تنازل الأب عن نصيبه من تركة ابنه

 


أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء

الحكم محل تعليقنا هو الحكم الصادر عن دائرة الأحوال الشخصية بالمحكمة العليا بتاريخ 8/9/2001م في الطعن الشخصي رقم (339) لسنة 1422هـ، وتتلخص وقائع هذا الحكم ان الابن توفى في اثناء حياة والده وبعد الوفاة بساعات قليلة جاء أشخاص من أصهار الإبن المتوفي ومن أقارب والد المتوفي حيث طلبوا من الوالد أن يتنازل عن نصيبه من بعد ولده وهو السدس وسلموا مبلغاً مالياً مقابل أن يتنازل الأب عن نصيبه ، وبالفعل قام الأب بتحرير التنازل، وبعد مضي ثلاثة أشهر من وفاة الإبن قام الأب بالمطالبة الودية لنصيبه من تركة ابنه وأفاد بأنه قد استهلك العوض الذي تسلمه مقابل التنازل وأنه ليس هناك تناسب بين نصيبه في التركة وبين العوض الذي تسلمه ، إلا أن ابناء الإبن رفضوا طلب جدهم وابرزوا له التنازل الذي حرره بعد وفاة أبيهم بساعات قليلة، فما كان للجد إلا أن قام برفع الدعوى أمام المحكمة الإبتدائية المختصة طالباً نصيبه من تركة ابنه ، فقام أحفاده بالرد على دعواه بأنه قد تنازل عن نصيبه وارفقوا بردهم وثيقة التنازل، فرد الجد بأن ذلك التنازل غير سليم لأنه صدر منه في ظرف نفسي غاية في التأثير على إرادته حيث صدر ذلك التنازل بعد ساعات فقط من وفاة ابنه، كما أن العوض الذي تسلمه مقابل التنازل لايتناسب مع نصيبه الشرعي من تركة ابنه ، وبعد المرافعة والمداولة حكمت المحكمة الإبتدائية برفض دعوى الجد لأن التنازل قد صدر منه طواعيةً واختياراً ولم يشوبه أي عيب من عيوب الإرادة ، فما كان من الجد إلا أن قام بالطعن في الحكم الإبتدائي أمام محكمة الإستئناف التي قبلت  الطعن وقضت بأحقية الجد في نصيبه من تركة ابنه وهو السدس ، وفي مواجهة الحكم الإستئنافي قام الأحفاد بالطعن بالنقض أمام الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا، وعند نظر الدائرة في الطعن بالنقض قررت أنه( بعد المداولة فقد تبين أن الحكم الإستئنافي المطعون فيه قد قضى بإلغاء الحكم الإبتدائي والزام الطاعنين بالنقض بدفع نصيب جدهم وهو السدس ،ومن خلال الدراسة والتدقيق فإن الدائرة تجد أنما قضى به الحكم الإستئنافي  موافق للشرع والقانون لثبوت حصول الغبن في عوض أو مقابل التنازل فضلاً عن حدوث التنازل في ظرف نفسي شاب إرادته كما أن هدف الطاعنين ظاهر في حرمان جدهم من الفريضة المقررة له شرعاً وقانوناً، ولذلك فإن الدائرة تقرر تأييد الحكم الإستئنافي ومصادرة الكفالة للخزينة العامة ويتحمل الطاعنون مخاسير التقاضي في كافة مراحل التقاضي وإعادة ملف القضية إلى محكمة الإستئناف لإحالته إلى محكمة أول درجة للتنفيذ) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب الأوجه الآتية:

الوجه الأول: تأثير الغبن والإستغلال على تنازل الجد عن نصيبه:

يتأسس هذا الحكم عل المادة (181) مدني التي تناولت الغبن كعيب من اهم عيوب الرضا حيث صرح الحكم بأن تصرف الجد بالتنازل عن نصيبه قد شابه الغبن حيث ليس هناك تناسب فيما بين المقابل الذي تقاضاه الجد نظير تنازله وبين نصيبه من تركة ابنه الذي تنازل عنه ، فالمقابل كان تافهاً بالنسبة لسدس تركة ابنه الذي تنازل عنه الجد، كما ان تنازل الجد عن نصيبه قد جاء في ظرف نفسي مؤثر حيث صدر التنازل بعد ساعات فقط من وفاة ابن المتنازل، وما كان للأب الحنون أن يرفض عرض التنازل في ذلك الظرف النفسي ، وعلى هذا فإن عرض التنازل على الجد في ذلك الوقت الحساس كان من قبيل الإستغلال للظرف النفسي الذي كان يعيشه الأب الذي كان جل تفكيره في تلك الساعة منصرف إلى موت ابنه ،حيث كان الحزن والألم يخيم عليه ويعيب رضاه الذي صدر في ذلك الظرف النفسي ، والمرحوم الدكتور عبد الرزاق السنهوري يقول ان الإستغلال كعيب من عيوب الرضاء يندرج ضمن الغبن في بعض القوانين في حين تجعله بعض القوانين عيباً مستقلاً من عيوب الإرادة ، حيث قال السنهوري: تطور الغبن من نظرية مادية إلى نظرية نفسية للإستغلال ، فالغبن مشكلة اجتماعية  لم يهتد القانون إلى حلها حلاً مرضياً، والغبن عيب قائم بذاته مستقل عن عيوب الرضاء وهو عيب في العقد لا عيب في الرضاء وأهم مظهر من مظاهر الغبن هو حالة ألا يكون هناك تعادل بين قيمة ما أعطى المتعاقد وقيمة ما اخذ على أن لا يصل الإختلال في التعادل إلى نسبة محدودة وهي 10% في القانون اليمني ، وقد تطور النظرية المادية في الغبن إلى نظرية نفسية في الإستغلال.

أما الذي يترتب على النظرية الشخصية لقيمة الشي فإن الغبن لا يتحقق إلا إذا قبل المتعاقد ثمناً أقل من القيمة الشخصية للشيء في تقدير المتعاقد وهو لا يفعل ذلك إلا إذا كان واهماً في قيمة الشي أو مخدوعاً فيه أو مضطراً إلى التعاقد، ولا يكون هذا إلا نتيجة طيش أو رعونة أو عدم تجربة أو عوز أو حاجة ، ومعنى ذلك  أن الغبن لا يتحقق في مثل هذه الحالة إلا إذا وقع المتعاقد فيما يقرب من الغلط أو التدليس أو الإكراه ، فلا يكون الغبن إذن في النظرية الشخصية عيباً مستقلاً قائماً بذاته وواقعاً في العقد بل هو مظهر من مظاهر عيوب الرضا، وقد أدرج القانون المدني اليمني الإستغلال ضمن الغبن حيث نصت المادة (181) مدني على أنه (الغبن هو ان يكون احد العوضين غير متعادل مع العوض الاخر، ولا تأثير للغبن على صحة العقد من البالغ العاقل، الا اذا كان فاحشا وفيه غرر، ويعتبر الغبن فاحشا اذا بلغ عشر قيمة المعقود عليه وقت التصرف، وعلى الحاكم ان يستجيب لطلب ابطال العقد او ازالة الغبن بحسب طلب المغبون او من يمثله اذا قبل المغبون، ويجوز في عقود المعاوضة ان يتوقى الطرف الاخر دعوى الابطال بان يعرض ازالة الغبن ولا تسمع دعوى المغبون ان لم يكن فاحشا ولا غرر فيه اذا رفعت بعد ثلاث سنوات من تاريخ العقد مع عدم المانع, ويتاثر العقد بالغبن دائما اذا وقع على مال وقف او صغير اومن في حكمه او على المتصرف عن غيره بالوكالة او الفضالة (.   وعلى هذا الأساس فإن تنازل الأب عن نصيبه من تركة ابنه بعد وفاة الإبن بساعات قليلة يكون من قبيل الإستغلال الذي يندرج ضمن الغبن في القانون اليمني.

الوجه الثاني: تنازل الأب عن نصيبه من تركة ابنه يكون غرراً أيضاً:

صرح الحكم محل تعليقنا بأن تنازل الأب عن نصيبه من تركة ابنه بعد ساعات فقط من وفاة الإبن يعد غرراً وهذا التعليل صحيح ، لأن الشي المتنازل عنه مجهول، ففي وقت تنازل الأب لم يكن  هناك حصر لتركة المتوفي كما أن التركة في ذلك الوقت لم يتم تحديد أثمانها ومن ثم تحديد مقدارها القابل للقسمة كما أنه لم يتم في ذلك الوقت معرفة قيمة نصيب الأب وهو السدس حتى يدرك الأب العوض المناسب لنصيبه من بعد وفاة ابنه وهو السدس وما إذا كان هذا المقابل الحقيقي تتناسب قيمته مع قيمة السدس ، وفي هذا الشأن نصت المادة (179) مدني على أنه(اذا عمد احد المتعاقدين الى تغرير (تدليس) كان من الجسامة بحيث لولاه لما ابرم الطرف الثاني العقد لا يصح العقد ويكون للطرف الثاني طلب الحكم بابطال العقد كما يكون له ابقائه، واذا مضت ثلاث سنوات بعد انكشاف التغرير دون طلب الابطال وبدون مانع من الرد الفوري فلا تسمع الدعوى بشانه، وتعتبر كل حيلة يلجا اليها احد المتعاقدين تغريرا)

والله أعلم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اسباب الطعن بالنقض في القانون اليمني

ماهي الحالة التي يجوز فيها الحكم بإعادة القضية الى المحكمة الابتدائية؟

إنكار المحرر العرفي الصادر عن الغير