ارتكاب حد الحرابة تحت تأثير المخدرات

 


أ.د.عبد المؤمن شجاع الدين

                       الأستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء

الحكم محل تعليقنا هو الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا باليمن في جلستها المنعقدة بتاريخ 1/2/2017م في الطعن الجزائي رقم (5859ك) وتتلخص وقائع القضية التي فصل فيها الحكم محل تعليقنا في أن ثلاثة اشخاص قاموا باستدراج سائق سيارة اجرة من أحدى المدن الى خارج المدينة وهناك طلب احدهم من السائق إيقاف السيارة حتى يقضي حاجته ويعود، وعند عودته قام بالتحدث مع السائق في حين قام الشخص الذي كان راكباً خلف السائق بلف الصماطة على رقبة السائق وخنقه وقد منع الشخصان الاخران السائق من المقاومة وبعد ان اجهزوا على السائق قاموا بدفنه بمنطقة نائية على ساحل البحر ثم قاموا بالانتقال الى المحافظة المجاورة فقاموا ببيع سيارة المجني عليه بمبلغ خمسة وثلاثين الف ريال سعودي، وقد تم اكتشاف الجثة والتعرف عليها وتم البحث عن السيارة فتم العثور عليها وتبعا لذلك تم القبض على الجناة الذين اعترفوا بارتكابهم للحادث وقد تم العثور على مخدر الحشيش بجوزتهم واعترفوا بتعاطيه قبل الحادث وفي اثنائه وبعد استكمال التحقيق معهم احالتهم النيابة الجزائية المتخصصة حيث اتهمتهم بارتكاب جريمة الحرابة وطلبت تطبيق حد الحرابة عليهم ومن جهتهم قام أولياء الدم المدعون بالحق الشخصي بالانضمام الى النيابة العامة في المطالبة بتطبيق الحد و الحكم لهم بدية العمد واحتياطاً طلبوا من المحكمة اجراء القصاص من المتهمين ان سقط الحد، وقد حكمت  محكمة اول درجة بإعدام المتهمين الثلاثة حداً وإعادة قيمة السيارة المنهوبة ودفع دية العمد لأولياء الدم، فقام المحكوم عليهم باستئناف الحكم فأيدت المحكمة الحكم الابتدائي فقام المحكوم عليهم بالطعن في النقض فأصدرت الدائرة الجزائية حكمها محل تعليقنا وخلاصة أسباب هذا الحكم أنه (من خلال الاطلاع والدراسة لأوراق القضية بما في ذلك عريضة الطعن بالنقض فقد وجدت الدائرة ان الطاعنين ينعون على الحكم المطعون فيه أنه قد اخطأ في تطبيق القانون حينما قام بوصف الفعل المنسوب للطاعنين بالحرابة وتطبيق احكام الحرابة عليه وهذا النعي غير سديد حيث أن الواقعة هي من أفعال الحرابة حسبما هو منصوص عليه في قانون الجرائم والعقوبات والفقه الإسلامي فقد قام المذكورون بالاتفاق المسبق على ارتكاب الجريمة وتنفيذها بالفعل حيث استدرجوا المجني عليه الى الطريق العام خارج المدينة وقتله بقصد الاستيلاء بالقوة على سيارته ثم بيعها، كما تضمن الطعن بالنقض النعي على الحكم الاستئنافي انه قد اهدر دفاعهم بانهم كانوا تحت تأثير مخدرات الحشيش والرانتج اثناء ارتكابهم للجريمة وان أرادتهم واختيارهم كان معيباً في اثناء ذلك والدائرة تجد أن محكمتا الموضوع قد ناقشت هذا الدفع وتوصلت الى عدم وجاهته وتلك سلطتها التقديرية، وكذا اثار الطاعنون انهم قد تابوا وحسنت توبتهم من يوم القبض عليهم حيث لديهم شهادات من السجن بانهم قد حفظوا أجزاء من القران الكريم وانهم ملتزمون ومحافظون على الشعائر الدينية وأن سلوكهم في السجن حسن  وان الحكم المطعون فيه قد تجاهل ذلك، والدائرة تجد ان هذا النعي ليس في محله لان التوبة في الحرابة مشروطة بأن تكون قبل القدرة على المحارب والقبض عليه وليس بعد ذلك، وذلك كله يستوجب إقرار الحكم المطعون فيه) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب الأوجه الاتية:

الوجه الأول: التكييف القانوني والشرعي للواقعة التي تناولها الحكم محل تعليقنا:

ذكر الطاعنون ان الحكم الاستئنافي ومن قبله الحكم الابتدائي قد اخطأ في تطبيق القانون بتكييف الفعل على انه حرابة لانهم ليسوا عصابة متمرسة في اعمال الحرابة وليس عليهم سوابق في هذا الشأن، ومن خلال الرجوع الى النصوص القانونية التي تناولت حد الحرابة في قانون الجرائم والعقوبات لاسيما المادة (206) التي نصت على أنه (من تعرض للناس بالقوة أيا كانت في طريق عام او صحراء او بنيان او بحراً او طائرة فأخافهم وارعبهم على نفس او مال او عرض واحداً او جماعةً او لأي غرض غير مشروع قهرا او مجاهرة اعتبر محارباً) وعند تطبيق هذا النص على الواقعة التي تناولها الحكم محل تعليقنا نجد انها واقعة حرابة فقد تم الاستيلاء على السيارة بالقوة التي أدت الى قتل مالك السيارة والقوة المستعملة في الجريمة اعتمدت على المباغتة للمجني عليه وخنقه وان كان الخنق قد تم بالصماطة إلا أن النص القانوني قد شمل القوة أيا كانت حيث تضمنت المادة القانونية السابق ذكرها عبارة (بالقوة أيا  كانت) كما أن المباغتة لم تمكن المجني عليه من الدفاع عن نفسه إضافة الى ان المتهمين الاخرين قد حالوا دون دفاع المجني عليه عن نفسه او حتى هربه، كما ان الجريمة وقعت في منطقة نائية خارج المدينة يتعذر على المجني عليه طلب الغوث او النجدة وتبعاً لذلك فهذا الفعل حرابة باتفاق الفقهاء لأنها وقعت في الطريق العام خارج المدينة، وعلى هذا الأساس فان الحكم قد وافق الشرع والقانون  في تكييفه للفعل باعتباره من أفعال الحرابة.

الوجه الثاني: شرعية العقوبة التي اقرها الحكم محل تعليقنا:

أقر الحكم محل تعليقنا ما قضى به الحكم الابتدائي وأيده الاستئنافي بإعدام الثلاثة الأشخاص حدا لارتكابهم حد الحرابة وصلبهم في مكان عام إضافة إلى إلزامهم بدفع قيمة السيارة المنهوبة خمسة ثلاثين الف ريال سعودي وكذا دفع دية القتل العمد الى أولياء الدم، فهذه العقوبة توافق احكام الشريعة الإسلامية حيث يذهب الفقهاء الى ان المحاربين اذا قتلوا وسلبوا المال تكون عقوبتهم القتل والصلب، فالعقوبة التي اقرها الحكم توافق أيضا قانون الجرائم حيث نصت الفقرة (رابعاً) من المادة (307) على ان يعاقب المحارب (بالإعدام والصلب اذا اخذ مالا وقتل شخصاً) وعند تطبيق هذا النص على الواقعة التي تناولها الحكم محل تعليقنا نجد ان المحاربين الثلاثة قد قاموا بفعل الحرابة منذ الاعداد له حتى التنفيذ له بقتل مالك السيارة وسلب السيارة.

الوجه الثالث: تأثير تعاطي المخدرات على مسؤولية المحاربين:

من خلال دراسة وقائع القضية يتضح ان المحاربين الثلاثة لم يكونوا مدمنين للمخدرات بحيث يتم تصنيفهم على انهم مرضى حيث يكون ذلك عذراً شرعياً وقانونياً يخفف العقوبة ولكن ربما ان المحاربين الثلاثة قد تعاطوا المخدر حتى يقوموا بارتكاب الجريمة بأعصاب باردة وهذا ما حصل كما ان المحاربين قد تعاطوا المخدر بأنفسهم أي لم يتم اجبارهم على تناوله أو تم اعطائهم ذلك لغرض علاجي، وغالبية الفقه الإسلامي يقرر ان الشخص الذي يدخل السكر على نفسه برضاه واختياره يكون مستولا عن الفعل الذي يرتكبه اثناء سكره او تخديره، إضافة الى انه في الوقت المعاصر غالباً ما تكون جريمة تعاطي المخدرات والمسكرات مصاحبة للكثير من الجرائم ومساندة لها، ونحن نؤيد وجهة النظر هذه التي اخذ بها الحكم محل تعليقنا وقد أخذ بها قانون الجرائم حيث نصت المادة (33) فقرة (2) على أنه (لا يسأل من يكون وقت ارتكاب الفعل عاجزاً عن ادراك الفعل وطبيعته ونتائجه بسبب  تناول مواد مسكرة او مخدرة قهراً عنه او على غير علم منه بها او لضرورة فاذا كان ذلك باختياره وعلمه عوقب كما لو كان الفعل قد وقع منه لغير سكر او تخدير) في حين يذهب بعض الفقهاء الى ان تعاطي المسكرات و المخدرات يخل مطلقاً بإرادة واختيار الجاني فلو لم يتعاطى المخدرات لما قام بالفعل الجرمي.

الوجه الرابع: توبة المحارب وتأثيرها:

من المتفق عليه في الفقه الإسلامي ان توبة المحارب لا تكون معتبرة الا قبل القبض عليه عملاً بقوله تعالى (الا الذين تابوا من قبل ان تقدروا عليهم )كما انه من المقرر في الفقه الإسلامي انه لا تأثير لتوبة المحارب حتى لو كانت قبل القدرة عليه فلا تأثير لها على حقوق الأدميين فيقتص من المحارب عن الانفس التي قتلها او الجنايات التي أحدثها ويضمن المحارب الأموال التي اتلفها في اثناء حرابته قبل توبته، وفي هذا المعنى نصت المادة (309) عقوبات على ان (يعفى من العقوبات المقررة من تاب من المحاربين قبل القدرة عليهم دون ان يخل هذا الاعفاء بحقوق الغير من قصاص اودية او ارش)وعند تطبيق هذه الاحكام الشرعية والقانونية على واقعة الحرابة التي تناولها الحكم محل تعليقنا نجد ان الحكم قد وافقها حيث ان توبة المحاربين الثلاثة قد كانت بعد القبض عليهم وإيداعهم السجن أي بعد القدرة عليهم والتمكن منهم، ولذلك فلا تأثير للتوبة في هذه الحالة، وعلى هذا الأساس فان الحكم بدية القتل العمد وإعادة قيمة السيارة المسلوبة ودفع مصاريف التقاضي الى أولياء الدم صحيح يوافق الشريعة والقانون، والله اعلم.

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اسباب الطعن بالنقض في القانون اليمني

ماهي الحالة التي يجوز فيها الحكم بإعادة القضية الى المحكمة الابتدائية؟

إنكار المحرر العرفي الصادر عن الغير