حق المؤلف في قضاء المحكمة العليا
أ.د.عبد المؤمن شجاع الدين
كلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء.
الحكم محل
تعليقنا هو الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا بتاريخ 23/4/2008م
في الطعن التجاري رقم 31354 وخلاصة هذا الحكم (انه بعد الدراسة لملف القضية وجدت
الدائرة ان موضوع الدعوى هو الحق الفكري الذي ينظمه القانون رقم 19 عام 1994م فقد
سبق للطاعنين ان رفعا الدعوى بطلب الحماية القضائية لمصنفهما المسمى (...) حيث
ادعيا بان المدعي عليها (...) أصدرت كتابا بعنوان (...)إلا أن محكمتي الموضوع لم
تستجب لطلبهما مخالفة بذلك لقانون الحق الفكري , وهذا السبب هو سبب الطعن بالنقض,
ولمعرفة مدى مخالفة الحكم الاستئنافي للقانون فان ذلك يقتضي ان تعرض الدائرة بعض
نصوص قانون الحق الفكري ذات الصلة حيث ورد في المادة (2) من ذلك القانون بان يكون
موضوعا لحق المؤلف الاعمال الإبداعية المتميزة بالابتكار في مجال الآداب والفنون
والعلوم ...الخ كما جاء في المادة (4) في ذلك القانون انه يمتد حق المؤلف الى
مجاميع الوثائق الرسمية كنصوص الإعلانات الحكومية والسياسية ونصوص القوانين
والمراسيم واللوائح والاتفاقيات الإقليمية والدولية واحكام القضاء وسائر الوثائق
الرسمية ومع ذلك تشمل الحماية المجاميع السابق ذكرها اذا ظهر عليها طابع متميز
لجامعها يستحق الحماية او امتازت بالابتكار او الترتيب المتميز ...الخ, وكذا تضمنت
المادة (15) ان تكون للاستفادة من العمل المنشور بالاطلاع ونقل فقرات او فصول منه
او تلخيصها للاستفادة المعرفية الشخصية او
استخدامه في الدراسات والبحوث مع الإشارة اليه والى المؤلف , وكذا نصت المادة(16)
من القانون ذاته على انه يجوز دون موافقة المؤلف ودون دفع مكافاة التأليف لكن مع
الإشارة الى اسم المؤلف مصدر الاقتباس استعمال عمل منشور للغير...الخ, كما جاء في
المادة (28) على انه يعد الاقتباس من العمل المنشور دون الإشارة الى العمل طبقا
للمادة(15) تعديا على حقوق المؤلف ويستحق الجزاء والتعويض المناسب, وحيث ان النصوص
القانونية السابق ذكرها تشترط ان يكون حق المؤلف موصوفا بالعمل الإبداعي والمتميز
بالابتكار, فالابتكار يعني ان يكون المصنف من ابداع وخلق المؤلف شخصيا وليس منقولا
كلية او اساسا من مصنف اخر ,و حيث انه ورد في مقدمة مؤلف الطاعنين ان مجموعة
الوقائع والاحداث التي تضمنها الكتاب جاءت من مصادرها الاصلية وان هذا الوقائع
والاحداث تم توثيقها في الكتاب كي تتم الاستفادة من ترتيبها الزمني لتكون قريبة
وسهلة في متناول الباحث والمؤرخ وان هذه السلسة أولا وأخيرا جهد متواضع لقراءات
متنوعة من كتب التاريخ قمنا بترتيبها حسب التاريخ ونوعها حسبما ورد في مقدمة
الكتاب, ومن خلال ذلك يظهر ان الطاعنين
بذلا جهدا في قراءة عدة مصادر لم يتم تحديدها و قد ظهر ذلك في ترتيب الاحداث
والوقائع حسب تاريخ وقوعها ونوعها ,و حيث انه بالرجوع الى أوراق ملف القضية وجدت
الدائرة ان الطاعنين قدما ضمن حافظة المستندات المستند رقم (2) والمستند رقم(3)
وهما كشفان الأول خاص بالفقرات التي ادعيا
بان المدعى عليها نقلتها من كتابهما الى كتابها كما هي من غير تعديل او تحوير وعدد
هذه الفقرات (17) فقرة والثانية (21)فقرة وبالنسبة للفقرات الأخيرة فقد لاحظت
الدائرة ان هناك إضافة وتعديل واختلاف عما ورد في كتاب الطاعنين , وحيث ان اصالة المصنف
كإبداع ذهني تكون غالبا نسبية وليست مطلقة وحيث ان هذه القضية قد تم عرضها على
المحكمة العليا للمرة الثانية فانه ينطبق بشأنها ما ورد في المادة (300)مرافعات
فينبغي على المحكمة العليا ان تفصل في الموضوع كله او شق منه, وعليه وبالنظر الى
حجم الفقرات المقتبسة من الجهد الفكري للطاعنين وعملا بحكم المادتين (16-18)من
قانون الحق الفكري فان الدائرة تقرر قبول الطعن ونقض الحكم المطعون فيه وتقرر
استحقاق الطاعنين لمبلغ مائتين الف ريال نظرا لعدم تقيد المطعون ضدها بالإشارة الى
مؤلف الطاعنين المقتبس منه في الطبعة الأولى, وبناء على ما تقدم واستنادا الى
المادتين 292 و300 مرافعات وبعد المداولة فان الدائرة تحكم بقبول الطعن موضوعا لما
عللناه ونقض الحكم المطعون فيه
وسيكون
تعليقنا على هذا الحكم بحسب الأوجه الاتية:
الوجه الأول: حق المؤلف لا يكون جديرا بالحماية القانونية الا إذا كان ابداعيا
موصوفا بالابتكار:
فالحكم محل
تعليقنا قد ذكر ذلك ضمن أسبابه , وسنده في ذلك المادة (2) من قانون الحق الفكري
التي اشترطت ذلك، فالقانون يحمي الاعمال الإبداعية أيا كان نوعها او شكلها او
أهميتها او الغرض منها شريطة ان تكون متميزة بالابتكار، حيث اشترط القانون لحماية
حق المؤلف ان يتضمن المصنف ابتكارا وان يظهر للوجود عن طريق النشر والتعبير عنه،
فالمصنف هو الوعاء المعرفي الذي يحمل انتاجاً ادبياً او علمياً او فنياً مبتكرا
مهما كان نوعه او اهميته او طريقة التعبير فيه او الغرض من تصنيفه, فالقانون لا
يحمي الا المصنف المتميز بالابتكار فالابتكار شرط أساسي وضروري لحماية أي مصنف او
عمل فكري ,فهذا الشرط تجمع عليه الاتفاقيات الدولية والقوانين بما فيها القانون
اليمني ,ومع ذلك لم تقم القوانين بتعريف الابتكار تاركة للفقه والقضاء هذه المهمة
, ويسود في الفقه والقضاء مفهومان للابتكار هما المفهوم التقليدي للابتكار
والمفهوم الحديث للابتكار ,فالمفهوم التقليدي للابتكار يوجب لن يكون العمل معبرا
عن شخصية المؤلف ,ولا يكون كذلك الا اذا كان المصنف اصيلا بالمعنى الذاتي للكلمة
فليس هناك حاجة الى ان يكون جديدا بالمعنى الموضوعي فالابتكار لا يوجب حصول اختراع
او انشاء مصنف جديد اذ ليس من الضروري ان يستحدث الابتكار جديدا , فالجدة لا تشترط
في الابتكار فيكفي ان يضفي المؤلف على فكرة معينة شخصيته حتى ولو كانت الفكرة
قديمة حتى يكون هناك ابتكارا يحميه القانون ,ومن شان هذا المفهوم للابتكار ان يبرر
أهمية الجانب الشخصي لحق المؤلف والمتمثل بالحقوق الأدبية الشخصية غير المادية
واللصقة بشخصية المؤلف التي تهدف الى حماية اسمه وسمعته ,فاحترام المصنف ما هو الا
اثر لمفهوم الابتكار المرتبط بشخصية المؤلف ,اما المفهوم الحديث للابتكار فهو يدعو
الى الاخذ بالجدة كمعيار موضوعي لحماية المصنف على أساس ان الاصالة لا تتميز عن
الجدة ,والمحاكم في العالم تأخذ بالمفهوم الشخصي للابتكار , ويظهر ذلك جليا في
الحكم محل تعليقنا الذي أشار الى الابتكار الذي ميز مصنف الطاعنين بانه رجوعهما
الى مصادر ومراجع شتى وجمع المعلومات في مصنف يسهل الرجوع اليه.
الوجه الثاني نسبية الابتكار:
لا يعني
باي حال من الأحوال ان يكون الابتكار كلياً فهذا امر نادر اما الغالب في
الابتكارات فهي النسبية ,فمثلا الحكم محل تعليقنا اعتبر جمع احداث واخبار وبيانات
وترتيبها بحسب الزمان عملا ابتكارياً مع ان هذه الأخبار والاحداث وغيرها موثقة
ومدونة في مصادر سابقة.
الوجه الثالث: التعدي على حق المؤلف:
قرر الحكم
محل تعليقنا حصول التعدي على حق المؤلف بالنقل الحرفي من الكتاب دون الإشارة الى
اسم الكاتب (المؤلف)والكتاب اما إذا ذكر اسم المؤلف والكتاب فلا يكون تعديا، وكذلك
لا يكون تعدياً إذا كانت عملية النقل قد تمت بتصرف من الناقل كالاختصار والتلخيص
والتحوير او التقديم او التأخير والحذف والاضافة او الاستنتاج او التعليق على
النقل فلا يكون ذلك تعدياً ايضاً.
الوجه الرابع: مكونات حق المؤلف:
يتضمن حق
المؤلف حقوقا أدبية او معنوية وحقوقا مالية، فالحق الادبي يتمثل في حق المؤلف في
احترام مصنفه واحترام الآراء التي يتضمنها ذلك المصنف وحقه في نسبة تلك الآراء
والنتائج والتوصيات له، كما يتضمن حق المؤلف حقوق مالية مقابل الجهد الذي بذله
المؤلف في تأليف مؤلفه، ولذلك نجد الحكم محل تعليقنا قد قضى بتعويض الطاعنين بمبلغ
مائتين ألف ريالا، والله اعلم.
تعليقات
إرسال تعليق