مدى التزام محكمة الموضوع بتوجيهات المحكمة العليا
د.
عبدالمؤمن شجاع الدين
كلية
الشريعة والقانون
جامعة صنعاء
الحكم محل تعليقنا هو
الحكم الصادر عن الدائرة المدنية الهيئة (ب) بالمحكمة العليا بتاريخ 6/11/2006م
برئاسة القاضي الدكتور علي ناصر سالم رئيس الدائرة المدنية وعضوية القاضي محمد
احمد مرغم وإبراهيم محمد الاهدل والقاضي محمد عبدالله السالمي والقاضي علي سليمان
خليل ، وخلاصة هذا الحكم أن المحكمة العليا كانت قد أصدرت قبل الحكم محل تعليقنا
حكماً أخر بتاريخ 14/6/2001م بإعادة ملف القضية إلى محكمة الاستئناف لإحالته إلى
محكمة أول درجة المختصة ، ونصت الفقرة (4) من منطوق حكم الإحالة بأن على محكمة أول
درجة إشعار طرفي النزاع بأن للمتضرر الحق في تقديم دعوى تتضمن طلباته وفقاً لأحكام
القانون وعلى محكمة أول درجة نظر النزاع والفصل فيه طبقاً للقانون والأخذ بتوجيهات
المحكمة العليا الواردة في حيثيات الحكم وإصدار حكم ناجز منه للخصومة ، وبالفعل
تمت إعادة الملف لمحكمة أول درجة حيث تقدم أحد الخصوم ( المستأجر ) بطلب إلى
المحكمة بإلزام خصمه ( المؤجر ) بتسليم العين المؤجرة وجميع ما بداخلها من بضائع
ومنقولات وإعادة الحال إلى ما كان عليه طبقاً لحكم المحكمة العليا، وسارت محكمة أول
درجة في إجراءات نظر هذا الطلب فدفع المطلوب ضده ( المدعي عليه المؤجر ) بعدم صفة مقدم
الطلب كون المستأجر من المالك شخصاً أخر ، وبتاريخ 17/2/2003م أصدرت محكمة أول
درجة حكماً قضت الفقرة ( أ ) من منطوقه بإلزام المالك للعين المؤجرة بما تقرره
المحكمة ثمناً للديكور الموجود حينها في العين التي أعيدت إلى المالك ، فما كان من
المالك إلا الطعن بالاستئناف في الحكم الابتدائي أمام محكمة الاستئناف المختصة حيث
تمسك بدفعه بعدم صفة المدعي وبعد المرافعة أمام محكمة الاستئناف والنقاش والمداولة
قبلت محكمة الاستئناف طعن المالك وقضت بعدم صفة المستأنف ضده ، فما كان من
المستأنف ضده المحكوم عليه إلا أن قام بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي وذلك
أمام الدائرة المدنية بالمحكمة العليا التي أصدرت حكمها محل تعليقنا بتاريخ
6/11/2006م والذي قضى برفض الطعن بالنقض وتأييد الحكم الاستئنافي وأقرت الدائرة في
حكمها المشار إليه قاعدة مفادها
( أن عدم التزام
محكمة الموضوع بتطبيق توجيهات المحكمة العليا الواردة في حكم النقض أو مخالفتها
يجعل حكمها عرضة للنقض ) وقد سببت الدائرة حكمها المشار إليه بأن ما سارت عليه
محكمة أول درجة مخالف لأحكام القانون وتوجيهات المحكمة العليا الواردة في حكمها
لأن المادة (300) مرافعات أجازت للمحكمة العليا إعادة القضية إلى المحكمة المختصة
لنظرها مجدداً وفقاً للملاحظات المدونة في حكم النقض ، وحيث أن حكم النقض الصادر
في هذه القضية قد أوجب على محكمة أول درجة إشعار الأطراف وأن للمتضرر الحق في
تقديم دعواه بما يدعيه وفقاً للقانون وبالتالي فإن حكم النقض الصادر عن المحكمة
العليا قد بيّن المراد بنقض الحكم وما ينبغي على محكمة أول درجة أن تعمل في هذا
الشأن وكان ينبغي على محكمة الموضوع الالتزام بتوجيه المحكمة العليا طي ذلك الحكم وإرشاد
المتضرر إلى اتباع الإجراءات القانونية المنصوص عليها في قانون المرافعات إن كانت
له أية مطالبة يقرها القانون لاسيما وحكم المحكمة العليا الصادر بتاريخ 14/6/2001م
كان قد أشار في حيثياته بأن الإجراءات التي اتبعتها محكمة الموضوع في نظر النزاع
لم تكن متوافقة مع القانون من حيث عدم تقديم الدعوى ، وكان لزاماً على محكمة
الموضوع تطبيق توجيهات المحكمة العليا المشار إليها في متن حكم النقض وعدم
مخالفتها وفقاً لما تنص عليها أحكام القانون ، وحيث أن الثابت من الأوراق بأن
المالك للعين قد تقدم بدفع أمام محكمة أول درجة بعدم صفة المطلوب ضده في القضية
كون المستأجر للعين شخصاً أخر إلا أن محكمة أول درجة رفضت هذا الدفع مع وجاهته
واتفاقه مع أحكام القانون ، وحيث أن الطلب المقدم إلى محكمة أول درجة بعد الإرجاع
إليها من المحكمة العليا تضمن المطالبة بإعادة العين المؤجرة وإعادة الحال إلى ما
كان عليه مستنداً في ذلك إلى حكم المحكمة العليا لذلك فهذا الطلب مردود عليه بأن
حكم النقض قضى بضرورة النظر في مسألة العلاقة الإيجارية في حينه بين ذوي الصفة.
وعند إمعان النظر في أسباب
الحكم محل تعليقنا وعلى النحو السابق بيانه نجد أن الحكم قد حدد نطاق الخصومة
وحدودها أمام محكمة الإحالة التي تحيل
إليها المحكمة العليا الحكم المنقوض وما ينبغي على محكمة الإحالة عمله ووجوب
التزامها بتوجيهات المحكمة العليا، وذلك يستوجب الإشارة إلى هذه المسائل في سياق
تعليقنا على هذا الحكم ، فمن المعلوم أن الخصومة أمام محكمة الإحالة تتحدد طبيعتها
بطبيعة القضية قبل إصدار الحكم محل النقض، ذلك أن نقض الحكم لا ينشى خصومة جديدة
بل هو يزيل الحكم المنقوض ليتابع الخصوم السير في الخصومة الأصلية أمام محكمة
الإحالة ، فالإحالة هي إعادة للقضية التي سبق قفلها نهائياً بالحكم النهائي الذي
تم الطعن فيه بالنقض ، ولهذا فإن الأصل أن تنطبق على مرحلة الإحالة القواعد ذاتها
التي تنطبق على المرحلة التي صدر فيها الحكم المنقوض وهي عادة مرحلة الاستئناف ، فتستطيع
محكمة الاستئناف في حكمها الصادر بعد النقض والإحالة أن تؤيد الحكم الابتدائي وان
تحيل إليه في أسبابه وإذا كان المدعي لا صفة له في الدعوى واكتسب هذه الصفة في
مرحلة الإحالة فإن هذا يكفي لتصحيح الصفة وزوال العيب ، ولأن مرحلة الإحالة هي
نتيجة محكمة النقض فإن هذا الحكم يؤثر في مرحلة الإحالة وبهذا يتحدد نطاق الخصومة
في مرحلة الإحالة على النحو الآتي :-
1- تلتزم المحكمة المحالة إليها القضية بإتباع
حكم النقض في المسألة القانونية ، وفي هذا الشأن تنص المادة (300) مرافعات على أنه
( إذا كان نقض الحكم لغير مخالفة قواعد الاختصاص أعادت الدائرة القضية إلى المحكمة
التي أصدرت الحكم المطعون لتحكم فيه من جديد بناءً على طلب الخصوم متبعة توجيه
المحكمة العليا ) وعلى هذا الأساس لا يقبل من الخصم الدفاع أمام المحكمة المحالة
إليها القضية على أساس مناقشة المبدأ الذي قرره حكم النقض حيث أن هذا المبدأ واجب
الاحترام وليس لمحكمة الإحالة أية سلطة في عدم إتباعه ، فإذا لم تحترم محكمة
الموضوع المبدأ القانوني المقرر من محكمة النقض فإن حكمها يكون مخالفاً للقانون
ويقبل الطعن بالنقض لهذا السبب وعندئذ ليس للمحكمة العليا أن تعدل في حكمها الثاني
عن المبدأ الذي قررته في حكمها الأول ، إذ بهذا الحكم تكون قد استنفذت ولايتها
بالنسبة لهذه المسألة ، ومن ناحية أخرى من المقرر أن الالتزام بالمبدأ القانوني
يقع ليس فقط على عاتق المحكمة المحالة إليها القضية وإنما ايضاً على عاتق أي محكمة
أخرى في أي نزاع لاحق ينشأ عن النزاع الذي قررت المحكمة العليا بشأنه هذا المبدأ
وهذا يعد أثراُ لحجية حكم النقض ، ولهذا ايضاً فإنه إذا أسقطت الخصومة بعد صدور
حكم النقض أو تركت خصومة الإحالة أو أسقطت أو انتهت لأي سبب قبل الفصل في الدعوى
وقام أحد الخصوم برفع الدعوى من جديد سواء أمام المحكمة التي نُقض حكمها أو أمام
محكمة أخرى فإن المبدأ القانوني الذي قرره حكم النقض تبقى له القوة الملزمة ذاتها
، على أنه يلاحظ أن الالتزام بالمبدأ القانوني المقرر من المحكمة العليا لا يقع
على عاتق أية محكمة أخرى أو على المحكمة المحال إليها الدعوى أو المحكمة العليا عندما
تعرض عليها منازعة مشابهة بالنسبة لرابطة قانونية مشابهة ولو كانت بين الخصوم أنفسهم
، وإذا صدر قانون جديد بعد حكم النقض فإن الاتجاه السائد في الفقه وقضاء النقض
الايطالي هو تطبيق القانون الجديد من قبل المحكمة المحال إليها الدعوى وان كان هذا
الاتجاه محل نقد من بعض الفقهاء على أساس حجية حكم النقض في المسألة القانونية.
2- يقتصر نطاق الخصومة أمام المحكمة
المحالة إليها القضية على المسألة التي فصل فيها الحكم دون غيرها ، فمحكمة الإحالة
تنظر هذه المسألة فقط ، ولهذا فإنه في حالة النقض الجزائي الذي ينصب فقط على جزء
من الحكم ففي هذه الحالة لا تمتد سلطة محكمة الإحالة إلى ما كان محلاً للخصومة قبل
صدور الحكم المطعون فيه ، فليس لها أن تمس أجزاء الحكم الأخرى التي لم تنقضها
المحكمة العليا .
3- للخصوم في نطاق المسألة التي أشارت
إليها حكم المحكمة العليا أن يقدموا أمام
محكمة الإحالة الطلبات والدفوع وأوجه الدفاع التي كان لهم تقديمها قبل صدور الحكم
المطعون فيه ، وذلك باستثناء الطلبات والدفوع التي سقط الحق في تقديمها وإذا كانت
القضية قبل النقض أمام محكمة استئنافية فإن على الخصوم احترام قاعدة عدم جواز
تقديم طلبات جديدة أمام الاستئناف ، فهذه القاعدة تسري ايضاً أمام محكمة الاستئناف
المحالة إليها القضية مع ملاحظة الاستثناءات التي ترد على هذه القاعدة ومنها تعديل
الطلبات الذي يكون ضرورياً كأثر لحكم النقض خاصة ما أثارته المحكمة العليا من
تلقاء ذاتها وكذا الطلبات التي يمكن تقديمها في أي حالة تكون عليها الخصومة .
4- تعود الحياة أمام محكمة الإحالة إلى ما
كان الخصوم قد أبدوه من الطلبات والدفوع وأوجه الدفاع التي لم يتم التنازل عنها
دون حاجة إلى إعادة التمسك بها متى كان ذلك في نطاق المسألة التي أشار إليها حكم
النقض ، كما أن للخصوم التمسك بهذه الطلبات والدفوع وأوجه الدفاع أمام محكمة
الإحالة من جديد ، على أنه يلاحظ أنه لا يجوز إبداء هذه الدفوع وأوجه الدفاع كما
لا تعود للحياة إذا كان حكم النقض قد فصل فيها ولو ضمناً وذلك أنه لا جدوى من
إثارة ما سبق ان فصلت فيه المحكمة العليا ويحتفظ الخصوم بجميع سلطاتهم وأعبائهم
وخاصة ما يتعلق بعبء الإثبات وسلطة تقديم أدلة جديدة على أن يكون ذلك في نطاق المسألة
التي أشار إليها حكم النقض .
5- إذا كانت المحكمة المحالة إليها القضية
تتقيد بحكم المحكمة العليا في المسألة القانونية التي فصل فيها فإنها على العكس
تسترد سلطتها بالنسبة للوقائع ، إذا كانت محكمة استئناف على الحكم الابتدائي ويكون
لها في الحكم في الدعوى ما كان جائزاً لها قبل إصدار الحكم المنقوض ، فلها أن تقدر الوقائع على غير النحو
الذي قدرته من قبل وأن تقيم حكمها على فهم جديد لوقائع الدعوى تحصله بحرية من جميع
عناصر وقائع الدعوى مخالفة بهذا فهمها السابق للوقائع مستندة في هذا إلى ما قدم لها بعد الإحالة من وقائع ومستندات وأدلة
ومعتمدة على أسس قانونية أخرى غير التي جاءت بالحكم المطعون فيه واستوجبت نقضه كما
يكون لها أن تصر على الواقعة التي حصلتها قبل الحكم المنقوض إذا هي استخلصت
الواقعة من مصدر أخر من عناصر الدعوى متى كانت في حكمها الجديد قد احترمت حكم المحكمة
العليا بالنسبة للمسألة القانونية ، على أنه يلاحظ أنه احياناً يكون حكم المحكمة
العليا في المسألة القانونية مبنياً على تقدير معين للوقائع مخالفاً لتقدير الحكم
المطعون فيه وعندئذ على المحكمة المحالة إليها القضية أن تلتزم بهذا التقدير وليس
لها عندئذ أية سلطة بالنسبة لتقدير الوقائع حيث أن إهدارها تقدير المحكمة العليا
بالنسبة للوقائع يتضمن حتما إهدار قرارها بالنسبة للمسألة القانونية .
6- إذا نقضت المحكمة العليا الحكم المطعون
فيه وأحالت القضية إلى المحكمة التي أصدرت الحكم المنقوض فإنه يجب على هذه المحكمة
ان تتقيد في نظرها عندئذ بقاعدة لا يضار الطاعن بطعنه ، فيجب على محكمة الإحالة
احترام هذه القاعدة سواء كان الطعن مطروحاً عليها لأول مرة أو بالإحالة إليها بعد
نقض الحكم .
7- إذا كان الأصل أن للخصومة أمام محكمة
الإحالة النطاق الشخصي ذاته الذي كان لها قبل النقض فإنه احياناً كأثر للنقض يكون أضيق
أو أوسع نطاقاً ، فتكون أضيق نطاقاً إذا تعدد الخصوم قبل النقض ولم يطعن بالنقض
إلا بعض المحكوم عليهم أو كان الطعن ضد بعض المحكوم لهم ولم يكن التعدد في الطعن
إجبارياً ، كما قد تكون الخصومة أوسع نطاقاً كأثر للحكم بالنقض ، فمثلاً إذا طعن
بالنقض لان محكمة الموضوع لم تقبل إدخال من كان يجوز إدخاله في الخصومة ونقض الحكم
فإن المحكمة التي أحيلت إليها الدعوى يجب
عليها أن تقبل ذلك التزاماً بحكم النقض .
8- الأصل أن تكون الإحالة إلى المحكمة التي
أصدرت الحكم المطعون فيه لتحكم فيه من جديد طبقاً لنص المادة (300) مرافعات ، ولكن
ما الحل إذا وجدت المحكمة العليا أن محكمة الاستئناف كان يجب عليها أن تحيل القضية
إلى محكمة أول درجة؟
في القانون الايطالي يحق لمحكمة النقض أن تحيل
القضية إلى محكمة أول درجة مباشرة – وفي القوانين التي لم تنص على هذه الإحالة
ومنها القانون اليمني يرى كثير من الفقه العربي ومن أبرزهم أستاذنا المرحوم
الدكتور أبو الوفاء والأستاذ الدكتور فتحي والي إلى أن المحكمة العليا أو محكمة
النقض لا تستطيع أن تقوم بذلك لعدم وجود نص قانوني يخولها الإحالة المباشرة إلى
محكمة أول درجة ولكن في هذه الحالة يجب على محكمة الاستئناف التي أحيلت إليها
القضية أن تقوم بإحالة القضية بدورها إلى محكمة أول درجة للحكم فيها وهذا ما تقوم
بع فعلياً المحكمة العليا باليمن .
ولأهمية الحكم محل
تعليقنا فقد قامت المحكمة العليا بنشر القاعدة التي تضمنها هذا الحكم ضمن القواعد
القانونية والمبادئ القضائية التي نشرتها المحكمة العليا في العدد العاشر من
مجموعة القواعد القانونية والمبادئ القضائية صـ13 .
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل
تعليقات
إرسال تعليق