بطلان الحكم ألاستئنافي إذا اقتصر على إلغاء الحكم الابتدائي
أ.د.عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء
من المقرر في قضاء
المحكمة العليا باليمن بطلان الحكم ألاستئنافي إذا اقتصر على إلغاء الحكم
الابتدائي دون بيان ما يلزم عمله بعد إلغاء الحكم,وقد تضمنت هذا المبدأ أحكام عدة
للمحكمة العليا أهمها هو الحكم الصادر عن الدائرة الإدارية بتاريخ 16/9/1999م في
الطعن المدني رقم 726 لسنة 1419ه وخلاصة هذا الحكم انه (بعد الدراسة والتدقيق في عريضة الطعن والرد عليها وأوراق القضية فقد
تبين للدائرة أن المدعين قد طلبوا من محكمة أول درجة إزالة الأكشاك التي تقع على
الشارع والمتاخمة لبيوتهم لأنها تعيق حركة المرور في الشارع وكذا من والى بيوتهم
وبعد المرافعة والمداولة أصدرت المحكمة الابتدائية حكمها بإزالة كلما أقامه المدعي
عليهم من أكشاك وصنادق وأحواش, وحيث قام المحكوم عليهم باستئناف الحكم الابتدائي
فقد قامت محكمة الاستئناف بالحكم بأنه ليس للمستائف ضدهم أية صفة في تقديم الدعوى
بل أن المحكمة الابتدائية قد حكمت على شخص وهو .......بإزالة ما أحدثه على جانب
الشارع في حين انه ليس طرفا في الدعوى ,وهذه المطاعن في الحكم الابتدائي جعلت
محكمة الاستئناف تقضي بإلغاء الحكم الابتدائي , وترى الدائرة الإدارية أن الحكم ألاستئنافي
بإلغاء الحكم الابتدائي كان صحيحا وموافقا للقانون ولكن الحكم ألاستئنافي قد وقع
في خطأ أخر وهو انه لم يستكمل الإجراءات الناقصة أو يستوفيها ,باعتبار أن
الاستئناف يعيد طرح النزاع كما أن الحكم ألاستئنافي لم يقضى بإعادة القضية إلى
محكمة أول درجة لإدخال مكتب وزارة الإسكان ومصلحة عقارات الدولة والشخص المحكوم
عليه الذي لم يمثل في الدعوى ,ولذلك فان الدائرة الإدارية تقرر إلغاء الحكمين
الابتدائي والاستئنافي وإحالة القضية إلى المحكمة الابتدائية لإدخال مكتب وزارة الإسكان
والتخطيط الحضري ومصلحة أراضي وعقارات الدولة وجميع الأشخاص الذين لهم مصلحة في
موضوع النزاع وان تتحمل وزارة الإسكان المسئولية المترتبة على إصدار التراخيص
للمواطنين لإنشاء الصنادق والأكشاك والاحواش إذا ثبت ذلك أمام المحكمة الابتدائية
وعلى المحكمة الابتدائية أن تفصل في الموضوع من جديد في ضوء ملاحظات الدائرة
السابق ذكرها كما تقرر الدائرة إعادة الكفالة للطاعن )وسيكون تعليقنا على هذا
الحكم بحسب الأوجه الآتية:
الوجه الأول
: أثار إلغاء الحكم الابتدائي :
يترتب على إلغاء
الحكم الابتدائي إعادة إطراف الخصومة إلى الحالة التي كانوا عليها قبل صدور الحكم
الابتدائي كما يترتب على ذلك إلغاء الأسانيد التي قام عليها الحكم الابتدائي,إلا انه
لا يترتب على ذلك إهدار كامل الإجراءات والمرافعات التي قامت بها محكمة أول درجة
كما لا يترتب على ذلك إلغاء الأدلة والأسانيد التي لم يستند إليها الحكم
الابتدائي, فإذا قبل الخصوم الحكم ألاستئنافي بإلغاء الحكم الابتدائي فان محكمة أول
درجة عند نظرها للقضية من جديد لا تهدر تلك الإجراءات والمرافعات والأسانيد التي
لم يتم إلغائها تبعا لإلغاء الحكم الابتدائي.
الوجه
الثاني :قابلية الحكم ألاستئنافي الملغي للحكم الابتدائي للطعن بالنقض:
قد يكون الحكم ألاستئنافي
بإلغاء الحكم الابتدائي مجافياً للحقيقة أو مخالفاً للقانون أو متجاوز للسلطة
التقديرية لمحكمة أول درجة وعندئذ يحق للمحكوم عليه بالحكم ألاستئنافي أن بطعن
بالنقض أمام المحكمة العليا حتى تتأكد المحكمة من سلامة الحكم ألاستئنافي ومطابقته
للقانون ,فإذا قررت المحكمة العليا تأييد الحكم ألاستئنافي بإلغاء الحكم الابتدائي
فإنها تقرر إعادة القضية إلى محكمة أول درجة للفصل فيها من جديد كما حدث في الحكم
محل تعليقنا ,وإذا وجدت الحكم ألاستئنافي قد خالف القانون والغى الحكم الابتدائي
بدون حق فعندئذ تقرر المحكمة العليا نقض الحكم ألاستئنافي وإعادة القضية إلى
المحكمة الاستئنافية للفصل فيها في ضوء إرشادات المحكمة العليا ,وقد يحدث ان تنقض
المحكمة العليا الحكم ألاستئنافي وتؤيد الحكم الابتدائي وتحيل القضية إلى المحكمة
الابتدائية للتنفيذ.
الوجه
الثالث: المبررات القانونية والعملية لبطلان الحكم ألاستئنافي بإلغاء الحكم
الابتدائي دون بيان ما يتم العمل به بعد إلغاء الحكم:
هناك مبررات عدة لذلك
,منها الأتي:
1- الحكم ألاستئنافي في
هذه الحالة لا يحسم النزاع ,إذ انه اكتفى بإلغاء الحكم الابتدائي وإعادة الخصوم
إلى الحالة السابقة على صدور الحكم الابتدائي ولم يبين لهم ما ينبغي عمله ,فهذا حكم
سلبي ,إذ انه لم يفصل في الشجار واقتصر على
إلغاء الحكم الذي كان قد فصل في النزاع وحسمه لصالح احد طرفي الخصومة.
2- أن الحكم ألاستئنافي
في هذه الحالة يترك فراغا ويجعل الخصوم في حيرة من أمرهم ,فهذا الحكم لم يرشدهم
إلى الطريق التي ينبغي عليهم سلوكها وهو إبهام وجهالة في منطوق الحكم يجعله
باطلاً.
3- الحكم ألاستئنافي في
هذه الحالة يخالف مبدآ الاقتصاد في إجراءات التقاضي ,إذ يتوجب أن يكون هذا المبدأ حاضرا
في ذهن القاضي حينما يضع أسباب الحكم و منطوقه حتى لا تطول إجراءات التقاضي فيكون
ذلك مرهقاً للخصوم والقضاء في أن واحد, ولا ريب أن ذلك مضر بالعدالة التي تتأخر في
إيصال الحقوق إلى أصحابها ,فالعدالة البطيئة ظلم.
4- الحكم ألاستئنافي في
هذه الحالة يخالف وظيفة الدرجة الثانية من درجات التقاضي (الاستئناف)المحددة في
المادة (288) منها الفقرة (و)التي تنص على أن (تحكم المحكمة الاستئنافية إما بتأييد
الحكم المسئانف أو إلغائه أو تعديله وأما بإعادة القضية إلى محكمة أول درجة للفصل
فيما لم يتم الفصل فيه )فان هذا النص وان لم يصرح بضرورة تضمين منطوق الحكم ما
ينبغي عمله بعد إلغاء الحكم إلا أن دلالة الاقتضاء في النص القانوني تستوجب أن
يتضمن منطوق الحكم ألاستئنافي ذلك حتى تتحقق الغاية التي ابتغاها القانون من هذا
النص.
5- إذا الغي الحكم ألاستئنافي
الحكم الابتدائي ولم يبين ما ينبغي على الخصوم عمله بعد إلغاء الحكم,فان في ذلك
قصور في تسبيب الحكم ,فمن المؤكد أن هناك سبب للإلغاء فاقتصار الحكم على إيراد سبب
الحكم لا يكفي في تسبيب الحكم ,حيث ينبغي أن يتضمن الحكم ما ينبغي على الخصوم فعله
أو الإجراءات الواجب عليهم إتباعه بعد إلغاء الحكم حتى يكون التسبيب للحكم واضحاً
ومتصلاً وشاملاً.
الوجه
الرابع:عدم جواز الإدخال في خصومة الاستئناف :
تصرح المادة (201)
مرافعات بأنه (لا يجوز التدخل أمام لاستئناف إلا من يطلب الانضمام إلى احد الخصوم
) فهذا النص يحظر التدخل الهجومي في خصومة الاستئناف ولكنه يجيز التدخل ألانضمامي
,ومن جهة ثانية فقد منع القانون الإدخال في خصومة الاستئناف حيث نصت المادة(191) مرافعات على انه ( لا يجوز
لمحكمة الاستئناف أو الخصوم إدخال من لم يكن خصما في الدعوى الصادر فيها حكماً مستأنف
أمامها )ولذلك قضى الحكم محل تعليقنا بإعادة القضية إلى محكمة أول درجة للفصل فيها
وإدخال الجهات التي كان ينبغي إدخالها وهي الجهات التي يحتمل أن يلحق بها ضرر من
قيام الدعوى أو الحكم فيها وهي مصلحة أراضي وعقارات الدولة ووزارة الإشغال العامة
والشخص الذي لم يتم اختصامه أمام المحكمة الابتدائية , والله اعلم.
تعليقات
إرسال تعليق