرقة بين فساد العقد وبطلانه على قولين:
القول
الأول: العقد الفاسد والعقد
الباطل سواء ولا فرق بينهما، فالعقد إما أن يكون مستوفياً كل أركانه وشرائطه فيكون
صحيحاً منتجاً لأثاره التي رتبها الشارع وأما أن يكون مختلاً في واحد من ذلك فيكون
باطلاً وفاسداً، وهو قول جمهور الفقهاء، فالفساد يعني البطلان تماماً وهو تجرد
التصرف عن اعتباره وأثاره في نظر الشارع، فالعقد الفاسد والعقد الباطل سواء وبمعنى
واحد، وهو العقد الذي يعتبر وجوده كعدمه في نظر الشارع مع قيامه بالفعل، فلا يترتب
عليه أي أثر من الآثار التي رتبها الشارع على العقد الصحيح. وذلك لمخالفته لنظام
التعاقد الذي رسمه الشارع، مثل فقدان الرضاء، ومثل أن يكون القبول مخالفاً للإيجاب
أو نقصان أحد شرائط الانعقاد أو الصحة وغير ذلك مما يخرج العقد عن الصحة.
القول
الثاني: هناك فرق بين بطلان
العقد وفساده، فالفساد مرحلة وسط بين البطلان والصحة، وهو قول الحنفية، فالعقد
الفاسد هو ما كانت المخالفة فيه منصبة على ناحية غير جوهرية في العقد حيث يكون
العقد مستوفياً أركانه وشرائط انعقاده، ولكن تنقصه شروط الصحة أو لحقت به من
الشروط المقيدة ما يعتبره الفقهاء مخالفة لمقتضى العقد، فالحنفية يرون أن المخالفة
الطارئة على العقد ليست دائماً من الخطورة بحيث تلغو معها أثار العقد كلها فيعتبر
معها كان لم يكن وذلك تسهيلاً للمعاملات التي قلما تخلو عن مخالفة، والعقد الفاسد
مع هذا الاعتبار مستحق للفسخ ما دام ذلك ممكناً، فإن لكل من المتعاقدين أن يفسخه
كما أن للقاضي فسخه إذا علم، فهو عقد مسلوب اللزوم مادام لم يفسخ، ولم يحل ما نع
دون فسخه، فإذا فسخ العقد انعدم تماماً وألحق بالباطل من كل وجه، ومع أن الحنفية
متفقون على التفرقة بين العقد الباطل والعقد الفاسد إجمالاً إلا أنهم مختلفون بشأن
تطبيق هذه التفرقة على عقد الزواج حيث يذهب معظم الحنفية إلى القول بأن عقد الزواج
يستوي باطله و فاسدة في الحكم لأن أثر عقد الزواج هو الحل بين الزوجين وذلك غير
قابل للتدرج فهو إما أن يكون موجوداً إذا كان العقد صحيحاً مستكملاً كل أركانه
وشروطه خالياً من كل مفسد وإما أن يكون غير موجود، كما إن عقد الزواج من أنواع
العبادات لاشتماله على الإحكام الخمسة من وجوب واستحباب وتحريم...إلخ، ومعلوم أن
العبادات لا فرق فيها بين فاسد وباطل، فقد ذكر الكمال بن الهمام في فتح القدير (إن
العقد الباطل والفاسد في النكاح سواء) ([67])
ونص إبن نجيم الحنفي في الأشباه والنظائر أن (الباطل والفاسد مترادفان في الزواج
والعبادات)([68])
في حين يرى الدكتور أحمد الحجي أن بعض الحنفية ذهبوا إلى التفرقة في عقد الزواج
بين الفاسد والباطل وحجة هؤلاء أن العقد الفاسد إذا تبعه دخول تترتب عليه بعض
الآثار بخلاف العقد الباطل فإنه لا يترتب عليه شيء من ذلك ويعد الدخول فيه زنا من
كل وجه وهذا وحده كافٍ للقول بالتفريق بين فاسد النكاح وباطلة([69]).
وبناءً على ذلك فالنكاح الفاسد عند هؤلاء هو ذلك الذي يصلح أن
يكون فيه شبهة استحلال للمتعة يثبت معها النسب والمهر والعدة، كالنكاح بلا شهود، ونكاح
المعتدة قبل انقضاء عدتها وزواج الرجل بمطلقته بعد ثلاث طلقات قبل زواجها من غيره.
أما
النكاح الباطل فهو الذي لا شبه فيه أصلاً، كما لو تزوج رجل إحدى محارمه كبنته أو
أخته عالماً بالحرمة فإنه كالزنا المحض، بل أفظع، فلا يترتب عليه اثر من نسب أو
مهر، وتجب فيه عقوبة الحد على أرجح الآراء ([70]).
هذا
وقد بحث العلامة أبو زهرة في هذا الموضوع بشيء من التفصيل وذكر: (بأن المحققين من
الحنفية يرون أن فاسد النكاح وباطله سواء، فليس في النكاح إلا عقد صحيح وعقد غير
صحيح، والعقد غير الصحيح لا يترتب عليه شيء مطلقاً من آثار النكاح الصحيح ما لم
يحدث فيه دخول، فإن حدث دخول، فإن بعض أحكام النكاح سوف تترتب على هذا الدخول
المقترن بالعقد غير الصحيح، وتلك الأحكام ناتجة عن الشبهة التي أورثها ذلك العقد
المقترن بالدخول، وليست أثراً من آثار العقد ذاته)([71]).
الفرع الثاني
حكم عقد الزواج
من حيث الصحة والبطلان
إذا
تم العقد صحيحاً مستوفياً كل شروطه، سواء ما يتعلق منها بالانعقاد أو الصحة وخلا
عن كل شرط مفسد، فيعتبر صحيحاً في نظر الشارع وتترتب عليه جميع الآثار المقررة له،
ويثبت لكل من الزوجين قبل الآخر حقوق وواجبات نظمها الشارع.
فإذا
اختل أحد شروط العقد أو داخلته بعض الشروط المفسدة له كاشتراط توقيته بوقت محدد
ولو كان طويلاً، فإنه يعتبر غير صحيح في نظر الشارع وبالتالي غير منتج لأي أثر من
الآثار المترتبة شرعاً على العقد الصحيح هذا إذا لم يعقبه دخول فعلي، فإذا أعقبه
دخول، فكذلك من حيث أصل الانعقاد، ولكن بعض الآثار لابد ستترتب نتيجة الدخول، وذلك
راجع إلى الدخول ذاته وما تحيط به من القرائن والشبهات لا إلى العقد، ولا خلاف في
ذلك بين الفقهاء.
فإن
كل دخول إذا كان مصحوباً بشبهة أو بقرينة تعتبر شبهة في الحل فإن الشارع يرتب بعض
آثار النكاح عليها وذلك نتيجة لدرء الحد بهذه الشبهة، عملاً بقوله: (إدرأو الحدود
بالشبهات) وهناك خلاف بين الفقهاء في ما إذا كانت صيغة العقد ذاتها تعتبر شبهة
دارئة للحد ومثبتة بالتالي لبعض آثار النكاح، أم لا؟.
فأبو
حنيفة رحمه الله يجعل صيغة العقد الفاسد مورثه لشبهة تدرأ الحد، وجمهور الفقهاء لا
يعتبرون ذلك ما لم يثبت ذلك في ذهن الزوجين شبهة بالتأكيد.
والفقهاء مختلفون أيضاً فيما يعتبر شبهة وما لا يعتبر شبهة، وذلك
غير منوط بقاعدة معينة، بل راجع إلى أدله إفرادية فروعية مما يصعب معه ربطها
بقاعدة عامة تحكمها إلا أن يقال أن كل ما أثبت شبهة في ذهن أحد الزوجين قائمة على
أساس مقبول، فإنها تدرا الحد، كما إذا زفت إليه غير زوجته، وكذلك كل شبهة جاءت من
دليل شرعي لاغٍ، ولكن إلغاءه مختلف فيه بين الفقهاء، أو إن هذا الإلغاء للدليل كان
من الدقة بحيث يمكن أن يخفي على بعض الناس فإنها تعتبر شبهة دارئة للحد أيضاً، كما
في الدخول بجارية الابن، فإن قول الرسول r: (أنت ومالك
لأبيك) يمكن أن يثبت شبهة في ذهن بعض الناس. وكذلك العقد المختلف في صحته بين
الفقهاء فأنه يعتبر شبهة دارئة للحد لدى الفقهاء الذين قالوا بعدم صحته، وذلك كله
مذكور بالتفصيل في كتب المذاهب([72]).
فإذا
كان العقد غير صحيح ولم تقترن به شبهة من تلك الشبه المعتبرة لدى الشارع، كان
باطلاً، وبالتالي غير منتج لأي أثر من آثار الزوجية الصحيحة، سواء أعقبه دخول أم
لا، ويعد الدخول بعده زنا من كل وجه يوجب الحد، خلافاً لأبي حنيفة في العقد الفاسد
عنده كما تقدم([73]).
فإذا
أقترن بالعقد شيء من تلك الشبه المعتبرة كان الدخول بعده وطئاً بشبهة، وحكم ذلك
الوطء لدى الفقهاء. أنه يترتب عليه الآثار الآتية:
(1) درء الحد.
(2) ثبوت المهر، ذلك أن الدخول في الإسلام
لا يخلو عن عّقر أو عُقر وقد درء الحد فثبت المهر.
(3) وجوب العدة بعد الموت أو المتاركة
لضرورة التعرف على براءة الرحم.
(4) ثبوت نسب الولد من الزوج حماية لحق
الولد، ولآن الشارع يحرص على ذلك كل الحرص.
أما غير ذلك من الأحكام
والآثار المترتبة شرعاً على العقـد الصحيح فلا يثبت شيء منها مطلقاً، إذ أن العقد
الفاسد المتبوع بالدخول فعلاً قد اعتبرت له بعض آثار العقد الصحيح ضرورة، ولا
ضرورة في غير ما تقــدم وهذا عند الجمهور وفيهم الحنفية والشافعية([74]).
وذهب
الحنابلة إلى أن النكاح الفاسد قسمان:
قسم
يوجب المهر ولا يثبت به نسب ولا تجب به عدة ويقال له باطل وذلك كما إذا تزوج
محرماً من محارمه ودخل بها، ويجب بهذا الدخول الحد إن كان عالماً بالحرمة وإلا رفع
الحد للشبهة.
وقد ذكر في المغني أن العدة تجب فيه أيضاً بعد الدخول، وتعتد
بثلاث حيضات أو ثلاثة شهور لأن العدة تجب في الزنا عندهم فأولى أن تجب في هذا
النكاح ([75]).
وقسم
يجب به المهر والعدة ويثبت به النسب، وذلك فيما إذا فقد شرطاً من شرائط الصحة
عندهم، إذا قال بجوازه غيرهم كالنكاح بدون شهود، فإن المالكية قالوا بصحته إذا كان
مشهوراً، والعدة الواجبة بالموت بعده هي عدة بالحيض أو بثلاثة أشهر لا عدة الوفاة
وقد نقل جعفر بن محمد أنها عدة الوفاة وهذا اختيار أبي بكر. وقال أبو عبدالله بن
حامد ليس عليها عدة الوفاة وهو مذهب الشافعي.
أما
المالكية فقد ذهبوا إلى أن النكاح الفاسد نوعان نوع مجمع على فساده بين الأئمة
ونوع غير مجمع على فساده.
فالأول: كنكاح
المحارم بنسب أو رضاع، وهذا لو وقع يفسخ قبل الدخول وبعده بلا طلاق، فإن فسخ قبل
الدخول فلا شيء فيه سواء أكان الفساد بسبب العقد أو بسبب الصداق أو كان بسببهما
معاً، ويستثنى من ذلك حالتين:
(1) إذا تزوجها بمهر دون أقل المهر
"كدرهمين" مع أن أقله ثلاثة، فإن لها نصف الدرهمين بالفسخ قبل الدخول.
(2) فرقة المتراضعين
وفرقة المتلاعنين قبل الدخول، فإن لهما نصف الصداق المسمى.
وإن
فسخ بعد الدخول، فإنه يثبت به الصداق، فلو جمع بين البنت وعمتها في عقد واحد أو
عقدين ولم يعرف السابق منهما ووطئهما، كان لهما الصداق وعليهما الإستبراء بثلاث
حيضات ثم إن كان قد سمى لهما مهراً حلالاً كان لهما المسمى، أما إن كان حراماً
كخمر كان لهما صداق المثل ولا يحدان إلا إذا كانا عالمين بالحرمة والقرابة.
والثاني: وهو غير المجمع على فساده، ومنه النكاح حال الإحرام بالنسك، فإنه
صحيح عند الحنفية فإذا فسخ قبل الوطء لم يجب به شيء مطلقاً وإذا فسخ بعد الوطء، فإن
كان سمي فيه مهر حلال كان للزوجة المسمى بالغاً ما بلغ، وإن كان فيه مهر مسمى حرام
كخمر وخنزير أو لم يسم فيه شيء كان لها مهر المثل([76]).
الفرع الثالث
استحقاق النكاح غير الصحيح للفسخ
إذا
انعقد النكاح غير الصحيح وجب فسخه في الحال، فعلى كل من الزوجين أن يفسخ ساعة
العلم بفساده ولو دون علم صاحبه إن كان ذلك غير معلوم لهما قبلاً، لأن العقد
الفاسد يعتبر مسلوب اللزوم سواءً حفّت به من الشبه ما يدرأ الحد ويزيل وصف الحرمة
أم لا، وسواءً أحصل دخول بعد العقد أم لا وذلك خروجاً من الحرمة والمعصية، إذ أن
العقد غير الصحيح لا يمكن أن يثبت الحل بحال لأن الحل أثر من أثار الزواج الصحيح
فقط، وكل اجتماع بناءً عليه فهو باطل وزنا من كل وجه إذا لم يكن هنالك شبهة وأما
إذا حف به من الشبه ما يعتبر مزيلاً لوصف الحرمة، فإن ذلك مقصور على حال قيام
الشبه فقط فإذا ما زالت الشبهة وعلم الزوجان بالحرمة لم يبق للشبهة أي اعتبار هذا
إذا كانت شبهة اشتباه فإن كانت شبهة ملك فإنها تدرأ الحد ولكنها لا ترفع صفة
الحرمة عن الفعل فيبقى الفعل معها معصية يجب الابتعاد عنها بالتفرق والمتاركة ودرء
الحد بها لا يرفع الحرمة.
فإذا أصر الزوجان على متابعة الاتصال وعدم التفرق وجب على
القاضي أن يفرق بينهما إذا علم لآن التفريق بينهما إنما يكون لحق الشرع والقاضي هو
الحامي لحدود الله بصفته نائباً عن السلطان، كما يجب على كل من علم بفساد النكاح
أن يرفع الأمر للقاضي ويطلب إليه التدخل لفسخ النكاح، وتسمى هذه الدعوى بدعوى
الحسبة.
فإذا
فسخ الزوجان النكاح أو فسخه القاضي ثم حصل بعد ذلك دخول، كان ذلك زناً صريحاً لأن
آثار العقد الفاسد والشبهة التي حفت به وأثبتت له بعض الآثار قد زالا فكأن الأمر
محض زناً([77]).
هذا
إذا كان العقد متفقاً على عدم صحته لدى الفقهاء فإن كان صحيحاً لدى بعضهم باطلاً
لدى غيرهم كما في نكاح الشغار مثلاً فإنه صحيح عند الحنفية باطل عند الشافعي
والجمهور، فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى وجوب فسخه أيضاً لأنه باطل عندهم، أما
بالنسبة للقائلين بصحته فلا يفسخ سواء تبعه دخول أم لا، لأنه في نظر من يعتبروه
فاسداً عقد مسلوب اللزوم، فلكل من الزوجين فسخه دون علم صاحبه، خلوصاً عن المعصية
كما تقدم لأنه لا يثبت حلاً وعلى القاضي فسخه إذا علم به دون طلب من أحد حماية لحق
الشرع.
أما
المالكية فقد روي عن مالك أن النكاح الفاسد المختلف في فساده لدى الفقهاء يفسخ قبل
الدخول لا بعده أما النكاح المتفق على فساده، فإنه يفسخ قبل الدخول وبعده وبذلك
يدار الفسخ بعد الدخول على كون النكاح الفاسد مختلفاً فيه بين الفقهاء أو متفقا على
فساده([78]).
الفرع الرابع
وقت فسخ الزواج
الباطل وطريقه ونوع الفرقة
(1)وقت
وقوع الفسخ:
تنقضي
جميع آثار العقد الباطل أو الفاسد من تاريخ المتاركة، إن كان الفسخ من قبل الزوجين،
ومن تاريخ القضاء بالفسخ إن تم ذلك من قبل القاضي. والمتاركة تكون بالكلام كقول
الزوج لزوجته تركتك أو فسخت نكاحك وما في معناه، أو بالعزم على عدم العودة لوطئها([79]).
وخالف بعض الحنفية في ذلك وذهبوا إلى أن المتاركة بعد الدخول لا تكون إلا بالقول
فقط، فقد قال الكمال بن الهمام: (المتاركة في النكاح الفاسد بعد الدخول لا تكون
إلا بالقول، كقوله تركتك وما يقوم مقامه كتركتها، وخليت سبيلها أما عدم المجيء فلا
إذ الغيبه لا تكون متاركه لأنه لو عاد يعود ولو أنكر نكاحها لا يكون متاركة)([80]).
وذهب
زفر من الحنفية إلى أن المتاركة تثبت بترك وطئها فعلاً، وتجب العدة على المرأة
بهذه المتاركة إبتداءً من آخر الوطأت لأن الوطء هو السبب الموجب لها إذ إن العقد
لا يوجب العدة إذا خلا من الوطء.
ومن
ذلك يتضح أن العقد الفاسد يعتبر قائماً إلى أن تتم المتاركة أو القضاء بالفسخ، فإذا
تم ذلك زال نهائياً، ومعرفة ذلك ضرورية، لأن العقد الفاسد تترتب عليه بعض آثار
الزواج الصحيح، فإذا فسخ زال ولم يعد منتجاً لأي أثر([81]).
(2) طريق وقوع الفرقة:
والفسخ
لا يقع بحكم الشرع بل بحكم القاضي أو بفسخ الزوجين، فهو فسخ وليس إنفساخاً، بخلاف
ردة أحد الزوجين مثلاً، فإنه إنفساخ بحكم الشرع.
(3) نوع الفرقة:
والفرقة
في النكاح الفاسد فسخ عند الفقهاء جميعاً وليست طلاقاً، لأن الطلاق لا يرد إلا على
العقد الصحيح، وهو أثر من آثاره، وهذا عقد فاسد، فتكون الفرقة هنا فسخاً بالإجماع.
(4) صاحب الحق في الفرقة:
والفسخ
في النكاح إنما يقع لحق الشرع، وذلك لحرمة الاتصال بين الزوجين مع فساد العقد
ولذلك لا يتوقف الفسخ فيه على طلب أحد من الزوجين أو غيرهما، بل يجب على القاضي
فسخه بمجرد العلم به دون طلب من أحد، وعلى كل من علم به إبلاغ القضاء ويسمى ذلك
حسبة.
الفرع الخامس
فسخ الزواج بسبب بطلان العقد وفساده في قوانين الأحوال الشخصية العربية
أولاً:فسخ الزواج بسبب البطلان في قـانون الأحوال الشخصية
اليمني:
لم
يفرق القانون اليمني في عقد الزواج بين الفاسد والباطل، حيث أن عقد الزواج في
القانون اليمني أما أن يكون صحيحاً وأما أن يكون باطلاً، فلا وجود للعقد الفاسد
حيث أخذ القانون بقول جمهور العلماء، وفي هذا الشأن نصت المادة (30) من قانون
الأحوال الشخصية على أن (كل زواج أستوفي أركانه وشرائطه المبينة في الباب السابق
فهو صحيح ولو لم يعقبه دخول) في حين تنص المادة (31) على أن (الزواج الذي لم يستوف
أركانه وشرائطه المبينة في الباب السابق باطل ولا تترتب عليه قبل الدخول أية آثار
ويجب التفريق بين الطرفين قضاء إن لم يكن قد تم برضاهما ما لم يكن الشرط المفقود
في العقد جائز في مذهبيهما أو دخلاً فيه جاهلين ولم يخرق الإجماع المعتبر في
الحالين).
وهذا
النص يوافق قول المالكية والحنابلة، الذين فرقوا بين الزواج الفاسد بإجماع العلماء
كنكاح المحارم والمرأة في عدتها ونكاح زوجة الغير ونحو ذلك من المحرمات والذي لا
تترتب عليه أية آثار، وبين الزواج الفاسد الذي أختلف بشأنه العلماء كالزواج بلا
شهود أو بشرط التحليل أو بلا ولي أو بالشغار والذي تترتب عليه بعض الآثار.
وهناك من يعلق على نص المادة (31) بأنه صيغة أخرى للتفرقة بين
عقد الزواج الباطل وبين عقد الزواج الفاسد، لاسيما وقد وردت بعد هذا النص المادة
(32) التي نصّت على أن (تترتب على الزواج الباطل إذا أعقبه دخول الآثار الآتية:
1. وجوب مهر المثل أو المهر المسمى أيهما
أقل.
2. ثبوت النسب على الوجه المبين في هذا
القانون.
3. وجوب العدة عقب المفارقة رضاء أو قضاء
وعقب الموت.
4. حرمة المصاهرة.
5.
سقوط
الحد عمن دخلا جاهلاً).
ثانياً:فسخ الزواج لبطلانه في قانون الأحوال الشخصية المصري:
لم
يتعرض قانون الأحوال الشخصية المصري للعقد الفاسد ولم يبحث آثاره وأحكامه، إلا أن
القضاء المصري يطبق أحكام النكاح الفاسد عملاً بالقول الراجح عند الحنفية وفقـاً
للمـادة(1)من قانون الأحوال الشخصية التي تقضي بأنه في حالة عدم وجود نص فتصدر
الأحكام طبقاً لأرجح الأقوال في مذهب أبي حنيفة.
ثالثاً:فسخ الزواج لبطلان العقد في قانون الأحوال الشخصية
الأردني:
فّرق
قانون الأحوال الشخصية الأردني بين عقد الزواج الباطل وبين عقد الزواج الفاسد إلا
أنه لم يعرف أياً منهما، وإنما أكتفي بالنص على الحالات التي يكون فيها العقد
باطلاً والحالات التي يكون فيها فاسداً، فقد نصت المادة (33) منه على أن (يكون
الزواج باطلاً في الحالات التالية:
1.
تزوج
المسلمة بغير المسلم.
2. تزوج المسلم بامرأة غير كتابية.
3- تزوج الرجل بالمرأة ذات رحم محرم منه، وهن الأصناف المبينة في
المواد (23، 24، 2) من هذا القانون. ولا حكم لهذا العقد ولا يترتب عليه أثر ولا
يجوز بقاء الزوجين عليه، وإذا لم يتفرقا يتدخل القاضي باسم الحق الشرعي العام
للتفريق بينهما).في حين نصت المادة (41) على أن (الزواج الباطل سواء وقع به دخول
أو لم يقع به دخول لا يفيد حكماً أصلاً وبناءً على ذلك لا يثبت به بين الزوجين
أحكام الزواج الصحيح من النفقة والعدة وحرمة المصاهرة والإرث).
أما
الزواج الفاسد، فقد ذكرت حالاته المادة (34) التي نصت على أن (يكون الزواج فاسداً
في الحالات التالية:
1. إذا كان الطرفان أو أحدهما غير حائز على
شروط الأهلية حين العقد.
2. إذا عقد الزواج من غير شهود.
3. إذا عقد الزواج بالإكراه.
4. إذا كان شهود العقد غير حائزين للأوصاف
المطلوبة شرعاً.
5. إذا عقد الزواج على إحدى المرأتين
الممنوع الجمع بينهما بسبب حرمة النسب أو الرضاع.
6. زواج المتعة والزواج المؤقت.
وهناك
حالات يكون فيها الزواج فاسداً غير تلك الحالات ومن ذلك الزواج من خامسة لمن كان
في عصمته أربع نساء، أو زواج الرجل ممن طلقها طلاقاً بائناً بينونة كبرى، لذلك فإن
بعض شراح القانون يرون أنه ينبغي على القانون أن لا يحصر حالات الزواج الفاسد فيما
سبق، وإن يجعل ما سبق ذكره في المادة (34) أمثله للزواج الفاسد ويرجع في باقي
الأنواع من الزواج الفاسد إلى الراجح من مذهب الحنفية عملاً بالمادة (183) من
القانون الأردني.
وقد بينت المادة (56) من القانون الأردني حكم العقد الفاسد
حيث نصت هذه المادة على أنه (إذا وقع الافتراق بعد الدخول في العقد الفاسد ينظر
فإن كان المهر مسمي يلزم الأقل من المهرين المسمى والمثل وإن كان المهر لم يـّسم أو
كانت التسمية فاسدة يلزم مهر المثل بالغاً ما بلغ إما إذا وقع الافتراق قبل الدخول
فلا يلزم المهر أصلاً) وفي هذا السياق نصت المادة (42) من القانون الأردني على أن
(الزواج الفاسد الذي لا يقع به الدخول لا يفيد حكماً أصلاً أما إذا وقع به دخول
فيلزم به المهر والعدة ويثبت النسب وحرمة المصاهرة ولا تلزم بقية الأحكام كالإرث
والنفقة والعدة قبل التفريق أو بعده).
والقانون
الأردني يحرم الاستمرار في الزواج الفاسد والباطل حيث نصت المادة (43) على أن
(بقاء الزوجين على الزواج الباطل أو الفاسد ممنوع فإذا لم يفترقا يفرق القاضي
بينهما عند ثبوت ذلك بالمحاكمة باسم الحق العام الشرعي ولا تسمع دعوى فساد الزواج
بسبب صغر السن إذا ولدت الزوجة أو كانت حاملاً أو كان الطرفان حين إقامة الدعوى
حائزين على شروط الأهلية) ويستند المنع من سماع دعوى فساد زواج الصغير إلى أن
الأصل هو مشروعية زواج الصغير وبالتالي فإذا ولدت الزوجة أو حملت فهذا يدل على أن
الزوجين بالغان وكذلك إذا كانا حائزين على شروط الأهلية حفاظاً على حقوق المولود
أو الحمل.
رابعاً: فسخ الزواج لبطلان عقد الزواج في قانون حقوق العائلة
العثماني:-
وهذا
القانون مأخوذ من الفقه الحنفي، وقد قسم هذا القانون الأنكحة غير الصحيحة إلى باطلة وفاسدة حسبما ورد في المواد (53، 58،
75، 76) من هذا القانون، وذلك على الوجه الآتي:-
1. الأنكحة الفاسدة: إذا كان يثبت فيها
بالدخول نُسب الولد وعدة على المرأة مع عدم انعقاده كنكاح المحارم في رأي أبي
حنيفة والنكاح بلا شهود ونكاح من دون السن التي أشترطها القانون.
2.
الأنكحة الباطلة: إذا كانت عديمة الأثر لا يثبت معها نسب
كزواج المسلمة بغير المسلم.
خامساً:فسخ الزواج لبطلان العقد في قانون الأحوال الشخصية
السوري:
يفرق
هذا القانون بين الزواج الفاسد والزواج الباطل حيث تنص المادة (50) منه على أن
(الزواج الباطل لا يترتب عليه شيء من آثار الزواج الصحيح ولو حصل فيه دخول)، في
حين نصت المادة (51) منه على أن:
1.
الزواج
الفاسد قبل الدخول في حكم الباطل.
2.
ويترتب
على الوطء فيه النتائج التالية:
أ- المهر في الحد الأقل من مهر المثل
والمسمى.
ب-نسب
الأولاد بنتائجه المبينة في المادة (133) من هذا القانون..
ج- حرمة المصاهرة.
د- عدة الفراق في حالتي المفارقة أو موت الزوج، ونفقة العدة
دون التوارث بين الزوجين.
3. تستحق الزوجة النفقة الزوجية ما دامت جاهلة فساد
النكاح).
سادساً:فسخ الزواج لبطلان العقد في مدونة الأسرة المغربية
(قانون الأحوال الشخصية المغربي):
تفرق
مدونة الأسرة المغربية بين الزواج الباطل والزواج الفاسد وترتب بعض الآثار على
الزواج الباطل والفاسد معاً حيث نصت المادة (57) على أن (يكون الزواج باطلاً:
(1) إذا ختل فيه
أحد الأركان المنصوص عليها في المادة ((10).
(2) إذا وجد بين
الزوجين أحد موانع الزواج المنصوص عليها في المواد
(35 إلى 39) أعلاه.
(3) إذا انعدم
التطابق بين الإيجاب والقبول).
في
حين نصت المادة (58) على أن (تصرح المحكمة ببطلان الزواج تطبيقاً لأحكام المادة 57
أعلاه بمجرد إطلاعها عليه، أو بطلب ممن يعنيه الأمر ويترتب على هذا الزواج بعد
البناء الصداق والاستبراء، كما يترتب عليه عند حسن النية لحوق النسب وحرمة
المصاهرة)، أما المادة (59) فقد عرّفت الزواج الفاسد حيث نصت على أن (يكون الزواج
فاسداّ إذا اختل فيه شرط من شروط صحته طبقاً للمادتين 60و61 ومنه ما يفسخ قبل
البناء ويصحح بعده، ومنه ما يفسخ قبل البناء وبعده) وفي هذا الشأن نصت المادة (60)
على أن (يفسخ الزواج الفاسد قبل البناء ولا صداق فيه إذا لم تتوفر في الصداق شروطه
الشرعية، ويصحح بعد البناء بصداق المثل، وتراعي المحكمة في تحديده الوسط الاجتماعي
للزوجين). أما المادة (61) فقد نصت على أن (يفسخ الزواج الفاسد قبل البناء وبعده، وذلك
في الحالات التالية:
1. إذا كان الزواج في المرض المخوف
لأحد الزوجين، إلا أن يشفي المريض بعد الزواج.
2. إذا قصد الزوج بالزواج تحليل المبتوتة لمن طلقها
ثلاثاً.
3. إذا كان الزواج بدون ولي في
حالة وجوبه.
يعتد بالطلاق أو التطليق الواقع في الحالات المذكورة أعلاه، قبل
صدور الحكم بالفسخ) في حين نصت المادة (62) على أنه (إذا اقترن الإيجاب أو القبول
بأجل أو شرط واقف أو فاسخ، تطبق أحكام المادة 47 أعلاه)، ومعلوم أن المادة (47) قد
نصت على أن الشروط كلها ملزمة إلا ما خالف منها أحكام العقد، أما المادة (63) فقد
نصت على أنه (يمكن للمكره أو المدلس عليه من الزوجين بوقائع كان التدليس بها هو
الدافع إلى قبول الزواج أو اشترطها صراحة في العقد، أن يطلب فسخ الزواج قبل البناء
وبعده خلال أجل لا يتعدى شهرين من يوم زوال الإكراه، ومن تاريخ العلم بالتدليس مع
حقه في طلب التعويض)، في حين نصت المادة (64) على أن (الزواج الذي يفسخ تطبيقاً
للمادتين 60و61 أعلاه، لا ينتج أي أثر قبل البناء، وتترتب عليه بعد البناء آثار
العقد الصحيح إلى أن يصدر الحكم بفسخه)، ومن استقراء النصوص السالف ذكرها يظهر أن
القانون المغربي يرتب بعض الآثار على الزواج الباطل ولم يكتف بترتيب بعض الآثار
على الزواج الفاسد كما ذهب بعض الفقهاء وسلكت مسلكهم كثير من قوانين الأحوال
الشخصية العربية.
سابعاً: فسخ الزواج لبطلان العقد في قانون الأحوال الشخصية
الكويتي:
يفرق
قانون الأحوال الشخصية الكويتي بين الزواج الباطل والزواج الفاسد حيث تنص المادة
(48) من هذا القانون على أن (الزواج الباطل لا يترتب عليه شيء من آثار الزواج)، في
حين تبين المادة (49) حالات الزواج الباطل حيث تنص على أن (يكون الزواج باطلاً في
الحالات الآتية:
أ- إذا حصل خلل في
الصيغة أو في أهلية العاقد يمنع انعقاد العقد.
ب- إذا كانت الزوجة
من المحارم قرابة أو رضاعاً أو مصاهرة أو زوجة للغير أو معتدته أو مطلقة الزوج
ثلاثاً أو لا يحل له الجمع بينهما وبين من في عصمته أو لا تدين بدين سماوي.
ج- إذا كان أحد
الزوجين مرتداً أو كان الزوج غير مسلم والمرأة مسلمة.
ويشترط
في الفقرتين (ب، ج) السابقتين ثبوت العلم بالتحريم وسببه ولا يعتبر الجهل عذراً
إذا كان إدعاؤه لا يقبل من مثل مدعيه).
أما
المادة (50) من القانون ذاته فقد نصت على أن ( كل زواج غير صحيح غير ما ذكر في
المادة السابقة يعتبر فاسداً ويترتب على الدخول فيه:
أ- وجوب الأقل من المهر المسمى ومهر المثل
عند التسمية ومهر المثل عند عدمها.
ب-ثبوت
نسب الأولاد بشرائطه ونتائجه المبينة في هذا القانون.
ج- وجوب العدة عقب المفارقة رضاءً أو
قضاءً وبعد الوفاة.
د- حرمة المصاهرة.
ثامناً: فسخ الزواج لبطلان العقد في قانون الأحوال الشخصية
القطري:
يُقسم
قانون الأحوال الشخصية القطري عقد الزواج إلى صحيح وغير صحيح فقط، حيث نصت المادة
(60) من هذا القانون على أن (ينقسم عقد الزواج إلى صحيح وغير صحيح ) في حين تعّرف
المادة (61) عقد الزواج الصحيح حيث نصت على أن (عقد الزواج الصحيح هو ما توفرت
أركانه وشروطه وانتفت موانعه) أما المادة (62) فقد عرّفت عقد الزواج غير الصحيح
حيث نصت على أن (عقد الزواج غير الصحيح هو ما أختل ركن من أركانه أو شرط من شروط
صحته أو كان فيه ما نع شرعي ويشمل الباطل والفاسد).
أما
المادة (63) فقد بينت أثار عقد الزواج الصحيح حيث نصت على أن (تترتب على الزواج
الصحيح آثاره منذ انعقاده) وفي السياق ذاته بينت المادة (64) آثار الزواج غير
الصحيح حيث نصت على أنه:
(أ-لا
يترتب على الزواج غير الصحيح أي آثر قبل الدخول.
ب-
تترتب على الزواج غير الصحيح بعد الدخول الآثار الآتية:-
1.
وجوب الأقل من المهر المسمى ومهر االمثل.
2. ثبوت النسب.
3. ثبوت حرمة المصاهرة.
4.
وجوب العدة.
5. وجوب النفقة إذا كانت المرأة جاهلة عدم صحة العقد.)
الفرع السادس
أحكام القضاء في
الزواج الباطل
(1) أصدرت محكمة
شرعية بغداد الرصافة حكماً وجاهياً بتاريخ 13/8/1973م قضى بفسخ زواج المدعية
المميز عليها المسلمة(هـ) من زوجها غير المسلم (ق) واعتبار الفسخ طلاقاً بائناً
بينونة صغرى بحيث لا تحل له إلا برضاها ومهر جديد وعقد مستأنف فيما إذا اعتنق
المدعى عليه الدين الإسلامي الحنيف وتحميله المصاريف، وبلغ المتداعيان بهذا الحكم
يوم صدوره ولعدم تمييزه أرسلته المحكمة للتمييز عملاً بالمادة 309 مرافعات.
لدى التدقيق والمداولة وجد أن المحكمة الشرعية قد حكمت
بفسخ زواج المدعية من المدعى عليه واعتبار الفسخ طلاقاً بائناً بينونة صغرى، ولم
تلاحظ أن الفسخ ليس طلاقاً فلا ينقص عدد الطلقات وإن امتناع الزوج عن الإٍسلام بعد
عرضه عليه لإسلام زوجته يستوجب الحكم بالتفريق بينهما واعتبار هذا التفريق طلقة
بائنة نظراً لأن الممتنع هو الزوج الذي بيده الطلاق وحيث أن عدم ملاحظة المحكمة
الشرعية لما ذكر أعلاه قد أخل بصحة الحكم الصادر لذا قررنا نقضه وإعادة الأوراق
إلى محكمة الموضوع للسير في الدعوى وفق ما تقدم وإصدار حكم موافق للشرع والقانون، صدر
القرار بالاتفاق بتاريخ 7 شعبان 1393هـ الموافق 4/9/1973م.
(2) قضت محكمة
النقض المصرية بأن مباشرة المجنون عقد زواجه بنفسه، أثره عدم انعقاد العقد وما
ترتب عليه من آثار([82]).
المطلب الثاني
فسخ الزواج بسبب حرمة المصاهرة
المصاهرة
قد تكون مانعاً من عقد الزواج بداية فإذا ما تم الزواج فإنه يكون باطلاً وقد ذكرنا
أحكام ذلك تفصيلاً في المطلب السابق حينما استعرضنا فسخ الزواج بسبب بطلان العقد
أو فساده.
والمصاهرة
المقصودة في هذا المطلب هي المصاهرة التي تطرأ بعد انعقاد عقد الزواج صحيحاً
فتجعله بعدئذ باطلاً، كأن يتزوج الرجل أو يعقد أو يدخل بإحدى المحرمات عليه على
سبيل التأبيد أو التأقيت بسبب الزواج السابق.
الفرع الأول
خلاف الفقهاء
بشأن الفسخ بسبب حرمة المصاهرة
أجمع
الفقهاء على أن التحريم الطارئ كالتحريم المرافق تماماً، لأنه مفسد للمحل وذلك
مبطل للزواج. وذلك يمنع انعقاد النكاح ابتداءً فذلك بقاءه أيضاً.
ولكن
هل يعد طروء سبب من أسباب التحريم مفسداً للعقد، ويجعله مستوجباً للفسخ، إما
بالمتاركة أو بقضاء القاضي؟ وهل كل وطء قبل الفسخ وبعد قيام سبب التحريم وطء بشبهة
ينتفي معه الحد ؟ أم إن النكاح ينفسخ بحكم الشرع فور قيام سبب التحريم ولا حاجة
إلى متاركة أو قضاء وهل يعد الدخول بعده زناً من كل وجه؟
أختلف الفقهاء في هذا على قولين:
القول
الأول:ذهب الحنفية
والمالكية إلى أن طروء التحريم بالمصاهرة يفسد النكاح ويجعله مستوجباً للفسخ. فعلى
الزوجين أن يفسخاه بالمتاركة، وعلى القاضي أن يقضي بفسخه إذا علم به لأن المصاهرة
تفسد العقد، والعقد الفاسد لا ينقضي إلا
بالمتاركة أو بالقضاء بالفسخ كما تقدم في مطلب فساد العقد.
القول
الثاني:ذهب الشافعية والحنابلة
إلى أن التحريم بالمصاهرة الطارئة على العقد يبطل العقد، فتنقضي كل التزاماته
وآثاره دون ما حاجة إلى فسخ أو متاركة، مثله في ذلك مثل الرضاع والمصاهرة
المرافقين أو السابقين على نشوء العقد، فالنكاح ينفسخ بحكم الشرع حال ثبوت التحريم([83]).
ويثبت التحريم بالمصاهرة بالوطء ولا يثبت بمجرد العقد
فمن عقد على امرأة عقداً فاسداً فلا تحرم عليه أمها ولا أبنتها، وإذا عقد الأب على
امرأة عقداً فاسداً فلا يحرم على أبنه أن يتزوجها إن لم يدخل بها الأب دخولاً
حقيقياً، لأن العقد الفاسد لا يترتب عليه تحريم وإنما يحصل التحريم بالدخول
الحقيقي وهذا مذهب الشافعية والحنابلة والمالكية ويرى الحنفية والهادوية أن
التحريم يحصل بمقدمات الوطء مثل المس بشهوة والنظر إلى الفرج بشهوة ولو لم يحصل
دخول حقيقي([84]).
الفرع الثاني
نوع الفرقة بسبب
المصاهرة وآثارها
أولاً:
نوع الفرقة:
الفرقة
بسبب حرمة المصاهرة فسخ عند جميع الفقهاء، لا طلاق، أما على رأي الحنفية، فلأن
الفرقة بسبب حرمة المصاهرة ليست مختصة بالزوج بل هي مما يشترك فيه الزوج والزوجة
معاً. فقد تكون من قبلها كأن تزني بابن زوجها، وقد تكون منه كان يزني بأم زوجته، وما
كان ذلك فهو فسخ عند الحنفية لا طلاق، وأما على رأي المالكية فلأن التحريم بسبب
المصاهرة يورث حرمة مؤبدة غير قابلة للزوال تبطل النكاح، ولذلك كان فسخاً، وأما
على مذهب الشافعية والحنابلة فلأنها ليست فرقة من قبل الزوج أو نائبه بالألفاظ
الدالة على الطلاق، وما كان كذلك كان فسخاً عندهم.
ثانياً: أثر الفرقة بسبب
المصاهرة على العدة والمهر وثبوت النسب والحد:
إذا
دخل الرجل بالمرأة وهما عالمان بالتحريم فهما زانيان وعليهما الحد ولا يثبت فيه النسب
وأختلف الفقهاء في وجوب العدة من الوطء بالزنا فيرى الحنفية والشافعية وأبو بكر
وعمر رضي الله عنهما: أنه لا عدة على المرأة هنا لأنها زانية ولا عدة على الزانية لان
العدة لحفظ النسب ولا يثبت النسب من الزنا.
ونقل عن الأمام مالك ورواية عن الأمام أحمد وغيرهما إنها
تعتد بحيضه لأن القصد من ذلك إستبراء الرحم والإستبراء يحصل بحيضه، في حين يرى
جمهور الحنابلة أنها تعتد عدة المطلقة، لأن العدة تجب لمنع اختلاط الأنساب لأنها
لو تزوجت قبل أن تعتد ثم حملت بعد ذلك لأشتبه ولد الزوج بالولد من الزنا فلا يحصل
الحفظ المطلوب للأنساب([85]).
أما
إذا كان الرجل والمرأة غير عالمين بالتحريم كما لو تزوج بأخته من الرضاعة وهو لا
يعلم أو تزوج امرأة في عدتها وهو لا يعلم أو علم بذلك ولكنه يجهل التحريم فإن
الوطء في ذلك الزواج يكون شبهة فلا إثم عليه ويلحقه النسب وتجب عليها العدة ولها
مهر المثل ويثبت التحريم بالمصاهرة فهو كالوط بنكاح فاسد ويذهب الأوزاعي وبعض
الحنابلة إلى أن الوطء في الدبر يثبت به التحريم بالمصاهرة مثله في ذلك مثل القبل،
وعند الشافعية يثبت التحريم بالمصاهرة في استدخال الماء المحترم كما لو وطء الرجل
زوجته فساحقت امرأة أخرى فأنزلت ماء زوجها في قبل الأخرى ([86]).
الفرع الثالث
فسخ الزواج بسبب
المصاهرة في قوانين الأحوال الشخصية العربية
أولاً:فسخ
الزواج بسبب المصاهرة في قانون الأحوال الشخصية اليمني:
ذكر القانون اليمني المحرمات من النساء ضمن موانع الزواج حيث
نصت المـادة (24) من قانون الأحوال الشخصية على أنه (يحرم على المرء من النسب
أصوله وفروعه ونساؤهم ومن تناسل من أبويه وأول درجة من نسل أجداده وجداته وإن علون
وأصول زوجته لمجرد العقد عليها وفروعها بعد الدخول بها) في حين نصت المادة (25)
على بقية المحرمات فنصت بأنه (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب وتثبت الحرمة من
المرضع وزوجها حال الرضاع ولا يثبت الرضاع إلا بامتصاص الرضيع من ثدي المرضع في
الحولين الأولين خمس رضعات متفرقات). وفي السياق ذاته تنص المادة (26) من القانون
على أنه ( يحرم على الرجل الزواج من:
(1) المخالفة في الملة ما لم تكن كتابية.
(2) المرتدة عن دين الإسلام.
(3) المتزوجة بغيره.
(4) الملاعنة ممن لاعنها.
(5) المطلقة منه ثلاثاً قبل أن يدخل بها زوج
أخر وتعتد منه.
(6) المعتدة إلا ممن تعتد منه في طلاق رجعي
أو بينونة صغرى في الخلع بعد عقد.
(7) المحرمة بحج أو عمرة.
(8) الخنثى المشكل.
(9) امرأة المفقود قبل الحكم بارتفاع الزواج
).
في
حين نصت المادة (27) على أنه (يحرم على الرجل الجمع بين امرأتين لو فرض أن إحداهما
ذكر حرمت عليه الأخرى من الطرفين) كما نصت المادة (28) على أن ( تعتبر المعتدة من
طلاق رجعي في عصمة مطلقها إلى أن تنقضي عدتها ) أما المادة (29) فقد نصت على
أن(يحرم على المسلمة الزواج بغير مسلم).
وفي
ضوء هذه النصوص إذا طرأ على الزواج القائم تحريم طارئ فعندئذ ينبغي تطبيق أحكام
المادة (46) التي نصت على أنه (إذا تبين بين الزوجين سبب من الأسباب القاطعة
بالتحريم انفسخ النكاح بينهما بحكم الشرع دون حاجة إلى الحكم بالفسخ على أن تدون
القضية بنظر المحكمة، أما إذا أنكر أحدهما وجود السبب المحرم فلا بد من إثباته
بحكم من المحكمة)، وفي هذا فإن القانون اليمني قد أخذ بقول الحنفية والزيدية
والمالكية في هذا الشأن، إضافة إلى أن القانون اليمني قد اشترط اللجوء إلى القضاء
سواءً في حالة الاتفاق بين الزوجين على وجود سبب التحريم أو في حالة الخلاف بشأن
وجود سبب التحريم، حيث ألزم الزوجين في حالة الاتفاق بتوثيق اتفاقهما أمام المحكمة
على فسخ الزواج بسبب التحريم، أما في حالة الخلاف بينهما فالمحكمة هي التي تفصل في
هذا الخلاف، ومن هذا المنطلق فإن فسخ الزواج بسبب حرمة المصاهرة يتم في كل أحواله
بنظر القضاء في اليمن.
ثانياً: فسخ الزواج بسبب حرمة المصاهرة في قانون الأحوال
الشخصية المصري:
لم
يتعرض لذلك، وترك هذا الأمر للقول الراجح في مذهب الحنفية طبقاً لنص المادة (1) من
هذا القانون، وقد ذكرنا قول الحنفية في هذا الشأن.
ثالثاً:فسخ الزواج بسبب حرمة المصاهرة في قانون الأحوال
الشخصية السوري:-
نصت المادة (34) من هذا القانون على أنه (يحرم على الرجل:
(1)
زوجة
أصله أو فرعه وموطوءة أحدهما .
(2) أصل موطوءته وفرعها وأصل زوجته ).
كما
نصت المادة (35) على أنه ( 1. يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب إلا ما قرر فقهاء
الحنفية استثناءه. 2- يشترط في الرضاع للتحريم أن يكون في العامين الأولين وأن
يبلغ خمس رضعات متفرقات يكتفي الرضيع في كل منها قل مقدارها أو كثر)، وقد ترك
القانون السوري بقية التفاصيل للقول الراجح في مذهب الحنفية.
رابعاً:فسخ الزواج بسبب حرمة المصاهرة في قانون الأحوال
الشخصية الأردني:
تنص المادة (24) منه على أنه (يحرم على التأبيد تزوج الرجل
بامرأة من ذوات رحم محرم منه وهن:-1- بناته وحفيداته وإن نزلن. -2- أخواته وبنات
إخواته وبناتهن وإن نزلن -3- عماته وخالاته ) في حين نصت المادة (25) على أنه(يحرم
على التأبيد تزوج الرجل بامرأة بينه وبينها مصاهرة وهن على أربعة أصناف:
(1) زوجات أولاد الرجل وزوجات أحفاده.
(2) أم زوجته وجداتها مطلقاً.
(3) زوجات أبي الرجل وزوجات أجداده.
(4) ربائبه أي بنات
زوجته وبنات أولاد زوجته بشرط الدخول بالزوجات في هذه الحالة).
كما
نصت المادة (26) على أنه ( يحرم على التأبيد من الرضاع ما يحرم من النسب إلا ما
أستثنى في مذهب الإمام أبي حنيفة) وفي هذا السياق نصت المادة (27) على أنه (يحرم
العقد على زوجة أخر أو معتدته) في حين نصت المادة (28) على أنه يحرم على كل من له
أربع زوجات أو معتدات أن يعقد زواجه على امرأة أخرى قبل أن يطلق إحداهن وتنقضي
عدتها ) كما نصت المادة (29) على أنه (يحرم على الرجل الذي طلق زوجته التزوج بذات
محرم لها ما دامت في العدة) في حين نصت المادة (30) على أنه (يحرم على من طلق
زوجته ثلاث مرات متفرقات في ثلاثة مجالس أن يتزوج بها إلا إذا انقضت عدتها من زوج
أخر دخل بها) أما المادة (31) فقد نصت على أنه (يحرم الجمع بين امرأتين بينهما
حرمة النسب أو الرضاع بحيث لو فرضت واحدة منهما ذكراً لم يجز نكاحها من الأخرى).
وقد سبق أن ذكرنا في المطلب السابق أن القانون الأردني قد نص في المادة (43) على
أن بقاء الزوجين على الزواج الباطل والفاسد ممنوع وأنه يجب عليهما التفرق وإذا لم
يفترقا يفرق القاضي بينهما.
خامساً:فسخ الزواج بسبب حرمة المصاهرة في قانون الأحوال
الشخصية الكويتي رقم (51) لسنة 1984م:
تنص
المادة (12) من هذا القانون على أنه (يشترط لصحة الزواج إلا تكون المرأة محرمة على
الرجل تحريماً مؤبداً أو مؤقتاً) في حين تنص المادة (13) على أنه( يحرم على الشخص
بسبب النسب الآتي: "أ- أصله وأن علا "ب- فرعه وإن نزل "ج-فروع
أبويه وأن بعدوا "د- الطبقة الأولى من فروع أجداده وجداته) أما المادة (14)
فقد نصت على أنه( يحرم على الرجل بسبب المصاهرة: "أ- من تزوجت أحد أصوله وإن
علو "ب- من تزوجت أحد فروعه وإن نزلوا "ج- أصول زوجته وأن علون
"د-فروع زوجته التي دخل بها دخولاً حقيقياً وإن نزلن) في حين نصت المادة (15)
على أنه (يحرم على الشخص فرعه من الزنا وإن نزل ولا يحرم سواه بسبب الزنا) إما
الـمادة (16) فقد نصت على أنه ("أ- يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب "ب-
وتثبت حرمات المصاهرة بالرضاع) كما نصت المادة (17) على أنه (يشترط في التحريم
بالرضاع أن يكون في الحولين الأولين وأن يبلغ خمس رضعات مشبعات).
كما
نصت المادة (18) على أنه (لا ينعقد زواج المسلمة بغير المسلم وزواج المسلم بغير
كتابية وزواج المرتد عن الإسلام أو المرتدة ولو كان الطرف الآخر غير مسلم) أما
المادة(19) فقد نصت على أنه (لا ينعقد زواج الرجل بزوجة غيره أو معتدته) ونصت
المادة (20) على أنه (لا يجوز الجمع ولو في العدة بين امرأتين لو فرضت كل منهما
ذكراً حرمت عليه الأخرى) ونصت المادة (21) على أنه (لا يجوز أن يتزوج الرجل بخامسة
قبل أن ينحل زواجه بإحدى زوجاته الأربع وتنقضي عـدتها)، ونصــت المــادة(22) على
أنه ( لا يجوز أن يتزوج الرجل امرأة طلقت منه ثلاث مرات إلا بعد انقضاء عدتها من
زوج أخر دخل بها فعلاً في زواج صحيح ) ونصت المادة (23) على أنه (لا يجوز أن يتزوج
الرجل امرأة أفسدها على زوجها إلا إذا عادت إلى زوجها الأول ثم طلقها أو مات
عنها). ولم ينص القانون الكويتي على كيفية وطريقة فسخ الزواج بسبب حرمة المصاهرة
الطارئة على الزواج.
سادساً:فسخ الزواج بسبب حرمة المصاهرة في قانون الأحوال
الشخصية القطري :
تنص
المادة (22) من هذا القانون على أنه ( يحرم على الشخص بسبب النسب التزوج من:"أ.
أصله وإن علا "ب. فرعه وإن نزل "ج. فروع أحد الأبوين أو كليهما وإن
نزلوا "د-الطبقة الأولى من فروع أجداده أو جداته) في حين نصت المادة (23) على
أنه (يحرم على الشخص بسبب المصاهرة التزوج بالآتي: "أ. زوج أحد أصوله وإن
علوا أو أحد فروعه وإن نزلوا بمجرد العقد "ب. أصول زوجة وأن علوا بمجرد العقد
"ج-فروع زوجته التي دخل بها دخولاً حقيقياً وإن نزلن) ونصت المادة (24) على
أنه (يحرم على الشخص التزوج بفرعه من الزنا وأن نزل وكذا أبنته المنفية بلعان) في
حين نصت المادة (25) على أنه(يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب إذا وقع الرضاع في
العامين الأولين وبلغ خمس رضعات مشبعات متيقنات) ونصت المادة (26) على أنه(يحرم
على الرجل التزوج بمن لاعنها) أما المادة (27) فقد بينت المحرمات على التأقيت حيث
نصت على أن(المحرمات بصفة مؤقتة هنّ: "أ. الجمع ولو في العدة بين امرأتين لو
فرضت إحداهما ذكراً لحرُم عليه التزوج بالأخرى "ب. الجمع بين أكثر من أربع
نسوة ولو كانت إحداهن في عدة "ج. زوجة الغير أو معتدته "د- مطلقته ثلاث
مرات حتى تنقض عدتها من زوج أخر دخل بها دخولاً يعتد به شرعاً في زواج صحيح
"هــ- المحرمة بحج أو عمرة "و-المرأة غير المسلمة "ما لم تكن
كتابية" ز-زواج المسلمة بغير المسلم) ولم يبين القانون القطري طريقة فسخ
الزواج بسبب حرمة المصاهرة الطارئة على الزواج مثله في ذلك مثل القانون الكويتي.
سابعاً:فسخ الزواج بسبب حرمة المصاهرة في مدونة الأسرة
المغربية (قانون الأحوال الشخصية المغربي):
بينت المدونة المحرمات على سبيل التأبيد أو
التأقيت في المواد من (35 إلى 39) وهذه المحرمات مثل المحرمات التي وردت في
القانون القطري أو غيره من القوانين العربية، إلا أن الفسخ في القانون المغربي في
كل الأحوال لا يتم إلا بنظر المحكمة بل إن الطلاق في القانون المغربي لا يتم إلا
بموجب إذن من المحكمة، كما أن القانون المغربي لا يكتفي بترتيب الآثار كالنسب وخلافه
بالنسبة لعقد الزواج الفاسد بل يرتب بعض الآثار على عقد الزواج الباطل.
المطلب
الثالث
فسخ الزواج بسبب امتناع أحد الزوجين
غير الكتابيين عن الإسلام
وسنبين
في هذا المطلب حالة إسلام الزوجين معاً وأثرها على زواجهما السابق على إسلامهما، ثم
نذكر حكم الزواج بعد إسلام أحد الزوجين وبعد ذلك نستعرض نوع الفرقة بهذا السبب
وطريقها وآثارها.
الفرع الأول
إسلام الزوجين معاً
فإذا
أسلم الزوجان معاً فعندئذ ينظر إلى زواجهما وقت إسلامهما أهو صحيح بحيث تكون
الزوجة على صفة يجوز له معها ابتداء نكاحها، أم لا؟.
فإن
كانت على صفة يجوز له معها ابتداء نكاحها، فيبقى النكاح على حاله، ولا يسألان عن
شروط انعقاد النكاح وصحته، وهل كان بشهود وبولي وبرضا كامل... إلى غير ذلك من شروط
الصحة والانعقاد. إذا كانا يعتقدان صحته قبل الإسلام، وهذا بإجماع أهل العلم. فقد
قال أبن عبد البر ( أجمع العلماء على آن الزوجين إذا أسلما معاً في حال واحدة أن
لهما المقام على نكاحهما ما لم يكن بينهما نسب أو رضاع)([87]).
ويستدل
لذلك بأنه قد أسلم خلق كثير في عهد رسول الله jوأسلمت
نساؤهم وأقروا على أنكحتهم ولم يسألهم رسول الله
j عن
شروط النكاح، ولا كيفيته، وهذا أمر علم بالتواتر والضرورة، فكان يقيناً. وقد روى
أبو داود عن أبن عباس أن رجلاً جاء مسلماً على عهد رسول الله
j ثم جاءت امرأته مسلمة بعده، فقال: يا رسول الله:
إنها كانت أسلمت معي فردها عليه.
ثم
إن الفرقة إنما تحدث بسبب اختلاف الدين وهما لم يختلف دينهما لا قبل العقد ولا بعده فلا فرقة.
وإن
كانت المرأة وقت إسلامها على صفة لا يجوز لزوجها معها ابتداء نكاحها، كأن تكون
إحدى محارمه من نسب أو رضاع أو مصاهرة، أو كانت في عدتها من زوج سابق عليه، مسلماً
كان أو غير مسلم ولم تنقض عدتها بعد، أو كانا شرطاً في زواجهما التوقيت وقد مضت
المدة دون أن يسقطا الأجل فرق بينهما، فإن أسقطاه قبل الإسلام أو أسلما والمدة لم
تنته بعد فالنكاح صحيح وذهب بعض الفقهاء إلى أنهما إذا لم يصرا على التأبيد قبل
الإسلام فالنكاح باطل ويفرق بينهما بعد الإسلام، سواء عزما على التأبيد بعد
الإسلام أم لا، وسواء انتهى الأجل قبل الإسلام أم لا، لأن الإسلام حدث والعقد باطل
في نظر الإسلام لتأقيته، فينفسخ([88]).
لأن
الزوجين بإسلامهما قد التزما أحكام الإسلام، والإسلام لا يقر شيئاً من ذلك ويستوي
في ذلك كله أن يكون الزوج قد دخل بزوجته قبل الإسلام أم لا. فإذا تزوجها وهي معتدة
ثم انتهت العدة قبل إسلامهما فإنه لا يفرق بينهما لأنها وقت إسلامها حلال له، ولا
ينظر إلى ما قبل ذلك فالإسلام يجب ما قبله، وهو نظير عدم مطالبتهم بشيء من
العبادات عن الفترة السابقة على إسلامهم([89]).
والمعية في إسلام الزوجين إنما تعتبر بآخر اللفظ الذي يصير به
الزوج مسلماً بان تقرن آخر كلمة من إسلامه بأخر كلمة من إسلامها سواء أوقعا أول
حرف من لفظيهما معاً أم لا وسواء أكان إسلامهما حقيقياً أو حكمياً أما الإسلام
حقيقة فبأن يشهد الزوجان الكبيران بأن r
وما إلى ذلك مما هو
منصوص عليه في مواضعه من كتب علم الكلام والفقه التي ورد فيها أن ما يصير به
الإنسان مسلماً قسمان: قول وفعل فالقول مثل كلمتي الشهادتين، والإسلام بالفعل أن
يأتي بفعل من أفعال الإسلام التي تفرد المسلمون بها من دون غيرهم فذلك دليل على
إسلامه مثل أن يؤذن في وقت الصلاة بأذان المسلمين أو يصلي صلاتهم، وما إلى ذلك مما
أختص به المسلمون دون غيرهم من الشعائر. ([90])
وهل
يشترط لصحة إسلامه التسجيل لدى الدوائر الرسمية أو القضاء أو أن يشهد على إسلامه
أحداً؟.
وهل
يشترط التحري عن نيته وأنه يقصد الإسلام فعلاً أو يقصد شيئاً آخر من خلال إسلامه
كالتخلص من زوجه وما إلى ذلك؟.
الحق
أن الإسلام يقبل بمجرد صدور ما يفيده قولاً أو عملاً مع انتفاء المنافي وذلك بأن
لا يقترن به من القرائن ما يفيد كذبه وبقاءه على دينه السابق كان يظل محافظاً على
عاداته وطقوسه الدينية القديمة دون انقطاع، ولا حاجة في قبول الإسلام إلى تسجيل أو
إشهاد مطلقاً، ولا حاجة إلى بحث وتفتيش عن اصل نيته وقصده وهل يقصد بذلك الاحتيال
للتخلص من بعض الالتزامات كالتخلص من زوجته المشركة مثلاً، وحتى لو كان قصده
الاحتيال ولكنه لم يعلن ذلك صراحة بل نفي أن يكون إسلامه كذلك فإن إسلامه مقبول
حتماً لأننا أمرنا بالأخذ بالظاهر وعدم التنقيب عن النيات وقد ثبت أن أسامه بن زيد
لحق بمشرك محارب في إحدى الغزوات ولما أقترب منه وخاف المشرك على نفسه القتل نطق
بالشهادتين وأدعى الإسلام ولكن أسامه لم يصدقه وعلم أن ذلك منه حيله للتخلص من
القتل فقتله ولما ذكر ذلك للنبي أنكر عليه
ذلك وقال له: هلا شققت عن صدره؟.
هذا هو الإسلام حقيقة وأما الإسلام حكماً، فيتحقق بإسلام
أبويه أو أحدهما وهو صغير أو مجنون لأن الولد الصغير أو المجنون يتبع أشرف الأبوين
دينا فبإسلام أحد الأبوين يحكم بإسلام الإبن الصغير والأبن المجنون وإن كان كبيراً
لأنه فاقد الأهلية.
والمعية
على الشكل المتقدم قول بعض الفقهاء. وذكر ابن قدامه أن مذهب الحنابلة كذلك، ولكنه
قال يحتمل أن تكون المعية بوحدة المجلس بان يسلما في مجلس واحد وعلل لذلك بقوله
كالقبض ونحوه فإن حكم المجلس كله حكم حالة العقد، ولأنه يبعد اتفاقهما على النطق
بكلمة الإسلام دفعة واحدة فلو اعتبر ذلك لوقعت الفرقة بين كل مسلمين قبل الدخول
إلا في الشاذ النادر فيبطل الإجماع ولا يخفي مافي هذا الرأي من سداد ودقة نظر([91]).
وذكر
المالكية أن المعية تتحقق بالموافقة الحقيقية أو الحكمية بأن قدّما إلينا مسلمين
ولم نطلع عليهما إلا وهماً كذلك ولو كان إسلامهما متعاقباً في الحقيقة([92]).
أما
الحنفية فلا يبحثون في المعية مطلقاً لأنه يستوي في نظرهم من حيث صحة الزواج ما لو
اسلما معاً أو متتابعين قبل الدخول أو بعده.
الفرع الثاني
حكم النكاح بعد
إسلام أحد الزوجين
إذا
أسلم أحد الزوجين قبل الأخر أو أسلم أحدهما وأبي الآخر فإما أ يكون الأول هو الزوج
أو الزوجة وأما أن يكون ذلك قبل الدخول أو بعده.
فإن
كان الزوج هو الأول إسلاماً ينظر للزوجة فإن كانت كتابية وهي على صفة يجوز له أن
يتزوجها ابتداءً في نظرنا بان لا تكون محرمة عليه لنسب أو رضاع أو غير ذلك مما
تقدم فإن النكاح باقٍ على حاله ولا يفرق بينهما لأن الزوج ممن يحل له التزوج
بالكتابية ابتداءً فكذلك انتهاء من باب أولى ولا داعي لفسخ نكاحه ثم تكليفه
بتجديده ثانية. وهذا باتفاق جمهور الفقهاء عدا بعض الجعفرية والهادوية الذين يرون
عدم صحة زواج المسلم بالكتابية.
وإن
كانت الزوجة الكتابية على صفة لا يجوز له التزوج بها ابتداءً كان تكون في عدتها
ولم تنقض بعد أو تكون أخته أو أمه أو غير ذلك فإنه يفرق بينهما لأن النكاح في نظر
المسلم منهما حينئذ باطل، فلا يقران عليه.
فإن
كانت الزوجة غير كتابية بأن كانت مجوسية أو مشركة وليس فيها ما يمنع زواجها به
ابتداءً إلا شركها، وقد أسلم زوجها دونها، فقد أختلف الفقهاء في حكم زواجها ووقت
وقوع الفرقة.
فذهب
الشافعية والحنابلة والجعفرية إلى أن الزوج إذا أسلم قبل الدخول أنفسخ النكاح في
الحال لأن الزواج غير متأكد بدليل أنها تبين منه بطلقة واحدة ولأنه اختلاف دين
يمنع الإقرار على النكاح كالردة. واختلاف الدين قد ثبت بإسلام الأول فيفسخ النكاح
به وسواء في ذلك أن تتبعه الزوجة أولا، لأن الفرقة وقعت بمجرد إسلامه، فلا ترتفع
بإسلامها بعده، وكذلك الحكم لو أسلمت الزوجة قبل الزوج ثم تبعها لوقوع الفرقة
بإسلامها هي ويستوي في هذه الصورة أن يكون الزوج كتابياً أو غير كتابي بخلاف إسلام
الزوج وزوجته كتابية لأن زواج المسلم بالكتابية صحيح بخلاف زواج المسلمة بالكتابي
فإنه باطل. ([93])
فإن
كان إسلام أحدهما بعد الدخول فقد ذهب الشافعية والجعفرية إلى أنه يتوقف في ذلك إلى
انتهاء العدة فإن أسلم الآخر ولو تبعًا بإسلام أحد والديه قبل ذلك أعتبر النكاح
صحيحاً وأقرا عليه وإن تخلف حتى انتهت العدة وقعت الفرقة من وقت إسلام الأول وانقضت
العدة فلا تعتد ثانية([94]).
وحجتهم ما رواه أبو داؤود عن أبن عباس y أن امرأة أسلمت على عهد رسول الله j
فتزوجت فجاء زوجها
الأول فقال: يا رسول الله إني كنت أسلمت وعلمت بإسلامي فأنتزعها رسول الله j
من زوجها الثاني
وردها إلى زوجها الأول([95]).
وقد
روى الشافعي أن صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل وحكيم بن حزام أسلمت زوجاتهم
قبلهم ولم يسلموا إلا بعدهن بنحو شهر وأقروا على أنكحتهم ولم ينكر عليهم ذلك أحد
من الصحابة فكان إجماعاً([96]).
وعند الحنابلة في ذلك روايتان:
الرواية
الأولى: يتوقف
إلى انقضاء العدة فإن أسلم الآخر قبل انقضائها فهما على النكاح وإن لم يسلم حتى
انقضت العدة وقعة الفرقة منذ أختلف الدينان فلا حاجة إلى استئناف العدة وهو قول
الزهري والليث والحسن بن صالح والأوزاعي وإسحق، ونحوه عن مجاهد وعبدالله بن عمر
ومحمد بن الحسن وهو مذهب الشافعي كما تقدم.
والرواية
الثانية: تتعجل الفرقة كما في الإسلام قبل الدخول وهو اختيار الخلال وصاحبه وهو
مذهب الحسن وطاوس وعكرمة وقتاده والحكم وهو مروي أيضاً عن عمر بن عبد العزيز.
([97]).
وأستدل
لهذه الرواية الثانية بما أستدل به للفرقة بإسلام أحد الزوجين قبل الدخول، وبقوله تعالى
] ولا تمسكوا
بعصم الكوافر [ ([98])،
وبأن ما يوجب فسخ النكاح لا يختلف فيه ما كان قبل الدخول أو بعده كالرضاع([99]).
واستدل
للرواية الأولى بما روى مالك في الموطا عن ابن شهاب قال: كان بين إسلام صفوان بن
أمية وامرأته بنت الوليد بن المغيرة نحو شهر أسلمت يوم الفتح وبقي صفوان حتى شهد
حنيناً والطائف وهو مشرك ثم أسلم فلم يفرق النبي j
بينهما واستقرت عنده امرأته بذلك النكاح قال أبن عبد البر: وشهرة هذا الحديث أقوى
من إسناده ومثله أبو سفيان وعكرمة فلم يسلما وزوجاتهما في وقت واحد وقد أقرهما رسول الله j على نكاحهما ثم لم يعلم أن النبي j
فرّق بين أحد وامرأته يوم الفتح مع أن إسلام كل زوجين لم يكن في لحظة واحدة ويفترق
الإسلام بعد الدخول عن الإسلام قبله، بأن المرأة في الفرقة قبل الدخول لا عدة
عليها فتتعجل البينونة كالمطلقة بخلاف الفرقة بعد الدخول ففيها العدة.
أما
الحنفية فقد ذهبوا إلى أن الإسلام لا يمكن أن يعتبر سبباً من أسباب الفسخ بحال لا
قبل الدخول ولا بعده لأن الإسلام نعمة فلا يمكن أن يكون سبباً في نقمة، حيث إن فسخ
الزواج نقمة على الزوجين معاً، ولكن لا يمكن أن يقر الزوجان على الزواج لحلول
الحرمة باختلاف الدين فكان لا بد بعد إسلام أحدهما من عرض الإسلام على الآخر فإن
أسلم فهما على الزواج ولا يفرق بينهما سوء أحصل دخول أم لا وإن أبى وقعت الفرقة
بينهما معصية بإبائه لا بإسلام الآخر حيث إن الإباء يمكن أن يجعل سبباً للفسخ لأنه
معصية دون الإسلام، هذا إذا كانا في دار الإسلام فإن كان في غيرها فإنه لا يمكن
عرض الإسلام على الآخر لعدم الولاية فتوقف البينونة على انقضاء مدة تساوي عدة
المرأة فإن لم يسلم الآخر وقعت الفرقة وجعل آبياً حكماً([100]).
لان
الإسلام ليس سبباً للفرقة، وعرض الإسلام متعذر لقصور الولاية ولا بد من الفرقة
دفعاً للفساد فأقيم شرطها وهو مضى المدة دون إسلامه مقام السبب وهو الإباء، ولا
يشترط في ذلك أن يكون الزوجان معاً في غير دار الإسلام ولا أن يكون الآبي هو الذي
في غير دار الإسلام بل يكفي وجود أحدهما فقط في غير دار الإسلام ولو كان الآخر في
دار الإسلام سواء أكان الذي في غير دار الإسلام هو المسلم أو الآبي لان الأصل أن
لا يقضي لغائب ولا على غائب([101]).
وما
لم يعرض الإسلام على الزوج ويأبى ويحكم بإبائه أو تنتهي المدة لو كان أحدهما في
غير دار الإسلام فالنكاح صحيح رغم قيام الحرمة لآن إسلام أحدهما لا يمكن جعله
سبباً للفسخ بل السبب هو الإباء عن الإسلام حقيقة برفض الإسلام بعد عرضه عليه أو
حكماً بمضي المدة دون أن يسلم.
فإذا
أبى الزوج أن يدخل في الإسلام بعد عرضه عليه حكم القاضي بالفرقة واعتدت الزوجة من
تاريخ القضاء فإن كانا في غير دار الإسلام أو أحدهما فإن الفرقة تقع بمجرد حيضها
ثلاث حيضات أو مضي ثلاثة أشهر لمن لا تحيض أو بوضع الحمل للحامل دون قضاء وسواء في
ذلك كله المدخول بها وغيرها، ومنه يتبين أن تلك المدة لا تكون عدة لأنه لا عده على
من لم يدخل بها، وهل يعني هذا أن عليها العدة ثانية بعد حلول الفرقة بمضي تلك
المدة ؟ في المسألة تفصيل:
إن
كانت المرأة حربية والزوج هو المسلم فلا تعتد لأنه لا عدة على الحربية وإن كانت هي
المسلمة فخرجت إلينا وأتمت حيضها فكذلك عند أبي حنيفة وذهب الصاحبان إلى أن عليها
أن تعتد ثانية وذلك لأن المهاجرة لا عدة عليها عند الأمام أبي حنيفة ما لم تكن
حاملاً خلافاً للصاحبين.
هكذا
كله إذا كان الآبي عن الإسلام كبيراً عاقلاً فإن كان صغيراً أو مجنوناً فهل يعرض
الإسلام عليه؟.
إذا
كان غير المسلم صغيراً مميزاً فإنه يعرض الإسلام عليه فإن أبى فرق بينهما بالاتفاق
على الأصح وإن كان غير مميز فإنه ينتظر حتى يبلغ التمييز ثم يعرض الإسلام عليه فإن
أسلم فهي زوجته وإن أبى فسخ نكاحه والمعتوه حكمه حكم المميز في كل الأحكام ومنها
هذا.
فإن
كان مجنوناً فإنه لا ينتظر بل يعرض الإسلام على أبويه لا على سبيل الوجوب والإلزام
بل على طريقة الشفقة المعلومة من الآباء على الأولاد عادة فلعل ذلك يحمله على أن
يسلم([102])،
لأن الجنون ليس له نهاية معلومة كالمرأة إذا وجدت الزوج عنيناً فإنه يؤجل بخلاف لو
كان مجبوباً فإنه لا يؤجل بل يفرق للحال لعدم الفائدة في الانتظار ومعنى العرض على
أبوي المجنون إن أسلم أي من الأبوين بقي النكاح لأن المجنون يتبع المسلم منهما
فيحكم بإسلامه([103]).
فإن
أبي الأبوان الإسلام فسخ النكاح، فإن لم يكن له أبوان نصب القاضي له وصياً وحكم عليه بالفرقة.
ثم
إن سكت الزوج أو الزوجة أو الأبوان بعد عرض الإسلام عليهم ولم يجيبوا بشيء هل يكرر
العرض عليهم؟.
صرح
في الذخيرة بقوله (فإن سكت ولم يقل شيئاً فالقاضي يعرض الإسلام عليه مرة بعد أخرى
حتى يتم ثلاث احتياطاً فإن ظل ساكتاً أو أبى حكم بفسخ النكاح)([104]).
وذهب
المالكية إلى أن إسلام أحدهما إن جاء قبل الدخول وكانت المسلمة هي الزوجة بانت في
الحال بمجرد إسلامها لعدم العدة وهو الراجح، وإن كان الزوج هو المسلم، فإن أسلمت
الزوجة بعد مضي مدة قريبة قدرها شهر وإلا انفسخ الزواج([105]).
فإذا
أسلم الزوج وتحته أكثر من أربع نسوة أو تحته أختان أو أم وبنتها وكن من أهل الكتاب
أو أسلمن معه وهن على صفة يحل له الزواج بهن على انفراد ابتداءً فقد أختلف الفقهاء
أيضاً.
حيث
ذهب جمهور الحنفية إلى أنه إن كان تحته أكثر من أربع وقد تزوجهن معاً في عقد واحد
بطل نكاحهن بإسلامه لأنه يعتبر جامعاً بين أكثر من أربع وهو مسلم فيبطل نكاحه ثم
يعقد على من شاء منهن من جديد إن أراد. وإن كان تزوجهن على التوالي فإن يبطل نكاح
من زاد على أربع ويبقي نكاح الأربع الأول فإن كان تزوج واحدة ثم أربعاً في عقد
واحد فإنه يبقي على الأولى ويبطل نكاح الأربع الأخريات([106]).
فإن
كان تحته أختان فكذلك إن كان تزوجهما في عقد واحد بطل نكاحهما وإن كان بعقدين
متتابعين صح نكاح الأولى وبطل نكاح الثانية.
وإن
كان جامعاً بين أم وبنتها فإن كان قد دخل بهما أو بإحداهما حرمتا عليه لأن الدخول
بالأم محرم للبنت والعقد على البنت محرم للأم وإن لم يصاحبه دخول فإن صاحبه دخول
كان التحريم من باب أولى، فإن كان لم يدخل بواحدة منهما اختار البنت لحرمة أمها
عليه بالعقد عليها.
وذهب
محمد بن الحسن من الحنفية إلى أن الزوج إذا أسلم وتحته أكثر من أربع أو أختان خير
في أربع منهّن وفي إحدى الأختين مطلقاً سواء أدخل بهن أم لا وسواء تزوجهن في عقد
واحد أو أكثر([107]).
فإن
كانتا بنتاً وأمها ولم يدخل بهما أختار البنت حتماً أو تركهما جميعاً وأستدل محمد
بن الحسن بما روي أن غيلان الديلمي أسلم وتحته عشر نسوه أسلمن معه فخّيره النبي j
فاختار أربعاً منهن وكذلك فيروز الديلمي أسلم وتحته أختان فاختار إحداهما ثم إنما
يختار البنت دون الأم لأن مجرد العقد على البنت محرم للأم ولا تحرم البنت إلا بالدخول
بالأم([108]).
وذهب
المالكية إلى أنه يخير مطلقاً إذا أسلم وتحته أكثر من أربع أو أختان فيختار إلى
أربع من نسائه كما يختار إحدى الأختين إن شاء ويستوي في ذلك أن يكون دخل بهن
جميعاً أم لا أو دخل ببعضهن فقط كما يستوي أن يكون تزوجهن بعقد واحد أو على
التتابع بعقود مختلفة. فإن كان جامعاً بين أم وأبنتها فإن لم يكن دخل بهن أو تلذذ
أختار آيتهما شاء وإن كان تلذذ أو دخل بأحدهما تعينت وحرمت الأخرى سواء أكانت الأم
أو البنت فإن تلذذ بهما حرمتا عليه وذلك أن العقد فاسد عنده فلا يفيد حرمة
المصاهرة بنفسه إذا لم يصاحبه دخول وإنما نتركهم وما يدينون قبل إسلامهم لآنا
أمرنا ذلك([109]).
أما
الشافعية والحنابلة فقد ذهبوا مذهب المالكية إلى تخييره مطلقاً إذا كان تحته أكثر
من أربع سواء كن بعقد واحد أو أكثر وسواء دخل بهن أولا أو دخل ببعضهن فقط فإنه
يختار إلى أربع أيتهن شاء، فإن كان تحته أختان وأختار واحدة منهما سواء دخل بهما
أو لا أو دخل بإحداهما دون الأخرى فإن كان تحته أم وبنتها فإنه أن دخل بهما أو
بالأم فقط حرمتا عليه فإن لم يدخل بهما أو دخل بالبنت فقط تعينت البنت ([110]).
والاختيار
لدى الفقهاء يكون صريحاً ويكون ضمنياً، فالصريح كان يقول اخترت هؤلاء أو أمسكتهن
أو اخترت إمساكهن أو نكاحهن أو أمسكت نكاحهن أو ثبت نكاحهن أو أثبتهن، أما الضمني
فيكون بما يدل على اختياره.
وإن
أبى الاختيار حبس وعزر حتى يختار لأنهن معلقات إذا لم يختر، ولا يختار القاضي عنه
لأن ذلك أمر يتعلق به خاصة فهو مبني على رغبته وذوقه، فلا يقوم القاضي في ذلك
مقامه بخلاف الطلاق([111]).
والنكاح
قائم قبل الاختيار حتى إذا مات قبله وجب عليهن التربص بالأكثر من عدة الطلاق وعدة
الموت إذ إن كلاً منهن يحتمل أن تكون مختارة فهي زوجة وتعتد بعدة الوفاة ويحتمل أن
تكون غير مختارة فتعتد بعدة الطلاق ومادام الأمر مجهولاً فإنها تعتد بالأكثر
احتياطاً وتعتد الحامل بوضع الحمل وغيرها بأربعة أشهر وعشر أو بثلاث حيض أيهما
أكثر.
وإذا
أختار منهن أربعاً أو أقل أو أختار إحدى الأختين أو الأم أو البنت فيما يكون له
فيه حرية الاختيار وترك الباقي أيبين الباقي ويعتددن من تاريخ الاختيار أو من
تاريخ إسلامه؟.
للفقهاء
في ذلك قولان:
الأول:
أنهن يعتددن من وقت الاختيار لأنهن بنّ به.
والثاني:
أنهن يعتددن من وقت الإسلام لأنه سبب البينونة الحقيقي وإنما تبين ذلك باختياره
فيثبت الحكم من تاريخ نشوء السبب الحقيقي وهو الإسلام([112]).
كما
لو أسلم أحد الزوجين بعد الدخول وأبى الأخر الإسلام فإنها تبين بمضي عدتها ولكن
البينونة تعود إلى تاريخ الإسلام فلا تعتد ثانية فكذلك هنا. وعدتهن عدة المطلقة
بالإجماع، لأن عدة الفسخ كذلك.
الفرع الثالث
نوع الفرقة بسبب
امتناع أحد الزوجين عن الإسلام وصاحب الحق فيها ووقت وقوعها وطريقها
(1)
نوع الفرقة:
ذهب
جمهور الحنفية إلى أن الفرقة تعتبر طلاقاً إذا كانت من جانب الرجل بأن أسلمت
المرأة وأبى الرجل الإسلام لأن سبب الفرقة إباؤه لا إسلامها، لأن كل فرقة جاءت من
قبل الرجل تكون طلاقاً إلا ما أستثنى وليس هذه من ذلك([113])،
فإذا كان العكس بأن أسلم الزوج وأبت الزوجة كان ذلك فسخاً وإذا كان الزوج مجنوناً
وعرض الإسلام على أبويه فأبيا كان ذلك طلاقاً أيضاً لأن أباه من جانبه فإن كانت
الزوجة هي المجنونة وعرض الإسلام على أبيها فأبي عد ذلك فسخاً لأن أباها من قبلها
أيضاً وإذا اعتبرت الفرقة طلاقاً فهي بائن لا رجعي لقيام الحرمة.
فإن
كانت الفرقة بسبب إسلام الزوجين معاً كأن يكون تحته أكثر من أربع نسوة أو أختين
كانت فسخاً لفساد العقد وهو فسخ.
وذهب المالكية إلى أن كل فرقة كانت بسبب إسلام أحد الزوجين أو
إسلامهما معاً فهي فسخ لأنها وقعت بسبب نشوء حرمة كل منهما على الآخر بحيث لا
يستطيعان الاستمرار معها. وهي فرقة ليست من نكاح صحيح شرعاً وما كان كذلك من الفرق
كان فسخاً عندهم
سواء أكانت الفرقة من قبل الزوج أو من قبل الزوجة أو منهما معاً([114]).
وذهب الشافعية والحنابلة والجعفرية إلى أن كل فرقة وقعت بسبب
اختلاف الدين سواء أكانت بإسلام أحدهما وإباء الأخر أو بسبب ردة أحدهما فهي فسخ
لأنها فرقة وقعت بغير لفظ الزوج حقيقة أو حكماً وما كان كذلك من الفرق كان فسخاً([115]).
فإن
كانت الفرقة بإسلامهما معاً كانت فسخاً أيضاً لأن الزوجة بانت بالإسلام دون لفظ
الزوج وما كان كذلك كان فسخاً.
(2)
صاحب الحق في الفرقة:
الفرقة
بسبب إسلام أحد الزوجين أو كليهما إنما تقع لحق الشارع وذلك لقيام الحرمة بينهما
بسببها بحيث لا يجوز لهما الاجتماع بعدها بحال.
(3)
وقت وقوع الفرقة وطريقه:
هل تقع الفرقة بسبب إسلام أحد الزوجين أو كليهما بمجرد قيام
سببها حكماً؟
أختلف في ذلك
الفقهاء:
فذهب
الحنفية إلى أن الفرقة تقع بإباء الزوج غير المسلم للإسلام لا بإسلام الزوج المسلم
لأن الإسلام لا يصلح سبباً للفرقة وتحقق الإباء لا بد له من عرض الإسلام على غير
المسلم. وهو من صلاحية القضاة لحاجته إلى الولاية فإذا أسلم أحد الزوجين عرض
القاضي الإسلام على الآخر فإن أسلم فبها وإن أبى حكم بالفرقة بينهما، وتعتبر
الفرقة واقعة من وقت الحكم لا قبله فإن سكت غير المسلم ولم يجب عرض القاضي عليه
الإسلام ثانية وثالثة فإن سكت عد غير المسلم آبياً حكماً وحكم بالتفريق والحكم شرط
لوقوع الفرقة.
وإذا
لم نتمكن من عرض الإسلام على غير المسلم من الزوجين لكون أحدهما في غير دار
الإسلام بانت الزوجة بمجرد انتهاء المدة التي تساوي عدتها حكماً دون قضاء، إقامةً
للشرط مقام السبب فقد أقيم انتهاء المدة مع عدم الإسلام مقام الإباء فعلاً وهو
معروف في الشرع كما في حفر البئر يقع فيها إنسان فيموت.
وذهب المالكية والشافعية والحنابلة والجعفرية إلى أنه لا حاجة
في كل ذلك إلى قضاء القاضي بل تقع الفرقة بمجرد قيام سببها حكماً فتقع بإسلام أحد
الزوجين دون الآخر إذا لم يكن هناك دخول فإن كان دخول فينتظر إلى انتهاء العدة
فإذا انتهت ولم يسلم الآخر اعتبرت الفرقة واقعة حكماً من وقت الإسلام لأنه هو
السبب في الفرقة([116]).
كما
تقع باختيار الزوج لأربع من نسائه وتسريح الأخريات بالاختيار ذاته أو بالإسلام
لأنه السبب الحقيقي.
ولا
يحتاج شيء من تلك الفرق إلى قضاء عندهم لأنه ليس فيها اختلاف بين الفقهاء في كونها
سبباً للفرقة كما أنه ليس في واحد منها خفاء فالإسلام متى قامت أماراته أعتبر
المتمسك به مسلماً دون قضاء وكذلك الفرقة الحاصلة به([117]).
الفرع الرابع
آثار الفرقة بسبب الامتناع عن الإسلام على المهر والعدّة
أولاً: أثر الفرقة على المهر:
إذا حلت الفرقة بين الزوجين بسبب إسلام أحدهما وإباء الآخر أو
بسبب إسلامهما معاً فما حكم مهر الزوجة ؟ هل تستحقه على زوجها ؟ أختلف الفقهاء في
ذلك.
فذهب الحنفية إلى أن الفرقة إذا كانت من قبل الزوج بإبائه
الإسلام بعد إسلام زوجته كان للزوجة تمام المهر بعد الدخول ونصفه قبله([118])،
ولكن أهو المسمى أم مهر المثل؟
في
المسألة تفصيل فيكون للزوجة المسمى إن كان المهر مسمى تسمية صحيحة في أصل العقد
سواءً أقبضته الزوجة أم لم تقبضه فإذا كان المسمى فاسداً كخمر أو خنزير فإن قبضته
لم يكن لها غيره وإن لم تقبضه وجب لها مهر المثل عند أبي يوسف وهو مذهب الشافعية
والحنابلة([119]).
هذا
إذا كان قد سمى لها مهراً فإن لم يكن سمى لها شيئاً بأن تزوجها على أن لا صداق لها
أو سكت عنه دون ذكر شيء فقد قال أبو حنيفة إن شرط أن لا مهر لها لم يكن لها شيء
وإن سكت عن ذكره فلها مهر المثل.
وإن
كانت الفرقة بإبائها الإسلام أو كانت بإسلامهما جميعًا فإنه لا مهر لها قبل الدخول
أما بعد الدخول فإن لها مهر المثل لأن الفساد والفرقة قد حصلا لا بسبب من الزوج
خاصة والمهر لا يجب للمرأة في النكاح قبل الدخول إلا إذا كانت الفرقة أو الفساد
الطارئ على العقد من قبل الزوج خاصة فإذا كانت الفرقة بعد الدخول فإنه يجب للزوجة
مهر المثل بالدخول لا بالعقد لفساده بالإباء والدخول في العقد الفاسد يجب فيه مهر
المثل لسقوط الحد.
والعقد
عند الحنفية قبل الحكم بالإباء له حكم الصحيح فيجب فيه ما يجب في النكاح الصحيح من
المهر تماماً حتى لو مات الزوج بعد إسلامها قبل الدخول بها وقبل الحكم بإبائه كان
لها المهر المسمى كاملاً ولكن لا ترث منه لاختلاف الدين المانع من الإرث لا
للبينونة لأنها لم تقع بعد.
وذهب
المالكية إلى أن المرأة إذا أنفسخ نكاحها بإسلام زوجها بأن كانت مجوسية أو محرمة
عليه أو كان جامعاً بين أكثر من أربع وغير ذلك فإن كان دخل بها الزوج وجب لها
الصداق بالدخول فإن لم يكن قد دخل بها لم يجب لها شيء لأن الفرقة فسخ لعقد فاسد في
أساسه فلا يجب لها الصداق قبل البناء بها وقد نصوا على أنه إن كان تحته أكثر من
أربع وأسلمن معه أو كن كتابيات فإنه يختار أربعاً ويترك الباقي ولا مهر لهن إن لم
يدخل بهن لأنه فسخ لنكاح فاسد في أساسه فإن نكاح غير المسلمين فاسد عند المالكية
فإن دخل بهن وجب لهن المهر بالدخول([120]).
وإن لم يختر مطلقاً كان لهن جميعاً بالاشتراك بينهن أربعة
أنصاف مهر، إن لم يدخل بهن فإن دخل بهن وجب لهن أربعة مهور لأن في ذمته أربعة
أنكحة لم تفسد إذ أن له أن يختار أربعاً ولكن لعدم تعينهن يشتركن جميعاً فإن أختار
واحدة فقط كان للباقي منهن ثلاث أنصاف مهر قبل الدخول وثلاثة مهور بعده وهكذا فإذا
دخل ببعضهن فقط كان للمدخول بها تمام المهر وللباقيات حصتهن من باقي المترتب عليه بحيث
إن كان المدخول بهن واحدة كان لها تمام صداقها وللباقي ثلاثة أنصاف مهر وهكذا.
والفارق بين هذه الصور والصور الأولى أنهن في الأولى
بَّن بسبب فساد عقدهن من أساسه فلم يجب لهن شيء وفي الثانية بنّ باختياره هو بعد
صحة عقدهن فافترقا.
ثم
إذا أوجب المهر لهن هل هو مهر المثل أم المهر المسمى ؟ في المسألة تفصيل:
فإما
أن يكون تزوجها على مهر مسمى في العقد أو لا.
فإن
كان تزوجها على مهر مسمى فإن كان صحيحاً عندنا أمضي ولم يجب لها غيره وإن كان
فاسداً عندنا كخمر وخنزير، فإن قبضت المهر ودخل بها الزوج لم يجب لها غيره وبرئت
ذمة الزوج عنه بالقبض لأنها قبضته في وقت كان حلالاً في نظرها، وإن دخل بها ولم
تقبض المهر وجب لها مهر المثل لأنه فاسد في حق المسلم فلا يلزم به وقد بقيت دون
مهر فيجب لها مهر المثل بالدخول.
فإذا كان فسخ النكاح بسبب إسلام الزوجة دون الزوج أو
بإسلامهما معاً فإنه لا مهر لها قبل الدخول لفساد العقد ولها مهر المثل بعد الدخول
لتأكده بالدخول.
أما
الشافعية والحنابلة فقد ذهبوا إلى أنه إذا وقعت الفرقة بإسلام أحد الزوجين أو
كليهما بعد الدخول فلها المهر كاملاً لأنه إستقر بالدخول فلم يسقط بشيء وهو المهر
المسمى إن كان صحيحاً لأن أنكحة غير المسلمين صحيحة تثبت لها أحكام الصحة وإن كان
محرماً كخمر أو ميتة وقد قبضته في حال الكفر فليس لها غيره لأنا لا نتعرض لما مضى
من أحكامهم وإن لم تقبضه أو لم يكن سمي لها شيء أو هو حرام فلها مهر مثلها لأن
الخمر والميتة لا يجوز أن يكونا صداقاً لمسلمة ولا في نكاح مسلم وقد صارت أحكامهم
أحكام المسلمين.
وإن
كانت الفرقة قبل الدخول، فإن أسلمت الزوجة دون الزوج أو كان تحته أكثر من أربع
وأسلمن معه فأختار أربعاً وفسخ نكاح الباقي أو أسلم وتحته أختان أسلمتا معه فأختار
واحدة وفسخ نكاح الأخرى فإنه لا مهر لهؤلاء إذ إن الفرقة لم تكن من الزوج خاصة فإن
كانت الفرقة بإسلامه وحده كان لكل من زوجاته نصف مهرها.
والعقد قبل أن يختار الزوج في حالة الجمع وغيره صحيح فإذا مات
ورثن منه لأن بعضهن وارث حتماً ولم يتعين فيقسم مالهن عليهن جميعاً. ثم إن اتفقن
على توزيعه بينهن على شكل معين كان الأمر على ما أتفقن عليه وإن اختلفن قسم بينهن
على التساوي.
والخلاصة
أنه إن كان دخل بهن ثبت لهن المهر بالدخول فإن لم يكن دخل بهن فإن كانت الفرقة
بإسلامه خاصة كان لكل واحدة منهن نصف المهر وإن كانت بإسلامهن أو بإسلامهم جميعاً
بأن أسلم الزوج وزوجاته معاً لم يكن لهن شيء لفساد العقد بسبب ليس من جهة الزوج
خاصة وما كان كذلك من الفرق لم يجب فيه مهر للزوجة قبل الدخول عند الشافعية
والحنابلة([121]).
ثانياً:
أثر الفرقة بإسلام أحد الزوجين أو كليهما على العدّة:
إذا
بانت المرأة بسبب إسلامها أو إسلام زوجها في كل الصور المتقدمة هل تجب عليها
العدة؟
إذا
كانت الزوجة غير مدخول بها فلا عدة عليها باتفاق الفقهاء لأنه لا عدة على غير
المدخول بها مطلقاً سواء أكانت فرقتها فسخاً أم طلاقاً.
فإن
مات الزوج قبل وقوع الفرقة وبعد تحقق سببها فإن كان تحته أكثر من أربع ومات قبل
الاختيار أو أسلم أحدهما ولم يأب الآخر بعد، فقد ذهب الجمهور إلى أنهن يعتددن فيها
بالأكثر من عدتي الوفاة أو الطلاق لأن كل واحدة منهن يمكن أن تكون مختارة وغير
مختارة. وإن كانت غير مختارة فعدتها عدة فسخ، وهي عدة الطلاق. وللاحتياط تعتد
بالأبعد أجلاً.
وذهب
المالكية إلى عدم وجوبها لأن نكاح غير المسلمين فاسد عندهم ولا عدة على المتوفي
عنها زوجها في نكاح فاسد إذا لم يحصل فيه دخول.
وإن
كانت مدخولاً بها فإن عليها العدة لأن كل فرقة بعد دخول لا يثبت فيه الحد تجب بها
العدة عند الجمهور وهي عدة الطلاق فتعتد بالحيض أو بثلاثة أشهر أو بوضع الحمل حسب
حالها باتفاق المالكية وغيرهم دون خلاف.
وأما
وقت ابتداءً العدة فهو عند الحنفية من تاريخ الفرقة من وقت القضاء بالفسخ بعد
الإباء لأن الفرقة تقع به فإن كان أحدهما في غير دار الإسلام وقعت الفرقة حكماً
بمضي المدة واعتدت من تاريخ وقوع الفرقة إن كان عليها عدة.
وأما
المالكية والشافعية والحنابلة فتعتد عندهم من تاريخ الإسلام لأن الفرقة تقع به فإن
كان تحته أكثر من أربع وأسلمن معه أو كن كتابيات اعتدت من لم يخترها منهن من تاريخ
الإسلام أيضاً لأنه السبب في وقوع الفرقة وأحتمل أن يكون ذلك من تاريخ الاختيار
لأنه السبب المباشر لها([122]).
ثالثاً:
أثر الفرقة لامتناع أحد الزوجين عن الإسلام على نفقة المعتدة من هذه الفرقة:
اختلف الفقهاء في ذلك فقد ذهب الحنفية إلى أن الحكم في نفقة
العدة كالحكم في المهر فإن كانت الفرقة واقعة بإباء الزوجة لم يكن لها إلا نفقة
السكنى لأن النفقة حقها والفرقة وقعت بسبب إبائها الإسلام وهو معصية فلا يصلح
سبباً في وجوب النفقة لها وأما السكنى فلأنها إلى جانب حق الزوجة فهي حق الشرع فلا
يسقط بفعلها([123]).
وإن
كانت الفرقة بإباء الزوج الإسلام وجب لها النفقة لأنها محبوسة بسببه ولا فعل منها
محرماً يوجب سقوط حقها.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه إذا أسلم الرجل وأصرت الزوجة
على الكفر وهي غير كتابية حتى انقضت عدتها فلا نفقة لها ولا شيء من بقية المؤن، لتخلفها
عن الإسلام، فهي كناشز، وأما الكتابية فلها النفقة قطعاً إذا كان يحل له ابتداءً
نكاحها لديمومة الزوجية بينهما فإن كانت ممن لا يحل له، لم تجب لها نفقة مطلقاً([124]).
فإن
أسلمت المرأة بعد الزوج في العدة وقد دخل بها لم تستحق شيئاً عن المدة التي تخلفت
فيها عن الإسلام عند الشافعية.
ولو
كانت المرأة هي المسلمة أولاً فلها نفقة العدة، سواءً أسلم بعدها أو لا لأنها أدت
فرضاً مضيقاً عليها فلا يمنع النفقة كصيام
رمضان.
أما المالكية فقد ذهبوا إلى أنه إن كانت هي المسلمة وقد دخل
بها فإن أسلم الزوج في عدتها وجبت لها النفقة لأنه تبين أن الزوجية قائمة بينهما
وإن لم يسلم حتى انقضت عدتها لم يجب لها شيء لأنه تبين أنها ليست زوجته والفرقة
ليست منه([125]).
وإن
كان الزوج هو المسلم فلا نفقة لها في عدتها سواء أسلمت بعده بمدة قريبة أم لا لأن
المانع من جهتها بإبائها فلم يتمكن من الاستمتاع بها هذا إذا كانت حائلاً فإن كانت
حاملاً كان لها النفقة لحق الحمل([126]).
الفرع الخامس
فسخ الزواج بسبب
امتناع أحد الزوجين عن الإسلام
في قوانين الأحوال الشخصية العربية
أولاً: فسخ الزواج بسبب امتناع احد الزوجين عن الإسلام في ًقانون
الأحوال الشخصية اليمني:
في
هذا الشأن نصت المادة (49) من هذا القانون على أنه (إذا أسلم الزوج وكانت الزوجة
غير كتابية وآبت الإسلام أو أسلمت هي وأبى الزوج الإسلام في مدة عدتها أو أرتد أحد
الزوجين عن الإسلام إنفسخ النكاح بينهما في جميع الصور) وبينت المادة (46) كيفية
الفسخ حيث نصت هذه المادة على أنه (إذا تبين بين الزوجين سبب من الأسباب القاطعة
بالتحريم أنفسخ النكاح بينهما بحكم الشرع دون حاجة إلى الحكم بالفسخ على أن تدون
القضية بنظر المحكمة إما إذا أنكر أحدهما وجود السبب المحرم فلا بد من إثباته بحكم
من المحكمة).
ويظهر
من خلال استقراء النصين السالف ذكرهما أن القانون اليمني قد أخذ بقول الشافعية
الذين يذهبون إلى أن فسخ الزواج بسبب الامتناع عن الإسلام لا يقع إذاكان الزوج قد
دخل بالزوجة وإنما يتوقف حتى انتهاء العدة، كما أن الفسخ بسبب الامتناع عن الإسلام
يتم في كل الأحوال بنظر القضاء، ولم يتعرض القانون اليمني لكثير من الأحكام
المتعلقة بهذا الموضوع.
ثانياً:فسخ الزواج بسبب امتناع احد الزوجين عن الإسلام في قانون
الأحوال الشخصية المصري:
لم
يتعرض هذا القانون لأحكام فسخ الزواج بسبب امتناع الزوج عن الإسلام، والمعمول به
هو القول الراجح في مذهب الحنفية طبقاً لنص القانون الذي يقضي بأنه في حالة عدم
وجود النص فيتم العمل بالقول الراجح في مذهب الحنفية، وقد ذكرنا تفصيلاً موقف
الحنفية في هذا الشأن.
ثالثاً:فسخ الزواج بسبب امتناع احد الزوجين عن الإسلام في قانون
الأحوال الشخصية السوري:
أقصى ما ورد في القانون السوري في هذا الشأن هو النص في
المادة (48) على أن زواج المسلمة بغير المسلم باطل، وفي غير ذلك فإن المعمول به هو
القول الراجح في مذهب الحنفية طبقاً للقانون السوري الذي ينص على أنه في حالة عدم
وجود النص فيتم العمل بالقول الراجح في مذاهب الحنفية، وقد ذكرنا قول الحنفية في
ذلك.
رابعاً:فسخ الزواج بسبب امتناع احد الزوجين عن الإسلام في قانون
الأحوال الشخصية الكويتي:
تنص
المادة (143) من هذا القانون على أنه ("أ- إذا كان الزوجان غير مسلمين وأسلما
معاً فزواجهما باق. "ب- وإذا أسلم الزوج وحده وزوجته كتابية فالزواج باق وإن
كانت غير كتابية عرض عليها الإسلام فإن أسلمت أو صارت كتابية بقي الزواج وأن أبت
فسخ الزواج. "ج-وإذا أسلمت الزوجة وحدها يعرض الإسلام على الزوج إن كان أهلاً
للعرض فإن أسلم بقي الزواج وإن أبى فسخ الزواج وإن لم يكن أهلاً للعرض فسخ الزواج
في الحال إن كان إسلامها قبل الدخول وبعد انقضاء العدة إن أسلمت بعد الدخول) وفي
السياق ذاته نصت المادة (144) على أنه ("أ- يشترط لبقاء الزوجية في الأحوال
السابقة ألا يكون بين الزوجين سبب من أسباب التحريم المبينة في هذه القانون."ب-في
جميع الأحوال لا يجوز البحث في صدق من يعلن إسلامه ولا في الباعث على اعتناق
الإسلام) أما المادة (100) من هذا القانون فقد بينت وقت الفسخ بسبب الامتناع عن
الإسلام حيث نصت هذه المادة على انه (إذا كان سبب الفسخ يجعل المرأة محرمة على
الرجل وجبت الحيلولة بين الزوجين من وقت وجود موجب الفسخ حتى حكم القاضي)، ومن
استقراء هذه النصوص يظهر أن القانون الكويتي قد أخذ بقول الشافعية والحنابلة الذين
يفرقون بين الدخول وعدمه بالزوجة من حيث تحديد وقت الفسخ، كما أنه قد أخذ بقول
الحنفية من حيث أنه جعل إباء الزوج الإٍسلام سبباً للفسخ ولم يجعل الإسلام سبباً
للفسخ.
خامساً:فسخ الزواج بسبب امتناع احد الزوجين عن الإسلام في قانون
الأحوال الشخصية الأردني:
وأقصى ما ورد في هذا القانون في الموضوع محل الدراسة هو النص
في المادة (33) على أن زواج المسلمة بغير المسلم باطل وزواج المسلم بغير الكتابية
باطل، وعلى هذا الأساس يفسخ عقد الزواج إذا اسلم احد الزوجين بعد الزواج وأمتنع
الزوج الأخر عن الإسلام طبقاً للشروط السالف ذكرها في هذا المطلب، ويتم العمل في
الأردن بالقول الراجح في مذهب الحنفية تنفيذاً لنص المادة (183) من قانون الأحوال
الشخصية التي نصت على أنه (مالا ذكر له في هذا القانون يرجع فيه إلى الراجح من
مذهب أبي حنيفة)، وقد ذكرنا تفصيلاً قول الحنفية في هذا الشأن.
سادساً:فسخ الزواج بسبب امتناع احد الزوجين عن الإسلام في
قانون الأحوال الشخصية القطري:
وقد سلك في هذا
الموضوع مسلك القانون الأردني ولا حاجة تستدعي التكرار والإعادة، إلا أن القانون
القطري لا ينص على المذهب الذي يعمل به في حالة عدم النص مع أن أغلب نصوص القانون
القطري مستفادة من مذهب الحنابلة.
الفرع السادس
أحكام القضاء في الفرقة بسبب امتناع أحد الزوجين عن
الإسلام
جرى قضاء
محكمة النقض المصرية على أن:
(1) التفريق بين الزوجين بسب اعتناق الزوجة
الإسلام وإباء الزوج الدخول فيه يعتبر طلاقاً وليس بطلاناً للزواج([127]).
(2) الولد يتبع خير الأبوين ديناً متى كان
صغيراً لم يبلغ، بقاءه على إسلامه إلى البلوغ عدم الحاجة إلى تجديد إسلامه([128]).
المطلب
الرابع
فسخ الزواج بسبب رده أحد الزوجين المسلمين أو كليهما
إذا
ارتد المسلم عرض عليه الإسلام ندباً في رأي الجمهور وأزيلت شبهته، فإن أبى الإسلام
وأصر على ردته قتل ولم يقبل منه غير الإسلام، سواء أكان رجلاً أو امرأة عند جمهور
الفقهاء وذهب الحنفية والهادوية إلى أن يقتل الرجل فقط دون المرأة التي تحبس وتعزر
حتى تسلم أو تبقى في السجن.
والارتداد
هو الخروج عن دين الإسلام سواءً أكان الخروج إلى دين آخر كتابي أو غير كتابي، أو
كان خروجاً عن الإسلام دون دخول في أي دين آخر كالملحدين لأن الخروج ذاته ارتداد
ولا ينظر إلى ما وراءه([129]).
والارتداد يكون بالفعل وبالقول، أما بالقول فكأن يعلن خروجه
عن الإسلام أو اعتناقه ديناً غير دين الإسلام أو إنكاره ما هو معلوم من الدين
بالضرورة أو استهزاءه بما هو من شعائر المسلمين كاستهزائه بمصل أو حاج أثناء
قيامهما بالصلاة والحج وغير ذلك.
وأما
الردة بالفعل فكأن يسجد لصنم وغير ذلك مما يقطع بخروجه وتخليه عن إسلامه ظاهراً، ولا
نبحث عن نيته ما دام ظاهره يشير إلى ردته كالحال في إسلام غير المسلم فإنا لا
نبحث عن نيته أيضاً لأننا أمرنا أن نأخذ بالظاهر ونترك الحكم على نيات الناس لله
تعالى فهو وحده العالم بها.
الفرع الأول
حكم النكاح
بعد الردة
إذا
ارتد أحد الزوجين المسلمين أو ارتد الزوج وزوجته كتابية أو خرجت الزوجة الكتابية
عن دينها إلى دين غير أهل الكتاب، كالمجوسية والوثنية وزوجها مسلم وقعت الفرقة
بينهما بحكم الشرع عند جمهور الفقهاء، وانفسخ النكاح، وحكي عن داؤود أنه يرى أن
النكاح لا ينفسخ بالردة لأن الأصل بقاء النكاح ولم يطرأ ما يخالف هذا الأصل وهو
محجوج إذ إن الأصل بقاء النكاح إذا لم يطرأ المنافي، واختلاف الدين منافٍ من غير
شك([130]).
وذهب
الحنفية إلى أن الفرقة واقعة بردة الزوج، فإذا كان المرتد هو الزوجة فكذلك في ظاهر
الرواية، تقع الفرقة أيضاً كما لو كان المرتد هو الزوج تماماً لتساويهما في الحكم
وهو القياس ولكن أفتى بعض مشايخ بلخ وسمرقند بعدم وقوع الفرقة بردتها استحساناً
حسماً لباب المعصية والحيلة للخلاص من الزوج إذ ليس للزوجة سبيل إلى الطلاق بخلاف
الزوج فإنه غير متهم لقدرته على التخلص من الزوجة بالطلاق([131]).
وأفتى
عامة مشايخ بخاري بوقوع الفرقة بردة الزوجة ولكنها تجبر على الإسلام والنكاح للزوج
الأول بمهر يسير لأن الحسم يحصل بهذا الجبر فلا ضرورة إلى إسقاط اعتبار المنافي
(وهو اختلاف الدين).
وذهب
المالكية إلى التفريق بردة الزوج والزوجة على حد سواء إلا أن تقوم القرائن على أن
الزوجة غرضها الاحتيال بالردة للخلاص من الزوج فإنه لا يفسخ نكاحها بل تعامل بنقيض
قصدها([132]).
والمعنى
في وقوع الفرقة بالردة هو اختلاف الدين إذ هو المسبب للفرقة بين الزوجين كما مر في
الفرقة بإسلام أحدهما ولأن المرتد يستحق القتل بردته عند الجمهور سواء كان رجلاً
أو امرأة فأصبح بردته في حكم الميت والموت سبب من أسباب الفرقة.
هذا إذا أرتد أحد الزوجين فقط وبقي الثاني على إسلامه فإذا
ارتدا معاً فما الحكم؟
ذهب
الحنفية إلى عدم وقوع الفرقة بينهما لأن سبب الفرقة هو اختلاف الدين وهنا لم يحصل
ذلك كما لو أسلما معاً ثم إن المعنى في التفريق لاختلاف الدين هو عدم انتظام
المصالح بين الزوجين وردتهما معاً ظاهرة في انتظامها، ويستدل لذلك أيضاً بأن بني
حنيفة أصحاب اليمامة ارتدوا ثم أسلموا ولم يأمرهم الصحابة بتجديد الأنكحه ولما لم
يأمروهم بذلك علمنا أنهم اعتبروا أن ردتهم وقعت معاً، إذ لو حلت على التعاقب لفسدت
أنكحتهم ولزمهم التجديد ولم يحصل ذلك وهذا قول للمالكية أيضاً رواه أصبغ حتى لو
تابا ورجعا إلى الإسلام لم تحرم([133]).
وذهب الجمهور من الفقهاء إلى وقوع الفرقة سواء أرتد أحدهما
فقط أو ارتدا معاً وحجتهم أن المرتد لا يصح زواجه ولا تصرفاته لأنه ميت حكماً إذ
هو مستوجب للقتل.
الفرع الثاني
وقت وقوع الفرقة
بالردة وطريقه
(1) طريق وقوع الفسخ بالردة:
أجمع
الفقهاء على أن الفرقة لا تحتاج إلى قضاء بل تقع حكماً لأنها من الفرق التي أتفق
الفقهاء عليها ثم إنها تقوم على سبب جلي لا يحتاج إلى تقدير إذ لا لبس في الارتداد،
وما كان ذلك سبيله من الفرق لم يحتج إلى قضاء بل يقع بحكم الشرع.
(2) وقت وقوع الفسخ بالردة:
أختلف
الفقهاء في ذلك على أقوال:
ذهب الحنفية والمالكية إلى أن الفرقة تقع بالارتداد مباشرة
سوء أكانت الزوجة هي المرتدة أم الزوج وسواء أحصل قبل ذلك دخول بالزوجة أم لا ولا
ينتظر عرض الإسلام على الزوج المرتد، والفرقة تقع بارتداده سواء رجع بعد ذلك إلى
الإسلام أم لم يرجع لأن الردة علة مناسبة للفرقة فتقع بها ولا يشترط حكم القضاء([134]).
وذهب
الشافعية والحنابلة والجعفرية إلى أن الفرقة بردة أحد الزوجين كالفرقة بإسلامهما
تماماً، فإذا كانت الردة من أحدهما أو من كليهما قبل الدخول وقعت الفرقة بالردة
مباشرة، وإن كانت بعد الدخول توقفت على مضي عدة المرأة فإن تاب المرتد فيها لم تقع
الفرقة وإن مضت ولم يتب وقعت من تاريخ الردة وانقضاء العدة([135]).
وذهب
أبن أبي ليلى إلى أن الفرقة بردة أحد الزوجين لا تقع قبل الدخول ولا بعده حتى
يستتاب المرتد فإن تاب فهي امرأته وإن مات أو قتل ورثته وجعل هذا قياس إسلام أحد
الزوجين إذ هو كذلك عنده([136]).
الفرع الثالث
نوع الفرقة
بالردة وآثارها على المهر والعدة والنفقة فيها
أولاً: نوع الفرقة:
ذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى أنها فسخ لا طلاق سواء أكان
المرتد هو الزوج أو الزوجة أما كونها من الزوجة فظاهر وأما إن كانت من الزوج لأنها
لو كانت من المرأة كانت فسخاً فكذلك لو كانت من الرجل لأن السبب الواحد لا يتعدد
حكمه إضافة إلى أنها وإن كانت من قبل الرجل إلا أنها وقعت بالتنافي وهو اختلاف
الدين فكانت فسخاً.([137])
وذهب
محمد إلى أنها طلاق بائن سواء أكانت من قبل الزوج أو من قبل الزوجة أما إن كانت من
قبل الزوج فلأنها فرقة جاءت من قبله فهي طلاق وأما إن كانت من قبل الزوجة فلأنها إن
كانت من قبل الزوج كانت طلاقاً فكذلك لو كانت من قبل الزوجة لأن السبب الواحد لا
يتعدد حكمه.
وذهب
المالكية إلى أنها طلاق بائن سواء أكانت من قبل الزوج أو الزوجة لأنها وإن سببت
حرمة بينهما بحيث لا يستطيعان المقام معها إلا أنها فرقة من نكاح صحيح فكانت
طلاقاً وهذا هو القول المشهور في المذهب والمعمول به([138]).
أما
الشافعية والحنابلة والجعفرية فيرونها فسخاً مطلقاً لأنها ليست من قبل الزوج بلفظه
وما كان كذلك فهو فسخ عندهم([139]).
ثانياً:
أثر الفسخ بالردة على المهر ونفقة العدة:
(1) المهـر:
إن
كانت الفرقة بعد الدخول فللزوجة على زوجها المهر كاملاً لأن الدخول لا يخلو عن مهر
أو حد، ولا حد هنا فوجب المهر المسمى، إن كان المهر سمي تسمية صحيحة في العقد فإن
كان سمي تسمية فاسدة كأن يكون خمراً أو لم يسّم مطلقاً أو أشترط عدم المهر فالواجب
مهر المثل بالدخول، وإن كانت الفرقة قبل الدخول فإن كانت الردة من الزوجة لم يكن
لها شيء مطلقاً لأن الفرقة جاءت بسببها، وإن كان الزوج هو المرتد وجب لها نصف
المهر وهو المسمى إن كانت التسمية صحيحة وإن كانت التسمية فاسدة أو لم تتم تسمية
المهر مطلقاً وجب لها المتعة([140]).
(2) نفقة العدة
الحكم
فيها كالحكم في المهر تماماً ففي كل موطن وجب لها فيه المهر قبل الدخول يجب لها
فيه نفقة العدة مع الإشارة إلى أن نفقة السكنى ثابتة في كل الأحوال ولو لم يجب لها
نفقة عدة عند جمهور الفقهاء لأن السكنى فيها حق الشرع وهو لا يسقط بفعلها.
الفرع الرابع
فسخ الزواج بسبب
الردة في قوانين الأحوال الشخصية العربية
أولاً:
فسخ الزواج بسبب الردة في قانون الأحوال الشخصية اليمني:
تنص المادة (49) من هذا القانون على أنه إذا ( أرتد أحد
الزوجين عن الإسلام أنفسخ النكاح بينهما) في حين تبين المادة (46) وقت الفسخ
وطريقته ونوعه حيث نصت هذه المادة على أنه (إذا تبين بين الزوجين سبب من الأسباب
القاطعة بالتحريم انفسخ النكاح بينهما بحكم الشرع دون حاجة إلى الحكم بالفسخ على
أن تدون القضية بنظر المحكمة أما إذا أنكر أحدهما وجود السبب المحرم فلا بد من
إثباته بحكم من المحكمة).
ومن استقراء النصين السالف ذكرهما نجد أنهما استعملا اصطلاح
الانفساخ وليس الفسخ وذلك مناسب في هذه الحالة، وذلك يقتضي انفساخ عقد الزواج بردة
أحد الزوجين دون حاجة إلى حكم قضائي على أن يتم إثبات الواقعة أو توثيقها لدى
المحكمة إذا لم ينكر المرتد، أما إذا أنكر ذلك فلا يتم الفسخ إلا بحكم قضائي.
ثانياً:فسخ
الزواج بسبب الردة في قانون الأحوال الشخصية المصري:
لم
يتعرض هذا القانون لموضوع الفسخ بسبب الردة ولذلك فإنه يتعين الرجوع في هذا
الموضوع إلى القول الراجح في مذهب الحنفية عملاً بالمادة (1) من القانون (24) لسنه
1929م، وقد شرحنا سابقاً قول الحنفية في هذا الموضوع.
ثالثاً:فسخ الزواج بسبب الردة في مدونة الأسرة المغربية
(قانون الأحوال الشخصية المغربي):
لم
تنص المدونة على الفسخ بالردة، وطبقاً للمادة (400) من المدونة فإنه يُعمل بالقول
الراجح عند المالكية إذا لم يرد نص في المدونة، وقد أشرنا فيما سبق إلى قول
المالكية في هذا الشأن.
رابعاً:
فسخ الزواج بسبب الردة في قانون الأحوال الشخصية السوري:
لم
يتعرض هذا القانون لموضوع فسخ الزواج بسبب الردة ولذلك فإنه يتعين الرجوع في هذا
الموضوع إلى القول الراجح في مذهب الحنفية عملاً بالمادة (305) من قانون الأحوال
الشخصية رقم (59) لسنه 1953م، وقد سبق أن ذكرنا قول الحنفية في هذا الشأن.
خامساً:
فسخ الزواج بسبب الردة في قانون الأحوال الشخصية الكويتي:
تنص
المادة (145) من هذا القانون على أنه ("أ- إذا أرتد الزوج فسخ الزواج ولكن
إذا وقعت الردة من بعد الدخول وعاد الزوج إلى الإسلام خلال العدة لغا الفسخ وعادت
الزوجية. "ب- وإذا ارتدت الزوجة فلا يفسخ الزواج) وقد سلك القانون الكويتي في
التفرقة بين ردة الزوج وردة الزوجة مسلك فقهاء الحنفية في بلخ وسمرقند الذين أفتوا
بعدم فسخ الزواج بردة الزوجة حتى لا تتوسل الزوجة بالردة للتخلص من الزوجية، كما
أنه قد أخذ برأي الشافعية والحنابلة الذين ذهبوا إلى توقف فسخ الزواج بعد الدخول
على مضي عدة الزوجة.
سادساً:فسخ
الزواج بسبب الردة في قانون الأحوال الشخصية الأردني:
لم
يتعرض لفسخ الزواج بسبب الردة ولذلك فإنه يتعين الرجوع في ذلك إلى القول الراجح في
مذهب الحنفية عملاً بالمادة (183) التي نصت على أن (ما لا ذكر له في هذا القانون
يرجع فيه إلى الراجح من مذهب أبي حنيفة)، وقد سبق لنا أن أوضحنا قول الحنفية في
هذا الشأن.
سابعاً:
فسخ الزواج بسبب الردة في قانون الأحوال الشخصية القطري:
تنص
المادة (168) من هذا القانون على أنه (تقع الفرقة بين الزوجين، بمجرد ردة أحدهما
أو كليهما إن كانت الردة قبل الدخول ) في حين نصت المادة (169) على أن (يفرق
القاضي بين الزوجين لردة أحدهما أو كليهما بعد الدخول بعد الإعذار بالعودة إلى
الإسلام خلال مدة تنقضي بمثلها العدة فإن انقضت العدة فرق بينهما) أما المادة
(170) فقد بينت نوع الفرقة في حالة ردة أحد الزوجين حيث نصت هذه المادة على أنه
(يعتبر التفريق للردة فسخاً)، وفي كل هذه النصوص نجد أن القانون القطري قد أخذ
بقول الشافعية والحنابلة الذين فرقوا بين الردة قبل الدخول وبعده والذين ذهبوا إلى
توقف فسخ الزواج لسبب الردة حتى انقضاء عدة الزوجة والذين تعد الفرقة بين الزوجين
بسبب الردة فسخاً لا طلاقاً عندهم.
الفرع الخامس
أحكام القضاء في
التفريق بين الزوجين بسبب الردة
أحكام
القضاء في الفسخ بالردة:
جرى
قضاء محكمة النقض المصرية على أن:
(1) ردة الرجل فرقة، حصولها بنفس الردة في
الحال ووقوعها بغير قضاء سواءً أكانت الزوجة مسلمة أم كتابية([141]).
(2) زواج المرتدة عن الإسلام بغير المسلم
قبل ردتها أو بعدها لا ينعقد أصلاً ولا ينتج فراشاً ولا يثبت نسباً أو يولد حقاً في
الميراث([142]).
(3) الردة سبب من أسباب الفرقة. ليس للمرتد
أن يتزوج أصلاً، زواج المسلمة بغير المسلم حرام ولا ينعقد أصلاً، زواج المرتدة لا
ينعقد أصلاً ولا يثبت نسباً ويتولد عنه أي حق في الميراث([143]).
(4) ردة الرجل فرقة وهي بالإجماع تحصل بنفس
الردة، وتثبت في الحال، وتقع بغير قضاء القاضي سواءً كانت الزوجة مسلمة أو كتابية،
فإن كانت الردة بعد الدخول بالزوجة، فلها المهر والنفقة إلى وقوع الفرقة ونفقة
العدة ما دامت فيها.
(5) المقرر في الفقه الحنفي أن المرأة إذا
ارتدت ثم تزوجت لا ينعقد زواجها وإذا تزوجت انفسخ العقد ووجبت الفرقة بين الزوجين
بمجرد تحقق سببها وبنفس الردة بغير توقف على قضاء القاضي.
(6) الردة على فرض حصولها من الزوج لا تمنع
الزوجة المسلمة حقها في الإرث إذا مات زوجها وهي في عدتها، لأنه بذلك يصير فاراً
من ميراثها وإن كان صحيحاً وقت ردته.
(7) أصدرت
الدائرة المدنية والتجارية بمحكمة النقض المصرية بتاريخ 5/8/1996م حكمها في قضية
مشهورة وذلك بالتفريق بين زوجين لردة الزوج، وحتى يكون القاضي و المهتم والمتابع
على معرفة تامة وشاملة ومتصلة بوقائع الحكم وأسبابه ومنطوقه والعلاقة فيما بينها، لذلك
نذكر هذا الحكم كاملاً ولم نستبعد منه إلا مقدمته التي تضمنت أسماء قضاة الدائرة
وأسماء أطراف الطعن، حيث قضى هذا الحكم بأنه (وحيث إن الوقائع على ما يبين الحكم
المطعون فيه وسائر الأوراق "تتحصل في أن المطعون ضدهم" في الطعنين رقمي
475 و481 لسنة 65 وآخرين أقاموا الدعوى رقم 591لسنة1999 كلى أحوال شخصية الجيزة
على الطاعنين فيهما بطلب الحكم بالتفريق بينهما، وقالوا بياناً لدعواهم، إن الطاعن
الأول ولد لأسرة مسلمة ويشغل وظيفة أستاذ مساعد الدراسات الإسلامية والبلاغة بقسم
اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة ونشر كتباً وأبحاثاً ومقالات تتضمن
كفراً صريحاً فيكون مرتداً مما يتعين معه التفريق بينه وبين زوجه الطاعنة الثانية،
ومن ثم أقاموا الدعوى، بتاريخ 27/1/1994 فحكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، حيث استأنف
المطعون ضدهم هذا الحكم بالاستئناف رقم 287 لسنة 111ق القاهرة، وبتاريخ 14/6/1995
قضت المحكمة بإلغاء الحكم الابتدائي والتفريق بين الطاعنين، فطعن الطاعنان في هذا
الحكم بطريق النقض بالطعنين رقمي 475، 481 لسنة65 ق أحوال شخصية وطعنت فيه النيابة
العامة بالطعن رقم 478 لسنة65 ق أحوال شخصية، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي
برفض الطعون الثلاثة، وعرضت هذه الطعون على المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة
لنظرها وفيها استمعت إلى دفاع الخصوم والنيابة.
أولاً:
الطعنان رقما 475، 481لسنة65 ق أحوال شخصية:
حيث
ان الدفع المبدى من الطاعنين بجلسة المرافعة بعدم دستورية نص المادة 280من لائحة
ترتيب المحاكم الشرعية في غير محله، ذلك بأن المحكمة العليا قد قضت في الدعوى رقم
10 لسنة 5 دستورية المنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 29/7/1976 بأن هذا النص
دستوري.
وحيث
أن الطعنين أقيم كل منهما على أربعة أسباب، وينعى الطاعنان بالسبب الأول عدا
الوجهين الثالث والخامس منه-على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، ويقولان
بياناً لذلك، إن النظام القضائي الإسلامي نتظم دعوى الحسبة إلا أن هذا النظام
اندثر ولم يتضمن النظام القضائي الحديث تلك الدعوى فتكون غير قائمة، وقد ناط
القانون بالنيابة العامة مباشرة الدعوى العمومية، وعهد للمدعى العام الاشتراكي صون
وحماية قيم المجتمع، ويقتصر دور المدعى في دعوى الحسبة على إقامتها أو مجرد
الإبلاغ وليس له حقوق وواجبات الخصم في الدعوى، والنيابة العامة بوصفها نائبة عن
المجتمع هي التي تضطلع بمباشرتها، وإذ تولت النيابة العامة التحقيق فيما أسند إلى
الطاعن الأول من اتهام بإنكار الدين الإسلامي والتعريض بمقدساته فيما أبداه من
أراء عن ذات الوقائع المطروحة، مما كان يتعين معه القضاء بوقف الدعوى حتى الانتهاء
من هذا التحقيق، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر بقضائه بالتفريق، فإنه يكون
مما يستوجب نقضه.
وحيث
إن هذا النعي مردود، ذلك بأن الشريعة الإسلامية هي القانون الواجب التطبيق في
مسائل الشخصية وفقاً لأرجح الأقوال في مذهب الأمام أبى حنيفة فيما عدا الأحوال
التي وردت بشأنها قوانين خاصة وذلك عملاً بنص المادة 280من لائحة ترتيب المحاكم
الشرعية والمادة السادسة من القانون رقم 462 لسنة 1955 وبإلغاء المحاكم الشرعية
والمحاكم الملية، وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن سكوت القانون أو خلوه من النص
على حكم مسألة من مسائل الأحوال الشخصية لا يعنى أن المشرع أراد أن يخالف نصاً في
القرآن أو السنة الصحيحة أو حكماً أتفق عليه فقهاء المسلمين، وينطبق ذلك على الحق
والدعوى به في هذا الصدد، وإذ لم تكن توجد قاعدة قانونية خاصة تمنع أو تقيد من
إقامة دعوى الحسبة في الوقت الذي رفعت فيه هذه الدعوى حتى صدور حكم نهائي فيها من
محكمة الموضوع، فإنه يتعين الرجوع في شأن قبولها إلى الراجح في مذهب أبى حنيفة، والحسبة
"على ما جرى به قضاء هذه المحكمة" وفي اصطلاح الفقهاء هي فعل ما يحتسب
عند الله من أمر بمعروف ظهر تركه أو نهي عن منكر ظهر فعله، وهي من فروض الكفاية
وتصدر عن ولاية شرعية أصلية - أو مستمدة- أضفاها الشارع على كل من أوجبها عليه
وطلب منه القيام بها، وذلك بالتقدم إلى القاضي بالدعوى أو الشهادة لديه أو
باستعداء المحتسب أو والى المظالم "النيابة العامة" ودعوى الحسبة تكون
فيما هو حق لله أو فيما كان حق الله فيه غالباً كالدعوى بإثبات الطلاق البائن أو
التفريق بين زوجين زواجهما فاسد أو بسبب ردة أحدهما برجوعه عن دين الإسلام، وجمهور
الفقهاء على عدم تقيدها بشرط الإذن أو التفويض من ولى الأمر، وإذا ترك كل المسلمين
الحسبة باعتبارها واجباً كفائياً أثموا جميعاً، بل إنها تكون فرض عين على المسلم
القادر عليها إذا لم يقمها غيره في شأن أمر لا يعلم به إلا هو، فلا يقبل القول
بانتقاء مصلحة رافع هذه الدعوى طالما تحققت شروط الحسبة، لأنه مطلوب منه شرعاً
الإحتساب فيكون شاهداً فيها لإثباتها وقائماً بالخصومة في آن واحد، وله ما للخصوم
من حق إبداء الطلبات والدفوع وأوجه الدفاع ومتابعة السير في الدعوى حتى ينحسم
النزاع، لما كان ذلك، وكان من المقرر " في قضاء هذه المحكمة" أن القانون
الجديد يطبق بأثر مباشر على الوقائع والمراكز القانونية التي تقع أو تتم بعد نفاذه
ولا يسرى بأثر رجعى على الوقائع السابقة عليه، فلا يجوز أن يمس ما يكون قد انقضى
من مراكز قانونية في ظل القانون القديم، وتخضع الدعوى من حيث شروط قبولها وإجراءاتها
للقانون الساري وقت رفعها، فإذا انعقدت الدعوى صحيحة بين طرفيها، فلا محل من بعد
للتمسك بانتفاء صفه المدعى أو مصلحته في رفعها، وعندئذ يجوز لمن كان طرفاً في
الخصومة الطعن في الحكم الصادر فيها، طالما لم يتخل عن منازعته حتى صدور هذا الحكم،
ويكفي لتحقق المصلحة والصفة في الطعن قيامهما وقت صدور الحكم المطعون فيه، ولا
عبرة بزوالها من بعد ولئن كان القانون رقم 81 لسنة1996 المعدل لنص المادة الثالثة
من قانون المرافعات قد اشترط في المادة الأولى منه لقبول الدعوى أن يكون لرافعها
مصلحة شخصية ومباشرة وقائمة يقرها القانون، إلا أن هذا القانون لم يأت بجديد يغاير
ما هو مقرر في قضاء هذه المحكمة في ظل النص المذكور قبل تعديله في صدد هذه الشروط،
بيد أن ذلك لم يكن حائلاً بين ما جرى به قضاء هذه المحكمة من إقرار دعوى الحسبة في
مسائل الأحوال الشخصية عملاً بالمادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم، باعتبار أن
الدفع بانتقاء المصلحة لا يختلط بالدفع المتعلق بشكل الإجراءات، وإنما هو من
الدفوع الموضوعية التي تتصل بأصل الحق إذ يتعلق بالشروط اللازمة لسماع الدعوى، وقد
استثنت المادة الثانية من القانون 81 لسنه1996 من سريانه الأحوال التي تجيز فيها
بعض القوانين رفع الدعوى من غير صاحب الحق تقريراً للمصالح التي تحميها تلك
القوانين كان ذلك لمصلحة خاصة أو جماعية، كما أن تنظيم القانون رقم 3 لسنة 1996
لإجراءات دعوى الحسبة يعد إقراراً من المشرع بوجودها، ولا يغير من هذا النظر أن
القانون رقم 81 لسنة1996 اعتبر المصلحة من النظام العام وأوجب على جميع المحاكم
بما في ذلك محكمة النقض أن تقضى من تلقاء نفسها بعدم قبول الدعوى إذا لم تتوافر
شروط المصلحة فيمن أقامها، إذ أنه لا يتصور هذا القضاء إلا إذا تبين أن الدعوى
أقيمت ابتداء من غير ذي مصلحة أو رفع الطعن بالاستئناف أو النقض ممن لا مصلحة له
فيه وذلك وفقاً للقانون الذي رفعت الدعوى أو الطعن في ظله، وكانت الدعوى الماثلة
قد رفعت وصدر حكم نهائي فيها قبل صدور القانون رقم 81 لسنة 1996 بطلب التفريق بين
الطاعن الأول وزوجه لارتداده عن الإسلام، وهو ما يتوافر به شروط دعوى الحسبة، فإن
أحكام ذلك القانون لا تنطبق على الدعوى من حيث شروط قبولها إذ لم يكن هذا القانون
قد صدر بعد عند رفعها ابتداء أو حين تقديم الطعن بالاستئناف، لما كان الأمر ذلك، وكان
مبنى طلب إحالة الطعون للمرافعة صدور القانون المذكور بعد حجزها للحكم، فإنه لا
مبرر للاستجابة له، ولا يغير مما سلف صدور القانون رقم 3 لسنة 1996 في شأن تنظيم
إجراءات مباشرة في دعوى الحسبة في مسائل الأحوال الشخصية، إذ أن هذا القانون لا
يسرى على الدعوى بأثر رجعى لأنه صدر إبان نظر الطعن بالنقض في الحكم النهائي
الصادر فيها، وعملاً بنص المادة الثانية من قانون المرافعات فإن كل إجراء تم
صحيحاً في ظل قانون معمول به يبقى صحيحاً وإن صدر قانون لاحق لا يعتبره كذلك، فالدعاوى
التي فصل فيها وإجراءاتها التي تمت قبل العمل بالقانون الجديد لا تخضع لأحكامه ولو
لم يكن الحكم نهائياً، ولم يخرج القانون المذكور عن هذه القاعدة، إذ لم ينص على
تطبيقه بأثر رجعى، بل نص في المادة الثامنة منه على العمل به من اليوم التالي
لتاريخ نشره، وقد نشر بالجريدة الرسمية بتاريخ 29/1/1996 ونصت المادة السادسة منه
على أنه (تحيل المحكمة من تلقاء نفسها ودون رسوم ما يكون لديها من دعاوى في مسائل
الأحوال الشخصية على وجه الحسبة والتي لم يصدر
فيها أي حكم إلى النيابة العامة المختصة وفقاً لأحكام هذا القانون وذلك بالحالة
التي تكون عليها الدعوى) مما مفاده أنه متى صدر في دعوى الحسبة أي حكم ولو لم يكن
باتاً أو نهائياً فإن على المحكمة التي تنظر الدعوى أن تستمر في نظرها ولا يجوز
لها إحالتها إلى النيابة العامة لاتخاذ شئونها وفقاً لأحكام ذلك القانون، إذ أن
عبارة (أي حكم) الواردة بالنص المذكور تفيد العموم، فلا يشترط في الحكم أن يكون
نهائياً أو باتاً وإلا كان ذلك تخصيصاً بلا مخصص، وإذا كان الطعن بالنقض لا تنتقل
به الدعوى برمتها إلى محكمة النقض وما يعرض على هذه المحكمة ليست الخصومة التي
كانت منظورة أمام محكمة الموضوع، بل ينصب هذا الطعن على محاكمة الحكم النهائي الذي
صدر فيها، وما دام المشرع لم ينص صراحة في القانونين سألفي الذكر على إسقاط
الأحكام النهائية الصادرة في شأن الحسبة فإنها لا تسقط بطريق الاستنتاج لما يترتب
على إسقاطها من المساس بالحقوق المكتسبة منها، بل يبقى لهذه الأحكام قوتها
وحصانتها التي كفلها القانون حتى يقضى من محكمة النقض في أمر الطعن المرفوع عنها، ولا
عبرة بما تضمنته الأعمال التحضيرية للقانونين المذكورين في هذا الخصوص، ذلك بأن من
المقرر "في قضاء هذه المحكمة" أنه متى كان النص واضحاً جلى المعنى
قاطعاً في الدلالة على المراد منه، فلا محل للخروج عليه أو تأويله استهداء
بالمراحل التشريعية التي سبقته أو الحكمة التي أملته أو ما تضمنته المذكرة
الإيضاحية من بيانات لا تتفق وصريح عبارة النص، لما كان ما تقدم، وإذا أنتهي الحكم
المطعون فيه إلى قبول الدعوى ونظرها، فإنه يكون قد التزم القواعد القانونية
المقررة أما بصدد ما أثاره الطاعنان من أنه كان يتعين وقف الدعوى حتى تنتهي
النيابة العامة من تحقيقات تباشرها فيما نسب إلى الطاعن الأول فهو مردود ذلك بأن
النص في المادة 265 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه ( إذا رفعت الدعوى
المدنية يجب وقف الفصل فيها حتى يحكم نهائياً في الدعوى الجنائية المقامة قبل
رفعها أو أثناء السير فيها 000000) يدل على أن المشرع رأى كنتيجة لازمة لمبدأ تقيد
القاضي المدني بالحكم الجنائي في الموضوع المشترك بين الدعويين وهو موضوع الجريمة
ونسبتها إلى فاعلها وفق نص المادة 456 من قانون الإجراءات الجنائية والمادة 102 من
قانون الإثبات وأنه يتعين على المحكمة المدنية وقف الدعوى أمامها انتظاراً للحكم
النهائي في الدعوى الجنائية، طالما أنها أقيمت قبل أو أثناء السير في الدعوى
المدنية وتوافرت وحده السبب بينهما بأن تكون الدعويان ناشئتين عن فعل واحد يتحقق
الارتباط بينهما، تفادياً لصدور حكمين مختلفين عن ذات الواقعة من محكمة جنائية
وأخرى مدنية، إلا أن الدعوى الجنائية لا تعتبر قد أقيمت بمجرد تقديم الشكاوى
والتبليغات إلى سلطات التحقيق أو تحقيق هذه السلطات لها، وإنما تقام هذه الدعوى
برفعها بالفعل إلى القضاء، فإن لم تكن قد رفعت قبل الدعوى المدنية أو السير فيها
فلا محل لوقف الدعوى المدنية، وهو لا يكفي لوقفها مجرد تحقيق النيابة العامة
للواقعة الذي قد يستغرق وقتاً طويلاً لا تتبعه محاكمة تنتهي إلى حكم يتقيد به
القاضي المدني وهو ما يجاوز العلة التي هدف إليها نص المادة 265 من قانون
الإجراءات الجنائية الذي اشترط لوجوب وقف الدعوى المدنية إقامة الدعوى الجنائية
وليس مجرد تحقيق النيابة العامة للواقعة، لأن قراراتها لا حجية لها أمام القضاء
المدني فلا يجب عليه وقف الدعوى أمامه ترقباً لها، لما كان ذلك، وكان الطاعن الأول
لم يقدم ما يدل على أن النيابة أقامت الدعوى الجنائية ضده، عما أبلغت به بشأن ما
نسب إليه في الدعوى المطروحة، فإن النعي في هذا الخصوص يكون بلا سند صحيح، ويغدو
النعي برمته على غير أساس.
وحيث إن
الطاعنين ينعيان بالأسباب الثانى والثالث والرابع على الحكم المطعون فيه الخطأ في
تطبيق الشريعة الإسلامية والفساد في الاستدلال ومخالفته الثابت بالأوراق ويقولان
في بيان ذلك إن الردة تكون بقول أو فعل صريح الدلالة على الكفر من غير اجتهاد
والطاعن الأول مسلم وفقيه في علوم القرآن وله مؤلفات التزم فيها أصول البحث العلمي،
وما ذكره عن الخطاب الديني من قبيل الاجتهاد، وأنه عنى بالتفرقة بين النصوص ودلا
لتها وصولاً لمفاهيم متطورة منتهجاً في ذلك التفسير العقلاني المجازى إذ أن ما ورد
بالقرآن عن العرش والكرسي والقلم والملائكة والجن والشياطين لا يدركه العقل إلا من
خلال تصور وجودي ذهني بحسبانه الأقرب إلى التنزيه يتوافق مع الخطاب الديني المعاصر،
وكشف النقاب في مؤلفة الإمام الشافعي عن أن ما عناه بالنصوص نصوص الإمام الشافعي
التي سارت ذات سلطة وهي التي عمد إلى التحرر منها وليس من نصوص الأحكام الشرعية، ولم
يرد في كتاباته ما يعد جحداً للقرآن أو رداً لشئ منه، وفي مؤلفه مفهوم النص
البرهان على صدق إيمانه وكل نقده انصب على التصورات النابعة من الفهم الحرفي للنص القرآني
باعتبار أنها نتاج ثقافي بشرى، ولم تنطو مؤلفاته على ما يعد مروقاً من الدين، وتمسك
أمام محكمة الموضوع بهذا الدفاع الجوهري وقد استند الطاعن الأول إلى تقريرين
صادرين من مجلس أساتذة كلية الآداب جامعة القاهرة وأساتذة قسم اللغة العربية بها
تضمنا الإشادة بمؤلفاته، وإذ قضى الحكم المطعون فيه بالتفريق بينه وزوجه مؤسساً
قضاءه على أن مؤلفاته قد حوت ما ينطوي على الكفر الصريح معتمداً على فقرات مجتزأة
ومقتطعة من سياقها وغير مكتملة المعنى ولا تؤدى إلى ما استخلصه الحكم منها والتفت
عما لمستنداته من دلالة قاطعة، فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك بأن الاجتهاد في اصطلاح فقهاء
الشريعة الإسلامية هو بذل الفقيه وسعه لاستنباط الحكم الشرعي العملي من الدليل الشرعي،
وما كان من النصوص قطعي الثبوت والدلالة فلا محل للاجتهاد فيها، ولا مجال للاجتهاد
في المسائل المعلومة من الدين بالضرورة وإنما يكون الاجتهاد فيما لم يرد فيه نص أو
ما ورد فيه نص غير قطعي الثبوت أو غير قطعي الدلالة والنصوص الشرعية هي القرآن
الكريم والسنة النبوية المطهرة باعتبارها المصدر الثاني للتشريع، ومتى كان النص
واضحاً جلي المعنى قاطعاً في دلالته على المراد منه فإنه لا يجوز الخروج عليه أو
الانفلات منه بدعوى تأويله، فلا اجتهاد في مقابلة النص، وهذا هو مفاد النصوص لقوله تعالى ] وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى
الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً
مبيناً [،
وقوله عز وجل]إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى
الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون[ ، وقوله جل جلاله]إنّا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم
بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيماً[ w، وقوله عز شأنه ]
اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء [ وقوله سبحانه ]وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا
تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله[ .
وآيات
القرآن العظيم في هذا المعنى كثيرة وقد نقل ابن عبد البر عن أبى حنيفة قوله "
إذا صح الحديث فهو مذهبي " وهو ما نقله الإمام الشعراني عن الأئمة الأربعة، وقال
الإمام الشافعي " إذا صح الحديث فأضربوا بقولي عرض الحائط 000000 ولا قول
لأحد مع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وآيات الكتاب العزيز قاطعة في الأمر
بإتباع السنة النبوية ووجوب طاعة الرسول I وجعلت
طاعته من طاعة الله، قال
تعالى ]فلا ربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا
يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً[ ، وقوله تعالى]من يطع الرسول فقد أطاع
الله [ ،
*وقوله
جل علاه ]من يطع الرسول فقد أطاع الله [، *وقوله عز شأنه ]فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم
تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا[ ، *وقوله سبحانه
]وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين[، *وقوله عزّ وجلّ] يا أيها
الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم [ ،
وغير ذلك من آيات القرآن الكريم التي تأمر بطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وتقرنها بطاعة الله تعالى ومن عارض سنة رسول الله I"كما يقول الإمام أحمد" فذلك فعل الذين يستمسكون
بالمتشابه في رد المُحكم فإن لم يجدوا لفظاً متشابهاً يردونه به استخرجوا من
المُحكم وصفاً متشابهاً يردونه به، في حين أن المنهج القويم الذي سلكه الصحابة
والتابعون والأئمة أنهم يردون المتشابه إلى المُحكم ويأخذون من المحكم ما يفسر به
المتشابه ويبينه فتتفق دلالته مع المحكم وتوافق النصوص بعضها بعضاً ويُصَدِّق
بعضها بعضا لأنها كلها من عند الله، وما كان من الله فلا اختلاف فيه ولا
تناقص، يقول
الله تعالى ] فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه
منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله [ ، والسنة النبوية لا تعارض القرآن الكريم،
فهي إما أن تأتي موافقة له من كل وجه وإما أن تكون بياناً لما أجمله وتفسيراً
لمبهمه وإما أن تكون موجبة لحكم سكت عنه القرآن، وفي هذه الحالة الأخيرة تكون
تشريعاً يجب طاعة النبي i فيه، لقوله تعالى ]وما آتاكم الرسول فخذوه[ ، ولو رُدَّت السنة
النبوية التي لم ترد في القرآن الكريم لأبطلت أكثر سنن الرسول i،
رغم أن مخالفة السنة مخالفة للقرآن الكريم الذي أمر بإتباعها، وعلى هذا إجماع
علماء الأمة لم يشذ منهم في ذلك أحد، والقول بغير ذلك مخالفة لأصول الشريعة بما
يتعارض مع كون السنة التي صدرت عن رسول الله i وحياً من عند الله والمصدر الثاني
للتشريع، وهو ما يتنافى مع أصل العقيدة وما هو معلوم من الدين بالضرورة، لقوله تعالى ]وما ينطق عن الهوى*إن هو إلا وحي يوحى* علّمه شديد القوى[، وغير
ذلك من آيات الكتاب العزيز الدالة على هذا المعنى.
ومن المقرر لدى فقهاء الشريعة الإسلامية أن
الردة هي الرجوع عن دين الإسلام وركنها التصريح بالكفر إما بلفظ أو فعل يتضمنه
ويعتبر كافراً من استخف بالقرآن الكريم والسنة النبوية أو استهزاء بهما أو جحدهما
أو كذبهما، أو أثبت أو نفي خلاف ما جاء بهما مع علمه بذلك عناداً أو مكابرة أو
تشكك في شئ من ذلك، أو عبد أحداً غير الله أو شرك معه غيره، أو أنكر وجود الله أو
أياً من خلقه مما أخبر عنه الله في القرآن الكريم، بأن أنكر الجنة أو النار أو
القيامة أو الغيب والبعث والحساب أو الملائكة أو الجن والشياطين أو العرش والكرسي،
أو جحد نبوة محمد i أو بعموم رسالته للناس كافة، أوشك في صدقه، أو
أتى المحرمات مستحلاً لها دون شبهه أو أمتنع عن إتيان فعل يوجبه الإسلام إذا أنكر
هذا الفعل أو جحد أو استحل عدم إتيانه كأن يمتنع عن أداء الصلاة أو الزكاة أو الحج
جاحداً منكراً ويعتبر الممتنع أو الجاحد كافراً إذا كان ممن لا يجهل مثله الحكم الشرعي،
فإن كان ممن لا يعرف مثله ذلك كحديث العهد بالإسلام فإنه لا يعد كافراً وكذلك
الحكم في إنكار مبادئ الإسلام كلها، لأن أدلة وجودها لا تكاد تخفي والكتاب والسنة
زاخران بأدلتها والإجماع منعقد عليها فلا يجحدها إلا معاند للإسلام ممتنع عن التزام
أحكامه غير قابل لكتاب الله تعالى وسنة
رسوله وإجماع
أمته، ويعتبر خروجاً عن الإسلام الجهر بأن القرآن من عند غير الله أو أنه من نظم
البشر أو أن الشريعة الإسلامية لا تصلح للتطبيق في هذا العصر أو أن في تطبيقها
تأخر المسلمين وأنه لا ينصلح حالهم إلا بالتخلص من أحكامها، وإن كان الاعتقاد
المجرد بما سلف لا يعتبر ردة، إلا أنه يعد كذلك إذا تجسد في قول أو عمل ويكفي عند
جمهور الفقهاء ومنهم الحنفية لاعتبار الشخص مرتداً أن يتعمد إتيان الفعل أو القول
الكفري مادام قد صدر عنه بقصد الاستخفاف أو التحقير أو العناد أو الاستهزاء ولا
يندفع حكم الردة إذا تحقق ما تقدم وإن ادعى المرتد أنه مسلم لاتخاذه موقفاً يتنافى
مع الإسلام، لأن الزنديق يموه بكفره ويروج عقيدته الفاسدة ويبطن الكفر ويدعى
الإسلام.
لما
كان ذلك، وكان الثابت مما أبداه الطاعن الأول في مصنفاته المبينة بالأوراق أنها
تضمنت "وفقاً لصريح دلالتها وما لا احتمال معه لأي تأويل"جحداً لآيات
القرآن الكريم القاطعة بأن القرآن كلام الله، إذ وصفه بأنه
"منتج ثقافي وأن الإيمان بوجود ميتافيزيقى يطمس هذه الحقيقة... ويعكر الفهم العلمي
للنصوص، وينكر سابقة وجوده في اللوح المحفوظ ويعتبره مجرد نص لغوى ويصفه بأنه ينتمي
إلى ثقافة البشر وأنه تحول إلى نص إنساني "متأنس" منحياً عنه صفه
القدسية استهزاء بقيمته، وينكر أن الله تعالى هو
الذي سمى القرآن بهذا الاسم جاحداً للآيات القرآنية التي صرحت بذلك مع كثرتها وذكر
في أبحاثه أن الإسلام ليس له مفهوم موضوعي محدد منذ عهد النبوة إلى يومنا هذا، وهو
قول هدف به إلى تجريد الإسلام من أي قيمة أو معنى ووصفه بأنه دين عربى لينفي عنه
عالميته وأنه للناس كافة، ووصف علوم القرآن بأنها تراث رجعى، وهاجم تطبيق الشريعة
ونعت ذلك بالتخلف والرجعية زاعماً أن الشريعة هي السبب في تخلف المسلمين وإنحطاطهم،
ويصف العقل الذي يؤمن بالغيب بأنه غارق في الخرافة، وصرح بأن الوقوف عند النصوص
الشرعية يتنافى مع الحضارة والتقدم ويعطل مسيرة الحياة، ويتهم النهج الإلهي
بتصادمه مع العقل بقوله" معركة تقودها قوى الخرافة والأسطورة باسم الدين والمعاني
الحرفية للنصوص الدينية وتحاول قوى التقدم العقلانية أن تنازل الخرافة أحياناً على
أرضها " وهذا من الكفر الصريح، وكشف الله عنه بقوله تعالى ] وإن يروا كل
آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين[ ، والأساطير معناها
الأباطيل أو الأحاديث التي لا نظام لها ومفردها أسطورة، وهو ما نعت به الطاعن
الدين والنصوص الدينية زاعماً أنهما ينطويان على خرافة، ويقول إن تثبيت القرآن في
قراءة قريش كان لتحقيق السيادة القرشية التي سعى الإسلام لتحقيقها، وكأن القرآن لم
ينزل إلا لتحقيق سيادة قريش، ويهزأ برسول الله i ويلمزه بقوله "موقف العصبية العربية القرشية التي كانت حريصة
على نزع صفات البشرية عن محمد وإلباسه قدسية إلهيه تجعل منه مشرعاً " وينكر
حجية السنة النبوية وأن الإسلام دين الوسطية، ويدعو إلى المروق من النصوص الشرعية
بقوله " لقد آن أوان المراجعة والانتقال إلى مرحلة التحرر لا من سلطة النصوص
وحدها...قبل أن يجرفنا الطوفان"، وأبحاثه فيها اتهام للقرآن والسنة والصحابة
والأئمة ومنهم الشافعي وأبو حنيفة بالعصبية الجاهلية، فحارب الإسلام في نصوصه
ومبادئه ورموزه وأعترض على نصيب البنات في الميراث راداً بذلك ما ورد بالقرآن
الكريم بنصوص قطعية محكمة في هذا الصدد، وتمادى في غلوه بالدعوة إلى التحرر من
النصوص الشرعية بزعم أنه ليس فيها عناصر جوهرية ثابتة وأنها لا تعبر إلا عن مرحلة
تاريخية قد ولت، وهذا رمى لشرع الله بأنه غير صالح لكل الأزمنة، ويصف إتباع النصوص
الشرعية بالعبودية، وينكر أن السنة وحي من عند الله ويدعى أنها ليست
مصدراً للتشريع متحدياً بذلك الآيات القرآنية العديدة التي وردت في هذا الشأن على
خلاف إجماع الأمة، وسخر من أحكام الجزية وملك اليمين مصوراً الإسلام بالتسلط رغم
تسامحه وحضه على عتق الرقاب، وأنكر أن الله ذو العرش العظيم وأنه
تعالى وسع
كرسيه السماوات والأرض وأن من خلقه الجنة والنار والملائكة والجان رغم ورود آيات
القرآن الكريم قاطعة الدلالة في ذلك، متجاهلاً هذا، وسخر من نصوص الكتاب العزيز
مستخفاً به بقوله " النص القرآني حوَّل الشياطين إلى قوة معوقه وجعل السحر
أحد أدواتها " بما معناه أن القرآن الكريم حوى كثيراً من الأباطيل، وسار على
هذا النهج المضاد للإسلام في مقاصده وعقائده وأصوله بجرأة وغلو وتجريح نافياً عن
مصادره الرئيسية ما لها من قداسة، ولم يتورع في سبيل ذلك أن يخالف الحقائق الثابتة
حتى التاريخية منها، وكان هذا هو منهجه، وهو مدرك لحقيقته وفحواه في ميزان الشريعة،
إذ أنه نشا مسلماً في مجتمع إسلامي ويعمل أستاذاً للغة العربية والدراسات
الإسلامية بكلية الآداب جامعة القاهرة ويقوم بتدريس علوم القرآن ومثله لا تخفي
عليه أحكام الإسلام وأركانه وأصوله وعقائده، بل إنه يدعى الفقه والعلم، وذلك حجة
عليه، وإذ أنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة بالنسبة لأي مسلم لم ينل حظاً من
التعليم أو الثقافة الدينية، فإنه يعد مرتداً عن دين الإسلام، لإظهاره الكفر بعد
الإيمان، وما تذرع به من أن ما صدر عنه من قبيل التأويل، فهو مردود، وذلك بأن
التأويل لا يخرج الباحث عن أصول الشريعة والعقيدة ومقاصدها وأركانها ومبانيها، والتأويل
له ضوابط ومعايير أوردها علماء أصول الفقه، وإلا كان سبيلاً لأصحاب الهوى للمروق
من شرع الله والانفلات
من كل نص شرعي وتشريع بما لم يأذن به الله بما يفضي إلى الضلال
والإضلال، وليس من التأويل مهاجمة النصوص الشرعية والاستهزاء بها وإهدارها بقصد
النيل منها ووصف الالتزام بأحكامها بالتخلف والدعوة إلى ترك شرع الله إلى ما سواه وإنكار
ما هو معلوم من الدين بالضرورة.
لما
كان ما تقدم وكان من المقرر في قضاء هذه المحكمة -أن لمحكمة الموضوع السلطة التامة
في فهم الواقع وتقدير الأدلة ومنها المستندات المقدمة فيها والموازنة بينها وترجيح
ما تطمئن إليه منها وتراه متفقاً مع واقع الحال في الدعوى، وإذ خلص الحكم المطعون
فيه على ما حصله مما ورد بأبحاث الطاعن الأول التي - لم ينكر صدروها عنه - أن ما
عناه بمدلول النصوص على النحو الذي ذكره بها - نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية
وأن آراءه التي ضمنها مؤلفاته وأحصى الحكم بعضاً منها بمدوناته هي من الكفر الصريح
الذي يخرجه عن الملة بما يعد معه مرتداً عن الدين الإسلامي ويوجب التفريق بينه
وبين زوجه، وكان هذا الاستخلاص سائغاً وله معينه من الأوراق وسنده من الأحكام
الشرعية ويؤدى إلى النتيجة التي انتهي إليها ويكفي لحمل قضائه، وفيه الرد الضمنى
المسقط لكل دليل أو حجه مخالفة، وحسبه أن يضمن مدوناته بعضاً مما صرح به الطاعن
الأول ليستدل به على ثبوت ردته طالما أنه قد ألم بآرائه التي أنطوت عليها مؤلفاته
عن بصر وبصيرة، ولا على الحكم إذ لم يأخذ بتقريري مجلس أساتذة كلية الآداب جامعة
القاهرة وأساتذة قسم اللغة العربية بها إذ لم يعرضاً لما حوته مؤلفات الطاعن الأول
من آراء تعد مساساً لأصول العقيدة الإسلامية، فضلاً عن أن هذين التقريرين
"أيا كان وجه الرأي فيهما" لا يلزمان محكمة الموضوع فيما جاء بهما، فإن
النعي لا يعدو أن يكون جدلاً فيما لمحكمة الموضوع من سلطة فهم الواقع في الدعوى
وتقدير الأدلة وهو ما لا يجوز إثارته أمام هذه المحكمة، ومن ثم فإنه يكون على غير
أساس.
وحيث
إن الطاعنين ينعيان بالوجه الثالث من السبب الأول على الحكم المطعون فيه الخطأ في
تطبيق الشريعة الإسلامية، ويقولان بياناً لذلك، إن الردة لا تثبت شرعاً إلا
بالبينة أو الإقرار، وأن الأوراق خلت من إقرار الطاعن الأول بالردة ولم تثبت ردته
بالبينة الشرعية ولم تنبئ، عنها دلالة ما ورد بمؤلفاته، وإذ خالف الحكم المطعون
فيه هذا النظر فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث
إن هذا النعي مردود، ذلك بأن من المقرر شرعاً أن الردة تثبت بالإقرار أو البينة
الشرعية والإقرار هو اعتراف شخص بواقعة من شأنها أن تنتج ضده أثاراً قانونية بحيث
تصبح في غير حاجة إلى الإثبات بدليل أخر وينحسم به النزاع فيما أقر به، وهو حجة
على المقر لأن فيه معنى الالتزام اختياراً، ويصدق الإنسان فيما يقر به على نفسه
لأنه لا يتهم في الكذب على نفسه فصارت شهادة المرء على نفسه أقوى من شهادة غيره
عليه، وقد اعتبر القرآن الكريم الإقرار في إثبات الكفر في قوله تعالى ]وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين[ ، والإقرار كما يكون
باللفظ الصريح يجوز أن يستفاد من دلالة التعبير، ولما كان ذلك- وكان الطاعن الأول
قد اقر بأنه هو الذي صنف المؤلفات المنسوبة إليه ولم يجحدها كلها أو بعضاً منها
وإذ استقى الحكم المطعون فيه منها الدليل على رجوعه عن الإسلام على نحو ما سلف، إذ
ورد بها ما يدل على الكفر الصريح الذي يخرجه عن الملة ورتب على ذلك الإقرار الذي
توافرت شروطه الشرعية قضاءه بالتفريق بين الطاعن الأول وزوجه باعتبار أن ذلك من
الآثار التي توجبها أحكام الردة، فإنه يكون قد التزم الأحكام الشرعية المقررة في
هذا الشأن، بما لا حاجة معه من بعد إلى تطلب إقامة البينة الشرعية على ردته، ومن
ثم فإن النعي يكون على غير أساس.
وحيث
إن الطاعنين ينعيان بالوجه الخامس من السبب الأول على الحكم المطعون فيه الخطأ في
تطبيق الشريعة الإسلامية، ويقولان بيانا لذلك، إن الاعتقاد الديني من الأمور التي
تبنى الأحكام فيها على الإقرار بظاهر اللسان ولا يسوغ للقاضي التطرق لبحث جديتها
وبواعثها ودواعيها، ونطق الشخص بالشهادتين كاف لاعتباره مسلماً، والطاعن الأول
يدين بالإسلام وأقر بإسلامه بما لا يجوز معه التعرض لحقيقة إسلامه أو الطعن في صحة
إيمانه لأن ما أبداه من قبيل الرأي وتاريخ الإسلام حافل بالآراء الكثيرة ولم يكفر
أحد برأي أبداه، كما أن تطبيق حد الردة شرطه أن يثبت بدليل قطعي الثبوت، في حين أن
القرآن الكريم لم يضع عقاباً دنيوياً على الردة والأحاديث التي وردت في شأن الردة
ظنية الثبوت لكونها أحاديث آحاد، كما طبق الحكم المطعون فيه أحكام الردة دون
استتابته رغم أن الاستتابة واجبة شرعاً، فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث
إن ما أبداه الطاعنان بشأن عقوبة حد الردة غير مقبول، وذلك بأن حد الردة لم يكن
معروضاً على محكمة الموضوع واقتصر الحكم المطعون فيه على التفريق بين الطاعنين
باعتبار أن ذلك من الآثار المترتبة على الردة، ومن ثم فإن ما أثاره الطاعنان في
هذا السبيل ليس له محل من قضاء الحكم، ومن ثم فإنه يكون غير مقبول، لما كان ذلك، فإن
ما دفع به الطاعنان بجلسة المرافعة من أن محكمة الجنايات هي المختصة بنظر الدعوى، لا
يقوم على سند صحيح، أما بصدد ما زعماه من عدم العمل بحديث الآحاد، فهو مردود، ذلك
بأنه بالإضافة إلى الحديث المتواتر وهو الذي رواه جماعة في جميع مراحل الرواية من
مبدأ تلقى الحديث من الرسول صلى الله عليه وسلم إلى وصوله إلينا يمتنع توافقهم على
الكذب، فهناك الحديث المشهور أو المستفيض، وهو ما كان أحادياً في الأصل ثم تواتر
بعد ذلك بأن يرويه عدد يتحقق به التواتر في عصر التابعين أو تابعيهم وقد اعتبر
جمهور الفقهاء، هذا النوع من أحاديث الآحاد وهو عند الحنفية يفيد ظناً قريباً من
اليقين ويجب العمل به، وهذا القسم من السنة كثير، أما خبر الآحاد فهو ما ليس
بمتواتر ولا مشهور سواء رواه واحد أو أكثر، وجمهور الفقهاء على وجوب العمل به
ويحصل به العلم إذا اقترنت به قرائن ينتفي معها احتمال كذب الراوي، واشترط الفقهاء
في رواية العقل والبلوغ حين الأداء والإسلام والضبط والعدالة، وكان الصحابة y لا
يأخذون بخبر الواحد إلا إذا شهد اثنان أنهما سمعاه من رسول الله iأو
يستحلفون الراوي انه سمعه منه بشرط ألا يعارض الحديث ما هو أقوى منه والاستيثاق من
أنه لا ناسخ له واشترط الحنفية ألا يعمل الراوي بخلاف ما روى وألا يكون الحديث
مخالفاً للقياس والقواعد المقررة إذا كان الراوي غير فقيه، ومن هذا يتبين أن حديث
الآحاد له ضوابط ومعايير واضحة المعالم، وذلك على التفضيل الوارد بعلم مصطلح
الحديث، والقول بعدم العمل به يعد إهداراً لمعظم السنة النبوية لأنه قلما توجد سنة
قوليه متواترة بينما السنة الفعلية المتواترة كثيرة ومنها كيفية أداء الصلوات
والحج وغير ذلك، وقد وردت في كتب الحديث الصحيحة أحاديث نبوية في شأن الردة رواها
بعض الصحابة منهم ابن عباس وابن مسعود وجابر ومعاذ بن جبل وأبو موسى وغيرهم وهم
ثقاة لا يتصور تواطؤهم على الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ونقلت هذه
الأحاديث عنهم وحقق صحتها علماء الحديث، كما أنه ولئن كان الأصل أن الاعتقاد
الديني من الأمور التي تبنى الأحكام فيها على الإقرار بظاهر اللسان، ولا يجوز
البحث في جديتها ولا دواعيها أو بواعثها، والنطق بالشهادتين كاف لاعتبار الشخص
مسلماً، إلا أن الإسلام كل لا يتجزأ ولا يصح الإيمان ببعضه والكفر ببعضه الآخر، فإذا
صدر عمن نطق بالشهادتين قول أو فعل يخرجه عن الملة على نحو ما سلف، فإنه يكون
مرتداً لإظهاره الكفر بعد الإيمان وإن ادعى بأنه مسلم، ومما يدل على ذلك أن أبا
بكر الصديق جمع الصحابة ليشاورهم في أمر قتال مانعي الزكاة، فقال له عمر t كيف
تقاتل قوماً نطقوا بالشهادتين؟ فقال له أبو بكر t: " والله لأقاتلن من فرق بين
الصلاة والزكاة والله لو منعوني عقالا
كانوا يؤدونه لرسول
الله I لقاتلتهم عليه "، وقد
أقر الصحابة y
أبا بكر في ذلك، فلا عبرة بالنطق
بالشهادتين ما لم يراع الناطق بهما ما لهما من حق وما يترتب عليهما من أثر إيماني
عقدي، فالإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل، لقول أبى بكر في السياق المتقدم
" إلا بحقها "، ويؤكد ذلك قول الله تعالى ]إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله
يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون[، فليس
هناك دليل أكبر من شهادة الله تعالى بكذب المنافقين وكفرهم، مع أنهم شهدوا بأن النبي i رسول الله بما
يتضمن شهادة بوجود الله الذي أرسله مما مفاده
نطقهم للشهادتين، وكفي بالله شهيداً، وأحكام الردة لا تتنافى مع حرية العقيدة التي
كفلها الإسلام، فليس لا حد أن يحمل إنساناً على ترك عقيدته أو اعتناق غيرها، لقوله تعالى ] لا إكراه في
الدين [ ، وقوله تعالى ]أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين[ ، ولا تطبق أحكام الردة
إلا على المسلم الذي ارتد عن الإسلام ولا تنطبق على غير المسلمين بل يدعوهم
الإسلام إليه بالحكمة والموعظة الحسنة، فإن لم يدخلوا فيه عن طواعية واختيار تركهم
وما يدينون به مستظلين بحمايته في تسامح يحفظ لهم حريتهم وكرامتهم وأموالهم
وأعراضهم ودمائهم، ودخول الشخص في الإسلام مفاده التزامه بأحكامه ومنها أحكام
الردة إذ لا يمكن فصل المعتقد عن آثاره المحسوسة في السلوك، والدولة عقيدتها
الإسلام، وهذا ما ينص عليه الدستور في المادة الثانية منه من أن الإسلام دين
الدولة ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، وكل النظم الوضعية تقرر
عقوبات وتدابير إزاء الأفعال التي تتعارض مع أسس قيامها، وارتداد المسلم عن
الإسلام ليس أمراً فردياً يمكن أن تتسامح فيه شريعة الإسلام ودولته كحق من حقوق
الأفراد لاسيما إذا كان هذا بالدعوة علناً بالنشر أو التدريس إذ أن الخروج عن
الإسلام ثورة عليه ولابد أن ينعكس ذلك على ولاء الفرد للشريعة والدولة وعلى روابطه
مع المجتمع، وهذا ما لا يتسامح فيه قانون أو دولة، ولذلك تبيح الشريعة وسائر
الدساتير والقوانين حرية الرأي بالضوابط التي تمنع من العدوان وإساءة استعمال الحق،
فليس من حق أي فرد أن يدعو إلى ما يخالف النظام العام أو الآداب أو يستخدم الرأي
وسيلة للنيل من الأسس التي يقوم عليها المجتمع أو امتهان المقدسات أو السخرية من
الإسلام أو أي دين سماوي، ذلك بأن الدستور يكفل في المادة 47 منه حرية الرأي في
حدود القانون، فحرية الرأي تكون وفقاً للضوابط والحدود التي يسمح بها النظام
الأساسي للدولة والقواعد التي يقوم عليها هذا النظام وفي صدارتها أحكام الشريعة
الإسلامية، ولو أن الطاعن احتفظ باعتقاده في سريرة نفسه دون الإعلان عنه تلقيناً
لطلبته وطبعه ونشره، فأن الشريعة لا تفتش في مكنون النفس ولا تشق قلوب الناس ولا
تنقب في سرائرهم، لأن ذلك متروك لله وحده، إلا أن الجهر بالسوء من القول طعناً في
عقيدة المجتمع والدعوة إلى ازدرائها يتصادم مع النظام العام وهو ما لا يقره أي
تشريع أو نظام، ولا تعدو أحكام الردة أن تكون معياراً لاستمرار بقاء المسلم على
إسلامه يميزه عن غيره فيتعامل معه المجتمع المسلم على أساس هذه الصفة كعضو فيه، وذلك
ما يحدث في الشرائع الدينية الأخرى بالنسبة لأتباعها إذ تشرط استمرار ولائهم لها، فإذا
انضم إليها الفرد التزم بأنظمتها، ولها أن تخرجه منها أو تعزله عنها إذا خرج على
مبادئها الأساسية التي أنضم إليها وفقاً لها ما يترتب على ذلك من أثار، وتستلزم
بعض الشرائع لصحة الزواج اتحاد الزوجين في الدين أو المذهب أو الطائفة أو تعميدهما
وفقاً لطقوسها، وتعتبر اختلاف الدين مبطلاً للزواج مانعاً لانعقاده وتوجب الفسخ أو
التطليق في حال اعتناق أحد الزوجين لدين آخر، وهذا لا يتنافى مع حرية العقيدة أو
حرية الرأي، وهو نفس الأمر بالنسبة للتفريق بسبب الردة.
هذا
فضلاً عن أنه رغم ما أبداه دفاع الطاعن الأول من أنه لازال متمسكاً بدينه، فإنه لم
يتبرأ من كتبه التي ثبتت ردته بما ورد فيها، وما يثره بشأن استتابته فهو غير مقبول،
ذلك بأن من المقرر في مذهب الإمام أبى حنفية أن المرتد لا ملة له ولا يقر على ردته
ولا على ما اختاره ديناً له، واستتابته مستحبة على الراجح في هذا المذهب فيعرض
عليه الإسلام فإن كان له شبهة كشفت له، إلا أن هذا العرض غير واجب، بل مستحب، لأن
الدعوة قد بلغته، وإذا أبى الإسلام نظر القاضي في أمره فإن طمع في توبته أو طلب هو
الإمهال أمهله ثلاثة أيام باعتبارها مدة تضرب لإيلاء الأعذار، وذلك قبل أن يقام
عليه حد الردة، وردة الرجل فرقه بغير طلاق "فسخ" في قول أبى حنيفة وأبى
يوسف وعند محمد فرقة بطلاق، وهي بإجماع تحصل بنفس الردة وتثبت في الحال وتقع بغير
قضاء القاضي، فإذا تاب المرتد من الزوجين وعاد إلى الإسلام فإنه لا بد من عقد ومهر
جديدين لاستئناف الحياة الزوجية بينهما، لما كان ذلك، وكانت الفرقة تتم بين
الزوجين بالردة على الفور، وأثر الاستتابة "سواء كانت مستحبة على الراجح في
المذهب الحنفي أو واجبة في بعض المذاهب الأخرى" يتعلق بتأخير تطبيق الحد لا
في حصول الفرقة بين المرتد وزوجه، وإذ التزم المطعون فيه هذا النظر بقضائه
بالتفريق بين الطاعن الأول وزوجه بعد أنتهي إلى ثبوت ردته، دون استتابته باعتبار
أن الاستتابة لا تؤثر في القضاء بالتفريق، فإنه يكون قد انتهي إلى قضاء سليم، لما
كان ذلك، فإن النعي في هذا الصدد يكون غير منتج، ومن ثم غير مقبول، ويكون النعي
برمته على غير أساس.
ثانياً: الطعن رقم
478 لسنة 65ق أحوال شخصية المرفوع من النيابة العامة:
حيث
إن الطعن أقيم على سببين تنعى بهما النيابة العامة على الحكم المطعون فيه الخطأ في
تطبيق الشريعة الإسلامية والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك تقول: إن نطق الشخص
بالشهادتين كاف شرعاً لاعتباره مسلماً وأن المسلم لا يعتبر مرتداً إلا إذا انشرح
صدره بالكفر وأتى من الأقوال والأفعال ما يعد كفراً بما لا احتمال معه لتأويل، وما
يحتمل الكفر والإيمان يحمل على الإيمان فقد يكون الرجوع عن الإسلام مرده شكوك أو
شبهات تساور النفس فيجب الإمهال لإزالة تلك الشكوك والشبهات، وما جاء بمؤلفات
المطعون ضده الأول يمكن حمله على الإيمان فقد فرق بين الدين والفكر الديني وأورد
أقوال الفقهاء في تقسيم مرويات السنة ولم يقر الربا بما لا يصح معه القضاء بردته، وإذ
قضى الحكم المطعون فيه بتكفيره ولم ينزل ما قد يكون عرض له من شبهة وهو ما يستوجب
نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود، بما سلف بيانه، من أن المطعون ضده
الأول قد أفصح بمؤلفاته عما يعد من الكفر الصريح وأن استتابه المرتد مستحبة وغير
واجبه على الراجح في المذهب الحنفي وأن أثر هذه الاستتابة يتعلق بتوقيع حد الردة
ولا يؤثر في القضاء بالفرقة التي تقع على الفور بمجرد الردة بين المرتد وزوجه، وأن
الحكم المطعون فيه قد انتهي إلى قضاء صحيح، ومن ثم فإن النعي يكون على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض
الطعون الثلاثة.
لــذلك: رفضت
المحكمة الطعون الثلاثة وألزمت الطاعنين في الطعنين رقمي 475، 481 لسنة 65 ق أحوال
شخصية المصروفات ثلاثين جنيهاً مقابل أتعاب المحاماة مع مصادرة الكفالة.
المطلب الخامس
فسخ الزواج باللعـــان
يذكر القاضي العلامة محمد بن إسماعيل
العمراني أن المحاكم اليمنية لم تشهد واقعة لعان واحدة طوال حياته، كما أنه لا
يخلو كتاب من كتب الأحوال الشخصية أو المراجع الفقهية القديمة والحديثة من شرح
مفصل لأحكام اللعان، ولذلك لا يحتاج في الحياة العملية إلى تطبيق أحكام اللعان، ولهذا
فسنكتفي بذكر بعض أحكام اللعان بإيجاز بالغ، لأن جمهور الفقهاء يذهبون إلى أن
اللعان فسخ كما سنرى.
الفرع الأول
معنى اللعان ومشروعيته وصفته وحقيقته
أولاً: معنى اللعان:
معنى اللعان في اللغة: هو من الفعل لعن يلعن على وزن منع، والمصدر اللعن ومعناه
الطرد، والإبعاد عن الخير وهذا من الله، أما من الخلق فهو السب والدعاء بالويل.
ويقال لاعن الرجل امرأته ملاعنة ولعاناً، وجائز أن يقال: تلاعنا والتعنا([144]).
معنى اللعان شرعاً: تعددت عبارات الفقهاء في تعريفه:
*قال الحنفية: هو شهادات مؤكدات بالإيمان، موثقة باللعن
والغضب من الله سبحانه وتعالى([145]).
وقال الشافعية: هو كلمات معلومات جعلت حجة للمضطر إلى
قذف من لطخ فراشه وألحق العار به، أو إلى نفي ولد([146]).
وقال الحنابلة: هو شهادات مؤكدات بإيمان من الجانبين، مقرونة
بلعن من زوج وغضب من زوجة، قائمة مقام حد لقذف زوجة محصنة ([147]).
وقال المالكية: حلف زوج مسلم مكلف على رؤية زنا زوجته، أو
على نفي حملها منه، وحلفها على تكذيبه أربعاً من كل منهما([148]).
ثانياً:مشروعية اللعان:
اللعان ثابت بالكتاب والسنة:
أما الكتاب: فقوله تعالى ]والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم
فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، والخامسة أن لعنة الله عليه إن
كان من الكاذبين * ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين
والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين[ ([149]).
أما السنة: فقد وردت
أحاديث كثيرة منها ما روي عن ابن عمر أن رجلاً لاعن امرأته ونفى ولدها، ففرق رسول
الله I بينهما وألحق الولد بالمرأة([150]).
ثالثاً: صفة اللعان ومندوباته:
صيغة اللعان أن يقول الرجل أربع مرات: أشهد بالله أني
لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا أو نفي الولد، ثم يزيد في الخامسة أن لعنة
الله عليه إن كان من الكاذبين، ثم تقول الزوجة أربعاً أشهد بالله أنه لمن الكاذبين
فيما رماني به من الزنا، ثم تزيد في الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين([151]).
وينبغي أن تراعى في صيغة اللعان ومكانه وزمانه الأمور
التالية:
"أ" إذا
كانت الزوجة حاضرة يشير إليها الزوج الملاعن، وقيل يضيف ذكر الاسم للتأكيد، أما
إذا كانت غائبة فيسميها أو ينسبها بما يميزها دفعاً للاشتباه([152]).
"ب" لا
يجوز تبديل كلمة أشهد بالحلف، أو اللعن بالغضب([153]).
"ج" يشترط
الموالاة بين الشهادات الخمس في الجانبين، أما الفصل الطويل فلا يحبذ.
"د" يسن
للقاضي أن يعظ الزوجين كأن يقول لهما كما قال i: "اتق الله فإن عذاب
الدنيا أهون من عذاب الآخرة"([154]).
"هـ" يجوز أن يلاعن بينهما جالسين أو واقفين، وهذا قول
الحنفية وقال الحنابلة والشافعية: السنة أن يتلاعنا قائمين لقوله I لهلال بن
أمية: "قم فاشهد أربع شهادات، ولأن ذلك أبلغ في الردع"([155]).
"و" يشترط أن يحضر اللعان جماعة أقلها أربعة من
العدول([156]).
"ز" أما عن الذي يبدأ باللعان من الزوجين، فيجب البدء
بالرجل ثم ينتقل إلى المرأة، وهذا قول الجمهور([157]).
فإذا بدأت المرأة باللعان لم يجز وكان عليها أن تعيد ذلك
بعد لعان الرجل، لأنه iبدأ في لعان هلال بن أمية، ولأن لعان الرجل بينة لإثبات الحق، وأما لعان
المرأة فبينة للإنكار، والإثبات مقدم على النفي.
وقال أبو حنيفة: يجوز أن تبدأ المرأة باللعان، ولكن ذلك
مخالف للسنة، ولا تعيد لأن المقصود تلاعنهما وقد وجد([158]).
"ح" أما المكان: فينبغي أن يتم اللعان في أشرف
البقاع وهي المساجد.
"ط" أما الزمان: فبعد صلاة العصر، لأن اليمين
الكاذبة أشد عقوبة بعدها لقوله i: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم ولهم عذاب
أليم.. ومنهم رجل حلف يميناً كاذبة بعد العصر يقتطع بها مال امرئ مسلم"([159]).
رابعاً: حقيقة اللعان: اختلف الفقهاء في حقيقة اللعان، وهل هو يمين أم
شهادة؟
قال الشافعي وأحمد: أنه يمين، وقال أبو حنيفة ومالك: هو
شهادة([160])، واستدل الحنفية بقوله سبحانه: ] فشهادة أحدهم أربع شهادات[، فسماها شهادة، في حين استدل الشافعية بتسمية رسول الله I لها إيماناً، حيث قال فيما رواه ابن عباس في زوجة هلال
بن أمية: "لولا الأيمان لكان لي ولها شأن"([161]).
الفـرع الثـاني
شـروط
الـلعـــــان
للعان شروط يعود بعضها إلى الزوجين
المتلاعنين، وبعضها إلى الدعاوي الموجبة للعان.
أولاً الشروط التي تعود إلى الزوجين وهي:
أن يكون اللعان بين زوجين بدليل قوله سبحانه وتعالى: ] والذين يرمون أزواجهم...[ فخصت الزوج باللعان، ويشترط أن يكون عقدهما صحيحاً، فلا لعان في العقد
الفاسد، ولا يشترط أن تكون الزوجة مدخولاً بها([162]).
(1) لا يشترط إسلام
الزوجين: فيصح اللعان من غير المسلم([163]).
(2) البلوغ والعقل فلا يصح اللعان من الصبي والمجنون، لأن اللعان يمين أو شهادة،
وكلاهما لا يصح من مجنون وغير بالغ، إذ لا عبرة بقولهما، ولو رمى الزوج البالغ
زوجته البالغة بزنا في الصغر فلا لعان لأن فعلها آنذاك لا يعد زناً شرعياً([164]).
(3) أن يكون الزوج
مختاراً غير مكره على اللعان([165]).
(4) ليست العدالة
شرطاً في الزوج الملاعن، فيصح اللعان من الرشيد والسفيه والعدل والفاسق([166]).
(5) لا يشترط
الإبصار والنطق، فيصح لعان الأعمى، لأنه زوج فيدخل في عموم قوله تعالى
("والذين يرمون أزواجهم")، كما يصح لعان الأخرس إذا فهم منه قصد اللعان
بالإشارة المفهومة أو الكتابة الواضحة([167]).
(6) هناك شرطان
خاصان بالزوجة هما:
"أ" أن تكذب الزوجة الزوج في قذفه لها، فإن صدقته
فيما قذفها به ولو مرة، أو سكتت فلم تقر أو تنكر لحقها النسب ولا لعان لأن الحق
لها، فلا يستوفى من غير طلبها([168]).
"ب" أن تطالب الزوجة باللعان، بدليل قوله سبحانه وتعالى: ]
ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم[ ولا تكون الشهادة معتبرة إلا إذا
صدرت من أهلها([169]).
فإن امتنع الزوج من اللعان، قال الجمهور: يحد، وقال أبو
حنيفة: يحبس حتى يلاعن([170]). واستدل الجمهور بأن الالتعان للزوج مقام الشهود، فوجب
إذا نكل أن يكون بمنزلة من قذف ولم يكن له شهود، في حين استدل الحنفية: بأن آية
اللعان لم تتضمن إيجاب الحد عليه عند النكول، وإيجابه زيادة في النص.
ثانياً: الشروط المتعلقة بالدعاوى الموجبة للعان:
فللدعاوى الموجبة للعان صورتان:
"أ" دعوى الزنا.
"ب"دعوى
نفي الولد.
(1) أما عن دعوى الزنا: فقد اتفق الفقهاء على وجوب اللعان بالقذف بالزنا إذا ادعى الزوج رؤية الزنا،
ولا بد أن يتقدم القذف على اللعان، لأنه سبحانه وتعالى قدم ذكر القذف على اللعان.
ويجوز اللعان بمجرد القذف بالزنا، ودون توقف على البينة
بدليل قوله تعالى: ("والذين يرمون أزواجهم...") ولم يخص في الزنا صفة
دون أخرى، ولأنه حين قذف هلال بن أمية زوجته بشريك بن سمحاء فنزلت آية اللعان أرسل
إليهما رسول
الله ليتلاعنا([171]).
وعليه، إذا رأى الرجل بعينه زوجته تزني، ولم يكن هناك
نسب يلحقه فله أن يقذفها، وله أن يسكت، وكذا إذا أقرت بالزنا عنده فوقع في نفسه
صدقها، أو أخبره ثقة بذلك أو استفاض بين الناس أن
رجلاً يزني بها ثم رأى الرجل يخرج من عندها في أوقات الريب.. لأن الظاهر أنها زنت
فله أن يقذفها، وله أن يسكت([172]).
وصيغة القذف بالزنا أن يقول: "زنيت، يا زانية، رأيتك
تزنين"([173]).
(2) أما عن اللعان بنفي الولد:فيحق
للرجل أن ينفي الحمل إذا ادعى أنه استبرأها، ولم يطأها بعد الإستبراء، أو إذا
وطأها وأتت بولد لأكثر من أربع سنوات من وقت الوطء، أو لأقل من ستة أشهر منه([174]).
وقال
الحنفية والحنابلة لا يصح اللعان أثناء الحمل وقبل الوضع، لأن الحمل غير مستقر، وربما
كان ريحاً فكان نفيه مشروطاً بوجوده حتى يكون نفياً بيقين([175]).
وقال المالكية: ينبغي أن ينفيه وهو حمل، فإن لم يفعل لم
يجز نفيه بلعان بعد الولادة([176]). لقول ابن عباس:أمر النبيi باللعان في الحمل.
الفرع الثالث
الآثار المترتبة على اللعان
إذا
تم اللعان مستجمعاً للشروط التي ذكرناها سابقاً ترتب عليه الآثار الآتية:
(1)
حدوث الفرقة بين الزوجين:
وقال الجمهور: هذه الفرقة فسخ تحرم به المرأة مؤبداً على
زوجها([177]).
وقال أبو حنيفة: هي طلاق بائن واستدل الحنفية بالقياس
على فرقة العنين، كما استدلوا بحديث عويمر العجلاني وفيه أنه قال يا رسول الله كذبت عليها إن أمسكتها فهي طالق ثلاثاً فإن النبي i أقره على ذلك فلو كان التفريق باللعان كافياً لما أقره على طلاقه
ثلاثاً([178]).
في حين استدل جمهور الفقهاء بحديث سهل بن سعد قال: مضت
السنة في المتلاعنين أن يفرق بينهما ثم لا يجتمعان أبداً، كما أن اللعان ليس
صريحاً في الطلاق، ولم ينو به الزوج الطلاق فلا يقع به الطلاق، كما أنه لو جعلنا
اللعان طلاقاً لكان رجعياً إذا لم ينو به الثلاث، وذلك يتنافى مع كون اللعان يؤثر
الحرمة المؤبدة بين الزوجين المتلاعنين.
طريق وقوع اللعان وهل يحتاج إلى حكم قاضٍ؟
وفي توقف الفرقة على حكم القاضي خلاف بين الفقهاء:
قال
جمهور الفقهاء: تقع الفرقة باللعان دون توقف على حكم قاض.
وقال
الحنفية: لا تقع قبل حكم القاضي([179])،
واستدل الجمهور بقوله e:
"المتلاعنان يفرق بينهما"([180])، كما أن اللعان يقتضي التحريم المؤبد، فلم يتوقف على
حكم قاضٍ كالإرضاع، في حين استدل الحنفية بقول ابن عمر: فرّق رسول الله i بين المتلاعنين، فهو الذي حكم
بالتفريق.
(2) التحريم المؤبد:
إذا تم اللعان
ترتب عليه التحريم المؤبد الذي لا يجتمع الزوجان بعده أبداً([181]).
والدليل عليه:
"أ" أنه i فرق بين المتلاعنين وقال:
"لا يجتمعان أبداً"([182]).
"ب" أن المطلقة ثلاثاً
تحرم على زوجها حتى تنكح غيره، فهنا أولى لأن التحريم مؤبد.
"ج" أن النفرة الحاصلة من إساءة كل منهما للآخر لا
تزول أبداً، مما لا يسمح بالتئام شملهما ثانية.
(3) سقوط الحد عن الزوج والزوجة إذا كانا محصنين، أو التعزير إذا لم يكونا كذلك([183]).
(4)انتفاء نسب
الولد عن الملاعن، شريطة أن يكون قد ذكره في اللعان، وشريطة أن لا يكون قد تقدم
اللعان إقرار الزوج بالولد الذي يريد نفيه([184]).
(5) لا توارث
بينهما، وعليها عدة المطلقة.
(6) لا يصح قذفها
ولا قذف ولدها ومن فعل فعليه الحد، لأن لعانها نفي عنها تحقيق ما رميت به([185]).
(7) لا يلحقها طلاق
آخر كالمطلقة ثلاثاً.
(8)يجوز للملاعن نكاح أربع سواها، ومن يحرم جمعه معها كأختها أو عمتها وغير
ذلك([186]).
الفرع الرابع
صاحب الحق في
الفرقة باللعان وحكم المهر والعدة بعد اللعان
أولاً: صاحب الحق
في الفرقة باللعان:
إذا
تم اللعان صحيحاً بين الزوجين فقد حلّت الحرمة ووجب على القاضي التفريق بينهما
لحقّ الشرع. والتفريق واجب على القاضي سواءً أرضي الزوجان بذلك أم لم يرضيا به، لأن
الفرقة بعد تمام الملاعنة حق الشرع، ولا يملك أحد إبطاله. هذا على رأي مَنْ يشترط
لوقوع الفرقة حكم القاضي بها، أما على رأي من يرى وقوع الفرقة بدون قضاء، فإنها
كذلك تقع لحق الشرع، ولا تحتاج إلى موافقة الزوجين على إيقاعها، بل تقع مباشرة
رضيا بذلك أو لم يرضيا. وإنما يقتصر حق الزوجين في ذلك على رفع الأمر للقاضي وعدمه،
فإن لهما أن يرفعا الأمر للقاضي، ولهما أن لا يرفعاه، فإذا لم يرفعاه لم يكن
للقاضي إجراء الملاعنة بينهما ثم التفريق عليهما، لأن الرفع إليه حقهما فلا يجبران
عليه، هذا مذهب الجمهور. وذهب الظاهرية إلى أن القاضي إذا علم بحالهما وجب عليه
جمعهما وإجراء الملاعنة بينهما دون طلب منهما، ومن ثم فإن وقوع الفرقة بينهما يكون
بحكم الشرع لحق الشرع.
ثانياً: حكم
المهر والعدّة ونفقتها بعد الفرقة باللعان:
(1) المهر: الفرقة باللعان على مذهب أبي حنيفة ومحمد طلاق بائن، وعلى ذلك إذا كانت
الفرقة قبل الدخول أو الخلوة كان للمرأة نصف مهرها المسمّى على زوجها فإذا كانت
بعد الدخول أو الخلوة كان لها تمام المهر، وكذلك الحكم على رأي الجمهور الذين يرون
الفرقة باللعان فسخاً لا طلاقاً لأنها فسخ ليس نقضاً للعقد من أصله.
(2) العدة: واجبة على الزوجة إن كانت الفرقة باللعان بعد الدخول بها لأنها فرقة من
نكاح بعد الدخول فتجب العدة عليها مطلقاً والعدة الواجبة هي عدة الطلاق فتكون
بثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر أو وضع الحمل على حسب حال المرأة، هذا عند جمهور
العلماء، وهناك من ينسب قولاً إلى ابن عباس بأنه قال: أنها تعتد بتسعة أشهر.
(3) النفقة في العدة: ذهب الشافعية والمالكية والحنابلة إلى أن الزوجة الملاعنة لا نفقة لها
عندهم إلا إذا كانت حاملاً بولد لم ينف أبوه نسبه.
وذهب
الحنفية إلى أن لها نفقة العدة بعد الفرقة باللعان مطلقاً سواءً أكانت حاملاً أم
حائلاً لأن الفرقة عندهم
طلاق وقد كانت بسبب من الزوج وهو قذفه للزوجة فتجب عليه نفقتها.
الفرع الخـامس
فسخ الزواج
باللعان في قوانين الأحوال الشخصية العربية
أولاً: فسخ
الزواج باللعان في قانون الأحوال الشخصية اليمني:
تنص
المادة (108) من هذا القانون على أن (اللعان أيمان يكذب بها كل من الزوجين الآخر
به يرتفع النكاح بينهما بنظر المحكمة ويوجبه رمي زوج مكلف مسلم لزوجته الصالحة
للوطء والباقية تحته عن نكاح صحيح أو شبهه ولو في العدة ذلك الرمي بزنا في حال
يوجب الحد ولو أضاف الزنا إلى ما قبل العقد له بها أو لم يرمها بالزنا ولكن وقعت
نسبة ولده منها إلى الزنا مصرحاً لا كانياً ولا بينة له ولا إقرار منه بالولد ولا
منها بالزنا) في حين تنص المادة (109) على أنه (يجوز لكل من الزوجين طلب اللعان
لدى القاضي وعلى القاضي أن يعظهما ويحثهما على التصادق فإن امتنعا بدأ بتحليف
الزوج أربعاً بأن يقول والله العظيم إني لصادق فيما رميتك به من الزنا ونفي ولدك
هذا "إن كان هناك ولد" ويزاد في الخامسة بأن لعنة الله عليه إن كان من
الكاذبين، ثم تحلف المرأة أربعاً تقول فيها والله إنه لكاذب فيما رماني به من
الزنا ونفي ولده هذا "إن كان هناك ولد" ويزاد في الخامسة أن غضب الله
عليها إن كان من الصادقين، ويجب الترتيب في الحلف بحيث إذا حلفت أولاً وجب إعادة
تحليفها بعد تحليف الزوج ما لم يحكم)، كما نصت المادة (110) على أنه (إذا تم الحلف
على الوجه المبين في المادة السابقة تحكم المحكمة بالتفريق بين المتلاعنين ونفي
نسب الولد من الزوج ويرتفع النكاح ويسقط الحد عن الرجل وتحرم عليه المرأة أبداً)
أما المادة (111) فقد بينت الحكم في حالة الامتناع عن الملاعنة فنصت على أنه (إذا
امتنع الرجل عن الأيمان ولو مرة واحدة حد للقذف وإذا امتنعت المرأة كذلك حدّت
للزنا) في حين بينت المادة (112) آثار رجوع الملاعن عن نفي الولد فنصت على أنه
(إذا رجع الملاعن عن نفي الولد في حياته صح الرجوع ولحق الولد به ويحد للقذف ويبقى
التحريم مؤبداً).
ومن استقراء النصوص السالف ذكرها نجد أن القانون اليمني قد
أخذ بقول الشافعية والحنابلة والزيدية الذين ذهبوا إلى أن اللعان يمين، كما أن
القانون اليمني قد أخذ بقول الجمهور الذين اشترطوا بأن يبدأ الرجل بالحلف على خلاف
الحنفية. كما أن القانون اليمني يشترط أن يتم اللعان بنظر المحكمة التي تحكم به
وتبعاً لذلك فقد أخذ القانون اليمني بقول الحنفية والزيدية وهم الذين ذهبوا إلى أن
اللعان لا يقع إلا بحكم القاضي في حين ذهب الشافعية والحنابلة والمالكية إلى خلاف
ذلك، ولم يبين القانون اليمني نوع الفرقة باللعان هل هي فسخ أم طلاق، والظاهر أنها
فسخ في القانون اليمني طالماً واللعان يتم بحكم القاضي لأن القاضي يفسخ ولا يطلق، لأن
الطلاق لمن أخذ بالساق. وفي حالة امتناع الزوج عن اللعان فقد أخذ القانون اليمني
بقول الجمهور الذين ذهبوا إلى أن الممتنع عن اللعان يحد، الرجل للقذف وتحد المرأة
للزنا.
ثانياً: فسخ
الزواج باللعان في قانون الأحوال الشخصية الكويتي:
نصت المادة (176) من هذا القانون على أنه (في الأحوال
التي يثبت فيها نسب الولد بالفراش في زواج صحيح قائم أو منحل، أو بالدخول في زواج
فاسد أو بشبهة، يجوز للرجل أن ينفي عنه نسب الولد خلال سبعة أيام من وقت الولادة أو العلم
بها، بشرط ألا يكون قد اعترف بالنسب صراحةً أو ضمنّاً).في حين نصت المادة (177)
على أن (يجب أن تُتخذ إجراءات دعوى اللعان خلال خمسة عشر يوماً من وقت الولادة، أو
العلم بها) أما المادة (178) فقد نصت على أنه (إذا جرى اللعان بين الرجل والمرأة، نفى
القاضي نسب الولد عن الرجل، ولا تجب نفقته عليه، ولا يرث أحدهما الآخر، وألحق
الولد بأمه) كما نصّت المادة (179) على أنه (إذا اعترف الرجل بما يفيد كذبه في
الاتهام، ونفي النسب، لزمه نسب الولد، ولو بعد الحكم بنفيه، وجاز له أن يتزوج
المرأة) وبينت المادة (180) نوع الفرقة باللعان حين نصت على أن (الفرقة باللعان
فسخ).
ثالثاً: فسخ
الزواج باللعان في قانون الأحوال الشخصية القطري:
تنص
المادة (166) من هذا القانون على أن (اللعان أن يشهد الرجل أربع شهادات بالله أنه
صادق فيما رمى به زوجته من الزنا أو نفي الولد والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان
من الكاذبين، وتشهد المرأة أربع شهادات بالله إنه من الكاذبين فيما رماها به من
الزنا أو نفي الولد والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين). أما المادة
(167) فقد بينت نوع الفرقة وطريق وقوعها حيث نصت هذه المادة على أ، (يفرق القاضي
بين الزوجين بعد تمام اللعان ويعتبر التفريق بسبب اللعان فسخاً).
رابعاً: فسخ
الزواج باللعان في قانون الأحوال الشخصية بدولة الإمارات العربية:
تنص
المادة (96) من هذا القانون على أن (اللعان لا يكون إلا أمام المحكمة ويتم وفق
القواعد المقررة شرعاً والفرقة باللعان فرقة مؤبدة) في حين نصت المادة (97) على أن
("1-للرجل أن ينفى عنه نسب الولد باللعان خلال سبعة أيام من تاريخ العلم
بالولادة شريطة ألا يكون قد اعترف بأبوته له صراحة أو ضمناً وتقدم دعوى اللعان
خلال ثلاثين يوماً من تاريخ العلم بالولادة. "2- إذا كان اللعان لنفي النسب
وحكم القاضي به انتفى النسب. "3- إذا حلف الزوج أيمان اللعان وامتنعت الزوجة
عنها أو امتنعت عن الحضور أو غابت وتعذر إبلاغها حكم القاضي بنفي النسب. "4-
يثبت نسب الولد المنفي باللعان بعد الحكم بنفيه إذا كذّب الرجل نفسه. "5-
للمحكمة الاستعانة بالطرق العلمية لنفي النسب بشرط ألا يكون قد تم ثبوته قبل ذلك).
خامساً: فسخ
الزواج باللعان في قانون الأحوال الشخصية بسلطنة عمان:
نصت
المادة (78) من هذا القانون على أن (اللعان أن يقسم الرجل أربع مرات بالله أنه
لصادق فيما رمى به زوجته من الزنا والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين
وتقسم المرأة أربع مرات بالله أنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان
من الصادقين) في حين نصت المادة (79) على أن (للرجل أن ينفي عنه نسب الولد باللعان
خلال شهرين من تاريخ الولادة أو العلم بها شريطة أن لا يكون قد اعترف بأبوته له
صراحة أو ضمناً وتقدم دعوى اللعان خلال شهرين من ذلك التاريخ، ويترتب على اللعان
نفي نسب الولد عن الرجل ويثبت نسب الولد ولو بعد الحكم بنفيه إذا كذّب الرجل
نفسه).
سادساً: فسخ الزواج باللعان في قوانين الأحوال الشخصية في مصر والأردن
وسوريا والمغرب:
لم تتعرض قوانين هذه الدول لأحكام اللعان، وطبقاً لهذه
القوانين فإنه يرجع إلى القول الراجح عند الحنفية في هذه المسألة في كل من مصر
والأردن وسوريا وبالنسبة للمغرب فإنه ينبغي الرجوع إلى القول الراجح عند المالكية
تنفيذاً لنص المادة (400) من مدونة الأسرة، وقد تعرضنا لما ذهب إليه الأحناف
والمالكية، وربما أن هذه القوانين لم تنص على اللعان لقلة الاحتياج إليه في ساحات
المحاكم.
المطلب السادس
الأسباب الأخرى
لفسخ الزواج لحق الشارع
وقبل
أن نفرغ من هذا المبحث الذي تناولنا فيه أسباب فسخ الزواج حقاً للشارع تبارك
وتعالى نود الإشارة إلى أن هناك أسباب أخرى لفسخ الزواج حقاً للشارع لم نتعرض لها
في هذا المبحث لعدم الاحتياج لها في العصر الحاضر، ومن ذلك فسخ الزواج بين كل
زوجين وقعا في السبي أو وقع أحدهما دون الأخر لآن السبي يقتضي أن يكون المسبي
صافياً خالصاً للسابي ولا يتحقق ذلك إلا بفسخ الزواج، وبما أن الشريعة الإسلامية
قد جففت منابع الرق والعبودية وما دام أن السبي قد منعته القوانين الدولية
والوطنية وصار جزءً من الماضي لذلك لم نتعرض له ضمن هذا المبحث، وكذلك الحال في فسخ
الزواج بسبب اختلاف الدار عند الحنفية الذين ذهبوا إلى أن اختلاف الدار سبب لفسخ
الزواج إذا كان هذا الاختلاف حقيقة وحكماً، في حين ذهب جمهور الفقهاء إلى أن
اختلاف الدار ليس سبباً لفسخ الزواج، والمقصود بالدار هنا دار الإسلام ودار غير
الإسلام والمقصود باختلاف الدار حقيقة بين الزوجين هو تباعدهما بجسميهما بأن يكون
أحدهما في دار الإسلام والزوج الآخر في غير دار الإسلام أما الاختلاف حكماً فيكون
عندما يدخل الزوج غير دار الإسلام على بنية الإقامة والسكنى لا على بنية الرجوع
والعودة، والفسخ بسبب اختلاف الدار عند الحنفية حق للشارع تبارك وتعالى، وبما أن
تقسيم الكرة الأرضية إلى دار إسلام ودار حرب قد أختفي من قوانين الدول العربية
والإسلامية.
لذلك
فقد أضربنا عن التعرض لهذا الموضوع، كما أننا لم نتعرض أيضاً في هذا المبحث لفسخ
الزواج بسبب ملك الرقيق الطارئ على العقد لأن الرق والرقيق صار جزءً من الماضي، لأن الإسلام كما سبق أن ذكرنا قد رغّب في إعتاق
الأرقاء وحضّ على ذلك وفتح باب الإعتاق على مصراعيه فجعله واجباً وتكليفاً على
المسلم في كثير من التصرفات، وكان الفضل للإسلام في تجفيف منابع الرق ومحاربته،
أما فقهاء الإسلام في العصور المتقدمة حينما كان الرق موجوداً فقد ذهبوا إلى أن
الزوجين إذا تملك أحدهما الآخر أنفسخ الزواج بينهما بالتنافي، ومعنى التنافي هنا
هو التضارب بين العلاقتين علاقة الزوجية وعلاقة الملك.
لكل
ما تقدم فلم نتعرض لأسباب الفسخ هذه بالتفصيل واكتفينا بهذه الإشارة عن هذه
الأسباب.
المبحث
الثاني
فسخ الزواج لحق الزوجين
وبعد أن بحثنا في المبحث السابق أسباب فسخ الزواج لحق الشارع
تبارك وتعالى، هانحن نبحث في هذا المبحث أسباب فسخ الزواج لحق الزوجين، حيث نعرض
فيه الحالات التي يجوز فيها لأي من الزوجين أن يطلب فسخ الزواج على الشروط التي
سنبينها تفصيلاً في مواضعها، ويشتمل هذا المبحث على المطالب الآتية:
(1)
المطلب الأول: فسخ الزواج بسبب العيب.
(2) المطلب الثاني: فسخ
الزواج لعدم الوفاء بالشرط.
(3) المطلب الثالث: فسخ
الزواج بسبب خياري البلوغ والأفاقة.
(4) المطلب الرابع: فسخ
الزواج بسبب انعدام الكفاءة.
المطلـب الأول
فســخ الـــزواج
بسـبب العيـب
وسنبحث
في هذا المطلب ما إذا كان عقد الزواج يلحق بغيره من العقود المدنية الأخرى من حيث
اشتراط السلامة من العيب في المعقود عليه وسنبحث ذلك في الفرع الأول، أما الفرع
الثاني فسوف نبين فيه ما إذا كانت العيوب محصورة، في حين نتناول في الفرع الثالث
العلة الموجبة لفسخ الزواج بالعيب، أما الفرع الرابع فسوف نذكر فيه الشروط العامة
لفسخ الزواج بسبب العيب، وفي الفرع الخامس نبين فسخ الزواج بسبب العيب هل يثبت
فوراً أم على التراخي، أما الفرع السادس فسيتم فيه ذكر طرق إثبات العيب، في حين
نبين في الفرع السابع نوع الفرقة بسبب العيب وطريق وقوعها، وفي الفرع الثامن نذكر
صاحب الحق في فسخ الزواج بسبب العيب، أما الفرع التاسع فسوف نبين فيه حكم المهر
والعدة والنفقة عند فسخ الزواج بسبب العيب، في حين نذكر في الفرع العاشر موقف
قوانين الأحوال الشخصية في الدول العربية، وأخيراً سوف يتم ذكر أحكام القضاء
الصادرة في بعض طلبات فسخ الزواج بسبب العيب أو المرض.
الفرع الأول
هل يلحق عقد الزواج بغيره من العقود المدنية الأخرى
في كون السلامة
من العيب في المعقود عليه شرطاً للزومه؟
أختلف الفقهاء في
ذلك على قولين:
القول
الأول: وهو قول الحنفية والظاهرية الذين ذهبوا إلى أن الأصل في عقد الزواج إذا تم
صحيحاً لم يفسخ بالعيب مطلقاً سواء أكان العيب في الرجل أو في المرأة، وسواء أكان
قديماً قبل العقد أو حدث بعده وسواء أكان ذلك قبل الدخول أو بعده، وسواء أرضي به
أحدهما أم لم يرض به، إلا أنه يجوز للزوجة فقط أن تطلب فسخ زواجها إذا كان زوجها
عنيناً أو مجبوباً أو مخصياً عند الحنفية، أما الظاهرية فلا يجوز عندهم فسخ الزواج
للعيب مطلقاً.
وقد
ذهب إلى هذا القول عطاء والنخعي وعمر بن عبد العزيز وأبي زياد وأبي قلابة وابن أبي
ليلى والأوزاعي والثوري والخطابي وهو مذهب الإمام علي كرّم الله وجهه وأبن مسعودt ([187]).
وأستدل الحنفية
بالأدلة الآتية:
(1) عقد الزواج يرد على حل المتعة قصداً، فالمعقود
عليه هو البضع والعيب لا يفوته بل يوجب فيه خللاً فقط، ولكن إذا فات المعقود عليه
بالكلية جاز الفسخ لذلك فقد أجازوا للزوجة أن تطلب فسخ النكاح إذا كان زوجها
عنيناً أو مجبوباً أو خصياً فقط لأن المعقود عليه في النكاح هو الوطء يكون مع الجب
والعنة والخصاء مستحيل وهو مساوٍ لهلاك المبيع أو استحقاقه قبل التسليم لذلك فإن
العقد يفسخ به لفوات المحل لا للعيب ولذلك المعنى قصروا حق الفسخ على هذه العيوب
الثلاثة فقط دون غيرها.
أما الرجل إذا وجد في زوجته بعض هذه العيوب المفوته للوطء كالرتق والقرن
وغيرها فإنه لا يخير لأن المعقود عليه من قبل المرأة هو التسليم فقط إذ لا يحصل من
قبلها الوطء وقد حصل التسليم بالتخلية من قبلها فلا يفسخ، ثم إن الوطء ممكن
بالجملة مع هذه العيوب إذ يمكن إزالتها بجراحة أو غيرها والمرأة تجبر على ذلك، ثم
إن الرجل يملك الطلاق فيتخلص به من الضرر دون الزوجة فلم يتعين الفسخ طريقاً
للخلاص من الضرر من قبله بخلاف المرأة فإن قيل في الطلاق ضرر على الرجل لما يغرمه
من نصف المهر المسمى قبل الدخول دون الفسخ أجيب بأن تغريم الرجل نصف الصداق أخف
ضرراً من فسخ النكاح بعيب المرأة وذلك لما يحدثه الفسخ بعيبها من تشهير بها لا
يرضى به الإسلام، والقاعدة
الفقهية عند تقابل الضررين أنه يدفع الضرر الأكبر بالضرر الأدنى.
(2) إن فوات الوطء بموت أحد الزوجين قبل
الدخول لا ينقض العقد خلافاً لسائر العقود المدنية الأخرى فإن هلاك المبيع في
البيع قبل التسليم مثلاً يبطل البيع بخلافه في الزواج وذلك بالإجماع فكذلك في خيار
العيب، لأن لعقد النكاح كرامة خاصة ناتجة عن الغاية التي جاء من أجلها وهي إنجاب
النسل ضماناً لاستمرار البشرية فيمتنع قياسه على البيع في حق خيار العيب([188]).
(3) إن التفريق بالجب والعنة ثبت بإجماع
الصحابة ولا يقاس عليه غيره لأن هذه العيوب تعدم المقصود من النكاح بالكلية دون
غيرها فإنها تخل به فقط، والتفريق بالجب والعنة مروي عن عمر وعثمان وأبن مسعود
والمغيرة بن شعبه رضي الله عنهم ولم يخالفهم غيرهم فكان إجماعاً وهو أيضاً مذهب
سعيد بن المسيب وعطاء وعمرو بن دينار والنخعي وقتادة وحماد بن أبي سليمان وعليه
فتوى فقهاء الأمصار منهم مالك والثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد([189]).
(4) الأصل عدم التفريق بالعيب في عقد النكاح
نظراً لخاصيته وهي ما أشار إليه الرسول j بقوله (ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والعتاق) وما دام
الهزل في النكاح جداً في الحكم بعداً به عن مظاهر الاضطراب والنقض والتلاعب فحري
به أن لا يفسخ بالعيب إلا بالعلل الثلاث المتقدمة لأنها مفوتة للمقصود من النكاح
بالكلية مما يبقي معه العقد غير منتج لأي أثر من
آثاره المقصودة منه.
ما
تقدم تقريره من مذهب الحنفية هو قول الشيخين أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد يلحق
بالعيوب الثلاثة الأولى جنون الرجل أو جذامه أو برصه لأنها لشدة النفرة منها تجعل
الزوجة السليمة تمتنع عن تسليم نفسها غالباً خشية العدوى والضرر فلا يستطيع الزوج
وطأها مع هذه العيوب لمانع من جهته فيفوت حقها فتكون هذه العيوب في معنى الجب
والعنة والخصاء في الحكم لأنها جميعاً مفوتة للوطء الذي هو المعقود عليه في الزواج
([190]).
ولكن
الظاهرية في ذلك كله مخالفون للحنفية إذا منعوا التفريق بالعيب مطلقاً وسواء عندهم
العيب المفوت للمحل والعيب الذي يوجد فيه خللاً فقط.
القول
الثاني: وهو قول المالكية
والشافعية والحنابلة والزيدية والجعفرية الذين ذهبوا إلى أن عقد النكاح يدخله خيار
العيب كغيره من العقود المدنية الأخرى فإذا وجد أحد الزوجين الآخر معيباً انتفى
لزوم العقد في حقه وله أن يطلب التفريق بسببه سواء أكان المعيب هو الزوج أو الزوجة
وذلك لأن العقد ورد على المحل سليماً فإذا ما ظهر معيباُ تبين أن الإرادة العقدية
المنصبة على المحل منتفية ومعيبة من الأصل فيخير في الفسخ من عيبت إرادته أو انتفت
دفعاً لما لحقه من ضرر أو غبن.
وأتفق
الفقهاء الذين أخذوا بمبدأ الفسخ للعيب في عقد النكاح على تضييق دائرة الفسخ
بالعيب في عقد الزواج خلافاً للعقود المدنية الأخرى وذلك نظرً لما للعلاقة الزوجية
من خطر يميزها عن سائر العلاقات المالية الأخرى فلا يفسخ الزواج إلا بالعيب الفاحش
الذي يصعب معه تأمين السكن النفسي بين الزوجين.
وقد أستدل
الجمهور لمذهبهم في الفسخ بالعيب بالأدلة الآتية:
(1) بما رواه جميل بن زيد قال: حدثني شيخ من
الأنصار ذكر أنه كانت له صحبة يقال له كعب بن زيد أن رسول الله j تزوج امرأة من بني غفار فلما دخل عليها فوضع ثوبه وقعد على الفراش
أبصر بكشحها بياضاً فإنحاز عن الفراش ثم قال (خذي عليك ثيابك) ولم يأخذ مما آتاها شيئاً
رواه أحمد في مسنده ورواه سعيد في سننه وقال المقصود بكعب في هذا الحديث هو: كعب
بن زيد بن عجرة ولم يشك وفي رواية أخرى (فردها إلى أهلها وقال دلستم علي)([191]).
فهذا الحديث يدل في نظر الجمهور على
جواز الفسخ بالعيب كما فعل رسول الله j لأنه
ما دام فسخ نكاحها بالبرص فغيره يقاس عليه أيضاً.
ولكن الحنفية ناقشوا هذا الاستدلال بأن
" الرسول
j طلقها ولم يفسخ، بدليل أنه لم يأخذ منها
شيئاً فلو كان فسخاً لأسترد ما أخذه أو نصفه على الأقل" لعدم الدخول بها، ثم
إن هذا الحديث مروي عن جميل بن زيد وهو ضعيف فضلاً عن اضطرابه فقد رواه عن كعب بن
زيد أو زيد بن كعب ولم يعين([192]).
(2) بما روي عن النبي j
أنه قال (فر من المجذوم فرارك من الأسد) ولا طريق للفرار إلا الفسخ فهو مأمور به، وكل
مأمور به واجب ولا أقل من أن يكون مباحاً وغير الجذام يقاس عليه بجامع العدوى
والنفرة فيهما.
ونوقش هذا الدليل بأن الفرار يمكن
بالطلاق من الزوج، و بالمخالعة من المرأة وهما طريقان أفضل من الفسخ لما فيه من
التشهير والإيذاء فلم يتعين الفسخ طريقاً للفرار وبذلك لم يكن مأموراً به.
(3) بما رواه بعض الصحابة والتابعين عن سعيد
بن المسيب أن عمر بن الخطاب t
قال (أيما رجل تزوج امرأة فدخل بها
فوجدها برصاء أو مجنونة فلها الصداق بمسه إياها ويرجع على من غرّه) إذا الرجوع
دليل الفسخ بالعيب.
(4) بما روي عن علي t أيما
امرأة نكحت وبها برص أو جنون أو جذام أو قرن فزوجها بالخيار ما لم يمسها إن شاء
أمسك وإن شاء طلق فهو شاهد لتخيير الزوج([193]).
وقد
أخذ القانون اليمني بقول الجمهور في هذه المسألة.
الفرع الثاني
العيوب التي يفسخ
بها النكاح والتي لا يفسخ بها
أختلف
الفقهاء الذين يقولون بفسخ الزواج للعيب في تحديد العيوب التي يفسخ بسببها الزواج
والعيوب التي لا يفرق بها بينهما على النحو التالي:
أولاً: المالكية:
ذهبوا إلى أن العيوب التي يفرق بها في
النكاح ثلاثة أقسام:
(1) عيوب مشتركة بين الزوجين وهي: الجنون، والجذام،
والبرص، والعذيطه، والخناثه المشكلة.
(2) عيوب خاصة بالمرأة وهي:الجب، والخصاء، والعنة،
والاعتراض.
(3) عيوب خاصة بالمرأة وهي: الرتق، والقرن، والعفل،
والإفضاء، والبخر.
أما غير هذه العيوب فلا يفرق بها سواء
أكانت بالرجل أم المرأة([194]).
ثانياً: الشافعية: يقسمون العيوب التي يفسخ بها النكاح إلى أقسام ثلاثة أيضاً
هي:
(1) عيوب مشتركة بين الزوجين وهي: الجنون
والجذام والبرص.
(2) عيوب خاصة بالرجل وهي: العنة والجب.
(3) عيوب خاصة بالمرأة وهي: الرتق والقرن.
أما
غير هذه العيوب فلا يفسخ به النكاح مطلقاً ([195])
ثالثاً:
الحنابلة: يقسمون
العيوب التي يفسخ بها النكاح إلى ثلاثة أنواع هي:
(1) عيوب مشتركة بين الرجل والمرأة وهي:
الجنون والجذام والبرص.
(2) عيوب خاصة بالرجل وهي: العنة والجب.
(3) عيوب خاصة بالمرأة وهي: الرتق والقرن، والعفل.
ولا يفرق في غير هذه العيوب عندهم، إلا أن أبا بكر وأبا حفص
زادا على العيوب المتقدمة إستطلاق البطن وسلس البول وقال أبو الخطاب ويتخرج على
ذلك من به الباسور والناسور والقروح السيالة في الفرج، لأنها تثير النفرة وتعدي
بنجاستها وقال أبو حفص الخصاء عيب، لأن فيه نقصاً وعاراً ويمنع الوطء أو يضعفه وفي
البخر والخناثة وجهان([196])،
أما ابن تيمية وتلميذه ابن القيم فقد ذهبا إلى عدم حصر العيوب التي يجوز للسليم أن
يفسخ الزواج لأجلها وهو القول الذي أخذت به قوانين الأحوال الشخصية العربية ومنها
القانون اليمني كما سنرى لاحقاً.
الفرع الثالث
العيوب التي يفسخ
عقد الزواج بسببها بين الحصر والإطلاق.
من
دراسة أقوال الفقهاء يظهر أنهم يقيدون الفسخ بهذه العيوب المتقدمة والسالف ذكرها
ولا يرون الفسخ بغيرها.
ولكننا
إلى جانب هذا التقييد والحصر بعيوب محددة نجد أقوالاً للفقهاء فيها ما يشير إلى
عدم التقييد بذلك، وأن الأمر منوط بعلته فحيثما وجدت وجد الخيار ومن تلك النصوص
مثلاً، ما قاله أبن تيميه في الاختيارات العلمية (وترد المرأة بكل عيب ينفر من
كمال الاستمتاع).
وما
جاء على لسان تلميذه أبن القيم في زاد الميعاد: (وأما الاقتصار على عيبين أو ستة
أو سبعة أو ثمانية دون ما هو أولى منها أو مساوٍ لها فلا وجه له فالعمى والخرس
والطرش وكون الزوجة مقطوعة اليدين والرجلين أو أحدهما أو كون الرجل كذلك من أعظم
المنفرات والسكوت عنه من أقبح التدليس والغش وهو منافٍ للدين). ويقول: (والقياس أن
كل عيب ينفر الزوج الآخر منه ولا يحصل به مقصود النكاح من الرحمة والمودة يوجب
خيار الفسخ).
وقد
ذكر الدكتور عبد الرحمن الصابوني أن محمد بن الحسن من الحنفية لا يقول بتحديد
العيوب الفاسخة بخمسة كما تقدم بل يجعله منوطاً بكل عيب لا يمكن معه تحقيق أهداف
الزوجية، وقد أورد من النصوص ما يرى أنه يدعم رأيه، من ذلك مثلاً ما جاء في
المحيط: (وقال محمد رحمه الله: وللمرأة الخيار في الجنون والجذام وكل عيب لا
يمكنها المقام معه إلا بضرر ألا ترى أنه يثبت لها الخيار في الجب والعنة)([197])
وقد جاء ما يدل على ذلك أيضاً في بدائع الصنائع حيث قال: (وقال محمد: خّلوه من كل
عيب لا يمكنها المقام معه إلا بضرر كالجنون والجذام والبرص شرط للزوم النكاح وإلا
يفسخ به النكاح)([198])، ولابد من الإشارة هنا
إلى أن محمداً يقصر الفسخ على عيوب الزوج فقط دون الزوجة فلا يقول بفسخ النكاح بها
قولاً واحداً جرياً على مذهب الحنفية.
هذا
كله إلى جانب أن نصوص الفقهاء جميعاً عند تحديدهم الفسخ بالعيوب المتقدمة حصراً
كانت تأتي معللة بالضرر الفاحش وبالعدوى وبعدم القدرة على الوطء، وقد وردت بعض هذه
النصوص في مغني المحتاج وبداية المجتهد والمغني لأبن قدامه، ومن ذلك يظهر أن حق
الفسخ منوط بعلة وذلك يقتضي أنه حيثما وجدت العلة وجد حق الفسخ وليس الأمر محدوداً
في عيوب معينة([199]).
يضاف
إلى ذلك أن هذه العيوب لم يرد بها نص قاطع من الشارع يحددها بذلك العدد، وإن كل ما
ورد من النصوص في ذلك إنما هو أقوال وفتاوى واجتهادات لبعض الصحابة في موضوع
اجتهادي، وذلك غير حجة ثم إنها وردت على سبيل التمثيل لا الحصر وما كان للفقهاء
المجتهدين أو غيرهم أن يقصروا حق الفسخ على عيوب محددة دون عيوب أخرى هي أولى منها
بذلك (كما قال أبن القيم) وليس لديهم من النصوص ما يجعل الفسخ مقصوراً عليها.
كما
إن الفقهاء أنفسهم تضاربت النقول في مذاهبهم في تعيين عدد هذه العيوب فيروي أنها
خمسة حيناً ويروي أنها سبعة أو عشرة أو أكثر من ذلك أو أقل أحياناً أخرى، ويذكر
بعض فقهاء المذاهب بعض العيوب ولا يرضى بها العلماء الآخرون في المذهب وهكذا، وهذا
يشير إلى أنهم لا يرون حصرها في عدد معين بل إناطتها بالعلة الموجبة للفسخ في
نظرهم، وقانون الأحوال الشخصية اليمني قد أخذ بالقول الذي ذهب إلى عدم حصر العيوب
التي يفسخ الزواج بسببها كما سنرى، وقد سلكت هذا المسلك كثير من قوانين الأحوال
الشخصية العربية.
الفرع الرابع
علة الفسخ للعيب
والعلة الموجبة للفسخ بالعيوب المتقدمة مختلف فيها بين الفقهاء على النحو
التالي:
أولاً:
لدى المالكية: نقل صاحب بداية
المجتهد اختلاف المالكية في العلة التي من أجلها يجوز فسخ الزواج بالعيب فيما
يأتي:
(1) لأن ذلك شرع غير معلل.
(2) وقيل لأن ذلك مما يخفي ومحمل سائر
العيوب على أنها مما لا تخفي.
(3) وقيل لأنها يخاف سرايتها إلى الأبناء.
وعلى
هذا التعليل يفسخ بالسواد والقرع وعلى الأول يرد بكل عيب إذا علم إنه مما يخفي على
الزوج )([200]).
ثانياً:
ذهب الشافعية : إلى
أن العلة في ذلك هي تفويت مقصود النكاح أو خوف العدوى فقد ذكر في مغني المحتاج
بعدما مثل للعيوب التي لا يخير معها أحد الزوجين إذا وجدها في الآخر فقال: (.....
لأن هذه الأمور لا تفوت مقصود النكاح )([201]).
وقال معللاً للفسخ بالبرص والجذام في كتاب الأم:(وأما الجذام والبرص فإنه يعدي
الزوج ويعدي الولد)([202]).
ثالثاً:
يرى الحنابلة: أن
العلة في ذلك واحد من ثلاثة وهي:
(1) منع المقصود من النكاح، أ ي فوات المحل
المعقود عليه ويشمل ذلك كل عيب جنسي مانع للوطء.
(2) كل ما يسبب نفره شديدة في النفس بحيث
يتعذر معه عادة الجماع والوطء.
(3) كل ما يخشى منه الضرر على الزوج السليم
سواءً بالعدوى أو بغيرها.
من
ذلك يتضح أن الفقهاء غير متفقين على علة تعتبر مناطاً فاصلاً بين ما يفرق به من
عيوب وما لا يفرق به منها، إلا أن بينهم حداً مشتركاً أدنى يمكن ملاحظته واستنباط
علة منه تعتبر مجمعاً عليها عندهم، وهي أحد أمرين هما:
§
المانع الحسي من الوطء وذلك كالقرن والرتق في المرأة والجب
والعنة والخصاء في الرجل.
§
الضرر
المحقق بالعدوى أو غيرها كما في الجذام فإنه معدٍ أو الجنون فإنه يخاف معه البطش
من المجنون.
الفرع الخامس
الشروط العامة
لفسخ الزواج بسبب العيب
وهذه الشروط عامة في كل العيوب التي يفسخ الزواج بسببها، وبيان هذه الشروط على النحو الآتي:
(1) عدم الرضا بالعيب صراحة أو دلالة:
فلو علم الزوج السليم بعيب المعيب ورضي به صراحة، كأن
يقول رضيت به على عيبه أو دلالة كأن يكون العيب في الزوجة ويطأها أو في الزوج
وتمكّنه من وطئها بعد العلم بالعيب، فإن ذلك يعتبر رضا مسقطاً لخيار الفسخ، لأن
الخيار إنما ثبت حفاظاً على حق السليم، فإن أسقط حقه لم يكن له أن يعود إليه ثانية،
وسواء في ذلك الرضا المرافق للعقد أو الطارئ عليه، وسواء أكان قبل الدخول أو بعده.
هذا مذهب الحنابلة، والشافعية يوافقونهم عليه إلا في مسألة
العنين، فإن زوجته إذا رضيت بعنته قبل ضرب المدة وانتهائها لم يسقط خيارها عند الشافعية
خلافاً للحنابلة لأن الرضا بالعيب من قبلها جاء قبل ثبوت حقها في الفسخ به، فإن حق
الفسخ بالعنة لا يثبت للزوجة إلا بعد انتهاء المدة المضروبة من قبل القاضي، وهي
كالشفيع عندما يسقط حقه قبل البيع، فإن ذلك لا يسقط خياره بخلافه بعد البيع فكذلك
هذا، فلو رضيت به بعد انتهاء المدة المضروبة، سقط خيارها، لأنها رضيت به بعد ثبوت
حق الفسخ لها فيسقط([203]).
واحتج الحنابلة لمذهبهم بأن الخيار ثبت بالعنة ذاتها
كسائر العيوب الأخرى وهي موجودة، وإنما يؤجل سنة ليتأكد من وجودها ([204]).
ومذهب المالكية في هذا الشأن كمذهب الحنابلة، إلا في مسألة المعترض وهو
ما يقابل العنين عند الحنابلة والشافعية والحنفية تماماً فإذا مكنته من التلذّذ
بها بعد علمها بذلك سواء أكان العلم قبل العقد أم بعده فإنه لا يسقط خيارها بذلك
التمكين، لاحتمال أنها كانت ترجو برأه ولم يحصل، بخلاف ما لو رضيت به صراحة، فإن
خيارها يسقط لعدم الاحتمال ([205]).
هذا إذا ثبت الرضا بالعيب بالإقرار، فإن
ادّّعى المعيب أن الآخر علم بالعيب ورضي به صراحة أو ضمناً وأنكر الآخر ذلك، فإنه لا شك يكلف بإثبات
الرضا بالبيّنة فإن عجز، فقد ذهب المالكية إلى أن القول والحالة هذه قول السليم في
عدم الرضا بالعيب بيمينه إذا لم يكن العيب ظاهراً وادّعى الآخر علمه به بعد البناء
أو طال الأمر بعد البناء كشهر ولم يطلب السليم الفسخ، فإن كان ظاهراً وادّعى
المعيب علم السليم به بعد البناء أو طال الأمر مدة كشهر بعد البناء دون طلب الفسخ،
فإن السليم لا يحلف والقول قول المعيب أنه رضي به بيمينه، ذلك لشهادة ظاهر الحال
له، لأن الغالب في ذلك أنه دليل العلم والرضا، وإلا لما صبر كل هذه المدة، ولأن
العيب الواضح الغالب فيه أنه علم به لوضوحه، والقول دائماً قول من يشهد له ظاهر
الحال([206]).
وذهب الحنابلة إلى أنهما إن اختلفا في العلم، فالقول قول
المنكر، لأن الأصل عدم العلم، ذكر ذلك ابن قدامه دون تفرقة بين عيب ظاهر وعيب خفي
فقال: " وإذا اختلفا في العلم فالقول قول من ينكره، لأن الأصل عدمه"([207]).
وهل يعتبر الرضا بالعيب قبل النكاح مسقطاً للخيار كما لو
أخبرها بعنته فرضيت بذلك صراحة أو دلالة كأن تقول له قبلت نكاحك مع عنتك أو تقدم
على نكاحه برضاها بعد إخبارها حيث إنه رضاَ بالعنّة دلالة؟
الجمهور على أن ذلك مسقِط للخيار، لأنه رضا صريح منه
بالعيب، وإسقاط لحقه في الخيار، فيسقط، وبهذا قال الشافعي أيضاً في القديم، وقال في
الجديد كذلك إلا في العنين، فإنه قال يؤجل، لأنه قد يكون عنيناً في نكاح دون نكاح،
ثم إن قدرته على النكاح مع امرأة لا يسقط عنته مع أخرى([208]).
ودليل الجمهور أنها دخلت عالمة بالعيب راضية به فهو كما لو علمت به
بعد العقد ثم رضيت به، فإنه يسقط خيارها فكذا هذا، بل الرضا قبل العقد أبلغ، لأن
الرفض هنا لا ضرر فيه مطلقاً بخلافه بعده، وأما قول الشافعي: إنها تكون في نكاح
دون نكاح فإنه احتمال بعيد، لأن العنة جبلة وخلقة لا تتغير ظاهراً ([209]).
(2) سلامة طالب الفسخ من العيوب في بعض الصور:
المبدأ العام في هذا لدى جمهور الفقهاء أنه لا يشترط
سلامة طالب الفسخ من العيوب خلافاً للحنفية، ولكن الجمهور اختلفوا فيما بينهم في
بعض العيوب أتسقط الخيار أم لا؟ على أقوال:
فذهب الحنابلة إلى أن طالب الفسخ إذا كان معيباً بعيب من
غير جنس عيب الآخر كالأبرص يجد المرأة مجنونة أو مجذومة، فلكل واحد منهما الخيار لوجود سببه، إلا أن
يجد المجبوب المرأة رتقاء فلا ينبغي أن يثبت لهما الخيار، لأن عيبه ليس هو المانع
لصاحبه من الاستمتاع، وإنما امتنع لعيب نفسه([210]).
وذهب المالكية في الأظهر من مذهبهم إلى أنه لا يشترط لثبوت الخيار أن
يكون الطالب له سليماً، بل للمعيب أن يطلب فسخ النكاح بعيب الآخر، سواءً أكان
العيبان متماثلين أم مختلفين ([211]).
أما الشافعية فقد ذهبوا في الأصح عندهم إلى أن للمعيب أن
يطلب فسخ النكاح لعيب الآخر سواء أكان العيبان متماثلين أم مختلفين في الجنس أو
القدر، كأن تكون المرأة مجنونة والزوج أبرص مثلاً أو أن تكون الزوجة فيها جذام
قليل والزوج فيه جذام شديد، أو أن يكون الزوج به برص شديد والزوجة كذلك، لأن
الإنسان يعاف من غيره ما لا يعاف من نفسه ([212]).
(3) هل يشترط أن يكون العيب قديماً؟
يذهب جمهور الفقهاء إلى أن العيب القديم السابق على العقد والمرافق
له والعيب الحادث بعده سواء في حق الخيار للسليم ما دام لم يرض بالعيب صراحة، أو
دلالة، ولكنهم اختلفوا في بعض التفريعات كما يلي:
ذهب الحنابلة في القول الراجح عندهم إلى أن العيب القديم السابق على
العقد والمرافق له والطارئ عليه قبل الدخول أو بعده سواء في حق الخيار مطلقاً، فللزوجة
أن تفسخ زواجها من الزوج المعيب بعيب سابق على العقد أو طارئ عليه كالجنون مثلاً
ما دامت لم ترض به دون تفرقة بين عيب وعيب، لأن العلة في إعطاء السليم حق الفسخ
رفع الضرر عنه، وهو موجود في العيب السابق على العقد كما هو موجود في العيب اللاحق
له.
ثم إن عقد النكاح عقد على منفعة
وحدوث العيب بها يثبت الخيار كما في الإجارة ([213]).
ويستثنى من ذلك كله عند الحنابلة العنين، فإنه إن دخل
بزوجته مرة واحدة بعد العقد ثم تعنن لم يكن لها طلب التفريق بحال، لأن حقها (قضاء)
ينقضي بالمرة الواحدة وبذلك تعتبر مستوفية لحقها فلا يفسخ الزواج دون خلاف([214]).
وذهب الشافعية إلى أن العيب القديم يخيّر به مطلقاً، أما
العيب الحادث بعد العقد فإن كان حادثاً بالزوج كالجب فإنها تخير قبل الدخول جزماً وبعد
الدخول على الأصح ولو كان دخل بها قبل جبه، وذلك لحصول الضرر به كما في العيب المقارن للعقد، ولا خلاص لها إلا
بالفسخ فتعين طريقاً لذلك، ويستوي في ذلك ما لوجبته هي نفسها أو غيرها، ويستثنى من
ذلك في مذهب الشافعية العنة الحادثة بعد الدخول، فإنه إن وصل إليها مرة واحدة بعد
الدخول ثم تعنن لم يكن لها الفسخ، وذلك لأن حقها في الوطء يسقط بالوطء مرة واحدة، وقد
حصل ذلك ولا تقاس العنة في هذا على الجب، لأن الجب حصل به اليأس بعدم الجماع، بخلاف
العنة.
فإن قام العيب بالزوجة بعُد العقد، ففي القول الجديد
للشافعي أنه يخيّر الزوج لتضرره بالعيب الطارئ كتضرره بالعيب المرافق، ولا معنى
لإمكان تخلصه منه بالطلاق دونها لأنه بالطلاق سيغرم نصف الصداق لها قبل الدخول دون
الفسخ، ولا معنى لإلزامه بذلك، فيتقرر حقه في الفسخ([215]).
أما المالكية فيصرّحون بأن العيب الذي يخيّر فيه الزوج
السليم إنما هو العيب القديم السابق على العقد أو المقارن له، أما العيب الطارئ على العقد، فإنه
إن كان في الزوجة لم يكن للزوج خيار مطلقاً، بل هو مصيبة حلّت به، وذلك لأن العقد
تمّ لازماً بالدخول والزوجة سليمة، والزوج بإمكانه التخلّص منها بالطلاق فلا حاجة
إلى الفسخ، وأما العيب الحادث للزوج بعد العقد فإن كان عيباً فاحشاً كثير الضرر
فإنها تخيّر فيه، لأنه عيب لا تمكن معه العشرة ولا سبيل لها إلى الطلاق فتخيّر، وإن
كان العيب يسيراً لم تخيّر ويلزم النكاح. ويبين المالكية العيوب الفاحشة بأنها
الجذام البيّن المحقّق ولو كان يسيراً يعتبر عيباً فاحشاً تخيّر به، وكذلك البرص
إذا كان فاحشاً دون اليسير أما العذيطة وهي التغوط عند الجماع فالقول الظاهر عند
المالكية أنها تخيّر بها، لأنها عيب فاحش، وكذلك الجنون، فإنه عيب فاحش. وأما
الاعتراض والخصاء والكبر المانع للوطء، فإنه إن حدث بعد وطئها مرة واحدة فلا خيار
لها، لأنها استوفت حقها، وهو مصيبة حلّت بها، وإن كان قبل وطئها مرة واحدة فإنها
تخيّر كما في العيب القديم، لعدم الوصول إلى حقها. هذا إذا لم يكن الاعتراض وما
إليه بسببه هو، فإن كان بسببه كأن جبّ نفسه مثلاً، فإنها تخيّر كما في الجب القديم([216]).
أما الزيدية فلا يجوز عندهم فسخ الزواج بعيب الزوج
الحادث، ويلاحظ أن الزيدية وأن منعوا الفسخ بالعيب الحادث الجنسي إلا أنهم أجازوا
الفسخ بالعيب الحادث غير الجنسي كالجنون والجذام والبرص لأنها تمنع مقصود الزواج
كما أنها تشبه طروء فاسخ كالردة([217])، أما الأباضية فلهم في ذلك أكثر من قول، الأول منها
يفسخ الزواج بالعيب الحادث بعد الدخول إذا طلبت الزوجة والقول الثاني أنها تخير
والثالث أن الزواج يفسخ ما لم يدخل الزوج([218]).
هل يكون خيار
الفسخ للعيب على التراخي؟
ذهب الحنابلة إلى أن خيار الفسخ للعيب يثبت لكلِّ من
الزوجين على التراخي، يطالب به في أي وقت شاء بعد ثبوته له، وذلك ما لم يصدر منه
رضاً بالعيب صراحة أو دلالة، كأن تمكّن الزوجة الزوج من نفسها، أو يطأها بعد العلم
بالعيب، فإن حصل شيء من ذلك أعتبر ذلك إسقاطاً للخيار، لأن الخيار في النكاح إنما
ثبت لدفع ضرر متحقق ثابت، فكان على التراخي كخيار القصاص، ولا يكون كخيار العيب في
المبيع لأن العيب في المبيع ضرره غير متحقق، لأنه قد يكون المقصود ماليته أو خدمته،
ويحصل ذلك مع عيبه، أما في النكاح فالمقصود الاستمتاع، وذلك يفوت بالعيب فافترقا([219]).
وذهب الشافعي إلى أنه على الفور، فإذا أخّر الفسخ عن وقت
العلم بالعيب وكان بإمكانه فسخ النكاح عندئذ به بطل الخيار، لأنه خيار عيب وهو في
البيع يكون على الفور فكذلك هنا، ولأن في جعله على التراخي إضراراً بالمعيب.
ولو أقرّ السليم بالعلم بالعيب وادّعى جهله بأن الخيار على الفور، بأن
قال: لم أكن أعلم أنه على الفور، فإنه يقبل قوله بيمينه، لأن الفور قد يخفى على
كثير من الناس، هذا إذا لم يرافقه من القرائن ما يشير إلى علمه بالفور، فإن كان
ذلك سقط حقه أيضاً، وذلك بأن يكون من الفقهاء مثلاً([220]).
أما الحنفية فقد ذهبوا إلى أن الخيار للمرأة على التراخي
قولاً واحداً. فلو علمت أن زوجها عنين أو خصي أو مجبوب ولم تخاصم مدة ثم رفعت الأمر للقاضي
طالبة التفريق أجيبت إلى طلبها، هذا إذا لم تكن قد رضيت بعيبه صراحة أو دلالة، والخيار
على التراخي قبل تخيير القاضي لها بعد مضي المدة، أما بعد تخيير القاضي لها بعد
مضي المدة، فإنه على الفور ([221]).
(4)
اشترط الأحناف والأباضية انتظار الصبي حتى يبلغ ويدرك: إذا كانت الزوجة كبيرة فإذا أدرك يؤجل سنة لأنه ربما يرضى بالعيب.
وكذلك إذا كانت الزوجة صغيرة، فإنه لا يفرق بينهما وينتظر حتى
تبلغ، وذلك لاحتمال رضاها بالعيب بعد البلوغ([222]).
(5) رفع الدعوى إلى القضاء:وقد ذهب بعض الشافعية إلى وجوب توافر هذا الشرط، في حالة
ما إذا كان الزوج عنيناً بغير تعميم في بقية العيوب الأخرى. وذلك لأن العنة من
الأمور التي تحتاج إلى نظر واجتهاد القاضي، فضلاً عن كثرة الخلاف في هذا العيب([223]).
أما الحنابلة فقد أوجبوا وجود القاضي في كل العيوب. لأن
هذه العيوب مما يحتاج إلى الاجتهاد والنظر من قبل القاضي وفي الوقت ذاته يعتمد القاضي في
حكمه على تقارير أهل الاجتهاد والخبرة([224]).
(6) اشترط الشافعية:
إقامة البينة على العيب من قبل المدعى
أمام القاضي: إذا كان العيب مما يمكن إثباته بالبينة. كالجذام، والجنون
والبرص. أو كان مما يثبت بالإقرار عند القاضي. أو عند شاهدين مثل العنة. إذ لا
يتصور ثبوتها بالبينة، فإن لم يقر حلف، فإن نكل ردت اليمين عليها فتحلف أنه عنين
لجواز إطلاعها بالقرائن([225])، والإثبات في العصر الراهن متيسر لكل العيوب عن طريق
التقارير الطبية كما سنرى.
(7)
اشترط
الحنابلة:لثبوت حق فسخ الزوج عدم زوال العيب قبل الفسخ، لأنه
بزوال العيب يزول سبب الفسخ ويرتفع الضرر([226]).
(8)
اشترط بعض
الزيدية: لثبوت حق الفسخ بالعيب عدم الكفاءة بين الزوجين سواءً
كان ذلك في الدين أو النسب بشرط أن لا يكون طلب الفسخ من الأدنى وأن لا يكون
أحدهما مملوكاً للآخر([227]).
الفرع السادس
عيــوب الزوج
عيوب الزوج عيوب تناسلية مثل:
الجب-والخصاء-والعنة، وما تشابه معها في ضرره مما لا يستطاع معه تحقيق مقصود
النكاح، وهو الوطء وإنجاب الولد، وقد زاد الإباضية الفتل والاستئصال وهذان العيبان
لم يختلفا عن الجبّ والعنّة في المفهوم وأضاف الزيدية السل([228])، وبيان ماهية هذه العيوب على النحو
الآتي:
أولاً: الجـب:
-
هو عند الأحناف والأباضية يعني استئصال الذكر أو قلعة([229]).
-
أما المالكية والزيدية فهو يعني عندهم قطع الذكر
والأنثيين([230]).
-
أما الشافعية والحنابلة فهو عندهم قطع الذكر إلا قدر
الحشفة([231]).
بالنظر إلى ما سبق يتبين لنا أن المجبوب إذا بقي من آلته قدر
الحشفة بحيث يمكنه إيلاجها فإنه يخرج عن كونه
مجبوباً ومن ثم فلا يحق للزوجة فسخ الزواج بهذا العيب.
وهذا هو مفهوم الأحناف والمالكية والزيدية والأباضية
للجب على خلاف مفهومه عند الشافعية والحنابلة، ونحن نميل إلى اختيار تعريف الشافعية والحنابلة للجب
لأن بقاء القدر المشار إليه من آلة الزوج قد لا يشبع رغبة الزوجة وقد تنزلق في المعصية
وارتكاب المحرم.
ثانياً:
العنـــة:
العنة عند الفقهاء: هي عدم قدرة الرجل على إتيان النساء
أو اشتهائها لعدم انتشار الذكر، وقد ذهب بعض الأباضية إلى أن المقصود بالعنة هو طول حجم الذكر أو
قصره حيث قالوا: العنة: هي صغر الذكر بحيث يكون عرضه أقل من عرض أربعة أصابع([232]).
ما يحصل به زوال
العنة:
تزول العنة الموجبة للفسخ عند جمهور العلماء بوطء الزوج
للمرأة مرة واحدة فقط في فترة زواجه منها، لأن حقها ينقضي بذلك، فإذا ثبت ذلك لم
يكن لها خيار الفسخ مطلقاً. وذهب أبو ثور إلى أنه إن عجز عن وطئها بعد إصابتها مرة
فأكثر يؤجل أيضاً، لأنه عجز عن وطئها فيثبت حقها كما لو جب بعد الوطء، وقد رد
الجمهور على ذلك بأنه بالوطء مرة واحدة تتحقق قدرة الرجل على الوطء في هذا النكاح
وتزول عنته فلا حاجة لأن تضرب له مدة، ولأن حقوق الزوجية من استقرار المهر والعدّة
وغيرها تثبت بوطئه مرة واحدة وقد وجد، وأما الجب فإنه يتحقق به العجز، فافترقا
ولأن حق الزوجة ينقضي بالوطء مرة واحدة إذا كان الوطء بعده مرجوّاً، فإذا كان غير
مرجو فإن لها أن تطلب الفسخ، ولذلك أجمعوا على التفريق بالإيلاء، والجب فيه معنى
الإيلاء وزيادة، لتعذر الوطء في الإيلاء لليمين وفي الجب لانعدام الآلة وهو أبلغ
في المنع([233]).
والوطء يتحقق بإدخال الحشفة في القبل،
لأن كل الأحكام المتعلقة بالوطء من ثبوت العدّة والمهر والغسل وما إليها تتعلق
بتغييب الحشفة، فكان ذلك وطءاً معتبراً شرعاً، هذا إذا كان الذكر سليماً فإن كان
مقطوع الحشفة ففيه عن الفقهاء وجهان:
·
الوجه الأول: أنه لا بدّ من بتغييب الباقي كله ولا يحكم بزوال العنة
بأقل من ذلك، لأنه في هذه الحالة ليس هناك علامة أو حدّ يمكن اعتباره فاعتبر تغييب
جميعه. ولأنه المعنى الذي يتحقق به حكم الوطء.
·
الوجه الثاني: يعتبر إيلاج قدر الحشفة ليكون ما يجزي من المقطوع مثل ما يجزي من الصحيح([234]).
ويشترط في الوطء المعتدّ به في زوال العنة أيضاً أن يكون في
القبل، فإن وطئها في الدبر لم تزل عنته بذلك في الأصح، لأن الدبر ليس بمحل للوطء، فأشبه
الوطء فيما دون الفرج، ولذلك لا يتعلق به الإحلال للزوج الأول ولا الإحصان. فإن
وطئها في القبل حائضاً أو نفساء أو محرمة أو صائمة خرج به عن العنة عند الجمهور، وذكر
القاضي من الحنابلة أن قياس مذهب الحنابلة أنه لا يخرج به عن العنة أيضاً لنص
أحمد-رحمه الله- أنه لا يحصل به الإحصان والإباحة للزوج الأول، ولأنه وطء محرم
فأشبه الوطء في الدبر، لكن ذلك مردود بأنه وطء في محل الوطء فيخرج به عن العنة كما
لو وطئها وهي مريضة يضرها الوطء، ولأن العنة هي العجز عن الوطء ولا يبقى مع وجود
الوطء، فإن العاجز ضد القادر ولا يبقى الشيء مع وجود ضده. وما ذكره غير صحيح، لأن
تلك الأحكام يجوز أن تنتفي رغم وجود سببها لمانع أو لفوات شرط، والعنة في ذاتها
أمر حقيقي حسيّ لا يتصور بقاؤه مع انتفائه، بخلاف الوطء في الدبر، فإنه ليس وطئاً
في محل الوطء([235]).
وذهب ابن عقيل إلى أن العنة تنتفي بالوطء في الدبر أيضاً، لأنه
أصعب من القبل فكان دليلاً على زوال العنة ويرد عليه بأن المنع من الوطء في القبل
قد يكون لسحر فلا يكون ذلك دليلاً عليه.
وهل يعتبر وطؤه
لغيرها مزيلاً لعنته في حقها؟
رأى الجمهور على أن وطأه لغيرها لا يكون مزيلاً لعنته في
حقها وذهب ابن عقيل من الحنابلة إلى أنه يخرج بوطء زوجة واحدة عن العنة في حق جميع
النساء ولا تسمع دعواها عليه منها ولا من غيرها، ويحكى ذلك أيضاً عن سمرة وعمر بن
عبدالعزيز، وذلك لأن العنة خلقة وجبلة لا تتغير بتغير النساء، فإذا انتفت في حق
امرأة لم تبق في حق غيرها.
ونحن نميل إلى اختيار قول الجمهور لأن حكم كل امرأة
معتبر بنفسها، ولذلك لو ثبتت عنته في حقهنّ فرضيت واحدة سقط حقها وحدها دون
الباقيات، ولأن الفسخ لدفع الضرر الحاصل بالعجز عن الوطء وهو ثابت في حقها ولا
يزول بوطء غيرها، فإن قيل كيف يصح عجزه عن واحدة دون أخرى، أجيب بأنه قد تنهض شهوته في حق إحداهنّ
لفرط حبه إياها وميله إليها واختصاصها بجمال وجهها دون الأخرى، وقد يكون ممنوعاً
عن غيرها بسحر، ولذلك لم يكن وطؤه إحداهنّ مزيلاً لعنته في حقهن جميعاً([236]).
ولا تزول العنة أيضاً في حق الزوجة
نفسها إذا كان الزوج قد أصابها في نكاح سابق، كأن يتزوجها ويطأها مثلاً ثم يطلقها
بائناً ثم يتزوجها ثانية فلا يستطيع الوطء، فإنها تخيّر ولا عبرة بوطئها في النكاح
الأول. لأنه إن جاز أن يتعنن عن امرأة
أخرى في وقت واحد ففي نكاح دون نكاح أولي، لأنه قد يصيبه مرض يسبّب عنته، لكن
مقتضى قول أبي بكر من الحنابلة ومن وافقه-كما تقدم- أن الوطء في الزواج السابق
يزيل العنّة، بل متى وطء مرة لم تثبت عنته أبداً، وهو مردود من هذا الوجه بما تقدم
من الأدلة([237]).
فإذا تزوجها ولم يستطع الدخول بها لعنته وفرّق بينهما
لذلك ثم تزوجها ثانية ولم يستطع الدخول بها أيضاً هل تخيّر؟
عن
الحنفية في ذلك آراء متعددة المفتى به منها أنها لا تخيّر لأنها بإقدامها على
النكاح منه ثانية تعتبر راضية بعنته دلالة، والرضا بالعنة مُسقِط لحقها بالإجماع.
وكذلك
الحكم فيما لو تزوج بأخرى عالمة بحالته، فإنه لا خيار لها أيضاً، لأن علمها بحالته مع إقدامها على الزواج به يعتبر رضاً منها بذلك
دلالة فيسقط حقها في الخيار لذلك([238]).
ثالثاً: الخصاء:
يذهب الفقهاء عدا المالكية إلى أن المقصود بالخصاء هو
رفع الأنثيين سواءً كان ذلك بالقلع، أو القطع، أو الرض أو بأي وسيلة أخرى، وقد
ذهـب المالكية إلى أن الخصاء هو قطع الذكر كله، أو قطـع الحشفة([239]).
ومفهوم المالكية للخصاء غير متوافق لغوياً لأن لفظ
الخصاء ينصرف مدلوله إلى الخصيتين وليس إلى الذكر.
رابعاً:
الاعتراض:
الاعتراض عيب زاده المالكية والمقصود به عندهم عدم قدرة الزوج
على الوطء لمانع يمنعه كسحر أو مرض أو خوف([240]).
وهذا العيب يعتبر من العوارض الخارجية، ولكن مفهوم
المالكية يوهم بانصراف اللفظ إلى آلة الزوج علماً بأن الاعتراض لا يكون إلا نتيجة
لحركة أو قوة يعترض أثرها الذكر عن الاتجاه الذي يريده الزوج.
خامساً: الفتل:
والمقصود به عند الأباضية ارتخاء الذكر([241]).
سادساً:
الاستئصال:
ذكر الأباضية أنه قطع الذكر والأنثيين([242]).
سابعاً: السل:
وهو عند الزيدية سل الخصيتين دون الذكر، ويضيف الزيدية إلى
العيوب الرق وعدم الكفاءة([243]).
كيفية إثبات عيب
الرجل:
إذا
ما وجد بالرجل عيب من العيوب التناسلية كالجب والخصاء والعنة فإنه يمكن معرفته-كما
يرى جمهور الفقهاء- بإقرار الزواج أو البينة على إقرار الزواج أنه عنين أو يمين
الزوجة بعد نكول الزوج عن اليمين، إذا عدمت وسائل الإثبات السابقة فإنه يمكن معرفة
هذه العيوب بالجس فوق موضع العيب بظاهر اليد لا بباطنها حسبما كان يقول الفقهاء
قبل ظهور وسائل الإثبات العصرية، أما في العصر الحاضر فقد أصبح من اليسير، معرفة
عيب الزوج وذلك بأن يأمر القاضي بإحالة الزوج إلى طبيب متخصص ليرفع إليه تقريراً
عن العيب الذي يعاني منه الزوج، وهذا ما أخذت به المادة (47) من قانون الأحوال
الشخصية اليمني والتي نصت على أنه (ويثبت العيب إما بالإقرار ممن هو موجود به أو
بتقرير من طبيب مختص)، وهو ما أخذ به القانون المصري في المادة الحادية عشر منه، حيث
نصت على أنه(يستعان بأهل الخبرة في العيوب التي يطلب فسخ الزواج من أجلها).
حق الزوج في طلب
التأجيل للمعالجة من العيب:
يتوقف حق الزوج في طلب التأجيل للمعالجة من العيب الذي يعاني
منه على نوع هذا العيب، ودرجة قابليته للعلاج وإمكان الشفاء أو عدم إمكانه، وبيان
ذلك على الوجه الآتي:
v عيوب الزوج التي
تقبل التأجيل:
من العيوب التي تقبل التأجيل
للمعالجة. العنة والاعتراض وما شابههما من الأمراض، لذلك فقد ذهب جمهور الفقهاء
المجيزين لفسخ الزواج بالعيب إلى أن الزوج إذا كان عنيناً أو معترضاً أجّله القاضي
سنة لأن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعوا على جواز التأجيل للعنين. من ذلك ما روي
عن عمر بن الخطاب أنه قضى في العنين أنه يؤجل سنة فإن قدر عليها وإلا أخذت منه
الصداق كاملاً وفرق بينهما وعليها العدة، وروي عن ابن مسعود كذلك ([244])، في حين ذهب الحكم بن عيينة وداود
وأهل الظاهر إلى عدم جواز التأجيل للعيوب السابقة([245]). لأن امرأة جاءت إلى النبي I
فقالت: يا رسول الله إن رفاعة طلقني فبنت منه فتزوجني
عبدالرحمن بن الزبير وإنما له مثل هدبة الثوب، فقال iتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك.([246])، فالنبي iلم يأمرها بالتأجيل حينئذ وقد نوقش هذا الدليل بأن الخبر الذي استدلوا به
لا حجة لهم فيه فإن المدة إنما تضرب له مع اعترافه وطلب المرأة ذلك، ولم يوجد واحد
منها ويدل على ذلك أن الرجل أنكر هذا وقال: أني لأعركها عرك الأديم، ثم إن ذلك كان
بعد طلاقه فلا معنى لضرب المدة..بدليل قوله iتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ ولو كان قبل طلاقه لما كان ذلك إليها، وقيل
أنها ذكرت ضعفه وشبهته بهدبة الثوب مبالغة، ولذلك قال iحتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك، كما استدل أصحاب هذا القول برفض الإمام علي
بن أبي طالب كرّم الله وجهه التفريق عندما طلبت امرأة منه ذلك، وقال لزوجها:
"هلكت وأهلكت أما أنا فلست مفرقاً بينكما" وقال للزوجة "اتقي الله واصبري"([247]).
ولعل ما ذهب إليه الجمهور من التأجيل لمدة سنة هو ما
تميل إلى اختياره، ومما يجدر ذكره في هذا الشأن أن قانون الأحوال الشخصية لم ينص
على التأجيل في حين نصت على ذلك قوانين الأحوال الشخصية العربية الأخرى كما سنرى.
v
عيوب الزوج التي لا تقبل التأجيل:
يرى جمهور الفقهاء أن الزوج إذا كان
مجبوباً أو خصياً فإنه يفسخ الزواج في الحال ولا يؤجل له لأن عجزه متحقق ولا يمكن
توقع الوطء منه ولا يرجى زوال هذا العيب([248]).
بينما يرى الحنفية خلاف ذلك في الخصي فإنهم يقولون بالتأجيل مثله مثل
العنين، ومن في حكمه([249]).
ويلحق بالمجبوب في عدم التأجيل له ما إذا كانت آلة الزوج
من الكبر أو الصغر بحيث لا يمكن إدخالها في فرج المرأة بحال من الأحوال.
ولم نجد ما يبرر ما قرره الأحناف من تأجيل الخصى للعلاج
لأن الخصاء ذهاب للخصيتين، وهما جزء من عضو التناسل بالرجل، والتأجيل جعل لرجاء الشفاء
والبرء وعودة المريض إلى سابق حالته الطبيعية قبل المرض أو العيب، وهذا بالنسبة
للخصى محال، إذن فالتأجيل له كعدمه.
v
الأحكام المتعلقة بالتأجيل:
التأجيل للمعالجة تتعلق به أحكام متعددة، بعضها يتعلق
بمدة المعالجة والبعض الآخر يتعلق بمن له حق تقدير هذه المدة، إلى غير ذلك من
الأحكام التي نتناولها على الوجه الآتي:
(1) مدة معالجة
العنين:
رغم تعدد الأقوال وتباينها في قدر المدة التي تضرب
للعنين ومن في حكمه إلا أننا نستطيع القول بأن الرأي الغالب عند الفقهاء هو
تقديرها بسنة([250]).
وهذا
التقدير جعل الفقهاء يختلفون بشأن بيان المراد من السنة أهي السنة الشمسية، أم
القمرية؟ ولهم في ذلك قولان:
القول الأول: يرى أن المقصود
بالسنة هنا السنة الشمسية، وحجتهم أن الفصول الأربعة لا تكتمل إلا بالسنة الشمسية
لأنها تزيد على القمرية بأيام فيحتمل زوال العارض في المدة الفارقة بين الشمسية
والقمرية، فكان التأجيل بالسنة الشمسية أولى([251]).
القول الثاني: يرى أن المراد بالسنة هو السنة
القمرية وحجتهم قوله تعالى ]
يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج[ ([252])، فإن الله تبارك وتعالى جعل الهلال تكرماً منه
دليلاً على الأوقات والمدة وبه يعرفون ميقات الحج، ولأنه
لو جعل ذلك بالأيام لشق على الناس وصعب معرفته كذلك أحتج هؤلاء بأن الشهر في اللغة
اسماً للهلال فيقال رأيت الشهر، أي الهلال([253]).
وقت بدء السنة:
اختلف الفقهاء بشأن وقت بدء السنة التي تضرب للعنين ومن
في حكمه، فالجمهور يرون ابتداؤها من وقت حصول الخصومة واحتجوا بما وقع من عمر بن الخطاب رضي
الله عنه، ولم ينقل عن غيره خلافه فكان ذلك إجماعاً([254]).
ويرى المالكية: أن السنة تبدأ من وقت الحكم وليس من وقت الخصومة([255])، ويختص القاضي دون غيره بضرب المدة،
لأنه جهة الاختصاص الوحيدة في هذه الأمور.
(2) حكم الموانع
اللاإرادية في احتساب المدة:
يتمثل المانع اللاإرادي من الاتصال بين الزوجين
في أمرين هما المرض والحبس:
- الأمر الأول:مرض أحد الزوجين، فإذا مرض الزوج خلال السنة المضروبة، فيرى الأحناف عدم
احتساب مدة المرض من السنة.
أما المالكية: فيذهبون إلى عدم التأجيل إذا كان الزوج مريضاً، إلا بعد تمام
الشفاء منه لأن وجود مرض بالزوج غير الاعتراض قد يمنع شفاءه من الاعتراض.
أما إذا ضربت المدة له في حالة صحته ثم حل به مرض، فيرى
بعضهم احتساب مدة المرض لأنه حكم قد مضى، وقال أصبغ: أنه لا تحتسب مدة المرض إذا
مرض الزوجان معاً في آن واحد أما إذا مرض أحدهما فتحتسب من المدة([256]).
ويرى الشافعية: أن الزوج إذا
مرض المدة كلها فإنها تحسب عليه. أما إذا مرض في بعض السنة فلا تستأنف ولا تحتسب([257])، أما إذا كان المرض بالزوجة وكان قد عمّ المدة كلها لم
يحتسب منها شيء فتستأنف سنة أخرى.
- الأمر الثاني:حبس أحد الزوجين
أو وجود ما يمنع الوطء بالزوجة:
أولاً: حبس أحد
الزوجين:
يرى الأحناف: أن الزوج إذا تم حبسه أياً كان سبب الحبس وامتنعت الزوجة عن زيارته والمجيء إليه فإن المدة لا تحسب عليه، أما إذا لم تمتنع المرأة
عن الحضور إلى مكان الحبس فإما أن يكون هناك موضع يمكن الاختلاء بها فيه أو لا، فإن
كان هناك موضع يمكن للزوج المحبوس أن يجامع زوجته فيه احتسبت عليه المدة، وإن لم
يوجد هذا الموضع فلا يحتسب عليه منها شيء([258]).
أما إذا حبست الزوجة، وكان الحبس بحق وكان الزوج يصل
إليها بحيث يمكن الاختلاء بها والمبيت معها فإنه تحتسب عليه المدة([259]).
ويرى الشافعية: احتساب المدة
بالنسبة للزوج قياساً على المرض. أما إذا حبست المرأة فإن مدة حبسها لا تحتسب من السنة عند الشافعية، لأن عدم حصول
الوطء بسبب يعود إليها([260]).
ويرى الحنابلة: احتساب مدة حبس الزوج إذا تم الحبس بفعله. كأن يقوم
الزوج بارتكاب فعل يُجرِّمه القانون مما يترتب عليه معاقبته شرعاً وحبسه، فإذا حدث
ذلك حسبت المدة عليه([261]).
(3) موانع الاتصال
الاختيارية بين الزوجين وأثرها في المدة:
تتمثل الموانع الاختيارية التي تمنع حدوث الاتصال الجنسي بين
الزوجين في الاعتزال أو الغياب، وبيانهما على النحو الآتي:
أولاً: اعتزال أحد الزوجين عن الآخر:
يرى الشافعية والحنابلة: أن الزوجة إذا اعتزلت زوجها في المدة فلا يحسب عليه شيء من ذلك لأن المنع
من قبلها، أما إذا كان العزل من جهة الزوج فإنه يحسب عليه منها بقدر ما اعتزلها
لأن ذلك من قبله([262]).
ثانياً: غياب أحد الزوجين:
قد يغيب الزوج أو الزوجة في سفر لغرض
ما وقد يطول هذا الغياب، وقد يقصر حسب ظروفه ومقتضياته، فإذا غاب الزوج في خلال
المدة التي ضربت له فإنه يحتسب عليه ما غابه من المدة، لأن السبب في هذه الحالة
يرجع إليه ولا يد للزوجة فيه، ولأنه كان بإمكانه اصطحاب زوجته معه في السفر أو أن
يؤجل هذا السفر إلى ما بعد انقضاء المدة. هذا إذا كان الغائب الزوج، أما إذا كانت
الزوجة، فلا يحسب على الزوج شيء مما غابته من المدة، وذلك لأن التقصير جـاء من قبل
الزوجـة([263]).
اختلاف الزوجين
في حصول الوطء:
الخلاف بين الزوجين في هذا الأمر يأخذ الصور التالية:
الصورة الأولى: وقوع الخلاف في
حصول الوطء أو عدمه قبل ضرب المدة، ففي هذه الحالة يرى جمهور الفقهاء عرض الزوجة
على النساء([264])، فإن قلن هي ثيب فالقول قوله مع يمينه، وإن قلن بكراً
أجل له، وقد استدل الجمهور بأن الوطء يزيل عذريتها، ووجود العذرية يدل على عدم
الوطء، فإذا ادعى أن عذريتها عادت بعد الوطء فالقول قولها لأن هذا بعيد جداً وإن
كان متصوراً. فإن طلب الزوج منها اليمين فله ذلك في أحد قولين وذلك لإزالة هذا
الاحتمال، والقول الثاني: أنها لا تستحلف لاحتمال كذب البينة العادلة وكذب المقر
في إقراره([265]).
الصورة الثانية: الاختلاف في
الوطء خلال المدة، فإذا حدث الخلاف في الوطء أثناء المدة المضروبة للاختبار
فالزوجة إما أن تكون بكراً أو ثيباً، فإذا كانت الزوجة بكراً عرضت على أربع من
النساء القوابل فإن قلن بكراً فالقول قولها لأن الظاهر يؤيدها، وإن قلن بزوال
البكارة فالقول قول الزوج مع يمينه، وذلك لأن الظاهر أن البكارة لا تزال إلا
بالوطء، هذا ما ذهب إليه الأحناف والشافعية والمالكية([266]).
هذا وقد أفتى الإمام مالك ببقاء الزوجة إلى الأجل المحدد
له إن نكل الزوج عن اليمين إذا طلبت زوجته منه الحلف فإن حلف بطل خيارها "لأن
ذلك مما يتعذر إقامة البينة عليه"([267]).
وورد عن الإمام أحمد أن الزوج لا يستحلف والقول قول
المرأة مع يمينها، وذلك لأن الأصل عدم الوطء فكان القول قولها لأنه موافق للأصل واليقين معاً([268]).
ويرى الإمام الأوزاعي في هذه
المسألة أن يجمع بين الزوج والزوجة إذا كانت ثيباً ويشهد الوطء بينهما امرأتان ويترك بينهما ثوب ويجامع امرأته فإذا قام عنها نظرنا
إلى فرجها فإن كان فيه رطوبة الماء فقد صدق، وإلا فلا([269]).
وجمهور الفقهاء لا يوافقون الأوزاعي فيما ذهب إليه، وفي
كل الصور المتقدمة فإنه في العصر الراهن يستعاض عن الوسائل السابق ذكرها بإحالة الزواج أو الزوجة إلى
الطبيب لبيان الحالة كي يكون القاضي على بينة من الأمر، وهذا ما أخذت به قوانين
الأحوال الشخصية كافة ولم نذكر أقوال الفقهاء في هذا الشأن إلا للتدليل على دقة
الفقهاء وحرصهم على أن يكون القاضي متيقناً في حكمه.
الصورة الثالثة: الاختلاف بعد انتهاء المدة: إذا حصل
الخلاف في حصول الوطء بعد انتهاء المدة فإن هذا الخلاف يكون بمثابة اعتراف من
الزوج بعدم الوطء.
الفرع السابع
العيوب الخاصة
بالزوجة
العيوب الخاصة بالزوجة تتعلق بالجهاز التناسلي كالرتق والقرن والعفل..
إلى غير ذلك من أمراض الفرج التي نبينها على الوجه الآتي:
(1) حدد المالكية
عيوب المرأة بخمسة عيوب هي (الرتق-القرن-العفل-الإفضاء-والبخر)، فإذا وجد الزوج
بالزوجة واحداً منها ثبت له حق فسخ الزواج بشرط أن يكون العيب قديماً([270]).
(2) اتفق الشافعية
والحنابلة والمالكية والزيدية والأباضية في عيبي الرتق والقرن، وإن أضاف الحنابلة
الفتق([271]).
(3) أما الإمامية
فقد توسعوا في تحديد تلك العيوب حتى بلغت عندهم سبعة
وهي:(الجنون-الجذام-البرص-الرتق-والإفضاء والقرن والعفل)([272]).
مفهوم عيوب
الزوجة عند الفقهاء:
من العيوب الخاصة بالزوجة "القرن" وهو عند
الفقهاء شيء يبرز في فرج المرأة يشبه قرن الشاة، تارة يكون عظماً فيعسر علاجه بغير
جرّاحه، وتارة يكون لحماً وهو الغالب، والظاهر أنه لو كان لحماً فإنه يحتاج أيضاً
إلى إجراء جراحة ([273]).
أما الرتق: فهو انسداد
مسلك الذكر في فرج المرأة بحيث لا يمكن معه الجماع([274]).
أما الفتق:فقد ذكر
الحنابلة أنه انخراق ما بين السبيلين (الفرج والدبر)([275])
أما البخر: فقد ذكر المالكية بأنه نتن فرج المرأة.
أما العفل: فهو لحم يبرز
في قبل المرأة، وقيل رغوة تحدث عند الجماع من شدة احتكاك عضوي الرجل والمرأة.
أما الإفضاء: فهو اختلاط
مسلكي الذكر والبول حتى يصيرا مسلكاً واحداً.
وقيل هو زوال الحاجز بين مسلك البول ومخرج الغائط([276]).
زمن حدوث العيب
الخاص بالزوجة وأثره في ثبوت حق الفسخ:
العيب الخاص بالزوجة إما أن يكون
قديماً أو حادثاً، فإن كان العيب الخاص بالزوجة عيباً قديماً فلا خلاف في ثبوت حق
الفسخ به عند من يجيز الفسخ بالعيوب([277]).
أما إذا كان العيب الخاص بالزوجة
عيباً حادثاً فهو محل نزاع بين الفقهاء، فقد ذهب المالكية والأباضية والإمامية إلى
عدم جواز فسخ الزواج بالعيب الحادث بالزوجة بعد العقد ([278]).
وقد اعتبر المالكية العيب الحادث بالزوجة بعد العقد
مصيبة نزلت بالرجل وعليه أن يتحملها.
وقد علل المالكية
والإمامية لما ذهبوا إليه فقالوا:
(1) أن المرأة لم
تدلس على الرجل بالعيب.
(2) أن الرجل يمكنه
التخلص من الزوجة المعيبة بالطلاق.
في حين ذهب الشافعية والحنابلة في القول المشهور والراجح
عندهم إلى ثبوت الخيار بالحادث من عيوب الزوجة بعد العقد، وقد عللوا له بما يلي:
(1) أن كل عيب يثبت
لأجله الفسخ إذا كان موجوداً حال العقد، يثبت لأجله الفسخ إذا حدث بعده تساوياً مع
الزوج.
(2) أن هذه العيوب
تمنع المقصود من النكاح كما أنها تشبه طروء فاسخ([279]).
حق المرأة في
التأجيل لمعالجة العيب:
من الحقوق العامة للمرأة حقها في
العلاج والمداواة من أمراض البدن عامة، وداء الفرج خاصة بحيث لا يترتب على استعمال
هذا الحق ضرر يلحق بالزوج أما إذا ترتب عليه عيب آخر أو ضرر فما موقف الزوج من
ذلك؟ هذا ما نبينه على الوجه الآتي:
حكم ما إذا طلبت
الزوجة المعالجة أو طلب زوجها ذلك منها؟
طلب التداوي والمعالجة، إما أن يكون من قبل الزوج أو
الزوجة، فإن كان من قبل الزوج، فإما أن توافق الزوجة على طلبه، أو تمتنع، فإن
وافقت فقد تحقق طلب الزوج ورغبته في ذلك وإن امتنعت فلا يجوز إجبارها على مداواة
عيبها إذا كان خلقه لأن ذلك يؤدي إلى أضرار وآلام بالغة يصعب أن تتحملها، ولا
ينبغي إزالة الضرر بضرر أشد منه، وهذا ما قاله المالكية وتبعهم في ذلك الشافعية
والزيدية، وإن لم يكن العيب خلقه أجبرت على إزالته([280]).
أما إذا كان طلب المداواة من قبل
الزوجة بعد طلب الزوج فسخ الزواج بالعيب فإن المالكية يرون وجوب الصبر من قبل
الزوج وإجابتها إلى طلبها، ولا يجوز الفسخ إذا كان العيب قديماً فالقاعدة عندهم
عدم جواز فسخ الزواج بالعيب الحادث([281]).
وتضرب المدة التي تلزم لعلاج عيب الفرج حسب تقارير
الأطباء أو أهل الخبرة المرفوعة إلى القاضي، وبذا تختلف عن المدة التي تضرب للزوج
لعلاج عيبه التناسلي والتي حددت على المشهور بسنة، بينما يرى الأباضية قياس مدة
علاج عيب الزوجة على ما حدد بالنسبة لعيب الزوج وذلك لمرور الفصول الأربعة عليها([282])، والصحيح عدم القياس لأن علاج داء الفرج غالباً ما
يحتاج إلى إجراء بعض الجراحات التي لا يستغرق شفاؤها منها إلا مدة يسيره أقل من
السنة بخلاف عيب الزوج الذي لا يحتاج إلى مدة السنة وتعاقب الفصول فإذا مضى الأجل
المضروب للزوجة أو أجريت لها الجراحة اللازمة ولم تبرأ الزوجة خُيّر الزوج بين الإبقاء
أو الفسخ وتتحمل الزوجة ثمن الدواء لأنه يجب عليها أن تسلم نفسها للزوج غير معيبة،
ويتحمل الزوج نفقتها في فترة المداواة لاستمتاعه بها بغير الوطء كالتقبيل
والمفاخذة، وغير ذلك ([283]).
الفرع الثامن
العيوب المشتركة
بين الزوجين المتفق عليها من قبل الفقهاء
اتفق الفقهاء في ذكر أنواع من العيوب يشترك فيها الزوجان
وبيان العيوب المتفق عليها على الوجه الآتي:
العيوب العقلية
المشتركة، ومدى ثبوت حق الفسخ بسببها:
العيوب العقلية: هي التي لها
صلة بالعقل "كالجنون-الإغماء-العته-الخبل-الصرع-والأمراض العقلية والنفسية
سواءً التي تحدث نتيجة إدمان المخدرات بأنواعها المختلفة"، وتلك التي تحدث من
غير إدمان المخدرات، وقبل الخوض في الفسخ بهذه العيوب يجدر بنا أن نتعرض لبيان
مفهوم هذه العيوب على النحو الآتي:
مفهوم العيوب العقلية: من العيوب العقلية الجنون، وقد ذكر صاحب كتاب مغني
المحتاج أن الجنون هو عطب يصيب العقل فيجعله غير قادر على الإدراك ومعرفة الصواب
من الخطأ، وجاء في كتاب الحجة على أهل المدينة للإمام محمد بن الحسن الشيباني:أن
الجنون هو اختلال القوة المميزة بين الأمور الحسنة والقبيحة المدركة لعواقب الأمور
بأن لا تظهر آثارها وتتعطل أفعالها إما لنقصان جبل عليه دماغه في أصل الخلقة وإما
لخروج مزاج الدماغ عن حد الاعتدال بسبب آفة أو لاستيلاء الشيطان عليه وإلقاء
الخيالات الفاسدة إليه بحيث يفرح ويحزن ويفزع
من غير سبب وقيل هو آفة تعتري العقل وتسلبه([284]).
والإغماء آفة تعتري العقل وتغلبه، أما العته فهو قلة
الفهم واختلاط الكلام وفساد التدبير، لكن المعتوه لا يضرب ولا يشتم كما يفعل
المجنون. ([285])
ثبوت فسخ الزوج
بالعيوب العقلية:
العيوب العقلية أنواع منها الخلقي
ومنها العارض أو المكتسب، وقد اختلف الفقهاء في فسخ الزواج بهذه العيوب، فيذهب
المالكية إلى ثبوت حق الفسخ بالجنون القديم لكل من الزوجين، أما الحادث فلا يحق
للزوج فسخ الزواج وتلك مصيبة نزلت به وعليه أن يتحملها، بينما يحق للزوجة فسخ
الزواج بالعيب الحادث بالزوج لتضررها([286]).
أما الشافعية: فإنهم يرون ثبوت خيار الفسخ بسبب الجنون والإغماء الدائم سواء حدث بعد
العقد أو كان موجوداً قبله من غير تفرقه بين الزوج والزوجة وسواءً كان جنوناً
مطبقاً أو متقطعاً إلا إذا كانت مدته وجيزة جداً بأن يأتي في كل سنة يوماً واحداً
فقط، وقد استثني بعضهم من الجنون المتقطع والخفيف الذي يطرأ في بعض الأوقات فلا
يفسخ الزواج به([287]).
وقد اشترط الشافعية لثبوت الخيار بالإغماء أن يكون
ميئوساً الشفاء منه لأنه في هذه الحالة كالجنون، أما إذا كان الإغماء بسبب مرض آخر
وتحصل منه الإفاقة فلا يفسخ الزواج بسببه ولكي يفسخ الزواج بالخبل اشترط الشافعية
في الخبل أن يكون دائماً لا يزول لأنه على هذه الصفة يأخذ حكم الجنون، ويعتبر
الصرع عند الشافعية نوع من الجنون إذا كان
مستمراً علماً بان الشافعية لم يشترطوا الاستحكام في الجنون([288]).
أما
الحنابلة: فإنهم يرون الفسخ بالجنون مطلقاً سواءً كان مطبقاً أو متقطعاً لأن النفس لا
تسكن إلى من كانت حاله على هذا النحو وقد وافقهم في ذلك الزيدية وإن اختلفوا في
الخفيف الحادث بالزوجة بين جواز الفسخ وعدمه([289]).
أما الأباضية: فقد أجازوا فسخ الزواج بالجنون مرة واحدة ولو صحا بعدها عشرين سنة وكذلك
إذا كان الرجل معتوهاً، ومذهب الأباضية على الفسخ بالعيب العقلي أو غير العقلي حتى
ولو زال العيب قبل العقد، لأن ذلك مظنة خوف الرجوع مرة أخرى سواءً كان بالزوج أم
بالمرأة، وقد أخذ قانون الأحوال الشخصية اليمني بقول الشافعية حيث نص على جواز فسخ
الزواج للجنون مطلقاً سواءً كان قديماً أو حديثاً رضي به الزوج السليم أو لم يرض.
العيوب البدنية
المشتركة ومدى ثبوت الفسخ بها:
ينحصر العيب البدني المشترك في الجذام والبرص وقد ألحق
بها القانون اليمني وغيره من قوانين الدول العربية الأمراض المعدية المستعصي
علاجها تطبيقاً لمذهب ابن تيميه وابن قيم الجوزية.
مفهوم الجذام
والبرص:
الجذام: علة يحمر منها
العضو ثم يسود ويتشقق ويتساقط وغالباً ما تكون رائحته كريهة، والجذام مأخوذ من
الجذم وهو القطع ومنه قوله I "كل خطبة ليس فيها شهادة كاليد الجذماء" أي
المقطوعة.
ويتصور وجود هذا الداء في أي عضو من أعضاء البدن وإن كان
حدوثه بالوجه أغلب، وقال صاحب كتاب النيل: الجذام علة تحدث من انتشار السوداء
بالبدن كله فتفسد مزاج الأعضاء وهيآتها وربما انتهى إلى تآكل الأعضاء وسقوطها بعد
أن تتقرح([290]).
فسخ الزواج
بالجذام والبرص:
اختلف الفقهاء في فسخ الزواج بهذين العيبين فالمالكية
يرون ذلك للزوجة إذا وجدت بزوجها جذاماً محققاً غير مشكوك فيه قل أو كثر حدث بعد
العقد أو قبله، أما إذا وجد بالزوجة فلا يخلو الحال من أمرين، الأمر الأول أن يكون
العيب قديماً، والأمر الثاني: أن يكون حادثاً، فإن كان قديماً جاز للزوج فسخ
الزواج، أما إذا كان حادثاً فلا يملك الزوج فسخ الزواج([291]).
أما الحنابلة: فيجيزون فسخ
الزواج بسبب الجذام القديم والحادث متى كان محققاً، لأن الجذام عندهم عيب في
النكاح ثابت مقارناً فيثبته طارئاً([292])، أما البرص فقد أجاز الحنابلة فسخ الزواج إذا كان قديماً
أما الحادث فأصح الأقوال عندهم أيضاً جواز الفسخ كما في الجذام الحادث([293]).
أما الشافعية: فلم يفرقوا بين قديمه وحادث ولكنهم اشترطوا لفسخ الزواج بالعيب أن يكون
العيب فاحشاً وذلك إذا كان مستحكماً وأن يرجع في ذلك إلى قول أهل الخبرة سواءً كان
العيب بالزوج أم الزوجة وهذا أصل المذهب([294]). وبقول الشافعية أخذ الأباضية في البرص خاصة أما الجذام
فيجوز فسخ الزواج بالقديم إن كان بالزوج أو الزوجة، أما الجذام الحادث فاصل المذهب
عند الأباضية عدم جواز الفسخ به مطلقاً([295])، وقد أجاز قانون الأحوال الشخصية اليمني فسخ الزواج
للجذام والبرص سواءً كان قديماً أو حديثاً وسواءً رضي الزوج السليم أو لم يرض.
الرد بالعيب
التناسلي المشترك:
يشترك الرجل والمرأة في بعض العيوب التي تتعلق بالجهاز
التناسلي كالخنوثة والعذيطة والعقم.
(1) الخنوثة:
الخنوثة عيب مشترك بين الرجل والمرأة، والخنثى هو الذي لا يكون
له عضو الرجل فيكون رجلاً أو عضو المرأة فيكون امرأة وإنما هو بين هذا وذاك.
والخنثى: إما أن يكون مشكلاً أو غير مشكل، فإن كان مشكلاً، فنكاحه
باطل عند الشافعية والحنابلة([296])، أما الأحناف فقد اعتبروه كالعنين في كل أحكامه([297]).
وإن كان الخنثى ظاهراً أي غير مشكل بعلامة قطعية أو ظنية أو
بإخباره، فإنه يفسخ النكاح بسببه عند الحنابلة والشافعية([298]).
ونحن نرى أنه إن كان به ما يمنع الاستمتاع وتحقيق مقصود
النكاح ولم يكن إزالته عن طريق إجراء بعض العمليات الجراحية يفسخ الزواج.
أما إذا أمكن إزالة ما يعوق الاتصال الجنسي ويزيل
الخناثة بحيث يتحقق المقصود من الزواج فلا يفسخ النكاح.
(2) العذيطة:
تعتبر العذيطة عيباً من العيوب المشتركة بين الزوجين إذا تكرر
حدوثها من أحد الزوجين بحيث تصير عادة، والعذيطة هي حصول الحدث من أحد الزوجين عند
الجماع([299]).
ويذهب المالكية إلى فسخ الزواج بهذا العيب حتى أن بعضهم
قال: العذيطة أولى في الفسخ من العفل، وجاء في حاشية الدسوقي: أنه يثبت في القديم
فقط أما الحادث فلا يفسخ الزواج به([300]).
(3) العقم:
هو عدم مقدرة الجهاز الخاص بالإنجاب لكل من الزوج
والزوجة على القيام بأداء ما أنيط به من مهام، وهذا العيب قديم قدم الإنسان، وهو
عيب مشترك بين الرجل والمرأة، فإذا تبين أن أحد الزوجين عقيم فهل يحق للزوج الآخر
طلب فسخ الزواج لهذا السبب؟
يرى الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله أن يتبين أمره وقال:
عسى امرأته تريد الولد وهذا في ابتداء النكاح، أما إذا تم النكاح، فإن العقم لا
يفسخ به النكاح لأن ذلك لا يعلم، ولأن رجالاً
يولد لهم وهم شيوخ، ولذلك فلا يثبت به فسخ والخلاصة أن الحنابلة يذهبون إلى عدم جواز
الفسخ بسبب العقم مطلقاً([301]).
بينما يرى فريق من المالكية ثبوت الخيار للزوجة إذا وجدت
زوجها عقيماً، لأن الزوجة تحب الولد وتسعد بالذرية كالزوج ولما روى ابن سيرين أن
عمر بعث رجلاً على بعض السعاة فتزوج امرأة
وكان الرجل عقيماً فقال له عمر: أأعلمتها أنك عقيم؟ قال: لا، قال: انطلق فأعلمها
ثم خيرها، فهذا دليل على أن للزوجة أن تختار البقاء مع الزوج أو مفارقته بسبب عقمه،
كما أن عقم الزوج يعتبر ظلماً للزوجة لحرمانها من نعمة الولد بل إن الظلم الواقع
عليها في هذا الشأن أشد من الزوج لأنه يستطيع تدارك الضرر الناجم عن عقمها بالزواج
من غيرها أما هي فلا تملك ذلك، كما أن القول بجواز الفسخ للعقم يتيح للمرأة الزواج
من غيره وعندها ربما تنجب بإذن الله تعالى وربما يتزوج الرجل غيرها فينجب منها
بإذن الله سبحانه وتعالى، ونحن نميل إلى هذا القول علماً بأن قانون الأحوال
الشخصية في دولة الإمارات والعراق يجيزا للزوجة فسخ الزواج إذا كان الزوج عقيماً
كما سنرى لاحقاً، أما أحكام القضاء فقد ذهبت مذهباً آخر حيث قضت بعدم جواز فسخ
الزواج إذا كان الزوج عقيماً كما سنرى عند استعراض أحكام القضاء في الفسخ بسبب
العيب.
عزل الزوج المريض
بمرض عقلي أو مرض معدي:
يعزل المجنون عند المالكية عن امرأته طوال فترة العلاج
فإن شفي بعد المدة وإلا فرّق القاضي بينهما([302]).
ونحن نرى عدم اقتصار العزل على الجنون فقط بل هو في
الجذام والبرص والأمراض المعدية المستعصى علاجها كالإيدز والزهري وغيره أولى. لأن
مخالطة المجذوم والبرص تسبب العدوى هذا إذا وجد من يقوم على رعايته من أهله غير
زوجته، أما إذا عدم المعين من الأهل فيلزمها القيام عليه حتى يتبين أمره تمشياً مع
سماحة الإسلام.
ولزوجة المجنون إن دخل بها الحق في النفقة من مال زوجها
الخاص طوال مدة المعالجة بلا خلاف بين العلماء، أما إذا لم يدخل بها فقيل ليس لها
شيء من ذلك والصحيح أن لها النفقة، أما زوجة المجذوم والمبروص فلها النفقة في مدة
العلاج سواء دخل بها أم لم يدخل بها اتفاقاً.
الفرع التاسع
فسخ الزواج بالعيوب المشتركة بين الزوجين المختلف فيها
عند الفقهاء
يوجد من العيوب المشتركة ما لا يؤثر في أصل الوطء ولكنه
يؤثر في كماله وهي في ذات الوقت لا تمنع مقصود النكاح، فإذا وجد أحد الزوجين
واحداً من هذه العيوب بالزوج الآخر فهل يحق له الفسخ بذلك؟
تختلف هذه العيوب عن العيوب المتفق عليها السابق تناولها
في الفرع السابق من حيث أن العيوب المشتركة المختلف بشأنها يصعب حصرها وذلك
لاختلاف رغبات الناس وميولهم، فما يعد عيباً عند بعضهم لا يعد كذلك عند الآخر. من
هذا المفهوم يصعب تحديدها في أنواع معينة.
فالمالكية ذكروا منها: (السواد-القرع-الاستحاضة-الكبر-والشلل) وقد اشترطوا للفسخ بها
أن يصرح الزوج المعيب بسلامته منها عند العقد([303]).
وفرق المالكية بين العيوب المختلف بشأنها والعيوب المتفق عليها، بأن
العيوب المتفق عليها تعافها النفس وتنقص الاستمتاع ولا تحقق المقصود من النكاح، كما
أن العيوب المتفق عليها منها ما يسري إلى النسل كالجذام والجنون وغيرها ليس كذلك، وغير
المشترط مقصر في الاستعلام، فإن لم يشترط السلامة منها فلا يثبت الفسخ([304]).
أما الشافعية فقد ذكروا منها: (البخر-الصنان-القروح
السيالة-العمى-الزمانة-البله-والاستحاضة)، ونص الشافعية على أن هذه العيوب لا فسخ
فيها باستثناء الاستحاضة فيثبت بها الخيار ويبدو من هذا الاستثناء أن الشافعية
يعتبرون هذا العيب مانعاً من الاستمتاع بالزوجة وذلك لنفرة النفس والطبع منه
ولحلول هذا العيب بمحل الوطء وهو الفرج([305]).
أما الحنابلة فإنهم يفرقون بين نوعين من هذه العيوب:
النوع الأول: ويتمثل في الفتق وبخر الفم وبخر الفرج واستطلاق البول والقروح السيالة
والباسور والناسور، وهذا النوع يجيز الفسخ، لأن هذه العيوب تمنع لذة الوطء وتمامه([306]).
النوع الثاني: ويتمثل في
العمى والعور والعرج والخرس والطرش وقطع اليد وقطع الرجل، وكل عيب ينفر الزوج
الآخر منه([307]).
وهذا النوع انقسم الحنابلة بشأن فسخ الزواج بسببه إلى
فريقين:
الأول: يرى عدم جواز الفسخ وبه أخذ الأباضية.([308])
والثاني: يرى جواز الفسخ وإليه مال ابن القيم لأن النكاح عنده أولى من البيع.
علة التفريق بين
هذه العيوب المختلف بشأنها والعيوب المتفق عليها:
فرّق الفقهاء بين العيوب المتفق عليها والمختلف فيها بما يلي:
الفرق الأول:
أن العيوب المتفق عليها تعافها النفس وتنقص الاستمتاع المقصود من النكاح.
الفرق
الثاني: أن العيوب المتفق عليها لا يرضى بها أحد عادة كالجذام
والجنون وغيرها ليس كذلك([309]).
الفرق الثالث: أن العيوب
المتفق عليها لا يتحقق بها المقصود بالنكاح بخلاف اللون والطول والقصر ونحوه.
الفرع العاشر
نوع الفرقه
الثابتة بالعيب وطريق وقوعها وصاحب الحق فيها
أولاً: نوع
الفرقة بالعيب:
ذهب الحنفية إلى أن الفرقة بالعيب طلاق بائن لا فسخ وعلى ذلك المالكية أيضاً، أما على
رأي المالكية
فلأنها فرقة في
عقد صحيح ولم تثبت حرمة مؤبدة بين الزوجين فتكون طلاقاً، وأما على رأي الحنفية
فلأنها من قبل الزوج حكماً إذا لا تكون عندهم إلا بعيبه فالتقدير أن الطلاق استحق
على الزوج بعيبه لأنه مأمور بالإمساك بمعروف أو التسريح بإحسان، وقد فات الإمساك
بالمعروف لتضرر الزوجة من عيبه فوجب التسريح بإحسان، فإن امتنع عن ذلك قام القاضي
مقامه وطلق عليه المرأة نيابة عنه إذا طلبت هي ذلك، وما كان كذلك فهو طلاق عندهم، وقد
اعتبر الطلاق بائناً لا رجعياً لأن المقصود من الطلاق دفع الظلم عنها وهو لا يحصل
إلا بالبينونة لأنها لو كانت رجعية لاستعادها الزوج إلى عصمته بالمراجعة فلا يزول
الضرر عنها([310])، وبقول المالكية والأحناف أخذ القانون المصري وغيره كما
سنرى لاحقاً.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن
الفرقة بسبب العيب فسخ لا طلاق، لأنها ليست بلفظ الرجل المفيد للطلاق بل هي بفسخ
القاضي أصالة عن نفسه أو بفسخها هي بعد أن يأذن القاضي لها بذلك([311]).وقد أخذ القانون اليمني وغيره بهذا
القول كما سنرى.
ثانياً:طريق وقوع
الفسخ بالعيب:
اختلف الفقهاء في
طريق إيقاع الفرقة بالعيب على مذاهب:
فذهب الحنفية إلى أن العيب إذا ثبت، فإن كان جَبّاً وطلبت الزوجة الفراق بسببه أمر
القاضي الزوج بالطلاق بائناً فإن أبى طلقها عليه، وإن كان العيب عنّة أو خصاء أجله
القاضي سنة فإذا انتهت دون وصوله إليها وطلبت الزوجة ثانية الفراق منه كلفه القاضي
أيضاً بطلاقها بائناً فإن أبى طلق عليه([312]).
وذهب المالكية إلى ما ذهب إليه الحنفية تماماً إلا أن عندهم روايتان في مسألة طلاق الزوجة
نفسها دون قضاء وهم يشترطون في تطليقها نفسها أن يكون ذلك بعد إذن القاضي لها بذلك
لا بدونه، وكذلك اشترطوا فيه إذا اختارت الزوجة طلاق نفسها أن يحكم القاضي بذلك
رفعاً لخلاف من لا يرى صحة طلاق الزوجة نفسها.
إلا أن أكثر المالكية يرون أن حكم القاضي هنا بعد طلاقها
نفسها إنما هو من باب الإشهاد على الطلاق والتوثيق له لا من باب الحكم بالطلاق لأن
الفرقة وقعت بطلاقها فلا حاجة إليه([313]).
أما الشافعية
فلهم قولان:
الأول:أنها تستقل بالفسخ بعد ثبوت حقها فيه كما يستقل بالفسخ
من وجد بالمبيع عيباً، لكن إنما تفسخ بعد قول القاضي لها ثبتت العنة أو ثبت حق
الفسخ فاختاري، وليس قول القاضي لها: اختاري، أو ثبت حق الفسخ بشرط، بل المراد به
إعلامها بدخول وقت الفسخ حتى لو بادرت وفسخت قبله نفذ فسخها.
الثاني: يحتاج إلى إذن
القاضي لها بالفسخ أو إلى فسخه بنفسه، لأنه محل نظر واجتهاد فيتعاطاه بنفسه أو
يأذن فيه رفعاً للخلاف([314]).
وذهب الحنابلة إلى أن الفسخ لا بدّ فيه من حكم الحاكم، لأنه مجتهد فيه ولا يرفع خلاف
المجتهدين إلا القاضي فهو كالفسخ للإعسار، وفسخ الحاكم لا يكون إلا بعد اختيارها
الفرقة، لأن حق الفسخ لها، فلها أن تختاره ولها أن تبقى على الزوجية، فإن اختارت
الفرقة فإما أن يفسخ القاضي وإما أن يرده إليها فتفسخ، ولا يصح فسخها إلا بعد أمر
القاضي لها بالفسخ([315]).
ويرى الجعفرية أن الفرقة بعد ثبوت حقها في الخيار بالعيب تتم باختيارها الفسخ دون قضاء
القاضي ([316]).
أما الزيدية فيرون أنه إذا ثبت العيب المستوجب للفرقة تم الفسخ بتراضي الزوجين فإذا
أباه أحدهما حكم به القاضي وكان فسخاً لا طلاقاً([317])، وقد أخذ القانون اليمني بهذا
القول.
هل تكون الفرقة الواقعة بالعيب مؤبدة؟
ذهب الجمهور إلى أنها فرقة غيرة مؤبدة بحيث إذا أرادت الزوجة الرجوع إلى زوجها بعد
التفريق بالعيب كان لها ذلك بعقد جديد.
وذهب أبو بكر من الحنابلة إلى أنه عند الحنابلة قولاً
ثانياً في الفسخ بسبب العنة أنهما لا يجتمعان أبداً، لأنها فرقة تتعلق بحكم الحاكم
فحرمت النكاح كفرقة اللعان، لكن القول المشهور والمعمول به عند الحنابلة أنها تحل
بعقد جديد، لأن الفرقة كانت لأجل العيب فلم تمنع النكاح ولا شبه لها بفرقة اللعان
لأنها تحصل بلعانها قبل تفريق القاضي، وهنا بخلافه، ولأن اللعان يحرم المقام معه
على النكاح، ويوجب الفرقة فمنع الاجتماع، وهما بخلافه، ثم لو رضيت المرأة بالمقام
مع العنين لم يجز الفسخ فكيف يصح القياس مع هذه الفروق([318]).
ثالثاً: صاحب
الحق في الفرقة بالعيب:
والفرقة بسبب العيب إنما تكون لحق السليم من الزوجين لا
لحق الشرع، ولذلك لا تصح من القاضي إلا بعد طلبها من صاحب الحق فيها، فلو لم يطلب
مستحقها ذلك لم يجز للقاضي أن يفرق بينهما بحال، فلو فرق كان ذلك باطلاً بخلاف ما
لو كانت الفرقة لحق الشرع كما في الردة، فإن القاضي يفسخ النكاح دون طلب من أحد، لأنها
لحق الشرع وهو الحامي لحدود الله.
الفرع الحادي عشر
آثــار الفــرقة بسبب العيب
أولاً حكم المهر
بعد التفريق للعيب:
ذهب المالكية
والشافعية والحنابلة
إلى أن الفرقة
للعيب إذا كانت قبل الدخول وما في حكمه لم يجب للزوجة على زوجها شيء من المهر، سواء
أكان التفريق لعيب في الرجل أم عيب في المرأة، لأن العيب إن كان في الرجل فالتفريق
جاء من قبل المرأة باختيارها الفرقة فلا مهر لها، وإن كان لعيب في المرأة فقد جاء
بسببها أيضاً لأنها هي المعيبة فلا يجب لها شيء، لأن الشافعية والحنابلة، يريان
الفرقة بخيار العيب فسخاً من قبل المرأة أو بسببها، وما كان كذلك قبل الدخول لم
يجب به شيء للمرأة من الصداق. وأما على رأي المالكية الذين يرونها طلاقاً بائناً
فقد عللّه صاحب الشرح الكبير بقوله: "وإن وقع الاختيار على الرد قبل البناء
فلا صداق لها سواء وقع بلفظ الطلاق أو غيره لأنه إن كان العيب بها فهي مدلسة وإن
كان به فهي مختارة لفراقه"([319]).
فإن كانت الفرقة بعد الدخول أو ما يقوم مقامه وجب لها
المهر كاملاً عند الشافعية والحنابلة لأنه دخول في عقد صحيح فيجب فيه المهر، وهو
المهر المسمى إن كان مسمى في العقد تسمية صحيحة وإلا فمهر المثل، أما الحنفية
فجمهورهم لا يرى الفسخ بالعيب مطلقاً إلا في العيوب الثلاثة وهي الجب والعنّة
والخصاء إذا وجدت بالزوج وطلبت الزوجة الفسخ بسببها والفرقة عندهم طلاق من كل وجه
ولذلك إذا طلق الزوج الزوجة بسبب عيبه بعد أمر القاضي له بذلك أو طلق عليه القاضي
أو أمر الزوجة أن تطلق نفسها ففعلت فإن لها نصف المهر قبل الدخول وكله بعده لأنه
طلاق من كل وجه والطلاق هذا حكمه.
وهل يرجع الزوج
بما غرم من مهر المرأة على من غرَّة؟
يذهب الحنابلة إلى أنه يرجع على من غره إذا تزوجها فرأى جذاماً أو برصاً فإن لها المهر
بمسيسه إياها ووليها ضامن للصداق، وبهذا قال الزهري وقتادة ومالك، وقد روي عن علي t أنه قال: لا يرجع، وبه قال أبو حنيفة، لأنه ضمن ما
استوفى بدله وهو الوطء فلا يرجع به على غيره، كما لو كان المبيع معيباً فأكله، وذلك
لعدم الجمع بين البدل والمبدل في وقت واحد.
واستدل الحنابلة ومن ذهب إلى مذهبهم بما روى مالك عن يحيى بن سعيد وعن سعيد بن المسيب قال:
قال عمر بن الخطاب: أيما رجل تزوج بامرأة بها جنون أو جذام أو برص فمسّها فلها
صداقها ولزوجها غرم على وليّها، لأنه غرّه في النكاح بما يثبت به الخيار فكان
المهر عليه.
هذا إذا علم الوليّ بالعيب، فإن لم
يكن يعلم فلا تغرير منه بل التغرير من المرأة، فلا يغرم الولي شيئاً بل الغرم على
المرأة يرجع الزوج عليها بجميع صداقها، فإن اختلفوا في علم الوليّ، فإن قدمت بينة
على علمه قضى بها وإلا فالقول قوله مع يمينه([320]).
وهذا كله في العيب القديم أو المرافق للعقد، أما العيب
الجديد فلا يرجع به الزوج على أحد لعدم التغرير([321]).
وذهب الشافعية إلى أنه لا يرجع الزوج بشيء من
الصداق الذي ثبت للزوجة عليه على أحد من وليّ أو زوجة، وذلك لاستيفائه منفعة البضع
المتقوم عليه بالعقد.
وأما العيب الحادث بعد العقد إذا فسخ به فلا يرجع الزوج
بالمهر على أحد لانتفاء التدليس([322]).
وأما المالكية فقد ذهبوا إلى أن طالب الفرقة إن كانت هي الزوجة لعيب في
الزوج أو كانت هي معيبة أيضاً فإنه يجب لها المهر المسمى، لأنه عقد صحيح، فيجب فيه
المهر المسمى للزوجة بالوطء، والفرقة جاءت بسبب تدليسه عليها، فلم يقم سبب
لإسقاطه. هذا إذا كان يتصور منه الوطء كالمجنون والأبرص والمجذوم، فإن كان يستحيل
منه الوطء كالمجبوب والعنين صغير الآلة والخصي مقطوع الذكر فلا شيء لها عليه من
المهر لعدم تحقق الدخول حقيقة، فصار كما لو فرق بينهما قبل الدخول([323])، وإن كان طالب الفرقة هو الزوج لعيب
في المرأة ففي المسألة تفصيل:
إن كان العيب المردود فيه مما يفسخ به النكاح من غير شرط
وهو كل العيوب المتقدمة، فإنه يضمن لها المهر كاملاً ويرجع به على وليّها إن لم
يغب عنه أمر وليّته، فإن غاب عنه أمرها ولم يعلم بعيبها لعدم مخالطتها لم يرجع
عليه الزوج بشيء ولا يرجع الوليّ على الزوجة بما غرمه للزوج بعيبها، لأنه هو الذي
دلس على الزوج، وحسب الزوجة أن تقول: لو كنت حاضرة العقد لذكرت العيب، ولا يرجع
الزوج على الزوجة بما غرمه لها إذا لم يكن الولي عالماً بعيبها لعدم التدليس منها،
وهذا كله إذا لم تكن الزوجة حاضرة مجلس العقد، فإن حضرت مجلس العقد فالزوج بالخيار
في الرجوع عليها أو على وليّها إن كان عالماً بعيبها، لاشتراكهما في التدليس على
الزوج، فإذا رجع على وليّها رجع الولي عليها، وإذا رجع الزوج على الزوجة لم ترجع
به على أحد، لأنها هي المباشرة بالإتلاف بعيبها.
هذا إذا كان الوليّ قريباً منها بحيث يغلب علمه بعيبها، فإن
كان يغلب عدم علمه بعيبها كابن عم ومولى وحاكم وكّل وليّ قريب أو بعيد من شأنه أن
يخفي عليه حالها، فإنه يرجع الزوج عليها، لكن الولي البعيد إذا علم بعيبها وكتمه
عن الزوج فكالقريب الذي لم يغب عنه ذلك.
وإن نفى الوليّ البعيد علمه بعيبها
حلّفه الزوج على المختار إن ادّعى عليه دعوى تحقيق، أي ادّعى عليه أنه يعلم بعيبها
وكتمه، فإن نكل الوليّ حلف الزوج أنه غرّه ورجع عليه (أي على الوليّ بما غرم للزوجة)
دون الزوجة، وأما في دعوى الاتهام فيغرم الولي بمجرد النكول ولا يحلف الزوج لعدم
التحقيق منه في الاتهام، فإن نكل الزوج في دعوى التحقيق كما نكل الوليّ، رجع الزوج
على الزوجة على المختار.
فإن كان الذي زوّج المرأة غريباً
عنها وغرّ الزوج بسلامتها من العيب، رجع الزوج عليه بجميع الصداق إلا أن يعلم
الزوج أنه غير وليّ، أو يخبره بأنه إنما يزوجها بالوكالة عن الولي، فإن كان كذلك
لم يرجع الزوج عليه بشيء ولا على الزوجة أيضاً([324]).
ثانياً: حكم
العدة والنفقة بعد الفرقة بالعيب:
إذا حصلت الفرقة قبل الدخول وما في معناه فلا عدّة على
الزوجة مطلقاً، لأن العدّة لا تجب قبل الوطء وما في معناه، فإذا كانت الفرقة بعد
الدخول أو ما في معناه، فالعدّة واجبة على الزوجة بالإجماع، لأن العدّة تجب بكل
وطء ليس فيه حدّ، كما تجب بالخلوة عند من يراها في حكم الدخول بعد النكاح الصحيح
ولا شك أن النكاح مع العيب صحيح سواء أكان العيب مقارناً، أو سابقاً عليه، أو
لاحقاً له. لأن السلامة من العيب ليست من شروط صحة النكاح.([325])
هذا إذا كان العيب غير الجب، فإن كان الزوج مجبوباً فقد
ذهب الحنفية إلى أن خلوة المجبوب تقوم مقام الدخول في حق العدّة أيضاً كما أقيمت
مقام الدخول في حق تحقيق المهر المسمى، وذهب المالكية إلى أن خلوة المجبوب غير
معتبرة، فإذا فرق بسببها لم تجب العدّة على الزوجة، قال في الشرح الكبير" أما
المجبوب فلا عدّة بخلوته ولا بوطئه وإنزاله على المعتمد"([326]).
أما الشافعية فهم لا يقيمون الخلوة مقام الدخول في العدّة، بل ينيطون وجوب العدّة بالوطء
فعلاً أو استدخال المني المحترم، ولذلك لا عدّة على زوجة المجبوب، إذ لا يتأتى منه
الوطء حقيقة إلا أن يظهر حملها منه، فإنها تعتدّ بوضع الحمل لإمكان الإنزال منه، إذا
كان ذلك ممكناً فإن لم يكن كذلك، لم تعتدّ ولا يثبت الحمل منه، أما الخصي فتعتدّ
زوجته إن وطئها فعلاً فإن الوطء متصور منه([327]).
ثالثاً: نفقة
العدة في الفرقة بالعيب:
ذهب الحنفية إلى أنها ثابتة للزوجة في كل حال، لأنها عدّة من طلاق
بائن من كل وجه فتجب فيها النفقة على الزوج كما يجب عليه المهر، لأن الحنفية
يوجبون النفقة في عدّة الطلاق مطلقاً بائناً كان أم رجعياً، ولأنه لا تسقط نفقة
العدّة عندهم إلا إذا كانت الفرقة بمعصية الزوجة كتقبيلها ابن زوجها أوردتها، وفيما
عدا ذلك فلها النفقة، ثم هي حابسة نفسها بسبب الزوج فتجب نفقتها عليه([328]).
وذهب المالكية والحنابلة والشافعية في الأصح إلى أن لا نفقة لها، لأنهم لا يوجبون النفقة في العدة إلا للمطلقة
رجعياً وهذه بائنة، هذا إذا كانت حائلاً، فإن كانت حاملاً فلها النفقة والسكنى، حفاظاً
على الحمل لأنه ثابت النسب منه.
الفرع الثاني عشر
الفسخ للعيب في قوانين الأحوال الشخصية العربية
تأتي نصوص قوانين الأحوال الشخصية في الدول العربية
مجملة وغير مفصلة ولا تتعرض لكثير من المسائل بما فيها العيب لا سيما في القانون
اليمني كما سنرى، وذلك يحتم على القاضي أن يرجع إلى أقوال الفقهاء لاستبانة هذه
المسائل التي لم يتعرض لها القانون، وأحياناّ كثيرة يكون موقف القاضي صعباً للغاية
لا سيما في اليمن، لأن قانون الأحوال الشخصية اليمني لم ينص على المذهب الذي ينبغي
الرجوع إليه في حالة عدم وجود النص أو عند تفسير النص أو تطبيقه، وبدلاً من ذلك
نصت المادة (349) من قانون الأحوال الشخصية على أنه في (كل ما لم يرد به نص في هذا
القانون يعمل فيه بأقوى الأدلة في الشريعة الإسلامية) كما بيّن القانون المدني
اليمني كيفية تفسير وتطبيق النصوص القانونية وذلك في المادة (18) من القانون
المدني التي نصت على أن (المرجع في تفسير نصوص القوانين وتطبيقها هو الفقه
الإسلامي والمذكرات الإيضاحية والكتب الشارحة الصادرة من الهيئة التشريعية
المختصة) في حين تنص قوانين الأحوال الشخصية في الدول العربية جميعها على المذهب
الذي ينبغي الرجوع إليه عند عدم وجود النص أو عند تطبيق النص، فالقوانين المصري
والسوري والأردني مثلاً تنص على أن المرجع هو القول الراجح في مذهب أبي حنيفة، وقانون
الأحوال الشخصية المغربي (مدونة الأسرة) ينـص في المــادة (400) على أن المرجع هو
المذهب المالكي كما نص القانون الكويتي على أن المرجع هو الفقه المالكي حيث نصت
المادة (343) على أن (كل ما لم يرد له حكم في هذا القانون يرجع فيه إلى المشهور في
مذهب الإمام مالك فإن لم يوجد المشهور طبق غيره فإن لم يوجد حكم أصلاً طبقت
المبادئ العامة في المذهب)، مع أن نصوص هذه القوانين مفصلة أكثر من القانون اليمني،
ومعلوم المشقة التي ستكون على عاتق القاضي والفقيه عند الرجوع إلى كتب الفقه
الإسلامي عامة من دون حدّ أو ضابط لاستفادة أقوى الأدلة منها كما أن الوصول إلى
القول الراجح في الفقه بحاجة إلى شروط ومهارات وإمكانيات لا تتوافر لدى غالبية
المشتغلين في هذا المجال كما ذكر أستاذنا الدكتور/ محمد سليم العوّا والذي أضاف
بأن القول الراجح محل خلاف بين الفقهاء، فما ُيعّد راجحاً لدى طائفة من الفقهاء لا
يعد كذلك عند الطائفة الأخرى.
والآن إلى بيان موقف قوانين الأحوال الشخصية من فسخ
الزواج بسبب العيب وعلى الوجه الآتي:
أولاً:الفسخ
للعيب في قانون الأحوال الشخصية اليمني:
تنص المادة (47) من هذا القانون على أنه(لكل من الزوجين
طلب الفسخ إذا وجد بزوجه عيباً منفراً سواء كان العيب قائماً قبل العقد أو طرأ
بعده ويعتبر عيباً في الزوجين معاً الجنون والجذام والبرص ويعتبر عيباً في الزوجة
القرن والرتق والعفل ويعتبر عيباً في الزوج الخصي والجب والسّل ويسقط الحق في طلب
الفسخ بالرضاء بالعيب صراحة أو ضمناً إلا في الجنون والجذام والبرص وغيرها من
الأمراض المعدية المستعصى علاجها فإنه يتجدد الخيار فيها وإن سبق الرضاء ويثبت
العيب إما بالإقرار ممن هو موجود به أو بتقرير من طبيب مختص).
ويظهر من هذا النص أن القانون اليمني قد أخذ برأي ابن
تيمية وابن القيم وغيرهما الذين ذهبوا إلى عدم حصر العيوب، ولكن القانون وضع
معياراً لما يعد عيباً يجيز الفسخ وذلك حينما اشترط في العيب أن يكون منفراً وفي
المرض أن يكون مستعصياً، كما أن النص لم يشترط في العيب أن يكون قديماً مثلما
اشترط بعض الفقهاء، كما أن هذا النص قد جعل الرضاء بالعيب مسقطاً لخيار الفسخ إلا
في الأمراض المعدية، والفرقة بالعيب في القانون اليمني فسخ وليست طلاقاً كما هو
الحال في القانون المصري كما سنرى، كما أن القانون اليمني قد أخذ بقول الجمهور
الذي أجازوا طلب الفسخ للسليم من الزوجين، وعلى هذا الأساس فإن الفسخ للعيب مقرر في
القانون اليمني للزوجين معاً على خلاف القانون المصري وغيره الذي حصر حق الفسخ
للعيب في الزوجة فقط تطبيقاً لمذهب الحنفية.
ثانياً: فسخ
الزواج للعيب في قانون الأحوال الشخصية المصري:
نظّم قانون الأحوال الشخصية المصري رقم (25) لعام 1920
الفسخ للعيب في المواد 9-11 منه حيث نصت المادة (9) من هذا القانون على أن (للزوجة
أن تطلب التفريق بينها وبين زوجها إذا وجدت به عيباً مستحكماً لا يمكن البرء منه
أو يمكن بعد زمن طويل ولا يمكنها المقام معه إلا بضرر كالجنون والجذام والبرص سواء
أكان ذلك العيب بالزوج قبل العقد ولم تعلم به أم حدث بعد العقد ولم ترض به. فإن
تزوجته عالمة بالعيب أو حدث العيب بعد العقد ورضيت به صراحة أو دلالة بعد علمها
فلا يجوز التفريق)، في حين نصت المادة (10) على أن الفرقة بالعيب طلاق بائن، أما
المادة (11) فقد نصت على أن (يستعان بأهل الخبرة في العيوب التي يطلب فسخ الزواج
من أجلها).
ومن استقراء هذه المواد نجد أن القانون المصري قد أخذ في
التفريق للعيوب بمذهب الحنفية في قصر التفريق على عيوب الزوج فقط دون عيوب الزوجة،
حيث نصّ على ذلك وأغفل النص على غيره مما يتعين معه الرجوع إلى المذهب الحنفي، وهو
يقضي بعدم التفريق لعيوب المرأة.
ولكنه في عدد العيوب المجيزة للفرقة أخذ بمذهب جمهور
الفقهاء مخالفاً في ذلك مذهب الشيخين من الحنفية الذي هو الراجح في المذهب، فقد
ذهب القانون إلى التفريق بكل عيب يستجمع الشروط التالية:
أ-
أن يكون العيب مستحكماً لا يمكن
البرء منه بحال كما في الجب والبرص مثلاً.
ب- أو يمكن البرء
منه ولكن بعد زمن طويل ولا يمكن للزوجة المقام معه على الزوجية إلا بضرر كما في
الجنون المستديم (المطبق) وطبيعي أن الضرر المراد هنا هو الضرر الجسيم أما الضرر
البسيط المحتمل فلا يفرق به.
وفي مسألة العيب الطارئ، أخذ القانون
المصري بمذهب الجمهور الذين يرون التفريق للعيب القديم والعيب الطارئ على العقد
على حد سواء عدا العنة، فإنهم لا يفرقون بالعنة الطارئة على العقد إذا كان الزوج
قد دخل بزوجته مرة واحدة في هذا العقد. إلا أن القانون لم يستثن العنة كما فعلوا
بل ساوى بينها وبين غيرها من العيوب مخالفاً في ذلك رأي جمهور الفقهاء، وقد تقدم
تفصيل مذاهبهم في ذلك([329]).
أما مسألة الرضا بالعيب من قبل
الزوجة صراحة أو دلالة فإنه سار فيه وفق مذهب جمهور الفقهاء، واعتبر هذا الرضا من
قبل الزوجة مسقطاً لحقها في طلب الفرقة.
وأما التأجيل في العيوب فلم يتعرض
له القانون، ومعنى ذلك لزوم الرجوع فيه إلى الراجح من مذهب الحنفية وهو يقضي هنا
بالتأجيل للعنة فقط مدة سنة من تاريخ الخصومة.
كما يقضي القانون هنا بلزوم الرفع إلى القاضي وعدم جواز
التفريق من قبل المرأة قبل ذلك، وهو قول الجمهور.
ثم إن ما نصت عليه المادة(11) من أن
الفرقة بالعيب طلاق بائن فهو أخذ بمذهب الحنفية والمالكية خلافاً للشافعية
والحنابلة الذين يرون الفرقة هنا فسخاً لا طلاقاً.
أما النص على الاستعانة بأهل الخبرة
في تعيين العيوب والتثبت منها فهو مبدأ سليم لا تنافيه أحكام الشريعة ولا آراء
المذاهب فيها، فإن كل ما نص عليه الفقهاء في هذا المجال إنما هو رجوع
منهم إلى ما كان شائعاً في عصرهم من وسائل لا يعرفون غيرها، أما الآن وقد تقدم
العلم فلا مناص من إتباع وسائله في ذلك.
ثالثا:فسخ الزواج
للعيب في قانون الأحوال الشخصية السوري:
تضمن هذا القانون رقم (59) لعام 1953م أحكام الفسخ للعيب
في المواد 105-108 حيث نصت المادة (105) على أن (للزوجة طلب التفريق بينها وبين
زوجها في الحالتين التاليتين:
1- إذا كان فيه
إحدى العلل المانعة من الدخول بشرط سلامتها هي منها.
2- إذا جن الزوج
بعد العقد).
أما المادة (106) فقد نصت على أن (يسقط حق المرأة في طلب
التفريق بسبب العلل المبينة في المادة السابقة إذا علمت بها قبل العقد، أو رضيت
بها بعده، على أن حق التفريق بسبب العنة لا يسقط بحال) كما نصت المادة (107) على
أنه (إذا كانت العلل المذكورة في المادة "105" غير قابلة للزوال يفرق
القاضي بين الزوجين في الحال، وإن كان زوالها ممكناً يؤجل الدعوى مدة مناسبة لا
تتجاوز السنة، فإذا لم تزل العلّة فرّق بينهما) في حين نصت المادة (108) على أن
(التفريق للعلة طلاق بائن).
ومن استقراء هذه المواد نجد أن القانون السوري قد ذهب
إلى عدم التفريق إلا بالعلل الجنسية الموجودة بالرجل مضافاً إليها جنونه، وذلك
أخذاً بالراجح من مذهب الحنفية باستثناء الجنون الذي لم يقل به غير محمد بن الحسن،
وذلك خلافاً للجمهور الذين يرون التفريق لهذه العيوب ولغيرها، يستوي في ذلك عيب
الرجل وعيب المرأة.
ثم إن القانون السوري اشترط للتفريق
هنا سلامة الزوجة خلافاً للجمهور. كما أخذ بمبدأ أن الرضا يسقط الحق في الخيار
جرياً على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء في ذلك، مستثنياً العنة، فإن الرضا بها لا
يسقط حق المرأة في الخيار بحال لديه. وفي هذا مخالفة صريحة لما ذهب إليه الجمهور، لا
سيما عندما يكون الرضا بالعنة صريحاً من المرأة([330]).
وما ذهب القانون السوري إليه في المادة (107) من التأجيل
في العيوب القابلة للزوال مأخوذ من مذهب المالكية، لأن الحنفية لا يؤجلون إلا في
العنة فقط.
ثم إن القانون السوري ذهب إلى أن مدة التأجيل أقصاها سنة
بحيث يجوز للقاضي أن يؤجل مدة أدنى منها إذا رأى ذلك، وهو مسلك يخالف ما عليه
جمهور الفقهاء، حيث اشترطوا التأجيل سنة كاملة ولم يتركوا للقاضي خياراً في ذلك.
وأما ما ذهب إليه القانون من أن
التفريق للعلّة طلاق بائن فهو مذهب الحنفية والمالكية كما تقدم، خلافاً للشافعية
والحنابلة الذين يرون الفرقة هنا فسخاً لا طلاقاً.
رابعاً:فسخ
الزواج للعيب في قانون الأحوال الشخصية الكويتي:
تنص المادة (139) من هذا القانون على
أنه(لكل من الزوجين أن يطلب فسخ الزواج إذا وجد في الآخر عيباً مستحكماً من العيوب
المنفرة أو المضرة والتي تحول دون الاستمتاع سواءً كان العيب موجوداً قبل العقد أم
حدث بعده ويسقط حق كل منهما في الفسخ إذا علم بالعيب قبل العقد أو رضي به صراحة
بعده)، ونجد من هذا النص أن القانون الكويتي قد أضاف ضوابط ومعايير كثيرة للعيب
الذي يفسخ الزواج بسببه أكثر مما ورد في القانون اليمني في هذا الشأن ومن ذلك أن
يكون العيب مضراً، أما المادة (140) فقد نصت على أنه (استثناءً من المادة السابقة
لا يسقط حق الزوجة في طلب الفسخ بسبب عيوب الرجل التي تحول دون الاستمتاع كالعنة
أصلية أو طارئة ولــو رضيت بها صراحـة)، في حـين نصت المـادة (141) على أنه (إذا
كانت العيوب المذكورة غير قابلة للزوال تفسخ المحكمة الزواج في الحال وإن كان
زوالها ممكناً تؤجل القضية مدة مناسبة فإذا لم يزل العيب خلالها وأصّر طالب الفسخ
حكمت به المحكمة)، وفي السياق ذاته تنص المادة (142) على أنه(يستعان بأهل الخبرة
من الأطباء المسلمين في تحديد المدة المناسبة وفي معرفة العيوب التي يطلب الفسخ
بسببها) والمقصود بالمدة المناسبة في هذا النص مدة تأجيل القضية أو البت في دعوى
الفسخ للتثبت من إمكانية زوال العيب.
خامساً:فسخ
الزواج للعيب في قانون الأحوال الشخصية الأردني:
تنص المادة (113) من هذا القانون على أن (للمرأة السالمة
من كل عيب يحول دون الدخول بها أن تراجع القاضي وتطلب التفريق بينها وبين زوجها
إذا علمت أن فيه علة تحول دون بنائه بها كالجب والعنة والخصاء ولا يسمع طلب المرأة
التي فيها عيب من العيوب كالرتق والقرن) ويظهر من هذا النص أنه قد أخذ بقول
الفقهاء الذين اشترطوا سلامة الزوج الذي يطلب الفسخ من العيوب، في حين نصت المادة
(114) على أن (الزوجة التي تعلم قبل عقد الزواج بعيب زوجها المانع من الدخول أو
التي ترضى بالزوج بعد الزواج مع العيب الموجود يسقط حق اختيارها ما عدا العنّة فإن
الاطلاع عليها قبل الزواج لا يسقط حق الخيار).
وفي السياق ذاته تنص المادة (115) على أنه (إذا راجعت
الزوجة القاضي وطلبت التفريق لوجود العيب ينظر، فإن كانت العلة غير قابلة للزوال
يحكم بالتفريق بينهما في الحال وإن كانت قابلة للزوال كالعنة يمهل الزوج سنة من
يوم تسليمها نفسها له أو من وقت برء الزوج إن كان مريضاً، وإذا مرض أحد الزوجين
أثناء الأجل مدة قليلة كانت أو كثيرة بصورة تمنع من الدخول أو غابت الزوجة فالمدة
التي تمر على هذا الوجه لا تحسب من مدة الأجل، لكن غيبة الزوج أيام الحيض تحسب، فإذا
لم تزل العلة في هذه المدة وكان الزوج غير راض بالطلاق والزوجة مصرة على طلبها
يحكم القاضي بالتفريق، فإذا ادعى في بدء المرافعة أو في ختامها الوصول إليها ينظر،
فإذا كانت الزوجة ثيباً فالقول قول الزوج مع اليمين وإن كانت بِكْرّاً فالقول
قولها بلا يمين)، ويظهر من هذا النص أنه قد تضمن كثيراً من مسائل الفسخ للعيب التي
تناولها الفقهاء ويظهر أن التفصيل ميزة يمتاز بها القانون الأردني، أما المادة
(116) فقد نصت على أنه (إذا ظهر للزوجة قبل الدخول أو بعده أن الزوج مبتلى بعلة
ومرض لا يمكن الإقامة معه بلا ضرر كالجذام أو البرص، أو السل أو الزهري، أو طرأت
مثل هذه العلل والأمراض فلها أن تراجع القاضي وتطلب التفريق، والقاضي بعد
الاستعانة بأهل الخبرة والفن ينظر فإن كان لا يوجد أمل بالشفاء يحكم بالتفريق
بينهما في الحال، وإن كان يوجد أمل بالشفاء أو زوال العلة يؤجل التفريق سنة واحدة،
فإذا لم تزل بظرف هذه المدة ولم يرض الزوج بالطلاق وأصرت الزوجة على طلبها يحكم
القاضي بالتفريق أيضاً. أما وجود عيب كالعمى والعرج في الزوج فلا يوجب التفريق).
في حين نصت المادة (117) على أن (للزوج حق طلب فسخ عقد
الزواج إذا وجد في زوجته عيباّ جنسياً مانعاً من الوصول إليها كالرتق والقرن أو
مرضاً منفرّاً بحيث لا يمكن المقام معها عليه بلا ضرر ولم يكن الزوج قد علم به قبل
العقد أو رضي به بعده صراحة أو ضمنّاً) وفي سياق ذكر تفاصيل ومسائل الفسخ للعيب
نصت المادة (118) على أن (العلل الطارئة على الزوجة بعد الدخول لا تسمع فيها دعوى
طلب الفسخ من الزوج)، أما المادة (119) فقد بينت كيفية إثبات العيب المجيز للفسخ
حيث نصت على أن (يثبت العيب المانع من الدخول في المرأة أو الرجل بتقرير من
القابلة أو الطبيب مؤيد بشهادتهما)، والمقصود بعبارة "مؤيد بشهادتهما"
شهادة القابلة أو الطبيب اللذين شاهدا وعاينا العيب ولا يقصد بذلك شهادة المرأة أو
الرجل كما يفهم بعض الشراح لأنه لا يجوز للشخص أن يشهد على فعل نفسه.
سادساً:فسخ
الزواج للعيب في قانون الأحوال الشخصية القطري:
تنص المادة (130) من هذا القانون على أن (لكل من الزوجين
طلب التفريق لعيب أو مرض مستحكم، يتعذر معه استمرار الحياة الزوجية، ولا يرجى برؤه
أو يرجى بعد مضي أكثر من سنة، عقليّاً كان المرض أو عضويّاً أصيب به قبل العقد أو
بعده)، في حين تنص المادة (131) على أن (يسقط الحق في طلب التفريق للعيب أو المرض
إذا علم به قبل العقد أو رضي به صراحة بعده) أما المادة (132) فتنص على
أنه(استثناءً من حكم المادة (131) من هذا القانون لا يسقط حق الزوجة في طلب
التفريق بسبب عيوب الرجل كالعنة أو الخصاء أصلية أو طارئة ولو رضيت بها صراحة) وفي
هذا السياق تنص المادة (133) على أنه (إذا ثبت بالكشف الطبي أن العُنّة لا يُرجى
منها الشفاء أو يرجى منها الشفاء بعد أكثر من سنة فتفرق المحكمة بينهما بطلبها من
غير تأجيل الدعوى، وإذا ثبت بالكشف الطبي أن العنة قابلة للشفاء في أقل من سنة
فيؤجل القاضي الدعوى لمدة سنة على أن تبقى الزوجة في طاعة زوجها)، في حين تنص
المادة (134) على أنه (إذا ثبت بعد مدة التأجيل أن الزوج قد شفي من مرضه فترفض
الدعوى وإلا فرق بينهما) أما المادة (135) فقد نصت على أن (يستعان بأهل الخبرة من
الأخصائيين في معرفة العيب أو المرض) في حين نصت المادة (136) على أن (التفريق
للعيب أو المرض يعتبر فسخاً).
ومن استقراء هذه النصوص يظهر أن القانون قد أخذ بأقوال
الشافعية والحنابلة والمالكية في أحكام الفسخ للعيب أو المرض.
سابعاً:فسخ
الزواج للعيب في مدوّنة الأسرة (قانون الأحوال الشخصية المغربي):
في هذا الشأن تنص المادة (107) على أن (تعتبر عيوباً
مؤثرة على استقرار الحياة الزوجية وتخوّل طلب إنهائها الآتي:
(1) العيوب المانعة
من المعاشرة الزوجية.
(2) الأمراض
الخطيرة على حياة الزوج الآخر أو على صحته التي لا يرجى الشفاء منها خلال سنة).
ويظهر بجلاء تام من هذا النص عدم حصر العيوب أو حتى ذكرها حيث اكتفى القانون بذكر
معايير وضوابط هذه العيوب كالحيلولة دون المعاشرة أو أنه لا يرجى الشفاء منها أو
أنها خطرة ومضرّة بالزوج السليم أو تأثيرها على استقرار الحياة الزوجية، وهذا
المسلك يوافق ما ذهب إليه ابن تيميه وتلميذه ابن القيم.
أما المادة (108) فقد بينت شروط طلب الفسخ بسبب العيب
حيث نصت على أنه (يشترط لقبول طلب أحد الزوجين إنهاء علاقة الزوجية للعيب الآتي:
1- ألا يكون
الطالب عالماً بالعيب حين العقد.
2- ألا يصدر من
الطالب ما يدل على الرضا بالعيب بعد العلم بتعذر الشفاء).
في حين بينت المادة (109) أثر الفسخ
على المهر حيث نصت هذه المادة على أنه (لا صداق في حالة التطليق للعيب عن طريق
القضاء قبل الدخول ويحق للزوج بعد الدخول أن يرجع بقدر الصداق على من غرر به أو
كتم عنه العيب قصداً) أما المادة (110) فقد بينت مقدار المهر المستحق للزوجة إذا
تم فسخ الزواج بسبب العيب قبل الدخول بها حيث نصت هذه المادة على أنه ( إذا علم
الزوج بالعيب قبل العقد وطلق قبل الدخول لزمه نصف الصداق) في حين بينت المادة
(111) كيفية إثبات العيب حيث نصت هذه المادة على أن (يستعان بأهل الخبرة من
الأخصائيين في معرفة العيب أو المرض).
ثامناً:فسخ
الزواج للعيب في قانون الأحوال الشخصية بدولة الإمارات العربية المتحدة:
تنص المادة (112) من هذا القانون على أنه ("1-إذا
وجد أحد الزوجين في الآخر علة مستحكمة من العلل المنفرة أو المضرة كالجنون والبرص
والجذام أو التي تمنع حصول المتعة الجنسية كالعنة والقرن ونحوهما جاز له أن يطلب
فسخ الزواج سواءً أكانت تلك العلة موجودة قبل العقد أم حدثت بعده."2-يسقط حقه
في الفسخ إذا علم بالعلة قبل العقد أو رضي بها بعده صراحة أو دلالة."3-على أن
حق الزوجة في طلب الفسخ للعلة المانعة من المتعة الجنسية لا يسقط بحال.
"4-تنظر المحكمة دعوى فسخ الزواج للعلل الجنسية في جلسة سرية)، في حين نصت
المادة (113) على أنه (إذا كانت العلل المذكورة في المادة (112) من هذا القانون
غير قابلة للزوال تفسخ المحكمة الزواج في الحال دون إمهال وإن كان زوالها ممكنا
تؤجل المحكمة القضية مدة مناسبة لا تتجاوز سنة فإذا لم تزل العلة خلالها وأصر طالب
الفسخ فسخت المحكمة الزواج)، أما المادة (114) فقد ذكرت الحالات التي يجوز فيها
الفسخ للعيب أو المرض حيث نصت هذه المادة (لكل من الزوجين حق طلب التفريق في
الحالات الآتية:"1- إذا حصل تغرير من الزوج الآخر أو بعلمه أدى إلى إبرام عقد
الزواج ويعتبر السكوت عمداً عن الواقعة تغريراً إذا ثبت أن من غرر به ما كان ليبرم
عقد الزواج لو علم بتلك الواقعة. "2- إذا ثبت بتقرير طبي عقم الزوج الآخر بعد
زواج دام خمس سنوات وبعد العلاج الطبي وشرط عدم وجود أولاد لطالب الفسخ وأن لا
يتجاوز عمره أربعين سنة. "3- إذا حكم على الآخر بجريمة الزنا وما في حكمها.
"4- إذا ثبت إصابة الآخر بمرض معدٍ يخشى منه الهلاك كالإيدز وما في حكمه فإن
خشي انتقاله للزوج الآخر أو نسلهما وجب على القاضي التفريق بينهما)، أما المادة(115)
فقد بينّت وسيلة إثبات العيب ونوع الفرقة حيث نصت على أنه ("1- يستعان بلجنة
طبية مختصة في معرفة العيوب التي يطلب التفريق من أجلها. "2- التفريق في هذا
الفصل فسخ)، ويلاحظ أن القانون الإماراتي قد نص على أن العقم عيباً كما أنه أجاز
الفسخ للتدليس.
تاسعاً:فسخ
الزواج للعيب في قانون الأحوال الشخصية بسلطنة عمان:
تنص المادة (98) من هذا القانون على أن ("أ- لكل من
الزوجين طلب التطليق لعلة في الآخر يتعذر معها استمرار الحياة الزوجية ولا يرجى
منها برء أو يرجى بعد مضي أكثر من سنة عقلية كانت العلة أو عضوية أصيب بها قبل
العقد أو بعده. "ب- إذا كانت العلة يرجى منها برء قبل مضي سنة تعطي المحكمة
للمعتل أجل سنة قبل التطليق) في حين نصت المادة (99) على أن (يستعان بأهل الخبرة
من الأخصائيين في معرفة العلة).
عاشراً:فسخ
الزواج للعيب في قانون الأحوال الشخصية العراقي:
تنص المادة (43) من هذا القانون على أنه:
أولاًً: للزوجة طلب التفريق عند توفر أحد الأسباب التالية:
1) إذا حكم على
زوجها بعقوبة مقيدة للحرية مدة ثلاث سنوات فأكثر، وإن كان له مال تستطيع الإنفاق
منه.
2)
إذا كان هجر زوجته مدة سنتين فأكثر بلا عذر مشروع وإن
كان الزوج معروف الإقامة، وله مال تستطيع الإنفاق منه.
3) إذا لم يطالب الزوج زوجته غير المدخول بها للزفاف خلال سنتين من تاريخ
العقد، ولا يعتد بطلب الزواج زفاف زوجته إذا لم يكن قد أوفى بحقوقها الزوجية.
4) إذا وجدت زوجها
عنيناً أو مبتلى بما لا يستطيع معه القيام بالواجبات الزوجية سواءً كان ذلك لأسباب
عضوية أو نفسية أو إذا أصيب بذلك بعد الدخول بها وثبت عدم إمكان شفائه منها بتقرير
صادر عن لجنة طبية رسمية مختصة، على أنه إذا وجدت المحكمة أن سبب ذلك نفسي فتؤجل
التفريق لمدة سنة واحدة شريطة أن تمكن زوجها من نفسها خلال السنة.
5) إذا كان الزوج عقيماً أو ابتلي بالعقم بعد الزواج ولم يكن لها ولد منه على
قيد الحياة.
6) إذا وجدت بعد
العقد أن زوجها مبتلى بعلة لا يمكن معها معاشرته بالضرر كالجذام أو البرص أو
الزهري أو الجنون أو أن قد أصيب بعد ذلك بعلة من هذه العلل أو ما يماثلها على أنه
إذا وجدت المحكمة بعد الكشف الطبي أن العلة يؤمل زوالها فتؤجل التفريق حتى زوال
تلك العلة، وللزوجة أن تمتنع عن الاجتماع بالزوج طيلة مدة التأجيل، أما إذا وجدت
المحكمة أن العلة لا يؤمل زوالها خلال مدة مناسبة وامتنع الزوج عن الطلاق وأصرت
الزوجة على طلبها فيحكم القاضي بالتفريق.
7)
إذا امتنع الزوج عن الإنفاق عليها دون عذر مشروع بعد
إمهاله مدة أقصاها ستون يوماً.
8) إذا تعّذر
تحصيل النفقة من الزوج بسبب تغيبه أو فقده أو اختفائه أو الحكم عليه بالحبس مدة
تزيد على سنة.
9) إذا امتنع
الزوج عن تسديد النفقة المتراكمة المحكوم بها عليه بعد إمهاله مدة أقصاها ستون
يوماً من قبل دائرة التنفيذ.
ثانيا: للزوجة الحق في طلب التفريق قبل الدخول وفي هذه الحالة على المحكمة أن تقضي
بالتفريق بعد أن ترد الزوجة ما قبضته من مهر وجميع ما تكبده زوجها من أموال ونفقات
ثابتة صرفها لأغراض الزواج.
ثالثاً: "أ- للزوجة العراقية طلب التفريق عن زوجها المقيم
خارج القطر بسبب تبعية جنسيته لدولة أجنبية إذا مضى على إقامته في الخارج مدة لا
تقل عن ثلاث سنوات بسبب منعه أو امتناعه عن دخول القطر.
"ب- يعتبر تأييد الجهة الرسمية المختصة بإقامة
الزوج في الخارج لأغراض هذه الفقرة بديلاً عن إجراءات تبليغه بلائحة الدعوى وموعد
الموافقة على أن يتم نشر الحكم الصادر على الزوج في إحدى الصحف المحلية.
الفرع الثالث عشر
أحكام القضاء بشأن فسخ الزواج بسبب العيب
أولاً: المحكمة العليا باليمن:
قررت الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلسة
16/5/2002م في الطعن الشخصي رقم (182) لسنة 1422هـ (أن محكمة أول درجة قررت العجز
عن الوطء من الزوج إضافة إلى أنه لا تناكر حول ذلك كما أن الشعبة الشخصية باستئناف
الحديدة توصلت إلى نفس النتيجة وحكمت بفسخ عقد نكاح المدعية من زوجها المدعى عليه
وذلك هو الذي يمكن أن يقال إلا أن ما حكمت به محكمة الاستئناف شابه قصور من حيث أن
مدعية الفسخ لم تتلفظ به في مجلس القضاء بلفظ الفسخ المعتبر ثم تحكم بصحة فسخها، وذلك
إعمالاً للقواعد والمادة (44) من قانون الأحوال الشخصية).
ثانياً: الأحكام
الصادرة عن القضاء المصري
(1) من المقرر
فقهاً وقضاءً أن الأمراض التي وردت في سياق نص المادة التاسعة من القانون رقم (25)
لسنة 1920م إنما هي على سبيل المثال لا الحصر، ولذلك فهي تتسع لأي مرض آخر لا يمكن
البرء منه. أو يمكن البرء منه بعد أمد طويل ولا يمكن للزوجة المقام مع زوجها إلا
بضرر كالسل الرئوي والزهري أو غير ذلك من الأمراض.
"محكمة القاهرة الابتدائية في 8/4/1985م في القضية رقم 3002
لسنة 1956م كلي"
(2) تقدير وجود
العيب المستحكم بالزوج ومدى علم الزوجة به ورضاها مع وجود العيب صراحة أو دلالة من
سلطة محكمة الموضوع دون رقابة محكمة النقض متى قام قضاؤها على أسباب سائغة.
"نقض 18/5/1982م
الطعن (10) لسنة 1951م".
(3) قعود المدعية
عن رفع دعوى التطليق لإصابة الزوج بالجنون مدة عامين لا يعتبر رضاً منها بالعيب
الذي أصاب زوجها إذ أنها كما قالت في عريضة دعواها كانت تأمل شفاءه وترجو برءه
ليعود إليها ويستأنفا حياتهما الزوجية وليس الرجاء والأمل في الشفاء من الرضا
بالعيب، فضلاً عن أن التعجيل برفع الدعوى عقب المرض مباشرة يتنافى مع ما يجب أن
تتحلى به الزوجة الصالحة من وفاء وإخلاص.
"محكمة الاسكندرية
الابتدائية في 4/1/1985م في القضية رقم(256) لسنة 1957م كلي".
(4) أنه تبين من قرار المجلس الحسبي أن زوجها المحجوز عليه قد حدث به عيب هو
مرض الجنون المطبق وأن وكيلها حينئذ طلب تعيين المدعية قيمة عليه ورأى المجلس
تعيين المدعى عليه قيماً وحيث أن هذا يدل على أن المدعية وقد حدث عيب الجنون
المطبق بزوجها قد علمت ورضيت بذلك العيب رضاءً جعلها تطلب بلسان وكيلها تعيينها
قيمة عليه بصفتها زوجة له وأيد ذلك الرضى أنها مكثت بجواره نحو تسع سنين لم تطلب
التفريق بينها وبين زوجها لحدوث الجنون به وأيدت ذلك المدعية وأقرت به أمام
المحكمة حيث ذكرت أن سبب طلبها الطلاق أنها لا ترغب في الطلاق لذاته بل لأن المدعى
عليه بصفته قيماً على زوجها لم يؤد النفقة الأداء الذي ترتاح إليه نفسها وقدرت أنه
لو أراحها في أداء النفقة لم تكن لتطلب الطلاق وحيث أن المادة التاسعة من قانون 25
لسنة 1920م قد نصت على أنه لا يجوز التفريق إذا حدث بالزوج عيب كالجنون وعلمت
الزوجة ثم رضيت به صراحة أو دلالة بعد العلم به وحيث أن رضاء المدعية بذلك العيب
بعد العلم به ثابت دلالة وصراحة بما تبين من قرار المجلس الحسبي وبما قررته
المدعية نفسها أمام هذه المحكمة.
"محكمة مغاغة الشرعية
25/1933م المحاماة الشرعية س6ص754([331])"
(5) إذا كانت
العملية الجراحية التي أجريت للطاعن بحيث أصبح معها قادراً على إتيان زوجته بما
ينفي عنه عيب العنة إلا إن أصابته بعيب آخر من شأنه أن يجعل الوقاع شاذاً لا يتحقق
به أحد مقصدي النكاح ويلحق بالزوجة آلاماً عصبية ونفسية فضلاً عن أنه يعرضها
للإصابة بأمراض عصبية وجنسية أبان عنها الخبير المنتدب وكان من شأن هذا التدخل
الجراحي استقرار حالة العيب لدى الطاعن بما يجعله عيباً مستحكماً لا يمكن البرء
منه وينتفي موجب التأجيل الذي اشترطه الحنفية للحكم بالتطليق لعيب العنة.
"نقض 23/6/1981م طعن
13 س 50 ق"
(6) وحيث أن
التقرير الطبي يدل على أن الزوج عنده حالة جنون ناشئة عن تعاطي مواد مخدرة وأنه لا
يمكن الآن معرفة ما إذا كان سيشفى من هذه الحالة التي عنده أولا، ولا معرفة ما إذا
كانت حالته تتحسن من العلاج أو لا تتحسن، وحيث أنه يخلط في كلامه بين بعض
الموضوعات وبعضها الآخر، وحيث أن المادة التاسعة تجيز التفريق بين الزوجين إذا كان
بالزوج عيب مستحكم لا يمكن البرء منه أو يمكن بعد زمن طويل، وبما أن الزوجة لا
يمكنها المقام معه إلا بضرر وحيث أن التقرير يدل على أن الحالة التي يعاني منها
هذا الزوج تستوجب التفريق بينه وبين الزوجة عملاً بالمادة التاسعة من ق25/1920([332]).
"محكمة القاهرة
الابتدائية 19/10/1957م في القضية رقم 148 لسنة 1957م كلي).
(7) حكمت محكمة
شربين الشرعية المنعقدة في 27 محرم سنة 1345هـ 8أغسطس سنة 1926م في القضية الآتية:
أدعت المدعية على المدعى عليه دعوى طلبت الحكم لها عليه
بالتفريق بينهما "لأنه عنين" لا قوة له على إتيان النساء إلى آخر ما جاء
بالدعوى، والمدعى عليه اعترف بالزوجية وأنكر ما عدا ذلك من باقي وقائع الدعوى..
والمحكمة قررت أخيراً إحضار المدعية لعرضها على النساء، وفعلاً حضرت وعرضت على
امرأة ومكنت من الاختلاء بها للكشف عليها، وبعد أن اختلت بها وعادت إلى المحكمة
التي طلبت منها حلف اليمين الشرعية، وقالت: أنها اطلعت على المدعية فوجدتها ثيباً
وحلف المدعى عليه اليمين الشرعية على ما أنكره، حيث ادعت المدعية دعواها المذكورة
وطلبت التفريق بينها وبين المدعى عليه، حيث أقر المدعى عليه بالزوجية وأنكر ما عدا
ذلك، وحيث أثبتت المدعية أن المدعى عليه دخل بها بشهادة شاهدين، وحيث عرضنا
المدعية على امرأة من النساء وقررت أنها اختلت بها وكشفت عليها وشهدت بأنها ليست
بكراً، وحيث أن الحكم الشرعي يقضي بأن الزوجة إذا طلبت التفريق لأن زوجها عنين
وادعت أنه لم يصل إليها وأنها لا تزال بكراً، فإن القاضي يريها للنساء فإذا قررن
أنها ليست بكراً ترفض دعواها بعد أن يحلف الزوج اليمين على أنه وصل إليها...ولهذا
قرر القاضي رفض الدعوى التي أقامتها المدعية..
وتم استئناف هذا الحكم فأيدته محكمة الاستئناف لصحة
أسبابه([333]).
"مجلة القضاء الشرعي س4 ص443".
(8) قضى بأنه لما
كان الثابت من الحكم المطعون فيه أنه قد تبين من تقرير الطبيب الشرعي أن المطعون
عليها ما زالت بكراً تحتفظ بمظاهر العذرية التي ينتفي معها القول بحدوث وطء وأن
الطاعن قد خلا من أسباب العنة العضوية الدائمة إلا أن ما به من عيب قد يكون ناتجاً
عن عوامل نفسية، وعندئذ تكون عنته مؤقتة يمكن زوالها بزوال بواعثها مما يمهد
للشفاء واسترجاع القدرة على الجماع، فإن الحكم إذا قضى بالتفريق على سند من قيام
العنة النفسية به دون إمهال يكون قد خالف القانون ولا يشفع في ذلك تقريره إن عجز
الطاعن عن الوصول إلى زوجته المطعون عليها، استمر لأكثر من سنة قبل رفع الدعوى لأن
مناط تحقيق عيب العنة المسوغ للفرقة عند الحنفية ليس بمجرد ثبوت عجز الزوج عن
الوصول إلى زوجته بل استمرار هذا العجز طيلة السنة التي يؤجل القاضي الدعوى إليها
بالشروط السابقة([334]).
(9) قضى بأن المقرر
في مذهب أبي حنيفة أن من شرائط إباحة التطليق للزوجة بسبب العنة ألا يكون زوجها قد
وصل إليها في النكاح، فإن كان قد وصل إليها ولو مرة واحدة لم يثبت هذا الحق لأن
حقها إنما هو أن يباشرها مرة واحدة وقد استوفته، وما زاد لا يؤثم به قضاء بل ديانة،
فإن ما قرره الأحناف من أن القول للزوج بيمينه إذا وجدت الزوجة ثيباً أو كانت
ثيباً من الأصل قاصر عندهم على العيب الذي يتبين بالزوج قبل الدخول وقبل الوصول
إلى زوجته دون العيب الحادث بعد الدخول لأن هذا النوع الأخير لا يثبت به خيار
العيب عندهم وعلى خلاف هذا المذهب أجازت المادة التاسعة من القانون رقم (25) لسنة
1920م التطليق للعيب الحادث بعد الدخول دون أن توجب يميناً على الزوج([335]).
(10) بعد عام واحد
من زواج خالد من غالية وصلت حياتهما الزوجية إلى مفترق الطرق بسبب كثرة المشاكل
بينهما الأمر الذي دفع الزوجة إلى ترك منزل الزوجية والانتقال إلى منزل أهلها، بعد
أن رأت أن الحل الوحيد لمشاكلها معه هو أبغض الحلال، لكن الزوجة فوجئت بعد أيام
عدة بمندوب المحكمة يسلمها دعوى الطاعة المقامة ضدها من قبل زوجها، وذهبت على
إثرها في اليوم المحدد، ووقفت أمام القاضي
ودموعها تسبق كلماتها، وبعدما استجمعت قواها نطقت بعبارة واحدة: "لا أريد
العيش مع زوجي". إلا أن محكمة أول درجة حكمت بإلزامها بالدخول في طاعة زوجها،
وذكرت أن الزوج وفّر لها مسكناً ملائماً ومتفقاً مع مركزه الاجتماعي والمالي من
حيث بنائه ومحتوياته، ومن ثم فليس للزوجة أن تمنع نفسها، فإن فعلت كان له الحق
بإلزامها بالطاعة وهو حق خوّله الشرع والقانون.
استأنفت الزوجة هذا الحكم أمام
محكمة الاستئناف وفجرت مفاجأة إذ قالت: " لكثرة أسفار زوجي بين بلدان العالم
بحكم وظيفته، نقل إليّ أمراضاً جنسية، وقد اضطررت لإجراء عملية جراحية بعد أن
أبلغني الأطباء أن المرض انتقل إليّ من زوجي"....
وأحالت محكمة الاستئناف الزوجين إلى الطب الشرعي لفحصهما
وللوقوف على أسباب إصابة الزوجة بالأمراض التي ذكرتها، وعما إذا كانت تحدث وفق
أقوالها وتصورها.
وبالنسبة للزوج فلا توجد طريقة مخبرية قاطعة لإثبات
إصابته بالفيروس، خاصةّ أنه لم تظهر عليه أي علامات جلدية في الأعضاء التناسلية، وقد
أخذت منه مسحة من مجرى البول ومزرعة لأنواع البكتيريا العامة بما فيها جرثومة
السيلان والأمراض التي تنقل عن الطريق الجنسي مثل "الكلاميديا"
و"الميكروبلاسما" و"البوربلاسما" وتبين أنه خال من هذه
الأمراض. وبعد ورود التقرير الطبي ناقشت المحكمة الزوجين، فأكدت الزوجة أن المرض
انتقل إليها عن طريق زوجها وكان ذلك أحد أسباب عدم دخولها الطاعة، لذا لا ترغب
بالعيش معه أبداً، وأنها تفضل أن تبقى ناشزاً على أن ترجع إلى عصمته، وأفادت بأنها
قد أجرت عملية استئصال لجزء من عنق الرحم نتيجة لذلك المرض، أما الزوج فقرر أنه
يرغب باسترجاع زوجته واستمرار الحياة الزوجية بينهما، وقضت المحكمة بتأييد الحكم
الابتدائي وعدم قبول دعوى الزوجة لأن التقرير الطبي لم يثبت المرض المدعى به ولأن
الزوج لم يقر بأنه مريض بالمرض المدعى به.
(11) أن التفريق
للعيب في الرجل قسمان: قسم كان معمولاً به بمقتضى مذهب الإمام أبي حنيفة، وهو
التفريق للعيوب التي تتصل بقربان الرجل لأهله، وهي عيوب الجب والخصاء والعنّة وهو
باق على الحكم فيه ووفقه. وقسم جاء به القانون وزاد عليه ما كان معمولاً به، وهو
التفريق لكل عيب مستحكم لا تعيش معه الزوجة إلا بضرر، والعقم لا يؤثر على قربان
الزوج لزوجته، فلا يندرج ضمن العيوب التناسلية التي يجيز فقهاء المذهب الحنفي طلب
التطليق من أجلها، ذلك لأن العيوب الثلاثة سالفة الذكر ينتفي معها المقصود الأصلي
للزواج، وهي غير قابلة للزوال، وتفوت على الزوجة حقها في الوطء، بخلاف العقم الذي
لا يحول دون ذلك.
وباستقراء نصوص الشريعة الغرّاء يتبين أن المقصود ليس هو
مجرد التناسل وإلا لما صح زواج الآيسة، وعدم وجود الذرية لا يمنع من أن يكون كل من
الزوجين سكناً للآخر، ولا يحول بين قيام المودة والتراحم بينهما، وإن كان يترتب
على الزواج كنظام في الجملة، التناسل وحفظ بقاء النوع البشري، إلا أن الرزق
بالذرية هبة من الله تعالى، ومظهر القدرة الإلهية في المنح والمنع والعطاء، والحرمان،
فلا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، مهما كانت السلامة الجسدية للزوجين أو
سقامتهما باعتبار أن الذرية هبة من الله تعالى تدل على قدرته، لقوله تعالى ]لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء
إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور*أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً* ويجعل من يشاء عقيماً إنه
عليم قدير[ ([336])، فلا يعد عدم الرزق بالأولاد في ذاته عيباً، فلا يجوز
أن يتخذ سبباً للتطليق إلا إذا اقترن بعيب آخر، لا يمكن للزوجة المقام معه إلا
بضرر، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر بقضائه بتطليق
المطعون ضدها على سند من أنه عقيم، فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه([337]).
ثالثاً: أحكام
محكمة التمييز العراقية:
(1) ادعت المدعية
(س) لدى محكمة الشرعية بأن المدعى عليها زوجها (ع) الداخل بها وقد تزوجها قبل أربع
سنوات إضافة إلى زوجته الأولى بقصد البناء وحيث أنه غير قادر على البناء رغم مرور
هذه المدة الطويلة على حياتهما الزوجية طلبت الحكم بالتفريق بينهما وفقاً للمادة
(44) ف (1) من قانون الأحوال الشخصية وتحميله المصاريف.
ولإقرار المدعى عليه بزوجيته من المدعية وبزوجتيه من
الزوجة الأخرى ولتقرير اللجنة الطبية المبين فيه كون المدعى عليه لا يستطيع
الإنجاب في الوقت الحاضر ويمكن أن ينجب ذرية بعد تداويه.
لذا فقد قررت المحكمة في الجلسة
المؤرخة 8/11/1969م تأجيل المرافعة إلى يوم 8/11/1970م لمدة سنة كاملة تحقيقاً
للعدالة بين المتداعيين وإفهام المدعية من تمكين المدعى عليه من نفسها خلال هذه
المدة كما قررت إجراء الفحص عليه ثانية بعد انتهاء مدة السنة للتأكد من شفائه
وقدرته على الإنجاب.
ولعدم قناعة وكيل المدعية بالقرار المذكور طلب تمييزه
ونقضه بتاريخ 15/11/1969م ضمن المدة القانونية.
لدى التدقيق والمداولة وجد أن الثابت من وقائع الدعوى أن
المدعى عليه قد تزوج بالمدعية منذ أكثر من أربع سنوات ودخل بها، ولكنه لم ينجب
أطفالاً وقد تبين من التقرير الطبي المرقم 8493 والمؤرخ 26/10/1969م أن الزوج لن
يتمكن من الإنجاب في الوقت الحاضر ومن الممكن تداويه لأجل إنجاب الذرية. ولما كانت
الفقرة (1) من المادة 44 من قانون الأحوال الشخصية قد نصت على انه(إذا وجدت الزوجة
زوجها عنيناً أو مبتلى بما يمنع البناء بها فلها أن تطلب إلى المحكمة التفريق) وأن
المقصود من جملة (ما يمنع البناء) هو ما يمنع المقاربة والنكاح والدخول وليس
المقصود بها عدم إنجاب الأطفال كما ذهبت إليه المحكمة، إذ أن العقم على فرض وجوده
ليس سبباً من أسباب التفريق، وإذ خالفت المحكمة هذا النظر، لذلك قررنا نقض القرار
المميز وإعادة أوراق الدعوى إلى محكمة الموضوع للسير فيها حسبما تقدم على أن يبقى
رسم التمييز تابعاً للنتيجة وصدر القرار بالاتفاق في 9ذي الحجة 1382هـ الموافق
15/2/1970.
(2) ادعت المدعية
لدى محكمة شرعية بغداد السنية بأن المدعى عليه "ع" زوجها الداخل بها وهو
مصاب بالعقم إذ مضى على زواجهما عشرة أعوام دون أن ترزق منه بطفل عليه طلبت الحكم
بالتفريق بينهما وفقاً لأحكام المادة (44) من قانون الأحوال الشخصية.
ولاعتراف المدعى عليه بالزوجية والدخول ومضي مدة عشرة
أعوام على زواجهما دون أن ترزق منه بطفل بسبب عقمه حيث لا توجد في سائله المنوي
(حيامن) حية وأنه قد راجع عدة أطباء وأجرى عدة فحوصات فأثبتت جميعها عدم إمكانية
إنجاب أطفال وأنه يؤيد دعوى المدعية.
وتطبيقاً لأحكام المادة (44) ف3 من قانون الأحوال
الشخصية أحالت المحكمة المدعى عليه إلى اللجنة الطبية فورد تقريرها مؤيداً إصابته
بالعقم الذي لا يرجى شفاؤه حيث أن سائله المنوي عديم (الحيامن).
لدى تدقيق المحكمة لآراء الفقهاء
المسلمين وجدت أن منهم من وسع هذه الدائرة إلى أن شملها كافة العيوب المنفرة في
الزوج ومنهم من ضيقها في حدود نص على عدم تجاوزها في إعطاء الحق للزوجة بطلب
التفريق من زوجها وقد وجدت المحكمة من أن الزوج بإمكانه طلاق زوجته إذا كانت
عاقراً والتزوج بزوجته ثانية وبذلك يدفع الضرر عن نفسه بينما الزوجة لا تملك دفع
الضرر عنها في حالة عقم زوجها وعدم وجود الأمل في زوال هذا العيب وخصوصاً ثبوت ذلك
بإقرار الزوج والتقرير الطبي الصادر من اللجنة الطبية المختصة في الموضوع. وحيث أن
الغاية من الزواج هي إنشاء الرابطة الزوجية المشتركة والنسل فالغاية إذن مزدوجة
والنسل ملاحظ في هذه الرابطة. وقد نصّ القرآن الكريم في كثير من الآيات على ذلك
وكذلك الأحاديث الشريفة. وحيث أن أقوال الفقهاء مبنية إما على أقوال الصحابة y أو على اجتهادهم بالذات في دفع الضرر
عن الزوجة لتحكم العيب في الزوج وعدم الأمل في زوال علته فالعقم على هذا الأساس لا
يقل درجة في إلحاق الضرر بالزوجة عن العيوب التي مثل بها الفقهاء حيث يعرض الزوجة
لليأس والقلق والعقد النفسية كما يؤدي إلى عدم استقرار الحياة الزوجية ووهنها، وإن
هذا الضرر يجب أن يزال وفقاً للقاعدة الفقهية (لا ضرر ولا ضرار والضرر يزال)وأنه
لا مجال لاصطبار الزوجة ما دامت العلة المصاب بها الزوج لا يرجى شفاؤها كما في
الفقرة الثانية من المادة (44) من قانون الأحوال الشخصية عندما ذكرت العلل التي
يجوز فيها للزوجة طلب التفريق قد جاءت على سبيل المثال لا الحصر ومنها معيار
المعاشرة بلا ضرر. كما أنها لم تشر من قريب أو بعيد إلى المدة التي يجب خلالها رفع
دعوى التفريق بل قالت "لها أن تراجع المحكمة وتطلب التفريق".
ولما تقدم من أسباب وعلل لذا فقد أصدرت المحكمة حكماً
وجاهياً بعدد 167-70 وبتاريخ 13/4/1971 يقضي بالتفريق بين المتداعيين واعتبار
التفريق طلاقاً بائناً بينونة صغرى وتحميل المدعى عليه المصاريف وأتعاب المحاماة
وقدرها عشرة دنانير.
بلغ المدعى عليه بالحكم المذكور في
9/12/1971م ولعدم وقوع التمييز عليه فقد أرسلته المحكمة للتمييز عملاً بالمادة 309
ف1 وف2 من قانون المرافعات المدنية.
لدى التدقيق والمداولة وجد أن المدعية أقامت الدعوى على
زوجها الداخل بها طالبة الحكم بالتفريق بينهما بحجة أنه مصاب بالعقم وقد مضت على
زواجهما عشرة أعوام وقد أصدرت المحكمة الشرعية حكمها بالتفريق بينهما واعتبار
التفريق طلاقاً بائناً بينونة صغرى بحجة لحوق الضرر بالزوجة من هذه المعاشرة وأن
الضرر يزال إلى آخر ما جاء في الحكم المميز دون أن تلاحظ المحكمة بأن العقم ليس
سبباً من أسباب التفريق شرعاً وقانوناً، وحيث أن المحكمة أصدرت حكمها المميز دون
ملاحظة ما تقدم مما أخل بصحته لذلك قررنا نقضه وإعادة أوراق الدعوى إلى محكمة
الموضوع لإصدار الحكم برد دعوى المدعية، وصدر القرار بالاتفاق في تاريخ 9 محرم سنة
1392هـ الموافق ليوم 24/2/1972م.
(3) ادعت المدعية
لدى محكمة شرعية الرصافة بأن المدعى عليه زوجها الذي تزوجها منذ ثلاث سنوات ونتيجة
الضرر الذي أصابها من جراء عدم استطاعته الدخول بها طلبت الحكم بالتفريق بينهما
وتحميله المصاريف وأتعاب المحاماة وفقاً للمادة (44) من قانون الأحوال الشخصية
ولإقرار المدعى عليه بالزوجية ودفع بواسطة وكيله بأنه لم يستطع الدخول بالمدعية
لأسباب نفسية كما لم تمكن المدعية موكله من الدخول بها فقررت المحكمة إحالة المدعى
عليه على اللجنة الطبية النفسية والعصبية والذي جاء بتقريرها (بعد فحص كل من الزوج
والزوجة تبين أن الزوج "ن" لم تتبين إصابته بمرض عصبي والذي لم يتبين
إصابته بمرض عضوي في الوقت الحاضر وإن كانت هناك علة فلا بد أن تكون نفسية المنشأة،
ترى اللجنة ضرورة مطاوعة زوجته له لمدة سنة كاملة) وحيث لم يظهر للمحكمة بأن
المدعى عليه مصاب بعنّة لا يمكن ولا يؤمل زوالها وحيث أن المدعية حصرت دعواها بطلب
التفريق استناداً للمادة 44 من قانون الأحوال الشخصية لذا فقد أصدرت المحكمة حكماً
وجاهياً بعده بتاريخ 27/1/1973م يقضي برد دعوى المدعية وتحميلها المصاريف وعشرة
دنانير أتعاب محاماة.
بلغت المدعية بالحكم المذكور في يوم 14/2/1973م ولعدم
قناعتها به طلبت تدقيقه تمييزاً ونقضه بتاريخ 22/2/1973م.
لدى التدقيق والمداولة وجد أن
المحكمة الشرعية قد أصدرت حكماً برد دعوى المدعية دون أن تلاحظ أن الطرفين قد
تصادقاً على أن المدعى عليه لم يدخل بالمدعية خلال فترة الثلاث السنوات وإن ما جاء
في التقرير الطبي (أن الزوج لم يتبين إصابته بمرض عضوي بيّن في الوقت الحاضر وإن
كانت علة فلا بد أن تكون نفسية المنشأ، ترى اللجنة ضرورة مطاوعة زوجته لمدة سنة
كاملة) لا ينفى كون المدعى عليه عنيناً، ولا فرق بين ما إذا كان سبب العلة مرضاً
عصبياً أو عضوياً أو سبباً نفسياً من جهة الشرع والقانون فقد اعتبرت الفقرة
"1" من المادة الرابعة والأربعين الحالتين تجيزان طلب التفريق حيث نصت
في صدرها(إذا وجدت الزوجة زوجها عنيناً) وهذا الوجود يكفي فيه عدم بناء الزوج بها
رغم معاشرته لها مدة مناسبة.
ثم نصت الفقرة على ما يلي (أو مبتلى
بما يمنع البناء بها) وهذا هو المرض العضوي أو العصبي الذي يحتاج إلى ثبوت بفحص
طبي، وعلى ذلك فإن تصادق الطرفين على عدم بناء المدعى عليه بالمدعية خلال الفترة
الطويلة المذكورة أعلاه يكفي لثبوت عنّة المدعي عليه، وإن الكشف الطبي على الزوج
لغرض معرفة ما إذا كان يؤمل زوال هذه العنة أم لا وليس لغرض ثبوت العنة بعد أن
تصادق الطرفان على وجودها، وحيث أن التقرير الطبي قد ورد فيه (ترى اللجنة ضرورة
مطاوعة زوجته لمدة سنة كاملة) لذا فإن ذلك يعني أنه يؤمل زوال العنة خلال المدة
المذكورة وكان على المحكمة الشرعية تأجيل الدعوى للمدة المذكورة في التقرير الطبي
المبتدئة من تاريخ صدوره لمعرفة ما إذا زالت العنة أم لا بعد انتهاء المدة المذكورة
وحيث أن عدم ملاحظة المحكمة الشرعية ما ذكر أعلاه قد أخل بصحة الحكم الصادر لذا
قررنا نقض الحكم.
المطلب الثاني
فسخ الزواج لعدم
الوفاء بالشرط
عرّف شيخ الإسلام الشوكاني الشرط بأنه: "وصف ظاهر
منضبط يلزم من عدمه عدم المشروط، ولا يلزم من وجوده وجود المشروط ولا عدمه"([338]).
فالشرط بهذا المعنى أمر زائد عن ماهية الفعل، وإن توقف
وجود الفعل على وجوده، ويعدم بعدمه من غير تأثير في وجود ذلك الفعل، فالحول شرط في
وجوب الزكاة، فعدمه يستلزم عدم وجوبها، والقدرة على التسليم شرط في صحة البيع، فعدمها
يستلزم عدم صحته، والإحصان شرط في سببية الزنا للرجم، فعدمه يستلزم عدمها([339]) والطهارة شرط في صحة الصلاة، وهي زائدة عن حقيقة الصلاة،
لأنه قد يمنع من ذلك أن الوقت لم يدخل مثلاً فتوجد الطهارة ولا توجد الصلاة.
وما يعنينا في هذا المطلب هي الشروط
التي تكون داخل ماهية العقد، بخلاف ما كان منها خارجاً عن ماهية العقد، كما أن
المعتبر من الشروط التي يشترطها أحد الزوجين، هو الشرط المقارن للعقد، لا المتقدم
عليه، أو المتأخر عنه، وقد اتفق الفقهاء على صحة الشرط الذي يوافق مقتضى العقد
ومقاصده([340])، بأن يكون موجبه حكماً من أحكام
العقد، أو يؤكد مقتضاه، أو ورد به الشرع أو جرى به العرف كاشتراط الزوجة على زوجها
أن ينفق عليها أو يعطيها مهراً أو يحسن معاشرتها وكاشتراطه عليها أن تدخل في طاعته
وألا تخرج من بيته إلا بإذنه، وألا تمنعه نفسها أو أن يتزوج عليها أو يسافر بها
فهذه كلها شروط يقتضيها العقد، وهي ثابتة ولو لم يشترطها أحدهما.
وكذلك أيضاً اشتراط كون والد الزوج كفيلاً بالمهر
والنفقة، فإنهما من مقتضيات العقد، واشتراط الكفالة بهما يؤكد حصولهما، وكاشتراط
الطلاق إذا طرأ سبب داع له، كتعثر الحياة الزوجية، فإن هذا الشرط مما ورد به الشرع
وأجازه، وإن لم يكن من مقتضى العقد، ولا مؤكداً لمقتضاه، وكاشتراط الزوج أن يدفع
للزوجة نصف المهر فقط قبل الدخول، وكان عُرف البلد جارياً بذلك.
كما اتفق الفقهاء على صحة العقد وبطلان الشرط الذي ينافي
مقتضى العقد، ولا يتفق مع نظامه، مثل أن يشترط أن لا مهر لها، أو لا ينفق عليها، أو
تشترط هي عليه أن لا يطأها، أو يعزل عنها أو أن لا ينجبا أولاداً أو يقسم لها أقل
من قسم زوجته الأخرى، أو أن لا يتوارثا، فهذه كلها شروط باطلة في ذاتها، لأنها
تنافي مقتضى العقد، كما أنها تتضمن إسقاط حقوق تجب بالعقد قبل انعقاده فلا تصح، كما
لو أسقط الشفيع شفعته قبل البيع. فأما العقد في ذاته فصحيح، ولأن هذه الشروط تعود
إلى معنى زائد في العقد لا يشترط ذكره، ولا يضر الجهل به([341]).
أما الشروط التي ليست من مقتضيات العقد ولا من مستلزماته،
كما أنها لا تنافيه ولا تخل بمقصوده، مثل اشتراطها عليه ألا يتزوج عليها، أو أن لا
ينتقل بها من بلدها، أو أن لا يفرق بينها وبين أبويها، أو أن لا يفرق بينها وبين
أولادها، أو أن لا يطلقها أبداً، أو تشترط عليه أن تكون العصمة بيدها تطلق نفسها
متى شاءت، أو تشترط عليه أن يطلق ضرتها، أو تشترط صفة معينة فيه، أو يشترط هو صفة
معينة فيها، أو تشترط عليه أن يعطي أبويها أو أحد أقاربها شيئاً من المهر أو غيره([342])، فقد اختلف الفقهاء في صحة هذه الشروط، وسوف نذكر هذه
الشروط تفصيلاً ونبين موقف الفقهاء منها في خمسة أفرع:
v الفرع الأول: مدى مشروعية الشرط الذي لا يقتضيه العقد في إطلاقه
ويعود نفعه على أحد الزوجين.
v الفرع الثاني: شرط تطليق الضرة.
v الفرع الثالث: شرط كون العصمة بيد المرأة.
v الفرع الرابع: اشتراط صفة معينة في أحد الزوجين.
v
الفرع الخامس: اشتراط شيئاً من المهر أو غيره لأحد والدي الزوجة أو أقاربها.
v الفرع السادس: أثر فسخ الزواج بسبب عدم الوفاء بالشرط على المهر.
v الفرع السابع: أثر فسخ الزواج بسبب عدم الوفاء بالشرط على العدة.
v الفرع الثامن: نفقة المعتدة من فسخ الزواج بسبب تخلف الشرط أو الوصف.
v الفرع التاسع: طريق وقوع الفسخ بسبب تخلف الشرط أو الوصف.
v
الفرع العاشر: هل يجوز للزوج الزواج بمن فسخت نكاحها منه لتخلف الشرط
أو الوصف.
v الفرع الحادي عشر: مسقطات حق الفسخ لتخلف الشرط أو الوصف.
v الفرع الثاني عشر: فسخ الزواج لتخلف الشرط أو فوات الوصف في قوانين الأحوال الشخصية.
الفرع الأول
مدى مشروعية
الشرط الذي لا يقتضيه العقد في إطلاقه
إذا اشترطت الزوجة على زوجها في عقد الزواج شرطاً فيه
منفعة زائدة لها، أو شرط لها ذلك، ولم تجعل هذه المنفعة في مقابل نقص عن مهر مثلها،
أو زيادة عليه، بل كان اشتراطها لذلك للرضاء بالزواج ذاته، مثل اشتراطها عليه أن
لا يتزوج عليها أو لا يطلقها أبداً، أو أن لا ينتقل بها من بلدها التي تزوجت بها، ونحو
ذلك من الشروط، فقد اختلف الفقهاء إزاء صحة هذه الشروط على قولين:
القول الأول: يرى أن هذه الشروط التي لا يقتضيها العقد في إطلاقه غير لازمة، ولا يجب
الوفاء بها، وأن عقد الزواج يبقى صحيحاً، والشرط لاغٍ لا أثر له، ولا يترتب على
الإخلال بها شيء وللزوج أن يسافر بها من بلدها، وأن يتزوج عليها، وهذا ما ذهب إليه
الحنفية، والشافعية، والظاهرية، والإمامية، والزيدية والزهري وعطاء وقتادة وهشام
وعروة والليث وابن المسيب والثوري وابن المنذر والحسن وابن سيرين، وهو قول الإمام
علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه و t وهو المشهور عند المالكية([343]).
وكل شرط من هذا النوع، وإن كان منصوصاً عليه في العقد
فلا يلزم الوفاء به لأن الأصل في هذا النوع من الشروط المنع إلا ما ورد دليل على
جوازه، كما لو كان ملائماً لمقتضى العقد كأن تطلب منه كفيلاً بالمهر أو تشترط
تعجيل جزء من مهرها وإن كان غير ذلك فإنه يلغوا الشرط ويبقى النكاح صحيحاً.
واستدل القائلون ببطلان الشروط التي لا يقتضيها العقد، وبقاء
عقد النكاح صحيحاً بالسنة المطهرة والمعقول:
(1) ما رواه
الشيخان عن عائشة رضي الله عنها أن النبي iقال: "كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان
مائة شرط"([344]).
(2) قوله i: "المسلمون على شروطهم
إلا شرطاً أحل حراماً، أو حرم حلالاً". أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح، فالشروط
التي لا يقتضيها العقد في إطلاقه تحرم الحلال، كالتزوج بامرأة أخرى، أو لا يسافر
بها، أو لا يتسرى عليها، أو لا يطلقها أبداً، كل ذلك فيه تحريم للحلال، فيكون هو
وتحليل الخنزير والميتة سواء في أن كل ذلك خلاف لحكم الله تعالى([345]).
علاوة على أن هذه الشروط ليست من مصلحة العقد ولا من
مقتضياته، فتكون شروطاً فاسدة. كما لو شرطت المرأة أن لا تسلم نفسها لزوجها، كما
يقضي عقد النكاح([346]).
كما أن الله تعالى أحل للرجل أن ينكح أربعاً وما ملكت
يمينه، فإذا شرطت عليه أن لا ينكح ولا يتسرى حظرت عليه ما وسع الله تعالى عليه.
(3) استدل الإمام
الشوكاني لأصحاب هذا المذهب، بما أخرجه الطبراني في الصغير بإسناد حسن عن جابر أن
النبي iخطب أم مبشر بنت البراء بن معرور، فقالت: إني شرطت لزوجي أن لا أتزوج بعده،
فقال النبي i:" إن
هذا لا يصلح"([347]). فهذا تصريح بعدم صلاحية هذه الشروط.
(4) روى سعيد بن منصور في سننه أن علياً وابن عباس y سئلا عن رجل تزوج امرأة وشرطت عليه
أن بيدها الفرقة والجماع وعليها الصداق، فقالا للرجل: عميت عن السنة، ووليت الأمر
إلى غير أهله، عليك الصداق وبيدك الفرقة والجماع([348]).
(5) روى سعيد بن
منصور أن رجلاً تزوج امرأة، وشرط أن لا يخرجها من دارها، فارتفعوا إلى عمر t، فوضع الشرط، وقال: المرأة مع
زوجها([349]).
(6) حكى الترمذي عن
الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وt أنه قال في الرجل يتزوج المرأة وقد شرط لها دارها، قال:
"سبق شرط الله شرطها"([350]) كأنه رأى للزوج أن
يخرجها من دارها، وإن كانت قد اشترطت على زوجها أن لا يخرجها.
(7) روى الإمام
مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب سئل عن المرأة تشترط على زوجها أن لا يخرج بها من
بلدها، فقال سعيد بن المسيب: "يخرج بها إن شاء" ومعنى ذلك أنه لا يلزمه
الوفاء بالشرط.
قال مالك رحمه الله: "ولقد أشرت منذ زمان بعيد أن أنهى الناس عن أن
يتزوجوا بالشروط، وأن لا يتزوجوا إلا على دين الرجل وأمانته" وأنه كتب بذلك
كتاباً، وصيح به في الأسواق، وقال مالك أيضاً: لا ينبغي لأحد أن يكتب شهادته في عقد
فيه شروط([351]).
(8) أن هذه الشروط
ليست من مصلحة العقد ولا مقتضاه، فتكون فاسدة، قياساً على ما لو شرطت الزوجة أن لا
تمكن زوجها([352]).
(9) أن عقد النكاح
لا يدخله خيار المجلس، لأنه عقد ينعقد ناجزاً ولا تقصد فيه المغابنة، والخيار
موضوع لاستدراك المغابنة([353]).
(10) أن هذه الشروط
تعدل من آثار عقد النكاح في الشرع، لأن آثار العقود في الشريعة الإسلامية هي
بتقرير من الشارع وحكمه، وهذا هو وجه منافاتها لما قلناه من أن آثار العقود أوجبها
الشارع وحكمه.
القول الثاني: يذهب الى أن اشتراط الزوجة على
زوجها أن لا يتزوج عليها، أو أن لا يسافر بها، أو أن تخرج للعمل، أو يشترط هو لها
مثل هذه الشروط من مما يقتضيه العقد في إطلاقه وفيه منفعة لها، هي شروط صحيحة، تثبت
للزوجة الحق في فسخ النكاح إذا لم يف بها الزوج، وهو قول الحنابلة([354]) وإسحاق وهو المذهب عند الإباضية([355]).
وحكاه الترمذي عن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه
وقد قال بقول عمر هذا عمرو بن العاص، وقال به من التابعين طاوس، وأبو الشعثاء وهو
قول الأوزاعي والليث بن سعد، الذي اشترط لابنته عند نكاحها([356])، وقد روى ابن المواز عن ابن شهاب أنه كان يوجب على
الزوج ما التزم من الشروط في النكاح، وروى عبدالرزاق عن شريح أنه قضى به([357]).
ومال الشيخ تقي الدين رحمه الله إلى وجوب الوفاء بهذه
الشروط، ويجبره الحاكم على ذلك، وهو ظاهر كلام الخرقى.
وصرح أبو بكر في التنبيه: أنه لا يجوز للزوج مخالفة ما
اشترطت عليه ونص في رواية حرب فيمن تزوج امرأة، وشرط لها أن لا يخرجها من قريتها، ثم
بدا له أن يخرجها قال: ليس له أن يخرجها.
وقد ذكر الزركشي في شرح المحرر فيما
إذا شرطت دارها أو بلدها بأنه يجبر على المقام معها، وذكر أيضاً: أنه لا يتزوج ولا
يتسرى إلا بإذنها إذا اشترطت عليه ذلك.
قال المرداوي رحمه الله: "إذا علمت ذلك: فلها الفسخ
بالنقلة، والتزويج، والتسري، فأما إن أراد نقلها وطلب منها ذلك، فقال القاضي في
الجامع: لها الفسخ بالعزم على الإخراج، وضعفه الشيخ تقي الدين، وقال: العزم المجرد
لا يوجب الفسخ، إذ لا ضرر فيه، وهو صحيح ما لم يقترن بالهمٍّ على النقل"([358]).
واستدل أصحاب المذهب الثاني وهم الحنابلة والأباضية
القائلون بمشروعية الشروط التي لا يقتضيها العقد في إطلاقه، وأنها تثبت للزوجة
الحق في فسخ العقد عند عدم وقاء الزوج بها، استدلوا بأدلة كثيرة من القرآن الكريم،
والسنة المطهرة، والمعقول حسبما هو مبين على الوجه الآتي:
(1) قوله y: ] يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود [. ([359]) وقوله u: ]وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولاً[([360]).
فالوفاء بالعهود والشروط والعقود حسبما ورد
في هاتين الآيتين يتناول ذلك تناولاً واحداً ([361]).
(2) أن الشريعة
الإسلامية قد قررت أن الأصل في العقود رضاء المتعاقدين، وثمرتها الوفاء بما التزم
به كل متعاقد.
(3) ذمّ الله
الناقضين للعهود بعد إبرامها، إذ يقول u:
]وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا
تنقضوا الأيمان بعد توكيدها[([362])، وقوله y:
]ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد
قوة أنكاثاً تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم أن تكون أمةٌ هي أربى منْ أمة[([363]).
فالزوج الذي يتزوج امرأة، وقد اشترطت عليه شرطاً من
الشروط السابقة، ووافق عليها، ثم بعد تمام العقد يعود في شرطه، وينقض عهده
والتزامه تجاه زوجته، يكون كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً، وبالتالي فعليه
إما أن يُبرّ لها بالشرط، أو يكون لها الخيار في البقاء معه أو مفارقته، وإذا حال
الزوج دون ذلك على ولي الأمر إجباره على إخلاء سبيلها وإعطائها ما وجب لها بمقتضى
عقد الزواج([364]).
(4) ما أخرجه
البخاري ومسلم وغيرهما عن عقبة بن عامر أن رسول الله g قال: "إن أحق ما وفيتم به
من الشروط ما استحللتم به الفروج"([365])، فأحق الشروط بالوفاء بها شروط النكاح، كما هو نص
الحديث ومقتضاه، وذلك لأن أمره أحوط وبابه أضيق.
(5) عموم قوله g:"المؤمنون عند
شروطهم" وفي رواية: "إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً: وفي أخرى
" الناس على شروطهم ما وافقوا الحق"([366])، ووفقاً لهذا الحديث فإن للمتعاقدين حرية اشتراط ما
يشاءان من الشروط التي تتحقق فيها مصلحة كل واحد منهما.
(6) روى سعيد بن منصور عن عبدالرحمن
بن غنم أنه قال: كنت جالساً عند عمر حيث تمس ركبتي ركبته: فجاءه رجل فقال: يا أمير
المؤمنين، تزوجت هذه وشرطت لها دارها، وإني لأجمع لأمري أو لشأني أني انتقل إلى
أرض كذا وكذا، فقال: لها شرطها، فقال الرجل: هلك الرجال إذاً، لا تشاء امرأة أن
تطلق زوجها إلا طلقت، فقال عمر: المؤمنون على شروطهم عند مقاطع حقوقهم ([367]).
وفي رواية الأثرم بإسناده (كما جاء في المعنى) أن رجلاً
تزوج امرأة، وشرط لها دارها ثم أراد نقلها فخاصموه إلى عمر فقال: لها شرطها، فقال
الرجل: إذاً يطلقننا فقال عمر: إنما مقاطع الحقوق عند الشروط([368]).
وقد أفادت هذه الرواية أن عمر رضي الله عنه أمضى الشرط
على الزوج، ولم ينكر على الرجل قوله: إذن يطلقننا، فدّل على ثبوت خيار الفسخ
للمرأة إذا لم يف الزوج بالشرط الذي قطعه على نفسه قبل الزواج، وهذا يدل على أن
للمرأة أن تحتاط لنفسها فتشترط أن يكون الزواج الثاني بموافقتها، أو يكون لها الحق
في طلب الفسخ إذا تم العقد بدون علمها أو رضاها أو يكون لها مسكناً مستقلاً أو ألا
يسافر بها أو لا يمنعها عن العمل والوظيفة.
(7) ذكر ابن مفلح الحنبلي أن المشروط عرفاً كالمشروط
لفظاً، وأن عدمه يملك به الفسخ فقوم لا يخرجون نسائهم من ديارهم أو المرأة من بيت
لا يتزوج الرجل على نسائهم ضُره، ويمنعون الأزواج منه، كان ذلك كالمشروط لفظاً
وهذا مطرد على قواعد أهل المدينة وأحمد: أن الشرط العرفي كاللفظي([369]).
(8)أن القول بصحة الشروط التي لا
يقتضيها العقد في إطلاقه، ووجوب الوفاء بها مروي عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله
عنه، وسعد بن أبي وقاص، ومعاوية، وعمرو بن العاص، وبه قال شريح، وعمر بن عبدالعزيز،
وجابر بن زيد وطاوس والأوزاعي وإسحاق والقاضي شريح وابن شبرمة الكوفي، وابن أبي
ليلى، قال ابن قدامة: "ولأنه قول من سمينا من الصحابة، ولا نعلم لهم مخالفاً
في عصرهم، فكان إجماعاً"([370]).
(9)أنه شرط لها، فيه منفعة
مقصودة لا تمنع صحة النكاح كما لو شرطت كوناً كاتباً أو صانعاً، فكان شرطاً لازماً،
كما لو شرطت عليه زيادة في المهر، أو غير نقد البلد، أو شرط صفة في المبيع([371]).
(10)أنه شرط لازم في عقد، فيثبت حق الفسخ بترك الوفاء به،
كشرط الرهن، والضمين في البيع([372]).
(11)أن الرضا بالزواج إنما تم على هذا الشرط، فإذا فات
الشرط فات الرضا به، فيثبت الخيار، كما أن الأصل في العقود والشروط الإباحة أو
الجواز والصحة، حتى يقوم الدليل على المنع، لأنها من العادات التي تراعى فيها
مصالح الناس، فإن حرمنا ما يجري بين الناس من عقود وشروط بغير دليل من الشارع، نكون
قد حرمنا ما لم يحرمه الله عز وجل.
(12)أن الزواج يحظى
بجانب كبير من القدسية، إذ تقوم عليه أسرة ينبغي الحفاظ عليها، فتكون في رعاية
الشروط في عقد الزواج منفعة أوجب وألزم من العقود الأخرى.
(13)أن ما تشترطه المرأة تتعلق
به مصلحة العقد، لأنها لم تتزوجه إلى على ذلك الشيء المرغوب فيه، فصار كما أنها
اشترت جهازاً على أنه بوتجاز أو ثلاجة، فظهر بخلافه، علاوة على أن هذه الشروط علقت
عليها حقوق لمن وضعها، وعند عدم الوفاء بها، تضيع الحقوق التي علقت عليها([373]).
(14)أن الشارع الحكيم قد حرم مال الغير إلا عن تراض منه،
ولا شك أن المرأة إذا لم ترض ببذل فرجها إلا بهذا الشرط، وشأن الفرج أعظم من المال،
فإذا حرم المال إلا بالتراضي فالفرج أولى([374]).
مما سبق بيانه من مذاهب الفقهاء وأدلتهم في مدى مشروعية
الشروط في عقد النكاح، فنحن نميل إلى اختيار قول الحنابلة "بمشروعية الشروط
التي يقتضيها العقد في إطلاقه وفيها منفعة لأحد العاقدين، وأنها شروط لازمة، تثبت
الخيار لشارطها عند عدم الوفاء بها ممن التزمها، وذلك لقوة أدلتهم، ولموافقة هذا
القول لنصوص الشريعة الإسلامية وتأكيدها على وجوب الوفاء بالعقود والالتزامات
المتعلقة بحقوق الآخرين، لقولهِ تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود[ ([375])
وفي هذا الشأن يقول ابن تيمية معللاً حق المرأة في فسخ
عقد النكاح لعدم وفاء الزوج بما شرطه لها، أو اشترطه هي:(بأن اعتبار التراضي في
البيع يوجب اعتباره في النكاح من طريق الأولى، لحديث رسول الله ART: "إن
أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج" فجعل الوفاء بالشروط التي
تستحل بها الفروج أحق من غيرها بالوفاء، ومعلوم أن المرأة إذا اشترطت شرطاً في
النكاح فإنها لم ترض بإباحة فرجها لزوجها إلا بذلك الشرط.
وإذا كان من اشترط شرطاً في البيع
فلم يحصل له هذا الشرط، لم يلزمه البيع، بل له فسخه، فالنكاح أولى بذلك فإذا
اشترطت المرأة فيه شرطاً ولم يحصل لها الشرط كان لها حق الفسخ بطريق الأولى، لأن
شأن الفروج أعظم من شأن المال"([376]).
كما أن الشروط الواجب الوفاء بها في عقد الزواج غير
مقصورة على ما يقتضيه العقد فقط، بل تشمل أيضاً ما لا يقتضيه العقد في إطلاقه، لأن
ما يقتضيه العقد واجب الوفاء به بلا شرط بموجب
عقد النكاح، فلا حاجة إلى اشتراطه، وإنما الحاجة إلى ما لا يجب الوفاء به إلا
بالشرط، ولذلك نصّ الحديث الشريف، وحثّ على وجوب الوفاء بما يشترط في عقد النكاح
وبين أن هذه الشروط أحق بالوفاء بها من الشروط التي تشترط في غير عقد النكاح، وإن
كانت هذه الشروط لا يقتضيها العقد بدون اشتراطها، ولكن يجب ألا تخالف مقصود العقد،
ولا ما أمر به الشرع أو نهى عنه.
علاوة على أن الشروط التي لا يقتضيها عقد النكاح في
إطلاقه، وفيها منفعه لأحد المتعاقدين كاشتراط عدم التزوج بأخرى، أو عدم السفر
والانتقال بها من بلدها، ونحو ذلك من الشروط غير محظورة شرعاً، سواءً كانت هذه
المخالفة لما أمر به الشرع، أو لما نهى عنه([377]).
بقي أن نذكر أن الشروط الواجب الوفاء بها تشمل ما تشترطه
المرأة لنفسها، وما يشترطه الرجل لنفسه في عقد النكاح، لأن كلمة "ما استحللتم
به" وإن كان الخطاب فيها للرجال، فقد وردت على سبيل التغليب، فيدخل في
مفهومها الرجال والنساء، فيكون للزوجين معاً اشتراط الشروط الجائزة شرعاً، ويجب
على الطرف الآخر المشترطة عليه هذه الشروط الوفاء بها، ويدل على ذلك أن كلمة
"الفروج" تشمل فروج الرجال والنساء([378]).
علماً بأن المعتبر من هذه الشروط هو ما كان في صلب العقد،
أو اتفق عليه الزوجان قبله، ولا يلزم الشرط بعد انعقاد العقد ولزومه، لفوات محله([379]).
وقد أخذت بقول الحنابلة في هذا الشأن الغالبية العظمى من
قوانين الأحوال الشخصية في الدول العربية إن لم تكن جميعها كما سنرى لاحقاً.
الفرع الثاني
شرط تطليق
الضّرة
طبقاً لمذهب الحنابلة الذين توسعوا في صحة اشتراط الشروط
في عقد الزواج، فإن المرأة إذا اشترطت على الرجل في عقد الزواج أن يطلق ضُرّتها
(وكان الرجل متزوجاً) فهل يصح هذا الشرط؟ وإذا لم يصح، فهل يبطل الشرط وحده، ويبقى
عقد النكاح صحيحاً([380]).
اختلف فقهاء الحنابلة إزاء هذه المسألة على قولين:
القول الأول: المرأة إذا اشترطت على الرجل في عقد النكاح أن يطلق
ضرتها، فالشرط باطل، والنكاح صحيح، لأنها شرطت عليه فسخ عقده، وإبطال حقه وحق
امرأته، فلم يصح كما لو شرطت عليه فسخ بيعه([381])، إلى هذا ذهب جمهور فقهاء الحنابلة، عدا أبو الخطاب، واستدلوا
بما أخرجه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي T قال: "لا يحل لامرأة أن تسأل طلاق أختها لتستفرغ صفحتها، فإنما
لها ما قدّر لها"([382])، فقد أشار الحديث إلى أن النبي Tنهى المرأة أن تطلب من الرجل الذي يريد الزواج منها أن
يطلق زوجته السابقة، والنهي يقتضي الفساد([383]).
القول الثاني: أن هذا الشرط
صحيح يثبت للزوجة حق الفسخ عند عدم وفاء الزوج به، وقد ذهب إلى هذا القول أبو
الخطاب من الحنابلة، وكثير من متأخري الحنابلة قالوا بصحة مثل هذا الشرط([384])، واستدلوا لذلك بأن هذا الشرط لا ينافي العقد، وفيه
مصلحة وفائدة للزوجة، فأشبه ما لو شرطت عليه أن لا يتزوج عليها، وبالتالي يكون
شرطاً صحيحاً([385]).ونحن نذهب إلى اختيار القول ببطلان شرط تطليق الضرة
وأنه شرط لا يجب العمل به، لمخالفته النص الشرعي الصريح، وهو النهي عن هذا الشرط
بصريح نص حديث رسول الله T، السالف ذكره كما أن في هذا
الشرط إضرار بالغير، فكان باطلاً، كما لو تزوجته بشرط ألا ينفق على زوجته، أو
ولده.
الفرع الثالث
الشرط بأن يكون الطلاق بيد المرأة
إذا اشترطت المرأة لنفسها في عقد الزواج أن تكون العصمة
بيدها، ووافق الزوج على هذا الشرط، فهل من حقها أن تطلق نفسها منه متى شاءت؟
اختلف الفقهاء إزاء صحة هذا الشرط على قولين:
القول الأول: النكاح صحيح والشرط صحيح، وهو قول الحنابلة طبقاً
لمذهبهم الذي يجيز الشروط التي لا يقتضيها عقد النكاح في إطلاقه وهو قول مرجوح عند
الإباضية([386])، وممن قال بهذا القول الحنفية([387]) بيد أنهم قيدوا اشتراط المرأة لهذا الشرط بأن يكون
بالصيغة الصحيحة وهي: أن تقول المرأة في إيجابها: زّوجتُكَ نفسي على أن يكون أمري
بيدي أطلق نفسي متى شئت، فيقول الرجل: في قبوله قبلت، فالنكاح صحيح والشرط صحيح
ويكون الأمر بيدها. ولكن لو بدأ الرجل الإيجاب في عقد النكاح بأن قال: تزوجتك على
أن الأمر بالطلاق بيدك، فقالت المرأة قبلت، لم يصح الشرط ولكن النكاح صحيح، بمعنى
أن العقد صحيح والشرط باطل([388]).
ويعلل الفقيه أبو الليث السمرقندي رأي الحنفية هذا
بقوله: "لأن البداية إن كانت من الزوج كان الطلاق والتفويض قبل النكاح، فلا
يصح الشرط، أما إذا كانت البداية من قبل المرأة، فيصير التفويض لها أي تفويض تطليق
نفسها أي بعد إيجابها، وهو قولها: تزوجتك على أن يكون أمري بيدي أطلق نفسي متى شئت،
ثم يقول الرجل: قبلت، والجواب يتضمن إعادة ما في إيجاب المرأة، فصار كأنه قال:
قبلت على أن يكون الأمر بيدك، فيصير مفوضاً لها أمر الطلاق بعد النكاح([389]).
القول الثاني: النكاح صحيح، والشرط
باطل، وهو ما ذهب إليه المالكية، والشافعية بناءً على مذهبهم في عدم جواز اشتراط
الشروط التي يقتضيها العقد في إطلاقه([390])، والظاهرية الذين أبطلوا كل الشروط إلا ما يتعلق منها
بالصداق، أو ما كان من مقتضيات العقد، وهو المشهور في مذهب الإباضية.
واستدلوا لذلك بما يلي:
(1) أن الله عز وجل قد جعل الطلاق بيد الرجل، ففي نقل ذلك من يد الرجل إلى
المرأة مناقضة لكلامه سبحانه وتعالى، وعزوف عن المصلحة التي رآها لنا، وعمل بأمر ليس عليه
الشرع، لذلك فهو رد لأنه شرط أحل حراماً فلم ينطبق عليه حديث قوله T: "المؤمنون عند شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرّم
حلالاً" وإنما ينطبق عليه قوله T: " كل شرط ليس في كتاب الله عز وجل فهو باطل، وإن كان مائة
شرط" وهذا بخلاف ما إذا تفضّلت عليه بشيء من حقوقها، فإنه لا مناقضة في ذلك، بل
تسامح وعفو([391]).
(2)
أن النفقة والقوامة فرضهما i سبحانه وتعالى للزوجة على زوجها، لا العكس، فقياساً عليهما يكون الطلاق
بيد الرجل([392]).
(3) روى سعيد بن
منصور، والبيهقي عن عطاء الخرساني، أن علياً وابن عباس f، سُئلا عن رجل تزوج امرأة
وشرطت عليه أن بيدها الفرقة والجماع، وعليها الصداق، فقالا للرجل: "عُميِتَ
عن السنة، ووليت الأمر غير أهله، وعليك الصداق وبيدك الفرقة والجماع"([393]).
ونحن نميل إلى اختيار القول بصحة شرط
المرأة على زوجها أن تكون العصمة بيدها، لأنه في الحقيقة تمليك من الزوج للزوجة
حقاً يملكه بعد العقد في كل وقت، فله أن يفوضها (بعد العقد) بالطلاق([394]) متى شاءت، فليس ذكر ذلك في العقد من
قبيل الشروط، وإنما هو تعجيل لتفويضها بالتطليق حين تريد فإذا طلقت نفسها بموجب
التفويض الذي أعطاه الزوج لها، وقع الطلاق ويكون هو المسئول عن النتائج([395]).
وإذا كان أصحاب هذا القول قد أجازوا للمرأة أن تشترط أن
تكون العصمة بيدها، إلا أن هذا لا يمنع حق الزوج في القيام بطلاق زوجته متى أراد، حتى
ولو كانت قد اشترطت أن يكون لها الحق في أن تطلق نفسها([396]).
الفرع الرابع
اشتراط صفة معينة في أحد الزوجين
قد يشترط أحد الزوجين صفة معينة في عقد الزواج، كأن
يشترط الرجل في المرأة أن تكون بكراً، أو عنية أو جميلة، أو أن تكون ولوداً وذات
نسب ودين وغير ذلك من الصفات، أو تشترط هي فيه مثل هذه الصفات، أو السلامة من
الشلل، أو العرج، أو العور ويعقدان العقد على هذا الشرط، فما أثر هذا الشرط على
العقد؟ وهل يملك مشترط هذا الشرط أو الصفة الفسخ بعد العقد، إذا تبين فوات هذا
الشرط أو الصفة في العاقد الآخر؟
أولاً: إذا كان
الشرط من قبل الزوجة:
اختلف الفقهاء في مدى مشروعية ثبوت الخيار للزوجة إذا
فات ما اشترطته في الزوج، وذلك على ثلاثة أقوال:
v القول الأول: أن الزوجة إذا اشترطت صفة معينة في الزوج، كالوسامة والغنى والنسب وتبين
أنه بخلافها، فالعقد صحيح والشرط باطل ولا تملك خيار الفسخ، وهذا ما ذهب إليه
الحنفية والزيدية، والظاهرية، وبعض الشافعية ([397]).
v القول الثاني: عند اشتراط الزوجة صفة معينة في الزوج يكون الشرط لازم يترتب على تخلفه
ثبوت الخيار لها في فسخ النكاح، وهذا هو ظاهر مذهب مالك، وأصح الوجهين عند أصحاب
الشافعي، وأصح الروايتين في مذهب أحمد، وهو المذهب عند الإمامية، عدا شرط البكارة
فليس لها فيه الفسخ، بل يزيد لها في مهرها([398]).وذلك لأن لها في مثل هذا الشرط منفعة مقصودة، لا تعارض
الشرع، ولا تنافي المقصود من عقد الزواج، فتشترط الزوجة في زوجها المال، أو الحرفة
أو مورداً معيناً من العيش، ويحق لها أن تفسخ الزواج إذا فات عليها ما اشترطته
([399]).
v القول
الثالث: أن المرأة إذا تزوجت رجلاً على أنه
على صفة معينة، فوجدته على خلافها فالعقد باطل، وهذا ما ذهب إليه الشافعية في وجه
غير الظاهر ([400]).
وقالوا في توجيه هذا الرأي: أن الصفة
المشترطة مقصودة، كالعين، واختلاف العين يبطل العقد، فكذلك اختلاف الصفة، ولأن
المرأة لم ترض بنكاح الرجل إلا على هذه الصفة، فإذا فاتت لم يصح العقد، كما لو
أذنت في نكاح رجل على صفة، فزوجت ممن هو على غير تلك الصفة([401]).
ونحن نختار ما ذهب إليه القائلون
بثبوت خيار الفسخ للزوجة إذا فات ما شرطته في الزوج من أوصاف، لأن رضاها بالعقد لم
يتم إلا على هذا الأساس.
ثانياً: إذا كان الشرط من قبل الزوج؟
إذا اشترط الزوج وصفاً معيناً في الزوجة، كالجمال أو
البكارة والرشاقة وصغر السن والإيسار والنسب، فبانت بخلافه.
فهل يثبت له الخيار في فسخ النكاح؟ أم لا يثبت له ذلك
على اعتبار أنه يملك فراقها بالطلاق؟
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
v القول الأول: عدم ثبوت خيار الفسخ للزوج مطلقاً، حتى ولو فات ما اشترطه في الزوجة من
شروط، وذلك لأنه يملك فراقها بالطلاق، إلى هذا ذهب الحنفية، والشافعية، والزيدية والظاهرية،
والإباضية في الراجح عندهم([402])، فقد قال الكمال بن الهمام في فتح القدير (لو شرط الزوج
وصفاً مرغوباً فيه كالعذرة والجمال والرشاقة وصغر السن فظهرت ثيباً عجوزاً شمطاء
ذات شق مائل ولعاب سائل وأنف هائل وعقل زائل لا خيار له في فسخ النكاح به)([403]).
v القول الثاني: ثبوت خيار الفسخ للزوج إذا فات ما اشترطه من وصف، ولو بوصف الولي عند
الخطبة، أما إذا بانت بصفة أحسن مما اشترطها، فلا يثبت له الخيار في الفسخ، وهذا
ما ذهب إليه المالكية، والحنابلة، والجعفرية، وقول مرجوح عند الإباضية([404])، لأنه شرط صفة مقصودة، فلم تتحقق له هذه الصفة، فله
الحق في فسخ النكاح، قياساً على ما لو شرطها حرة فبانت أَمَة، لأنه نقص وضرره
يتعدى إلى الولد([405]).
أما إن شرطها، أو ظنها كافرة (كتابية) فبانت مسلمة، فليس
له الحق في فسخ النكاح، لأن ذلك زيادة خير فيها، وقال أبو بكر: له الخيار، لأنه قد
يكون له غرض في إسقاط العبادات عنها، فيضره فواته([406]).
أما لو شرطها ذات نسب فبانت أعلى مما اشترطه، أو شرطها
على قدر معين من الجمال، فبانت أحسن مما اشترط، فليس له خيار في فسخ النكاح، لأن
ذلك زيادة خير فيها([407]).
ونحن نميل إلى اختيار القول بعدم ثبوت خيار الفسخ للزوج
مطلقاً حتى ولو فات ما اشترطه في الزوجة من أوصاف، وذلك لأنه يملك فراقها بالطلاق([408]).
الفرع الخامس
اشتراط شيئاً لأحد والدي الزوجة
قد تشترط المرأة حين العقد إضافة إلى المهر مالاً أو
منفعة لأبيها أو أمها ويحدث هذا في اليمن كثيراً، وقد اختلف الفقهاء في ذلك على
أقوال:
القول الأول: الشرط صحيح إذا
كانت المنفعة مباحة وكانت مشترطة لأبيها أو أمها أو لذي رحم محرم منها ويجب على
الزوج الوفاء بما اشترطت عليه المرأة فإن لم يف الزوج فإن المرأة تستحق مهر المثل
وليس المهر المسمى لأن المرأة لم ترض بالمهر المسمى إلا على أمل أن يفي الزوج
بالمال أو المنفعة المشترطة لقريب الزوجة فإذا فات ذلك فقد فات رضا الزوجة بالمهر
المسمى، وهذا قول الحنفية([409]).
القول الثاني: يجوز لأبي
المرأة أن يشترط شيئاً من صداق ابنته لنفسه، ولكن إن شرط ذلك غير الأب من الأولياء
كالجد والأخ والعم فالشرط باطل وكان جميع المهر المسمى لها، وهو قول الحنابلة، وقد
قال أبو يعلى الفراء يجوز ولو شرط الأب جميع المهر لنفسه بدليل قصة شعيب، وذهب ابن
قدامة إلى جواز ذلك بالنسبة للأب شريطة ألا يكون
ذلك مجحفاً بمال ابنته([410]). واستدل الحنابلة على ذلك بقوله
تعالى (قال أني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج )([411]). وكذا استدلوا بقوله T
"أنت ومالك لأبيك إن أولادكم من أطيب كسبكم فكلوا من كسب أولادكم"([412]).
القول الثالث: لا يجوز للأب
أن يشترط عطاءً لنفسه من مهر ابنته فإن فعل ذلك فالشرط فاسد وتفسد التسمية ولها مهر
المثل وهذا هو قول الشافعية([413])، لأن المهر لا يجب إلا للزوجة لأنه عوض بضعها فيبقى
مجهولاً لأننا نحتاج أن نضم إلى المهر ما نقص منه لأجل الشرط وذلك مجهول فيفسد.
القول الرابع إذا شرط الأب فإن كان
عند النكاح فهو لابنته وإن كان بعد النكاح فهو له، وهذا ما ذهب إليه المالكية وهو
قول عمر بن عبدالعزيز والثوري وابن عبيد، وحجتهم قوله T
"أيما امرأة نكحت على حباءٍ قبل عصمة النكاح فهو لها وما كان بعد عصمة
النكاح فهو لمن أعطيه وأحق ما أكرم الرجل عليه ابنته وأخته"([414]).
الفرع السادس
اثر فسخ الزواج بسبب عدم الوفاء بالشرط على المهر
ذكرنا سابقاً أن الحنابلة هم الذين ذهبوا إلى القول بفسخ
الزواج لعدم الوفاء بالشرط إذا كان هذا الشرط مما لا يقتضيه العقد، ولا ينافيه كأن
تشترط المرأة على الرجل أن لا يتزوج عليها، أو لا يسافر بها، أو لا ينقلها من
بلدها، أو يسمح لها بالعمل أو الوظيفة أو أن يكون لها مسكناً مستقلاً لا يقيم فيه
غيرها وغير ذلك وذكرنا أن الحنابلة ذهبوا إلى القول بأن الزوج إذا لم يقم بالوفاء
بهذه الشروط كان للزوجة الحق في فسخ عقد النكاح، فإن اختارت الزوجة الفسخ فإما أن
يكون ذلك قبل الدخول، أو بعده.
(أ) إذا اختارت
الفسخ قبل الدخول لعدم وفاء الزوج بالشرط فلا مهر لها، في القول الراجح عند
الحنابلة، لأن الفسخ جاء من قبلها. وذلك لأنها أتلفت المعوض منافع البضع قبل
التسليم للزوج، فسقط البدل المهر كله، كالبائع إذا أتلف العين المبيعة قبل أن يتسلمها المشتري، فإن الثمن يسقط كله عن المشتري([415]).
وذكر ابن مفلح رواية عن أحمد: أنها تستحق نصف المهر إن
اختارت الفسخ قبل الدخول لعدم الوفاء بالشرط.
وذكر أبو بكر: أنه إذا تزوجها بشرط
أن لا يتزوج عليها، أو لا يتسرى، أو لا يخرجها من دارها، فلم يف لها ففسخت، ولم
يكن سمي لها مهراً فلها المتعة([416]).
(ب) أما إذا اختارت
الفسخ بعد الدخول، أو بعد الخلوة، فلها المهر المسمى في العقد، وذلك لأنه نكاح
صحيح توفرت أركانه وشروطه، فتترتب عليه أحكام الصحة، ولأن المهر يجب بالعقد ويستقر
بالخلوة فلا يسقط بحادث بعده([417]).
الفرع السابع
أثر فسخ الزواج بسبب عدم الوفاء بالشرط على العدة
من الآثار المترتبة على الفرقة الحاصلة بين الزوجين بسبب
عدم الوفاء بالشرط، وجوب العدة على المرأة إذا حدث الفسخ بعد الدخول، والعدة في
الشريعة الإسلامية من النظام العام، أي مما يتعلق به حق الله عز وجل، فلا يملك أحد
إسقاطها، وهي تبدأ من لحظة الفسخ، والركن الأساسي لها، هو حرمة الزواج من الغير، أو
أن تخطب من قبل الغير إلا تعريضاً لا تصريحاً([418]).
وقد اتفق الفقهاء على أنه إذا حصل الفسخ قبل الدخول
والخلوة، فلا عدة على المرأة، طالما أنه لم يحصل دخول بها كما اتفقوا على وجوب
العدة إذا وقع الفسخ بعد الدخول، لقوله u: ] يا أيها
الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فمالكم عليهن من عدة
تعتدونها ([419])[وقوله
y:] والمطلقات
يتربصن بأنفسهن ثلاثة قرو~ء.([420])
[.
فالآية الأولى استثنت من وجوب العدة
من طلقت، أو فسخ زواجها قبل الدخول، أو المسيس، ولم تجعل عليها عدة، أما الآية
الثانية، فقد دلّت على أن عدة المطلقة هي ثلاثة قروء، وكذلك من فسخ نكاحها لأي سبب
كان، فإنها تعتد بالعدة ذاتها.
الفرع الثامن
هل لمن فسخت نكاحها لعدم الوفاء بالشرط نفقة أو سكنى أو
متعة؟
يرى فقهاء الحنابلة القائلين بمشروعية الشروط التي لا
يقتضيها العقد في إطلاقه، وكذلك جمهور الفقهاء الذين قصروا مشروعية الشروط على تلك
التي يقتضيها العقد، أنه ليس للمرأة التي فسخت نكاحها، لعدم وفاء الزوج بالشرط
متعة ولا سكنى ولا نفقة إلا أن تكون حاملاً فتجب النفقة للحمل، وذلك لأن السكنى
والنفقة إنما تجب للمرأة التي يملك زوجها عليها الرجعة، أما هذه الزوجة فلا يملك
الزوج نكاحها إلا بعقد جديد، بولي وشاهدي عدل([421]).
وأما سقوط المتعة فلقوله y: ]وللمطلقات متاعٌ بالمعروف حقاً على المُتَقِينَْ[([422])
فقد نصّت الآية الكريمة على أن المتعة مختصة بكل مطلقة
دون غيرها ممن فسخ نكاحها، لأي سبب كان، ومن ذلك الفسخ لعدم الوفاء بالشرط.
جاء في كشاف القناع في معرض ذكره لفرق الزواج وما يترتب
عليها من آثار( أو فسخه لفقد صفة شرطها فيها، كان شرطها بكراً فبانت ثيباً وفسخ
قبل الدخول، فإنه يسقط به مهرها، وتسقط به أيضاً متعتها إن كانت مفوّضة، أو سمي
لها مهر فاسد، لأنها أتلفت العوض قبل تسليمها، فسقط البدل كله كالبائع يتلف المبيع
قبل تسليمه، وكذا فسخها بشرط صحيح شرط عليه حال العقد، كأن تزوجها بشرط أن لا
يتزوج عليها، أو لا يتسرى أو لا يخرجها من دارها فلم يف به، فلا مهر لها ولا
متعة"([423])، وهذا هو القول الراجح والمفتى به عند الحنابلة.
وذكر أبو بكر أنه إذا تزوجها بشرط
أن لا يتزوج عليها، أو لا يتسرى أو لا يخرجها من دارها، فلم يف لها، ففسخت ولم يكن
قد سمي لها مهراً، فلها المتعة([424]).
الفرع التاسع
هل يحتاج الفسخ بسبب تخلف الشرط أو الوصف إلى حكم
القاضي؟
إذا اشترطت الزوجة لنفسها، أو شرط لها زوجها في عقد
النكاح شرطاً صحيحاً من الشروط السابق بيانها، فلم يف الزوج بالشرط، وأرادت الزوجة
فسخ النكاح لعدم وفاء الزوج بالشرط، أو تخلف الوصف فهل يجب عليها رفع الدعوى
بالفسخ إلى القاضي المختص، أم تملك هي فسخ النكاح بإرادتها دون حاجة إلى مراجعة
القاضي ورفع دعوى الفسخ إليه؟
الظاهر أنه لا بد من رفع الدعوى إلى القاضي للحكم
بالتفريق وفسخ النكاح، وذلك لسببين:
أولهما: أن التفريق لعدم الوفاء بالشرط محل
خلاف بين الفقهاء، من جهة جواز الشروط في النكاح، وما يجوز اشتراطه من الشروط وما
لا يجوز منها، وفي إيقاع التفريق لعدم الوفاء بالشرط، كما سبق أن ذكرنا، ولا شك أن
حكم القاضي هو الذي يرفع الخلاف في مثل هذه الأمور الاجتهادية الخلافية، ويكون
حكمه ملزماً لذوي الشأن([425]).
قال الشيخ منصور البهوتي بعد أن ذكر
أن خيار الشروط على التراخي، فقال: "ولا يصح الفسخ في خيار الشرط إلا بحكم
حاكم، لأنه فسخ يجتهد فيه فافتقر إليه"([426]).
وقال الشيخ ابن مفلح في المبدع:
"ولا يجوز الفسخ إلا بحكم حاكم في الأصح، لأنه فسخ مختلف فيه"([427]).
ثانيهما: أن التفريق لا
يقع إلا بعد إثبات عدم وفاء الزوج بالشرط، ولا يجوز أن تكون الزوجة هي الخصم
والحكم في هذه المسألة، وذلك بأن تقرر ثبوت عدم الوفاء بالشرط من قبل الزوج، وتصدر
حكمها بالتفريق، وإنما عليها أن ترفع دعواها بالفسخ إلى القاضي، وأن تقدم البينة
الشرعية على عدم وفاء الزوج بالشرط حسب القاعدة الشرعية التي تنص على أن:
"البينة على المدعي"([428])، فإذا استطاعت إثبات ذلك حَكَمَّ القاضي بالتفريق
بينهما، أي بفسخ النكاح.
ومن حق القاضي "أيضاً عندما يقوم بفسخ النكاح بين
الزوجين لعدم وفاء الزوج بالشرط" أن يرد أمر الفسخ إلى الزوجة فتفسخه، طالما
أن الأمر بحضوره.
قال الزركشي: "والمراد بحكم
الحاكم: أن يحكم بالفسخ، أو يأذن فيه أو يفسخ ولا يختار إلا بطلب من له الفسخ، وحيث
يقع الفسخ كان فسخاً وليس بطلاق"([429]).
ويصح الفسخ من المرأة حيث ملكته في غيبة الزوج بنفس
القاضي، لكن الأولى فسخة بحضور الزوج، خروجاً من خلاف من منعه في غيبته.
جاء في كشاف القناع:" فيفسخه أي النكاح الحاكم، أو
يرده أي الفسخ إلى من له الخيار، فيفسخه، ويصح الفسخ من المرأة حيث ملكته في غيبة
الزوج، والأولى الفسخ في حضوره، خروجاً من خلاف من منعه في غيبته"([430]).
الفرع العاشر
هل يحق للزوج أن
يتزوج مرة ثانية من فسخت نكاحها منه
يجوز للزوج أن يتزوج من اختارت فسخ نكاحها منه لعدم
الوفاء بالشرط، والفسخ في هذه الحالة، كالفسخ لخيار العيب، لا ينقص عدد الطلقات، لأنه
ليس بطلاق وللزوج مراجعتها بنكاح جديد، بولي وشاهدي عدل. وتكون عنده على طلاق ثلاث،
حيث لم يسبق له طلاق، كما في سائر الفسوخ كالفسخ لإعساره بالصداق أو بالنفقة، إلا
فرقة اللعان فإن الملاعنة تحرم على الملاعن أبداً([431]).
هذا وخيار الفسخ لعدم وفاء الزوج بالشرط يختص بعقد
النكاح الذي ورد فيه الشرط فإذا طلقها الزوج لأي سبب كان، أو فرّق القاضي بينهما
لعدم وفاء الزوج بالشرط، ثم عقد الزوج عليها عقد نكاح جديد، ليس فيه الشرط القديم
لم يثبت لها خيار الفسخ إذا خالف الزوج مضمون الشرط الذي ورد في النكاح الأول
(القديم) لأنه لم يرد في عقد النكاح الجديد([432]).
الفرع
الحادي عشر
مسقطات حق الزوجة في الفسخ عند الإخلال بالشرط
بناءً على مذهب الحنابلة القائلين بصحة الشروط التي لا
يقتضيها العقد في إطلاقه، وثبوت الحق للزوجة في فسخ العقد عند إخلال الزوج بالشرط
يظل ثابتاً لها على التراخي فلا يلزمها استعمال هذا الخيار عند الإخلال بالشرط
فوراً لأنه خيار يثبت لدفع الضرر عنها فكان على التراخي تحصيلاً لمقصودها، ولأنها
أدرى بمصلحتها وأعرف بما ينفعها من الفورية أو التراخي في الفسخ، أو التأني
والتراخي فيه([433])، فلا يسقط هذا الخيار إلا بإحدى المسقطات الآتية:
(1) الرضا بإخلال
الزوج بالشرط:
فخيار الزوجة في فسخ النكاح، لعدم وفاء الزوج بالشرط لا
يسقط إلا برضاها بعدم وفاء الزوج بالشرط، سواء ًكان هذا الرضا بالقول، أو بالفعل، بأن
تمكنه من نفسها بالوطء، مع علمها بعدم وفائه بالشرط، فإن لم تعلم بعدم وفائه
بالشرط ومكنته من وطئها، لم يسقط خيارها، لأن موجبه لم يثبت، فلا يكون له أثر
كالمسقط لشفعته قبل البيع ([434])
(2)
زوال سبب الشرط:
فلو شرط لها أن لا يخرجها من منزل أبويها، أو شرطت هي
ذلك، فمات الأب، أو الأم، بطل الشرط. لأن المنزل صار لأحدهما بعد أن كان لهما، وبالتالي
فإن السبب الذي من أجله كان الشرط لا محل له، ويقاس على ذلك سائر الشروط التي
شرطتها الزوجة مما لا يقتضيه العقد في إطلاقه([435]).
(3) استحالة تنفيذ
الشرط:
فلو شرطت عليه أن لا يخرجها من منزلها، فتعذر سكنى
المنزل الذي اشترطت سكناه بخراب وغيره. سكن الزوج بها حيث أراد، وسقط حقها من
الفسخ. لأن الشرط عارض وقد زال فرجعنا إلى الأصل، والسكنى محض حقه.
هذا وحق الزوجة في فسخ النكاح لعدم وفاء الزوج بالشرط، لا
يسقط حق الزوج في طلاق زوجته بمحض إرادته، ولكن إذا لم يف بالشرط، وقبل أن تطلب
الزوجة فسخ النكاح، قام الزوج بتطليقها، فهل يقع طلاقه؟
قال ابن تيمية: "وإذا شرط الزوج
للزوجة في العقد أو اتفقا قبله أن لا يخرجها من دارها أو بلدها أو لا يتزوج عليها
صحّ الشرط وهو مذهب الإمام أحمد، وإذا فعل ذلك ثم قبِّلَ أن تفسخ طلّق فقياس
المذهب أنها لا تملك الفسخ([436]).
والزوج يملك طلاقها قبل أن ترفع
دعواها بالفسخ إلى القاضي، لكن إذا رفعت الدعوى بالفعل، فينبغي القول بلزوم انتظار
نتيجة الدعوى، فإذا ثبت لدى القاضي ما تدّعيه الزوجة من إخلال الزوج بالشروط التي
اشترطتها، وأصدر حكمه بالتفريق بينهما، لم يملك الزوج تطليقها لكن إن لم تثبت ما
تدعيه من إخلال الزوج بالشرط، وردّت دعواها كان له أن يطلقها([437]). والله أعلم.
الفرع الثاني عشر
فسخ الزواج بسبب تخلف الشرط أو فوات الوصف في قوانين
الأحوال
الشخصية العربية
أولاً:فسخ الزواج بسبب تخلف الشرط أو الوصف في قانون الأحوال الشخصية
اليمني:
تنص الفقرة (5) من المادة (7) من هذا القانون
على أن (يلغى كل شرط لا يتعلق به غرض مشروع لأحد الزوجين أو يخالف موجب العقد)
وطبقاً لهذا النص فإن الشرط إذا كان مشروعاً وغير مخالف لموجب العقد فهو جائز في
القانون اليمني، ويظهر أن القانون قد أخذ بقول الحنابلة إلى حد ما كما سنرى، وضمن
حقوق الزوج على الزوجة نصت المادة (40) فقرة (1) على أنه يجب على الزوجة للزوج
(الانتقال معه إلى منزل الزوجية ما لم تكن قد اشترطت عليه في العقد البقاء في
منزلها أو منزل أسرتها فيكون عليها تمكينه من السكن معها والدخول عليها)، وهذا
تأكيد على أن القانون اليمني يجيز الشروط التي لا تنافي عقد الزواج ولا تخل
بمقصوده وهو قول الحنابلة كما تقدم، وفي هذا السياق تأتي المادة (42) التي تنص على
أنه (وللزوج أن يسكن مع زوجة أولاده منها ومن غيرها ولو كانوا بالغين وأبويه
ومحارمه من النساء إذا كان إسكانهم واجباً عليه بشرط اتساع المسكن لسكناهم، وعدم
مضارة الزوجة وأن لا تكون قد اشترطت غير ذلك عند العقد)، وهذا النص شاهد آخر على
أن القانون اليمني قد أجاز الشروط التي لا تنافي عقد الزواج ولا تخل بمقصوده، إلا
أن القانون اليمني عندما ذكر أسباب فسخ الزواج في المواد من (43)إلى(57) وخصص
باباً مستقلاً لأسباب الفسخ لم يذكر الفسخ بسبب تخلف الشرط أو فوات الوصف في هذا
الباب، وبمعنى آخر أن القانون لم ينص على الجزاء أو الأثر المترتب على تخلف الشرط
أو الوصف، وقد ذكرنا فيما تقدم أن الجزاء على تخلف الشرط الذي لا ينافي عقد الزواج
هو فسخ الزواج عند العلماء الذين يجيزون الشروط التي لا تنافي عقد الزواج، وكان
الأولى أن ينص القانون اليمني على جزاء عدم الوفاء بالشرط كما صنعت قوانين الأحوال
الشخصية في دول عربية كثيرة كما سنرى، وقد قضت إحدى دوائر المحكمة العليا باليمن
بتاريخ 4/11/1999م في الطعن رقم (445) لسنة 1420هـ (شخصي) بأنه (وبعد المداولة
وإمعان النظر والتأمل وجدنا أن ما قضت به محكمة استئناف العاصمة من وجوب الوفاء
بالشرط وهو إسكان زوجته فلانه بنت فلان في مدينة صنعاء موافقاً لوجود الالتزام من
الزوج "فالمؤمنون عند شروطهم")([438])، فالحكم قضى بإلزام الزوج بإسكان الزوجة بمدينة صنعاء
تنفيذاً للشرط، ولكن هل يجوز للقاضي أن يحكم بالفسخ؟ كان ينبغي على القانون
الإجابة على ذلك، علماً بأن نموذج عقد الزواج النافذ باليمن ليس فيه حيزاً للشروط
التي قد تشترطها المرأة عند العقد لاسيما وأن القانون قد نص على أن الاشتراط
المعوّل عليه قانوناً هو الاشتراط عند العقد في وثيقة العقد كما هو السائد في
نماذج عقود الزواج المعمول بها في الدول العربية.
ثانياً: فسخ الزواج لتخلف الشرط أو الوصف في قانون الأحوال الشخصية المصري:
سلك هذا القانون مسلكاً قريباً من مذهب الحنابلة، حيث
أوجبت لائحة المأذونين الجديدة الصادرة في 15/8/2000م في المادة (33) على المأذون
قبل توثيق العقد أن يبصر الزوجين أو من ينوب عنهما بما يجوز لهما الاتفاق عليه في
عقد الزواج من شروط خاصة، ومنها على سبيل المثال:
(أ) الاتفاق على من
تكون له ملكية منقولات منزل الزوجية.
(ب)الاتفاق على من
يكون له حق الانتفاع وحده بمسكن الزوجية في حالتي الطلاق أو الوفاة.
(ج) الاتفاق
على عدم اقتران الزوج بأخرى إلا بإذن كتابي من الزوجة.
(د) الاتفاق
على رصد مبلغ مقطوع أو راتب دوري يدفعه الزوج للزوجة إذا طلقها بغير رضاها.
(هـ) الاتفاق
على تفويض الزوجة في تطليق نفسها.
وذلك كله فيما يزيد على الحقوق
المقررة شرعاً وقانوناً، ولا يمس حقوق الغير وعلى المأذون أن يثبت ما تم الاتفاق
عليه من المسائل السابقة، أو أي اتفاق آخر لا يحل حراماً، أو يحرم حلالاً، في
المكان المعد لذلك بوثيقة الزواج).
ومن هذا النص نجد أن قانون الأحوال الشخصية المصري قد
أخذ بمذهب الحنابلة، واعتبر الشرط التي تشترطها الزوجة على زوجها في عقد الزواج
شروطاً صحيحة، يحق للزوجة بمقتضاه طلب فسخ عقد الزواج إذا لم يفِّ بها الزوج، طالما
أن هذه الشروط داخلة في الإطار التشريعي الذي لا يحرّم حلالاً، أو يحل حراماً، وللزوجة
أو من ينوب عنها أن تشترط ذلك في العقد، قد ذكر النص جملة من الشروط على سبيل
المثال لا الحصر([439]).
ثالثاً: فسخ الزواج بسبب تخلف الشرط أو فوات الوصف في قانون الأحوال
الشخصية الأردني:
نصّت المادة (19) من هذا القانون على أنه (إذا اشترط في
العقد شرط نافع لأحد الطرفين ولم يكن منافيّاً لمقاصد الزواج ولم يكن محظوراً
شرعاً وسجل في وثيقة العقد وجبت مراعاته وفقاً لما يلي:
- إذا اشترطت
الزوجة على زوجها شرطاً تتحقق لها به مصلحة غير محظورة شرعاً ولا يمس حق الغير كأن
تشترط عليه أن لا يخرجها من بلدها أو أن لا يتزوج عليها أو أن يجعل أمرها بيدها
تطلق نفسها إذا شاءت أو أن يسكنها في بلد معين كان الشرط صحيحاً وملزماً فإن لم يف
به الزوج فسخ العقد بطلب الزوجة ولها مطالبته بسائر حقوقها الزوجية.
-
إذا اشترط الزوج على زوجته شرطاً
تتحقق له به مصلحة غير محظورة شرعاً ولا يمس حق الغير كأن يشترط عليها أن لا تعمل
خارج البيت أو أن تسكن معه في البلد الذي يعمل هو فيه كان الشرط صحيحاً وملزماً، فإن
لم تف به الزوجة فسخ النكاح بطلب من الزوج وأعفي من مهرها المؤجل ومن نفقة عدتها.
أما إذا قيد العقد بشرط ينافي مقاصده أو يلتزم فيه بما
هو محظور شرعاً كأن يشترط أحد الزوجين على الآخر أن لا يساكنه أو أن لا يعاشره
معاشرة الأزواج أو أن يشرب الخمر أو أن يقاطع أحد والديه كان الشرط باطلاً والعقد
صحيحاً)، ومن استقراء هذا النص يظهر بجلاء تام أنه قد أخذ بقول الحنابلة في هذا
الشأن، كما أنه قد نص على جزاء عدم الوفاء بالشرط وهو فسخ عقد الزواج عند تخلف
الشرط، كما أن الشروط المنصوص عليها في هذه المادة مذكورة على سبيل المثال لا
الحصر.
رابعاً: فسخ الزواج بسبب تخلف الشرط أو الوصف في قانون الأحوال الشخصية
السوري:
نصّت المادة (14) من هذا القانون على أن:
1- إذا قيد عقد
الزواج بشرط ينافي نظامه الشرعي أو ينافي مقاصده، ويلتزم فيه ما هو محظور شرعاً
كان الشرط باطلاً والعقد صحيحاً.
2- وإذا قيد بشرط يلتزم للمرأة مصلحة غير محظورة شرعاً ولا تمس حقوق غيرها، ولا
تقيد حرية الزوج في أعماله الخاصة المشروعة كان الشرط صحيحاً ملزماً.
3- وإذا اشترطت
المرأة في عقد النكاح ما يقيد حرية الزوج في أعماله الخاصة أو يمسّ حقوق غيرها كان
الاشتراط صحيحاً ولكنه ليس بملزم للزوج، فإذا لم يفِ الزوج به فللزوجة المشترطة
طلب فسخ النكاح.
ومن ذلك يعلم أن المشرّع السوري قد نهج في الاشتراط هنا
منهج الحنابلة الذين يرون أن الأصل صحة الاشتراط ما لم يرد نص محرم له، خلافاً
للجمهور الذين يرون أن الأصل تحريم الاشتراط إلا شرطاً ورد النص به.
خامساً: فسخ الزواج بسبب تخلف الشرط أو الوصف في مدونة
الأسرة المغربية (قانون الأحوال الشخصية المغربي):
نصّت المادة (47) من هذه المدونة على أن (الشروط كلها
ملزمة إلا ما خالف منها أحكام العقد ومقاصده وما خالف القواعد الآمرة للقانون
فيعتبر باطلاً والعقد صحيحاً).
أما المادة (48) فقد أجازت الاشتراط للزوجين أخذاً بمذهب
الحنابلة في هذا الشأن ولم تأخذ برأي الجمهور ومنهم المالكية الذي نص القانون
المغربي في المادة (400) على أن المرجع للقانون هو القول الراجح لدى المالكية، وقد
نصّت المادة (48) على أن (الشروط التي تحقق فائدة مشروعة لمشترطها تكون صحيحة
وملزمة لمن التزم بها من الزوجين، وإذا طرأت ظروف أو وقائع أصبح معها التنفيذ العيني للشرط مرهقاً أمكن للملتزم به أن يطلب من
المحكمة إعفاءه منه أو تعديله ما دامت تلك الظروف أو الوقائع قائمة)، كما تنص
المادة (40) على أنه (يمنع الزواج بأخرى في حالة وجود شرط من الزوجة بعدم التزوج
عليها) في حين بيّنت المادة (67) ما يجب أن يتضمنه عقد الزواج ومن ذلك (الشروط
المتفق عليها بين الطرفين) كما أن القانون المغربي ينص على فسخ الزواج في حالة عدم
الوفاء بالشرط أو تخلف الوصف، فقد ذكرت المادة (98) بعض أسباب الفسخ
"التطليق" حيث نصّت هذه المادة على أن (للزوجة طلب التطليق بناءً على
أحد الأسباب الآتية:-1- إخلال الزوج بشرط من شروط عقد الزواج. -2-الضرر. -3- عدم
الاتفاق. -4-الغيبة. -5-العيب. -6-الإيلاء والهجر)، إلا أن هذا النص قصر الحق في
الفسخ عند عدم الوفاء بالشرط على الزوجة فقط دون الزوج، علماً بأن الحنابلة، وحدهم
الذين يذهبون للفسخ لعدم الوفاء بالشرط أو تخلف الوصف، ينصون على أن الحق في الفسخ
في هذه الحالة للزوج والزوجة معاً، كما أن القانون المغربي يخلط بين الفسخ لعدم
الوفاء بالشرط والفسخ للضرر، حيث تنص المادة (99) على أنه (يعتبر كل إخلال بشرط في
عقد الزواج ضرراً مبرراً لطلب التطليق)، ومعلوم أن الضرر يصلح أساساً متيناً
وشاملاً في كل حالات وأسباب الفسخ بما فيها الفسخ لعدم الوفاء بالشرط كما سبق أن
رجحنا عند بيان الأساس الفقهي لفسخ الزواج، وربما أن القانون المغربي قد أراد بهذا
النص التأصيل الفقهي المالكي لفسخ الزواج لعدم الوفاء بالشرط لأن المالكية توسعوا
كما سنرى لاحقاً في الفسخ للضرر في حين أن الفسخ بسبب عدم الوفاء بالشرط كسبب
مستقل للفسخ لا وجود له في المذهب المالكي، وإنما هو قول الحنابلة، ومعلوم أن
القانون المغربي ينص على أن المذهب المالكي هو مرجع هذا القانون وقد أشرنا إلى أن
الإمام مالك رحمه الله قد صرّح بكراهية الشروط في الزواج مطلقاً.
سادساً: فسخ الزواج بسبب تخلف الشرط
أو الوصف في قانوني الأحوال الشخصية في الكويت وقطر:
لم ينص هذا القانونان على أحكام فسخ الزواج لتخلف الشرط
أو فوات الوصف، وعلى هذا الأساس فإن المعمول به في الكويت عند عدم وجود النص هو
القول المشهور في مذهب المالكية ومعلوم أن المالكية لا يقولون بالفسخ لتخلف الشرط
حسبما سبق بيانه، أما في قطر فإن القانون فيها لم ينص على المرجع عند عدم وجود
النص، وهذا ما يؤخذ عليه.
سابعاً:فسخ الزواج بسبب تخلف الشرط في قانون الأحوال الشخصية بدولة
الإمارات:
تنص المادة (20) فقرة "4" من هذا القانون على
أنه (إذا اشترط في عقد الزواج شرط لا ينافي أصله ولا مقتضاه وليس محرماً شرعاً صح
الشرط ووجب الوفاء به وإذا أخل به من شرط عليه كان لمن شرط له طلب فسخ الزواج
سواءً أكان من جانب الزوجة أم من جانب الزوج ويعفى الزوج من نفقة العدة إذا كان الإخلال
من جانب الزوجة)، وقد نصت المادة ذاتها في الفقرة "5" على أنه (إذا
اشترط أحد الزوجين في الآخر وصفاً معيناً فتبين خلافه كان للمشترط طلب فسخ الزوج)
وفي السياق ذاته نصت الفقرة "6" من المادة ذاتها على أنه (لا يعتد عند
الإنكار بأي شرط إلا إذا نص عليه كتابة في عقد الزواج الموثق) كما نصت الفقرة
"7" من المادة ذاتها على أن (يسقط حق الفسخ بإسقاط صاحبه أو رضائه
بالمخالفة صراحة أو ضمناً ويعتبر في حكم الرضاء الضمني مرور سنة على وقوع المخالفة
مع العلم بها وكذا بالطلاق البائن).
ثامناً: فسخ الزواج بسبب تخلف الشرط أو الوصف في قانون الأحوال الشخصية
العماني:
تنص المادة (5) من هذا القانون على أنه ("أ-
الأزواج عند شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً. "ب- إذا اقترن العقد
بشرط ينافي غايته أو مقاصده فالشرط باطل والعقد صحيح. "ج- لا يعتد بأي شرط
إلا إذا نص عليه صراحة في عقد الزواج. "د- للمتضرر من الزوجين عند الإخلال
بالشرط طلب التطليق) وهذا النص يماثل نظيره الإماراتي إلا أنه لم ينص على مسقطات
حق الفسخ كما ورد في القانون الإماراتي.
المطلب الثالث
فسخ
الزواج بسبب خياري البلوغ والإفاقة
وسنبين في هذا المطلب أحكام ولاية الإجبار على الزواج
وحكم خيار الفسخ بسبب البلوغ والإفاقة، ونوع الفرقة بسبب خياري البلوغ والإفاقة
وأثرها على المهر والعدة والنفقة ثم نبين موقف قوانين الأحوال الشخصية من ذلك، وسيكون
ذلك على الوجه الآتي:
الفـــرع الأول
ولايـــة الإجبـــار
أجمع الفقهاء على أن للأب تزويج ابنه الصغير جبراً عنه
بحق الولاية، وكذلك ابنته الصغيرة البكر دون رضاها، كما أجمعوا على أن ليس للأب
تزويج ابنه الكبير ولا ابنته الكبيرة الثيب دون رضاهما، واختلفوا في حقه في إجبار
ابنته الصغيرة الثّيب أو الكبيرة البكر([440]).
فذهب الحنفية والزيدية والمالكية
إلى أن له تزويج ابنته الصغيرة مطلقاً، ثيباً كانت أم بكراً، وليس له تزويجها إذا
بلغت، ثيباً كانت أم بكراً لأن العلة هي الصغر وليست الثيوبة([441]).
وذهب الحنابلة والشافعية إلى أن للأب تزويج ابنته البكر،
صغيرة كانت أم كبيرة، وليس له إجبارها على الزواج إذا كانت ثيباً، صغيرة كانت أم
كبيرة. فإذا كانت كبيرة زوّجها بإذنها، وإن كانت صغيرة لم يزوجها أحد حتى تبلغ، لأنه
لا إذن لها قبل البلوغ، وقيل للسلطان تزويجها إذا رضيت.
من تثبت عليه ولاية الإجبار؟
تثبت ولاية الإجبار على كل شخص فاقد الأهلية سواءً كان
ذكراً أم أنثى ومن ذلك الصغير والصغيرة والمجنون والمجنونة، وبيان ذلك على الوجه
الآتي:
(1) الصغيرة: يجوز تزويجها عند عامة الفقهاء، فإذا زوّجها أبوها فالزواج لازم باتفاق
الفقهاء، وكذلك الجد عند الحنفية والشافعية والزيدية، ولا يجوز أن يزوجها غير الأب
عند المالكية، ووصى الأب كالأب عند المالكية والحنابلة.
فإن زوجها غير الأب والجد فيجوز ذلك الزواج عند الحنفية
والزيدية ويكون الزواج موقوفاً على الإجازة عند البلوغ فإن أجازت نفّذ الزواج وإن
لم تُجِزْ كان لها فسخ النكاح، وعند الزيدية يجوز الفسخ حتى لو كان الإجبار على
الزواج من قبل الجد وبمعنى آخر أن لها خيار الفسخ في كل الأحوال إلا في حالة واحدة
وهي حالة الإجبار من الأب فقط([442]).
(2) الصغير: يجوز زواجه عند جمهور الفقهاء إلا أنه لا يجوز أن يزوجه غير الأب والجد في
مذهب الحنفية والزيدية ويكون زواجه موقوفاً على الإجازة عند البلوغ، وخالف في ذلك
ابن حزم الظاهري فقال: أنه لا يجوز للأب ولا لغيره زواج الصغير الذكر حتى يبلغ فإن
زوجه أحد فهو مفسوخ أبداً([443]).
(3) المجنونة: إن كانت المجنونة ممن تجبر على الزواج كالبكر البالغة العاقلة جاز إجبارها
باتفاق الفقهاء، والعلة في جواز إجبارها على الزواج عند الحنفية والزيدية هي
الجنون، أما العلة في ذلك عند المالكية والشافعية هي كالبكارة والجنون معاً إلا أن
إجبارها عندهم مع عدم عقلها من باب أولى([444]) وقال بعض الفقهاء إذا كانت المجنونة ثيباً فليس عليها
ولاية إجبار مطلقاً([445]).
وهذا القول مردود لأن ولاية الإجبار
انتفت عن العاقلة لرأيها، أما المجنونة فلا رأي لها فمتى احتاجت إلى الزواج فعلى
وليها أن يزوجها سداً لذريعة الوقوع في الفاحشة.
(4) المجنون: اختلف الفقهاء في جواز تزويجه، فيرى بعضهم أن يجوز تزويجه مطلقاً سواءً
ظهرت منه إمارات الشهوة أم لا، ويرى بعضهم أنه يجوز تزويجه إن ظهرت منه إمارات
الشهوة وحاجته إلى النساء، وهذا مذهب الشافعية وجماعة من الفقهاء وحجتهم في ذلك
بأن عدم تزويجه مع حاجته لذلك إضرار به، وكذلك إذا تم تزويجه مع عدم حاجته للنساء
فإن ذلك أيضاً إضرار به فيتحقق بإلزامه حقوقاً لا مصلحة له بها في التزامها، وقال
بعضهم أنه لا يجوز إجباره على الزواج مطلقاً لأنه رجل فلم يجز إجباره على النكاح
كالعاقل([446]).
وقال زفر من الحنفية: إن طرأ عليه الجنون بعد البلوغ لم
يجز تزويجه وإن كان قبله جاز ذلك([447]).
وقد رجّح الدكتور القليصي رحمه الله جواز تزويج المجنون
مطلقاً سواءً ظهر منه الاحتياج إلى النساء أم لا لأنه يعتبر كالصغير فإن جاز تزويج
الصغير مع عدم حاجته في الحال فيجوز تزوج المجنون من باب أولى، هذا إذا كان الجنون
خفيفاً لا يخشى منه الضرر على الزوجة ولا ينتقل مرضه إلى نسله أما إذا توقع منه أن
يضر بها أو كان مرضه ينتقل إلى أولاده فلا يجوز تزويجه([448]).
الفرع الثاني
حكم خيار البلوغ والإفاقة
سبق القول أن الصغير والصغيرة
والمجنون والمجنونة إذا زوجهم غير الأب مطلقاً فيجوز للصغير إذا بلغ أو المجنون
إذا ما أفاق أن يفسخ عقد الزواج عند الزيدية، وعند الحنفية يجوز فسخ عقد الزواج
إذا كان الولي الذي عقد لأي من هؤلاء غير الأب والجد.
هل يكون خيار البلوغ والإفاقة على التراخي؟
عند الزيدية والحنفية يكون الخيار في البلوغ والإفاقة
على التراخي لا على الفور، فلكلّ من الصغير والمجنون بعد البلوغ والإفاقة أن يختار
الفسخ في أي وقت شاء ذلك. ولو امتد الزمن مدة طويلة ما لم يظهر منه رضاً بالعقد
صراحة أو دلالة، أما الرضا صراحة فكأن يقول من له الحق في الخيار بعد ثبوت الحق
له: أجزت النكاح أو أسقطت خياري في الفسخ، وأما الرضا دلالة فكأن تمكن المرأة
الزوج من وطئها، أو تطلب منه مهرها أو نفقتها، أو أن يطأها الزوج أو يشتري لها بعض
الحلي وغيرها، وهذا بالنسبة للرجل والمرأة الثيب.
أما بالنسبة للبكر، فإن مجرد سكوتها عن الفسخ لحظة واحدة
بعد بلوغها وإفاقتها يعتبر رضاً منها بالعقد مسقطاً لخيارها، إذا أن سكوتها يعتبر
إذناً منها بالزواج، وإجازة له دون الثيب والغلام، فإن السكوت لا يعتبر رضاً منهما،
لقول النبي e: "الثيب تستأمر، والبكر
إذنها صمتها".
وبذلك يكون الخيار في حق البكر على الفور. إذ إن حقها في
الفسخ يسقط بتأخرها عن الفسخ لحظة واحدة بعد البلوغ أو الإفاقة وذلك لاعتبار
سكوتها في ذلك رضاً بالنكاح.
هذا ولا يعتبر السكوت في حق البكر رضاً بالزواج إلا إذا
كانت عالمة بالعقد، فإذا بلغت وسكتت مدة ثم ادّعت عدم علمها بالنكاح فإنها تصدق
بيمينها، لأن ذلك محتمل في حقها.
فإذا سكتت البكر، أو وطئ الغلام زوجته، أو مكّنت الثيب
من نفسها بعد البلوغ والإفاقة، ثم ادّعوا الجهل بحقهم في الخيار، هل يصدقون؟
القول المختار أنهم لا يصدقون في شيء من ذلك، لأنه لا
عبرة بالجهل بالأحكام في دار الإسلام.
الفرع الثالث
نوع الفرقة بسبب خيار البلوغ والإفاقة وطريق وقوعها
وصاحب الحق فيها:
(1) نوع الفرقة:
الفرقة بخيار البلوغ والإفاقة عند الحنفية
فسخ لا طلاق، سواءً أكانت بخيار الزوج أو الزوجة. لأنها ناتجة عن عدم لزوم العقد
من أساسه في حقهم بحيث ترجع الفرقة بعد وقوعها على العقد بالنقض من أساسه فتكون
فسخاً لا طلاقاً.
(2) طريق وقوعها:
الفرقة بخيار البلوغ والإفاقة لا بدّ لوقوعها من قضاء القاضي، لأنها
فرقة مجتهد فيها ومختلف فيها بين الفقهاء. وما كان كذلك من الفرق لا يقع بغير
قضاء. ثم هي ثابتة لدفع ضرر خفي، وهو إمكان وجود الخلل في المصلحة التي قام العقد
عليها([449]).
(3) صاحب الحق في
الفرقة:
صاحب الحق في الفرقة بخيار البلوغ أو الإفاقة هو الغلام
أو البنت البالغان أو المفيقان من جنون مطبق، لذلك لا يحق للقاضي فسخ النكاح دون
طلب منهما. لأنه حقهما، ولو فسخه دون طلب منهما كان الفسخ باطلاً لعدم قيام شرطه
والعقد صحيح نافذ على حاله([450]).
الفرع الرابع
أثر الفسخ بخيار البلوغ والإفاقة على المهر والعدة
والنفقة
(1) أثره على المهر:
إذا وقع الفسخ بخيار أحد الزوجين بعد البلوغ والإفاقة
قبل الدخول وما في حكمه لم يكن للزوجة مهر مطلقاً سواء كان الفسخ بخيار الزوجة أو
خيار الزوج، أما إذا كان الفسخ بخيار الزوجة فواضح لحدوث الفرقة من قبلها وهي فسخ،
وأما إن كانت من قبل الزوج فالحال كذلك لأنها فسخ أي نقض للعقد من أساسه فلا يكون
للزوجة فيها شيء من المهر.
وإن كانت الفرقة أو الفسخ بعد الدخول وما في حكمه من الخلوة أو
الموت عندما يرى ذلك فيكون للزوجة عندئذ كامل المهر المسمى إن كان في العقد مسمى
صحيح ولها مهر المثل إن لم يكن في العقد مسمّى صحيح لأن الدخول بعد الزواج الصحيح
يثبت فيه المهر كاملاً.
(2) أثره على العدة:
حكمها يختلف بحسب الدخول أو عدمه فإذا كانت الفرقة أو
الفسخ قبل الدخول فلا عدة مطلقاً على الزوجة لأن العدة شرعت لاستبراء الرحم وما
دام لم يحصل دخول فلا حاجة إليها، وإن كانت الفرقة بعد الدخول أو ما يقوم مقامه
فإن عليها العدة لأن الدخول لا يخلو من عدة في الجملة ما لم يكن زناً صريحاً، والدخول
هنا في زواج صحيح فتجب فيه العدة، والعدّة هنا عدة الطلاق التي تكون بعدد الحيضات
أو بوضع الحمل حسب حال المرأة([451]).
(3) أثره على النفقة
في العدّة:
الحنفية يذهبون إلى أن لها نفقة
العدة حكمها في ذلك كحكم المطلقة لأنها محبوسة لحق الزوج فيجب على الزوج نفقتها
سواءً كانت حائلاً أو حاملاً، وذهب جمهور العلماء إلى أنها لا نفقة لها إذا كانت
حائلاً لأنها مبتوته ولا نفقة عندهم لغير المطلقة بطلاق رجعي، أما إذا كانت حاملاً
كان لها النفقة مدة العدة لحق الولد([452]).
الفرع الخامس
فسخ الزواج
بخياري البلوغ و الإفاقة في قوانين
الأحوال الشخصية في الدول العربية
أولاً:فسخ الزواج بالبلوغ والإفاقة في قانون الأحوال الشخصية اليمني:
تنص المادة (10) من هذا القانون على أن (كل عقد بني على
إكراه الزوج أو الزوجة لا اعتبار له) في حين تنص المادة (11) على أنه (1- لا يعقد
زواج المجنون أو المعتوه إلا من وليه بعد صدور إذن من القاضي بذلك.-2-لا يأذن
القاضي بزواج المجنون أو المعتوه إلا بتوافر الشروط الآتية:"أ"قبول
الطرف الآخر التزوج من بعد إطلاعه على حالته. "ب"كون مرضه لا ينتقل منه
إلى نسله. "ج"كون زواجه فيه مصلحة له ولا ضرر لغيره. "د"يتم
التثبت من الشرطين الأخيرين المذكورين في الفقرة السابقة من هذه المادة بتقرير من
ذوي الاختصاص) وفي السياق ذاته تنص المادة (15) على أن (عقد ولي الصغيرة بها صحيح
ولا يمكن المعقود له من الدخول بها ولا تزف إليه إلا بعد أن تكون صالحة للوطء ولو
تجاوز عمرها خمس عشرة سنة ولا يصح العقد للصغير إلا لثبوت مصلحة)، كما أن المادة (23) تنص على أنه (يشترط رضاء المرأة ورضاء
البكر سكوتها ورضاء الثيب نطقها) في حين تنص المادة (30) على أن (كل زواج استوفى
أركانه وشرائطه المبينة في الباب السابق فهو صحيح ولو لم يعقبه دخول وتترتب عليه
منذ انعقاده جميع آثار الزواج المنصوص عليها في هذا القانون ما لم يكن موقوفاً
حقيقة، ويعتبر الزواج موقوفاً قبل الرضاء ممن يملكه وإذا تم الرضاء سرت آثار
الزواج من وقت العقد أما الموقوف مجازاً وهو العقد على الصغير والمجنون فتترتب
آثاره من عند العقد ولهما فسخه عند البلوغ أو الإفاقة).
ومن استقراء النصوص القانونية السابق ذكرها نخلص إلى
النتائج الآتية:
(أ) أن القانون
اليمني هو القانون العربي الوحيد الذي نص على فسخ الزواج بخيار البلوغ وخيار
الإفاقة، وقد أخذ القانون بقول الزيدية والحنفية وهم الذين ذهبوا إلى الفسخ بخيار
البلوغ وخيار الإفاقة.
(ب) لم يعتد القانون اليمني بالرضاء بالزواج أو عدمه الصادر من المجنون والصغير
بحسب ما يذهب إليه جمهور الفقهاء، لأن المجنون والصغير لا عبارة لهما.
(ج) أجاز
القانون الفسخ بخيار الإفاقة مع أن القانون ذاته قد نص على أن زواج المجنون يتم
بموجب إذن من القاضي، والحكمة من اشتراط الإذن هي رقابة القضاء على سلامة هذا
الزواج وتوافر شروطه، وهناك من يذهب إلى أن تقرير الفسخ بخيار الإفاقة زيادة لا
حاجة لها طالما والزواج من أساسه قد تم بإذن من القضاء كما هو الحال في القوانين
العربية الأخرى إضافة إلى أن التصرفات التي تتم في مال القاصر تتم بموجب إذن من
القضاء كالبيع والشراء لا تفسخ فكذلك الحال بالنسبة لعقد الزواج وهو أسمى وأعظم من
البيع والشراء وخلافه.
(د) لم ينص القانون اليمني على سن الزواج مثلما هو الحال
في القوانين العربية الأخرى، لأن القانون اليمني قد أجاز عقد زواج الصغير وكذا عقد
زواج الصغيرة وإن نصّ على أن الصغيرة لا تُزف إلى زوجها إلا عندما تكون صالحة
للوطء.
(هـ) لم يشترط القانون اليمني صدور إذن من المحكمة عند
زواج الصغير كما هو الحال في القوانين الأخرى.
قررت إحدى دوائر
المحكمة العليا باليمن في جلسة 6/11/1999م في الطعن الشخصي رقم (542) لسنة 1420هـ
بأن (ما قرره الحاكم وأيدته محكمة استئناف أمانة العاصمة من صحة فسخ نكاح الحرة
فلانة بنت فلان من نكاح زوجها وتغريمه خمسين ألف ريال قيمة العلاج محل نظر لعدم
صدور الدعوى من الزوجة وعدم قيام الشهادة على صغر سنها وقت العقد وإنما اكتفى
الحاكم بتصريح الزوجة بالفسخ لهذا لزم إرجاع القضية لإعادة النظر فيها وإقامة
الدعوى والإجابة ثم الفسخ بخيار الصغر)([453]).
ثانياً: فسخ الزواج بخياري البلوغ والإفاقة في قانون الأحوال الشخصية
الكويتي:
تنص المادة (24) من هذا القانون على أنه ("أ"
يشترط في أهلية الزواج العقل والبلوغ. "ب" وللقاضي أن يأذن بزواج
المجنون أو المعتوه ذكراً كان أو أنثى إذا ثبت بتقرير طبي أن زواجه يفيد في شفائه
ورضي الطرف الآخر بحالته)، وفي هذا السياق نصت المادة (25) على أنه (لا يصح زواج
المكره ولا السكران)، في حين نصت المادة (26) على أنه (يمنع توثيق عقد الزواج أو
المصادقة عليه ما لم تتم الفتاة الخامسة عشرة ويتم الفتى السابعة عشرة من العمر
وقت التوثيق)، أما المادة (29) فقد نصّت على أنه ("أ" الولي في زواج
البكر التي بين البلوغ وتمام الخامسة والعشرين وهو العصبة بالنفس حسب ترتيب الإرث
وإن لم توجد العصبة فالولاية للقاضي ويسري هذا الحكم على المجنون والمعتوه ذكراً
كان أو أنثى. "ب" يشترط اجتماع رأي الولي والمولى عليها).
ومن استقراء النصوص السابق ذكرها يظهر أن القانون الكويتي
قد نص على السن القانونية للزواج وعدم جواز زواج الصغير والصغيرة ولذلك لم ينص على
خيار الفسخ للبلوغ، وكذلك لم ينص على خيار فسخ الزواج بسبب الإفاقة، لأن زواج
المجنون يتم بنظر القضاء وبإذن منه وتحت إشرافه ورقابته.
ثالثاً:فسخ الزواج بخياري البلوغ والإفاقة في قانون
الأحوال الشخصية المصري:
لم يتعرض هذا القانون لخيار
الفسخ بسبب بلوغ الصغير أو إفاقة المجنون، وعلى هذا الأساس كان يفترض العمل بالقول
الراجح في مذهب أبي حنيفة الذي يجيز الفسخ بخياري البلوغ والإفاقة، إلا أن لائحة
المأذونين المعمول بها في مصر تنص في المادة (33) على أنه (ولا يجوز مباشرة عقد
الزواج ولا المصادقة على زواج ما لم يكن سن الزوجة ست عشرة سنة وسن الزوج ثماني
عشرة سنة وقت العقد). ومن وجهة نظرنا إن ما ورد في لائحة المأذونين يتعارض مع النص
الوارد في قانون الأحوال الشخصية الذي ينص على العمل في حالة عدم وجود نص بالراجح
في مذهب أبي حنيفة، وعند إعمال مبدأ التدرج القانوني الذي يقتضي أن يحترم التشريع
الأدنى التشريع الأعلى منه نرى أن العمل بالقانون أولى من العمل بلائحة المأذونين
الصادرة بقرار من وزير العدل.
رابعاً: فسخ الزواج بخياري البلوغ والإفاقة في قانون الأحوال الشخصية
الأردني
تنص المادة (8) من هذا القانون على أن (للقاضي أن يأذن
بزواج من به جنون أو عته إذا ثبت بتقرير طبي أن في زواجه مصلحة له) أما المادة
(34) فقد بينت حالات الزواج الفاسد ومنها (إذا عقد الزواج بالإكراه)، في حين نصت
المادة (43) على أن (بقاء الزوجين على الزواج الباطل أو الفاسد ممنوع فإذا لم
يفترقا يفرق القاضي بينهما عند ثبوت ذلك بالمحاكمة باسم الحق العام الشرعي ولا
تسمع دعوى فساد الزواج بسبب صغر السن إذا ولدت الزوجة أو كانت حاملاً أو كان
الطرفان حين إقامة الدعوى حائزين على شروط الأهلية) علماً بأن المادة (5) قد بيّنت
شروط أهلية الزواج حيث نصت على أن (يشترط في أهلية الزواج أن يكون الخاطب
والمخطوبة عاقلين وأن يتم الخاطب السنة السادسة
عشرة وأن تتم المخطوبة الخامسة عشرة من العمر).
ومن استقراء هذه النصوص يظهر أن القانون الأردني قد حدد
السن القانونية للزواج وأن الزواج بالصغيرة فاسد يجب فسخه من قبل الزوجين أو من
قبل القاضي من تلقاء نفسه، إلا إذا كانت الزوجة حاملاً أو قد ولدت أو كانت قد بلغت
عند رفع الدعوى، والفسخ ليس من قبيل الفسخ بخيار البلوغ، وإنما فسخ لفساد العقد
ولو كان فسخاً لخيار البلوغ لما أوجب القانون فسخ الزواج قبل البلوغ ولما منع
القانون سماع الدعوى إذا كان الصغير قد بلغ عند تحريك الدعوى، كما أن القانون
الأردني لم ينص على الفسخ بخيار الإفاقة لأن زواج المجنون يتم بنظر القضاء وبعد
إذن منه، وخلاصة المقال أن القانون الأردني لم ينص على فسخ الزواج بخياري البلوغ
والإفاقة، مع أن هذا القانون قد نص على أن المرجع عند عدم وجود النص القانوني أو
عند تطبيقه هو القول الراجح في مذهب الحنفية وقد تقدم القول بأن الحنفية يقولون
بالفسخ بخياري البلوغ والإفاقة.
خامساً:فسخ الزواج بخياري البلوغ والإفاقة في قانون
الأحوال الشخصية القطري:
تنص المادة (17) من هذا القانون على أنه (يشترط في أهلية
الزواج العقل والبلوغ) في حين نصت المادة (18) على أنه("أ"لا يعقد زواج
المجنون أو المعتوه إلا بموافقة وليه وإذن القاضي بعد توفر الشروط
الآتية:"1" قبول الطرف الآخر التزوج منه بعد اطلاعه على حالته.
"2" كون مرضه لا ينتقل منه إلى نسله. "3" كون زواجه فيه مصلحة
له.."ب" يتم التثبت من الشرطين الآخرين بتقرير لجنة من ذوي الاختصاص).
أما المادة (20) فقد بينت أهلية الزواج على أن (تكمل أهلية زواج الفتى بتمام ثماني
عشرة سنة والفتاة بتمام أربع عشرة سنة ) في حين نصّت المادة (21) على أنه(لا يزوج
من لم يكمل سن الأهلية المنصوص عليه في المادة (20) إلا بإذن القاضي بعد موافقة
الولي والتحقق من المصلحة فإن لم يحضر الولي أو كان اعتراضه غير سائغ زوجّه
القاضي).
ومن استقراء نصوص القانون القطري السالف ذكرها نجد أنه
حدّد السن القانونية للزواج، كما أنه قد أجاز زواج الصغير والمجنون بنظر القضاء
وإذنه ولذلك لم ينص هذا القانون على فسخ الزواج بخياري البلوغ والإفاقة.
سادساً: فسخ الزواج بخياري البلوغ والإفاقة في مدوّنة الأسرة (قانون
الأحوال الشخصية المغربي):
تنص المادة (19) من هذا القانون على أن (تكتمل أهلية
الزواج بإتمام الفتى والفتاة المتمتعين بقواهما العقلية ثمان عشرة سنة شمسية) في
حين تنص المادة (20) على أنه (لقاضي الأسرة المكلف بالزواج أن يأذن بزواج الفتى
والفتاة دون سن الأهلية المنصوص عليه في المادة (19) بقرار معلل يبين فيه المصلحة
والأسباب المبررة لذلك بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي والاستعانة
بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي، وقرار الاستجابة لطلب الإذن بزواج القاصر غير
قابل لأي طعن). وفي هذا السياق تنص المادة (21) على أن (زواج القاصر متوقف على
موافقة نائبه الشرعي وتتم موافقة النائب الشرعي بتوقيعه مع القاصر على طلب الإذن
بالزواج وحضور إبرام العقد، وإذا امتنع النائب الشرعي للقاصر عن الموافقة، بتّ
قاضي الأسرة المكلف بالزواج في الموضوع). أما زواج المجنون فقد بينت المادة (23)
أحكام ذلك الزواج حين نصت على أن (يأذن قاضي الأسرة المكلف بالزواج بزواج الشخص
المصاب بإعاقة ذهنية ذكراً كان أم أنثى بعد تقديم تقرير حول عاهة الإعاقة من طرف
خبير أو أكثر، ويُطلع القاضي الطرف الآخر على التقرير وينص على ذلك في محضر، ويجب
أن يكون الطرف الآخر راشداً أو يرضى صراحة في تعهد رسمي بعقد الزواج من المصاب
بالإعاقة).
ومن استقراء نصوص القانون المغربي السالف ذكرها نجد أنه
قد حدد السن القانونية للزواج، كما أنه أجاز زواج الصغير والمجنون بنظر القضاء
وإذنه ولذلك لم ينص القانون المغربي على فسخ الزواج بخياري البلوغ والإفاقة بل نصّ
على أن قرار المحكمة بالاستجابة لطلب الإذن بزواج القاصر غير قابل لأي طعن.
سابعاً: فسخ الزواج بخياري البلوغ والإفاقة في قانون الأحوال الشخصية بدولة
الإمارات:
تنص المادة (28) من هذا القانون على أن (زواج المجنون أو
المعتوه لا يتم إلا بنظر القاضي بالشروط وهي ذات الشروط المذكورة في القانون
القطري السالف ذكرها ولا داعي لتكرارها هنا خشية الإطالة، في حين بينت الفقرة
"1" من المادة (30) سن الزواج وهي تمام الثامنة عشرة للفتى والفتاة، أما
الفقرة "2" من المادة ذاتها فقد نصت على أنه (لا يتزوج من لم يكمل
الثامنة عشرة من عمره إلا بإذن القاضي بعد التحقق من المصلحة).
وبما أن زواج المجنون والصغير لا يتم إلا بنظر القضاء
فلم ينص هذا القانون على فسخ الزواج بسبب خيار البلوغ والإفاقة.
ثامناً: فسخ الزواج بخياري البلوغ والإفاقة في قانون
الأحوال الشخصية العماني
تنص المادة (8) من هذا القانون على أنه ("أ- لا ينعقد
زواج المجنون أو المعتوه إلا من وليه بعد صدور إذن من القاضي بذلك. "ب- لا
يأذن القاضي بزواج المجنون أو المعتوه إلا بعد توفر الشروط الآتية: "1- قبول
الطرف الآخر الزواج منه بعد اطلاعه على حالته. "2- كون مرضه لا ينتقل منه إلى
نسله. "3- كون زواجه فيه مصلحة له، ويتم التثبت من الشرطين الآخيرين بتقرير
لجنة من ذوي الاختصاص). في حين نصت الفقرة "ج" من المادة (10) على أنه
(لا يزوج من لم يكمل الثامنة عشرة من عمره إلا بإذن القاضي وبعد التحقق من
المصلحة) وقد سبق التعليق على مثل هذه النصوص فيما سبق ولا حاجة لتكرار ذلك هنا.
الفرع السادس
أحكام القضاء في
فسخ الزواج بسبب خياري البلوغ والإفاقة
بالنسبة للمحكمة العليا باليمن فقد سبق أن أوردنا حكماً
لها في هذا الشأن وذلك عندما علقنا على موقف القانون اليمني من الفسخ بخياري
البلوغ والإفاقة ولا حاجة لإعادة ذكره هنا فليراجع في موضعه، أما محكمة النقض
المصرية فقد جرى قضاؤها على الآتي:
(1) عقد زواج
البالغة العاقلة بكراً أم ثيباً بدون إذن وليها صحيح، نفاذه وكونه لازماً بالنسبة
له شرطه أن يكون الزوج كفواً وأن يكون على صداق مثلها أو أكثر، ومخالفة ذلك أثره
أحقية الولي في الاعتراض عليه وطلب فسخه أمام القضاء، سقوط هذا الحق برضائه
بالزواج أو عدم الاعتراض عليه حتى ظهور الحمل على الزوجة أو ولادتها أو إذا أكمل
الزوج الكفء المهر إلى مهر المثل علة ذلك([454]).
(2) تزويج الولي
المرأة البالغة العاقلة شرط نفاذه الأذن والرضاء وبلوغ السن ، قضاء الحكم المطعون
فيه بفسخ عقد زواج المطعون ضدها البالغةخمس عشرة سنة وقت العقد عليها استناداً إلى
ما استخلصه من أقوال شاهديها من عدم حصول الرضا لا مخالفة فيه للقواعد الشرعية([455]).
المطلب الرابع
فسخ الزواج لانعدام
الكفاءة
وفي هذا المطلب سوف نبين معنى الكفاءة وآراء الفقهاء
فيها وصاحب الحق في الفسخ والصفات المعتبرة في الكفاءة وطريقة الفسخ وهل يثبت الحق
في الفسخ بسبب انعدام الكفاءة على الفور أم على التراضي، وسوف نشير إلى موقف
قوانين الأحوال الشخصية في الدول العربية من الفسخ لانعدام الكفاءة وأحكام القضاء
الصادرة في هذا الشأن.
الفرع
الأول
معنى الكفاءة
وحكمها عند الفقهاء
(1) معنى الكفاءة:
الكفاءة في اللغة: من كافأه مكافأة أي ماثله وساواه([456])، يقال فلان كفء لفلان في مهنته أو
نسبه، أي نظيره ومساوية فيها، قال تعالى:(ولم يكن له كفواً أحد)([457]) أي لا مثيل له، وقال نبيناf:"المؤمنون
تتكافأ دماؤهم"([458])، أي تتساوى دماؤهم في القصاص.
الكفاءة في الاصطلاح: عرّف الفقهاء
الكفاءة بتعريفات عدة، ويمكن الجمع بينها في صياغة تعريف جامع بينها للكفاءة
والقول بأن الكفاءة هي: المساواة بين الزوجين في أوصاف مخصوصة، بحيث يعتبر وجودها
عامل استقرار بينهما، كما يعتبر فقدها منغصاً للحياة الزوجية في غالب الأحوال، وتشعر
المرأة أو أولياؤها بنقيصة بسببه. وبتعبير أقرب وأدّق، الكفاءة هي: أن يصلح كل من
الزوجين للآخر في عُرف المسلمين([459]).
(2) حكم الكفاءة عند الفقهاء:
اختلفت أقوال الفقهاء في الاعتداد بالكفاءة في الزواج
ما بين مثبت لها ونافٍ، حيث ذهب جمهور الفقهاء إلى إثبات الكفاءة والاعتداد بها في
النكاح، ومن هؤلاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والزيدية والجعفرية ولكن
هؤلاء اختلفوا في نوعية الكفاءة هل هي شرط صحة أو شرط لزوم أو شرط نفاذ، ولهؤلاء
أدلة سوف نذكرها بعد قليل، وهناك من ذهب إلى عدم الاعتداد بالكفاءة مطلقاً ومن
هؤلاء أبو الحسن الكرخي والجصاص من الحنفية وسفيان الثوري وابن حزم، ولهم أدلتهم
التي سنذكرها بعد قليل، وجمهور الفقهاء الذين اعتدوا بالكفاءة في الزواج وأثبتوها
اختلفوا في ماهيتها فمنهم والمثبتون: منهم من اعتبرها شرط صحة، ومنهم من اعتبرها
شرط لزوم، شأنها شأن العيوب، بل اعتبرت بعض المذاهب فقدها من عيوب الزواج.
وبيان ذلك على الوجه التالي:
القول الأول: لا تعتبر الكفاءة شرطاً لصحة الزواج ولا للزومه، وهو قول جمهور الزيدية
والمالكية والشافعية وابن حزم ورواية عن أحمد والكرخي من الحنفية([460]).
واستدل هؤلاء على عدم اشتراط الكفاءة بالأدلة الآتية:
(1) قوله b: "الناس سواسية كأسنان
المشط" رواه الديلمي([461]).
(2) عن أبي ذر رضي
الله عنه أن النبي b قال له:"أنظر فإنك ليس بخير من أحمر ولا أسود إلا
أن تفضله بتقوى الله"([462]).
فهذه الأحاديث تعد نصوصاً في المسألة، وأن التقوى كافية
في الكفاءة عن أي وصف آخر.
(3) ما روي أن
سالماً مولى امرأة من الأنصار وهو من الموالي، تزوج هند بنت الوليد بن عتبة بن
ربيعة بن عبد شمس وهي من أشراف قريش، فدّل ذلك على عدم اعتبار الكفاءة([463]).
(4) أن النبي b: خطب امرأة قرشية وهي فاطمة
بنت قيس لمولاه أسامة بن زيد، وقدمّه على عبدالرحمن بن عوف، وفاطمة من المهاجرات
الأوليات وهذا ظاهر في عدم اعتبار الكفاءة في الزواج([464]).
(5) عن عائشة g عن النبي b قال: "من سرّه أن ينظر إلى من نور الله الإيمان في
قلبه فلينظر إلى أبي هند، وقال: أنكحوه..أنكحوه، وأنكحوا إليه" وكان أبو هند
حجّاماً([465]).
(6) أن الإسلام جعل
التساوي في القصاص حيث يقتل الشريف بمن دونه، وإذا كانت الكفاءة في الجنايات غير
معتبرة، فعدمها في الزواج من باب أولى([466]).
القول الثاني: تعتبر الكفاءة شرطاً لصحة الزواج، وهو قول بعض الحنفية
وهو المفتى به عندهم والحنابلة في غير المشهور عندهم، وقول عند الشافعية، والمعتمد
لدى الإباضية وقالوا بأن فقد الكفاءة يجعل العقد باطلاً ولو رضوا به، فانه شرط
الصحة لا يسقط بالإسقاط ([467]).
واستدل أصحاب القول الثاني على أن
الكفاءة شرط لصحة الزواج بالأدلة التالية:
(1) قوله b: "تخيروا لنطفكم وأنكحوا
الأكفاء وأنكحوا إليهم"([468])، قال الزيلعي روي من عدة طرق كلها ضعيفة لكن يقوي بعضها
بعضاً([469]) ووجه الدلالة من هذا الحديث: أن اللفظ جاء بصيغة الأمر،
فلا يصح تجاهله بلا مسوغ شرعي.
(2) ما روي عن عمرd أنه قال: لأمنعن فروج ذوات
الأحساب إلا من الأكفاء([470])، والحسب شرف الآباء والأٌقارب، ومثل الحسب: المال، فدل عزم
أمير المؤمنين على وجوب التقيد بالكفاءة، وأن منع الزواج من غير الأكفاء يعني
البطلان.
(3) ما روى جابر بن
عبدالله، قال رسول الله b:"لا
تنكحوا النساء إلا الأكفاء، ولا يزوجها إلا الأولياء، ولا مهر دون عشرة
دراهم"([471]).
والحديث فيه نفي وإثبات، والنفي يفيد المنع عموماً، لكنه
استثنى من توفرت فيه الكفاءة، فدل على اشتراطها لصحة الزواج.
القول الثالث: ذهب الحنفية في ظاهر الرواية، والشافعية والحنابلة في
المشهور عندهم والهادوية إلى أن الكفاءة شرط لزوم لا شرط صحة، فإن تزوجت المرأة بغير
كفء، أو زوجها الأب بغير رضاها، أو زوجها أحد الأولياء المتساويين برضاها دون رضا
الباقين، فإن العقد يظل صحيحاً، لكن يجوز لمن تقدم ذكرهم حق الاعتراض وطلب الفسخ
ما لم يحصل الحمل، فإن لم يعترضوا فقد لزم الزواج ([472]).
واستدل أصحاب القول الثالث على اعتبار الكفاءة شرط لزوم بما
تقدم وبما يلي:
(1) قوله b:"تخيرّوا لنطفكم ولا
تضعوها إلا في الأكفاء"([473]). فالحديث حصر الزواج في الأكفاء، وهذا الحديث من رواية
عائشة أخرجه ابن ماجه، وصححّه الحاكم، وللحديث طرق عديدة لا تخلو من ضعف، لأن فيه
مبشر وهو متروك لكنها بجملتها تتقوى ببعضها([474]).
(2) أنه b زوّج مولاه زيد بن حارثه من
زينب بنت جحش، وهي القرشية وابنة عمة رسول الله b، فلو أن الكفاءة شرط صحة لما
صح هذا الزواج لكنه صح، فحمل على أنه شرط لزوم([475]).
(3) قوله b: "يا علي: ثلاث لا تؤخرها،
وفيه: والأيم إذا وجدت لها كفؤاً([476])، والأيم: المرأة التي لا زوج لها([477]).
الفرع الثاني
الصفات المعتبرة في الكفاءة:
للفقهاء الذين اشترطوا الكفاءة في عقد الزواج آراء
مختلفة في الصفات المعتبرة في الكفاءة، ما بين موسع ومضيق وبيان ذلك على النحو
الآتي:
أولاً: الموسعون وهم كما يلي:
(1) الحنفية: وهم أكثر الفقهاء توسعاً في هذه المسألة
حيث ذهبوا إلى أن الصفات المعتبرة في الكفاءة هي: النسب، والمال، والحرفة، والتدين
والسلامة من العيوب([478]).
(2) الشافعية: وذهبوا إلى أنها خمسة: وهي النسب والتدين والحرية والحرفة والسلامة من
العيوب المثبتة للخيار([479]).
(3) الحنابلة: وذهبوا إلى أنها خمسة، وهي النسب والتدين والحرية
والحرفة واليسار([480]).
ثانياً المضيقون وهم:
المالكية حيث ذهبوا إلى الاكتفاء بالتدين والسلامة من العيوب([481]).
وفي هذا الاتجاه ذهب القانون اليمني إلى الاقتصار على
الكفاءة في الدين والخلق، كما ورد في المادة 48 منه كما سنرى تفصيلاً في موضعه.
الحرف والمهن التي تعدم الكفاءة بنظر بعض الفقهاء:
سبق أن ذكرنا أن الحرفة أو المهنة من الصفات المعتبرة في
الكفاءة عند بعض الفقهاء كما هو الحال عند الحنفية والشافعية والحنابلة، والحرف أو
المهن التي تعدم الكفاءة عند هؤلاء مرجعها أما إلى أن هذه الحرف والمهن قد ذكرت في
النصوص الشرعية في معرض الذم والإنكار كالغناء ونحوه، أو بالنظر إلى علاقة بعضها
بمواضع النجاسات والقاذورات كالكناس والزّبال والحجام، أو لأن فيها اطلاع على
العورات كالحمامي(البلان)، أو لأنها تقسي القلب وتورث في الإنسان الغلظة، كالجزار،
ولأنها تورث في الإنسان الوقاحة وقلة الحياء والجرأة كالمنادي([482]).
وهذه الأوصاف ليست محل اتفاق في نظر
جميع المذاهب، ولا هي حكم نهائي عندهم، بل هي خاضعة للعادات الاجتماعية، فإذا
استجد غيرها مما يشاركها المعنى، كان له حكمها من حيث أثره على الكفاءة، وإن أصبح
بعضها أو جميعها غير مستهجن ولا مستكره في أعين طالبي الكفاءة، ويصرح هؤلاء
الفقهاء بأنه إذا احترف إنسان حرفة دنيئة للقيام بفرض كفاية، زالت الكراهة، وصارت
معفياً عنها، كما أن الفقهاء الذين ذهبوا إلى اعتماد هذه الصفات في الكفاءة نظروا
فقط إلى الشخص الذي يحترف هذه الحرف وتأثير هذه الحرف على الأشخاص فقط ولم تكن
لهؤلاء الفقهاء نظرة عرقية لسلالات هؤلاء أو أقاربهم كما يحاول العرف في كثير من
البلدان العربية تكريس هذه النظرة.
ويمكن إجمال آراء المذاهب في تلك المهن كالتالي:
(1) الحدادة، والبيطرة، والحراسة والدباغة: حِرف دنيئة في نظر الحنفية، والشافعية
والحنابلة وأصحابها لا يكافئون بنات التجار ونحوهم، لأن فيها نقص يشبه نقص النسب([483]).
(2) الفصادة: شق
الجلد وإسالة الدم منه ما لم يتعين أصحابها للقيام بفروض الكفاية فيها فتزول
الكراهية فإن لم يتعين ذلك فأصحابها لا يكافئون بنات المعلمين والتجار والقضاة
ونحوهم عند الشافعية والحنابلة([484]).
(3) الجراحة التي تعني فجر الدمامل والبثور تعتبر حرفة دنيئة عند الحنابلة
وحدهم([485]).
(4) سياسة الخيل والسواقة: سوق الدابة براكبها والبواب حرف دنيئة عند الحنفية
وحدهم([486]).
(5) الإسكاف والحمّال والجلاد والدلال والكحال حرف دنيئة عند الشافعية وحدهم([487]).
(6) حرفة الفرّان
والحلاق تعتبر حرف دنيئة عند المالكية وحدهم([488]).
وقد ذكرنا أن التطور الذي جرى على الوسائل المستعملة في
تلك الحرف قد جعل نظرة الناس تختلف بشأنها وتبعاً لذلك يختلف العرف.
فالجراح (طبيب الجراحه)صار يستعمل الأجهزة الطبية
الحديثة المتطورة، بحيث لا تصل يده إلى الدم أو نحوه، أو الكحال (طبيب العيون)
الذين كانون يخالطون الدماء والنجاسات، أصبح عملهم اليوم يعتمد على الأجهزة
المعقمة والمعقدة الكترونياً أو إشعاعياً، بعيداً
عن ملامسة الأيدي، وبسرعات كبيرة ومفيدة جداً.
والحداد الذي كان يتعاطى الفحم
الأسود، صار يعتمد آلات الكهرباء والأكسجين وغيرها، والغسّال الذي كان يعمل بيده، صار
يعمل بالآلات التلقائية وكذا كثير من المهن أو الحرف التي كانت أوصافها غير محبوبة،
صارت اليوم مطلباً مرغوباً، لأنها أكثر نوالاً وعطاءً، وتبين من خلال الرضا بالزوج
من أصحابها أنهم أكفاء ممن يتقدمون لزواجهن حتى لو كانت هناك فوارق واضحة في
المستويات التعليمية.
ولذا: فإن الشريعة الإسلامية تؤيد هذا العرف وتباركه، لأنه
يكفل تحقيق مقصد شرعي، وهو استقرار الحياة الزوجية ونجاحها، والخلاصة أن نظرة بعض
الفقهاء الذين يعتبرون الحرفة من الصفات المعتبرة في الكفاءة تختلف باختلاف
الأعراف واختلاف الأزمنة والأمكنة أما الشريعة الإسلامية فليس لها موقف من حرف
ومهن بعينها، ومن الشواهد على أن العرف هو الذي يحدد الحرف التي تعدم الكفاءة
وليست الشريعة ما قاله أحد الفقهاء عن الكفاءة شعراً:
قالوا الكفاءة ستة فأجبتهم قد كان هذا في الزمان الأقـدم
أما بنو هذا الزمان فإنهـم لا يعرفون سوى يسار الدرهم([489]).
ولله در القانون اليمني الذي اختصر
الكفاءة في الدين والخلق دون اعتبار للحرف والمهن.
الفرع الثالث
طالب الكفاءة وصاحب الحق فيها
يرى الفقهاء الذي يعتدون بالكفاءة أن الكفاءة حق المرأة
ولوليها على سبيل الاستقلال، لأن المرأة هي التي تتأثر بعدم الكفاءة من حيث أنها
وأهلها يعيرون بمستوى الزوج الأقل كفاءة، ولأن التقارب في بعض الصفات المشتركة
يؤدي إلى تآلف النفوس ورفع الحرج بين الزوجين، ولأن الزوج كذلك هو صاحب السلطة والقوامة،
فلا بد والأمر كذلك، من أن تكون سلطته أقوى([490])، لكن لو رضيت الفتاة بالزواج من شخص غير كفء فقد أسقطت
حقها في كفاءة الزوج لها، وبقي حق الأولياء الذين لهم حق الاعتراض، إذا تخلف شرط
الكفاءة، ويكون للقاضي صلاحية الفسخ إذا طلب إليه ذلك، لكن لو اعترض أحد الأولياء
المتساوين في الدرجة، دون الباقين فهل يسمع لهذا الاعتراض أم لا؟.
للفقهاء في هذه المسألة قولان:
القول الأول: للمالكية والشافعية وأبي يوسف: حيث
ذهبوا إلى أن حق الأولياء لا يسقط بإسقاط البعض له، لأن هذا الحق مشترك للجميع، فهو
يشبه الدَّين المشترك الذي لا يسقط بإسقاط البعض له، بل هذا أشد لأنه حق لا يتجزأ،
وكذا قياساً على حقوقهم في الدية، وقد ورد عن الإمام الشافعي قوله: " فلو
رضوا إلا واحداً فله فسخه"([491]).
القول الثاني: لأبي حنيفة ومحمد: حيث ذهبا إلى
القول بأن إسقاط البعض لحقه إسقاط لحقوقهم جميعاً، وليس لهم حق الاعتراض لأنه لا
يتجزأ بخلا ف الدين فإنه يتجزأ([492]).
من هو الذي تعتبر الكفاءة في جانبه؟
بناءً على ما تقدم، فإن الذي يطلب
منه الكفاءة في الزواج هو الرجل، فلا تشترط الكفاءة في جانب المرأة، لأن الزوجة
تتضرر إذا كان زوجها أقل منزلة من أهلها، أما الزوج فلا يتضرر بذلك، وإذا رأى أنه
متضرر بسوء الاختيار فإنه بحكم القوامة يستطيع رفع الضرر بالتطليق، هذا إذا كان كل
من الزوج أو الزوجة كبيرين عاقلين، أما إذا كان أحدهما صغيراً أو كان ناقص الأهلية،
وزوّجَه غير الأب أو الجد، فالكفاءة عند ذلك مطلوبة في الجانبين، الرجل والمرأة، على
ما ذكره أبو حنيفة ([493])، والواقع أن العرف هو الذي يحدد
نطاق الكفاءة فقد يجعل العرف الكفاءة معتبرة في الرجل والمرأة في آن واحد كما هو
الحال باليمن، ولذلك فالقانون اليمني كما سنرى يجعل الكفاءة معتبرة في الزوجين.
الفرع الرابع
وقت اعتبار الكفاءة
ذهب الذين اعتبروا الكفاءة شرط لزوم، إلى أن وقتها عند
إنشاء عقد الزواج، فإذا تزوجت الفتاة من كفء ثم طرأ على الزوج ما ينقص من كفاءته
بعد ذلك، فلا يؤثر ذلك على العقد، لأن العقد نشأ صحيحاً، وقد عبّر عن ذلك ابن
عابدين بقوله: فلو كان كفؤاً ثم انتكلت الكفاءة لم يفسخ، ومعناه أن حق الولي يسقط
في الاعتراض، كما يسقط حق المشتري في الرد عند تعيب المبيع بيده([494]).
هل حق الاعتراض على فوات الكفاءة يثبت على التراخي؟
الفقهاء مجمعون على أن حق الاعتراض على فوات الكفاءة
يكون على التراخي لا الفور، لأن الأصل أن الحق يثبت للزوجة والأولياء، فلا يسقطه
التأخير إلا بدليل، ولا دليل على ذلك وسواءً في هذا اعتبرت الكفاءة شرطاً لنفاذ
العقد أم شرطاً للزومه، أما على القول باعتبارها شرط صحة، فإن العقد يعتبر فاسداً
من أصله مع فواتها، ولا يحتاج التفريق فيه إلى اعتراض من أحد. بل على الزوجين أن
يفترقا وعلى القاضي أن يفرّق بينهما دون طلب من أحد إن علم بحالهما في أي وقت كان([495]).
الفرع الخامس
صاحب
الحق في فسخ الزواج لفوات الكفاءة ومسقطات هذا الحق
والحق في فسخ النكاح لفوات الكفاءة
ثابت للزوجة وللأولياء ما لم يظهر منهم دليل الرضا بالزوج صراحة أو دلالة، أما صراحة
فكأن يصرّحوا بالموافقة على الزوج بعد علمهم بانعدام الكفاءة بقولهم: أجزنا الزواج،
ونحوه. وأما دلالة فبالنسبة للمرأة يكون بالتمكين من الوطء، أو طلب المهر أو
النفقة بعد العلم بفوات الكفاءة، وبالنسبة للوليّ بأن يطلب المهر، أو يعقد العقد
بنفسه بعد العلم بفوات أوصاف الكفاءة في الزوج.
وهل إذا رضي الوليّ بالزوج في نكاح
ليس له الاعتراض عليه في نكاح آخر؟ بمعنى أن المرأة إذا زوّجت نفسها من زوج غير
كفء فرضي الوليّ به ثم طلقها الزوج أو فسخ نكاحها فعادت إلى نكاحه بعقد جديد، هل
للوليّ رفضه في هذا النكاح الجديد.؟
ذهب الحنفية إلى أنه إذا كان الزوج قد طلقها طلاقاً
رجعياً فعادت إليه بالمراجعة قبل مضي العدّة لم يكن للولي الاعتراض، لأنه قد رضي
بالنكاح أولاً والنكاح باقٍ على حاله، فلا يكون له حق الاعتراض. لأن الطلاق الرجعي
لا يقطع النكاح، وإن كان طلقها بائناً أو فسخ نكاحها، أو رجعياً لكنه لم يراجعها
في العدّة بل عقد عليها بعد مضيّها، فإن له الاعتراض على الزواج لعدم كفاءة الزوج،
ولا يسقط حقه هذا موافقته لها على الزواج الأول منه. لأن العقد الثاني نكاح مستقل
بعد حلول الفرقة من العقد الأول، فكان له حق الاعتراض([496]).
وذهب الشافعية والمالكية إلى أنه إن رضي الوليّ بالزوج
في العقد الأول ثم افترقت عنه بطلاق رجعي أو بائن أو خلع أو فسخ نكاحها، ثم عادت
له بنكاح جديد، لم يكن للوليّ اعتراض، لأن رضاه بالزوج أولاً يسقط اختياره الفسخ
بسببه مطلقاً، لأن الزوج الذي رضي به الوليّ أولاً لم يتغير، بخلاف ما لو نكحت من
زوج آخر غير كفء لها، فإن له حق الاعتراض بالإجماع.([497])
وهل يسقط حق الوليّ في الاعتراض بالدخول أو بالحمل أو
بالولادة؟
الفقهاء الذين جعلوا الكفاءة شرط نفاذ العقد، لا يسقطون
حق الوليّ في رفض العقد أو إجازته ما لم يصدر منه ما يفيد الرفض أو الرضا صراحة أو
دلالة، ولو طال الأمر حتى حملت الزوجة أو ولدت، لأن العقد موقوف ولا مجيز له إلا
هو، فلا ينفذ إلا بإجازته مهما تأخرت، وإن كل دخول قبل إجازته موقوف حكمه على
الإجازة.
وأما الذين قالوا أن الكفاءة شرط لزوم العقد، فإن العقد
عندهم يقع نافذاً بدونها، ولكن للوليّ المعترض حق طلب الفسخ، فإذا تأخر في طلب
الفسخ حتى ولدت الزوجة، فقد ذهب الحنفية إلى أن حقه في طلب الفسخ يسقط بالولادة
حفاظاً على حق الولد، وهو أولى من حق الوليّ في الفسخ، سواءً أكان الولي في ذلك
معذوراً في تأخره عن طلب الفسخ، كأن لا يعلم بالعقد أولاً، أم لا.
وذهب بعض الحنفية إلى إقامة ظهور الحمل مقام الولادة
فعلاً في حق إسقاط حق الوليّ في الفسخ، حفاظاً على حق الولد أيضاً.
وذهب المالكية إلى أن حق الاعتراض من الأولياء يسقط
بالدخول، ذلك أن حقهم في الفسخ ضعيف فيسقط بالدخول لتمام التسليم به([498]).
الفرع السادس
طريق وقوع
الفرقة لعدم الكفاءة ونوعها:
(1) طريق وقوع الفرقة:
الفقهاء الذين يقولون بأن الكفاءة شرط صحة العقد يعدّون
العقد مع فواتها فاسداً، وليس لأحد إجازته، والفسخ فيه ثابت لحق الشرع، فعلى
الزوجين أن يفترقا من نفسيهما لحرمة الاتصال، وعلى القاضي أن يفّرق بينهما دون طلب
من أحد إذا علم بحالهما، حماية لحق الشرع. إذ أن القاضي هو الحامي لشرع الله.
أما الذين يقولون بأن الكفاءة شرط نفاذ، فهم كذلك يعدّون
العقد مع فوات الكفاءة ومع رفض الوليّ أو الزوجة الرضا به باطلاً من أساسه، وكأنه
لم يكن، وعلى الزوجين التفرّق لحرمة الاتصال، وكذلك على القاضي التفريق بينهما لحق
الشرع.
وأما الذين يقولون بأن الكفاءة شرط لزوم العقد، فإن
العقد عندهم مع فواتها وعدم موافقة الوليّ أو الزوجة عليه صحيح غير لازم، ولكل منْ
لم يوافق عليه من الوليّ أو الزوجة حق طلب فسخه، ولا يتم فسخه إلا بقضاء القاضي، لأنه
فصل مجتهد فيه، وقد اختلف الفقهاء فيه. ثم إن الكفاءة صفات متباينة تختلف فيها
أنظار الناس وأعرافهم، وما كان هذا شأنه من الفرق لا بدّ لوقوعه من قضاء القاضي، حسماً
للمنازعات. لذلك فإنه على الوليّ أو الزوجة التي لم ترض بالنكاح بغير الكفء أن
يرفعا الأمر إلى القاضي طالبين الفسخ، والقاضي بعد التحقق من دعواهم يحكم بفسخ
النكاح. والفرقة تقع من تاريخ الفسخ، لا من تاريخ العقد.
ويكون العقد قبل الحكم بالفرقة صحيحاً نافذاً فيتوارثان،
وتستحق عليه كل المهر إذا ما مات قبل الفرقة، بخلاف ما لو اعتبرت الكفاءة شرط نفاذ
أو شرط صحة ثم ترافعوا إلى القضاء في التفريق، فإنه تقع الفرقة مستندة إلى أصل
العقد، لأن الحكم هنا يقرر الفرقة ولا ينشئها.
(2) نوع الفرقة:
الفرقة عند جميع الفقهاء بسبب انعدام الكفاءة فسخ، سواءً
منهم من اعتبرها شرط صحة أو شرط نفاذ أو شرط لزوم، أما من اعتبرها شرط صحة أو نفاذ
ظاهر، لأن العقد مع فواتها وفوات موافقة من توقف العقد على موافقته يعتبر فاسداً، والفرقة
بسبب فساد العقد فسخ بالإجماع كما تقدم.
وأما على رأي من يعتبرها شرط لزوم، فعلى
مذهب الحنفية هي فسخ لأنها فرقة جاءت من قبل الزوجة ولا مثيل لها من قبل الزوج، فكانت
فسخاً، وأما على مذهب الشافعية والحنابلة فلأنها ليست من الزوج، وأما على مذهب
المالكية فلأنها لا تكون عندهم إلا قبل الدخول، ولذلك يعتبر العقد معها في حكم
الفاسد فتكون فسخاً.
الفرع السابع
حكم
المهر والعدّة والنفقة بعد التفريق لفوات الكفاءة
(1) حكم المهر:
ما دامت الفرقة لفوات الكفاءة فسخاً فيعتبر كنقض للعقد
من أساسه لدى الجميع، لذا لا يجب على الزوج شيء من المهر إذا وقعت الفرقة بها قبل
الدخول، لأنها فسخ من قبل المرأة فلا يجب لها شيء.
وإن كانت بعد الدخول، فإنه يجب للمرأة فيها كل المهر، لأنه
دخول لا يجب فيه حدّ، فوجب فيه المهر، وهل هو المهر المسمى أم مهر المثل؟
على قول من يجعل الكفاءة شرط صحة أو نفاذ يجب الأقل من
المهر المسمى ومهر المثل، لفساد العقد بفواتها.
وأما على قول من يجعلها شرط لزوم، فالحنفية
يوجبون فيها المسمى لصحة العقد، وغير الحنفية يختلفون في ذلك كاختلافهم في المهر
بعد الفرقة بخيار العيب، وقد تقدم ذلك.
(2) حكم العدة
والنفقة فيها:
العدّة، واجبة بالإجماع بعد الدخول، سواءً أكانت الكفاءة
شرط صحة أم شرط نفاذ أم شرط لزوم، لأن العدّة تجب بعد كل دخول لا حدّ فيه عند
الجمهور، وهي هنا عدّة الطلاق. فتعتدّ المرأة هنا بثلاثة أشهر، أو بثلاث حيضات، أو
بوضع الحمل حسب حالها.
وإن كانت الفرقة قبل الدخول، فلا عدّة بالإجماع، لأن
العدّة لاستبراء الرحم، ولا حاجة إليها هنا فلا تجب. وأما نفقة العدّة فإنها واجبة
للزوجة عند الحنفية، لأنها محبوسة لحق الزوج، فتجب عليه نفقتها فيها، وأما الأئمة
الثلاثة فلا تجب نفقة العدة للزوجة عندهم في عدّة هذه الفرقة، لأنها بتات. ولا تجب
النفقة عندهم إلا للمعتدّة من الرجعي فقط.([499])
الفرع الثامن
فسخ
الزواج لانعدام الكفاءة في قوانين الأحوال الشخصية العربية
أولاً:فسخ الزواج لانعدام الكفاءة في قانون الأحوال الشخصية اليمني:
تنص المادة (48) من هذا القانون على أن (الكفاءة معتبرة
في الدين والخلق وعمادها التراضي ولكل من الزوجين طلب الفسخ لانعدام الكفاءة). ومن
استقراء هذا النص يظهر أن القانون اليمني قد أخذ برأي الفقهاء الذي ضيقوا من
الصفات المعتبرة في الكفاءة حيث اقتصر على صفة الدين والخلق وهذا مسلك حسن للقانون
اليمني، كما أن القانون قد جعل الحق في الفسخ لأي من الزوجين على خلاف ما تنص عليه
قوانين الأحوال الشخصية العربية التي أخذت برأي الفقهاء الذين يقصرون هذا الحق على
الزوجة ووليها فقط، وسبب ذلك أن القانون اليمني راعى العرف السائد باليمن الذي
يعتبر الكفاءة في الزوجين معاً.
ثانياً: فسخ الزواج لانعدام الكفاءة في قانون الأحوال الشخصية الكويتي:
نظّم القانون الكويتي أحكام الكفاءة
في الزواج في المواد من 34 إلى 39 حيث نصت المادة (34) على أنه (يشترط في لزوم
الزواج أن يكون الرجل كفؤاً للمرأة وقت العقد ويثبت حق الفسخ لكل من المرأة ووليها
عند فوات الكفاءة) ويظهر من هذا النص أن القانون الكويتي قد أخذ بقول الحنابلة
والشافعية والحنابلة الذين ذهبوا إلى أن الكفاءة شرط لزوم وأثبت حق الفسخ في
الزوجة ووليها فقط متجهاً في ذلك إلى الوجهة التي اتجه إليها جمهور الفقهاء الذين
قالوا بالفسخ لانعدام الكفاءة.
أما المادة (35) فقد نصـت على أن (العبرة في الكفاءة
بالصلاح في الدين) وهذا يدل على أن القانون الكويتي قد اعتد بالدين كصفة من الصفات
المعتبرة في الكفاءة مثله في ذلك مثل القانون اليمني، في حين نصت المادة (36) على
أن (التناسب في السن بين الزوجين يعتبر حقاً للزوجة وحدها)، وهذه صفة جديدة
للكفاءة أضافها القانون الكويتي وهذا مسلك حسن، أما المادة (37) فقد نصت على أن
(الولي في الكفاءة من العصبة هو الأب فالابن فالجد العاصب فالأخ الشقيق ثم الأب
فالعم الشقيق ثم الأب).، في حين نصت المادة (38) على أنه (إذا ادعى الرجل الكفاءة
ثم تبين أنه غير كفء كان لكل من الزوجة ووليها حق الفسخ) والفسخ هنا يكون بسبب
الكفاءة كما يكون بسبب التدليس وقد أخذت به بعض القوانين العربية إتباعاً لقول
المالكية بفسخ الزواج بسبب التدليس، أما المادة (39) فقد بينت حالات سقوط حق الفسخ
لانعدام الكفاءة حيث نصت على أن (يسقط حق الفسخ بحمل الزوجة أو بسبق الرضا أو
بانقضاء سنة على العلم بالزواج) وفي هذا النص يظهر أن القانون الكويتي قد أخذ بقول
بعض الحنفية الذين أقاموا حمل الزوجة مقام الولادة في إسقاط حقها في الفسخ.
ثالثاً: فسخ الزواج لانعدام الكفاءة في قانون الأحوال الشخصية المصري:
لم يتعرض هذا القانون لموضوع الكفاءة في عقد الزواج
مطلقاً، ولذلك فإنه يتعين الرجوع في ذلك إلى الراجح من مذهب الحنفية طبقاً لما
تقضي به المادة (1) من القانون رقم "24" لعام 1929م.
رابعاً: فسخ الزواج لانعدام الكفاءة في قانون الأحوال الشخصية السوري:
اتجه القانون السوري الخاص بالأحوال
الشخصية ذو الرقم 59 لعام 1953م في مسألة الكفاءة في الزواج إلى الأخذ برأي
الجمهور في اعتبار الكفاءة شرطاً من شروط لزوم العقد لا شرط صحة أو نفاذ فيه، وهو
ظاهر الرواية في المذهب الحنفي كما تقدم.
أما بالنسبة للصفات المعتبرة في
الكفاءة فقد اكتفى القانون بالإحالة إلى العرف في ذلك، والقاضي هو الحكم الفصل
فيما يقضي به العرف، حسبما سبق أن ذكرنا.
كما أخذ القانون بمبدأ سقوط الحق في الاعتراض على الكفاءة
إذا ما حملت المرأة، وهو قول للحنفية، وقد نص القانون على هذه الأحكام في المواد
26-32 منه وهذا نصها.
-
مادة 26: يشترط في لزوم الزواج أن يكون الرجل كفؤاً
للمرأة.
-
مادة 27: إذا زوّجت الكبيرة نفسها من غير موافقة الوليّ
فإن كان الزوج كفؤاً لزم العقد، وإلا فللولي طلب فسخ النكاح.
-
مادة 28: العبرة في الكفاءة لعرف البلد.
-
مادة 29: الكفاءة حق خاص للمرأة وللوليّ.
-
مادة 30: يسقط حق الفسخ لعدم الكفاءة إذا حملت المرأة.
-
مادة 31: تراعى الكفاءة عند العقد فلا يؤثر زوالها بعده.
-
مادة 32: إذا اشترطت الكفاءة حين العقد أو أخبر الزوج
أنه كفؤ ثم تبين أنه غير كفء كان لكل من الولي والزوجة طلب فسخ العقد.
خامساً: فسخ الزواج لانعدام الكفاءة
في قانون الأحوال الشخصية الأردني:
تنص المادة (20) من هذا القانون على أنه(يشترط في لزوم
الزواج أن يكون الرجل كفؤاً للمرأة في المال وهي أن يكون الزوج قادراً على المهر
المعجل ونفقة الزوجة وتراعى الكفاءة عند العقد فإذا زالت بعده فلا يؤثر ذلك في
الزواج)، ويظهر من هذا النص أن الصفة المعتبرة في الكفاءة هي الإيسار أو المال وقد
ذكر الفقهاء هذه الصفة ضمن الصفات المعتبرة في الكفاءة وتحديداً عند الحنفية الذين
ذكروا هذه الصفة ضمن صفات كثيرة من أهمها الدين، وهي الصفة المعتبرة المجمع عليها
عند جميع الفقهاء الذين اعتدوا بالكفاءة إلا أن القانون الأردني لم ينص على صفة
الدين، في حين نصت المادة (21) على أنه (إذا زوج الولي البكر أو الثيب برضاها لرجل
لا يعلمان كلاهما كفاءته ثم تبين أنه غير كفؤ فلا يبقى لأحد منهما حق الاعتراض، أما
إذا اشترطت الكفاءة حين العقد أو أخبر الزوج أنه كفؤ ثم تبين أنه غير كفؤ فلكل من
الزوجة والولي مراجعة القاضي لفسخ الزواج، أما إذا كان كفؤاً حين الخصومة فلا يحق
لأحد طلب الفسخ). أما المادة (22) فقد نصت على أنه (إذا نفت البكر أو الثيب التي
بلغت الثامنة عشرة من عمرها وجود ولي لها وزوجت نفسها من آخر ثم ظهر لها ولي ينظر،
فإذا زوجت نفسها من كفؤ لزم العقد ولو كان المهر دون مهر المثل، وإن زوّجت نفسها
من غير كفؤ فللولي مراجعة القاضي لطلب فسخ النكاح). أما المادة (23) فقد نصت على
أن (للقاضي عند الطلب فسخ الزواج بسبب عدم كفاءة الزوج ما لم تحمل الزوجة من فراشه
أما بعد الحمل فلا يفسخ الزواج).
سادساً:فسخ الزواج لانعدام الكفاءة في قانون الأحوال
الشخصية القطري:
تنص المادة (35) على أن (الكفاءة شرط لزوم الزواج
والعبرة فيها بالصلاح في الدين عند العقد) كما تنص المادة (36) على أن (الكفاءة حق
خاص للمرأة والولي) في حين تنص المادة (37) على أن (الولي في الكفاءة من العصبة هو
الأب فالابن فالجد العاصب فالأخ الشقيق ثم الأب فالعم الشقيق ثم لأب) أما المادة
(38) فقد نصت على أنه (إذا ادعى الرجل الكفاءة ثم تبين أنه غير كفؤ كان لكل من
الزوجة أو وليها حق طلب الفسخ) أما المادة (39) فقد ذكرت مسقطات الحق في الفسخ
لانعدام الكفاءة حيث نصت هذه المادة على أنه (يسقط حق طلب الفسخ لانتفاء الكفاءة
بحمل الزوجة أو انقضاء سنة على عقد الزواج). وقد سبق لنا التعليق على مثل هذه
النصوص فيما سبق ولا حاجة للتكرار هنا خشية الإطالة.
سابعاً: فسخ الزواج لانعدام الكفاءة
في مدوّنة الأسرة المغربية (قانون الأحوال الشخصية المغربي):
لم تنص هذه المدونة على أحكام الفسخ لانعدام الكفاءة، وطبقاً
لنص المادة (400) من هذه المدونة فإن العمل يتم بموجب القول الراجح في مذهب
المالكية وقد سبق أن ذكرنا أن المالكية هم المضيقون في الصفات المعتبرة في الكفاءة
حيث قصروا هذه الصفات على صفتين هما الصلاح في الدين والسلامة من العيوب، كما أن
الفسخ بسبب انعدام الكفاءة يسقط بالدخول بالزوجة عندهم.
ثامناً: فسخ الزواج لانعدام الكفاءة
في قانون الأحوال الشخصية بدولة الإمارات:
وردت نصوص هذا القانون المتعلقة
بأحكام الفسخ لانعدام الكفاءة مماثلة تماماً لما ورد في القانون الكويتي إلا أن
القانون الإماراتي لم ينص على السن كصفة معتبرة في الكفاءة كما فعل القانون الكويتي
وبدلاً من ذلك أحال القانون الإماراتي إلى العرف في تحديد الصفات المعتبرة أما صفة
الدين فقد نص عليها القانون الإماراتي وقد نظم القانون الإماراتي أحكام الفسخ
لانعدام الكفاءة في المواد من 21 إلى 25.
تاسعاً:
فسخ الزواج لانعدام الكفاءة في قانون الأحوال الشخصية العماني
تنص المادة (20) من هذا القانون على أن ("أ-
الكفاءة حق خاص بالمرأة والولي. "ب- تراعى الكفاءة حين العقد ويرجع في
تقديرها إلى الدين ثم العرف).
الفرع التاسع
أحكام القضاء
بشأن الفسخ لانعدام الكفاءة
صدر في السعودية حكم نادر قضى بفسخ الزواج بين زوجين
بسبب انعدام الكفاءة، ووقائع وحيثيات ومنطوق هذا الحكم وتداعياته وآثاره تناقلتها
وسائل الإسلام المختلفة حيث ورد في الموقع الإلكتروني لمنتدى المحامين العرب ما
نصه (أنه على الرغم من تمسك الزوجين بزواجهما وطفليهما وتوسلاتهما حماية عش
الزوجية من الخراب، حكم أحد القضاة بمحكمة الجوف بالسعودية بفسخ عقد الزواج
مستنداً إلى ما وصفه "عدم الكفاءة النسبية"، ولم يشفع لهما أن "
العقد صحيح" طبقاً لمنطوق صك الحكم ذاته الذي تجاوز طوله المتر.
ولم يبحث الحكم في أن الزواج تم بموافقة والد الزوجة، ولم
يذلك الصك أن بين الزوجين طفلين أصغرهما لم يكمل عامه الأول، ولم يشر إلى أنهما
يعيشان في بيت تسكنه المودة والرحمة.
واستناداً إلى "العرف"، واستنتاجاً لكل
الحيثيات، قال القاضي في ذيل صك الحكم: "حكمتُ بفسخ عقد نكاح المدّعى عليه من
المرأة وعليها العدة الشرعية حسب حالها اعتباراً من تاريخ الحكم ويشمل هذا الحكم
التنفيذ المعجل بحيث يفارق المدّعى عليه المرأة".
وبعد شهور من صدور حكم القاضي بالتفريق بين الزوجين بدأت
أحداث درامية، حيث تنقل الزوجان (منصور. وفاطمة) من الجوف بين القصيم والخرج وجدّة،
وصولاً إلى الدمام التي فضّلت فيها الزوجة "أم سليمان" البقاء في
إصلاحية المنطقة الشرقية، بين السجينات على العيش بين إخوانها في مدينة الخبر
لأنها كما تقول في حديث لـ "الوطن": لا تريد إلا زوجها وطفليها.
وأضافت فاطمة "أم سليمان": (قلت للقاضي في أول
جلسة أنني أعيش مع زوج صالح في حياة سعيدة ومستقرة وأريد الاستمرار في هذه الحياة)،
مؤكدة.."أنني رفضتّ الدعوى التي رفعها أخي غير الشقيق منذ بدايتها وطلبتّ صرف
النظر عنها"، لكن رفض الزوجة للدعوى وتمسكها بزوجها الذي وثقه صك الحكم أيضاً،
ومساندة والدتها وأشقائها الستة لها.. كلّ ذلك لم يؤثر في صدور الحكم لصالح كيان
الأسرة([500]).
ويقول منصور " تقدمت للخطبة مثل بقية الناس، وحصلت
الموافقة من والدها بعد وقت من السؤال عني والبحث في شخصيتي، ثم تم العقد من خلال
المحكمة الكبرى بالخبر، بداية شهر صفر 1424هـ، بموجب الصداق وثلاثة شروط هي: أن
أكون مستقيماً على كتاب الله وسنة نبيه b، البقاء في الوظيفة بعد
التعيين، وسكن مستقل". (تحتفظ "الوطن" بنسخة من العقد) وتؤكد
الزوجة بدورها استقامة ووفاء الزوج بالشروط.
بعد شهور من الزواج فوجئ الزوجان برفع الدعوى ضدهما لدى
المحكمة العامة بالجوف، وفي منتصف رمضان 1424هـ افتتحت الجلسة التي ترافع فيها أخ
الزوجة غير الشقيق مطالباً بفسخ العقد وكالة عن والده، وقال المدّعي في مرافعته
" إننا ننتمي إلى قبيلة" في حين أن "المدعى عليه يُعتبر من
الصنّاع.
وبعد ثلاثة أشهر توفي والد الزوجة
الذي وكّل ابنه في القضية، لكنّ ذلك لم يحل دون استمرار المرافعات والمدافعات
وشهود الإثبات الذين أفادوا بانتماء الزوج إلى إحدى القبائل المعروفة، وكذلك شهود
النفي، فضلاً عن المكاتبات الحكومية التي طافت عدداً من مدن الشمال، لتستقر في 14
جمادي الآخر 1426هـ على الحكم الذي صدر رسمياً في 16 رجب سنة 1426هـ، وقد صدر
الحكم من محكمة الجوف في الوقت الذي كان فيه منصور يقيم في عنيزة، حيث مقرّ عمله
ومسكنه.
في صكّ الحكم، الذي تجاوز عدد كلماته ثلاثة آلاف كلمة، الكثير
من الاستشهادات التي تؤكد سماحة الدين الإسلامي واحترامه لإنسانية الإنسان من خلال
زيجات تمّت في زمن النبي b وصحابته
رضوان الله عليهم، واستشهد الصك بأن النبي b "أمر فاطمة بنت قيس أن
تنكح أسامة بن زيد مولاه"، كما أن بلال بن رباح كان زوج أخت عبدالرحمن بن عوف،
وكان سالم، وهو مولى لأمراء من الأنصار زوجاً لابنة أخي أبي حذيفة بن عقبة بن
ربيعة، وهذه الحقائق المروية عن ثقات السلف لم تساعد على الإبقاء على العقد بين
زوجين جمعتهما سنّة الله ورسوله. علاوة على أن الزوج واثق من انتمائه كما أن
الزوجة ومعها والدتها وأشقاؤها وشقيقاتها أكدوا معرفتهم بأصله وفصله.
والمثير للغرابة أيضاً أن صورة الحكم
التي اطلعت عليها "الوطن" جاء فيها (سيتم بعث نسخة من الحكم إلى المدعى
عليه وإفهامه بأنّ مدة الاعتراض هي ثلاثين يوماً ويسقط بعدها حقه في الاعتراض)، إلا
أن منصور يؤكد أنه لم يحضر جلسة الحكم ولم يحضر وكيله ولم يعلم بالحكم إلا بعد
أشهر من صدوره، وهذا يعني سقوط حقه في الاعتراض على الحكم وتمييزه من قبل هيئة
التمييز القضائية وبالتالي، فإن الحكم يُعتبر نافذاً يقول الزوج: (كنت وزوجتي في
منزلنا، في عنيزة حين طرق رجال الأمن الباب، ثم أخذوني إلى مقرّ الشرطة لأكتب
إقراراً بتنفيذ الحكم).
ويضيف (أخبرتُ زوجتي التي لم تكن أقل
مني إحباطاً، ثم اتفقنا على البحث عن حلٍّ مع إخوانها المعترضين، خاصة أن والدتها
وأشقاؤها الثلاثة وشقيقاتها الثلاث كانوا في صفنا، وسبق أن حرروا طلباً لمحكمة
الجوف يعلنون فيه موقفهم الإيجابي "تحتفظ الوطن بنسخة منه"، وبترتيب
معهم نقلتُ زوجتي إلى خالتها في مدينة الخرج، ريثما نوجد حلاً، لكن إخوانها
المعترضين اكتشفوا مكانها وأخذوها إلى حيث يسكنون في الخبر).
القصة لم تنته، بل بدأت فصلاً أكثر حرجاً مجدداً، إذ
تلقى منصور اتصالاً من فاطمة "أفادت فيه بأنها سمعت كلاماً عن تزويجها وطالبت
بحل"، ثم اتفقا على رفع شكوى لدى الجهات المختصة في محافظة جدة.
وبالفعل سافر منصور من القصيم إلى الشرقية والتقى فاطمة
وسافر معها إلى جدة وأقاما في شقة مفروشة، لكنها سُرعان ما وصل رجال الأمن إلى
الشقة وأخذوهما إلى الشرطة، استناداً إلى بلاغ معمّم على مستوى المملكة، رصدّ
رحلتهما الجوية، وتوصل إلى حيث يقيمان، وبعد إجراءات استمرّت يوماً ونصف يوم
رُحِّلا إلى الخبر، وشرعت شرطة المحافظة في تسليم "أم سليمان" إلى
إخوانها.. وهناك وقعت أم سليمان بين خيارين: إما الذهاب مع إخوانها، أو الإقامة في
إصلاحية المنطقة فاختارت الإقامة بين السجينات وقالت لـ "الوطن": (اخترت
حماية الدولة على الإقامة مع إخواني الذين سعوا إلى هدم حياتي الزوجية).
وأضافت: (إنني واثقة من الشريك الذي كتبه الله لي وأنجبت
منه طفلين، وهو رجل أعرف أصله وفصله، ولا أريد غيره في هذه الحياة، وإذا طالت
الأزمة فإنني سأحتسب أمري إلى الله وأقيم هنا بين السجينات... ولن أقبل خياراً
آخر)([501]).
وعلى خلفية هذا الحكم قامت الحكومة السعودية حسبما ورد
في وسائل الإعلام بتشكيل لجنة بوزارة العدل تضم علماء شريعة وقانونيين لإعداد
دراسة تحدد موقف الشريعة من قضايا (عدم تكافؤ النسب) بعد أن أثارت عدة دعاوى
قضائية بهذا الخصوص الرأي العام السعودي، وسط توقعات بمنع التفريق إلا برغبة أحد
الزوجين..
وقالت مصادر مقربة من وزارة العدل أن الوزارة تشرف
حالياً على دراسة تهدف للمقارنة في الأحكام الشرعية الصادرة في قضايا عدم تكافؤ
النسب وشرحها للرأي العام بحسب صحيفة "عكاظ" السعودية..
وقالت المصادر إن الدراسة التي يعكف
عليها علماء شريعة وقانونيون ستصدر قريباً، مشيرة إلى أن إقرار تكافؤ النسب في
الزواج له أسباب تاريخيه واجتماعية لا دينية..
وأضافت أن الاستشهاد ببعض الأحاديث وآراء الفقهاء بهذا
الشأن قابل للتأويل لمصلحة الطرفين في قضية واحدة..
وتوقعت المصادر أن لا يتم الحكم بالتفريق في زيجات عدم
تكافؤ النسب إلا برغبة أحد الزوجين واعتبار "هذه الزيجات" صحيحة من حيث
المبدأ ولفتت إلى أن بعض القضاة الذين قاموا بفسخ مثل هذا النوع من الزيجات في
الفترة الماضية انطلقوا من مبدأ منع أضرار يمكن أن تلحق بأحد الطرفين كقتل المرأة
مثلاً..
يذكر أن الأشهر الـستة الأخيرة قد شهدت فيها المحاكم
ثلاث قضايا عدم تكافؤ النسب، الأولى قضية منصور وفاطمة حيث أيدّت محكمة الاستئناف
بالرياض الحكم الصادر من محكمة الجوف بالتفريق بينهما لعدم تكافؤ النسب بينهما، ولا
تزال القضيتان الأخريان: قضية الدكتورة رانيا والمهندس أحمد وقضية عبدالله وهيا، تنظر
فيهما المحاكم السعودية([502]).
المبحث الثالث
فسخ الزواج لحق الزوجة
ونعرض فيه الحالات التي يجوز فيها
للزوجة أن تطلب فسخ زواجها كالفسخ لإعسار الزوج عن دفع المهر أو عدم إنفاقه عليها
أو عجزه عن ذلك أو غياب الزوج أو حبسه أو إدمانه الخمر أو تضررها من استمرار
الزوجية ويلحق بذلك التطليق للظهار والإيلاء.
المطلب الأول
فسخ الزواج لعدم إنفاق الزوج على زوجته
إذا وجبت النفقة للزوجة على زوجها شرعاً فلم ينفق عليها،
هل يكون لها طلب التفريق منه؟ في المسألة تفصيل واختلاف بين الفقهاء وبيانه على
النحو الآتي:
الفرع الأول
إذا كان
للزوج مال ظاهر يمكن الإنفاق منه
إن كان للزوج مال ظاهر يمكن للزوجة أن تأخذ نفقتها منه، سواءً
أكان ذلك بعلم الزوج أو بغير علمه، لم يكن لها حق طلب الفسخ لأن حقها في النفقة
يتحصل بذلك، فلم يعد لفسخ النكاح من موجب.
ويستوي في هذا الحكم أن يكون الزوج
حاضراً أم غائباً، وأن يكون المال الظاهر نقوداً أو منقولاً أو عقاراً، طالما
بالإمكان أخذ نفقتها من ذلك بالطرق القضائية.
هذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء، وذهب
الشافعية إلى أنه إذا كان ماله الظاهر بعيداً عنها مسافة القصر، كان لها طلب الفسخ
ولا تكلّف الصبر لما في ذلك من الإضرار بها، فإن كان ماله دون مسافة القصر أمره
القاضي بإحضاره، ولا فسخ لها.
وذهب الحنابلة إلى أنه إذا لم يكن في الإمكان أخذ النفقة
من هذا المال الغائب، كان لها طلب فسخ النكاح.
الفرع الثاني
إذا كان
الزوج معسراً
إذا لم يكن للزوج مال ظاهر يمكن
للزوجة أن تأخذ منه أو كان الزوج معسراً، ورفعت الزوجة الأمر إلى القاضي طالبة فسخ
نكاحها لهذا السبب، فقد اختلف الفقهاء في صحة إجابتها إلى طلبها على قولين:
القول الأول: ذهب الحنفية والظاهرية والجعفرية وأكثر الزيدية
والشافعية في قول، والحنابلة في قول للخرقي إلى أنه ليس لها طلب فسخ النكاح إذا
كان الزوج معسراً، فإذا طلبت الزوجة من القاضي فسخ نكاحها لذلك ردّها وأمرها
بالاستدانة على الزوج، وأمر منْ تجب عليه نفقتها لولا لم تكن متزوجة أن يقرضها، فإن
أبى، حبسه وعزّزه حتى يقرضها ثم يرجع بما أقرضها على زوجها، وهذا القول هو مذهب
عطاء، والزهري، وابن شبرمة، وابن يسار، والحسن البصري والثوري وابن أبي ليلى، وحماد
بن أبي سليمان([503]).ّ
واحتّج أصحاب هذا القول على عدم التفريق لفوات النفقة مطلقاً بما يأتي:
(أ) بما روي عن
عائشة رضي الله عنها أن هنداً زوج أبي سفيان قالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل
شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم فقال: (خذي ما
يكفيك وولدك بالمعروف) ([504])، فإن رسول الله b في هذا الحديث الشريف لم
يخيّرها رغم امتناع زوجها عن الإنفاق عليها بمقدار كفايتها، ولو كان الخيار في
الفسخ مشروعاً في هذه الحال لخيّرها رسول الله b.
(ب) لم يرد عن رسول
الله b أي أثر يدلّ على أنه خيّر امرأة ما لعدم إنفاق زوجها
عليها، مع أن المعسرين من الصحابة أضعاف الموسرين، ولو كان هذا الحق ثابتاً لها في
حالة إعسار الزوج بالنفقة لروي لنا تخيير إحداهنّ، ولكنه لم يرو لنا شيء من ذلك مع
كثرة الدواعي إليه.
(ج) قوله
تعالى: ] لينفق ذو
سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله.لا يكلف الله نفساً إلا ما
آتاها سيجعل الله بعد عسر يسراً[([505]).
(د) عموم قوله تعالى: ]
وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة[ ([506])، يشمل الأزواج كما يشمل غيرهم من سائر الغرماء، ولا مخصص للأزواج من
هذا العموم، فيبقى حالهم كذلك، وإذا وجب الإنظار لم يكن للزوجة حق التفريق.
(هـ) لم يثبت
الفقهاء للزوج خيار التفريق إذا نشزت الزوجة. فكذلك الزوجة إذا امتنع زوجها عن
الإنفاق عليها، لا يكون لها خيار الفرقة أيضاً، قياساً على الأولى، بجامع أن في كل
إضرار بالزوج الآخر ومنع له من حقه([507]).
(و) الأصل في الفرقة أن لا تكون إلا من قبل الزوج خاصة، لقول النبي b: (إنما الطلاق لمن أخذ بالساق) رواه ابن ماجه والدار قطني([508])، فلا يعدل عن هذا الأصل إلا لدليل
ولم يثبت ما يصلح دليلاً للعدول عن ذلك فيبقى الحكم فيه على الأصل.
القول الثاني: ذهب المالكية، والشافعية
في الراجح من مذهبهم، والحنابلة في قول آخر، إلى أن الزوج إذا أعسر بالنفقة
فالزوجة بالخيار، إن شاءت بقيت على الزوجية واستدانت عليه، وإن شاءت رفعت أمرها
إلى القضاء طالبة منه فسخ نكاحها، والقاضي يُجيبها إلى ذلك حالاً أو بعد الإمهال
للزوج رجاء مقدرته على الإنفاق، على اختلاف بين الفقهاء في ذلك. وهذا القول مروي
عن عمر وعلي وأبي هريرة وهو مذهب سعيد بن المسيب، والحسن وعمر بن عبدالعزيز، وربيعة،
وحماد ويحيى القطان وعبدالرحمن بن المهدي وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثور.
واستدّل أصحاب القول الثاني على جواز
التفريق لإعسار الزوج بالنفقة بالأدلة الآتية:
بما روي عن عمرt أنه كتب إلى أمراء الأجناد في رجال
غابوا عن نسائهم، فأمرهم بأن ينفقوا أو يطلقوا، وهو دليل على أن الزوج يُجْبّر على
الطلاق عند امتناعه عن الإنفاق([509]).
(أ) بما أخرجه الدار قطني وغيره عن سعيد بن المسيب أنه سئل في الرجل لا يجد ما
ينفق على امرأته فقال: يفّرق بينهما، قيل له: سنّة؟ قال:نعم سنّة. وهذا مع إطلاقه
ينصرف عُرفاً إلى سنّة الرسول b: فكان له حكم المرفوع المرسل، ومراسيل
سعيد كلها حجة عند الشافعي وغيره من الفقهاء. وهو نص في الباب([510]).
(ج) بما رواه أبو هريرةd قال: قال النبي b: "أفضل الصدقة ما ترك غني،
واليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول. تقول المرأة: إما أن تطعمني وإما
أن تطلقني، ويقول العبد: أطعمني واستعملني ويقول الابن: أطعمني إلى من تدعني.
فقالوا: يا أبا هريرة: سمعت هذا من رسول الله b ؟ قال: لا. هذا من كيس أبي
هريرة"([511]) فهذا قول صحابي، وهو حجة إذا لم يثبت ما يخالفه.
(د) إن في منع الزوجة من الفرقة وإجبارها على البقاء
زوجة لمن عجز عن نفقتها إضراراً كبيراً بها، وقد أمكن إزالته بالفسخ، فوجب الفسخ.
(هـ) إن الفقهاء اتفقوا على التفريق للجبّ والعنّة على
الزوج مع إن الضرر على الزوجة فيهما أقلّ من الضرر الحاصل بسبب عدم الإنفاق عليها،
فإن البدن يبقى من غير جماع ولكنه لا يبقى من غير نفقة، فكان الفسخ عند عدم
الإنفاق أولى بالفسخ منه عند الجبّ والعنّة. هذا من وجه، ومن وجه آخر فإن منفعة
الجماع مشتركة بين الزوجين، وقد ثبت الفسخ عند تعذرها كما في الجب والعنة، أما
النفقة فهي حق خاص بالزوجة، فلأن يثبت عند تعذّرها الفسخ أولى.
القول الثالث: لا يجوز الفسخ في هذه الحالة بل أنه يجب على
المرأة الموسرة أن تنفق على زوجها المعسر ولا ترجع عليه إذا أيسر، وهو قول أبي
محمد بن حزم الظاهري([512]).
القول الرابع: أن الزوجة إذا تزوجت وهي عالمة بإعسار
الزوج أو كان حال الزوج موسراً ثم أعسر فلا فسخ لها، وإن كان هو الذي غرّها عند
الزواج بأنه موسر ثم تبين لها إعساره كان لها الفسخ، وهو قول ابن القيم.
القول الخامس: ما حكوه عن عبيد الله
بن الحسن العنبري قاضي البصرة وهو أن الزوج إذا أعسر بالنفقة حبس حتى يجد ما
ينفقه. وقد استبعد ابن القيم هذا القول كل الاستبعاد، فقال: يا للعجب! لأي شيء
يسجن ويجمع عليه عذاب السجن وعذاب الفقر وعذاب البعد عن أهله! سبحانك هذا بهتان
عظيم وما أظن من شم رائحة العلم يقول هذا([513]).
الفرع الثالث
إذا كان حال
الزوج مجهولاً
إذا جهل حال الزوج ولم يثبت إعساره أو
يساره، أو ثبت يساره وامتناعه عن الإنفاق، فقد اختلف الفقهاء في حق المرأة في
الفسخ في هذه الحالة على قولين:
القول الأول: ذهب الشافعية في الظاهر من مذهبهم، والحنابلة في قول الخرقي، إلى أن الزوجة
لا خيار لها في فسخ نكاحها إذا لم يثبت إعسار زوجها، بل يؤمر الزوج بالإنفاق عليها،
وتؤمر هي بالاستدانة عليه إذا امتنع عن الإنفاق عليها لأن الفسخ عندهم لا يكون إلا
في حالة الإعسار فحسب، واستدل هؤلاء بالآتي:
(1) إن مناط الفسخ
هنا هو الإعسار لأن النفقة فيه متعذرة، فإذا
لم يتحقق لم يجزْ الفسخ بحال، أما حالة اليسار فإن الإنفاق فيها متصور بالجملة، فافترقا.
(2) بالإمكان الأخذ
من الموسر، لأنه إذا امتنع في يوم فربما لا يمتنع في آخر، بخلاف المعسر، فإن
الغالب فيه الامتناع دائماً، وذلك بدليل الظاهر. ثم إن الموسر لا يمتنع غالباً عن
الإنفاق إلا لسبب من زوجته، كإغاظتها له أو تقصيرها في واجبها، فإذا ما رفض طلبها
الفرقة عادت غالباً إلى إرضائه، فينفق عليها، بخلاف المعسر، فإن ذلك غير مرجو منه
على الظاهر.
(3) إن الزوج ما دام موسراً، فإن القاضي قادر غالباً على تحصيل نفقة زوجته منه
بالنظر لسلطته، وذلك بالتحري عن ماله، وبيعه عليه وأداء النفقة منه، فلم يحتج فيه
إلى فسخ، بخلاف المعسر، فإن ذلك غير ممكن في حقه، فافترقا.
(4) إن زوجة الموسر قادرة على الاستدانة عليه إذا ما أمرها القاضي بذلك، لأن
الناس يقرضونها غالباً بالنظر ليسار زوجها، ويرجعون بما أقرضوها على زوجها، بخلاف
المعسر، فإن الناس لا يقرضون زوجته عليه، لأن تحصيل ذلك الدين منه متعذر لإعساره، فافترقا
أيضاً، فلم يصحّ أن يكون الحكم فيهما واحداً([514]).
القول الثاني: ذهب المالكية والشافعية في قول
غير الظاهر، والحنابلة في قول القاضي، إلى أن للزوجة الفسخ في هذه الحال قياساً
على الفسخ في حال الإعسار واستدل هؤلاء بالأدلة الآتية:
(1) ما ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أمر رؤساء الأجناد بالتفريق بين
الأجناد وزوجاتهم إذا لم ينفقوا عليهن، جاء عامّاً ولم يفرّق بين ما إذا كانوا
معسرين أو موسرين، فكان الأمر فيه شاملاً للحالتين معاً، فالحكم بينهما واحد.
(2) إن إيصال
النفقة إلى الزوجة مع امتناع الزوج الموسر عنها أصبح متعذراً، فكان الحال فيه كحال
المعسر عن النفقة في المعنى، بل هو أولى منه بالحكم، ذلك أن المعسر ممتنع من غير
ظلم، أما الموسر فممتنع ظالم.
(ج) إن في الامتناع عن الإنفاق نوع تعذر يجيز
الفسخ، ويصلح علّة له، فلم يفترق الحال فيه بين موسر ومعسر، وذلك قياساً على
البائع إذا تعذر عليه تحصيل الثمن من المشتري، فإن له فسخ البيع سواء أكان المشتري
معسراً بالثمن أم تهرب عن دفع الثمن فلم يعد التحصيل ممكناً منه، لتساويهما في
المعنى، ثم العلّة في الفسخ للإعسار إنما هي تعذّر الإنفاق، بدليل أن المعسر لو
استدان ما ينفقه عليها، أو تبرع له إنسان بما ينفقه لم يكن للزوجة حق في الفسخ، وما
دام تعذر الإنفاق هو المناط المجيز للفسخ، وهو متحقّق في حالتي الإعسار أو اليسار
مع الامتناع عن الإنفاق فإنه يسوّي بينهما في الحكم، ويكون للزوجة عند تحقق أحدهما
الفسخ.
الفرع الرابع
صاحب الحق في
الفسخ لعدم الإنفاق على الزوجة ونوع الفرقة
(1) صاحب الحق في الفسخ:
الفسخ في هذه الحالة حق للزوجة، لأن
الإنفاق عليها حقها، والفسخ إنما ثبت لدفع الضرر عنها فكان لحقها، ولذلك لا يتم
الفسخ إلا بناءً على طلبها كالفسخ بسبب عنّة الزوج، فإذا لم ترفع الزوجة أمرها إلى
القضاء طالبة فسخ نكاحها لم يكن للقاضي أن يقضي بالفسخ، ولو قضى به دون طلب منها
كان قضاؤه باطلاً، لأنه حقها فلا يستوفى دون طلبها، ولأنها قد ترى البقاء على
النكاح رغم عدم الإنفاق عليها فلا تجبر على الفرقة([515]).
(2) نوع الفرقة عند عدم الإنفاق:
ذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الفرقة لتعذّر الإنفاق
فسخ وليست طلاقاً، لأنها ليست من الزوج حقيقة ولا حكماً، فهي فرقة بقضاء القاضي
بناءً على طلب الزوجة. فأشبهت الفرقة للعنّة. هذا إذا قضى بها القاضي بعد امتناع
الزوج عن الطلاق. ولكن إذا أمر القاضي الزوج بالطلاق بعد امتناعه عن الإنفاق فطلق
أقل من ثلاث كانت طلاقاً رجعياً. فإذا طلق بثلاث كانت بائناً، وإذا كانت رجعية
وراجعها الزوج في العدّة دون رضاها صحّت الرجعة ولو كان الزوج على إعساره، ولها
طلب الفسخ ثانية، والقاضي يقضي لها بفسخ النكاح، لأن المقتضي له باقٍ فأشبه ما قبل
الطلاق([516]).
وذهب المالكية إلى أنها فرقة بطلاق رجعي، سواء أكانت
بلفظ الزوج أو بحكم القاضي، لأنها فرقة بعد نكاح صحيح، فتكون طلاقاً، وهي رجعية لأن
قدرة الزوج على الإنفاق بعد تطليقها منه محتملة، ولذلك اعتبرت رجعية حتى يتسنى
لزوجها إعادتها إلى عصمته في العدّة إذا ما وجد يساراً، ولكن يشترط لصحة الرجعة
عند المالكية هنا أن يجد الزوج في العدّة يساراً يقوم بواجب مثلها عادة، كأن يجد
الخبز والأدم على عادتها، فإذا كانت غنية شأنها أكل اللحم الضاني مثلاً، فلا تصحّ
الرجعة منه إلا إذا قدر على ذلك، بحيث إنه لو قدر على الملح والخبز فقط لا تصحّ
رجعته([517]).
وإنما اعتبر في الرجعة اليسار الكامل مع أنها لا تطلق
عليه إذا وجد ما تيسر من القوت، لأن التطليق كان لضرورة رفع الهلاك عنها، وهو
مقدّر بنفقة الضرورة، أما إعادة النكاح فلا ضرورة فيه، فيقدّر بالنفقة المعتادة.
هذا واختلف المالكية في مقدار الزمن الذي يجوز للزوج فيه
إرجاع زوجته إذا أيسر على أقوال، فقال ابن القاسم وابن الماجشون إلى أنه شهر، وقيل
نصف شهر، وقيل يوم([518]).
الفرع الخامس
طريق وقوع
هذه الفرقة ووقتها
أولاً: طريق وقوع هذه الفرقة:
اتفق الأئمة الثلاثة القائلون بالفرقة للإعسار بالنفقة
على أنها تحتاج إلى القاضي، لأنها فرقة مختلف فيها فاحتاج الأمر إلى حكم القاضي، لقطع
النزاع ورفع الخلاف، ولا يتم ذلك إلا بحكم القاضي فإن الفرقة للإعسار بالنفقة عارض
فيها الحنفية والجعفرية والظاهرية وأكثر الزيدية، والشافعية في قول لهم.
فإذا أعسر الزوج بالنفقة الضرورية، أو
امتنع عنها مع يساره، وطلبت الزوجة من القاضي الفسخ بسبب ذلك، فإن القاضي يأمره
بتطليقها، فإن فعل فيها، وإلا فرق القاضي عليه، وكانت طلقة رجعية عند مالك وفسخا
عند الشافعية والحنابلة كما تقدم.
ثانياً: وقت القضاء بهذه الفرقة:
(1) الأظهر لدى
الشافعية إمهال الزوج ثلاثة أيام ولو لم يطلب ذلك، للتحقق من عجزه، فإنه قد يعجز
لعارض ثم يزول، وهي مدة قريبة يتوقع فيها القدرة بقرض أو غيره، فإذا عجز بعد مضي
الأيام الثلاثة، فرق القاضي عليه([519]).
(2) ذهب الحنابلة
إلى أن الفسخ يكون على الفور بعد ثبوت عسرته دون إمهال، لأن ثبوت الإعسار يثبت
الفسخ على الفور طالما لم يرد عن الشارع ما يدل على إمهال الزوج، فوجب أن يثبت
الفسخ للزوجة في الحال كخيار العيب([520]).
(3) المالكية يفصّلون
في المسألة فيقولون: إذا رفعت الزوجة أمرها إلى القاضي طالبة الفرقة لامتناع زوجها
عن الإنفاق عليها، فإن القاضي يسأل الزوج، فإن ادّعى الإعسار وأثبته أمهله القاضي
باجتهاده من غير تحديد بمدة معينة رجاء قدرته على الإنفاق، فإن مضت المدة ولم ينفق
طلق عليه. وإن لم يثبت إعساره، أو ادّعى اليسار، أو سكت عن الإجابة، أمره القاضي
بالإنفاق أو الطلاق، فإن أبى طلق عليه حالاً، من غير إمهال على المعتمد.
هذا إذا كان حاضراً أو غائباً غيبة قريبة يقلّ بُعْدها عن
عشرة أيام فإنه يكتب إليه بذلك، أما إن كان غائباً أكثر من ذلك، أو لم يُعلم له
مكان، فإنه يطلق عليه حالاً دون انتظار، لعدم الفائدة منه([521]).
وقد روي عن حماد بن أبي سليمان أنه يؤجل سنة قياساً على
العنين، وقال عمر بن عبدالعزيز: "اضربوا له شهراً أو شهرين"([522]).
الفرع
السادس
حكم المهر والعدّة
والنفقة بعد الفرقة لتعذّر الإنفاق
(1) المهر: إذا وقعت الفرقة بعد طلاق الزوج أو قضاء القاضي بها. فإن كانت الزوجة
مدخولاً بها ثبت لها تمام المهر المسمى، إن كان في العقد تسمية صحيحة، وإلا يثبت
لها مهر المثل، فإن كانت الفرقة قبل الدخول كان للزوجة نصف المسمى أو المتعة، وذلك
باتفاق الأئمة الثلاثة، أما على مذهب المالكية فلأنها طلاق رجعي، فثبت فيه ذلك، وأما
على مذهب الشافعية والحنابلة الذين يرونها فسخاً، فلأنها ليست بسبب رافق نشوء
العقد، بل بسبب طارئ عليه ليس من قبل الزوجة خاصة، فهو ليس كنقض العقد من أصله، فيثبت فيه ذلك.
(2) العدّة: تجب على الزوجة إن كانت الفرقة بعد الدخول بها، لأنها تجب بعد كل فرقة حدثت
بعد دخول لم يجب فيه الحدّ عند الجمهور. وهذه كذلك، فوجبت بها العدّة، فإن لم يكن
هناك دخول لا تجب العدّة بحال.
(3)
النفقة في العدّة: اختلف الفقهاء في ذلك على قولين:
القول الأول: وهو قول المالكية الذين ذهبوا إلى أن الزوج إذا قدر على الإنفاق في العدّة
وراجع زوجته فيها كان لها النفقة في هذه العدّة، لأنها فرقة بطلاق رجعي، فثبتت في
عدّته النفقة للزوجة، فإن قدر على النفقة التي تصحّ معها الرجعة ولكنه لم يراجعها
فكذلك على المشهور، فإذا لم يقدر الزوج على النفقة حتى مضت العدّة، لم يكن لها
نفقة في العدّة، لأنها في معنى العدّة من البائن في حق الزوج، لمنعه من مراجعتها
فيها، وعدّة البائن لا تثبت فيها النفقة للزوجة عند المالكية([523]).
القول الثاني: وهو قول الشافعية والحنابلة الذين ذهبوا إلى أنها عدّة من فسخ فلا تجب فيها
النفقة على الزوج، لأنهم لا يرون النفقة واجبة على الزوج إلا في عدة الرجعي فقط، وهذه
عدة من فسخ فلا تجب فيها النفقة إذا لم تكن الزوجة حاملاً، فإن كانت حاملاً، وجبت
لها النفقة لحق الولد.
الفرع السابع
فسخ الزواج لعدم إنفاق الزوج على زوجتة في قوانين
الأحوال الشخصية في الدول العربية
أولاً:فسخ الزواج لعدم الانفاق على
الزوجة في موقف قانون الأحوال الشخصية اليمني:
تنص المادة (50) من هذا القانون على
أنه (لزوجة المتمرد عن الإنفاق في حالة اليسار الفسخ إذا تعذر استيفاء حقها في
النفقة منه أو من ماله) وقد أخذ القانون في هذا النص بقول المالكية والقول غير
الظاهر للشافعية والحنابلة وهم الذين أجازوا الفسخ مع ثبوت يسار الزوج، وعند
التطبيق العملي لهذا النص في المحاكم فإن ذلك يقتضي من الزوجة طالبة الفسخ
باعتبارها مدعية أن تثبت حالة الإيسار وإثبات حالة التمرد عن الإنفاق في آن واحد، وهذا
النص قد أجاز صراحة فسخ الزواج إذا ما كان الزوج موسراً ولكنه متمرد عن الإنفاق، أما
المادة (51) فقد بينت حكم الفسخ في حالة الزوج المعسر حيث نصت على أنه (لزوجة
المعسر عن الإنفاق المتمرد عن الكسب وهو قادر عليه أو العاجز عنه الفسخ إن امتنع
عن الطلاق).
ومن استقراء هذا النص يظهر أن القانون اليمني قد أخذ
بقول المالكية والشافعية وبعض الحنابلة وهم الذين ذهبوا إلى الفسخ لإعسار الزوج
بالنفقة، إلا أن هذا النص قد أوجب على القاضي أن يطلب أولاً من الزوج الطلاق، ولا
يحكم القاضي بالفسخ إلا إذا امتنع الزوج عن الطلاق ولا حرج ولا تثريب على القانون
في هذا الشأن، لأن الفقهاء الذين أجازوا الفسخ للإعسار قد سلكوا هذا المسلك كما
سبق ذكره، ويلاحظ أيضاً أن القانون اليمني لم يسلك مسلك القوانين العربية الأخرى
التي أوجبت على القاضي أن يمهل الزوج مدة من الزمن قبل الفسخ.
أما المادة (53) فقد نصت على أنه (إذا كان الرجل متزوجاً
بأكثر من واحدة مع عدم القدرة على الإنفاق والسكن فلكل منهن طلب الفسخ فإن كان له
قدره على إنفاق وإسكان البعض فقط فبعد طلبهن يخيره القاضي بين إمساك من يقدر على
الإنفاق عليهن وإسكانهن وطلاق الأخريات فإذا امتنع فسخ القاضي زواج من طلبت)، وهذا
فسخ لعدم القدرة على الإنفاق وقد تقدم التعليق عليه.
ثانياً: فسخ الزواج لعدم الإنفاق على
الزوجة في قانون الأحوال الشخصية المصري:
قبل صدور القانون رقم 25 لسنة 1920م بمصر كان العمل على
مذهب الإمام أبي حنيفة في هذه المسألة، وبعد صدور القانون رقم 25 لسنة 1920م فقد
تم العمل بمذهب الإمام مالك في هذه المسألة طبقاً للمادة (4) من هذا القانون والتي
نصت على أنه(إذا امتنع الزوج عن الإنفاق على زوجته فإن كان له مال ظاهر نفذ الحكم
عليه بالنفقة في ماله فإن لم يكن له مال ظاهر ولم يقل أنه معسر أو موسر ولكن أصر
على عدم الإنفاق طلق عليه القاضي في الحال إن ادعى العجز فإن لم يثبت طلق عليه
حالاً وإن أثبته أمهله مدة لا تزيد عن شهر فإن لم ينفق طلق عليه بعد ذلك).
وقد بيّنت هذه المادة الأحوال التي يطلق فيها القاضي على
الزوج الحاضر الذي ليس له مال ظاهر يمكن التنفيذ عليه وهي:
1- إذا تصادق
الطرفان على الإعسار أو أنكرته الزوجة وأثبته الزوج، وفي هذه الحالة يمهل القاضي
الزوج مدة لا تزيد عن شهر فإن أنفق فلا تطليق وإلا طلّق عليه القاضي.
2- إذا ادعى
الإعسار ولم يثبته لا بمصادقة ولا بينة.
3- إذا سكت ولم
يقل أني معسر أو موسر وأصر على عدم الإنفاق وبالأولى إذا قال: إني موسر وأصر على
عدم الإنفاق.
وفي هاتين الحالتين يطلق عليه القاضي بدون إمهال، وقد
نصت المادة (6) من هذا القانون على أن (تطليق القاضي لعدم الإنفاق يقع رجعياً
وللزوج أن يراجع زوجته إذا أثبت يساره واستعد للإنفاق في أثناء العدة فإن لم يثبت
يساره ولم يستعد للإنفاق لم تصح الرجعة).
ثالثاً: فسخ الزواج لعدم الإنفاق على
الزوجة في قانون الأحوال الشخصية الكويتي:
تنص المادة (120) على أنه:
أ- (إذا امتنع
الزوج الحاضر عن الإنفاق على زوجته، وليس له مال ظاهر، ولم يثبت إعساره، فلزوجته
طلب التطليق، ويطلق القاضي عليه في الحال وله أن يتوق التطليق بدفع نفقتها الواجبة
من تاريخ رفع الدعوى.
ب-
إذا أثبت الزوج إعساره، أو كان
غائباً في مكان معلوم أو محبوسّاً، وليس له مال ظاهر، أمهله القاضي مدة لا تقل عن
شهر ولا تجاوز ثلاثة أشهر، مضافاً إليها المواعيد المقررة للمسافة ليؤدي النفقة
المذكورة، فإن لم ينفق طلقها عليه.
ج- إذا كان الزوج غائباً في مكان مجهول، أو مفقوداً وليس له مال ظاهر، طلق
عليه القاضي بلا إمهال).
وقد بينت هذه المادة أحكام الفسخ لامتناع الزوج عن
النفقة وإعساره والفسخ لغياب الزوج وفقدانه في آن واحد، ويظهر من استقراء هذه
المادة أن القانون الكويتي يأخذ برأي المالكية ومن وافقهم وهم الذين يذهبون إلى
جواز الفسخ سواءً في حالة إيسار أو إعسار الزوج طالما أنه لا ينفق على زوجه.
أما المادة (21) فقد نصت على أن (تطليق القاضي لعدم
الإنفاق يقع رجعياً، وللزوج أن يراجع زوجته في العدة إذا أثبت للمحكمة إيساره بحيث
يقدر على مداومة نفقتها، واستعداده للإنفاق)، في حين نصت المادة (122) على أنه
(إذا تكرر رفع الدعوى لعدم الإنفاق أكثر من مرتين وطلبت الزوجة التطليق لضرر طلقها
القاضي عليه بائناً).
رابعاً: فسخ الزواج لعدم الإنفاق على
الزوجة في قانون الأحوال الشخصية القطري:
تنص المادة (147) من هذا القانون على أنه (إذا طلبت
الزوجة التفريق لعدم الإنفاق من زوجها الحاضر الذي لا مال له ظاهر، وامتنع عن
الإنفاق، ولم يدع الإعسار وأصر على عدم الإنفاق قضي بالتفريق بينهما في الحال) في
حين نصت المادة (148) على أنه (إذا طلبت الزوجة التفريق لعدم الإنفاق، من زوجها
الحاضر الذي لا مال له ظاهر، وامتنع عن الإنفاق، وادعى الإعسار وأثبته، أمهله
القاضي مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر فإن لم ينفق فرق بينهما) أما المادة (149) فقد
نصت على أنه ((إذا طلبت الزوجة التفريق لعدم الإنفاق، من زوجها الحاضر الذي لا مال
له ظاهر، وامتنع عن الإنفاق، وادعى الإعسار ولم يثبته ضرب له القاضي أجلاً لا
يتجاوز شهراً لينفق فيه وإلا فرق بينهما بعد الأجل). كما نصت المادة (153) على أنه
(يعتبر التفريق لعدم الإنفاق أو الإعسار فسخاً).
خامساً: فسخ الزواج لعدم الإنفاق على
الزوجة في قانون الأحوال الشخصية السوري:
أخذ هذا القانون بقول المالكية الذين ذهبوا إلى فسخ
الزواج لعدم الإنفاق سواءً كان الزوج معسراً أو موسراً حيث نصت المادة ( 110) من
هذا القانون على أنه("1" يجوز للزوجة طلب التفريق إذا امتنع الزوج الحاضر
عن الإنفاق على زوجته ولم يكن له مال ظاهر ولم يثبت عجزه عن النفقة. "2"
إن أثبت عجزه أو كان غائباً أمهله القاضي مدة مناسبة لا تتجاوز ثلاثة أشهر فإن لم
ينفق فرق القاضي بينهما)، في حين نصت المادة (111) على أن (تفريق القاضي لعدم
الإنفاق يقع رجعياً وللزوج أن يراجع زوجته في العدة بشرط أن يثبت يساره ويستعد
للإنفاق)، وقد سبق التعليق على مثل هذه النصوص ولا حاجة لإعادة ذكرها.
سادساًَ: فسخ الزواج لعدم الإنفاق على الزوجة في قانون
الأحوال الشخصية الأردني:
تنص المادة (127) على أنه (إذا امتنع الزوج عن الإنفاق
على زوجته بعد الحكم عليه بنفقتها إن كان له مال يمكن تنفيذ حكم النفقة عليه نفذ
الحكم عليه بالنفقة في ماله، وإن لم يكن له مال ولم يقل إنه معسر أو موسر أو قال
إنه موسر ولكنه أصر على عدم الإنفاق طلق عليه القاضي في الحال، وإذا ادعى العجز
فإن لم يثبته طلق عليه حالاً وإن أثبته أمهله مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على
ثلاثة أشهر فإن لم ينفق طلق عليه بعد ذلك)، ويظهر من هذا النص أنه اشترط لمطالبة
الزوجة بالفسخ لعدم الإنفاق أن يكون هناك حكم سابق بنفقتها بذمة زوجها.
أما المادة (129) فقد نصت على أن (تطليق القاضي لعدم
الإنفاق يقع رجعياً إذا كان بعد الدخول أما إذا كان قبل الدخول فيقع بائناً، وإذا
كان الطلاق رجعياً فللزوج مراجعة زوجته أثناء العدة إذا أثبت يساراً بدفع نفقة
ثلاثة أشهر مما تراكم لها عليه من نفقتها وباستعداده للإنفاق فعلاً في أثناء العدة،
فإذا لم يثبت يساره بدفع النفقة ولم يستعد للإنفاق فلا تصح الرجعة).
سابعاًً: فسخ الزواج لعدم إنفاق الزوج على زوجته في مدونة
الأسرة المغربية (قانون الأحوال الشخصية المغربي):
تنص المادة (102) من هذه المدونة على
أن (للزوجة طلب التطليق بسبب إخلال الزوج بالنفقة الحالة الواجبة عليه وفق الحالات
والأحكام الآتية:"1" إذا كان للزوج مال يمكن أخذ النفقة منه قررت
المحكمة طريقة تنفيذ نفقة الزوجة عليه ولا تستجيب لطلب التطليق.، "2" في
حالة ثبوت العجز تحدد المحكمة حسب الظروف أجلاً للزوج لا يتعدى ثلاثين يوماً لينفق
خلاله وإلا طلقت عليه إلا في حالة ظرف قاهر أو استثنائي.، "3" تطلق
المحكمة الزوجة حالاً إذا امتنع الزوج عن الإنفاق ولم يثبت العجز).
ثامناً: فسخ الزواج لعدم انفاق الزوج
على زوجتة في قانون الأحوال الشخصية بدولة الإمارات:
تنص المادة (124) من هذا القانون على أنه (إذا امتنع
الزوج الحاضر عن الإنفاق على زوجته ولم يكن له مال ظاهر يمكن التنفيذ فيه بالنفقة
الواجبة في مدة قريبة جاز لزوجته طلب التفريق فإذا ادعى أنه معسر ولم يثبت إعساره
طلق عليه القاضي في الحال وكذلك إن لم يدع أنه موسر أو معسر أو ادعى أنه موسر وأصر
على عدم الإنفاق، وإن ثبت إعساره أمهله القاضي مدة لا تزيد عن شهر فإن لم ينفق طلق
عليه القاضي)، في حين نصت المادة (125) على أنه ("1- إذا كان الزوج غائباً في
مكان معلوم فإن كان له مال ظاهر نفذ عليه الحكم بالنفقة في ماله وإن لم يكن له مال
ظاهر أعذره القاضي وأمهله مدة لا تزيد على شهر مضافاً إليها مواعيد المسافة المقررة
فإن لم ينفق ولم يحضر النفقة طلق عليه القاضي بعد مضي المدة. "2- إن كان
غائباً في مكان مجهول أولا يسهل الوصول إليه أو كان مفقوداً وثبت أيضاً أنه لا مال
له يمكن أخذ النفقة منه طلق عليه القاضي).
تاسعاً: فسخ الزواج لعدم انفاق الزوج
على زوجتة في قانون الأحوال الشخصية بسلطنة عمان:
تنص المادة (109) من هذا القانون على أن (للزوجة طلب
التطليق إذا امتنع زوجها عن الإنفاق عليها أو تعذر استيفاء النفقة منه وليس له مال
ظاهر ولم يثبت إعساره ولا تطلق منه إلا بعد إمهاله مدة يحددها له القاضي، ولا تطلق
منه إلا بعد إمهاله مدة يحددها له القاضي، ولا تطلق الزوجة لإعسار الزوج إذا علمت
بعسره قبل الزواج ورضيت بذلك ولا تطلق الزوجة الموسرة من زوجها الموسر)وقد أنفرد
القانون العماني بالنص على عدم فسخ زواج المعسر إذا كانت زوجته موسرة.
الفرع الثامن
أحكام القضاء في فسخ الزواج لعدم الإنفاق
جرى قضاء محكمة النقض المصرية على أن:
(1) التطليق لعدم
الإنفاق طبقاً للقانون رقم 25 لسنة 1920م مناطه انتفاء وجود مال ظاهر للزوج يمكن
التنفيذ عليه بالنفقة، وعدم إدعاء الزوج العسر أو اليسر، وإصراره على عدم الإنفاق
على زوجته([524]).
(2) التفريق لعدم
الإنفاق طبقاً للقانون رقم 25 لسنة 1920م التزام المحكمة بإمهال الزوج لأداء
النفقة "شرطه" إدعاء الإعسار وإثباته، "علة ذلك" استظهار وجود
مال ظاهر للزوج، واقع استقلال قاضي الموضوع بتقديره([525]).
(3) التفريق لعدم
الإنفاق مناطه انتفاء وجود مال ظاهر للزوج يمكن التنفيذ عليه بالنفقة، فإن كان له
مال ظاهر فلا تطلق عليه الزوجة، إذ أن رفع الظلم عنها يكون سبيله التنفيذ على ماله،
فإذا لم يوجد هذا المال ولم يدع الزوج العسر أو اليسر، وأصر على عدم الإنفاق على
زوجته، مما يعد ذلك منه ظلماً لها، تعين على القاضي رفع هذا الظلم بتطليقها عليه
في الحال([526]).
(4) إمهال الزوج
لأداء النفقة شرطه أن يدعي الإعسار ويثبته([527]).
(5) يسار الزوج الذي يُطلق عليه لعدم الإنفاق لا يثبت بمجرد عرض النفقة وإنما
يتعين عليه أن يثبت يساره الذي يمكنه من مداومة الإنفاق على زوجته واستعداده لهذا
الإنفاق([528]).
(6)امتناع الزوج عن الإنفاق على زوجته لا يجيز لها طلب التطليق عليه بائناً
للضرر([529]).
(7) الضرر الواقع على الزوجة بعدم إنفاقه عليها يدفع بتنازل الزوجة عن هذه
النفقة([530]).
المطلب الثاني
فسخ الزواج لإعسار الزوج عن دفع المهر
وسنبين في هذا المطلب خلاف الفقهاء بشأن فسخ الزواج
لإعسار الزوج عن دفع المهر وشروط ذلك ونوع الفرقة بين الزوجين لهذا السبب وطريق
وقوعها وآثارها على المهر والعدة والنفقة فيها، وسيكون ذلك على الوجه الآتي:
الفرع الأول
خلاف الفقهاء
بشأن فسخ الزواج لإعسار الزوج عن دفع المهر
إذا
أعسر الزوج
بصداق زوجته بعد وجوبه وتقرره عليه، وطالبته الزوجة به، ورفعته إلى القاضي طالبة
التفريق بسببه، فقد اختلف الفقهاء في صحة إجابتها إلى ذلك على ثلاثة أقوال:
القول الأول: لا خيار لها في الفسخ مطلقاً سواءً أكان قبل الدخول أم
بعده إذا أعسر زوجها بصداقها، بل هل غريم كسائر الغرماء وهو قول الحنفية ([531]). الذين استدلوا بالأدلة التالية:
(أ) إن المهر دين
ثبت في ذمة الزوجة كغيره من الديون، ومن المتفق عليه أن النكاح لا يفسخ بالإعسار
بدين غير الصداق، فكذلك الإعسار بالصداق.
(ب) إن المهر حكمه في هذا حكم النفقة الماضية إذا أعسر بها الزوج، ذلك أنه لا
ضرر كبيراً على الزوجة في تأخيره، بخلاف الإعسار بالنفقة الحاضرة، وقد تقدم
الاتفاق على عدم التفريق للإعسار بالنفقة الماضية، فكذلك الإعسار بالصداق.
(ج) الأصل في الفرقة أن تكون بيد الزوج، فلا تكون
لغيره إلا بدليل، والشريعة الإسلامية أناطت أمر التفريق بالزوج مصداقاً لقول النبي
b: "إنما
الطلاق لمن أخذ بالساق"، ولم يرد ما يصلح دليلاً لتخصيص هذا العموم، فكان
الحكم فيه على الأصل.
(د) إن قياس المهر على الثمن في المبيع غير صحيح، لأن
الثمن كل مقصود البائع، أما الصداق ففضلة ونحلة، وليس هو المقصود الأصلي في
النكاح. ولذلك قرر الفقهاء أن النكاح لا يفسد بفساده، ولا بترك ذكره، خلافاً للثمن
في المبيع، ومع هذا الفارق لا يصّح القياس.
(هـ) ولا يصح قياس المهر على النفقة الحاضرة أيضاً، لأن
الضرورة لا تندفع إلا بالنفقة الحاضرة، أما الصداق فلا ضرورة في دفعه مالاً فأشبه
النفقة الماضية دون الحاضرة([532]).
القول الثاني: يذهب إلى أنه إذا أعسر الزوج بالصداق قبل الدخول بالزوجة
فإنها تخيّر في الفرقة. فإذا أعسر بعد الدخول لم تخّير وتلزم بالبقاء على الزوجية،
وهي غريم كسائر الغرماء وهو قول المالكية والقول الظاهر عند الشافعية والحنابلة، واستدّل
هؤلاء بأن الزوجة في ذلك كالبائع، والزوج كالمشتري، ولو أفلس المشتري والمبيع
بحاله، كان للبائع نقض العقد، فكذلك الزوجة قبل الدخول، بخلاف ما لو كان بعد
الدخول، فإن المعقود عليه وهو البضع قد استوفي، فأشبه ما لو أفلس المشتري بعد تلف
المبيع أو بعضه في يده، فإنه لا يكون للبائع فسخ العقد، فكذلك الزوجة هنا([533]).
القول الثالث: للزوجة خيار الفسخ إذا أعسر زوجها بالصداق سواءً أدخل
بها الزوج أم لا، واستدل هؤلاء بأن المهر عوض البضع، وإذا أعسر المشتري بالعوض كان
للبائع الرجوع في المعوض، فكذلك الزوجة، ولا يختلف الأمر هنا بعد الدخول عنه قبله،
ذلك أن البضع لا يتلف حقيقة بالوطء، فاستوى فيه ما بعد الدخول بما قبله، فاشتركا
في الحكم، فكان لها الخيار مطلقاً. بخلاف المبيع إذا هلك، فإنه يمتنع ردّه، فيمتنع
الفسخ لذلك وهذا قول أبي بكر من الحنابلة وبعض الشافعية([534]).
الفرع الثاني
شروط التفريق
للإعسار بالصداق عند القائلين به
(أ) أن يكون الصداق
واجباً على الزوج وجوباً حالاً: فإذا لم يكن المهر واجباً عليه مطلقاً، كما إذا لم
يكن قد عقد عليها بعد، أو كان العقد فاسداً ولم يدخل بها فيه، أو كان واجباً
وجوباً مؤجلاً كأن يشترط في العقد تأجيل كل الصداق أو تأجيل بعضه فتطالبه الزوجة
بالقسم المؤجل، فإنه لا يفرق بسبب ذلك. لأن إعسار الزوج هنا ليس فيه منع لحقها، فلم
يكن لها الفسخ بسببه.
(ب) أن لا تكون الزوجة قد رضيت بذلك قبل العقد أو بعده، صراحة أو دلالة، فإذا
تزوجته عالمة بإعساره بالمهر، لم يكن لها طلب الفسخ بسبب ذلك بعده، لأنها تعتبر
راضية بتأجيله دلالة، والمهر حقها فيتأجل بتأجيلها، وإذا أجّل لم يكن لها المطالبة
بالفسخ بسبب إعسار الزوج به، بل هي غريم كسائر الغرماء.
وكذلك إذا علمت بإعساره بعد العقد وسكتت أو رضيت به
صراحة، فإنه لا يكون لها حق في طلب الفسخ بسبب ذلك، قياساً على عنّة الزوج، فإنها
إذا رضيت بها بعد العقد أو قبله، لم يكن لها طلب الفسخ بسببها بعد، والأمر في هذا
على خلاف الإعسار بالنفقة الحاضرة، فإن الرضا به لا يسقط حقها في الفسخ بعده عند
الشافعية والحنبلية كما تقدم، لأن المهر يثبت دفعة واحدة بالعقد فيكون إسقاطه
وارداً بعد وجوبه فيصحّ، أما النفقة فتتجدد يوماً بعد يوم، فيكون إسقاطها وارداً
قبل وجوبها فلا يصحّ، إذ القواعد الشرعية تقضي بأن الحق يسقط بالإسقاط بعد وجوبه
لا قبله([535]).
الفرع الثالث
صاحب الحق في
الفرقة ونوعها وآثارها على المهر والعدة والنفقة فيها
(1) صاحب الحق في الفرقة:
الفرقة للإعسار بالصداق حق للزوجة، كالفرقة للإعسار
بالنفقة الحاضرة، ولذلك لا يكون للقاضي حق في الحكم بها قبل طلب الزوجة ذلك منه، ولو
حكم بها دون طلب الزوجة ذلك كان حكمه باطلاً لا تقع به فرقة، ذلك أن المهر بدل بضع
الزوجة، وهو حقها، فلا يفرق بسبب الإعسار به إلا بعد طلبها.
(2) نوع الفرقة:
الفرقة للإعسار بالمهر كالفرقة للإعسار بالنفقة الحاضرة
تماماً، فهي فسخ عند الشافعية والحنابلة، طلاق رجعي عند مالك، وقد تقدم تفصيل ذلك.
(3)طريق وقوعها:
هو كالفرقة للإعسار بالنفقة أيضاً، فلا بدّ فيه من القضاء، لأنه فصل مجتهد
فيه.
وكذلك الحكم في العدّة ونفقتها، وحكم
الصداق بعد هذه الفرقة كحكم ذلك بعد الفرقة للإعسار بالنفقة تماماً. فليرجع إليه
عند الحاجة، ولا ضرورة إلى تكراره([536]).
الفرع الرابع
فسخ الزواج لاعسار الزوج عن دفع المهر
في قوانين الأحوال الشخصية في
الدول العربية
أولاً:فسخ الزواج لإعسار الزوج عن
دفع المهر في قانون الأحوال الشخصية اليمني:
لم يتعرض هذا القانون اليمني لهذا الموضوع، ولذلك ينبغي
العمل بما ورد في المادة (349) من هذا القانون والتي نصت على أنه (كل ما لم يرد به
نص في هذا القانون يعمل فيه بأقوى الأدلة في الشريعة الإسلامية) وإعمال أقوى الأدلة
على النحو الذي ورد في هذا النص ليست يسيره فضلاً عن أن صياغة هذا النص معيبة
وتحديداً عندما ذكر بأنه يعمل بأقوى الأدلة فالعمل يتم بالقول الفقهي الذي يستند
إلى أقوى الأدلة إذا كان مراد القانون اليمني ذلك، كما أن الرجوع إلى أقوى الأدلة
أو أقوى المذاهب أو أرجحها مهمة يعجز عنها كبار الفقهاء والقضاة في العصر الراهن، وقد
سبق التعليق على ذلك في بداية الكتاب.
ثانياً: فسخ الزواج لإعسار الزوج عن
دفع المهر في قانون الأحوال الشخصية الأردني:
تنص المادة (126) من هذا القانون على أنه (إذا ثبت قبل
الدخول عجز الزوج بإقراره أو بالبينة عن دفع المهر المعجل كله أو بعضه فللزوجة أن
تطلب من القاضي فسخ الزواج، والقاضي يمهله شهرّاً فإذا لم يدفع المهر بعد ذلك يفسخ
النكاح بينهما، أما إذا كان الزوج غائباً ولم يعلم له محل إقامة ولا مال له يمكن
تحصيل المهر منه فإنه يفسخ بدون إمهال)، ومن استقراء هذا النص نجد أن القانون
الأردني قد أخذ بقول المالكية ومن إليهم.
ثالثاً: فسخ الزواج لإعسار الزوج عن
دفع المهر في قانون الأحوال الشخصية القطري:
تنص المادة (137) من هذا القانون على أنه ("أ"
يحكم للزوجة غير المدخول بها بالتفريق لعدم أداء الزوج مهرها الحال في الحالتين
التاليتين:
-
إذا لم يكن للزوج مال ظاهر يؤخذ منه المهر.
-
إذا كان الزوج ظاهر العسر أو مجهول الحال وانتهى الأجل
الذي حدده القاضي لأداء المهر الحال ولم يؤده.
"ب" لا يحكم بتفريق الزوجة بعد الدخول لعدم أداء مهرها
الحال ويبقى دينّاً في ذمة الزوج). في حين تنص المادة (38) على أنه (يعتبر التفريق
لعدم أداء المهر الحال فسخاً).
رابعاً: فسخ الزواج لإعسار الزوج عن
دفع المهر في قانون الأحوال الشخصية بدولة الإمارات:
نصت المادة (116) من
هذا القانون على أنه ("1- يحكم للزوجة غير المدخول بها بالفرقة لعدم أداء الزوج
مهرها الحال في الحالتين الآتيتين: "أ-إذا لم يكن للزوج مال ظاهر يؤخذ منه
المهر. "ب- إذا كان الزوج ظاهر العسر أو مجهول الحال وانتهى الأجل الذي حدده
القاضي لأداء مهرها الحال ولم يؤده. "2- لا يحكم للزوجة بعد الدخول بالفرقة
لعدم أداء المهر الحال ويبقى ديناً في ذمة الزوج).
خامساً: فسخ الزواج لإعسار الزواج عن
دفع المهر في قانون الأحوال الشخصية بسلطنة عمان:
تنص المادة (100) من هذا القانون على
أن ("أ- يحكم للزوجة غير المدخول بها بالتطليق لعدم أداء الزوج صداقها الحال
في الحالتين التاليتين:"أ"1- إذا لم يكن للزوج مال ظاهر يؤخذ منه
الصداق. "2- إذا كان الزوج ظاهر العسر أو مجهول الحال وانتهى الأجل الذي حدده
القاضي لأداء الصداق الحال ولم يؤده."ب" لا يحكم بتطليق الزوجة بعد
الدخول لعدم أداء صداقها الحال ويبقى ديناً في ذمة الزوج).
سادساً: فسخ الزواج لإعسار الزواج عن
دفع المهر في قوانين الأحوال الشخصية في مصر والكويت والمغرب:
لم تتعرض هذه القوانين لأحكام فسخ الزواج لإعسار الزوج
عن دفع المهر المستحق لزوجته مثلها في ذلك مثل القانون اليمني وطبقاً لما قضت به
تلك القوانين فإن المعمول به في مصر هو القول الراجح في مذهب الحنفية طبقاً للمادة
(1) من القانون رقم (24) لسنة 1929م والمعمول به في الكويت هو القول المشهور بمذهب
المالكية طبقاً للمادة (343) التي نصّت على أن (كل ما لم يرد له حكم في هذا
القانون يرجع فيه إلى المشهور في مذهب الإمام مالك فإن لم يوجد المشهور طبق غيره
فإن لم يوجد حكم أصلاً طبقت المبادئ العامة في الأحكام النهائية الصادرة في دوائر
الأحوال الشخصية التي تكون حجة أمام جميع الدوائر). وقد ذكرنا أن المالكية يجيزون
فسخ الزواج لإعسار الزوج بالصداق قبل الدخول أما بعده فلا يجيزون ذلك.
(1) الطلاق والتطليق وأثارهما –
المستشار أحمد نصر الجندي – دار الكتب القانونية المحلة الكبرى – مصر– طبعة 2004م
صــ 16.
([4]) حول مشروع قانون الأحوال الشخصية
المصري – بقلم د. محمد سليم العوا- الموقع الإلكتروني لإسلام أون لاين نت بتاريخ
15/2/2007م.
([40]) الحرشي علي مختصر خليل 3/231 والدسوقي
2/515.مذكور في فسخ الزواج – د. أحمد الحجي الكردي – صــــ 87.
[47]
)الدر المختار 2/474.
[48]
) حاشية ابن عابدين 3/530
[49]
) البحر الرائق 3/121.
[50] فسخ الزواج- د. أحمد الحجي الكردي صــ 104.
[51]
) فسخ الزواج – د.أحمد الكردي صـ106.
[52]
) فسخ الزواج – د. أحمد الحجي الكردي صـ
107.
([56]) الأشباه والنظائر لابن نجيم 1/647،
ونظرية الفسخ العامة لذ نون صــ 57/58.- مذكور في فسخ الزواج للدكتور/أحمد الحجي
الكردي صـ58.
[66]
) فسخ الزواج – د. أحمد الكردي
صـ63.
[121]
) فسخ الزواج د. أحد الكردي ص،
238.
[127]
) الطعن رقم 76 لسنة 53 ق – أحوال
شخصية – جلسة 27/1/1987م – مجموعة الكتب الفني السنة 38 صـ137.
[128]
) الطعن رقم 255 لسنة 68 ق – أحوال
شخصية – جلسة 28/12/1998م – مجلة القضاة السنة 31 صـ633.
[129]
) الدسوقي 4/301 وما بعدها ومغني المحتاج
4/133 وما بعدها.
([141]
) الطعن رقم (25) لسنة 37 ق أحوال
شخصية مجموعة المكتب الفني السنة 19 صـ1034.
الطعن رقم (20)
لسنة 34 ق أحوال شخصية مجموعة المكتب الفني السنة 17 صـ782.
([167]) المجموع 16/433، مطالب أولي النهي 3/535، تفسير القرطبي 12/182،
وبداية المجتهد 2/128، والمدونة 3/116.
([177]) زاد المعاد 5/543، المغني 7/412،
بداية المجتهد 2/132. ونيل الأوطار 6/305 والحديث أخرجه أبو داود.
([190])
وقد صدرت الإرادة العلية العثمانية بناءً على العريضة المقدمة من المشيخة
الإسلامية بتاريخ 16/جمادي الأولى سنه
1334 بترجيح قول الإمام محمد وقد أصبح العمل بموجبه جارً في المحاكم الشرعية
العثمانية منذ ذلك الزمن أنظر خلاصة الأحوال الشخصية للأعظمي ص 66- 67 .
([225])مغني المحتاج- للشيخ محمد الشربيني
الخطيب جـ3 صـ203- طبعة 1377هـ-1958م – دار إحياء التراث العربي.
([227])التاج المذهب الجامع لأحكام المذهب
للقاضي أحمد بن قاسم العنسي – الطبعة الأولى – مطبعة دار الكتب العربية- عيسى
اليابي الحلبي.
(2) المغني 7/6110-611 مع الشرح الكبير، ومغني المحتاج: 3/203-204، وتحفة
الفقهاء (2/337)، والمحلى: 10/73.
([239])البحر الرائق جـ3 صـ133، الفتاوى الهندية جـ1 صـ522، شرح
منتهى الإرادات جـ3 صـ49، البحر الزخار جـ3 صـ60، حاشية الجمل على شرح المنهج جـ4
صـ214.
([243]) البحر الزخار
3/62 والتاج المذهب 2/63 وحق الزوجين في طلب التفريق بينهما بالعيوب في الشريعة
الإسلامية وقانون الأحوال الشخصية – د.فؤاد جاد الكريم محمد – مكتبة مدبولي – طبعة
88م صـ27.
([244])كشاف القناع عن متن الإقناع جـ5
صـ106، البحر الرائق جـ4 صـ134، حاشية الدسوقي جـ2 صـ251، البحر الزخار 3/66، شرح
كتاب النيل وشفاء العليل ـ6 /ـ388.
([250])المغني لابن قدامة جـ7 صـ605، نهاية
المحتاج جـ6 صـ364 – المبسوط جـ 5 صـ 101، المدونة الصغرى للخراساني جـ 1
([262])شرح منتهى الإرادات للبهوتي جـ 3
صـ 49 – مغني المحتاج جـ 3 صـ 207، الفروع لابن مفلح جـ 5 صـ 228، وكشاف القناع جـ
5 صـ 107، نهاية المحتاج للرملي جـ 6 صـ316.
([271])نهاية المحتاج جـ 6 صـ 309، مغني
المحتاج جـ 3 صـ 203، وكشاف القناع جـ 5 صـ 109، شرح منتهى الإيرادات جـ3 صـ150،
والبحر الزخار جـ3 صـ60، وشرح كتاب النيل وشفاء العليل جـ6 صـ 388.
([277]) الشرح الكبير للدردير جـ 2 صـ278، المجموع شرح المهذب جـ15
صـ265، المغني لابن قدامة جـ7 صـ109، البحر الزخار جـ3 صـ62، شرائع الإسلام صـ190.
([278]) نهاية المحتاج 6/311 وكشاف القناع 5/111، وجواهر الكلام جـ4 باب
العيوب، وشرح كتاب النيل وشفاء العليل جـ 6 صـ 391.، التاج والإكليل ـ 3 / 485، حاشية الدسوقي ـ 2 / 253.
([279]) نهاية المحتاج للرملي جـ 6 صـ
311، كشاف القناع للبهوتي جـ 5 صـ111، الفروع لابن مفلح جـ 5 صـ 232.
([280]) الشرح الكبير للدردير 2/283،
وتحفة المحتاج للعلامة شهاب الدين أحمد بن حجر الهيثمي مع حاشية الشرواني جـ 7 صـ
346- طبعة دار صادر بيروت-، وشرح الأزهار لأحمد بن يحيى المرتضى مع السيل الجرار
للشوكاني جـ 2 صـ 289.
([281]) الخرش على مختصر خليل جـ3 صـ242- طبعة
دار الفكر للطباعة والنشر- بيروت- جواهر الإكليل للشيخ صالح الأزهري جـ1 صـ298-
دار إحياء الكتب العربية.
(1) شرح منح الخليل-للشيخ محمد عليش جـ 2 صـ 82 – مكتبة النجاح بليبيا-
وحاشية الدسوقي – للشيخ محمد عرفة مع الشرح الكبير للدردير جـ 2 صـ 253 – طبعة دار
إحياء الكتب العربية.
([284])مغني المحتاج- للشيخ محمد
الشربيني الخطيب جـ 3 صـ 203- دار إحياء التراب العربي، كتاب الحجة على أهل
المدينة للإمام محمد بن الحسن للشيباني 3/318.
([285])اللباب في شرح الكتاب- للشيخ
عبدالغني الغنيمي الدمشقي جـ1 صـ 318 – طبع دار الحديث للطباعة والنشر- بيروت.
([306]) الباسور: منه ما يأتي كالعدس أو
الحمص أو العنب أو التوت، ومنه ما هو غائر داخل المقعدة وقد يفرزا سائل، أما
الناصور أو الباصور فهو قروح غائرة تحدث في المقعدة يسيل منها صديد وينقسم ومن هذه
القروح نافذة وغير نافذة..
([331]
) ورد بكتاب
موسوعة الأحوال الشخصية للأستاذ معوض عبدالتواب رئيس نيابة النقض صـ 585- طبعة
ثالثة.
([340]
) مقتضى العقد: هو الأحكام
الأساسية التي قررها الشرع لكل عقد، سواء بالنص عليها مباشرة، أو باستنباط
المجتهدين، بقصد تحقيق التوازن في الحقوق بين العاقدين.
([341]) العناية على الهداية 3/231 – بدائع الصنائع
للكاساني 5/169-170 – من كتاب البيوع (شرائط الصحة)، شرح فتح القدير لابن الهمام
6/77-78- فتاوى قاضيخان 1/329، حاشية رد المختار لابن عابدين 3/58- حاشية الدسوقي
على الشرح الكبير 2/238- الفواكة الدواني 2/34-35 – البيان والتحصيل لابن رشد
4/377، - العزيز شرح الوجيز للرافعي 8/252 وما بعدها، حاشية القليوبي على المنهاج
3/224-225، - الحاوي الكبير للماوردي 12/134 وما بعدها، مغني المحتاج للشربيني
3/226، - زاد المحتاج بشرح المنهاج للشيخ حسن الكوهجي 3/287-288 – المجموع شرح
المهذب 18/20-21.
([342]) كشاف القناع
للبهوتي 5/91 وما بعدها- المغني مع الشرح الكبير لابن قدامة 7/449 – زاد المعاد
لابن القيم 4/6 – الأنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي 8/154 وما بعدها –
الكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل 3/55-56، المبدع في شرح المقنع لابن مفلح 7/89،
80 وجواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام للنجفي 31/95- الروضة البهية في شرح اللمعة
الدمشقية للعاملي 5/270 وما بعدها، وشرح كتاب النيل وشفاء العليل للعلامة محمد بن
يوسف أطفيش 6/282- التاج المذهب الجامع لأحكام المذهب 2/30، 31، ود.محمد مصطفى شلبي في أحكام الأسرة في الإسلام صـ154، 155.
([343]
) العناية على الهداية 3/231، وحاشية ابن عابدين 3/85، 136
– المجموع شرح المهذب 18/19 ومتن المنهاج للنووي 3/226 والمحلى لابن حزم 9/123
وجواهر الكلام شرح شرائع الإسلام 31/270.، ومعين الحكام 1/187.
([350]
) تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي
4/233، نيل الأوطار 6/143، والأثر أخرجه سعيد بن منصور في سننه 1/3/182 رقم 667.
([351]
) المنتقى شرح موطأ الإمام مالك للباجي
3/296، كما رواه أيضاً سعيد بن منصور في سننه 1/3/181 رقم 661، معين الحكام على
القضايا والأحكام للشيخ إبراهيم بن عبدالرفيع 1/187.
([354]
) كشاف القناع 5/91 الكافي لابن قدامة
3/55، المبدع في شرح المقنع لابن مفلح 7/80، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف
8/154، 155، منتهى الإرادات 2/178، فتاوى ابن تيمية 3/326، زاد المعاد4/6 نظرية
العقد لابن تيمية ص214، شرح الزركشي على مختصر الخرقي 5/139 وما بعدها، جامع الفقه
لابن القيم 5/176، المغني مع الشرح الكبير7/448.
([356]
) تحفة الأحوذي – شرح جامع الترمذي 4/233،
نيل الأوطار 6/143، معالم السنن للخطابي 3/219، معين الحكام على القضايا والأحكام
لأبي إسحاق إبراهيم بن حسن بن عبدالرفيع 1/189.
([358]) الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي 8/157، 158،
شرح الزركشي على مختصر الخرقي 5/141 رقم 2487.
([361] ) كشاف القناع للبهوتي 5/90، الإنصاف في معرفة
الراجح من الخلاف للمرداوي 8/54، المبدع في شرح المقنع 7/80.
([367]) سنن سعيد بن منصور القسم الأول من المجلد الثالث صـ 181 رقم 663
باب ما جاء في الشروط في النكاح، صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 5/360- باب
الشروط في المهر عند عقدة النكاح من كتاب الشروط 9/257، 258، باب الشروط في النكاح
من كتاب النكاح-تحفة الأحوذي 4/232، السنن الكبرى 7/249.
([368]) المغني مع الشرح الكبير 7/449،
كشاف القناع 5/91، الكافي 3/55، المبدع 7/80، 81، والأثر رواه- أيضاً سعيد بن
منصور في سننه 1/3/181 رقم 662.
([370]) المغني مع الشرح الكبير 7/448، 449، ونحو هذا المعنى في المبدع
في شرح المقنع 7/81، جامع الفقه لابن القيم 5/176.
([377]) يراجع صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 9/260 رقم (5152) باب
الشروط التي لا تحل في النكاح، صحيح مسلم بشرح النووي 9/516، 517 رقم(1408).
([378]) تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي 4/233، المفصل في أحكام المرأة
وبيت المسلم د/عبدالكريم زيدان 6/132، 133.
([380]) هذا على مذهب الحنابلة الذين توسعوا في الشروط، أما على مذهب
جمهور الفقهاء القائلين بعدم صحة الشروط التي لا
يقتضيها العقد في إطلاقه، فإن شرط تطليق الضرة لا يصح، ويبقى عقد النكاح صحيحاً،
ويلغو الشرط.
([386]) شرح كتاب النيل 6/283 – يكون طلاقها بيده (أي الوليّ) أو يدها،
أو وكيلها، أو رب الأمة، أن يكون طلاقها بيده لا بيد رب العبد، ثبت الشرط...).
([389]) الفتاوى الهندية للعلامة الشيخ نظام - وجماعة من علماء الهند 1/273، الفتاوى الخانية المعروفة بفتاوى قاضيخان
والفتاوى البزازية 1/329 – مطبوع بهامش الفتاوى الهندية.
([394]) د/ مصطفى السباعي في كتابه: شرح قانون
الأحوال الشخصية 1/110، 111 – طبع المكتب الإسلامي -1417هـ-1997م – الطبعة
السابعة.
([395]) الشيخ محمد الشماع في كتابه: المفيد
من الأبحاث في أحكام الزواج والطلاق والميراث صـ 121 بالهامش.
([398]) المجموع شرح المهذب 17/451، 452، وكشاف القناع 5/99، وشرح منتهى
الإرادات 2/184، وشرائع الإسلام 2/321.
([404]) حاشية الصاوي مع الشرح الصغير 2/472، وكشاف القناع 5/99، وشرائع
الإسلام 2/321، والكافي 3/72، وكتاب النيل 6/284.
([418]) د/ محمد مصطفى شلبي في كتابه: أحكام الأسرة في الإسلام صـ 726،
الضيخ محمد الشماع في كتاب: أحكام الزواج والطلاق والميراث صـ 162، 163.
([439]) التفريق بين الزوجين لعدم الوفاء بالشرط- د.علي محمد علي قاسم –
دار الجامعة الجديدة للنشر- الإسكندرية- مصر صـ63.
([452]) حاشية ابن عابدين 2/477، والمغني 7/117، والدسوقي 2/291، ومغني
المحتاج 3/211، ونيل الأوطار 6/671.
([459]) تبيين الحقائق 2/28، وفتح القدير 3/186، ومغني المحتاج 3/164،
بلغة السالك 1/298، وابن عابدين 2/436، والفقه الإسلامي وأدلته للزجيلي 7/229،
وشرح قانون الأحوال الشخصية السوري للصابوني 1/233.
([460]) بلغة السالك 1/298، والتاج المذهب 2/67، والأزهار صـ 108، وبدائع
الصنائع 3/154، ومغني المحتاج 3/164، والمغني لابن قدامة 7/371، والمحلى 10/24.
([472]) الأم 5/13، والمبسوط 6/26، ونهاية المحتاج 6/248، والأنصاف
8/106، والخرشي 3/206، والتاج المذهب 2/76، وكتاب الأزهار صـ 108.
([483]) البحر الرائق 3/143، وابن عابدين 2/321، والاختيار 3/99، وفتح
القدير 3/193، ونهاية المحتاج 2/176، وحاشية قليوبي وعميرة 3/635، والمغني 7/377،
والآداب الشرعية لابن مفلح 3/302/305.
تعليقات
إرسال تعليق