الرهق بين الانتفاع والملكية
أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين
الاستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء
من الاشكاليات
الواقعية العملية نظرة مالك المال الى رهق هذا المال وتعامله مع هذا الرهق, وهذه
النظرة وذلك التعامل سبب من اهم اسباب النزاع على الاراضي, فالنزاعات على الرهق هي
الغالبة بخلاف النزاعات على اصل المال المعلوم بمساحته واسمه وحدوده, واشكاليات
الرهق متعدية تتصل بها وتتداخل قضايا كثيرة منها اراضي الدولة وحمى القبيلة او ما
في حكمها, ولذلك فان من المفيد للغاية تسليط الضوء واثارة الانتباه لهذه
الاشكاليات لمن يريد المعالجة وتجاوز هذه
الاشكاليات, ومن هذا المنطلق وعلى هذا
الاساس جاءت فكرة التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة
العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 27/12/2010م في الطعن المدني رقم (41507) لسنة
1432هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان مالك قطعة ارض زراعية قدم دعواه امام المحكمة الابتدائية
مدعيا فيها بان جاره المجاور لأرضه قام بتخريب جدار ساقية الماء التي يجتمع اليها
ماء المطر وينزل الى ارضه فيسقيها .وقد رد المدعى عليه على تلك
الدعوى بالقول ؛: ان ذلك الرهق هو ملكه وليس ملك المدعي فقام المدعي بإثبات
احقيته في ذلك الرهق حيث ابرز محررا بتاريخ 1369هـ يتضمن حسم الخلاف الذي حدث في
ذلك الوقت بين اسلاف الطرفين بشان الرهق ذاته حيث تضمن ذلك المحرر تصالح الطرفان
بشأن ذلك الرهق على اساس ان ذلك الرهق ملك
لاسلاف المدعي وان الساقية والجدار
الساند ملك للمدعي . وبموجب ذلك حكمت
المحكمة الابتدائية بلزوم التوقف على ما حكاه المحرر المؤرخ سنة 1369هـ وبقاء الحال على ما هو عليه
في ذلك الرهق كونه حقا لا ملكا
للمدعي وعلى المدعى عليه عدم هدم جدار
الساقية, وقد طعن الطرفان بالحكم الابتدائي امام محكمة الاستئناف التي عدلت العبارة الواردة في منطوق الحكم من
(بقاء الحال على ما هو عليه في الرهق كونه حقا لا ملكا) الى عبارة (بقاء الحال على
ما هو عليه في الرهق كونه ملكا يتبع المال الاصلي الذي يصب اليه ماء المطر) فقام
المعتدي على الرهق بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي بحجة ان المحرر المؤرخ سنة
1369ليس حجة عليه او على مورثهم الا ان المحكمة العليا ايدت الحكم الاستئنافي
مسببة حكمها بان (المحرر ثابت وهو حجة على الطاعن في كل الاحوال طالما وهو متعلق
بالرهق المتنازع عليه وبين الملاك المجاورين للرهق وحيث ان الثابت ان المتنازعين
على الرهق في هذه القضية هم ورثة لمورثيهم الذين تصالحوا وتراضوا بشأن الرهق ذاته
ولذلك فان المحرر حجة عليهم) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب ما هو مبين في
الاوجه الاتية :
الوجه الأول : رهق
الملك :
الرهق الملك هو
الذي يكون تابعا مباشرة لأصل المال سواء ال الى الشخص عن طريق البيع ام عن طريق
الارث او الهبة او غيره, فرهق الملك يكون حكمه حكم اصل المال حيث يحق لمالك المال
الاصلي ان يتصرف في رهقه باي وجه من وجوه التصرف لانه ملكه فيحق له احياء الموات من الرهق ويحق له
بيعه او وقفه او غير ذلك لان هذا الرهق
ملكه ؛وللمالك ان يتصرف في ملكه كيفما يشاء ووقت ما يشاء, بل ان هذا رهق الملك
داخل ضمن اصل المال, وفي هذا المعنى نصت المادة (516) على انه (يدخل في المبيع ما
يندرج تحت اسمه عرفا وما كان متصلا به اتصال قرار تبعا بلا ذكر ولا يقابله شيء من
الثمن كفناء الدار وما يوجد بالأرض من احجار وكل ما لايتناوله اسم المبيع عرفا
وليس متصلا به اتصال قرار لا يدخل في المبيع الا بذكره ان كان من حقوق المبيع
ومرافقه) وفي هذا السياق تنص المادة (517) على ان (يدخل في بيع الدار والمنزل
والحانوت ونحوها طرقها وكل ما لصق بها مما ينتفع به في مكانه دون نقل) وكذا نصت
المادة (518) على انه (يدخل في بيع الارض الماء من سيل او غيل مالم يكن مستخرجا
بيد عاملة او بعرف قاض بعدم الدخول وتدخل السواقي و المساقي والجدران والطرق
المعتادة كما يدخل الشجر الثابت فيها مما يراد به البقاء لا ما لا يريد به ذلك من
غصن او ورق او ثمر او زرع فأنها لا تدخل الا
بالنص عليها) كما نصت المادة (519) على ان (لا يدخل في بيع الارض ما كان
مدفونا فيها فللمشتري الخيار ان جهل المدفون وكان في القلع ضرر) كما نصت المادة
(520) على انه (لا يدخل في بيع الارض ما
فيها من معدن مائع او جامد ويتبع في شأنه ما جاء في قانون المناجم) وفي السياق
ذاته تنص المادة (1156) على ان ( ملكية الارض تشمل ما فوقها وما تحتها الى الحد المفيد
في التمتع بها علوا او عمقا ويجوز الاتفاق على ان تكون ملكية سطح الارض منفصلة عن
ملكية ما فوقها او ما تحتها وبما لا يتعارض مع ما ينظمه القانون) وكذا تنص المادة
(1157) على انه ؛(لمالك الشيء كل فوائده الاصلية والفرعية وملحقاته وتوابعه شرعا
وعرفا مالم يوجد نص او اتفاق على خلاف
ذلك) كما بينت المادة (1158) الفوائد الاصلية والفرعية للملك حيث نصت على ان
(الفوائد الاصلية هي ما تولد عن الشيء نفسه والفوائد الفرعية هي ما نتج عن استعمال
الشيء واستغلاله والتصرف في منافعه) ومن خلال عرض النصوص القانونية السابقة نجد ان
صاحب المال الاصلي في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا قد قام باستئناف
الحكم الابتدائي الذي قضى بان حقه في الرهق حق انتفاع وليس حق ملك, لان هذا الشخص
كان يعي تماما الفرق بين رهق الملك ورهق
الانتفاع .
الوجه الثاني : رهق
الانتفاع :
كان الحكم
الابتدائي قد قضى بان الرهق التابع للأرض الزراعية رهق انتفاع في حين ان ذلك الرهق
تابع للأرض الزراعية ومتصل بها ولذلك قام مالك الارض بالطعن في الحكم الابتدائي
امام محكمة الاستئناف. وقد قضت محكمة الاستئناف بان الرهق محل النزاع رهق ملك تابع
للأرض وليس رهق انتفاع؛ وقد اشار القانون المدني الى رهق الانتفاع وذكر المقصود به
حيث نصت المادة (1340) مدني على ان (الارتفاق منفعة مقررة على عقار تحد من انتفاع
مالكه به لمصلحة عامة او خاصة) في حين بينت المادة (1341) منشا رهق الانتفاع ومصدر
حيث نصت على ان (يكتسب الارتفاق باذن المالك او بالتصرف الشرعي او بالميراث او
بالعرف ويجوز ان يترتب على مال عام ان كان لا يتعارض مع الاستعمال المخصص لهذا
المال) ومن خلال استقراء النصين السابقين نجد ان رهق الانتفاع من اسمه لا يخول
مالك المال الاصلي إلا حق الانتفاع بالرهق فقط دون تملكه .في حين ان ملكية رقبة الرهق قد تكون لمالك اخر مثل حق
الطريق حق المسيل فهذه الحقوق انتفاع بالرهق فقط دون ملكية الرقبة.
الوجه الثالث :
الرهق الخاص والرهق العام :
الرهق الخاص هو
الرهق ااذي يقع في مال خاص ويكون تابعا لاموال خاصة او مقرر لمنفعتها سواء اكان
رهق ملك تابع للمال الاصلي او رهق انتفاع في مال خاص, وقد اجاز القانون المدني ان
يكون للمال الخاص رهق انتفاع في المال العام والعكس صحيح حسبما ورد في المادتين
(1340و1341) مدني, السابق ذكرهما وإجازة ان يكون المال العام رهقا لانتفاع المال
الخاص مسألة غاية في الخطورة اذا تم تركها من غير ضوابط اذ سيترتب على ذلك التوسل
بالانتفاع للاستيلاء على الاموال العامة وقد شاهدنا وعرفنا اشخاص يمتلكون سبع لبن ادعوا بان الجبال المطلة عليها هي رهق
انتفاع لتلك اللبن المعدودات !!! ولذلك لا
بد من وضع ضوابط صارمة لمعالجة هذه المسألة , والا سوف نجد الدولة نفسها في وقت
قريب لا تملك شيئا. وقد تدخل قانون وعقارات الدولةحيث وضع الحد المسموح به لرهق
الاموال الخاصة الملاصقة للمراهق العامة الا انه من الواجب الاشارة في
المادتين 1340/1341الى ان الارتفاق
بالمراهق العامة يكون على النحو المقرر في قانون اراضي وعقارات الدولة .
وقد تنبه قانون
اراضي وعقارات الدولة الى هذه المسألة حيث
على حاول معالجة هذه المسألة, فقد نصت المادة (2) من هذا القانون على ان
(المراهق العامة هي الجبال والاكام والمنحدرات التي تتلقى مياه الامطار وتصريفها
ويعتبر في حكم المراهق العامة السوائل العظمى التي تمر عبرها مياه السيول المتجمعة
من سوائل فرعية) وقررت المادة (41) من القانون ذاته ان (تعتبر كافة المراهق العامة
مملوكة بالكامل ملكية عامة للدولة) ويستثنى من ملكية الدولة للمراهق العامة تلك
الملاصقة للأراضي الزراعية للأفراد. حيث
نصت المادة (42) من القانون ذاته؛( على انه يستثنى من ملكية الدولة للمراهق العامة
المراهق الملاصقة للأراضي الزراعية اذا كان معدل ارتفاع الرهق لا تزيد نسبة
انحداره على 20% درجة او في حدود هذه
النسبة اذا زاد معدل ارتفاع الرهق على ذلك ويبدأ احتساب نسبة الانحدار من الحد
الفاصل بين الرهق والارض الزراعية الملاصقة له) وفي هذه الحالة تكون النسبة المشار
اليها ملك لصاحب الارض الزراعية وليس حق انتفاع حسبما صرحت المادة (43) من قانون
الاراضي) اما بقية المراهق العامة فان ملكيتها تظل للدولة وليس للأفراد إلا حق الانتفاع بها حسبما ورد في المادة (44) من
قانون الاراضي, وقد صرح قانون الاراضي بانه يجوز احياء الارض الموات في المراهق
العامة عن طريق المدرجات الزراعية التي تتخلل المرافق العامة حسبما ورد في المادة
(46) من قانون الاراضي, وهذا هو مكمن
الخطر حيث ان هذا النص الخبيث سوف يفتح شهية الاقطاعيين لالتهام المراهق العامة
وعندئذ يتوجب على عامة الشعب اليمني ان تبحث له عن ارض, ولذلك نوصي بضرورة تعديل
هذا النص بحيث يكون الاحياء في المراهق يخول الاشخاص حق الانتفاع وليس حق الملك .
الوجه الرابع : رهق
القبيلة :
رهق القبيلة او
الحي او الجماعة او القرية او البلد هو الحمى العام الذي تنتفع به القبيلة او
القرية او غيرها ولا تستطيع تصريف اعمالها المعتادة الا عن طريق الانتفاع بهذه
الحمى, ومن امثلة هذا الحمى اماكن الرعي والاحتطاب , ولذلك تقرر المادة (44) من
قانون الاراضي على انه (يظل الحق في الانتفاع بالمراهق العامة مقررا للكافة سواء
بالرعي او الاحتطاب او غيره ولا يجوز للدولة الاخلال بهذه الحقوق الا لاعتبارات
تتعلق بالمصلحة العامة) ولكن هذا الانتفاع لا يخول اهل القرية او الحي او غيره
ملكية هذه المرافق او الحمى حيث ان ملكية الرقبة ثابتة للدولة, إلا ان حق اهل القرية او القبيلة في الانتفاع
بالمراهق العامة التي تكون حمى لقريتهم مقدم على غيرهم فهم اولى بالانتفاع بها ولا
يحق للدولة ان تمنعهم من ذلك, والله اعلم .
تعليقات
إرسال تعليق