التماس من لم يمثل في الدعوى

 


أ.د.عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء

الحكم  محل تعليقنا هو الحكم الصادر عن دائرة الأحوال الشخصية بالمحكمة العليا باليمن في جلستها المنعقدة بتاريخ 8/7/2017م في طلب الإلتماس رقم (57250ك) وتتلخص وقائع هذه القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا أن شخصان تنازعا على أرض بناء وقف على أساس أن الأرض ليست وقفاً (حر) فقد كانت الوثائق المقدمة إلى محكمتي الموضوع لا تدل على أن الأرض وقفاً حيث صدرت  الأحكام الإبتدائي والإستئنافي والعليا لصالح احد الخصمين من دون علم وزارة الأوقاف ومن دون أن تمثل الوزارة أمام القضاء، حيث لم تعلم بذلك إلا أنه عند شروع المحكوم له بالبناء على الأرض فعندئذ قامت الوزارة بتقديم طلب التماس إعادة النظر في الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية الذي أقر الحكم الإستئنافي المؤيد للحكم الإبتدائي ، وعند دراسة الدائرة الشخصية لإلتماس إعادة النظر ومرفقاته وملف القضية قضت بأنه ( بعد الإطلاع  على عريضة طلب الإلتماس التي جاء فيها أن وزارة الأوقاف حصلت في تاريخ 14/3/2015م على وثائق ومستندات الأوقاف القاطعة في الدعوى إضافة إلى أن الحكم الملتمس فيه قد صدر على وزارة الأوقاف في حين أنها لم تمثل تمثيلاً صحيحاً في النزاع ، حيث تقدمت الوزارة إلى عدالة المحكمة بعريضة التماس إعادة النظر في الحكم الملتمس فيه استناداً إلى الأسباب المنصوص عليها في الفقرتين (5و6) من المادة (304) مرافعات، وحيث أن وزارة الأوقاف لم تمثل تمثيلاً صحيحاً ووجدت وثائق ومستندات قاطعة  في القضية لو وجدت عند نظرها لتغير الحكم فيها ، لذلك تقرر الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا قبول الإلتماس ونقض الأحكام السابقة في القضية وإعادة القضية إلى المحكمة الإبتدائية لنظرها مجدداً) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب الأوجه الآتية :

الوجه الأول: السند القانوني للحكم محل تعليقنا:

استند الحكم محل تعليقنا إلى المادة (304) مرافعات التي حددت حالات التماس إعادة النظر على سبيل الحصر حيث نصت  تلك المادة على أن (التماس إعادة النظر في الأحكام طريق استثنائي للطعن فيها لا يجوز للخصوم إتباعه إلا عند تحقق إحدى الحالات الآتية :...4- إذا حصل الملتمس بعد صدور الحكم على أوراق قاطعة في الدعوى كانت لدى الغير دون علم الملتمس بها...الخ 5- إذا كان الحكم حجة على شخص لم يكن خصماً في الدعوى. 6- إذا صدر الحكم على شخص طبيعي أو اعتباري لم يكن ممثلاً تمثيلاً صحيحاً في الدعوى) حيث نقض الحكم محل تعليقنا الحكم الملتمس فيه لتوفر حالات الإلتماس فيه، ومنها أن الحكم الملتمس فيه حجة على وزارة الأوقاف في حين انها لم تكن خصماً في الدعوى إضافة إلى أن الحكم الملتمس فيه قد صدر على وزارة الأوقاف وهي شخص اعتباري مع أنها لم تكن ممثلة تمثيلاً صحيحاً في الدعوى، وهاتان الحالتان كافيتان في قبول الإلتماس ولذلك ركز عليهما الحكم محل تعليقنا ، أما حالة العثور على المستندات القاطعة التي تغير وجه الرأي في الحكم فهي متعلقة  بمن كان خصماً في الدعوى وفي اثناء المحاكمة قام بتقديم مستنداته وبعد صدور الأحكام النهائية عثر على مستندات أخرى يترتب على نظر القضاء لها تغير وجه الحكم فيها.

الوجه الثاني: ظاهرة التقاضي في غياب الملاك الحقيقيين للحق:

 ظاهرة الإستيلاء على حقوق الغير في اليمن ظاهرة شائعة لا يستطيع أحد انكارها بل أنها في اليمن تعد من قبيل الشطارة والذكاء أو التذاكي، ويتوسل الغاصبون لحقوق الغير بوسائل كثيرة ليست محل تعليقنا وتكفي الإشارة إلى ما يعنينا من ذلك وهو وسيلة اصطناع الوثائق (التزوير المعنوي) أو وسيلة التقاضي في غياب صاحب الحق، فوسيلة اصطناع وثائق الملكية تتم عن طريق قيام الغاصبين أو البساطين أو المتهبشين بوضع أيديهم على أملاك الغير ثم يقومون ببيعها فيما بينهم، أي يقوم أحد أفراد عصابة الغاصبين ببيعها لغيره من افراد العصابة وبدوره يقوم المشتري ببيعها من غيره وأحيان تتم أكثر من خمس إلى ست بيعات خلال فترة وجيزة حتى يكون للبصائر والوثائق أمهات ويبدو الأمر كما لو أنه سليم، ولذلك تثير مسألة تعدد التصرفات في الأموال خلال فترات متقاربة الشكوك في صحتها حتى أني قدمت  استشارة قانونية لجهات عدة بعدم قبول وثائق الملكية التي تكون فيها التصرفات متقاربة ( خلال مدة ستة اشهر مثلاً) لأنه تأكد لدينا أن كثرة  التصرفات في الأموال على هذا النحو خلال فترة وجيزة يخفي جرائم الغصب لأملاك الغير أو غسل الأموال.

أما الوسيلة الثانية فهي وسيلة اصطناع أفراد هذه العصابات المتخصصة والمعروفة في اليمن لخصومات ودعاو يتم فيها الحصول على أحكام تقرير الملكية كما حصل  في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا ، ولذلك فمن المعالجات القانونية لهذه  الظاهرة حسبما ورد في قانون المرافعات تقرير قاعدة أن الأحكام القضائية لا تكون حجة على غير أطرافها إضافة إلى تقرير الحق في الإلتماس لكل من صدر حكم عليه في حين أنه لم يمثل في الدعوى تمثيلاً صحيحاً.

الوجه الثالث: جزاء عدم اختصام وزارة الأوقاف في قضايا الأوقاف:

من المعلوم ومن المؤكد أن الغالبية العظمى للعقارات في اليمن  هي أوقاف وذلك دليل على إيمان أهل اليمن وفطرتهم الدينية السليمة وسخاهم في بذل أموالهم لله سبحانه وتعالى، ولا ريب أن  أفضل الأموال وكرائمها في اليمن هي أموال الوقف ، ولذلك يتطلع أصحاب النفوس الخبيثة إلى أموال الوقف حيث يقومون بإختلاق الوسائل والذرائع المختلفة للإستيلاء على أموال الوقف والإستئثار بها ،  وقد  وفر قانون المرافعات بعض الحماية للأموال والأملاك عامة ومن ذلك أموال الوقف على النحو السابق بيانه في الوجه الثاني، إلا أن هذه الحماية بالنسبة للوقف وغيره غير كافية ولذلك تدخل قانون الوقف اليمني واللوائح ذات الصلة به حيث وردت نصوص كثيرة حاولت توفير الحماية  لأموال الوقف ومن ذلك المادة (62) من قانون الوقف التي نصت على أنه لا يجوز اغتصاب الوقف وإذا اغتصب وقف وجب على متوليه استرجاعه ويجب على المغتصب إرجاعه ...) وكذا نصت المادة (63) على أنه (لا يجوز البسط على الوقف من أي شخص أو جهة إلا بإذن المتولي وبعد الإستئجار منه ) وكذا المادة (68) التي أوجبت على متولي الوقف استرجاع أملاك الوقف المغتصب والمطالبة  بغلته وكذا المادة (84) التي جعلت متولي الوقف مسئولاً عن إهماله في متابعة المغتصب لمال الوقف، وكذا المادة (58) من لائحة التأجير والإنتفاع  بأموال الوقف التي نصت على أن تكون قضايا الوقف مستعجلة وكذا المادة (70) من هذه اللائحة التي نصت على أنه ( لا يحق لمستأجر عين الوقف تمثيل أو إنابة الوقف في أي دعوى أو نزاعات مع الغير تمس العين المستأجرة وذلك أمام الجهات القضائية أو غيرها كما لا يحق لتلك الجهات قبول ذلك ويجب عليه وعلى المحكمة إعلان متولي الوقف بأي مطالبة أو دعاوى) وفي السياق ذاته   منعت المادة (71) من تلك اللائحة الأمناء ومحرري العقود والموثقين من تحريرأي عقد أو مبايعة أو تنازل في أموال أو عقارات الوقف إلا بموافقة رسمية من متولي الوقف) ،والله أعلم.  

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اسباب الطعن بالنقض في القانون اليمني

ماهي الحالة التي يجوز فيها الحكم بإعادة القضية الى المحكمة الابتدائية؟

إنكار المحرر العرفي الصادر عن الغير