مشروعية الشفعة واسبايها

 

المبحث الأول

تعريف الشفعة وأدلتها وحكمة مشروعيتها

تمهيد وتقسيم:

لما كان موضوع البحث هو مشروعية الشفعة وأسبابها فإنه يكون واجباً أن تبدأ هذا الدراسة بتعريف الشفعة.

حيث أن من ينظر إلى الشفعة ويتمعن في تعريفها يرى مدى اهتمام الشارع الحكيم بتشريعها وإباحة العمل بموجبها, وقد ثبت قضاؤه صلى الله عليه وسلم بها في أكثر من واقعة, وكذا إجماع الصحابة وعلماء الأمة من بعده صلى الله عليه وسلم على ثبوت الشفعة والعمل بها.

وبعد هذا التمهيد فقد تناولتا لدراسة هذا المبحث بتقسيمه إلى ثلاثة مطالب على النحو الآتي:

-         المطلب الأول: تعريف الشفعة.

-         المطلب الثاني: الأدلة على ثبوت الشفعة.

-         المطلب الثالث: الحكمة من مشروعية الشفعة.

 


المطلب الأول

تعريف الشفعة

تمهيد وتقسيم:

سوف يتم في هذا المطلب تناول الدراسة لتعريف الشفعة لغة وشرعاً وذلك على النحو الآتي:

أولاً: تعريف الشفعة لغةً:

الشفعة من مادة شفع, شفعاً أي ضممته إلى الفرد, والشفعة هي مثال غُرفة لأن صاحبه يشفع ماله بها, وهي اسم للملك المشفوع, وتستعمل بمعنى الملك, ومنه قوله: ثبتت له "شفعة" ([1]) .

والشفع خلاف الوتر وهو الزوج, وصاحب الشفعة "بالضم" وهي أن تشفع فيما تطلب فتضمه إلى ما عندك فتشفعه "أي تزيده" ([2]).

(كما أنها مأخوذة من الشفع بمعنى الضم أو الزيادة والتقوية, تقول شفعت الشيء ضممته, وسميت شفعة لأن الشفيع يضم ما يملكه بهذا الحق إلى نصيبه أو ماله فيزيده عليه ويتقوى به, فقد كان الشفيع منفرداً في ملكه فبالشفعة ضم المبيع إلى ملكه فصار شفعاً) ([3]).

ثانياً: تعريف الشفعة شرعاً:

لم يتفق العلماء على تعريف واحد للشفعة تبعاً لاختلافهم في أسبابها وشروطها ومحلها, لذلك لا بد من عرض سريع لآراء العلماء حول تعريف الشفعة:

أولاً: عرفها الحنفية بأنها: "تمليك البقعة جبراً على المشتري"([4]).

ثانياً: عرفها المالكية: بأنها: "استحقاق شريك أخذ مبيع شريكه بثمنه" ([5]).

ثالثاً: عرفها الشافعية بأنها: "حق تملك قهري يثبت للشريك القديم على الشريك الحادث فيما ملك بعوض" ([6]).

رابعاً: عرفها الحنابلة بأنها: "استحقاق الشريك انتزاع حصة شريكه المنتقلة عنه من يد من انتقلت إليه" ([7]).

خامساً: عرفها الأئمة الزيدية بأنها: "الحق العام السابق لتصرف المشتري الثابت للشريك أو من في حكمه" ([8]).

من خلال ما سبق فقد ظهر أن الشفعة لها قيود في الشرع تجعلها أخص مما عليه في اللغة, وبذلك فإن الضم والزيادة موجودان في المعنيين اللغوي والشرعي, فإذا كانت الشفعة لغة: بمعنى الضم والزيادة, فإن الشفعة بانتزاعه حصة شريكه من يد من انتقلت إليه بضم تلك الحصة إلى ما عنده فيزيد بها تملكه, ولهذا فإن الضم والزيادة موجودان في المعنى اللغوي وكذا الشرعي, إلا أن معناها في عرف الشرع أخص من معناها في اللغة.


المطلب الثاني

الأدلة على ثبوت الشفعة

تمهيد:

سوف يتم البحث في هذا المطلب عن الأدلة الواردة في ثبوت الشفعة ومشروعيتها من السنة والإجماع وهي كالتالي:

أولاً: الأدلة على ثبوت الشفعة من السنة وهي:

1.  عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – قال: (قضى النبي - صلى الله عليه وسلم – بالشفعة في كل مال لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) ([9]).

2.  عن عمرو بن الشريد عن أبي رافع: (أن سعداً ساومه بيتاً بأربعمائة مثقال فقال: لولا أني سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: "الجار أحق بصقبه" لما أعطيتك) ([10]).

3.  عن جابر – رضي الله عنه – قال: (قضى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بالشفعة في كل شركة لم تقسم ربع أو حائط, لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه, فإن شاء أخذ وإن شاء ترك فإذا باع ولم يؤذنه فهو أحق به) ([11]).

4.  عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – (الشفعة كحل العقال) ([12]).

5.  عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – (لا شفعة لشريك على شريك إذا سبقه بالشراء, ولا لصغير ولا لغائب) ([13]).

(إذا سبقه بالشراء) أي إذا اشترى أحد الشركاء الثلاثة نصيب واحد منهم فليس للشريك الآخر أن يأخذ شيئاً منه بالشفعة, وهذا التعليق تابع للحديث في نفس المصدر.

6.  وعن جابر – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – (الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها وإن كان غائباً إذا كان طريقهما واحد) ([14]).

7.     وعن جابر – رضي الله عنه – قال: (قضى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بالشفعة والجوار) ([15]).

8.  عن أبي سلمة – رضي الله عنهما – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: (الشفعة في كل ما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وعرفت الطرق فلا شفعة) ([16]).

9.     وعن سمرة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (جار الدار أحق بدار الجار أو الأرض) ([17]).

ثانياً: دليل الإجماع على مشروعية الشفعة:

"وأما الإجماع على مشروعية الشفعة فقد ذكره ابن المنذر في قوله: أجمع أهل العلم على إثبات الشفعة للشريك الذي لم يقاسم فيما بيع من أرض او دار أو حائط. والمعنى في ذلك أن أحد الشريكين إذا أراد أن يبيع نصيبه وتمكن من بيعه لشريكه وتخليص شريكه من الضرر, فإذا لم يفعل ذلك وباعه لأجنبي فقد سلط الشرع الشريك على صرف ذلك إلى نفسه.

والذي يقتضيه حسن العشرة أن يبيع منه؛ ليصل إلى غرضه من بيع نصيبه وتخليص شريكه من الضرر, ولم يخالف أحداً من العلماء هذا الإجماع إلا الأصم, فإنه قال: لا تثبت الشفعة لأن في ذلك إضراراً بأرباب الأملاك، فإن المشتري إذا علم أنه سيؤخذ منه إذا ابتاعه‘لم يبتعه, ويتقاعد الشريك عن الشراء فيستضر المالك, ولكن ما قاله الأصم فليس بشيء لمخالفته الآثار الثابتة, التي تقدم ذكرها, وكذا الإجماع المنعقد قبله.

ومن الذين ذهبوا إلى إنكار الشفعة: عثمان البتي, وجابر بن زيد وأبو بكر الأصم وغيرهم. ([18]).

وقد رُدَّ على ما قالوا من وجهين:

الأول: أنا نشاهد الشركاء يبيعون ولا يعدم من يشتري منهم غير شركائهم ولم يمنعهم استحقاق الشفعة من الشراء.

الثاني: أنه يمكنه إذا لحقته بذلك مشقة أن يقاسم فتسقط الشفعة ([19]).

 


المطلب الثالث

الحكمة من مشروعية الشفعة

تمهيد:

سوف يتم الحديث في هذا المطلب عن الحكمة التي توخاها المشرع من تقريره حق الشفعة كسبب اختياري في كسب الملكية لدى الفقهاء وذلك على النحو التالي:

أولاً: ذهب الحنفية:

إلى أن الحكمة من مشروعية الشفعة هي: "دفع الضرر الذي ينشأ من سوء المجاورة على الدوام من حيث إيقاد النار, وإعلاء الجدار, وإثارة الغبار" ([20]).

وقالوا: كل ما كان أكثر اتصالاً كان أخص ضرراً وأشد, فوجبت مرتبة لدفع الضرر الدائم الذي يلحقه, فهي للخليط في نفس الامبيع, ثم في حق المبيع كالشرب والطريق إن كانا خاصين, ثم للجار الملاصق, فليس للأضعف أن يأخذه مع وجود الأقوى إلا إذا ترك قله أن يأخذ إن يشهد ([21]).

ردا الحنفية على القائلين بأن الشفعة شرعت لدفع ضرر القسمة:

لقد رد الحنفية على القائلين بأن الشفعة شرعت لدفع ضرر القسمة بالآتي:

1.  بما روى أنه سئل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن أرض بيعت ولها شريك ولها جار؟ فقال: - عليه الصلاة والسلام – "الجار أحق بشفعتها" ([22]). وقالوا بأنه نص في الباب.

2.  كما استدلوا بما روي عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: (الجار أحق بصقبه) ([23]), والصقب (القريب الملاصق) فهو أحق بما يليه وبما يقرب منه.

3.  إن حق الشفعة بسبب الشركة إنما يثبت لدفع أذى الدخيل وضرره؛ وهذا متوقع الوجود عند المجاورة, فورود الشرع هناك يكون وردوده هنا دلالة.

4.  إن تعديل النص بضرر القسمة غير سديد, لأن القسمة للبيت بضرر بل هي تكميل منافع الملك, وهي ضرر غير واجب الدفع؛ لأن القسمة مشروعة, ولهذا لم تجب الشفعة بسبب الشركة في العروض دفعاً لضرر القسمة.

5.  أنهم ردوا على القائلين بعدم الشفعة بالجوار, القائلين بأنه يمكن دفع الضرر بالمقابلة بنفسه والمرافعة إلى السلطان, بقولهم أنه قد لا يندفع بذلك ولو اندفع فالمقابلة والمرافعة في نفسها ضرر, وضرر الجار السوء يكثر وجوده في كل ساعة  فيبقى في ضرر دائم ([24]).

ثانياً: ذهب المالكية في قولٍ:

بأن الحكمة من مشروعية الشفعة هي: "إزالة الضرر عن الشريك, وخصت بالعقار لأنه أكثر الأنواع ضرراً, وفي قولٍ آخر أنها شرعت لدفع ضرر القسمة" ([25]).

"فالضرر الذي شرعت لأجله الشفعة ضرر الشركة أو ضرر المقاسمة بناءً على عمومها لما ينقسم وغيره أو خصوصها بالمنقسم" ([26]).

ثالثاً: ذهبت الشافعية:

 إلى أن الحكمة من مشروعية الشفعة هي: "دفع ضرر مؤنة القسمة واستحداث المرافق في الحصة الصائرة إليه لو قسم كالمصعد, والمنور, والبالوعة, وغير ذلك وهذا الضرر كان يمكن حصوله قبل البيع وكان من حق الراغب في البيع أن يخلص صاحبه منه بالبيع, فلما باع لغيره سلطه الشارع على أخذه منه قهراً" ([27]).

وجاء في كتاب البيان: أن الحكمة من مشروعية الشفعة هي: "دفع ضرر الشركة, وقيل دفع ضرر مؤنة القسمة, أو استحداث المرافق" ([28]).

رابعاً: يرى الحنابلة:

 أن الحكمة من مشروعية الشفعة إزالة الضرر بين الشركاء, أو الضرر مطلقاً؛ لكون الشركة في الغالب منشأ الضرر بين الشركاء, إذ يبغي بعضهم على بعض, لذلك شرع الله سبحانه وتعالى رفع هذا الضرر القسمة تارة, وانفراد كل من الشريكين بنصيبه, وبالشفعة تارة وانفراد أحد الشريكين بالجملة ([29]).

خامساً: يذهب أئمة الزيدية:

إلى أن الحكمة من مشروعية الشفعة هي دفع الضرر, ويحتجون بأن إجماع العلماء قائم على أن الشفعة يستحقها المالك في الأصل؛ لأن الشفعة موضوعة لدفع الضرر والضرر فيها أكثر([30]).


المبحث الثاني

أسباب الشفعة وآثارها

تمهيد وتقسيم:

لقد جعل الله في خلقه سنة كونية يسير عليها الوجود, ولا يخرج عنها إلا إذا أراد الله ذلك, وهذه السنة هي ارتباط الأسباب بالمسببات فما من شيء إلا وله سبب في وجوده, والشفعة تقوم على جملة من الأسباب, وفقهاء المذاهب لم يتفقوا على جميع الأسباب, وإنما اتفقوا في بعضها واختلفوا في البعض الآخر منها.

فالشريعة الإسلامية تخص الشفعة جعلها طريقاً من طرق التملك لدى الشر حتى يدرك أصحاب العقول السليمة أن التشريع قد أغلق الباب أمام كثير من الخلافات التي كان من الممكن أن تقع بين الشركاء أو الخلطاء أو بين البائع والمشتري؛ لذلك تنشأ جملة من الآثار تقع على عاتق كل من البائع والمشفوع منه, والمشتري, والشفيع, لذلك سيتم تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين:

-         المطلب الأول: أسباب الشفعة وذلك في ثلاثة فروع:

·        الفرع الأول: السبب المتفق عليه في الفقهه الإسلامي.

·        الفرع الثاني: الاسباب المختلف فيها في الفقهه الإسلامي.

·        الفرع الثالث: في بيان كيفية السبب صوره وأحكامه.

-         المطلب الثاني: آثار الشفعة.

وبعد هذا العرض المقدم أعلاه الوارد في تقسيم المبحث الثاني من هذا البحث, سيتم الشروع في الدراسة بعون الله.


المطلب الأول

أسباب الشفعة

تمهيد: 

سوف يتم في هذا المطلب دراسة أسباب الشفعة المختلف فيها وكذلك السبب المتفق عليه وذلك في الثلاثة الفروع التالية:

 

الفرع الأول

السبب المتفق عليه في الشريعة الإسلامية

(الشريك المخالط على الشيوع في أصل العين) 

سبب الشفعة هو اتصال ملك الشفيع بالعين المشفوعة اتصال شركة في أصل العين أو في حق من حقوقها أو جوار ملاصق على رأي وهذه أسباب الأخذ بها.

فالسبب الذي اتفق عليه جميع الفقهاء هو سبب الخلطة وهي الشركة على الشيوع في أصل العين.

اعتبر الفقه الإسلامي الخلطة على الشيوع في ملك العقار الذي يمكن قسمته سبباً تثبت به الشفعة وعليه سيتم دراسة هذا السبب الذي اتفق عليه الفقه الإسلامي في بندين:

البند الأول:مفهوم الخلطة على الشيوع في أصل العقار الذي يمكن قسمته.

مفهوم الخلطة:

هي عبارة عن اشتراك عدد من الشركاء في ملكية عقار على الشيوع من غير تمييز بين حصص الشركاء بالحدود والطرق وإن كان هناك اختلاف وتمييز – بالنسبة – بين حصص الشركاء, وهذا العقار يقبل القسمة التي كانت تحصل من العقار كاملاً أو منفعة أخرى لكن بالإمكان أن تستمر تلك المنفعة السابقة ([31]).

من ذلك اتفق الفقهاء على جواز الشفعة للشريك الذي له حصة شائعة في ذات العقار المبيع ما دام لم يقاسم فيجب أن يبقى الشياع مستمراً إلى وقت البيع ([32]).

حيث ذهبت المالكية إلى إثبات الشفعة في العقار من أنها في الرباع دون العروض التجارية ([33]).

فلشريك الشفعة في العقار مطلقاً من دور وأرضين وبئر وما يتبعها بلا خلاف, وهذا ما ذهب إليه المالكية والشافعية والحنفية والحنابلة, فلا يثبت في المنقول كالحيوان والثياب والعروض التجارية, وذلك لحديث: (لا شفعة إلا في ربع أو حائط) ([34]), وحديث: (فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق ..) ([35]), فإنه دال على أنها لا تكون إلا في العقار وتلحق به الدار, وذلك لأن الشفعة شرعت لدفع الضرر والضرر لا يدوم في المنقول, بخلاف ضرر العقار فإنه يتأبد فيه الضرر ([36]).

ويذهب المالكية أنه لا شفعة إلا في مشاع, ولا شفعة فيما قد قسم, ولا شفعة إلا في الأرض وما يتصل بها من البناء والشجر ([37]).

وجاء في الاستذكار أنه لا شفعة إلا مما تصلح فيه الحدود بين الشركاء عند القسمة وهو قول مالك, والشافعي وأصحابه وجمهور فقهاء أهل الحجاز) ([38]).

وعليه أهل المدينة أنه لا شفعة إلا للشريك ما لم يقاسم ([39]), ودليل أهل المدينة مرسل مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسبب (أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قضى بالشفعة فيما لم يقسم بين الشركاء فإذا وقعت الحدود بينهم فلا شفعة) ([40]).

(ومن الصحابة الذين ذهبوا إلى إثبات الشفعة للشريك دون الجار جماعة منهم: علي وعمر وعثمان, ومن الفقهاء الشافعي وأحمد وإسحاق وغيرهم كسعيد بن المسبب وسليمان بن يسار وعُمَر بن عبد العزيز وربيعة ومالك والأوزاعي وأحمد وعبيد الله بن الحسن والإمامية) ([41]).

فالشفعة عند هؤلاء لا تثبت إلا بالخلطة لا بالجوار, مستدلين بحديث جابر أن النبي – صلى الله عليه وسلم – " قضى بالشفعة في كل ما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة" رواه أحمد والبخاري تقدم في المطلب الثاني من المبحث الأول.

شروط الخلطة:

اشترط الفقهاء لقيام الشفعة بسبب الخلطة في ملكية العقار الذي يقبل القسمة ما يلي:

الشرط الأول: أن تكون الخلطة في ملكية أصل العين المبيعة.

ويعني هذا أن الخلطة يجب أن تكون في ملكية أصل العين أما إذا كانت الخلطة في ملكية المنفعة فإنه لا يثبت بها حق الشفعة كذلك يجب أن تكون الخلطة في أصل العين لا في حقوقها فإذا كانت الخلطة في حقوق العين المبيعة كحق الشرب والمجرى وغيره فإنه لا يثبت به حق الشفعة بسبب الخلطة في أصل العين وإن كانت الشفعة قد ثبتت بسبب آخر كما سيأتي.

الشرط الثاني: أن تكون الخلطة على الشيوع:

ويعني هذا أنه يجب أن تكون الخلطة قد تمت ابتداءً على سبيل الشيوع ويقصد بالشيوع: أي أن نصيب كل شريك غير متميز بذاته بمعنى أنه تعلق بجزء نسبي غير معين من مجموع الشيء مهما كان ذلك الجزء صغيراً كا ن أو كبيراً, وقد أطلق الفقهاء على الحصة الشائعة بأنها (جزء منبث في الكل) .

فإذا انتهت الخلطة بالقسمة ووضعت الحدود وتم التمييز بين حصص الشركاء حينئذ ينتفي حق الشفعة.

الخلاصة:

يتلخص مما سبق أ ن الخلطة التي تكون سبباً لثبوت الشفعة يجب أن تكون في الملك لأصل العين, وأن تكون على سبيل الشيوع.

اتفاق الفقهاء على ثبوت الشفعة بسبب الخلطة على العقار الذي يمكن قسمته أما إذا كانت الخلطة في عقار لا يمكن قسمته أو في منقول فقد اختلف علماء الفقه الإسلامي في ذلك ولذلك سيتم تناوله في الفروع اللاحقة المعدة للأسباب المختلفة فيها.

خلاصة الأدلة:

وردت عدة أحاديث منها مجملة وبعضها مفصلة تدل على ثبوت الشفعة للشريك المخالط في أصل العين الذي لم يقاسم منها:

1.  ما رواه البخاري بسنده عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – أنه قال: (قضى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بالشفعة في كل ما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة)([42]).

2.  وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – (إذا قسمت الدار وحدت فلا شفعة فيها) رواه أبو داوود وابن ماجة بمعناه ([43]).

فالأحاديث التي سبق ذكرها بينت أن الشفعة ثابتة للشريك في أصل الملك الشائع إذا لم تكن قد قسمت, ووضحت أنه في حالة وضع الحدود بين الأملاك المشتركة وصرف الطرق باختصاص كل واحد من الشركاء بجزء معين بحدوده وطرقه فلا تثبت الشفعة, لأنها بعد القسمة تعتبر غير مشاعة.

وهذه الأحاديث تدل على أن الشفعة تكون فيما يقبل القسمة من العقار حيث يستفاد من ذلك قول النبي – صلى الله عليه وسلم – (فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) ([44]), وهذا خاص بالعقار الذي يقبل القسمة.

وهذا ما حصل عليه الإجماع الذي ذكره ابن المنذر – المذكور سابقاً في المطلب الثاني الوارد في أدلة الشفعة من السنة والإجماع.


الفرع الثاني

أسباب الشفعة المختلف فيها

تمهيد :

تعتبر الشفعة من الأحكام الشرعية التي وردت بالدليل الظني لذلك كانت أسبابها مثار خلاف بين الفقهاء, فمنهم من قصرها على سبب واحد – وقد تقدم بحثه في الفرع الأول – ومنهم من جعلها ثلاثة أسباب, ومنهم من جعلها أربعة أسباب, حيث وجد الخلاف بين الصحابة والتابعين وفقهاء المذاهب الأربعة والمذهب الزيدي كذلك, وكل ذلك يرجع إمّا لتأولهم للدليل أو لعدم ثبوته أو لوجود المخصص.

ولكن تثبت الشفعة للشريك المخالط في أصل العين باتفاق ولكنهم مختلفين في الاسباب الأخرى, التي يتم البحث عنها في هذا الفرع على ضوء هذا التقسيم:

1.     الخلطة في حقوق العقار وهي:

أ‌.        الشريك المخالط في حق الشرب ومجراه.

ب‌.   الشريك المخالط في حق الطريق.

2.     حق الجوار.

أولاً: الخلطة في حقوق العقار:

اتفق الفقهاء كما سبق على ثبوت الشفعة للشريك الذي له حصة شائعة وفي ذات المبيع ما دام لم يقاسم.

ولكنهم اختلفوا في ثبوتها للجار الملاصق والشريك في حق من حقوق المبيع, ولهم في ذلك رأيين.

الرأي الأول: ذ هب المالكية والشافعية, والحنابلة, إلى عدم ثبوت الشفعة للشريك في حقوق المبيع أو العقار, وبهذا قال: أهل المدينة وعمر وعثمان وعمر بن عبدالعزيز وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار والزهري ويحيى الأنصاري وأبو الزناد وربيعة والمغيرة بن عبد الرحمن والأوزاعي وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر([45]).

الرأي الثاني: ذهب الزيدية والحنفية وابن شبرمة والثوري وابن أبي ليلى إلى إثبات الشفعة بسبب الخلطة في حقوق العقار ([46]), وعليه فإنه سيتم دراسة هذا البند على ضوء الفقه الزيدي والحنفي, وذلك في الفقرتين الآتيتين:

أ‌.        حق الشرب ومجراه.

ب‌.   حق الطريق.

الفقرة الأولى: حق الشرب ومجراه:

لم تتفق تعاريف الفقهاء في تعريف حق الشرب الذي يثبت به حق الشفعة ولكنها متفقة في المضمون.

والشرب الخاص: (هو حق شرب الماء الجاري المخصوص بالأشخاص المعدودين, وأما أخذ الماء من الأنهُر التي ينتفع بها العامة؛ فليس من قبيل الشرب الخاص) والشرب الخاص – هو حق لشرب الماء الجاري المخصوص بالأشخاص المعدودين أي: المخصوص لسقي وري مزارع أولئكم الأشخاص المعدودين, ويقال للأشخاص الذين دون المائة أشخاص معدودون كما هو مذ كور في المادة (1646) من مجلة الأحكام العدليه ([47]).

واختلفوا في الحد الفا صل بين ما يعد نهرا كبيرا وما يعد نهرا صغيرا، فرأي  الإمام أبو حنيفة ومحمد: رحمهما الله ( في الحد الفاصل بين النهر الصغير والكبير, إذا كان تجري فيه السفن فهو كبير, وإن كان لا تجري فيه السفن فهو صغير. ([48]).

"وروي عن أبي يوسف – رحمه الله – أنه قال: لا أستطيع أن أحد هذا بحد, هو عندي على ما أرى حين يقع ذلك" .

وروي عن أبي يوسف – رحمهم الله – رواية أخرى, "أنه إن كان يسقي منه قدحان أو ثلاثة أو بستانان أو ثلاثة ففيه الشفعة, وما زاد على ذلك فلا" .

وقال بعضهم: "إن كان شركاء النهر بحيث يحصون فهو صغير, وإن كانوا لا يحصون فهو كبير" .

وقال بعضهم: "إن كانوا مائة فما دونهم فهو صغير, وإن كانوا أكثر من مائة فهو كبير".

وقال بعضهم: "هو مفوض إلى رأي القاضي, فإن رآه صغيراً قضى بالشفعة لأهله, وإن كان كبيراً قضى بها للجار الملاصق" ([49]).

(ولكنهم اختلفوا في حد ما يحصى وما لا يحصى, فقدر ما يحصى بخمسمائة, وقيل: هو مفوض إلى رأي المجتهد في كل عصر, فإن رأوه كثيراً كان كثيراً, وإن رأوه قليلاً كان قليلاً).

فالشرب الخاص: عند الإمام أبو حنيفة ومحمد – رحمهما – "أن يكون نهراً صغيراً لا تمر فيه السفن, فإن كانت تمر فيه السفن فليس بخاص". 

فإذا بيعت أرض من الأراضي التي تسقى منه فلا يستحق أهله الشفعة, والجار أحق منهم بخلاء النهر لا يحصون فهو كبير, وعليه عامة المشائخ ([50]) وقد تقدم تفصيل ذلك.

وقال الأئمة الزيدية: "لا تثبت الشفعة بالاشتراك في الشرب إلا أن يكونوا مالكين لأصل النهر أي لأرض ينبوعه أو لأصل البئر أو لمجاريهما أو لمجاري سيح السوائل العظمى أو للصبابات الجبال المنصبة إلى الأموال, أو فعلوا فيها ما يوجب الملك في مباح أو حق عام, فمهما كان الشافع مشاركاً في الملك في مجرى الماء أو مقره أو فيهما متصلاً بالبيع أم منفصلاً تثبت الشفعة له على التفصيل ولا عبرة بملك الماء, ولا بكونهم مستحقين لمجراه أو مقرة غير مالكين فلا شفعة بذلك إذ لا شفعة إلا بالملك" ([51]).

مسألة: هل يقدم الشريك في الشرب على الشريك في الطريق أو العكس؟

الجواب: اختلف الزيدية والحنفية في ذلك على قولين:

القول الأول: ذهب الأئمة الزيدية إلى جعل حق الشرب وحق الطريق سببين كل سبب مستقل بذاته, حيث أن أسباب الشفعة عندهم أربعة:

الأول: الشريك في أصل الملك.

الثاني: الشريك في حق الشرب ومجراه.

الثالث: الشريك في حق الطريق الخاص غير النافذة.

الرابع: الجار الملاصق.

ويقدم عندهم الشريك في الشرب على الشريك في الطريق؛ وذلك لسببين: الأول: لكونه يجمع حق الماء, والثاني: يجمع حق المجرى, فهو مشارك في الجاري والمجرى, وفيه تسامح؛ لأن ذلك إنما يستقيم في ماء السيل والغدران التي لا تملك بالنقل, فأما ما يملك بالنقل كالآبار فلا شك أن الذي نقله يملكه بالنقل, ولا يشاركه غيره فيه. ([52]).

واستدلوا بقوله – صلى الله عليه وسلم – "الشفعة في كل شرك"([53]) على أن شريك الشرب أولى من شريك الطريق, وكل من أثبت الشفعة بالجوار لا يخالف في أن الشرب والطريق أولى من الجوار, والأصل فيه قول النبي – صلى الله عليه وسلم – "الشريك شفيع والشفعة في كل شيء" ([54]). وأبو حنيفة وأصحابه يقدمون الشرب والطريق على الجوار, إلا أنهم يساوون بين الشرب والطريق, وأما الزيدية فيقدمون الشرب؛ لأنه يجمع حقين حق الماء وحق المجرى, ولأنه خليط في بعض المبيع وهو الشرب فهو آكد من الطريق الذي ليس فيه إلا حق الاستطراق, ولا خلاف أنه لا شفعة لأحد مع الشريك في الأصل, لأنه بالمبيع وكذلك الشريك في الماء أخص من الشريك في الطريق" ([55]).

وذهب الحنفية: في بيانهم لمراتب الشفعة أنها تستحق على ثلاثة مراتب: فالمرتبة الأولى: تستحق بالشركة في عين البقعة, والمرتبة الثانية: تستحق بالشركة في عين حقوق الملك من الطريق والشرب, والمرتبة الثالثة: تستحق بالجوار. ([56]).

ويظهر من التقسيم السابق الذي أورده الحنفية في كتبهم أنهم جعلوا أسباب الشفعة ثلاثة, خلافاً للجمهور الذين جعلوا لها حق واحد للأخذ بها, وخلافاً للأئمة الزيدية الذين جعلوا لها أربعة أسباب لاستحقاق الأخذ بها, فالحنفية متفقون مع الزيدية في أسبابها كما سبق, إلا أن الحنفية جعلوا حق الشرب, وحق الطريق, حق أو سبب واحد([57])

 وصورة الشفعة بسبب الشرب مثلاُ: إذا بيعت أرض لها حق الشرب في مجرى نهر خاص مشترك بين قوم تسقي أراضيهم منه, فلكل أهل الشرب الشفعة, سواءً أكانت أراضيهم المجاورة للنهر ملاصقة له, أم بعيدة عنه. ([58]).

مسألة: ما المقصود بالشركة في حق الشرب وحق الطريق ؟

الجواب: المقصود بالشركة في هذه الحقوق هو الاشتراك على الشيوع في ملكية حق الشرب ومجراه أو الاشتراك في ملكية حق الطريق ملكية كاملة للرقبة والمنفعة.

أي أن يكون كل من هؤلاء والمتصرف في حصة شائعة من العين شركاء لا في أصل العين المبيعة, إنما في حق من حقوقها المذكورة وأن يكون الاشتراك بينهم في ملكية المسقاة أو السد أو المجرى أو الطريق ملكية كاملة تشمل الرقبة والمنفعة, أي أنهم يملكون على الشيوع أصل السد أو المجرى أو الطريق أو المسقاة. لذلك بمجرد أن يكون أحد الجيران أو بعضهم له حق ارتفاق في استعمال الطريق الخاص أو البئر الخاص المملوكة ملكية خالصة لأحدهم فذلك لا يكفي للقول بقيام الشراكة في حق الشرب أو في حق الطريق ولا يخول أصحابه الأخذ بالشفعة ([59]).

شروط ثبوت الشفعة في حق الشرب ومجراه:

الشرط الأول: يجب أن يكون حق الشرب خاصاً ([60]):

ومعنى ذلك أن يكون من ثبت له حق الأخذ بالشفعة ملك في حق الشرب ومجراه مع من تستحق الشفعة في عقاره, بأن يكونا مالكين لأصل النهر, أو لأصل البئر أو لمجاريهما أو لمجاري السوائل العظمى أو لصبابات الجبال المنصبة على الأموال أو فعلوا فيها ما يوجب الملك.

وسواءً كان المجرى متصلاً بالمبيع أم لا ولو جرى بعد جريه في الملك في مباح أو في حق عام, ,عليه فلا تثبت الشفعة بسبب الاشتراك في حق الشرب إذا كان عاماً كنهر النيل مثلاً أو كان يجري الماء في السوائل التي لا يملكها أحد ([61]) .

 

 

الشرط الثاني: يجب أن يكون الملك على الشيوع ([62]):

أي أن الملك على الشيوع لحق الشرب ومجراه كان بواسطة ما يوجب الملك على الشيوع كالإرث أو الشراء أو الهبة أو غير ذلك ([63]) .

الشرط الثالث: أن تبقى ملكيته لحق الشرب حتى يمتلك العين المشفوع فيها رضاء أو بحكم قضائي ([64]):

ومعنى ذلك أن يكون الشفيع مالكاً للسبب الذي يشفع به ملكية نهائية ؛ لكون الحق في الشفعة يكون مهدداً بالسقوط ولو بعد الطلب إذا زالت ملكيته للسبب الذي يشفع به لأي سبب من أسباب الزوال قبل التسليم بالشفعة رضاء أو الحكم بها قضاء؛ لذلك يجب أن تستمر ملكية الشفيع للسبب الذي يشفع به حتى قيام الأخذ بالشفعة, فإذا زالت الملكية في الفترة بين إبرام التصرف وتمام الأخذ بالشفعة فإن الشفيع يفقد حقه في طلب الشفعة ([65]).

الفقرة الثانية :الشريك المخالط على الشيوع في حق الطريق

لم يتفق الفقهاء على القول بثبوت حق الشفعة في الطريق شأنها شأن الشفعة في حق الشرب ومجراه, وقد اتجه الفقهاء بشأن ثبوتها إلى اتجاهين:

الاتجاه الأول:

 ذهب جمهور الفقهاء من المالكية, والشافعية, والحنابلة إلى عدم ثبوت الشفعة للشريك في حق الطريق, وبه قال: أهل المدينة وعمرو وعثمان وعمر بن عبد العزيز وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار والزهري ويحيى الأنصاري وأبو الزناد وربيعة والمغيرة بن عبد الرحمن والأوزاعي وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر ([66]) .

الاتجاه الثاني:

ذهب الحنفية, والزيدية, وابن شبرمة, والثوري, وابن أبي ليلى إلى إثبات الشفعة في حق الطريق ([67]), وبعد هذا العرض الموجز لآراء الفقهاء, نشرع في دراسة هذه الفقرة عند من يرى ثبوت الشفعة بها:

أولاً: عرف الحنفية حق الطريق الذي يثبت به حق الشفعة بأنها: (كل طريق لا ينفذ ولو مقابلاً, والمراد بعدم النفاذ أن يكون بحيث يمنع أهله من أن يستطرقه غيرهم) ([68]).

وعرفت المادة (956) من مجلة الأحكام العدليه : الطريق الخاص: (هو الزقاق غير النافذ) والواقع ليس كل زقاق لا ينفذ طريقاً خاصاً كما أنه ليس كل زقاق ينفذ طريقاً عاماً, وعليه لو سد منفذ الطريق العام يبقى طريقاً عاما, كما أن الطريق الخاص لا يصير عاماً فيما لو فتح له أصحابه منفذاً فاتصل بالطريق العام ([69]).

وذكر بأن هذا التعريف ليس جامعاً أفراده ولا مانعاً أغياره أيضاً فيجب تعريف الطريق الخاص بأنه: (الطريق الذي يكون ملكاً لأصحابه) ولما كان الطريق الخاص مملوكاً فلأصحابه أن يمنعوا غيرهم من المرور فيه, فلو فتح أصحاب الطريق الخاص باباً على الطريق العام ووصلوه به فلهم أن يمنعوا الناس من المرور بذلك الطريق) ([70]).

وصورتها إذا بيعت الدار التي لها باب في الطريق الخاص فتكون أصحاب الدور الآخر التي لها أبواب في هذا الطريق كلهم شفعاء ملاصقة جيرتهم أو لم تكن, وأما إذا بيعت إحدى الديار التي لها في الطريق العام باب فليس لأصحاب الديار الآخر التي لها أبواب في الطريق العام حق الشفعة) ([71]).

وعرفها الزيدية بقولهم: (بأنها الطريق التي تكون غير مسبلة بل مملوكة لأهل الاستطراق كالطريق المسندة أو نافذة شرعت بين الأملاك) ([72]),                                        من خلال ذلك تبين بأن حق الشفعة في الطريق هو حق مملوك على الشيوع بين أهل الاستطراق سواءً أكان منسداً أم نافذاً شرع بين الأملاك أو يصل بين طريقين.

الخلاصة:

أن حق الطريق يشترط فيه لكي يثبت حق الشفعة به:

1.  أن تكون مملوكاً ملكاً خاصاً بين أهل الاستطراق, بأي سبب من أسباب الملك كالهبة والشراء والإرث وغيرها, فإن كان كحق الإرتفاق أو حقاً عاماً فلا تثبت به الشفعة.

2.  أن يكون الملك مشاعاً: أي بين الشركاء فلا يختص أحد الشركاء بشيء معين, سواءً كانت في العقارات المبنية أو المعدة للبناء أم في الأراضي الزراعية وكذلك في فناء الدار.

ثانياً : حق الجوار

تمهيد :

سوف يتناول الباحث في هذه الفقرة المقصود بحق الجوار, واتجاه الفقه الإسلامي فيه كسبب من أسباب الشفعة, وصورته, وذلك على النحو التالي:

أولاً: المقصود بالجوار الذي يثبت به حق الشفعة:

لم نعثر على تعريف الجوار الثابت به حق الشفعة عند من قال بثبوت الشفعة به, ولكن من خلال الأحاديث التي وردت بشأن شفعة الجار, والاستنباطات التي استخلصها العلماء من هذه الأحاديث, وكذا صوره وشروطه, نحاول أن نصيغ مفهوماً لحق الجوار الذي تثبت به الشفعة.

فحق الجوار الذي تثبت به الشفعة: هو الحق الذي يتبين أو يظهر بسبب تلاصق العقارات بعضها ببعض, سواءً كانت أراضين, أو مباني, أو عرصات الدور المتلاصقة.

وصورته: كما قال عبد الله بن مفتاح, في كتاب شرح الأزهار: (وأما صورة الجوار التي يستحق به الشفعة: فنحو الجوار في عرصات الدور المتلاصقة, ورقاب الأراضي, لا جوار الشجرة للأرض, والبناء للأرض, والعلو والسفل مقيس عليهما, فإنه لا شفعة بهذا الجوار) ([73]).

فالجار الملاصق هو الذي يستحقها, فإن كان بين الملكين حائل فلا شفعة, ويستحقها الجار الملاصق بعد عدم وجود الشريك في نفس الملك, وبعد الخليط في حقوق البيع, الذي هو الشريك في حق الشرب ومجراه, والشريك في حق الطريق الخاصين, وهذا باتفاق المثبتين للشفعة بالجوار, وهم جمهور الزيدية والحنفية.

"وإنما تثبت الشفعة للجار لأن بينهما في القرار جزءاً لا ينقسم فكأنه خليط. ومن ذلك إذا باع رجل التمرة إلى رجل ثم باع الشجرة إلى رجل آخر فله أن يشفع الشجرة بذلك إذ بينهما جزء لا ينقسم" ([74]).

ثانياً: الشفعة بحق الجوار في الفقه الإسلامي:

انقسم الفقه الإسلامي بشأن ثبوت الشفعة بحق الجوار وعدم ثبوتها إلى رأيين:

الرأي الأول:

لجمهور العلماء: المالكية, والشافعية, والحنابلة, وبه قال: أهل المدينة, وعمر, وعثمان, وعمر بن عبد العزيز, وسعيد بن المسيب, وسليمان بن يسار, والزهري, ويحيى الأنصار, وأبو الزناد, وربيعة, والمغيرة بن عبد الرحمن, والأوزاعي, وإسحاق, وأبو ثور, وابن المنذ, حيث ذهب هؤلاء إلى عدم ثبوت حق الشفعة بالجوار مطلقاً, وإنما هي ثابتة للخليط المشارك في أصل الملك فقط ([75]).

أدلة الجمهور على عدم ثبوت حق الشفعة بالجوار:

استدل الجمهور على عدم ثبوت حق الشفعة بالجوار بالسنة والمعقول وهي كالآتي:

أولاً: الأدلة من السنة وهي:

1.  عن جابر – رضي الله عنه قال: قضى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – "بالشفعة في كل ما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة" ([76]). 

وأخذوا من استدلالهم بهذا الحديث حكمين:

الأول: وجوب الشفعة للشريك دون الجار؛ لأنه بعد القسمة جار.

الثاني: وجوب الشفعة في الرباع دون العروص. ([77]).

2.  كما استدلوا بحديث جابر – رضي الله عنه – قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم – "بالشفعة في كل شركة لم تقسم ربعة أو حائط, لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه, فإن شاء أخذ وإن شاء ترك, فإذا باع ولم يؤذنه فهو أحق به"([78]).

وأجابوا على حديث أبي رافع, بأنه أبهم ولم يصرح به فلا يجوز حمله على العموم في مضمر؛ لأن العموم مستعل في المنطوق3 به دون المضمر, وبالتالي: أنه محمول على أنه أحق بالفناء الذي بينه وبين الجار ممن ليس بجار أو يكون مرتفعاً به ([79]) .

وردوا على المستدلين بحديث الحسن المروي عن سمرة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (جار الدار أحق بالدار من غيره) ([80]), (إن أهل الحديث اختلفوا في لقاء الحسن لسمرة, فمن أثبت لقاءه قال: إنه لم يرو عنه إلا حديث العقيقة, ولو سلم لكان عنه الجوابان المذكوران)([81]).

(وقالوا: بأنه يراد بالجار في الأحاديث الذي استدلوا بها مثبتي الشفعة بالجوار, الشريك فإنه جار أيضاً؛ لأنه اسم الجوار أيضاً يختص بالقريب, والشريك أقرب من اللصيق؛ فكان أحق باسم الجوار, وقد أطلق العرب على الزوجة جارة لقربها, قال الأعشى: أجارتنا بيني فإنك طالقة) ([82]).

(كما أجابوا على المستدلين بحديث "الجار أحق بصقبه" ([83]), أنه ليس بصريح في الشفعة, فيتحمل أنه أراد بإحسان جاره وصلته, وعيادته)([84]).

وأجابوا على حديث: (الخليط أحق من الشفيع, والشفيع أحق من غيره) ([85]). أنه حديث منقطع وإن صح فمحول على أنه أحق عند الطلب وقت الشراء.

وأجابوا على حديث: (الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها وإن كان غائباً) ([86]) أنه من رواية عبد الملك بن أبي سلمان وكان ضعيفاً وقال شعبة: لو روى عبد الملك حديثاً آخر مثل حديث الشفعة بطل حديثه) ([87]).

(وأضج من لم يقل بشفعة الجوار أيضاً – أن الشفعة تثبت على خلاف الأصل لمعنى معدوم في الجار, وهو أن الشريك ربما دخل عليه شريكه, فيتأذى به فدعت الحاجة إلى مقاسمته فيدخل عليه الضرر بنقص القيمة لملكه وهذا لا يوجد في المقسوم, فلا شفعة لجار في مقسوم محدود لما تقدم) ([88]) .

ومن أدلتهم حديث جابر – رضي الله عنه – وفيه: (فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) ([89]) وقد تقدم ذ كره في أول أدلتهم.

ووجه الدلالة من هذا الحديث: أن في صدره إثبات الشفعة في غير المقسوم ونفيها من المقسوم؛ لأن كلمة (إنما) لإثبات المذكور ونفي ما عداه, وآخره نفي الشفعة عند وقوع الحدود وصرف الطرق, والحدود بين الجارين, واقعة والطرق مصروفة فكانت الشفعة منفية في هذه الحالة.

ثانياً: المعقول:

حيث قالوا إذا كان الشارع يقصد رفع الضرر عن الجار فهو أيضاً يقصد رفعه عن المشتري, ولا يدفع ضرر الجار بإدخال الضرر على المشتري, فإن المشتري في حاجة إلى دار يسكنها هو وعياله.

فإذا سلط الجار على انتزاع داره منه أضر به ضرراً بيناً, وأي دار اشتراها وله جار فحاله معه هكذا, وتطلبه داراً لا جار لها كالمتعذر عليه, فكان من تمام حكمة الشارع أن أسقط الشفعة بوقوع الحدود وتصريف الطرق لئلا يضر الناس بعضهم بعضاً, ويتعذر على من أراد شراء دار لها جار أن يتم له مقصودة) ([90]).

الرأي الثاني:

ذهب الحنفية والزيدية ومن وافقهم من الفقهاء كالثوري وابن سيرين, وابن أبي ليلى, بالقول إلى ثبوت حق الشفعة بالجوار ([91]) .


أدلة القائلين ثبوت الشفعة بحق الجوار:

استدل القائلون على ثبوت الشفعة بحق الجوار بما ورد في السنة المطهرة والمعقول:

فمن السنة استدل هؤلاء :

1.  بحديث عمرو بن الشريد قال: وقفت على سعد بن أبي وقاص فجاء المسور بن قحرمة ثم جاء أبو رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا سعد اتبع مني بيتي في دارك فقال سعد: والله ما أبتاعها, فقال المسور: والله لتبتاعها, فقال سعد: والله لما أزيدك على أربعة آلاف منجمة أو مقطعة, قال أبو رافع: لقد أعطيت بها خمسمائة دينار, ولو لا أني سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: "الجار أحق بسقبه" ما أعطيتكها بأربعة آلاف وأنا أعطي بها خمسمائة دينار, فأعطاها إياه, رواه البخاري)([92]).

وأجابوا عن حديث جابر بما قاله أبو حاتم أن قوله: (إذا وقعت الحدود ..الخ) مدرج من قوله ... واستدلوا في ضوء النهار على الإدراج بعدم إخراج مسلم لتلك الزياردة.

واحتجوا بالأحاديث الواردة في إثبات الشفعة بالجوار والتي منها حديث أبي رافع الآتي ذكره : ... وقال بعض الحنفية أنه يلزم الشافعية القائلين بحمل اللفظ على حقيقته ومجازه أن يقولوا بشفعة الجار, لأن الجار حقيقة في المجاور مجاز في الشريك ... والذين قالوا بشفعة الجوار قدموا الشريك مطلقاً, ثم المشارك في الشرب, ثم المشارك في الطريق, ثم الجار على من ليس بمجاور) ([93]).

واستدلوا بالحديث المروي عن سمرة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (جار الدار أحق بالدار من غيره) رواه أحمد وأبو داوود والترمذي وصحيحه) ([94]) .

وبحديث الشريد بن سويد قال قلت: يا رسول الله أرضٌ ليس لأحد فيها شرك ولا قسمٌ إلا الجوار؟ فقال: (الجار أحق بصقبه ما كان) رواه أحمد والنسائي وابن ماجة) ([95]).

وعن أبي رافع – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "الجار أحق بسقبه" ([96]).

ووجه الدلالة: "أن الجار أحق بالشفعة من الذي ليس بجار" ([97]).

وقالوا ألا يراد بهذا الحديث الشريك؛ لأن الجار لا يقع إلا على غير الشريك, وزعموا لا يوجد في اللغة أن الشريك يسمى جاراً ([98]).

كما استدلوا بحديث جابر – رضي الله عنه – قال: قال النبي – صلى الله عليه وسلم: (الجار أحق بشفعته ينتظر بها وإن كان غائباً إذا كان طريقهما واحداً) ([99]).

"والجار الملاصق: هو الذي ظهر بيته إلى ظهر بيت هذا أو بابه في مكة أخرى ..." .

(ودروا على المستدلين بقوله – صلى الله عليه وسلم-: "فإذا وقعت الحدود, وصرفت الطرق فلا شفعة" ([100]), بأن مفهومه: أنه إذا وقعت الحدود, ولم تصرف الطرق ثبتت الشفعة؛ قال ابن القيم: وهو أصح الأقوال في شفعة الجوار, ومذهب أهل البصرة, وأحد الوجهين في مذهب أحمد, واختيار الشيخ وغيره.

قال الشيخ: تثبت شفعة الجوار, مع الشركة, في حق من حقوق الملك, من طريق وماء ونحو ذلك, نص عليه أحمد؛ واختاره ابن عقيل, وأبو محمد وغيرهم؛ وقال الحارثي: هذا الذي يتعين المصير إليه, وفيه جمع بين الأحاديث وذلك أن الجوار لا يكون مقتضياً للشفعة, إلا مع اتحاد الطريق ونحوه, لأن شرعية الشفعة لدفع الضرر, والضرر إنما يحصل في الأغلب مع المخالطة في الشيء المملوك, أو في طريقه ونحوه.

وقال ابن القيم: هذا القول الوسط بين الأدلة, الذي لا يحتمل سواه؛ فإذا كانا شريكين في طريق أو ماءٍ, ونحو ذلك, ثبتت الشفعة ولو كان محدوداً وعليه العمل"([101]).

 

ثانياً: المعقول:

قال الحنفية تثبت الشفعة بالجوار: لدفع الضرر الذي ينشأ من سوء المجاورة على الدوام من من حيث إيقاد النار وإعلاء الجدار وإثارة الغبار, وما يتوقع من الضرر بالشريك يمكن توقعه كذلك في الجار([102]).

القول الوسط:

قاله ابن تيميمة وقال به تلميده ابن القيم رحمه الله: قال ابن تيمية – رحمه الله -: (وقد تنازع الناس في شفعة الجار على ثلاثة أقوال, أعد لها هذا القول: أنه إن كان شريكاً في حقوق الملك ثبتت له الشفعة وإلا فلا, وأيضاً فمن المعمول أنه إذا أثبت النبي – صلى الله عليه وسلم – الشفعة فيما يقبل القسمة  فما لا يقبل القسمة أولى  بثبوت الشفعة فيه؛ فإن الضرر فيما يقبل القسمة يكون ضرر المشاركة فيه أشد.

وقد ثبت بالنص والإجماع أنه إذا طلب أحد الشريكين القسمة فيما يقبلها وجبت إجابته إلى المقاسمة ولو كان ضرر المشاركة أقوى لم يرفع أدنى الضررين بالتزام أعلاهما ولم يوجب الله ورسوله الدخول في الشيء الكثير لرفع الشيء القليل؛ فإن شريعة الله منزهة عن مثل هذا) ([103]).

قال ابن القيم رحمه الله: (والصواب القول الوسط الجامع بين الأدلة الذي لا يحتمل سواه وهو قول البصريين وغيرهم من فقهاء الحديث أنه إن كان بين الجارين حق مشترك من حقوق الأملاك من طريق أو ماء أو نحو ذلك تثبت الشفعة, وإن لم يكن بينهما حق مشترك البتة بل كان كل واحد منهما متميز ملكه وحقوق ملكه فلا شفعة وهذا الذي نص عليه أحمد في رواية أبي طالب, فإنه سأله عن الشفعة لمن هي؟ فقال: إذا كان طريقهما واحداً فإذا صرفت الطرق وعرفت الحدود فلا شفعة, وهو قول عمر بن عبد العزيز, وقول القاضي سوار بن عبيد الله, وعبيد الله بن الحسن العنبري.

وقال أحمد: في رواية ابن مشيش أهل البصرة يقولون إذا كان الطريق واحداً كان بينهم الشفعة, وأهل الكوفة يثبتون الشفعة بالجوار مع تميز الطرق والحقوق. وأهل المدينة إذا صرفت الطرق ولم يكن هناك اشتراك في حق من حقوق الأملاك, ويوافقون أهل الكوفة إذا اشترك الجاران في حق من حقوق الأملاك كالطريق وغيرها, وهذا اختيار شيخ الإسلام  ابن تيميمة, قال ابن القيم, وهو أعدل الأقوال ([104]) .


الخلاصة :

من خلال ما سبق عرضه يظهر أن الفقهاء مختلفون في ثبوت حق الشفعة بالجوار, وذلك في اتجاهين فالإتجاه الأول ذهب إلى نفي الشفعة بحق الجوار, مستنداً في ذلك بصحيح السنة والمعقول وهم جمهور المالكية والحنابلة والشافعية وغيره من الفقهاء الذين سبق ذكرهم.

والاتجاه الثاني  يذهب إلى ثبوت حق الشفعة بالجوار وعدة من ضمن الأسباب التي يثبت بها حق الأخذ بالشفعة, واستدل على ذلك من السنة والمعقول ذهب إلى ذلك الحنفية, والزيدية, وأهل الكوفة, والإمام أحمد في أحد قوليه.

ومن خلال النظر إلى مذهب الفقه الإسلامي والخلاف الوارد فيه وأدلتهم, يظهر أن ما ذهب إليه ابن تيمية وتلميذه ابن القيم هو الأولى بالأخذ به, لأن الحكمة التي سعى المشرع إلى تحقيقها هي رفع الضرر مطلقاً سواءً في الشريك أو الجار ولكن بشرط أن يكونا الجارين مشتركين في حق من حقوق الأملاك كالطريق وغيرها, وأن يكون الشفيع جاراً ملاصقاً فإذا كان خليط في أحذ حقوق الملكية دون أن يكون جاراً ملاصقاً أو العكس فإنه لا شفعة له, ويدل على هذا القول حديث جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الحار أحق بشفعة جاره ينتظر بها وإن كان غائباً إن كان طريقهما واحداً) ([105]).

فهذا الذي يظهر رجحانه لما فيه من الجمع بين الأدلة, ولشرعية الشفعة لدفع الضرر, والضرر يحصل في الغالب في الشيء المملوك. فالذي تثبت فيه الشفعة للجار هو الشيء الذي يشتركان فيه ويؤدي إلى الخصومات والنزاع لو جاء شخص جديد, وأما إن كان متميزاً وليس هناك اشتراك لا في طريق ولا في غيره فلا تثبت الشفعة.

وخلاصة القول في أسباب الأخذ بالشفعة: أنها تكون بأحد الأمور التالية:

1.     الشركة في العقار المشاع باتفاق الفقهاء.

2.  الجوار الملاصق مع الخلطة في أحد مرافق الملك وهذا السبب مثبت للشفعة عند الحنفية والزيدية وبعض متأخري الحنابلة.

3.     والخلطة في أحد مرافق الملك وهذا السبب مثبت للشفعة عند الحنفية والزيدية.

4.     والجوار الملاصق وهو كذلك سبب تثبت به الشفعة عند الحنفية والزيدية .


الفرع الثالث

في بيان كيفية السبب وصوره وأحكامه

تمهيد:

من المسائل التي بحثها الفقهاء وفصلوا أحكامها مسألة تعدد الشفعاء وتزاحمهم في الأخذ بالشفعة.

فالشفيع إذا كان واحداً فإنه ينفرد في الأخذ بالشفعة ولا ينازعه أحد فيها, وإذا كان الشفيع أكثر من واحد فإنه يحصل التزاحم بين الشفعاء, كل يطالب بنصيبه فيها  فهل يقسم المشفوع فيه بينهم بالسوية, أو على قدر أنصبتهم؟ وكذا إذا كان بعض الشفعاء مشتركين بسبب واحد للملك بأن كانوا ورثة لأحد الشركاء في الملك فباع أحدهم؛ فهل تكون الشفعة للورثة فقط, أم تشمل جميع الشركاء في الملك؟ وبعد هذه المقدمة التمهيدية نشرع في بحث ما توخيناه بالآتي:

أولاً: تعدد الشفعاء والمشتري ليس منهم وسنبين ذلك بالآتي:

فإذا كان الشفعاء متعددين والمشتري للمشفوع فيه ليس منهم فإما أن يكونوا متفقين في سبب الشفعة أو مختلفين في سببها.

فإذا كانوا متعددين متحدين في سبب الشفعة والتملك, فلا إشكال في هذه الصورة أو الحالة إذا كان الشركاء متساوين في الحصص, وصورة ذلك إذا كان ثلاثة أشخاص مشتركين في شراء عقار غير مقسوم أو ورثوه أو هيب لهم: فباع أحدهم نصيبه لأجنبي, فالمشفوع فيه يقسم بينهم بالتساوي فكل واحد من الشفيعين نصف الثلث؛ وذلك لاتفاقهم في سبب الشفعة وهي الشركة في العقار المشاع, وكذا لاتفاقهم في سبب ملكية هذا العقار وهو الهبة أو الإرث أو الشراء.

ولكن إذا اختلفت حصص الشركاء بأن كان الأول يملك النصف والثاني الثلث والثالث السدس فباع صاحب الثلث, فهل يقسم المشفوع فيه بالسوية بين صاحب النصف والسدس أم بحسب أنصبتهم؟

اختلف العلماء في ذلك على قولين:


القول الأول: أن الشفعة تكون بحسب الأنصبة (أي السهام):

ذهب إلى ذلك جمهور المالكية, وفي الأظهر عند الشافعية والصحيح عند الحنابلة ([106]).

قال في منح الجليل: وإن تعدد الشفعاء تقسم بين الشركاء الشفعاء على قدر الأنصبة المشفوع بها على المشهور لا على عدد رؤوسهم... قال أثبت: إنما وجبت لشركتهم لا لعددهم فيجب تفاضلهم فيها بحسب تفاضلهم في أصل الشركة, فلو كان العقار مشتركاً بين ثلاثة لأحدهم النصف والثاني الثلث وللثالث السدس, فإن باع صاحب السدس, قسم على خمسة لصاحب النصف ثلاثة, ولذي الثلث إثنان, وإن باع صاحب الثلث, قسم على أربعة لصاحب النصف ثلاثة ولذي السدس واحد, وإن باع صاحب النصف, قسم على ثلاثة, لذي الثلث اثنان ولذي السدس واحد) ([107]).

وقال في كشاف القناع: مستدلاً على ذلك (أن الشفعاء إذا تعددوا في الشقص المبيع فهي بينهم على قدر ملكهم؛ وذلك لأن الشفعة حق يستفاد بسبب الملك فكان على قدر الأملاك كالغلة, وصورة ذلك ما تقدم) ([108]).

وجا في مغني المحتاج "لو استحق بالملك الشفعة جمع من الشركاء  أخذوا بها في الأظهر على قدر الحصص من الملك, لأنه حق مستحق بالملك فقسط على قدره كالأجرة والثمرة" ([109]).

القول الثاني:  أن الشفعة تكون على عدد الرؤوس:

وبذلك قال: الحنفية, والزيدية, وفي قول آخر للشافعية, وهو مذهب الظاهرية, ورواية عن الإمام أحمد قال بها بعض أصحابه, وروي عن الشعبي, والنخعي, وسفيان الثوري, وابن سيرين, وابن أبي ليلى, وشريك, وعثمان البتى ([110]).

جاء في دُرَر الحكام شرح مجلة الأحكام إذا تعدد الشفعاء وتساووا في الدرجة وقام جميعهم بشرائط الشفعة تماماً يعتبرون بحسب رؤوسهم أي يقسم المشفوع بين الشفعاء على عدد رؤوسهم وليس على مقدر السهام, يعني لا ينقسم باعتبار الحصص, وحسب الخلطة والاتصال؛ لأنه لما كان كل من الشفعاء المتعددين متساوياً مع الآخر في الاستحقاق فيقضي ذلك مساواتهم في الحكم أيضاً؛ لأن الترجيح ليس بكثرة العلة والسبب إنما هو بالقوة, وفي هذا لا توجد قوة بل توجد كثرة, وعليه فملك أقل جزءٍ من المشفوع علة تامة لاستحقاق جميع المبيع بالشفعة, وفي هذه الحالة لو اجتمعت علل متعددة في حق الشفيع ذي الحصة الكبيرة في المشفوع به, ووجدت علة واحدة في حق الشفيع ذي الحصة الصغيرة فالمساواة متحققة بين العلل المتعددة والعلة الواحدة.

وقد ذكر هنا مثالان على كون ترجيح الكثرة ليس بدليل:

1.  لو أقام أحد الطرفين شاهدين على دعواه, وأقام الطرف الثاني عشرة شهود, كان الاثنان متساويان ولاحق برجحان الشهود الكثيرة على ذي الشاهدين لمجرد كثرة شهود الأول وقله شهود الثاني.

2.  لو جرح أحدٌ شخصاً جرحاً وجرح آخر المجروح عشرة جروح وتوفي الشخص المجروح, كان ذآنك الشخصان الجارحان متساويان في حكم القتل, ولا يكون الأول قد عمل من فعل القتل جزءاً من أحد عشر جزءاً) ([111]) .

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: (أن الشفعة تقسم على عدد الرؤوس لا على قدر الملك) .

ودليل ذلك أن السبب في موضوع الشركة أصل الشركة, وقد استويا فيه فيستويان في الاستحقاق, وكما يقسم المشفوع فيه على الشركاء بالتساوي عند الحنفية, يقسم أيضاً على الجيران بالتساوي بصرف النظر عن مقدار المجاورة, فإذا كان لدار واحدةٍ شفيعان جاران جوارها على التفاوت بأن كان جوار أحدهما بخمسة أسداس الدار وجوار الآخر بسدسها, كانت الشفعة بينهما نصفين لاستوائهما في سبب الاستحقاق, وهو أصل الجوار.

فالقاعدة عند الحنفية: هي أن العبرة في السبب أصل الشركة لا قدرها, وأصل الجوار لا قدره, وهذا بعد حال اجتماع الأسباب وانفرادها)([112]) .

فإذا كان جميع المتقدمين لطلب الشفعة من مرتبة واحدة دون أي تفاضل بينهم على خصوصية السبب, قسمت الشفعة بينهم على الرؤوس, ولا عبرة بمقدار ما يملكه كل منهم في السبب الذي يشفع به فيتساوى صاحب النصف والربع والثمن, بل أنه يستحق الشفعة ولو كان ما يملكه ضئيلاً.

وكذلك لا عبرة بتعدد السبب, كأن يكون أحدهم شريكاً في الملك أي في أصل العين وشريكاً أيضاً في حق الشرب أو حق الطريق فلا يفضل عليهم ما داموا متحدين في السبب الأقوى) ([113])وهكذا ما أخذ به القانون المدني اليمني في نص المادة (1258) بقولها: (وإذا تساووا في الطلب والسبب قسمت الشفعة على رؤوس الشفعاء) ([114]).

وفي حالة تعدد الشفعاء مع اختلافهم في سبب الشفعة بأن كان بعضهم شريكاً في الملك وبعضهم خليطاً في حق من حقوقه وبعضهم جاراً ملاصقاً فإنه يقدم الأقوى في سبب الشفعة على من دونه.

ذهب إلى ذلك الحنفية والزيدية, وفي رواية للإمام أحمد على ثبوت الشفعة للجار الملاصق إذا كان شريكاً في أحد مرافق الملك ([115]).

ورتب الحنفية استحقاق الشفعة عند تعدد الشفعاء واختلافهم في سبب الشفعة على النحو التالي:

1.     الشريك في الملك .

2.     الخليط في حق من حقوق الملك وهو الشرب الخاص والطريق الخاص والمسيل الخاص.

3.     الجار الملاصق.

جاء في بدائع الصنائع (أسباب الشفعة إذا اجتمعت يراعى فيها الترتيب فيقدم الأقوى فالأقوى,  فيقدم الشريك على الخليط والخليط على الجار لما روي عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: (الشريك أحق من الخليط والخليط أحق من غيره) .

ووجه الاستدلال بهذا الحديث: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – بيّن ترتيب الشفعاء عند تزاحمهم في طلب الشفعة وكذا في سببها, فقدم الشريك – وهو الشريك في الملك المشاع – على الخليط – وهو الشريك في أحد مرافق الملك كالشراب والطريق والمسيل ثم قدم الخليط على الجار الملاصق الذي لا يشترك مع جاره في أحد مرافق الملك.

وكذلك استدل الأحناف: أن المؤثر في ثبوت حق الشفعة هو دفع ضرر الدخيل وأذاه, وسبب وصول الضرر والأذى هو الاتصال والاتصال على هذه المراتب, فالاتصال بالشركة في عين المبيع أقوى من الاتصال بالخلطة , والاتصال بالخلطة أقوى من الاتصال بالجوار والترجيح بقوة التأثير ترجيح صحيح فإن سلم الشريك وجبت للخليط, وبيان هذا في دار بين رجلين في سكة غير نافذة طريقها من هذه السكة باع أحدهما نصيبه فالشفعة لشريكه لأن شركته في عين الدار وشركة أهل السكة في الحقوق فكان الشريك في عين الدار أولى بالشفعة فإذا سلم فالشفعة لأهل السكة كلهم, يستوي فيه الملاصق وغير الملاصق؛ لأنهم كلهم خلطاء في الطريق فإن سلموا فالشفعة للجار الملاصق, وروي عن أبي يوسف أنه إذا سلم للشريك سقطت الشفعة أيضاً) ([116]) .

والمشارك في حائط الدار في حكم المشارك في الدار نفسها, وأما صاحب الأخشاب الممتدة على حائط جداره, فيعد جاراً ملاصقاً, لا شريكاً وكل من صاحب الطابق الأعلى والأسفل جار ملاصق, وحق الشرب مقدم على حق الطريق, وإذا باع صاحب حق الشرب أو الطريق الخاص أرضه فقط, دون حق الارتفاق فليس للشركاء في الارتفاق شفعة.

وإذا اجتمع صنفان من الشركاء يقدم الاخص على الأعم, فالمشترك في شرب من جدول من الشرب أولى من المشترك في الشرب)([117]).

وهذا ما أخذ به القانون المدني اليمني نصت على ذلك المادة (1259) بقولها: (يعتبر السبب أخص في الطريق المسدود إذا كان لها باب يغلق على بعض الدور فتدخل منه, فإن الدور الداخلة من الباب أخص بالنسبة لبعضها من الدور الخارجة عنه وإن تعددت الطرق الخاصة فتختص بالدار الداخلة الدور الأقرب طريقاً إليها وهكذا بالنسبة لحق الشرب والسواقي) ([118]).

أما المالكية فلا يتأتى التزاحم عندهم لأنهم وإن وافقوا الحنفية في ذلك, إلا أنهم ذهبوا مذهباً آخر فجعلوها للشركاء في العقار دون ترتيب إذا ما كانوا في درجة واحدة, وذلك عندما يكون كل شريك أصلاً في الشركة لا خلفاً فيها عن غيره, أما إذا كان بعضهم خلفاً في الشركة عن غيره دون بعض فلا تكون لهم على السواء وإنما يقدم الشريك في السهم المباع بعضه على الشريك في أصل العقار, ويظهر ذلك في الورثة, فإذا كانت دار بين اثنين فمات أحدهما عن جدتين, وزوجتين, وشقتين,  فباعت إحداهن نصيبها, فالشفعة لمن شاركهما في السهم, دون بقية الورثة, حتى ولو كان المشارك في السهم أختاً الأب مع أخت شقيقة, أو بنت ابن مع بنت, فإذا باعت الشقيقة أو البنت نصيبها, فللأخت لأب أو لبنت الابن الأخذ بالشفعة, دون العاصب)([119]).

تزاحم الشفعاء والمشتري هو أحد الشفعاء:

قد يتصرف أحد الشركاء بحصته لأحد شركائه, ويتقدم للشفعة كل أو بعض الشركاء الآخرين, هنا يعد القانون المشتري كونه أحد الشركاء شفيعاً معهم حيث اعتبر شراءه لحصة من المال الشائع استشفاع ولو لم يطلب الشفعة, فيشترك معهم في استحقاق الشفعة, لذلك يجب لحل التزاحم بينهم تطبيق نفس القواعد السابقة وخصوصاً أن التزاحم قد يحصل بين شفعاء من مراتب مختلفة ([120]).

وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: (إذا كان المشتري شفيعاً فإنه يزاحم غيره من الشفعاء بقوة سببه ويزاحمونه كذلك بقوة السبب ويقاسمونه إذا كانوا من درجة واحدة.

فالمشتري الشفيع يقدم على من دونه في سبب الشفعة, ويقدم عليه من هو أعلى منه في السبب.

وعلى هذا إذا تساوى المشتري مع الشفعاء في الرتبة فإنه يكون شفيعاً مثلهم فيشاركهم ولا يقدم أحدهم على الآخر بشيء ويقسم العقار المشفوع فيه على قدر رؤوسهم عند الحنفية, وعلى قدر أملاكهم عند غيرهم كما هو أصل كل منهم في تقسيم المشفوع فيه على الشفعاء في حالة ما إذا كان المشتري أجنبياً) ([121]).

لذلك فالأمر لا يخرج من الافتراضات التالية:

الفرض الأول:

 تزاحم المشتري مع شفيع من نفس المرتبة, وصورة ذلك: أن يكون العقار مملوكاً لعدة شركاء فيبيع أحدهم نصيبه لأحد الشركاء فهل لبقية الشركاء الأخذ بالشفعة؟

اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:

القول الأول : أن الشفعة تثبت لجميع الشركاء:

وهذا قول الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية, فهم لا يفرقون بين أن يكون المشتري من الشفعاء أو من غيرهم,  فالشفعة تثبت لجميع الشركاء بمن فيهم هذا المشتري فإذا كانوا جميعاً شركاء للبائع في أصل العين المبيعة أو في حق الشرب ومجراه أو في حق الطريق في هذه الصورة يتساوى المشتري مع غيره من الشفعاء وتقسم بينهم الحصة المبيعة على الرؤوس ([122]).

ويظهر أنهم استدلوا على ذلك بعموم النصوص الواردة في الشفعة حيث لم تفرق في حكم الأخذ بها بين أن يكون المشتري شريكاً أو أجنبياً, وأن الشركاء متساوون في سبب الشفعة فلزم من ذلك التساوي في الأخذ بها ولا يفضل شريك على آخر.

القول الثاني : أن الشفعة تسقط إذا كان المشتري من الشفعاء, فلا شفعة لهم عليه .

وهذا القول مروي عن الحسن البصري والشعبي وعثمان البتي في إحدى الروايتين عنهم, ووجه ذلك أن الشفعة شرعت لدفع ضرر الشريك الداخل والمشتري لشركته متقدمة فلا ضرر على بقية الشركاء في شرائه لنصيب شريكه فلا شفعة لهم عليه.

ونوقش هذا الدليل: أن الشفعة حق شرعي يشترك فيه جميع الشركاء فإذا أخذ المشتري الجميع كان قد أخذ نصيبه ونصيب غيره من الشركاء, وأخذه لنصيب غيره من الشركاء يكون بغير حق فيبقى حقهم في الشفعة.

القول الثالث: أن الشفعة تثبت لبقية الشركاء دون المشتري .

وهذا القول مروي عن الحسن البصري والشعبي وعثمان البتي أيضاً, وهو نقيض القول السابق عنهم, وعلى هذا القول فإن المشتري يسقط حقه في جميع المشفوع فيه وتكون الشفعة لبقية الشركاء.

وناقش الجمهور هذا الدليل من وجهين:

الوجه الأول : أن المشتري لم يأخذ الشفعة من نفسه, وإنما منح بقية الشركاء أخذ حقوقهم بالشفعة وبقي للمشتري ما بقي له من ملكه وهو نصيبه في الشفعة.

الوجه الثاني: "أنه لا مانع من أن يستحق الإنسان على نفسه لأجل تعلق حق الغير به" ([123]) .

 

الترجيح :

الذي يظهر أن قول الجمهور من الفقهاء - رحمهم الله - في ثبوت حق الشفعة لجميع المشتركين حتى لو كان المشتري للمشفوع فيه أحدهم لأن الشفعة حق قرره المشرع لصالح الشريك سواءً كان المشتري للمشفوع فيه أجنبياً عنهم أم أحد الشركاء, فهذا مما يظهر أنه أولى بالأخذ به لقوة أدلتهم على ذلك.

الفرض الثاني: اختلاف المشتري مع شفيع من مرتبة أعلى:

كأن يكون المشتري شريكاً في حق الشرب وتقدم للشفعة شريك في أصل العين المبيعة, في هذه الصورة تكون الأولوية في استحقاق الشفعة لصاحب المرتبة الأولى حيث يفضل طالب الشفعة على المشتري لأن سببه أقوى, وهذا ما أخذ به القانون المدني اليمني.

وهذا الفرض لا يكون إلا عند الحنفية الذين يجعلون للشفعة ثلاثة أسباب (الشركة والخلطة والجوار الملاصق) أو الحنابلة في الرواية الثانية عن الإمام أحمد التي نصرها كثير من المتأخرين والذين يجعلون للشفعة سببين (الشركة في الملك, والجوار الملاصق مع الاشتراك في حق من حقوق الملك), والمالكية في شفعة الورثة ومثال ذلك: عند المالكية: إذا مات شخص وخلف عقاراً وقد ورثه زوجتان وعم, فباعت إحدى الزوجتين نصيبها للأخرى, فلا حق في هذا الفرض للخليط أو الجار الملاصق في أن يطلب الشفعة) ([124]) .

الفرض الثالث: إذا كان المشتري أقل مرتبة من الشركاء:

كأن يكون المشتري هو أحد الشركاء في أصل العين المبيع منها حصة شائعة وطالب الشفعة هو الشريك في حق الشرب ومجراه, أو في حق الطريق, في هذه الصورة تكون الأولوية في استحقاق الشفعة للمشتري لقوة السبب الذي يشفع به.

والحكم في هذا الفرض أن الشفعة تكون للأقوى مرتبة  فيقدم على المشتري كما لو كان أجنبياً, وذلك حسب الترتيب المتقدم في الفرض الثاني عند الحنفية والحنابلة في الرواية الثانية والمالكية بالنسبة للورثة, وكذا الزيدية) ([125]).

 


المطلب الثاني

آثار الشفعة

تمهيد:

تتمثل آثار الشفعة في أمرين أساسيين هما: انتقال ملكية الشيء المشفوع فيه إلى الشفيع, ثم تنشأ علاقة بين الشفيع والمشتري كل واحد منهما صاحب حقوق ومحمل بالتزامات في مواجهة الآخر وسوف يتم دراستها بالآتي:

أولاً: انتقال ملكية المشفوع فيه إلى الشفيع:

لا يترتب على مجرد طلب الشفيع للشفعة عند توافر شروطها انتقال ملكية المشفوع فيها إلى الشفيع, فحق انتقال الملكية أو المشفوع فيه يتوقف على أحد أمرين: إما بالحكم على المشتري قضاءً بتسليم الشفعة, أو بعد التسليم لها من المشتري طوعاً منه, ولو قبل القبض فلا يملك الشفيع المشفوع فيه قبل حصول أحد هذين الأمرين.

وحق الملكية في كلا الأمرين يتوقف انتقاله من تاريخ التسليم بالشفعة طوعاً, أو من تاريخ الحكم بها قضاءً إذا رفض المشتري التسليم بها طوعاً, ويظهر أن لذلك فائدتان الأولى: أن تصرف الشفيع في المشفوع فيه قبل أن يحصل أحد هذين الأمرين لا يصح.

الثانية: أن الشفيع قبل ذلك لا يستحق الأجرة لتلف المنافع فلو تلفت الرقبة كان ضمانة كضمان المبيع حيث سلم طوعاً لا إذا سلم بالحكم استحق الضمان إن جنى أو قرط والأجرة مطلقاً ولو قبل القبض.

فإذا انتقلت الملكية بتسليم المشتري بالشفعة بعد طلبها كان ذلك بمثابة عقد شراء جديد بين الشفيع والمشتري وكان ذلك العقد هو سند ملكية الشفيع, أما إذا لم تنتقل الملكية للشفيع إلا بمقتضى حكم من القضاء كان ذلك بمثابة عقد شراء إجباري يحل فيه حكم القاضي محل رضاء المشتري, وكان الحكم سند ملكية الشفيع للعين المشفوع فيه, وهذا مذهب الحنفية والزيدية وهو ما أخذ به القانون المدني اليمني ([126]) .

"ولكن إذا كانت العين المشفوعة من العقارات توقف انتقال ملكيتها إلى تاريخ تسجيل العقد أو الحكم في السجل العقاري وفقاً لشروط انتقال الملكية في العقارات" ([127]).

يستخلص من ذلك أن الشفعة لا تكون سبباً خالصاً لكسب الملكية, وهذا هو مذهب الحنفية والزيدية وقد تقدم ذلك.

"بخلاف الجمهور فإنهم يعتبرون الشفعة سبباً لكسب الملكية حيث يذهب الحنابلة إلى أن الشفيع يملك الشفعة بمجرد الطلب, وعند المالكية يكفي الطلب مع العلم بالثمن, وعند الشافعية: يكفي الطلب بشرط دفع الثمن" ([128]).

جاء في مغني المحتاج "ولا يشترط في التملك بالشفعة حكم حاكم ولا إحضار الثمن ولا حضور المشتري, ويشترط لفظ من الشفيع كتملكت أو أخذت بالشفعة, ويشترط مع ذلك إما تسليم العوض إلى المشتري فإذا تسلمه أو ألزمه القاضي التسلم ملك الشفيع الشقص, وإما رضى المشتري بكون العوض في ذمته, وإما قضاء القاضي له بالشفعة إذا حضر مجلسه وأثبت حقه فيملك به في الأصح) ([129]).

ولكن ما هي الآثار التي تترتب على انتقال ملكية العين المشفوع فيها إلى الشفيع؟

بالإجابة على هذا السؤال: أن الآثار التي تترتب على انتقال ملكية العين المشفوع فيها إلى الشفيع, تتمثل في الإلتزامات التي يتحملها كل من المشتري والشفيع تجاه الآخر, وتنشأ هذه العلاقة بينهما مباشرة دون البائع.

وتتمثل هذه الالتزامات على النحو التالي:

أولاً: التزامات المشتري في مواجهة الشفيع:

المشتري في حكم البائع في علاقته بالشفيع لذا يجب عليه الوفاء بالتزاماته كبائع, وإجمالاً تتمثل هذه الالتزامات بالآتي:

1.     الالتزام بتسليم العين المشفوعة.

2.     تحمل تبعة هلاك أو تلف المشفوع فيه.

3.     الالتزام برد الفوائد.

4.     نزع الغراس والبناء الذي يكون قد أقامه في العين المشفوعة إن كانت أرضاً .

5.     الالتزام بضمان التعرض والاستحقاق وضمان العيوب الخفية ([130]).

وبعد هذا الإجمال السريع لالتزامات المشتري (المشفوع منه) سينك لبيانها بشيء من التفصيل لدى الفقهاء وذلك بالآتي:

1.    الالتزام بتسليم العين المشفوعة:

جاء في درر الحكام شرح مجلة الأحكام: (أنه يجوز الإجبار من أجل حق الغير الذي لا يمكن الحصول عليه بدون الجبر ولذالك جار الإجبار على المبادلة, أولهما وهو المقصود : يجبر المشتري على تسليم المشفوع مع كون التسليم المذكور معاوضة ومبادلة)([131]).

وجاء في بدائع الصنائع: (أن التملك بالشفعة يكون بأحد طريقتين إما بتسليم المشتري وإما بقضاء القاضي ، أما التملك بالتسليم بالبيع فظاه لأن الأخذ بتسليم المشتري يرضاه ببدل يبدله له الشفيع وهو الثمن يفسر الشراء والشراء تملك ويفسر الشراء والشراء تملك.

وأما بقضاء القاضي, وفي هذه الحالة لا يخلو المبيع أن يكون في يد البائع أو في يد المشتري, فإن كان في يد البائع ذكر الكرخي – رحمه الله – أن القاضي إذا قضى بالشفعة ينتقض البيع الذي كان بين البائع والمشتري في المشهور من قولهم, وروي عن أبي يوسف رحمه الله أن لا ينقض) ([132]).

وجاء في درر الحكام شرح مجلة الأحكام: (يصير الشفيع مالكاً للمشفوع بتسليمه بالتراضي مع المشتري أو بحكم الحاكم – فيشترط في حال تسليم المشتري المشفوع فيه برضا؛ ليكون الشفيع مالكاً للمشفوع فيه قد قبضه المشتري إياه , ولا يملكه بدون القبض, وإذا لم يتم تسليم المشفوع من قبل المشتري برضاه, ألزم المشتري بتسليم المشفوع من قبل الحاكم بناءً على عدم تسليم المشتري المشفوع برضاه, ويصير الشفيع مالكاً له بحكم الحاكم, وعلى هذه الصورة يدخل المشفوع في ملك الشفيع بمجرد حكم الحاكم ولو لم يقبضه الشفيع) ([133]).

(وهم متفقون في المعنى أنها لا تستحق إلا بالطلب, واتفقوا على أنه لا ملك قبل الحكم أو الأخذ أو التسليم) ([134]).

فاعتبار المشتري هو البائع للشفيع, أنه يجب عليه بعد انتقال ملكية العين المشفوع فيها إلى الشفيع أن يبادر إلى تسليم العين المشفوعة مع ملحقاتها, وفوائدها المستحقة للشفيع, ما دام المشتري قد تسلم العين من البائع له, أما إذا كانت العين المشفوعة لا زالت في يد البائع, أي أن المشتري لم يقبضها, فليس للشفيع سوى مطالبة البائع بالتسليم.

بل إن القانون اعتبر تمرد المشتري عن التسليم بعد أن يكون الشفيع قد وفى بكل التزاماته جحوداً للعين تتحول يده بمقتضى ذلك من يد أمينة أو ضامنة ضمان عقد إلى يد غاصبة يضمن ضمان غصب) ([135]).

وفي ذلك تنص المادة (1294) على أنه: (إذا كان قد تمرد عن تسليم العين المشفوعة للشفيع بعد التسليم بالشفعة أو الحكم بها وأدى الشفيع ما لزمه وتجديده طلب تسليم العين المشفوعة له فإن المشتري يضمن كالغاصب)([136]).

2.    تحمل تبعة هلاك أو تلف المشفوع فيه:

(ويكون ذلك بعد الطلب والتسليم بها رضاءً أو قضاءً أو بعد التسليم باللفظ والقبض, فبذلك يضمن قيمة ما أتلف , وأجرة ما استعمل؛ لأن الشفيع قد ملك حينئذ, فتكون بعد الحكم في يد المشتري كالأمانة, فيضمن بالجناية, والتفريط, والأجرة إذا استعمل ، سواء تلف أو سلمه إلى الشفيع, وللشفيع الرد بمثل ما يرد به المشري, فله أن يفسخ بخيار العيب وبخيار الرؤية وسواءً كان العيب حادثاً مع المشتري أم مع البائع, فللشفيع الرد على المشتري بخيار الرؤية والعيب وإن كان التسليم بالتراضي, إن كان بالحكم لم يكن له الرد بالرؤية؛ لأنه دخل في ملكه بغير اختياره, وله الرد بالعيب, فلو كان الشفعاء جماعة, ورد بالعيب, ورضى الآخرون كانوا كالمشترين, ويرجع من رضي بنصيبه بأرشه في العيب في نصيب من رد) ([137]).

والقانون يفرق بين أربع حالات في حالة هلاك المشفوع وهو في يد المشتري بقوة قاهرة.

الحالة الأولى:

الهلاك الحاصل للعين المشفوعة وهي في يد المشتري بعد طلب الشفعة والعلم به وقبل التسليم بالشفعة أو الحكم بها, بخصوص هذه الحالة نصت المادة (1298) على أنه: (إذا تصرف المشتري في العين المشفوعة بعد الطلب والعلم به وتلفت العين حساً بعد التصرف فلا ضمان عليه) ([138]) .

حيث اعتبر القانون العين المشفوعة في هذه الحالة غير مضمونة على المشتري لعدم وجود الموجب الشرعي لضمانها سواءً ضمان عقد أو ضمان يد لأنها لا زالت في ملكية المشتري فيتحمل المشتري تبعة هلاكها وتبطل الشفعة فيها لعدم وجود المشفوع  فيه) ([139]) .

قال الفقيه محمد بن سليمان: (فيأثم إن قطف الثمار بعد الطلب عند المؤيد بالله, لكن المشتري وإن كان عاصياً بالتصرف بعد الطلب لا ضمان عليه للقيمة) ([140]) .

الحالة الثانية:

"الهلاك الحاصل للعين المشفوعة بقوة قاهرة وهي في يد المشتري بعد التسليم بالشفعة من المشتري اختيارياً فيتحمل تبعة هلاكها المشتري نفسه باعتباره ضامناً لها ضمان عقد" .

الحالة الثالثة:

الهلاك الحاصل للعين المشفوعة بقوة قاهرة وهي في يد المشتري بعد الحكم بالشفعة واستلام المشتري للثمن مع ملحقاته فيتحمل تبعة هلاكها الشفيع لأن يد المشتري عليها يد أمانة – ويلاحظ أن النص فرق في الحكم في ضمان المشتري للعين المشفوعة تبعاً لما إذا تمت بمقتضى التسليم بها رضاء من المشتري أو تم الحكم بها من القاضي فجعل ضمان المشتري للعين في الحالة الأولى ضمان عقد, بينما في الحالة الثانية اعتبر يده على العين يداً أمينة, ولعل التفسير لتلك التفرقة أنه في الحالة الأولى عندما يسلم المشتري بالشفعة رضاء يكون في حكم البائع والبائع يظل ضامناً إلى حين تمام القبض. أما في حالة الحكم بالشفعة قضاءً فلا يكون هناك موجب شرعي لتضمينه باعتبار أن يده على العين هي لمصلحة المشتري فتكون يده عليها يد أمينة)([141]).


الحالة الرابعة:

وتشمل الحالتين السابقتين, أي أن الشفيع إذا تملك العين برضاء المشتري أو بحكم القاضي, ولكنه تمرد عن تسليم العين المشفوعة بعد تجدد طلب التسليم من الشفيع, ففي هذه الحالة يتحمل المشتري تبعة هلاكها ولو بقوة قاهرة ويكون ضامناً لها ضمان غصب ويكون ذلك بأوفر القيم من وقت الغصب إلى وقت الوفاء, والقاعدة أن جحود الملتزم بتسليم شيء في وجه المالك لها يعد في حكم الغصب حيث تتحول يده من يد أمينة إلى يد غاصبة) ([142]) .

حيث ذهب أبو حنيفة وأصحابه, والمذهب الزيدي, وفي قول للشافعي: في حكم ما استهلكه المشتري من المبيع, وقال صاحب البحر : أو هلك بفعل غيره وقد اعتاض, حَطَّ حصته من الثمن, إذ هو في مقابل جميعه, فإلزامه الشفيع كله ظلم, وإذ دفعه قيمة الباقي, أو المشتري قيمة التالف يستلزم خسراً وربحاً, فيخالف وضعها.

قال أبو طالب – رحمه الله – يقومَّ التالف وينسب من الثمن, فحيث قدر النقص نصف القيمة, حط نصف الثمن سواءً أكان مساوياً لها أم زائداً, أم ناقصاً, وفي قول للشافعي بل يخير الشفيع بين أخذ الباقي بجميع الثمن وبين تركه؛ إذ هو أخذ لا يلام عليه, فأشبه الآفة السماوية.

قال في المذهب: الآفة ليس بجناية فافترقا.

مسألة: وإن نقص بآفة سماوية خير الشفيع بين أخذ الباقي بكل الثمن أو تركه اتفاقاً. وإن كان بجناية الغير وأخذ المشتري الأرش فكجنايته, إذ أخذ ما هو حق للشفيع, وإلا فكآفةٍ إذ لا جناية منه ولا أخذ) ([143]).

المسئولية وتحمل تبعة الهلاك أو التلف الجزئي في القانون المدني اليمني:

تنص المادة (1304) على أنه: (يجب على المشتري أن يحط عن الشفيع من العوض ما نقص من العين المشفوعة بفعله أو بفعل غيره بإذنه أو إذا كان قد أخذ من الغير عن فعله عوضاً أو صالحه أو أبرأه مع إمكان الاستيفاء منه ولو لم يقبض العوض وما عدا ذلك نلاحظ)([144]).

يلاحظ من النص أن المشرع قد جعل المشتري مسئولاً عن النقص الحاصل في العين المشفوعة نتيجة خطأه وتقصيره في المحافظة على العين سواءً كان ذلك الخطأ نتيجة جنايته على العين أو تعديه عليها أو نتيجة تقصير وتفريط في المحافظة عليها كالإذن للغير بالجناية عليها, ففي هذه الحالة يكون المشتري مسئولاً عن النقص الذي حدث فيها, فيكون ملتزماً بالتعويض عنه بأن يحط عن الشفيع من ثمن العين المشفوعة بمقدار النقص الذي حصل فيها.

وكذلك الحكم لو حصل النقص بفعل الغير الذي تقاضى منه التعويض عن النقص في العين وكذا لو صالحة عليه أو أبرأه مع إمكان استيفاء العوض منه فيلزمه التعويض عن ذلك بالحط من الثمن بمقدار النقص, ويكون هذا الحكم عندما لم يحدث النقص بفعله وإنما بفعل الغير بدون إذنه, وفي غير هذه الحالات لا يكون المشتري مستولاً عن النقص الحاصل في العين سواءً بقوة قاهرةٍ أو بفعل الغير, ولا يلتزم بالحط من الثمن, ويكون الشفيع مخير بين الأخذ بها ودفع الثمن كاملاً أو تركها) ([145]) .

3.    الالتزام برد الفوائد:

جاء في البحر الزخار: أن للشفيع الفوائد الأصلية إن حكم له وهي متصلة, إذ المشتري كالوكيل للشفيع بالشراء, فكان الملك له من يوم العقد, وقال الهادي يرجع المشتري بما غرم في إصلاحها؛ إذ هو غير معتد, وقال المؤيد بالله: لا يرجع إذا أنفق على ملك نفسه ولم يغره أحدٌ.

إذا حدثت هذه الفوائد بعد الشراء واستهلكها المشتري قبل الحكم للشفيع طابت له, إذ هي نماءُ ملكه حينئذ ولا يحط لأجلها شيئاً من الثمن, إذ لم يشملها العقد.

فإن اشتراه مثمراً مع الثمر ففصله ثم قام الشفيع فوجهان : قال الإمام يحيى : أصحهما باخذها الشفيع مع البقاء ، إذا هي من جملة المبيع وهو كالوكيل للشفيع ، وفصلها لا يبطل حقة وقيل : بل يلمكها المشتري  بالفصل ، والمفصول في حكم المقسوم لكن يحط بحصتها من الثمن ، إذا هي بعض الميع وقد تعذر رد العين ، وهو الأصح للمذهب .

وحكم هذه الزيادة بعد العقد ، أنه إن كان قد حكم للشفيع وهي متصلة فيهي للشفيع في المذهب ، إذ هي نماء ملكه ، قال الهادية وغيره : بل للمشترين إذ لم يشملها العقد ، وحدثت في ملكه ، كلو باع جراباً فيه ثوب فلا شفعة في الثوب . ([146])   

وقد تعرض القانون المدني اليمني لذلك في نص المادة (1300) على إنه (يستحق الشفيع الفوائد الأصلية بالمبيع أما الفوائد المنفصلة فهي للمشتري فيصاعد الحالات الآتية :

1.     إذا كان الشفيع خليطاً في العين المشفوعة وشملها العقد فهي له.

2.     إذا شملها العقد والشفيع خليط في الشرب والطريق فهي للمشتري ويحط بحصتها من الثمن.

3.     إذا لم يشملها العقد والشفيع خليط في الأصل فتوزع على الحصص.

4.     إذا كان الشفيع خليطاً في الشرب والطريق فقط ولم يشملها العقد فهي للمشتري مع التسليم له بالشفعة.([147]).

يلاحظ من ذلك أن المشتري يلتزم إلى جانب تسليم العين المشفوعة تسليم الفوائد المستحقة للشفيع, وهي:

1.  أن يلتزم برد جميع الفوائد الأصلية المتصلة بالعين المشفوعة عند التسليم بالشفعة أو الحكم بها فهي من حق الشفيع في جميع الأحوال سواء كان الشفيع شريكا في أصل العين أو شريكا في حق الشرب ومجراه أو حق الطريق وسواء كانت الفوائد حادثة حال العقد أو بعده.

2.  كما يجب على المشتري رد الفوائد الأصلية المنفصلة, أي التي فصلت عن العين المشفوعة قبل أن يتملكه الشفيع وذلك إذا كانت تلك الفوائد قد شملها العقد المجيز للشفعة, أي الحاصلة في المشفوع فيه وقع البيع, بشرط أن يكون الشفيع هو في الأصل أحد شركاء العين المشفوعة, أما إذا كان شريكاً في حق الشرب ومجراه أو في حق الطريق فيتملكها المشتري حقاً بل أن يحط بحصتها من الثمن.

وما عدا ذلك من الفوائد فهي للمشتري طبقاً لقاعدة الخراج بالضمان, كما يتملك الفوائد الأصلية المنفصلة التي لم يشملها العقد أي التي حصلت في العين بعد إبرام العقد وفصلت عن البيع قبل أن يتملكه الشفيع, لأنها انفصلت عن العين المشفوعة وهي في ملك المشتري فهي ثمار ملكه ولا يهم ما إذا كان الشفيع شريكاً في اصل العين أو في حق من حقوقها.

3.  الالتزام بدفع أجرة الانتفاع بالعين المشفوعة من تاريخ التسليم بها رضاء أو الحكم بها قضاء إلى تاريخ تسليم العين إلى الشفيع.([148]).

وفي ذلك تنص المادة(1298) على أنه: ((لا يضمن المشتري أجرة انتفاعه بالعين المشفوعة إلا بعد التسليم بالشفعة بالتراضي أو الحكم بها)).([149]).

حكم البناء والغراس في العين المشفوعة:

لقد وضح د/ إسماعيل محمد علي المحاقري في كتابه (الوجيز في حق الملكية في القانون المدني اليمني) في تعليقه على نص المادة (1299) في قوله: (يتضح من النص أن العين المشفوعة إذا كانت أرضاً أو أقام عليها المشتري بناء أو غرس فيها زرعاً, فالقانون يفرق في ذلك تبعاً لما إذا كان المشتري حسن النية أو سيئها.

الحالة الأولى:

كون المشتري حسن النية, أي قام بالبناء أو الغرس في الأرض المشفوع فيها قبل طلب الشفعة والعلم به, فقد راعى القانون حسن نيته وجعل له خيارين, هما:

الخيار الأول:

أن يستبقي البناء أو الغرس للشفيع ويرجع عليه بقيمته قائما لا حق له في البقاء أي قيمته إنقاصاً أو غرساً مقلوعاً.

الخيار الثاني:

أن يرفعه ويزيله من الأرض ويرجع على الشفيع بأرش ما نقص فيه.

وذكر د/ المحاقري أنه له خياراً ثالثاً, هو:

إذا كان للبناء أو الغرس حد ينتهي عنده أو موسم معين يحصد فيه كالزرع فله أن يبقيه  على الأرض بأجرة المثل, وتحسب الأجرة من يوم التسليم أو من يوم الحكم بها إلى يوم الحصاد)([150]).

الحالة الثانية:

إذا كان المشتري سيء النية, أي قام بالبناء  أو الغرس أو زرع الأرض بعد طلب الشفعة والعلم به, حيث ذكر د/ المحاقري في قوله: أن النص سكت عن بيان حكم ذلك العمل, إذا أن مفهوم النصوص المتعلقة بالضمان اعتبرت تصرفات المشتري في العين المشفوعة قبل التسليم بها رضاءً أو الحكم بها ولو بعد الطلب والعلم به تصرفات واردة على ملكه ولم توجب عليه الضمان لأنه لم يكن للشفيع حقاً مضمون لذلك لا يرى د/المحاقري أن مفهوم المخالفة للنص توجب تطبيق أحكام الغصب([151]).

5- التزام المشتري بالضمان:

إذا استحق البيع للغير رجع الشفيع على من أخذه منه؛ إذ الدَّرك عليه وهذا عند أصحاب المذهب ومحمد بن الحسن.

ذهب الشافعي ومالك وأحمد: أنها على المشتري مطلقاً؛ إذ الشفعة مستحقة عليه وهو يرجع على البائع. وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى: أنها على البائع مطلقاً, إذ هو مستند ملك المشتري والشفيع.([152]).

وذهب الحنفية: (أن الشفيع إذا أخذ بالشفعة وبنى أو غرس فيها ثم استحق العين المشفوعة رجع بالثمن ولا يرجع بقيمة البناء والغرس, وإذا أنهد الدار أو احترق بناؤها أو جف شجر البستان بغير فعل أحد فالشفيع بالخيار: إن شاء أخذها بجميع الثمن, وإن شاء ترك......, ومن ابتاع أرضاً وعلى نخلها ثمر أخذها الشفيع بثمرها فإن أخذه المشتري سقط عن الشفيع حصته, وإذا قضى للشفيع بالدار إن لم يكن رآها فله خيار الرؤية, وإن وجد بها عيباً فله أن يردها به, وإن كان المشتري شرط البراء به, وإذا ابتاع بثمن مؤجل فالشفيع بالخيار: إن شاء أخذها بثمن حال, وإن شاء صبر([153]).

ويكون المشتري ضامناً للشفيع إذا تصرف في المبيع بعد الحكم بالشفعة للشافع سواءً قبض أو لم يقبض, وكذا بعد التسليم للشافع مت قبضه, فإنه يضمن بعد أيهما عوض ما أتلف, وأجرة ما استعمل لأن الشفيع قد ملكه, أما إذا سلم المشتري بالشفعة لفظاً للشفيع ولم يقبض الشفيع فلا يضمن المشتري العوض بل تبطل الشفعة لأنه كتلف المبيع قبل قبضه.

وللشفيع أيضاً نقض تصرفات المشتري كهبته, وبيعه, وتأجيره ونذره, فإن تنوسخ ذلك المبيع أو بعضه بأن باعه المشتري من آخر ثم لآخر كذلك, وسواء كان قبل الطبل أم بعده اختلف الأثمان أو اتفقت, شفع من له الشفعة بمدفوع من شاء منهم.([154]).

التزام المشتري بالضمان في القانون المدني اليمني:

تنص المادة (1297) على أنه: ((إذا استحقت العين المشفوعة للغير فيضمن المشتري الثمن ويرجع على البائع إليه)).

كما تنص المادة (1291) على أنه: (( يثبت للشفيع خيار الرؤية وخيار العيب دون خيار الشرط)) ([155]).

بين د/ المحاقري مضمون هذين النصين بقوله: للشفيع الحق في الرجوع على المشتري بضمان الإستحقاق على اعتبار أن المشتري هو بائع للشفيع فالعلاقة بينهما علاقة عقدية يترتب عليها من الحقوق والالتزامات ما يترتب على العقد بصفة عامة.

فعلى المشتري أن يمتنع عن التعرض للشفيع وعليه أن يدفع أي تعرض قانوني صادر من الغير, بناءً على ذلك إذا استحق المبيع للغير التزم المشتري بالتعويض الذي يشمل الثمن والمصروفات.

وإذا كان الشفيع قد انفق على العين أو بنى أو غرس فيها ثم استحق للغير فله الرجوع على المشتري, بمقتضى الضمان بما أنفقه, ويكون ملزماً بضمان خيار العين كذلك([156]).

على المشتري بما أنفق على العين إذا استحقت للغير وفي ذلك تنص المادة (1296) على أنه: (إذا غرس أو بنى الشفيع في العين المشفوعة بعد التسليم له بالشفعة بالتراضي أو بحكم القاضي ثم استحقت العين المشفوعة للغير كان للشفيع الرجوع على المشتري بما غرس أو بنى فهو كالمغرور))([157]).

الخلاصة:

ذهب الجمهور من العلماء إلى القول بضمان المشتري مطلقاً, ولم يخالف في ذلك إلا عبد الرحمن بن أبي ليلى: على أنها على البائع مطلقاً, لأنه مستند ملك المشتري والشفيع.

كما خالف الحنفية بقولهم: إذا غرس أو بنى الشفيع في العين ثم استحق للغير, فلا يرجع الشفيع إلا بالثمن, أما قيمة البناء والغرس فلا يرجع به على المشتري.

كما أن القانون اليمني قد أخذ بقول الجمهور في التزام المشتري بضمان الاستحقاق وضمان التعرض القانوني والمادي من قبله, وكذا ضمان التعرض القانوني الصادر من الغير وكذلك بضمان ما أنفق الشفيع على العين المشفوعة إذا استحقت للغير, وكذا ضمان العيب في حالاته وشروطه المنصوص عليها.

 ثانيا : التزامات الشفيع :

يجب على الشفيع أن يدفع للمشتري مثل النقد المدفوع قدراً وصفة وجنساً ، ونوعاً.

قال : ( المدفوع ) احتراز مما لو عقد بثمن ثم حط عند البائع بعضه قبل قبض المبيع فإن الواجب مثل المدفوع ، لا ما انطوى عليه العقد . وقوله  ( قدراً وصفة ) فلو كانت سودا ، أو مكسرة وجب عليها مثلها ، ولو عقد بصحا لانه كالحط .

وإذا كان الثمن مثلياً من طعام أو غيره وجب على الشفيع مثل ذلك المثلي جنساً وصفةً فإن جهل جنسه أو قدره أو عدم جنسه بطلت الشفعة.

وقال الفقيه محمد بن سليمان: يحتمل أن لا تبطل إذا عدم الجنس ويسلم قيمة المثل, وكذا ذكر الفقيه علي, قال: والقيمة يوم الانقطاع.

قال الفقيه يوسف: لعله يريد وقت التسليم إلى المشتري فإذا عدم جنس الثمن, أو جهل جنسه, أو قدره بطلت الشفعة.

وأما إذا كان الثمن قيمياً وجب على الشفيع أن يوفر قيمة ذلك القيمي يوم العقد.

وإذا باع بثمن مؤجل فطالب الشفيع بالشفعة وجب عليه تعجيل المؤجل, وقيل : يلزمه مؤجلاً.

وإذا شفع في المبيع وقد حصلت فيه عناية من المشتري وجب على الشفيع تسليم غرامة زيادة وقعت في المبيع بشروط ثلاثة:

الأول: أن تكون تلك الزيادة فعلها المشتري فلو كانت من فعل غيره لم يلزم ذلك.

الثاني: أن يكون قبل الطلب فإن فعلها يعد الطالب لم يستحق شيئاً لأنه يكون متعدياً.

الثالث: أن تكون الغرامة جعلت للنماء سوءاً كان له رسم ظاهر كالبناء والغرس أم لا كالقصارة والحرث لا لبقاء كالعلف والحيوان والدواء للمريض وكذا الدابة المهزولة حتى سمنت) ([158]).

التزامات الشفيع في القانون المدني اليمني:

يجب على الشفيع الالتزام يدفع العوض والمؤن:

وذلك وفقاً لنص المادة (1279) على أنه: (يلزم الشفيع أن يؤدي للمشتري ومن في حكمه ما يأتي: 

1.     مثل العوض قدراً وجنساً ونوعاً وصفةً إن كان مثلياً وقيمته وقت العقد إن كان قيمياً.

2.  ما غرمه المشتري في الشراء كأجرة كتابة الحجج وأجرة الدلال ورسوم تعميد الحجج وما إلى ذلك من المصاريف الرسمية فهي تعتبر جزءاً من العوض) ([159]).

لذلك ذكر د/ المحاقري: في كتابه الوجيز في حق الملكية في القانون المدني اليمني, الالتزامات الملقية على عاتق الشفيع تجاه المشتري, حيث قام بشرحها وتفصيلها بناءً على ما أخذ به القانون المدني اليمني, فلذلك أرى إتماماً للفائدة لي ولمن يطلع على هذا البحث, أن يطلع على بيان هذه الالتزامات وتفصيلها لكون النص لم يوضح ذلك بالشكل المطلوب؛ ولذلك هي كالآتي:

1.  رد ثمن العين المشفوعة الذي دفعه المشتري للبائع فإن كان الثمن نقوداً وهو الغالب اليوم التزم الشفيع بقدرها مع فارق ثمن العملة إذا تأخر طلب الشفعة إلى وقت تغيرت فيه قيمة النقود.

وإن كان الثمن من المثليات غير النقود التزم الشفيع بدفع مثلها قدراً وجنساً ونوعاً وصفةً.

وإن كان الثمن من القيميات التزم بدفع قيمته وقت العقد حيث يتم تحديده بالاتفاق أو بتقويم العدول عند الاختلاف.

2.  رد ملحقات الثمن: وهي كل ما أنفقه المشتري في الشراء كأجرة كتابة الحجج (العقود) وأجرة الدلالة الذي توسط بين البائع والمشتري ورسوم التصديق على العقود وغير ذلك من المصروفات باعتبارها جميعاً جزءاً من العوض.

ويجب على الشفيع أن يدفع الثمن وملحقاته فور التسليم بالشفعة أو الحكم بها ولو كان الثمن مؤجلاً بالنسبة للمشتري بأن منحه البائع أجلاً, فلا يستفيد الشفيع من هذا الأجل ([160]), وفي ذلك تنص المادة (1281) على أنه: (يلزم الشفيع تعجيل العوض المؤجل على المشتري ولا ينظر حول الأجل) ([161]).

كما يستفيد الشفيع من إبراء البائع للمشتري من بعض الثمن بعد تسليم البائع للثمن فلا يعد ذلك الإبراء تعديلاً للثمن ولا يلحق العقد, وعليه أن يدفع الثمن المقبوض كاملاً.

أما إذا أبرأ البائع المشتري من بعض الثمن قبل أن يقبضه فإن ذلك الإبراء أو الإسقاط يعتبر تعديلاً للثمن فيلحق العقد ويستفيد منه الشفيع, فلا يلتزم إلا يدفع ما بقي من الثمن فعلاً.

وفي ذلك تنص المادة (1286) على أنه: (الحط والإبراء والإسقاط من بعض الثمن قبل قبضه يلحق العقد  فلا يلزم الشفيع إلا ما بقي أما بعد القبض فلا يلحق العقد ويلزم الشفيع جميع الثمن) ([162]).

وكذلك لا اعتبار للزيادة الحادثة في الثمن من تاريخ شراء المشتري إلى تاريخ التسليم بالشفعة أو الحكم بها, إلا إذا كان الثمن الذي دفعه المشتري للبائع من النقود التي جرى التعامل بها من غير الذهب والفضة فإذا ترتب على تأخر طلب الشفعة نقص قيمة النقود أو زيادتها, لزم الشفيع أن يؤدي مقدار قيمة العوض إن نقضت قيمة النقود, أما إذا ازدادت فعلى المشتري أن يحط على الشفيع مقدار قيمته, ويستعان في تقدير ذلك بالمقومين العدول.

وقد نصت المادة (1280) على أنه: (إذا تأخر طلب الشفعة إلى وقت نقصت فيه أو وزادت فيه النقود التي جرى التعامل بها من غير الذهب والفضة, لزم أن يؤدي مقدار قيمة العوض, ويستعان في التقدير المقومين العدول ولا أثر للزيادة في قيمة العين المشفوعة أو نقصانها).

وذلك الحكم متعلق بدفع فارق سعر العملة, ويعد خروجاً عن القواعد العامة المنصوص عليها في المادة (192) التي تنص على أنه: (إذا كان الملتزم به نقوداً التزم المدين بقدر عددها المذكور في العقد دون أن يكون لارتفاع قيمة النقود أو انخفاضها وقت الوفاء أي أثر).

لكن بررت المذكرة الإيضاحية هذا الاستثناء بالاستناد إلى قواعد العدالة بقولها: (أنه يقضي على الكثير من الحيل ويطمئن المشتري على أنه سوف يحصل على قيمة ما أداه سواءً تقدم طلب الشفعة أو تأخر وهو حكم تمليه العدالة) ([163]).

 

 




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اسباب الطعن بالنقض في القانون اليمني

ماهي الحالة التي يجوز فيها الحكم بإعادة القضية الى المحكمة الابتدائية؟

إنكار المحرر العرفي الصادر عن الغير