مدى جواز إلزام الزوجة بالتلفظ بفسخ عقد زواجها
د. عبد المؤمن بن عبد القادر شجاع الدين
الأستاذ
المشارك رئيس قسم الفقه المقارن
كلية الشريعة والقانون
– جامعة صنعاء-اليمن
الملخص العربي للبحث:
من
المشاكل الهامة في فسخ الزوجة لعقد زواجها إجمال وغموض النص القانوني الذي تناول
لفظ (الفسخ)حيث لم يبين القانون اليمني اللفظ الذي يستعمله القاضي عند النطق
بالحكم بفسخ عقد الزواج,ولذلك اجتهدت
المحكمة العليا في اليمن (محكمة النقض ) إجتهادا غير موفق حينما أشترطت إلزام
الزوجة طالبة الفسخ بالتلفظ بالفسخ أمام القاضي كي يحكم بفسخ عقد الزواج المحكمة .
الملخص
الانجليزي :-
المقدمة
:
الحمد
لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد وعلى اله وصحبه :أما بعد فان
هذه المقدمة تشتمل على مشكلة البحث وتساؤلاته ونطاق البحث وتقسيماته,وذلك على
النحو الأتي :
أولا: مشكلة البحث وفروضها :تكمن
مشكلة البحث في غموض وإجمال نصوص قانون الأحوال الشخصية اليمني التي تناولت هذا
الموضوع مما أدى إلى تفاوت أحكام القضاء
في هذا الشأن ,حتى أن محكمة النقض باليمن قد تدخلت واجتهدت اجتهادا يخالف مفهوم
الفسخ في الشريعة والقانون حيث ذهبت المحكمة إلى تقرير وجوب إلزام الزوجة طالبة
فسخ عقد الزواج بالتلفظ بلفظ الفسخ أمام القاضي المختص,وترجع فروض هذه المشكلة إلى
الآتي :
1-
عدم وجود
مذكرة إيضاحية لقانون الأحوال الشخصية تبين المراد, علما بان المادة (18)من
القانون المدني اليمني قد نصت على أن المرجع عند تطبيق النصوص القانونية هي كتب الفقه
الإسلامي والكتب الشارحة.
2-
تجاهل خصوصية
عقد الزواج من حيث فسخه وإجراءات ذلك.
3-
تناثر مفردات
هذا الموضوع في مراجع ومصادر وقوانين عدة.
4-
عدم إستقرار
فهم هذا الموضوع في أذهان القضاة والمحامين والباحثين .
5-
انعدام أية
بحوث أو دراسات أو شروح أو تعليقات على النصوص القانونية التي تناولت هذا الموضوع
.
ثانيا:
تساؤلات البحث :لغرض معرفة مدى إلزام الزوجة بالتلفظ بلفظ فسخ عقد
الزواج ينبغي في سياق البحث الإجابة عن التساؤلات الآتية :
1- ما لمقصود بفسخ الزواج ؟بما يقع فسخ
عقد الزواج ؟وما هي الألفاظ التي تدل على الفسخ ؟ ما هي أطراف عقد الزواج ؟
2- هل هناك خصوصية لعقد الزواج من حيث
انعقاده وفسخه؟
3- أين يقع فسخ الزواج في القضاء أم خارجه
؟ وهل يجوز فسخ الزواج خارج نطاق القضاء؟
4- ما هو دور القاضي إذا طلبت الزوجة فسخ
عقد زواجها وثبت لديه السبب الموجب للفسخ ؟ وما هو اللفظ الذي يستعمله القاضي في حكمه
بالفسخ؟
ثالثاً: نطاق البحث :يقتصر
البحث على جزئية مدى جواز إلزام الزوجة طالبة الفسخ بالتلفظ بلفظ الفسخ ,ولذلك فان
البحث لن يتعرض للفسخ وألفاظه وتفاصيله إلا بالقدر اللازم لبيان ماذا كان تلفظ
الزوجة بلفظ الفسخ أمام القاضي لازم للحكم لها بفسخ عقد زواجها ؟كما أن البحث سيقتصر على تناول هذه المشكلة في
اليمن فقط كونها خاصة بهذا البلد .
رابعاً:تقسيمات البحث:يتكون
هذا البحث من مقدمة ومبحثين وخاتمة,وبيان ذلك على النحو الأتي :
مقدمة البحث :
تضمنت مشكلة البحث وفروضها وتساؤلات البحث ونطاقه وتقسيماته.
المبحث الأول : دور المرأة في عقد
الزواج وفسخه :نشير فيه إلى دور المرأة في
إبرام عقد الزواج وفسخه, والجهة المختصة بفسخ عقد الزواج ,وأقوال الفقهاء في هذا
الشأن وموقف القانون اليمني في ذلك.
المبحث الثاني : اجتهاد المحكمة
العليا اليمنية في اشتراط تلفظ الزوجة
بلفظ الفسخ : ونشير فيه إلى القاعدة القضائية
التي استقر عليها قضاء المحكمة العليا في إلزام الزوجة طالبة الفسخ بالتلفظ بلفظ
الفسخ أمام القاضي قبل النطق بالحكم بفسخ عقد زواجها ,ومدى موافقة هذا الإجتهاد
لمفهوم الفسخ في الفقه الإسلامي والقانون .
خاتمة البحث :
تتضمن نتائج البحث وتوصياته .
المبحث
الأول
دور
المرأة في عقد زواجها وفسخه
وذلك يقتضي الإشارة إلى دور المرأة في
إبرام عقد زواجها وفي فسخه على وفق ما ذهب إليه الفقه الإسلامي ونصوص القانون
اليمني ,ويتكون هذا المبحث من مطلبين هما:
المطلب الأول :دور
المرأة في إبرام عقد زواجها.
المطلب الثاني
: دور المرأة في فسخ عقد زواجها.
المطلب
الأول
دور
المرأة في إبرام عقد زواجها
معرفة دور الزوجة في إبرام عقد زواجها ومن
ثم فسخه يقتضي الإشارة بإيجاز إلى بيان المقصود من عقد الزواج وفسخه ,وذلك في ثلاثة
فروع: الأول دور المرأة في إبرام عقد الزواج
والثاني أطراف عقد الزواج,والفرع الثالث خصوصية عقد الزواج.
الفرع الأول : دور المرأة في
إبرام عقد الزواج : عقد الزواج في الفقه
الإسلامي هو (عقد يتضمن إباحة الوطء بلفظ نكاح أو تزويج أو ترجمته ) ([1])
,في حين عرفه القانون اليمني بانه (إرتباط بين زوجين بعقد شرعي تحل به المرأة
للرجل شرعا غايته تحصين الفروج وإنشاء أسرة قوامها حسن العشرة ) ([2]),
وعند المقارنة بين التعريفيين نجد أن تعريف القانون غامض يوحي بان العلاقة الزوجية
تنشاء بعقد بين الزوجين بدون حاجة إلى ولي يتولى إبرام عقد الزواج, وهذا ما ذهب
إليه الحنفية ([3])وحدهم
,في حين ذهب المالكية والشافعية والحنابلة والزيدية والظاهرية والاباضية والإمامية
إلى وجوب أن يتولى إبرام عقد زواج المرأة وليها الشرعي الأقرب إليها ([4] ),إلا
أن القانون اليمني حينما نص على شروط صحة عقد الزواج اشترط صراحة إبرام عقد الزواج
من قبل ولي المرأة كما سنرى في الفرع الثاني وهذا التضارب يفسر تضارب أحكام القضاء
اليمني في هذا الشأن .
الفرع الثاني : طرفا عقد الزواج :
طرفا عقد الزواج هما ولي الزوجة من جانب والزوج من جانب ثانٍ هذا على راي غالبية
الفقهاء على النحو السابق بيانه في الفرع الأول ,في حين ذهب الحنفية إلى أن طرفا
عقد الزواج هما الزواج والزوجة كما سبق بيانه ,وفي هذه المسالة صرح القانون اليمني
بأن الزوجة ليست طرفا في عقد الزواج ,حيث نصت المادة (7) من ذلك القانون على انه (يشترط
لصحة العقد ما يلي:-
1-
ان يكون في مجلس واحد.
2-
إيجاب بما يفيد التزوج عرفا من ولي للمعقود بها ، مكلف ،ذكر ، غير محرم،أو بإجازته
أو من وكيله.
3-
قبول التزوج قبل الإعراض من زوج مكلف غير محرم أو ممن يقوم مقامه شرعا أو بإجازته.
4-
تعريف الزوجين حال العقد بأسم أو لقب أو إشارة أو نحو ذلك مما يميزهما عن غيرهما.
5.
ان يكون الإيجاب والقبول منجزين ومتطابقين وغير دالين على التوقيت بمدة ، ويلغى كل
شرط لا يتعلق به غرض مشروع لأحد الزوجين أو يخالف موجب العقد.
6. خلو الزوجين حال العقد من موانع الزواج) ومن
خلال استقراء هذا النص يظهر أن القانون قد اشترط صراحة إبرام عقد الزواج بنظر ولي
المرأة وان ولى المرأة هو الذي يحضر مجلس عقد الزواج وهو الذي يصدر منه الإيجاب حتى
ان النص لا يشترط حضور المرأة المعقود عليها مجلس العقد ,ومن خلال المقارنة بين
المادة (6) والمادة (7) نجد أنهما متعارضتان فيما يتعلق بالولاية في عقد الزواج
مما يؤدي إلى تضارب الأحكام وغموض الإفهام بشان موقف القانون اليمني من هذه
المسالة إلا أن دلالة المادة (6) دلالة مفهوم حيث يفهم منها امكانية تزويج المراة
لنفسها من غير ولي في حين أن دلالة المادة (7)دلالة منطوق حيث تنص صراحة على
اشتراط الولي لإبرام عقد الزواج ,القاعدة أن دلالة المنطوق مقدمة على دلالة
المفهوم ([5]
),وعلى هذا الأساس فإنما قررته المادة (7)من اشتراط الولي هو المعتمد الذي
ينبغي القضاء بموجبة الفرع الثالث :خصوصية عقد الزواج : اتفق الفقهاء على أن عقد
الزواج له خصوصية تميزه عن غيره من العقود ,وتتجلى هذه الخصوصية في كل تفاصيل هذا
العقد السابقة له من حيث الخطبة ثم في إجراءات العقد و إنعقادات ومن ذلك اشتراط
إبرام العقد من قبل ولي المرأة عملا بقوله صلى الله عليه وسلم (لا نكاح إلا الولي
وشاهدي عدل ) وكذا الظهر خصوصية عقد الزواج في محكمة كونه عقد
دينياً تدور عليه الأحكام الخمسة من حيث الاباحة والوجوب والتحريم والكراهة ([6])وتستمر
مظاهر الخصوصية في عقد حتى انتهاء بالطلاق أو لفسخ أو الموت ([7])
, ومن مظاهر هذا الخصوصية أن فسخ الزواج لا يتم الا بنظر القضاء ([8]).
المطلب الثاني
دور الزوجة في
فسخ عقد زواجها
بيان دور الزوجة
في هذا الشأن يقتضي الإشارة إلى معنى الفسخ ومن يملك الفسخ , وذلك في ثلاثة فروع :
الأول معنى الفسخ والثاني من يملك فسخ عقد الزواج,والثالث مدى جواز فسخ عقد الزواج
خارج القضاء
الفرع
الأول : معنى الفسخ والفاظه: الفسخ في اللغة
النقض، فيقال: فسخ البيع أي نقضه وأزاله ، وفسخت العود فسخاً أزلته عن موضعه
فانفسخ، وفسخت الثوب ألقيته، وفسخت العقد فسخاً أي رفعته وتفاسخ القوم العقد
توافقوا على فسخه وفسخت الشيء فرقته، وفسخت المفصل عن موضعه أزلته، ([9])
وبذلك
يتضح لنا أن الفسخ يطلق في اللغة على معان عدة متقاربة وهي: النقض، والتقطع،
والإزالة، والإلقاء، والرفع، والتفّرق، والفساد، وهذه المعاني بينها قاسم مشترك
وهو التغيير والتحويل، فهو قائم فيها كلها، فإن نقض الشيء يحول الأمر عما كان عليه
سابقاً، كنقض البناء، وكذلك نقض العقد، فإنه مزيل لما يترتب عليه من الأحكام في
الحال ([10]).
إما
الفسخ في اصطلاح الفقهاء فهو لا يخرج عن معناه اللغوي فهو عندهم حل رابطة العقد
المبرم سابقاً، وهدم لكل الآثار التي كانت قد ترتبت عليه بحيث لم يعد له وجود
اعتباري، وذلك من وجهة نظر الشارع فقط، لأن الفسخ لا يمكن أن يعدم العقد من
الناحية المادية، فإنه قد وجد بالفعل ,والموجود لا يمكن أن يعد معدوماً من ناحية
الحس، ولكنه يعتبر معدوماً من حيث إنتاجه لآثاره التي رتبها عليه الشارع،
فالانعدام هنا مجازي وليس حقيقياً، وإذا إنعدم العقد أعتبر كأنه لم يكن، أنهدم كل
ما ترتب عليه من أثار والتزامات وتحلل كل من المتعاقدين فيه من التزاماته فلا
يستطيع أحدهما أن يلزم الآخر بشيء استنادا إلى العقد المفسوخ ومن خلال ما
تقدم يظهر أن ألفاظ الفسخ هي الفسخ والنقص والإنهاء والرفع و...الخ ,وان هذه الألفاظ
تختلف باختلاف سبب الفسخ وما أذا كان السبب مرافقا لعقد الزواج أو لاحق لعقد
الزواج .
الفرع
الثاني :
من يملك فسخ عقد الزواج : الأصل أن الذي يملك فسخ العقد عامة هو الطرف الذي
شارك في إبرام العقد ,وعند تطبيق هذا المفهوم على عقد الزواج نجد أن طرفا عقد
الزواج عند جمهور الفقهاء هما ولي الزوجة والزوج وعند الحنفية طرفا العقد هما
الزوج والزوجة, وقد أخذ قانون الأحوال الشخصية اليمني بقول الجمهور في هذه المسألة
حيث اشترط صدور الإيجاب في عقد الزواج من ولي الزوجة المعقود عليها, وقد اشتراط
القانون الولي في عقد الزواج الذي يصدر منه الإيجاب في عقد الزواج وهو مذهب جمهور
الفقهاء ,وعلى هذا الأساس فلا يلزم الزوجة أن تتلفظ بلفظ الفسخ .
الفرع الثالث: مدى جواز فسخ عقد الزواج خارج القضاء: الزواج
عند الفقهاء من التصرفات القولية التي لا تقبل الفسخ من أي من الزوجين من تلقاء
نفسيهما خارج القضاء ,وعلى هذا الأساس لا يحق لأي من الزوجين فسخ عقد الزواج من
تلقاء نفسه , لما لذلك من أثار خطيرة , فلو كان ذلك جائز لقامت الزوجة أو وليها بفسخ عقد الزواج من تلقاء نفسيهما
,فلهذا لا بفسخ عقد الزواج إلا بنظر القضاء بخلاف الطلاق والخلع الذي يقع خارج القضاء ([11]) .
أما قانون الأحوال الشخصية فلم يذكر تعريف فسخ
الزواج واكتفى بالإشارة إلى أنه ينهي الزواج حيث نصت المادة (43)على أنه( ينتهي
الزواج بالفسخ أو الطلاق أو الموت ) ,كما نصت المادة (44) من القانون على انه
(يشترط في الفسخ لفظه أو يدل عليه )وهذا
النص يعني أن تطلب الزوجة من القاضي الحكم بفسخ عقد زواجها فاذا ثبتت صحة الطلب
فان القاضي يقوم بالحكم بفسخ عقد الزواج بلفظ الفسخ الصريح أو ما يدل على الفسخ كإنهاء
عقد الزواج أو نقضه أو حله بحسب سبب الفسخ فاذا كان سبب الفسخ مصاحبا لنشوء عقد
الزواج كان تكون الزوجة أختا للزوج من الرضاعة فان القاضي عندئذ يستعمل لفظ
(الفسخ) فيذكر في الحكم هذا اللفظ حيث يتضمن الحكم عبارة (لثبوت الاخوة بين الزوجين
فقد حكمت بفسخ عقد الزواج )اذا كان سبب فسخ عقد الزواج هو العيب الحادث بعد عقد
الزواج فان القاضي يستعمل اللفظ المناسب الذي يدل على الفسخ فيذكر في الحكم عبارة (لبثوت العيب الحادث في
الزواج فقد حكمت بانهاء العلاقة الزوجية وان الانهاء من الألفاظ التأكد على الفسخ وهذا
المقصود بالمادة (44) من قانون التي نصت على انه يشترط في الفسخ لفظه أو ما يدل
عليه ,فلا يلزم تلفظ الزوجة بالفسخ .
الخلاصة : أن لا يلزم
تلفظ الزوجة بلفظ فسخ عقد الزواج أمام القضاء على وفق ما ورد في أقوال
الفقهاء ونصوص القانون اليمني .
المبحث الثاني
اجتهاد
المحكمة العليا بوجوب تلفظ الزوجة بلفظ الفسخ أمام القاضي
ضمن اجتهادات المحكمة العليا باليمن (محكمة النقض )يأتي
اجتهادها بأنه يجب على الزوجة طالبة الفسخ أن تتلفظ بلفظ (الفسخ) أمام القاضي وبموجب ذلك يحكم القاضي بثبوت فسخ عقد الزواج,وفي
هذا الصدد قررت المحكمة العليا باليمن في جلسة 16/5/2002م في الطعن الشخصي رقم
(182) لسنة 1422هـ بأنه (عند الحكم بالفسخ يلزم التصريح بلفظه المعتبر وبما أن
محكمة أول درجة قررت العجز عن الوطء من الزوج إضافة إلى أنه لا تناكر حول ذلك كما
أن الشعبة الشخصية باستئناف الحديدة توصلت إلى نفس النتيجة وحكمت بفسخ عقد نكاح
المدعية من زوجها المدعى عليه وذلك الذي يمكن أن يقال إلا أن ما حكمت به محكمة
الاستئناف شابه قصور من حيث أن مدعية الفسخ لم تتلفظ به في مجلس القضاء بلفظ الفسخ
المعتبر ثم تحكم المحكمة بصحة فسخها هكذا وذلك إعمالاً للقواعد المستقره والمادة
(44) من قانون الأحوال الشخصية) ([12])،
ويذهب بعض قضاة المحكمة العليا في تبربر هذا الاجتهاد إلى أن الفسخ في العقود من
حق المتعاقد وحده وان دور القاضي يقتصر على الحكم بثبوت الفسخ الذي يتلفظ به
المتعاقد في مجلس القاضي([13] )
وفي
ضوء أقوال الفقهاء ونصوص قانون الأحوال الشخصية بشان دور المرأة في عقد الزوج
وفسخه ,فان اجتهاد المحكمة العليا بوجوب تلفظ الزوجة بلفظ الفسخ أمام القاضي
المختص عند طلبها الفسخ إذا تبين للقاضي انها محقة في طلبها وثبت سبب الفسخ , ومن
وجهه نظر الباحث فان اجتهاد المحكمة العليا قد ورد مخالفا لأقوال الفقهاء ونصوص
القانون ,بيان أوجه هذه المخالفة على النحو الأتي :
الوجه
الأول : استند هذا الاجتهاد إلى أن الزوجة طالبة الفسخ طرف في عقد الزواج : فهذا الاجتهاد انه يشترط للحكم بفسخ عقد الزواج أن
تتلفظ الزوجة طالبة الفسخ إمام المحكمة ,كما لو أن الزوجة كانت طرفا في عقد الزواج
يحق لها أن تفسخ الزواج الذي احدثته بلفظها , في حين من الثابت في الواقع وطبقا للمادة
(7)من قانون الأحوال الشخصية أن عقد الزواج ينعقد بلفظ الولي الشرعي للمرأة وليس
بلفظها فقد نصت تلك المادة على أن عقد الزواج ينعقد بإيجاب (من ولي المعقود عليها
)فليست المرأة طرفا في عقد الزواج .
الوجه الثاني : تلفظ الزوجة أو الزوج
بالفسخ مخالف لما هو ثابت عند جميع الفقهاء الذي ذكروا التصرفات والعقود اللازمة
التي لا تقبل الفسخ ومن قبل المتعاقدين ومنها عقد الزواج ,فقد تأسس اجتهاد المحكمة
العليا على أساس أن عقد الزواج يقبل الفسخ من قبل الزوجين أو الزوجة وان بإمكان الزوج والزوجة فسخ عقد الزواج بلفظ
أي منهما أمام القضاء أو خارج ذلك ,في حين أن ذلك غير جائز عند الفقهاء ([14]),فهذا
الفسخ لا يتم الا أمام القضاء وبحكم القضاء ولأسباب ذكرها الفقهاء ([15]),إضافة
إلى أن اجتهاد المحكمة العليا غير موافق للمادة (44) من قانون الأحوال الشخصية
التي نصت على انه يشترط في فسخ الزواج أن يكون بلفظه أو ما يدل عليه, فالمقصود
بهذا النص ليس تلفظ الزوجة بالفسخ وانما أن يحكم القاضي بفسخ عقد الزواج بهذا
اللفظ (الفسخ) أو ما يدل عليه كالنقض والازالة والرفع والإنهاء بحسب سبب الفسخ
,فاذا كانت الفسخ يرجع إلى اختلال عقد الزواج منذ إنعقاده فالقاضي يستعمل في حكمة
لفظ (الفسخ) الذي يعني نقض العقد من أساسه وإذا كان السبب لاحق لنشوء العقد كالفسخ
لعدم الإنفاق والعيب الطارى فان القاضي يستعمل في حكمه لفظ (إنهاء ) العقد ([16]),فالمخاطب
بتطبيق نص المادة (44) السابق ذكرها وتوقيع بموجبها هو القاضي وليس الزوج أو
الزوجة .
الوجه الثالث :عدم جدوى الحكم بالفسخ
طالما والزوجة تملك فسخ الزواج بلفظها :فاشتراط تلفظ الزوجة بلفظ الفسخ أمام
القاضي يعني انه يجوز للزوجة أن تتلفظ بهذا اللفظ خارج نطاق القضاء وتستطيع بمجرد نطقها يلفظ الفسخ أن تتحلل من
عقد الزواج ,طالما والامر كذلك فما حاجة الزوجة طالبة الفسخ للحكم القضائي بثبوت
صحة فسخ عقد الزواج ؟ وما جدوى هذا الحكم القضائي؟
خاتمة البحث : تتضمن أهم نتائج البحث
وتوصياته ,وبيان ذلك على النحو الأتي :-
أولا:نتائج
البحث : تتلخص أهم نتائج البحث في الأتي :
1-
الزوجة عند
غالبية الفقهاء ليست طرفا في عقد الزواج ولا يحق لها أن تزوج نفسها ,في حين يذهب
الحنفية إلى أن المرأة طرف في عقد الزواج فلها أن تزوج نفسها فيصدر الإيجاب
منها فينعقد عقد الزواج.
2-
أخذ قانون
الأحوال الشخصية اليمني أخذ يراي غالبية الفقهاء فيما يتعلق بانعقاد عقد الزواج
بواسطة الولي الشرعي للمرأة حيث اشترط
صراحة ذلك القانون أن الذي يتولى إبرام عقد الزواج هو وليها الاقرب فيصدر الايجاب
منه ,ومع هذا التصريح فان المادة (6) التي عرفت عقد الزواج بان ارتباط بين زوجين
بعقد توحي بان عقد الزواج يبرم فيما بين الزوج والزوجة وهذا الفهمة غير صحيح ,حيث
أن دلالة المنطوق مقدم على دلالة المفهوم .
3-
وفقا لأقوال
الفقهاء فليس للزوج أو الزوجة أن يفسخ عقد الزواج من تلقاء نفسه حتى ولو توفر سبب
الفسخ, لان عقد الزواج من التصرفات والعقود غير القابلة للفسخ من قبل طرفية ,ولذلك
فان فسخ عقد الزواج يتم بحكم قضائي .
4-
عقد الزواج
عقد ديني له خصوصيته التي تميزه عن غيره من العقود ,وتتحلى ,هذه الخصوصية سواء عند
إبرام العقد أو عند انتهائه بالفسخ وغيره.
5-
عقد الزواج
عقد ديني له خصوصيته التي تميزه عن غيره من العقود ,وتتحلى هذه الخصوصية سواء عند
إبرام العقد أو عند انتهائه بالفسخ وغيره .
6-
ينص قانون الأحوال
الشخصية على أن فسخ عقد الزواج مهما تعددت أسبابه يتم أمام القضاء .
7-
اجتهاد
المحكمة العليا باشتراط تلفظ الزوجة بلفظ الفسخ أمام القاضي كي يحكم القاضي
بفسخ عقد الزواج يخالف ما ذهب إليه غالبية الفقهاء بالإضافة إلى مخالفته نصوص قانون
الأحوال الشخصية ذات الصلة بفسخ الزواج .
ثانيا:
التوصيات :يوصي الباحث بالاتي :
1- تعديل المادة (6) من قانون الأحوال
الشخصية لازالة التناقض والغموض الذي يشوبها بحيث يكون تعريف الزواج على شاكلة
تعريفات الفقهاء الذين اشتراطوا الولي في عقد الزواج حتى تنسجم المادة (6)مع
المادة (7)من القانون ذاته التي اشترطت الولي في عقد الزواج .
2- تعديل المادة (44) من قانون الأحوال
الشخصية وتضمينها أن القاضي هو الذي يقوم بالحكم بفسخ عق الزواج بحيث يتم تعديلها على
النحو الأتي : (يشترط في الفسخ لفظه أو ما يدل عليه بحسب سبب الفسخ ويتم الفسخ
بحكم القاضي ).
3- دعوة الجمعية العمومية للمحكمة العليا للانعقاد لتقرير العدول من اجتهاد
المحكمة المحالف للقانون.
قائمة المراجع
1-
البحر الزخار
اخمد بن يحيى المرتضى ,مؤسسة الامام زيد بن علي اليمن صنعاء 1424ه
2-
بدائع الصنائع
في ترتيب الشرائع، علاء الدين أبو بكر بن مسعود أحمد الكاساني المتوفى
587ه-المطبعة الجمالية 1328ه.
1-
التاج المذهب
لأحكام المذهب , احمد بن قاسم العنسي ,دار الحكمة اليمانية 1424ه.
2-
التلويح
والتوضيح ,سعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني المتوفى 793ه,مكتبة صبيح بمصر.
1-
حاشية ابن
عابدين، محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين المتوفى 1252هـ، دار الفكر بيروت،
الطبعة الثانية 1412هـ.
2-
حاشية الدسوقي
على الشرح الكبير ,محمد بن احمد بن عرفة الدسوقي المتوفى 1230ه, دار الفكر بدون
طبعة
3-
حاشية الرهاوي
, يحيى بن قراجا سبط الرهاوى ,مركز البحت العلى ام القرى 1557ه.
1-
شرح مختصر
خليل للخرشي ,محمد بن عبدالله الخرشي المتوفى 1101ه,دار الفكر بيروت بدون تاريخ
1-
فتح القدير :
محمد بن عبد الواحد السيوسي المعروف ابن الهمام ,دار الكتب العلمية 1424ه
2-
فسخ الزواج
,احمد الحجي الكردي ,دمشق دار اليمامة 1405ه
3-
فسخ عقد
الزواج ,عبد المؤمن شجاع الدين ,مؤسسة الثورة للطباعة صنعاء اليمن 1421ه.
4-
قانون الأحوال
الشخصية اليمني رقم (20) لسنة 1992م ,وزارة الشؤون القانونية , مطابع التوجيه
المعنوي صنعاء 2001م.
5-
القواعد
القضائية ,العدد الأول ,الجزاء الثاني ,المحكمة العليا ,المطبعة القضائية صنعاء
2004م.
6-
القوانين
الفقهية , محمد بن احمد بن محمد بن جزي المتوفى 740ه ,دار ابن حزام 1434ه.
7-
كنز الوصول
إلى معرفة الأصول,علي بن محمد البزدوي ,المتوفى 382ه,مطبعة جاويد كراتشي 1401ه.
8-
لباب النقول
في علم الاصوال,محمد محمد المنصور ،مكتبة اليمن الكبرى صنعاء 1398ه.
9-
المجموع شرح
المهذب ,محي الدين يحيى بن شرف النووي المتوفى676ه ,دار الكتب العلمية 1420ه.
10-
المحلى، ا علي بن أحمد بن سعيد ابن حزم المتوفى 456ه -مطبعة
دار الاتحاد العربي1387ه.
11-
مختار الصحاح
,محمد بن ابي بكر بن عبد القادر الرازي المتوفي 666ه ,المكتبة العصرية بيروت
الطبعة الخامسة 1420ه
12-
المصباح
المنير، أحمد بن محمد علي المقري الفيومي ، 1987م–مكتبة لبنان
13-
المغني، عبد
الله بن محمد المقدسي ابن قدامة المتوفى 620ه–دار عالم الكتب 1417ه
14-
مغني المحتاج،
محمد بن أحمد الخطيب الشربيني المتوفى 977ه - دار الكتب العلمية بيروت, الطبعة الأولى
1415ه.
[2] المادة (6) من
قانون الأحوال الشخصية
[3] فتح القدير 3/255
[4] قوانين الأحكام الشرعية ص221
والمجموع 15/302 والمغني 6/449 ,التاج المذهب 2/17 ,والمحلى 11/23.
[5] الباب النقول في علم الاصوال,محمد محمد المنصور ،ص141.
[6] فتح القدير 2/289 ومغني 6/446 ومغني المحتاج 3/125 والمحلى 11/3
[7] البحر الزخار 4/226 وبدائع الصنائع 3/1482
[8] حاشية الدسوقي 2/240 وحاشية ابن عابدين 3/132
[11] حاشية الرهاوى على شرح المنار ص994 والتنقيح والتوضيح 2/197 و اصول البزدوى 4/1505
[12] وقد نشرت المحكمة العليا هذا
الحكم ضمن المبادئ والقواعد التي استقر عليها قضاء المحكمة العليا (8) القواعد
القضائية ,العدد الأول ,الجزاء الثاني ص372,المحكمة العليا ,الطبعة القضائية صنعاء
2004م
[13] ذكر ذلك
بعض قضاة دائرة الأحوال الشخصية بالمحكمة العليا في ندوة انعقدت بالمعهد العالي للقضاء بتاريخ22/4/2010م .
14
الخرشي على مختصر خليل 3/231 وحاشية الدسوقي 2/515 وحاشية ابن عابدين 3/530 ومغني
المحتاج 3/398 والمغني 7/31 والبحر الزخار 4/285
[16] حاشية الدسوقي 2/515 والخرشي
على مختصر خليل 3/231 وحاشية الدسوقي 2/515 وحاشية ابن عابدين 3/530 وفسخ الزواج
د.عبد المؤمن شجاع الدين ص 26 وفسخ الزواج د. احمد الكردي ص87
تعليقات
إرسال تعليق