حكم انقطاع مصرف الوقف في القضاء اليمني
أ.د.عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء
الحكم محل تعليقنا هو
الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا باليمن بتاريخ 10/11/2001م في
الطعن الشخصي رقم (3582) لسنة 1422هـ وخلاصة هذا الحكم انه ( بعد اطلاع الدائرة
على ملف القضية ودراستها له فقد وجدت ان الحكم الاستئنافي المطعون فيه قد قضى بأن
الوقف كان معلقاً على شرط وهو بناء مدرسة للتدريس وجلب علماء للتدريس فيها وهذا
الشرط هو محل صرف غلول الوقف، الا ان هذا المصرف انقطع حيث أن الشرط لم يتحقق ولم
يتم تنفيذه ممن بيده الوقف ،ولذلك فأن مصرف الوقف في هذه الحالة قد انقطع،
والدائرة ترى انما قضى به الحكم الاستئنافي صحيح يوافق الشريعة والقانون حيث نصت
المادة (11) من قانون الوقف على انه يصح الوقف معلقاً على شرط وانه يتوجب على
المتولي للوقف تنفيذ شروط الواقف والالتزام بها زماناً ومكاناً، وعلى هذا فقد ثبت للدائرة صحة الحكم الاستئنافي المطعون
فيه وسلامته من المطاعن ولذلك فأن الدائرة تقرر عدم قبول الطعن بالنقض موضوعاً
وتأييد الحكم الاستئنافي والحكم للطاعن بمبلغ ثلاثين الف ريال غرامته في غرس القات
وتربيته بأرض الوقف وإعادة ملف القضية الى محكمة الاستئناف لإحالته الى المحكمة
الابتدائية للعمل بموجب الحكم ومصادرة الكفالة للخزينة العامة) وسيكون تعليقنا على
هذا الحكم بحسب الأوجه الاتية:
الوجه
الأول: الأساس القانوني للحكم:
استند الحكم محل
تعليقنا في تقريره بانقطاع مصرف الوقف لعدم تحقق شرط الواقف استند الى قانون
الوقف، وفي هذا الشأن نصت المادة (11) من قانون الوقف على انه (يصح الوقف معلقاً
على شرط لا يكون محظوراً) وعلى هذا فأن الوقف على شرط بناء مدرسة وجلب العلماء
للتدريس جائز كما ان هذا الشرط غير محظور
او ممنوع شرعاً، وفي السياق ذاته تنص المادة(25) وقف على انه( لا يشترط وجود
المصرف في الحال متى كان وجوده في المستقبل محتملاً) فوفقاً لهذا النص يجوز الوقف
على بناء مدرسة في المستقبل وجلب المدرسين للتدريس فيها، كما تنص المادة (26) وقف
على انه (للواقف في حياته نقل المصرف الى مصرف اخر في مبرة مماثلة او اصلح) وهذا
يعني ان للواقف في اثناء حياته ان ينقل الوقف من مصرفه الى مصرف مماثل او اصلح اذا
لم تف العين الموقوفة بالغرض او المصرف فإذا كانت عائدات العين لا تكفي لبناء
المدرسة وجلب المدرسين فيجوز للواقف ان ينقل الوقف في اثناء حياته الى مبرة مماثلة
للمدرسة او اصلح، وقد تعذر تطبيق هذا النص من قبل القضاء لأن الواقف قد مات منذ
مدة طويلة، وفي سياق المعالجة لهذه الحالة جاءت المادة (29) وقف التي نصت على انه
(اذا زال المصرف او شرطه او زمانه او مكانه فلا يبطل الوقف وانما يكون للواقف في
حياته تعيين مصرف اخر فإذا كان الواقف قد مات اعتبر الوقف منقطع المصرف) وعند
التأمل في الحالة التي عالجها الحكم محل تعليقنا نجد ان الواقف على بناء المدرسة
قد مات منذ مدة طويلة ولذلك فأن هذا النص ينطبق على هذه الحالة، وقد بينت المادة
(30) وقف حكم الوقف المنقطع المصرف حيث نصت هذه المادة على انه (الوقف المنقطع
المصرف يصرف في مبرة مماثلة او اصلح منها بإشراف الجهة المختصة (وزارة الأوقاف)
وتسويغ الحاكم ويقدم ورثة الموقوف عليه وورثة الواقف ان تحققت فيهم المبرة واذا
التبس مصرف الوقف عمل متولي الصرف بعلمه او بعلم من سبقه من المتصرفين الثقاة ومع
تعذر العلم يعمل بظنه فان لم يحصل الظن فعلى وجهين ان كانت المصارف منحصرة قسمت
الغلة بينهما بالسوية وان كانت غير منحصرة فهو اللبس المطلق فتكون غلة الوقف بنظر
الولاية العامة لصرفها في مصلحة أخرى) ومن خلال ما تقدم نجد ان الحكم محل تعليقنا
قد تأسس على نصوص قانونية.
الوجه
الثاني: انقطاع المصرف في الفقه الإسلامي:
اختلف الفقهاء في هذه
المسألة الى قولين
القول
الأول: يبطل الوقف ويعود
المال لورثة الواقف فيتم تقسيمه بينهم بحسب الانصبة الشرعية، وهذا قول بعض الفقهاء
من الزيدية والشافعية والحنابلة، وحجتهم في ذلك ان الوقف متعلق بالغرض المحدد له
من الواقف وذلك بمثابة العلة للوقف فاذا انقطع المصرف الذي حدده الواقف بطل الوقف،
لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، فاذا بطل غرض الوقف انتهى الوقف وعاد المال
الذي كان موقوفاً الى ملكية الواقف وورثته من بعده.
القول الثاني: لا يبطل الوقف اذا انقطع
مصرفه، وهو قول بعض الشافعية والزيدية والحنابلة، وحجتهم ان الوقف يخرج الموقوف من
ملكية الواقف بصفة نهائية كما أن الواقف قد قصد بوقفه القربة الى الله سبحانه فينبغي
احترام إرادته فلا يعود المال الموقوف الى الواقف او الى ذريته اذا انقطع مصرف
الوقف وانما ينتقل الى اقرب مبرة او قربة مشابهة للقربة التي انقطع مصرفها، وقد
اخذ قانون الوقف اليمني بهذا القول، وهذا القول هو الذي نختاره فهو الذي يحقق غرض
الواقف ويحافظ على الأوقاف.
الوجه
الثالث: نقل الوقف المنقطع مصرفه الى مبرة مماثلة:
كثير من الأوقاف
القديمة انقطعت مصارفها فهناك اوقاف على سقايات الماء وهناك اوقاف على أماكن إيواء
المسافرين (السمسرة) وهناك اوقاف على ديوان وقف لإطعام وايواء عابري السبيل وهناك
مدن وقرى اندرست وتهدمت وهجرها أهلها ولم تعد صالحة للإقامة فيها وتوجد بها مصارف
وقف انقطعت، وقد ذكرنا فيما سبق ان القول المختار في الفقه الإسلامي يذهب الى ان
الوقف المنقطع مصرفه يتم نقله الى مصرف مماثل وذكرنا ايضاً ان القانون اليمني قد
اخذ بهذا القول، وذلك يقتضي الإشارة بإيجاز بالغ الى المصارف المماثلة وذلك على
سبيل المثال، حيث يتم نقل مصرف السقايات التي كانت توجد في الطرق فيما بين المدن
او القرى تنقل الى مشاريع الماء أو الوايتات التي تقوم بتزويد المحتاجين بالماء
مجاناً، وتنقل اوقاف الطعام الذي كان يقدم في ديوان الوقف باليمن الى أماكن إيواء
النازحين وهكذا في الأوقاف الأخرى التي انقطعت مصارفها حيث يتم نقلها الى مصارف
مماثلة او مشابهة لها.
الوجه
الرابع: وسيلة نقل الوقف الذي انقطع مصرفه:
حتى لا يكون نقل
الوقف ذريعة للتلاعب بالأوقاف فقد اشترط
الفقه الإسلامي والقانون اليمني ان يتم ذلك النقل بنظر القاضي المختص مكانياً
ونوعياً وهو قاضي الأحوال الشخصية الذي يقع ضمن اختصاصه المكاني العقار الموقوف،
حيث ينبغي على هذا القاضي ان يتحقق بأن مصرف الوقف قد انقطع بالفعل وان المصرف
المطلوب الانتقال اليه هو مماثل للمصرف السابق او مقارب له او مشابه له، فاذا كان
الوقف الذي انقطع مصرفه من الأوقاف العامة فيجب على القاضي ادخال وزارة الأوقاف
باعتبارها الناظرة على الأوقاف العامة اما اذا كان الوقف اهلياً او ذرياً فينبغي على القاضي في هذه الحالة
ادخال ناظر الوقف الأهلي او متولي هذا الوقف، والله أعلم.
تعليقات
إرسال تعليق