الاسبق في تسجيل الاسم التجاري هو الاحق

 

                                                                         أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين

                                                      الاستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء

 

تماثل الاسماء التجارية وتشابهها ليست من المسائل النادرة في اليمن, وهذا التشابه يحدث الخلط والالتباس عند الزبائن والجهات المعنية كما تترتب على هذا التشابه تبعات و مسؤوليات, اضافة الى ان استعمال الغير لاسم مماثل او مشابه لاسم تجاري سبق تسجيله يعد اعتداء على حق وهذا الاعتداء يثير نزاعات  وخلافات تستهلك وقتا وجهدا ومالا, وفي احيان كثيرة تصل هذه الخلافات الى القضاء الذي يتولى الفصل فيها مثلما وقع في القضية التي قضى فيها الحكم محل تعليقنا وهو الحكم الصادر عن الدائرة التجارية       بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 26/3/2011م في الطعن التجاري رقم (43950) لسنة 1432هـ وتتلخص وقائع القضية التي قضى فيها الحكم ان احد التجار قد اختار اسم معين لمحله الذي يباشر فيه استيراد وبيع الملابس الجاهزة حيث قام بتسجيل الاسم التجاري المشار اليه لدى وزارة الصناعة والتجارة وبعد عدة سنوات قام تاجر اخر يعمل في مدينة اخرى غير تلك التي يوجد بها المحل الذي يحمل الاسم التجاري فقام الاخير بتعديل الاسم التجاري لمحله الى الاسم ذاته الذي يحمله المحل الذي سبق له تسجيل الاسم, وقد تسبب ذلك في اختلاف الطرفين حتى وصل الخلاف الى القضاء عندما قام التاجر الذي سبق له تسجيل الاسم برفع دعواه طالبا شطب  الاسم الذي تم تسجيله مؤخرا وقد قضت محكمة اول درجة بشطب الاسم التجاري الذي تم تسجيله مؤخرا بالإضافة الى تعويض صاحب الاسم المسجل اولا وقد قام المحكوم عليه صاحب الاسم المسجل اخيرا باستئناف الحكم الابتدائي الا ان محكمة  الاستئناف ايدت الحكم الابتدائي فلم يقتنع صاحب الاسم المسجل اخيرا حيث قام بالطعن بالنقض الا ان لم يفيده حيث قضت الدائرة التجارية بالمحكمة العليا بتأييد الحكم الاستئنافي وقد جاء في اسباب حكم المحكمة العليا محل تعليقنا (انه بالرجوع الى المستندات ومنها شهادة السجل التجاري الصادرة عن الادارة العامة للسجل التجاري تؤكد اسبقية المطعون ضده في تسجيل الاسم وتبعا لذلك فانه يستحق الحماية القانونية لان الثابت من شهادة التسجيل للعلامة ان الاسم ايضا قد تسجل جزء من الاسم على انه علامة مملوكة للمطعون ضده ولذلك فانه يحظى بالحماية القانونية الكاملة كونه حائزا لشهادة ملكية العلامة التجارية لذلك واستنادا الى المادتين (116,115) من قانون الملكية الفكرية ولذلك فان المطعون ضده يتمتع بحق    الاستئثار بها في مجال تجارته وهي الملابس الجاهزة بل له الحق في منع أي معتد عن طريق دعوى المنافسة غير المشروعة كما ان اتفاقية باريس للملكية الصناعية تنص في المادة الاولى الفقرة (2) بان الحماية تشمل العلامة التجارية والاسم التجاري وتشمل المنافسة غير المشروعة وهذه الاتفاقية ملزمة لان اليمن من الدول الموقعة عليها, كما ان الحكم المطعون فيه قد تم تسبيبه نسبيا كافيا سليما بما يتفق مع نصوص القانون ومن ذلك الاستناد الى احكام المادتين (55و63) تجاري واحكام المواد (89و113و115و116) من قانون الحق الفكري, ولذلك فان الطعن مرفوض) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب        الاوجه الاتية :

الوجه الأول : ماهية الاسم التجاري وتلازمه في بعض الاحيان مع العلامة التجارية :

الاسم التجاري هو: الاسم الذي يستخدمه التاجر فردا كان او مؤسسة او شركة لتمييز محله التجاري عن غيره من المحلات التجارية حسبما ورد في المادة (2) من قانون الاسماء التجارية, ومن خلال هذا التعريف يظهر ان الاسم التجاري متعلق بالمحل التجاري, اما العلامة التجارية فقد عرفتها المادة (3) من قانون العلامات التي نصت على ان (العلامة التجارية هي كل ما يأخذ شكلا مميزا قابلا للإدراك بالنظر من اسماء او كلمات او حروف او ارقام او امضاءات او رسوم او رموز او اختام او صور او نقوش بارزة او تلوين مميز من لون او مجموعة الوان او أي مجموع من هذه العناصر اذا كانت تستعمل او يراد استعمالها في تمييز سلع او خدمات منشأة تجارية او صناعية او زراعية او حرفية او خدمية) ومن خلال المطالعة للتصريفين السابقين للاسم التجاري والعلامة التجارية بالاسم التجاري متصل بالمحل التجاري والعلامة متصلة بالسلعة او الخدمة علما بأن القضية التي قضى فيها الحكم محل تعليقنا كان صاحب المحل الاسبق قد سبق له تسجيل الاسم التجاري كاملا ثم اختار كلمة واحدة من الاسم التجاري وهي الكلمة التي وسط الاسم حيث جعلها علامة تجارية فقام بتسجيلها كعلامة تجارية له, ولذلك اشار الحكم محل تعليقنا الى ان جزء من الاسم قد صار ايضا علامة للأسبق تسجيلا الذي سبق له تسجيل الاسم التجاري وكذا تسجيل كلمة من الاسم كعلامة تجارية مميزة, ووفقا للقانون يجوز ان تكون الكلمة علامة تجارية كما ان الحكم محل تعليقنا قد قضى بجواز ان تكون كلمة من الاسم التجاري علامة تجارية مسجلة حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا .

الوجه الثاني : الاسبق تسجيلا هو الاحق :

قرر الحكم محل تعليقنا ان الاسبق تسجيلا هو الأحق بالاسم التجاري في ذلك هو المادة (17) من قانون    الاسماء التجارية التي نصت على انه (لا يجوز قبول تسجيل الاسماء التجارية التالية : الاسماء المماثلة او المشابهة للأسماء التجارية المسجلة وفقا لأحكام هذا القانون واللائحة وان اختلف كيانها القانوني اذا كانت ستودي الى تضليل او لبس لدى الجمهور) فهذا النص يصرح بعدم جواز ان يقوم التاجر بتسجيل اسم تجاري مماثل أي مثل الاسم التجاري السابق تسجيله او مشابه له ومقتضى ذلك ان الاسبق تسجيلا هو      الاحق بالاسم, وكذا استند الحكم الى المادة (27) من قانون الاسماء التجارية التي نصت على انه (اذا تم قيد وتسجيل وشهر الاسم التجاري وفقا لأحكام هذا القانون فلا يحق لتاجر اخر استعمال او استخدام هذا الاسم في نوع التجارة التي يزاولها صاحبها, واذا كان اسم التاجر الاخر لقبه يشبهان الاسم التجاري المقيد والمسجل والمشهر لدى الادارة المختصة وجب على التاجر الاخر ان يضيف الى اسمه ما يميزه عن       الاسم التجاري السابق قيده وتسجيله وشهره وفقا لأحكام هذا القانون) وهذا النص صريح في تقرير احقية الاسبق تسجيلا للاسم الا ان هذا النص خصص الحظر على الاسم المستعمل في نوع التجارة ذاتها اما اذا اختلف نوع النشاط التجاري فلا يكون استعمال الاسم المماثل او المشابه محظورا بخلاف المادة (17) التي جاء فيها الحظر مطلقا حتى لو تغير الكيان القانوني, ولذلك وجدنا الحكم محل تعليقنا قد قرر احقية    الاسبق تسجيلا لان نشاط التاجرين الاقدم تسجيلا والاحدث تسجيلا هو نشاط تجاري من نوع واحد وهو تجارة الملابس الجاهزة .

الوجه الثالث : الهدف من تقرير احقية الاسبق تسجيلا :

صرح القانون بان الهدف من ذلك هو تمييز اسم تاجر واخر حماية لهما من مخاطر تماثل او تشابه          الاسماء وفي الوقت ذاته حماية لمن يتعامل معهم مع الجمهور وكذا وضع الشروط والاجراءات المنظمة لأولوية وافضلية تملك الاسم التجاري من حيث الاستخدام والقيد والتسجيل وما يترتب على ذلك من حماية وقد صرحت بهذا الهدف المادة (3) من قانون الاسماء التجارية, كما اشارت المادة (17) فقرة (1) من القانون ذاته الى ان الهدف من تقرير الاسبقية حماية الجمهور من التضليل والالتباس, فضلا عن السابق تسجيلا قد بذل جهدا في اشهار الاسم والترويج له والاعلان عنه حتى صار مشهورا بعد اشهاره وتسجيله وفي هذا السبيل يكون المسجل اولا قد بذل مالا ووقتا, كما ان حماية الاسبقية تنطلق من منع المنافسة غير المشروعة لان استعمال التاجر المتأخر للاسم التجاري للسابق تسجيلا في النشاط التجاري ذاته يكون من قبيل المنافسة المشروعة التي اشار اليها الحكم محل تعليقنا ولذلك فقد قضى هذا الحكم بتعويض التاجر صاحب الاسم الاقدم تسجيلا, والله اعلم .        

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اسباب الطعن بالنقض في القانون اليمني

ماهي الحالة التي يجوز فيها الحكم بإعادة القضية الى المحكمة الابتدائية؟

إنكار المحرر العرفي الصادر عن الغير