القصاص من الجماعة بالواحد

 


أ.د.عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء

من المسائل الخلافية مسألة قتل الجماعة بالواحد إضافة إلى إشكاليات القصاص من الجماعة إذا ما قتلت الواحد من حيث الفرق بين الاشتراك والتمالؤ على القتل، ولذلك من المفيد الإشارة إلى كيفية تطبيق القضاء اليمني لهذه المسائل في الواقع العملي، ونجد ذلك في التعليق على حكم الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا باليمن في جلستها المنعقدة بتاريخ 17/1/2017م وذلك في الطعن الجزائي رقم 58489 ك لسنة 1438ه وتتلخص وقائع هذا الحكم أن خلافاً على أرض حدث بين ثلاثة أشخاص من جهة وبين شخص آخر كان يحوز الأرض المتنازع عليها ويزرعها قاتاً وكان يحرس القات فاشتدت حدة الخلاف حتى اتفق الثلاثة الأشخاص على قتل الحائز للأرض فانطلقوا في صبيحة أحد الأيام على متن سيارة أحدهم وعندما وصلوا إلى المزرعة محل النزاع دخلوا إليها وقاموا بقطف القات فحاول المجني عليه منعهم ومعه الشهود أهل المحل إلا أن الجناة الثلاثة قاموا بإطلاق النار على المجني عليه فاردوه قتيلاً في الحال وقد حكمت المحكمة الابتدائية بالقصاص من الثلاثة الجناة لقتلهم ظلماً وعدواناً المجني عليه رغم محاولة الجناة التمسك باللوث المسقط للقصاص على أساس أنه لا يُعلم أي الرصاصات المنطلقة هي التي أصابت رأس المجني عليه فقتلته كما أنهم قد أثاروا أمام محكمة الاستئناف أن القصاص يقوم على المساواة وقتل الجماعة بالواحد يخالف المساواة في القصاص إلا أن محكمة الاستئناف أيدت الحكم الابتدائي بإعدام الثلاثة القتلة قصاصاً، فقام الثلاثة بالطعن في الحكم أمام المحكمة العليا كما  قامت النيابة العامة بالعرض الوجوبي للقضية على المحكمة العليا التي أصدرت حكمها محل تعليقنا الذي قضى (بأن المتهمون الطاعنون الثلاثة قد أتفقوا على قتل المجني عليه وأعد كل واحد منهم سلاحه الآلي ولم يقبلوا نصح أهل القرية الذين نصحوهم بعدم التهور والصبر حتى تصدر المحكمة حكمها في النزاع على الأرض حيث اجتمع المتهمون الثلاثة يوم وقوع الجريمة أمام منزل المحكوم عليه الأول الذي قام بتوصيلهم على سيارته إلى حيث يتواجد المجني عليه وما أن وصلوا حتى هرعوا إلى الجربة التي كان فيها المجني عليه وقاموا بقطف القات وإطلاق عبارات التهديد والسب للمجني عليه وقد حاول المتواجدون من أهل القرية شهود الرؤية إخراج المحكوم عليهم الطاعنين من الجربة لكن الطاعنين تراجعوا إلى الوراء وقاموا بمباشرة إطلاق النار بكثافة صوب المجني عليه فأصابوا المجني عليه بعدة طلقات في الرأس أثناء محاولته الهروب إلى الجربة الأعلى فأردته قتيلاً في الحال وهذا الفعل ثابت بشهادة شهود الرؤية الذين شاهدوا وعاينوا الواقعة وقد استمعت محكمتا الموضوع إلى دفاع ودفوع الطاعنين والأدلة على تمالؤهم على ارتكابها فصار كل واحد منهم قاتلاً متعمداً للمجني عليه ولذلك فأنهم يستحقوا جميعاً عقوبة القصاص المقررة شرعاً وقانوناً لتوفر الشروط الشرعية الواجبة للحكم بها وهي توفر الدليل وطلب أولياء الدم، مما يقتضي رفض الطعن موضوعاً وإقرار الحكم المطعون فيه) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب الأوجه الآتية:

الوجه الأول: السند القانوني للحكم محل تعليقنا:

يصرح قانون الجرائم والعقوبات اليمني بأنه يقتص من الجماعة بالواحد مهما تعدد الجناة حسبما ورد في المادة (58)، كما نصت المادة (66) من هذا القانون على أن (القصاص على الجاني المباشر ومن يأخذ حكمه ويحكم على الشركاء المتمالئين طبقاً للقانون) كما تنص المادة (21) من القانون ذاته على أنه (يعد فاعلاً من يحقق بسلوكه عناصر الجريمة ويشمل ذلك المتمالىء الموجود على مسرح الجريمة وقت حدوثها ويعد فاعلاً من يقومون معاً بقصد أو إهمال مشترك بالأعمال المنفذة للجريمة) وعند تطبيق هذه النصوص القانونية على واقعة القتل التي تناولها الحكم محل تعليقنا نجد أن الحكم قد وافق القانون الذي قرر أنه يقتص من الجماعة بالواحد، كما أن المتمالىء على القتل يكون فاعلاً بموجب النصوص السابق ذكرها لاسيما وقد حضر إلى مسرح الجريمة، وهذا ما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا حيث حضر القتلة الثلاثة إلى الجربة التي كانت مسرحاً لجريمة القتل، ومن خلال ما تقدم يظهر الفارق الجوهري بين الشريك والمتمالىء في جريمة القتل فالشريك يقتصر دوره على تقديم المساعدة للقاتل في حين أن المتمالىء يكون فاعلاً في تنفيذ الجريمة، وفي هذا المعنى نصت المادة (23) عقوبات على أن (الشريك هو من يقدم للفاعل مساعدة تبعية بقصد ارتكاب الجريمة وهذه المساعدة قد تكون سابقة على التنفيذ أو معاصرة له كما قد تكون لاحقة) فالشريك مثل الذي يدفع إلى القاتل السلاح أو الذخيرة أو يدل على المجني عليه وهو يعلم أن القاتل يقصد القتل لكن التفرقة بين الشريك والمتمالىء تكون دقيقة في المشاركة المعاصرة لفعل القتل كما لو قام الشريك باستدراج المجني عليه لمسرح الجريمة أو قام بإمساكه حتى تمكن الجاني من الإجهاز عليه.

الوجه الثاني: الاتفاق على القتل وتوزيع الأدوار بين القتلة:

أشار الحكم محل تعليقنا إلى أن القتلة قد اتفقوا (تمالؤا) على القتل قبل وقوعه ثم انطلقوا سويةً إلى مسرح الجريمة فقاموا بفعل القتل، فهذه الصورة محل اتفاق في الفقه والقانون على أنهم فاعلون لجريمة القتل، ولكن لو حدث أنهم اجتمعوا قبل واقعة القتل واتفقوا على توزيع الأدوار بينهم حيث يقوم أحدهم بمراقبة المجني عليه والثاني يقوم بتحضير أدوات الجريمة ونقل القاتل إلى مسرح الجريمة والثالث يقوم بمباشرة فعل القتل، هذه الحالة محل خلاف في الفقه والقانون والقضاء حيث يذهب أتجاه إلى أن التمالوا والاتفاق على القتل في هذه الحالة يوجب القصاص من الجميع حتى لا يتوسل المجرمون بالتمالوا وتوزيع الأدوار للإفلات من القصاص ونحن نختار هذا الاتجاه لأنه الاتجاه المناسب في العصر الحاضر الذي تجرأ فيه الناس على قتل النفس التي حرمها الله، أما الاتجاه الثاني فيذهب إلى أن القصاص لا يكون إلا من الشخص الذي باشر فعل القتل لأن الذي قام بتحضير سلاح الجريمة لم يقم بالقتل وكذا الذي قام بمراقبة المجني عليه أو استدراجه، وفي عام 1980م أصدر أحد القضاة في اليمن حكماً بالقصاص من 18 شخصاً لتمالؤهم على قتل أحد الأشخاص ظلماً وعدواناً مع أن الذين حضروا إلى مسرح الجريمة شخصان فقط وكان سند هذا الحكم قول النبي صلى الله عليه وسلم :((لو تمالئ أهل صنعاء على قتل رجل لقتلتهم به جميعاً)).

الوجه الثالث: اللوث في جريمة القتل:

تمسك الجناة في الواقعة التي تناولها الحكم محل تعليقنا باللوث في القصاص الذي يعني اختلاط الأسلحة والرصاص القاتل حيث لا يستطيع التعرف على الشخص أو السلاح أو الرصاص القاتل للمجني عليه ، هل هو رصاص الجميع أم بعضهم أم احدهم وهذا يثير الشك والشك يفسر لمصلحة المتهم، كما أن في اللوث شبهة والحدود والقصاص تدرأ بالشبهات، وبعد أن ناقشت محكمتا الموضوع هذه المسألة توصلت إلى رفض الدفع باللوث، وهذا مسلك سديد من وجهة نظرنا، لأن اللوث المسقط للقصاص لا يكون إلا إذا حدث فعل القتل من غير اتفاق بين القتلة قبل حدوث واقعة القتل، فقد صدرت أحكام من القضاء اليمني بأن اللوث يسقط القصاص حينما تصادف التقاء مرشحين لمجلس النواب فحدث القتل عن طريق تبادل إطلاق النار بين سيارتين في الموكبين لأن خروج أنصار المرشحين في الموكبين عند خروجهم في الموكبين لم يتفقوا على القتل وكذا قضى باللوث المسقط للقصاص في واقعة قتل حدث نتيجة تبادل إطلاق النار بين جماعتين كانتا تزفا عريسين، والله أعلم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اسباب الطعن بالنقض في القانون اليمني

ماهي الحالة التي يجوز فيها الحكم بإعادة القضية الى المحكمة الابتدائية؟

إنكار المحرر العرفي الصادر عن الغير